في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف
في رحاب سورة النور – 2
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
المقدم: تحدثنا عن سورة النور ومحورها العام وشرعنا في الحديث عن مطلعها لماذا جاء مختلفًا عن مطالع السور الأخرى ونذكّر بالمحور العام للسورة وأهم الموضوعات التي وردت قبل أن نواصل الحديث ونحن لا زلنا في بداية السورة.
د. المستغانمي: سورة النور هي سورة مدنية محورها العام الذي تعالجه وتبنيه هو الأسرة المسلمة فإننا لو طبقنا ما فيها من أحكام لأنتجنا بتوفيق الله تعالى أسرة عفيفة طاهرة وبالتالي يتكون لدينا مجتمع مسلم طاهر، فالمحور العام هو محور تربية الأسرة المسلمة، عنوانها سورة النور نظرًا لاحتوائها على أعظم آية وهي (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ (35) النور) تلتف حول هذا الموضوع موضوع الأسرة مواضيع تخدم هذا الموضع، حرم الله سبحانه وتعالى الزنا وذكر الحد الذي قد يراه البعض قاسياً (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ (2)) وذكر (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ) معناه فيه شيء من القسوة قد تحدث رد فعل عند بعض الناس لكن إذا تأملنا وتدبرنا في هذه السورة العظيمة من بدايتها إلى نهايتها نجد آدابا وأحكاما إذا ما طبقها الفرد المسلم فإنها تقيه من الوقوع في الحرام يعني كل ما في السورة كما أسلفنا وسائل وقائية تمنع من الوقوع في فاحشة الزنا وبالتالي لا يقع في الزنا فذكر (لا تقربوا)، وشرع لنا الاستئذان، شرع لنا غض البصر للرجال وللنساء شرع لنا تزويج الأيامى، كل ما فيها يلتف حول محورها، حتى آداب الاستئذان تؤدي إلى هذا الغرض، لها مواضيع كلها تدور حول الأسرة ويتوسطها آية النور. أوضح وأنا أشاهد إعادة الحلقة الماضية لعل بعض المشاهدين قد يهم ويقع في فهم خطأ في فهم آية النور التي سافصل فيها القول (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) من هذا المنبر الإعلامي أصحح للجميع بأن (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) نحن كمسلمين ننتمي إلى أهل السنة والجماعة العقيدة السليمة الصحيحة نثبت لله ما أثبت جلّ جلاله لنفسه نقول الله نور من أسمائه الحسنى النور، هذا النور لا يستطيع أحد إدراكه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) الإخلاص) الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة. لا بد أن نؤمن بأن الله نور السماوات والأرض واسمه النور، الجزء الثاني من الآية (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) هذا شيء آخر، أنا قلت هو تشبيه بعضهم يقول تمثيلي، وبعضهم قال مركّب، لكن (مَثَلُ نُورِهِ) نور الله بمعنى بذاته؟ لا (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) صفة ذاتية نثبتها ولا نتحدث فيها أكثر لأن النور ليس حسيًا.
المقدم: الآية شبّهت تشبيها متكامل الأركان: فيها أداة التشبيه ووالمشبه والمشبّه به فالله سبحانه وتعالى قال (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) (الهاء) هنا تعود على الله سبحانه وتعالى (كمشكاة).
د. المستغانمي: لكن أيّ نور يقصد؟ نقف عند ما وقف عليه العلماء الإمام الطبري وابن كثير والبغوي وابن القيم أجمعوا أن الجزء الثاني يتعلق بما بثه من النور (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة) ما الذي جاء من الله؟ الوحي، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) النساء) وهو القرآن، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة) نور معنوي الذي جاء بالقرآن نور الهداية نثبته ولا نناقش. إذاً التشبيه وقع يقرب للمسلمين وللقراء النور المعنوي الذي يوجد في القرآن نور الإسلام نور الهداية نور محمد صلى الله عليه وسلم أما المتعلق بنور الله نثبته ولا نناقشه هذا الذي أحببت أن أثبته في البداية وسأفصله إن شاء الله.
المقدم: محورها الأساسي هو معالجة الأسرة المسلمة هذا لا يعني بأنه ليس فيها موضوعات أخرى تكون قريبة من المحور العام. تحدثنا عن مطلع السورة وقلنا مطلع فريد (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا (1)) أليست كل السور أنزلها وفرضها الله سبحانه وتعالى وتحدثنا بشيء من التفصيل في هذا الأمر، ثم تحدثنا لماذا قال تعالى (الزانية والزاني) قدّم الزانية على الزاني، ولكن في الآية الثانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (2)) موضوع التعاطف والرأفة قد يرى البعض قساوة هذا المشهد أو يأوله أن هذا المشهد قاسي والرأفة والتعاطف مسألة داخلية وبالتالي نحن لا نملك التعاطف من عدمه، الإنسان يتأثر لا يملك أن لا نتأثر فلماذا ينهانا الله سبحانه وتعالى عن شيء لا نملكه؟
د. المستغانمي: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) النهي عن أمر شعوري لأنك عندما ترى منظراً تتأثر لا إراديًا، في الحقيقة الرأفة الداخلية لا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها لكن الرأفة في مثل هذا الموضع لو أخذتنا سوف تجعلنا لا نقيم الحدّ، هل هذه الرأفة محمودة أم مذمومة؟ مذمومة والرأفة التي تؤدي إلى تعطيل حكم الله رأفة تقودك إلى ما لا يحمد عقباه، ولذلك النهي ليس عام أن لا نرأف ولكن النهي هو أن نسعي إلى عدم تطبيق الحد فكأنه قال فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخروا ولا تتوانوا في تطبيق الحد من باب العاطفة (لا تأخذكم بهما رأفة) كناية عن التقصير في الحد، ما هي الكناية كما تعرف؟ الكناية هو كلام يطلق ويراد به لازم معناه في الفعل ما يستلزمه، هذه الرأفة إذا استلزمت عدم إقامة الحد فهي رأفة مذمومة لا تنجينا من أمر الله يوم القيامة.
المقدم: الله سبحانه وتعالى قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) لماذا لم يقل تؤمنون بالله ورسوله أو غيرها؟
د. المستغانمي: له ارتباط بما سبق عندما قال (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، لو فرضاً أخذت القاضي أو الحاكم الرأفة ولم يطبق في الحقيقة هذه الرأفة مذمومة قد تقود إلى عدم تطبيق حكم الله الذي ارتضاه وشرعه تؤدي إلى الإضرار بذلك الإنسان يوم القيامة (اليوم الآخر)، كأنه يقول إن لم تقيموا الحد في الدنيا سيقام عليه الحد في الآخرة، فهذه رأفة مذمومة إذا أدت إلى التأجيل، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقم الحد، لأن ذلك سينجي الزاني يوم القيامة، هنا كأنه يقول هذا التطبيق لشرع الله ينجي الإنسان يوم القيامة.
المقدم: لا شك أن الله سبحانه وتعالى لا يدعو إلى التشهير لكن لما قال (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؟
د. المستغانمي: بعض العلماء قالوا من عشرة إلى أربعين وبعضهم يقول أقل ولم تتفق أقوال العلماء، وطائفة في المصطلح اللغوي طائفة من طفا يطفو، (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ) طائفة تطفو على السطح، مجموعة بارزة من المؤمنين عدد أقل من عشرة والطائفة أقل من الفريق، الفريق الذي يفرّق الجمع، الإنسانية فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير أما الطائفة فعدد قليل بالنسبة للفرقة بدليل (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة) الطائفة عدد أقل لدينا عصبة ولدينا جماعة في اللغة العربية، لكن هنا سؤالك (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ) ليس من قبيل التشهير إنما أجاب عنه الفقهاء تطبيق الحدود في الإسلام يكون جابرا وزاجرا، جابراً للجاني لأن الذي يقام عليه الحد ويرضى بذلك التطبيق فإنه يتطهر يجبر ما فعل ويزجر غيره، فالحدود جوابر وجوازر هذا كلام الفقهاء.
المقدم: في الآية السابقة قال (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي (1)) وفي الآية التي تليها قال (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (3)) بدأ بالزاني هنا فما دلالته؟
د. المستغانمي: كما قلنا في الحلقة الماضية بدأ بالزانية كما قال المفسرون وكل ذي عقل يقول هذا الكلام لولا أن المرأة تتزين وتبتذل وتمكن ذلك الرجل الذي في قلبه مرض ما تمكن من الزنا الإثنان مسؤولان الزاني والزانية لكن جناية المرأة أنها مكنت ودعت وأغرت أما الآية الثانية بدأ بالزاني لأنه هو الذي يتزوج وعقد الزواج الرجل هو الذي يطلب، ثانياً للآية قصة ففي السنة الثانية للهجرة على ما يذكره المفسرون صحابي جليل يسمى مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان مسلماً وكان يذهب إلى مكة المكرمة ليفتدي أسرى المسلمين وكان رجلا صالحا وعندما يجد أسيراً يتفق مع أهله أو يحلّ قيده خفية ويأتي به إلى المسلمين في المدينة كان يفعل ذلك مراراً فذات مرة عاد إلى مكة في ليلة مقمرة كما يقول أهل السيرة فجاءته امرأة كانت خليلة له قبل الإسلام، فقالت: مرثد؟ فقال: نعم، قالت: تعال بت عندنا كذا، قال: لقد حرّم الله الزنا، فقامت ونادت أهل الحي تؤلبهم عليه فتبعه ثمانية من الرجال كادوا أن يبطشوا به لولا أنه نجا بفضل الله تعالى ثم عاد وأتى بذلك السجين ليلا وفك أسره ثم أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينه وبين تلك المرأة في الجاهلية عاطفة في الجاهلية فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أأنكح عناق؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجب بعد ذلك جاءه جبريل من فوق السبع الطباق (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وعدد من علماء الحديث، هذه الآية في الحقيقة ملبسة نوعا ما عندما تقول (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)، هل نعتبرها آية تشريع أم آية إخبار؟ العلماء توقفوا لو قلنا آية إخبار تخبرنا أن الزاني لا يتزوج إلا زانية وفي الواقع نجد عكس هذا قد نجد إنسانًا مسلماً تقياً نقياً رأي إمرأة تتمرغ في حمأة الزنى أراد أن ينجيها مما هي فيه وبالتالي يتزوجها ويخلصها مما هي فيه إذاً الواقع قد يثبت عكس ذلك وينجيها ويحسن إسلامها، وقد نجد العكس إمرأة فيها خير تتزوج إنساناً كان معروفاً بالزنى غير معقول هذا المعنى، المعنى الثاني قد يقول أحد نزلت تشريعا، الزاني لا ينكح إلا زانية والزانية لا ينكحها إلا زاني السؤال المطروح وهل القرآن يشرّع للزناة؟ السؤال ملبس، توقف العلماء وقالوا الآية نزلت تعالج واقعة بعينها وانطلق منها الإسلام إلى تحريم الذي ديدنه الزنا والتي ديدنها الزنا، يعني المسلم النظيف العفيف لا تسمح أخلاقه ولا يتدنى لأن يتزوج بامرأة دأبها الزنا هذا هو المقصود، لكن لو أنها تابت وأراد أن يخلصها له ذلك. العلماء قالوا هذا المقطع (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) تمهيد للتشريع ما هو التشريع (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إذاً نزلت من أجل واقعة معينة تقودنا وتمهدنا إلى تحريم الزنا وتحريم الزواج من الزانيات لأنه يعالج واقعة معينة.
المقدم: عندما يقول الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) شيء آخر غير الزنا لكن أعتقد أن له علاقة بالموضوع السابق فما الرابط بين الزنا ورمي المحصنات؟
د. المستغانمي: اسلفنا في أول الحلقة أن الله تبارك وتعالى حرَّم الزنا وبين حده للأعزب طبعاً والسنة أتت بالرجم والتطبيق للمحصن المتزوج وذكرت سورة النور الوسائل الوقائية، غض البصر، تسهيل الزواج، الاستئذان، عدم إبداء المرأة زينتها، وهذه وسيلة وقائية لمجرد إنسان يمشي في مؤسسة في مدرسة رأى امرأة واقفة تتحدث مع رجل يتهمها بالزنا؟! لا يجوز، الإسلام جفف منابع الإتهام.
المقدم: حتى لو رآها في موضع شبهة حتى لو رأها في موضع يشتهر عنه ممارسة هذه الجريمة هذا لا يدعوه أن يتهمها بالزنى.
د. المستغانمي: إلا إذا أتى بأربعة شهود رأوا الجرم رأوا الفعلة الشنعاء، كما قلت في بداية الحلقة بعضهم يرى أن حد الزنا فيه نوع من القسوة والله الإسلام لا يثبت هذا الحد إلا إذا رأى أربعة مع الرآئي الأول يرون الفعلة الجريمة الشنعاء، هل يثبت هذا بسهولة؟! إلا إذا كان هذا الفاعل مجاهراً حاقداً على الإسلام إنسان لا مبالي لا خلق له أبداً، إنسان غير واعي الإسلام الحدود بالشبهات ويقنن إلى تجفيف المنابع (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الطاهرات العفيفات والمحصنة هي التي دخلت بعقد شرعي ويحصّنها زوجها، والمحصن هو الرجل الذي دخل بعقد شرعي صحيح مع امرأة فهو محصن.
المقدم: لماذا قال الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) ولم يذكر رمي المحصنين؟
د. المستغانمي: أيضاً هذا الحديث تحدث عنه العلماء لما جاءت الآية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) حرّم الله رمي المحصنات وقذفهن بهذه الفاحشة دون رؤية صحيحة مع الشهود هل معنى ذلك التقنين والتشريع للرجال ضد النساء فقط لا كل ما يفهم من صريح الآية نفهم العكس بالقياس: واللواتي الذين يرمين الرجال المحصنين من غير شهداءأيضاً يطبق عليها الحد، جاءت الآية على الغالب للرجال والقرآن يخاطب كثيراً على الغالب يقول (يا أيها الذين آمنوا) أين نجد (يا أيتها المؤمنات) كل اللواتي آمن يدخلن في هذا التغليب.
المقدم: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) فيه شيء من التشديد على أنه ليس من حق أي إنسان أن يتهم حتى وإن رأى ولكن كما ذكرت يجب عليه أن يأتي بأربعة شهداء.
د. المستغانمي: سدا للذرائع، في الشريعة الإسلامية كما تعرف عندنا مصادر التشريع: القرآن والسنة والاجماع والقياس ومذهب الصحابي وشرع من قبله مختلف فيها ومن بينها باب سد الذرائع هنا تدخل هذه الآية لو رأى فعل الزنا الحقيقي ولكن ليس معه شهداء لا يتكلم حتى لا تشيع الفاحشة هذا هو المطلوب، ليس معنى ذلك يقر لكن لا يذهب لإقامة الشهادة حتى لا يجلد في ظهره، وبالتالي يجفف الإسلام المنابع، لو أن إنسانًا رأى فعل الزنا الحقيقي ولكن ليس لديه أربعة شهداء لا يستطيع أن يشهد وإلا المجتمع يتفسخ ويتميع وينتشر فيه هذا الكلام.
المقدم: هو لا يستطيع أن يشهد ولا يحق له أن يتحدث بهذه كذلك.
د المستغانمي: ويدعو لهم بالتوبة لكن لو كان عنده أربعة شهداء شهدوا الفعلو النكراء تطبق الحدود.
المقدم: معنى هذا أن إنساناً رأى هذه الجريمة وهو واحد أو إثنان يعني ليس عددهم أربعة كما ذكرت الآية فبالتالي يصمتون كأن لم يروا.
د. المستغانمي: سداً للذريعة وتنظيفاً للمجتمع وارتقاءً به وسمواً بالمجتمع، ألم تلاحظ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) كنت أتوقع منك سؤال بماذا يرمونهن؟ بالحجر؟ لا، والذين يرمون المحصنات بفعلة الزنا لكنه لم يذكرها، (ولم يأتوا بأربعة شهداء) على الزنا، أين كل المتعلقات؟ محذوفة ليسمو بالمجتمع.
المقدم: ولماذا ذكر هذا الفعل قال (يرمون) ولم يقل يتهمون؟
د. المستغانمي: الحقيقة (يتهمون) لكن الرمي يريد أن يشنّع الفعل أنت لم تتهمها أنت رميتها كأنه رماها بحجر وهذا مقصود في التعبير القرآني لذلك يسمى رمي المحصنات ويسمى قذف المحصنات، فإياك، أنت لا تتكلم ولا تتهم أنت ترمي وكلمتك إما سينصرها الله بأربعة شهداء وإما تأتي ضدك ويطبق عليك حد رمي المحصنات وبالتالي ينظف المجتمع.
المقدم: ولماذا ربط هذا الأمر بعدم قبول الشهادة لهم كذلك؟
د. المستغانمي: لأن هذا الإنسان تساهل واستهان في أداء الشهادة كان من المفترض إذا كان مسلماً وسامعاً لسورة النور وقرأ سورة النور كان ينبغي أن يتريث إذا كان لديه شهداء يتكلم إذا لم يكن لديه شهداء حتى لو رأى، ناس يظنون الظن السيء، فإنسان رأى فلانة خارجة من بيت فرضاً مع فلان فيذهب ظنه إلى الظن السيء مباشرة هذا إنسان تساهل في الشهادة فكان جزاؤه أن حرم من الشهادة في المستقبل (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) (أبداً) تفيد الزمن (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (هم) تؤدي إلى الحصر، كأنه حصر الفسق فيهم كأن غيره ليس بفاسق، لما قال (أولئك الفاسقون) لا نستطيع أن نقول حصر حقيقي، معنى الحصر الحقيقي أن الذي يشرب الخمر ليس بفاسق، هذا يسمى حصر وقصر للمبالغة كأنه هو الفاسق لا غيره لكن هذا حصر للمبالغة وليس من باب الحقيقة وعلماء البلاغة فصلوا في ذلك.
المقدم: الله سبحانه وتعالى في الآية الخامسة يستثني إستثناء عجيب (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تابوا من ماذا؟ هل تابوا من الزنا أو تابوا من رمي المحصنات؟
د. المستغانمي: هذه في آية الذين يرمون المحصنات. عندنا ثلاث عناصر في الآية: رموا المحصنات، لا تقبلوا لهم شهادة، أولئك هم الفاسقون جاء بعدها (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ما يأتي بعد الاستثناء يتعلق بالرمي أو بالشهادة أو بالفسق، هنا قال (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لكن حتى ولو تاب يقام عليه الحد أو لا يقام؟ يقام عليه الحدّ لا نعطّل الآية، الأولى لما قال (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) هذا استثناء من الجملة الثانية إلا الذين تابوا وحسن إيمانهم وحسن عملهم الصالح وأخلصوا هنا تقبل شهادتهم ويخرجون من دائرة الفسق، ولكن لا يستثنون من الحدّ وهذا قول واحد لجميع العلماء، واحد رمى وثبت رميه ويقول والله تبت توبة نصوحة حتى لو تاب وحسن إسلامه على قاضي المسلمين أن يطبق الحد، لكن الاستثناء من الجملة الثانية والثالثة تقبل شهادته في المستقبل ويخرج من دائرة الفاسقين بإذن الله (وأصلحوا) اصلحوا أنفسهم، أصلحوا أعمالهم أصلحوا صلتهم بالله..
المقدم: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم استثنى الله تعالى من قبول الشهادة ومن الفاسقين الذين تابوا وعملوا الصالحات أما إقامة الحد فيجب أن يقام، ثم جاء إلى رمي من نوع آخر (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) هذه المرة ليس لعامة المسلمين وإنما للزوجة (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) والآيات تأتي في هذا الأمر، هذه الآيات يسميها الفقهاء آية الملاعنة البعض قد يرى فيها شيئا من التشديد والشدة حتى أكثر من الآية التي قبلها؟
د. المستغانمي: لأنه الآن وصل الأمر من بقية الناس إلى بيتك، يتعلق بعرضك، في المجتمع يأتي واحد بأربعة شهداء يشهد، لكن لو جاء أحدهم لا سمح الله ووجد في بيته الفاحشة من أين يأتي بالشهداء؟ هنا لو كلّف الله جميع المسلمين بهذه الآية لكلّفهم عنتًا سبحانه وتعالى عن ذلك، ولذلك الآية فيها سبب نزول واضح يجمع المسلمون تقريباً عليه، وقع سبب نزولها بعد غزوة تبوك في السنة التاسعة وسورة النور نزلت في نهاية السنة الأولى وبداية الثانية، من بداية السنة الثانية إلى السنة التاسعة أكثر من سبع سنوات وهي تتنزل منجمًا، لو كان ترتيب القرآن وفق رأي محمد صلى الله عليه وسلم لكانت آية الملاعنة في آخر السورة لكنها تقريبا الآية الرابعة أو الخامسة لكنها حسب الوقائع تنزيلا وحسب الحكمة ترتيباً مادام الأمر يتعلق برمي المحصنات إذاً يتناسق معه الأمر لو تعلق بالأزواج فأتت بعدها. سبب نزولها أن رجلا يسمى عويمر العجلاني كان من الصحابة رضوان الله عليهم عاد مرة إلى بيته ووجد الزنا في بيته في المجتمع يحص لكنه كان رجلاً شهماً وقوياً وملتزماً بأوامر القرآن فأتى إلى ابن عم له عاصم بن عدي وقال له إسأل لي رسوله صلى الله عليه وسلم لو أن رجلاً وجد مع زوجه كذا وكذا أيقتله فتقتلونه به؟ أم ماذا يفعل؟ حتى أن سعد بن عبادة الصحابي الجليل قال كلمة مشهورة في التاريخ قال لو أني وجدت مع امرأتي رجلاً لقتلته بالسيف غير مسفح أي غير مشفق عليه، الرسول صلى الله عليه وسلم علق بعد ذلك على هذا الكلام وسأذكره، هذا الصحابي عويمر العجلاني قال لابن عمه اسأل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله فساله فقال يا رسول الله لو أني وجدت مع امرأتي رجلاً كذا وكذا، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة، الرسول صلى الله عليه وسلم طهور عظيم مشفق لا يجيب عن أشياء فرضية، فعاد في المساء فقال ما وراءك؟ قال له ذلك الصحابي لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال والله لا أنتهي حتى أسأله كان جاداً لانه رأي غيرة الأزواج محبة الأزواج تمنع أن يتهم رجل زوجه غير معقول إذا كانت المرأة مسلمة طاهرة في بيت قائم على الدين شرع من الخلق، فذهب إلى رسول الله قال يا رسول الله أرأيت إن كان رجل رأى من زوجه كذا وكذا، الرسول صلى الله عليه وسلم أجابه فقال لقد أنزل الله بك وبصاحبتك قرآناً اذهب وأتى بها، ذهب وأتى بزوجته وتلا الرسول صلى الله عليه وسلم الآية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) الإسلام ليس فيه عنت فيه رحمة هذه رخصة للأزواج هنا اعتبر الله شهادة الرجل تعادل أربع شهادات، أن تقسم وتشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين واللعنة هي الطرد من رحمة الله. والعكس أنت إذا كنت تكذبين في ما اتهمك به عليك أن تشهدي أشهد بالله إنه لكاذب بما رماني به والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وهذا تشريع عظيم وحصلت لما حلف الرجل وكان مستيقناً ونزل القرآن في شأنه فقيل لها عند الشهادة الخامسة بعد ما قال (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) فقيل لها اتق الله، يعني دائما القاضي أو الحاكم يذكر أنت مقبلة على عذاب جهنم، قالت والله لن أفضح قومي أبداً، وحلفت المرأة، عندما تحلف المرأة وتبطل حلفه قال القرآن (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) عذاب الدنيا، أنظر إلى روعة التعبير القرآني لم يقل (ويدرأ عنها الحد) وإنما قال يدرأ عنها العذاب، العذاب الأخروي أن تشهد ، القياس اللغوي يفترض (ويدرأ عنها الحد في الدنيا) لكنه ذكّرها هذا الحدّ يجبر العذاب يوم القيامة فسمى الحد عذاباً، نفس الشيء في الزناة لما يطبق عليهم الحد (وليشهد حدهما أم عذابها؟) (وليشهد عذابهما) كانه يقول إذا طبق الحد في الدنيا كفاهم العذاب يوم القيامة إذاً هنا قال (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذه تسمى آية الملاعنة والتفريق نوع من أنواع الطلاق بالملاعنة.
المقدم: آية عجيبة أن يصل الإنسان أن يلعن نفسه والمرأة توجب غضب الله عليها!. في الآية أسرار كثيرة، استعمل الرمي للدلالة على قوة الفعل (يرمون)، بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر الزنا وحدّ الزنا ثم ذكر رمي المحصنات بالزنا ورمي الأزواج صحيح للزنا حد لكن رمي المحصنات شديد ورمي الأزواج ليس باليسير، ليس الزنا فقط يؤاخذ عليه وإنما الرمي كذلك يؤاخذ عليه في الإسلام بشكل واضح جداً.
د. المستغانمي: صحيح هذا المعنى الزنا كبيرة من الكبائر وفاحشة، رمي المحصنات كبيرة ورمي الأزواج إذا كان معتدياً ظالماً كبيرة عظمى ولذلك يفرق بينهما بالملاعنة، وانظر لماذا تسمى بآية الملاعنة كما قال (والخامسة) أي الشهادة الخامسة (أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) علماء طرحوا هذا السؤال يوماً (لماذا اللعن في حق الرجل والغضب في حق المرأة؟) المفسرون ذكروا هذا قالوا هو إن كان صادقاً لا شيء عليه لكن إذا كان كاذباً استوجب بحلفه هذا أن يُبعدها من المجتمع، إمرأة فارقت زوجها بالملاعنة من يتزوجها؟ في الحقيقة تسبب في طردها من المجتمع ونبذها ولعنها فكان جزاؤه من جنس العمل الطرد من رحمة الله. هي لو كانت صادقة تكذبه ولو كانت كاذبة، فالله، اي البداية أغضبت زوجها غضباً شديدا دعاه إلى أن يلجأ إلى حاكم المسلمين يقول له طبق عليها أغضبته غضباً شديداً فأيما امرأة أغضبت زوجها الإسلام يبني الأسر،هنا بما أنها أغضبت زوجها غضباً شديداً فكان الجزاء (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فكان الجزاء من جنس العمل، وأنا أقرأ هذه الآية كنت أطالع القرآن مبني بتناسق بشكل عجيب سنأتي إليها إن شاء الله، حتى الألفاظ مبينية من جنس الألفاظ وأنا أقرأ في سورة الهمزة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الهمزة) من هو الهمزة؟ الذي يهمز الناس ويلمزهم ويطعنهم فعلة شنعاء، في النهاية (لينبذن في الحطمة) اختار لهم من أنواع النار (الحطمة) على وزن فعلة همزة لمزة حطمة على وزن (فُعلة) ولم ترد في القرآن إلا هنا ليس الجزاء من جنس العمل فقط حتى اللفظة نفسها من جنسها.
المقدم: وأنا أستمع لسورة النور استوقفني أمر الآن وصلنا إليه، نحن نعرف في اللغة العربية لفظ (لولا) أداة امتناع لوجود، وخبرها يحذف وجوباً ولكن مبتدؤها موجود وهنا (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) في غير القرآن كأن في الآية محذوف فكأن المبتدأ غير موجود؟!
د. المستغانمي: المبتدأ موجود (فضل الله) لولا أداة امتناع لوجود، لولا رحمة الله لهلكنا، امتنع هلاكنا لوجود رحمة الله. (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) لأهلكهم وحاق بكم ما حاق من المصائب، الخبر محذوف وجوبا، لولا فضل الله موجود لمسكم من العذاب ما مسكم في هذا المجتمع، عندما تلحقكم مثل هذه القضايا، لولا فضل الله في هذا التشريع لتمرغ المجتمع في حمأة الفواحش، لولا فضل الله عليكم لكان الجاني يزداد في الزنا وأن الله تواب لماذا قال هنا تواب؟ لأنه يتوب حتى على الزاني وستر عليه كأنه يقول لولا فضل الله موجود ولولا رحمته ولولا رأفته وتوبته موجودة لمسكم ولهلكتم وبالتالي يهلك الزاني. الجواب يجوز ذكره ويجوز حذفه (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أحيانا موجود وأحيانا غير موجود..
المقدم: ندخل في موضوع جديد، كلما يختتم موضوعا يذكر بالآيات والسورة فيها موضوعات كثيرة (ويبين لكم الآيات) (والله عليم حكيم) (ولقد أنزلنا إليكم)
د. المستغانمي: هي فواصل تقطع الموضوعات وتفصلها وتقسمها.
المقدم: لا زلنا في موضوعات فيها خيط يربطها، الآن نأتي إلى حادثة الإفك وحادثة الإفك فيها رمي بالزنا ورمي من؟ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الأمر يتصاعد: رمي المحصنات ثم الأزواج من المحصنات ثم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
د. المستغانمي: هذا يسمى الترقي في الأسلوب القرآني: الزنا، رمي المحصنات، رمي الأزواج، رمي سيد البشر في بيته حتى وصف الجنة يبدأ ب (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) ترقي إلى أن يقول (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أرقى أنواع اللذة النفسية التي يجدها، الترقي في آيات الرحمة في آيات العذاب في الوصف شيء عظيم.
المقدم: نأتي إلى حادثة الإفك التي هزت المجتمع.
د. المستغانمي: حادثة الإفك حادثة تطبيقية للقرآن النظري وحتى لا يمثل بعائلة معينة هذا الأمر شنيع ابتليت به أعظم عائلة وأشد المؤمنين بلاءً الأنبياء، وهل ثمة ابتلاء أن يقال لأعظم نبي إن زوجك خانتك في بيته وهي بريئة عائشة الرزان الحصان العفيفة النقية ترمى وهي بنت أبي بكر الصديق وزوج النبي أشرف خلق الله، الحادثة وقعت في السنة الرابعة بعد غزوة بني المصطلق وكانت عائشة صغيرة السن يومها وبعد انتهاء الغزوة وعودة القافلة كانت في هودجها وتفقدت عقداً لها فذهبت تطلبه فلما عادت لم تجد القافلة والذين كانوا يقودون هودجها ظنوا أنها موجودة فلما لم تجدهم قالت لا حول ولا قوة إلا بالله وجلست سيذكرونني ويأتون، بعد وقت معين جاء صحابي جليل اسمه صفوان بن المعطل رجل من بيني سليم فوجدها وكان يعرفها قبل الحجاب فلما رأى وجهها تعرف عليها قال لا حول ولا قوة إلا بالله، وأناخ ناقته وأتى بها ولحق بهم صباحاً والرجل طاهر وعائشة أطهر بمجرد ما رأى أكبر المنافقينهو عبد الله بن أبي بن سلولأطلق مقولته الشنعاء (والله لا نجت منه ولا نجاه منها) ورددتها الألسنة ولاكتها وبعض القرآئن لماذا تأخرت ولماذا جئت معه، الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وأبو بكر بشر المسلمون والناس لا يعلمون الغيب وهذا من تلبيس إبليس، هنا ابتلي المسلمون والمجتمع المسلم في المدينة بهذه الحادثة ولكن الخير في هذه الحادثة كثير نزلت عشر آيات (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وبدأت الخيرات وطهرها الله من فوق السبه الطباق وعظم بيت الرسول وفضح المنافقين الخيرات التي استفادها المسلمون حادثة عجيبة يكفي نزول عشر آيات عظيمة. عائشة الطاهرة ويحق لها أن تفخر على النساء فقالت: لقد أعطيت تسعاً لم تعطهن امرأة قالت: نزل جبريل بصورتي في راحته عندما أمره الله أن يتزوجها قالت ولقد تزوجني بكرا ولم يتزوج بكراً غيري ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجري وفي حديث (بين سحري ونحري) وقالت: وقد قبر في بيتي وحفته الملائكة في بيتي ولقد كان ينزل عليه الوحي وأنا في لحافه وأنا بنت خليفته وصديقه وأنا طيبة خلقت لطيب ولقد نزل عذري من السماء. فهل بعد هذا تكريم لمثل هذه المرأة العظيمة، حادثة الإفك عظيمة والفوائد منها جميلة جداً.