الحلقة 140 – سورة الأحقاف
ضيف البرنامج في حلقته رقم (140) يوم الثلاثاء 16 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل الأستاذ المشارك بجامعة القصيم ..
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الأحقاف .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان حياكم الله في برنامجكم اليومي التفسير المباشر واليوم هو السادس عشر من شهر رمضان النبارك عام 1432 هـ . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن المتدبرين له والعاملين به وأن يجعله حجة لنا لا حجة هلينا. باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا في هذا اللقاء الذي قدم إلينا من القصيم وهو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل الأستاذ المشارك بجامعة القصيم ونائب رئيس مركز تدبر للقرآن الكريم. سوف يكون حديثنا في هذا اللقاء مع ضيفنا حول سورة الأحقاف.
اليوم سوف نختم الحديث عن سور الحواميم وأرجو أن يكون ختامها مسكاً. تعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة وإن كان لديك شيئاً تريد أن تقدّم به حول علاقة السورة بما قبلها تختم به الحديث عن الحواميم
د. عمر: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. هذه السورة خاتمة الحواميم والحواميم ربما تعرض الإخوة المشايخ قبلي لمجمل موضوعاتها فهي لمن تأملها هي وحدة موضوعية تعالج قضية تتعلق بالوحي لكن هذه المعالجة جاءت على أنحاء شتى ففي غافر مثلاً جاءت تقرير الوحي والرسالة بقضية المجادلة وتكرار لفظة الجدال في سورة غافر وقصة مؤمن آل فرعون ثم في فصلت نبرة أخرى فيها نوع من التهديد والتعريض بأولئك الذين لم يستجيبوا لهذا الوحي ولهذه الرسالة ومقارنة استجابة السموات والأرض مع أنها أكبر من خلق السموات بعدم استجابتهم ثم جاء الحديث عن الشورى وأثر هذا الاجتماع في قوة الرسالة وأن الاجتماع على الخير أو على الشر سيكون مآله في الآخرة طرائق شتى، فالمؤمنون أشارت سورة الشورى إلى قضية الاجتماع (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (13)) ففيه اتفاقات في الرسالات ليس رسالة النبي صلى الله عليه وسلم جديدة إضافة إلى هؤلاء الذين خالفوا (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (21)) هناك حديث عن هذه المجموعات عندما أعرضت عن هذه الرسالات، هناك حديث مفصل لا أريد أن أعيد ما ذكره المشايخ لكن أريد أن أصل إلى النهاية. سورة الزخرف تحدث فيها الدكتور محمد الخضيري عن الفتنة في هذه الدنيا أثر هذه الدنيا وفتنتها على الإعراض عن الاستجابة للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم جاءت الدخان ثم الجاثية ثم جاءت الأحقاف وسبحان الله خاتمتها جاءت من أنسب ما يكون في بيان حال الذين أعرضوا عن هذا الوحي بعد هذا التقرير الذي تقدم للرسالات بصور مختلفة بالسور المختلفة في السور الماضية جاءت الخاتمة لتبين مصير الذين يعرضون عن الوحي. فأنا بعد تأملي في السورة مدة لا بأس بها – وأرجو أن أكون مصيباً فيها – أنها تركزت في الحديث عن مآل المعرضين عن هذا الوحي، يظهر ذلك جلياً في عدة آيات كريمة سنمر عليها. السورة أربع أوجه أو تزيد قليلاً ومع ذلك جاءت لفظة الاعراض أو التركيز على هذا المعنى في عدة مواضع كما سنمر عليها بعد قليل.
بالنسبة لسورة الأحقاف ليس لها اسم إلا هذا الاسم وهي من السور القرئل التي ليس لها إلا اسم واحد بحسب بحث الدكتور منيرة الدوسري أسماء سور القرآن لا يزيد عن 32 سورة ليس لها إلا اسم واحد. ولا شك أن السورة التي ليس لها إلا اسم واحد ينبغي أن يكون هناك علاقة بين الاسم ومقصود السورة ومضمونها. وهي مكية باتفاق أهل العلم إلا ما قيل في آية من الآيات سنمر عليها بعد قليل هل هي مكية أو مدنية.
د. الشهري: إذن هي سورة مكية لم تعرف إلا بهذا الاسم، هل ظهر لك وقت نزولها؟ في أي وقت من العهد المكي؟
د. عمر: من خلال ربما أكثر ما يكشف لنا وقت نزول السورة قصة قراءة القرآن على الجنّ أو إن شئت قل حضور الجن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) وهذا أظنه قبل الهجرة بسنتين فربما السنة العاشرة أو الحادية عشر لأن هذه السورة معدودة في الستين من النزول.
د. الشهري: إذن يمكن أن نقول أن عنوانها: مآلات المعرضين عن الوحي
د. عمر: لأنه لما تقدم في آل حم وهي وحدة موضوعية كما تُشعر به كلمات السلف قول ابن مسعود “إذا دخلت في الحواميم فكأني في روضة أتأنق فيها” فهذا يُشعر أن ابن مسعود من قديم يشعر كأنه دخل في..
د. الشهري: وهو ممن شهد ذلك الموقف
د. عمر: هو ربما لم يشهد لكن ربما حدّث به، هو لم يحضر معه أحد لكنه ممن حدّث بخبر الجنّ. فالمقصود أنها وحدة وهذه وصية لي ولإخواني إذا جاءت مثل هذه الكلمات عن السلف وخاصة من علماء مثل ابن مسعود الذي كان من أعلم الصحابة بكتاب الله ينبغي أن نتوفق عندها لا نظن أنها مجرد فضيلة أو معلومة عابرة لا، هذا يشير أنها وحدة متكاملة ينبغي أن ننظر في وجه الترابط وربما إن اتسع الوقت يعني بعض الفضلاء قال حتى سورة محمد والفتح التي بعدها لها صلة بما تقدم في آل حم، فإذا اعتبرنا آل حم وحدة واحدة فمحمد والفتح كأنها لمن أعرض عن الوحي بعد كل هذه المقدمات في الوحي ومحمد من أسمائها القتال ليس لكم بعد هذا الاعراض إلا القتال وليس لكم بعد القتال بإذن الله إلا الفتح والله أعلم
د. الشهري: دعنا نبدأ من أول السورة ونتحدث عنها بحديث مفصّل، مطلع السورة وعلاقته بهذا المقصد الذي ذكرته والمآلات
د. عمر: قلنا أن السورة تدور عن المعرضين عن الوحي وهذا يتضح من أول آية جاءت بعد المقدمة فالله سبحانه وتعالى يقول (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)) إنكشف الأمر بوضوح. ولاحظ أنه قال (عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ) ثم انتقل إلى بيان هذه الأسباب التي جعلتهم يعرضون تعلقهم بالآلهة التي كان عليها الآباء فجاء التسفيه لهذه الآلهة ما الذي جعلكم تتعلقون بها؟ هل فيها نفع؟ (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أعطوني برهان يجعلني أقتنع أن هذه الآلهة تستحق العبادة، ماذا خلقوا من الأرض؟ لا يوجد شيء يُرى بالعين؟ وهذا من أسرار التعبير (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) شيء يُرى. (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هل هناك شراكة في خلق السموات؟ في تدبيرها؟ لا يوجد شيء من ذلك، فالخلق ذكر في الأرض والشرك ذكر في السماء لأنه أمر يحتاج إلى علم. وربط الخلق بالأرض هنا لأنه شيء يرى، هل يوجد حيوان أو حشرة أو آدمي أو شيء خلقوه مما فيه روح حتى الأشجار؟ لا يوجد شيء مما يخلق لهم فيه شرك، إذن ما الذي يجعلكم تتعلقون بهذه الآلهة؟ قال تعالى (اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا) حجة على ما تذكرون، هل هناك كتاب سماوي يصدق على صحة ما تقولون (أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ) حتى لو لم يكن وحياً من السماء إئتوني بأثارة من علم، شيء مكتوب، شيء معلوم، شيء يُرى ويُحَس، يؤثر عن من قبلكم أن ما تصنعونه حق إن كنتم صادقين ولستم صادقين بطبيعة الحال لا يوجد شيء من هذا. ثم انتقل
د. الشهري: وهذا فيه إشارة إلى أنه ليس لديهم أي مستند
د. عمر: أبداً، ولذلك لاحظ السياق انتقل مباشرة ليلغي كل وسيلة للتفكير يبحثون أو لا يبحثون، أبداً، بل انتقل إلى بيان أن هذه الآلهة لا تنفعهم أحوج ما يكونون إليها في الآخرة (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) أنت الآن لو تدعو حجراً أو صنماً إلى يوم القيامة لن يستجيب لك، كما قال الله عز وجل كما شبّه حالهم (إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ (14) الرعد) لو أدخل أحدنا يديه إلى الماء وأراد أن يسحب الماء ليشرب وهو فاتح كفيه لن يبقى في يديه ماء! كذلك لن يبقى معك شيء من تعلقك بهذ الآلهة (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) وهذا منطقي كيف تسمعك الحجارة؟! فضلاً عن أن تستجيب لك مرادك. ثم قال (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) الآن بيّن سفهها في الدنيا ثم انتقل إلى الآخرة وإذا حشر الناس في ذلك الموقف العظيم الذي أحوج ما يكون الإنسان فيه إلى ينجيه من عذاب الله وجل (كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء) ليست القضية أنه تخلصوا من شؤمها وشرها وإنما تنقلب إلى أعداء كما قال في قصة ابراهيم (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) العنكبوت) تنقلب وهذه بالمناسبة ليست خاصة بالأصنام وإنما كل من يعبد من دون الله حتى علماء السوء والضلالة الذين رضوا أن يكونوا أرباباً من جون الله يشرّعون الباطل يبيحون الحرام ويحرّمون الحلال كل هؤلاء سينقلب بعضهم أعداء لبعض ويلعن بعضهم بعضاً. ثم قال تعالى (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) لأن هذه الأصنام ستتبرأ بل حتى الذين عُبِدوا من دون الله من الملائكة وعيسى ونحو ذلك كلهم سيتبرأون منهم
د. الشهري: (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة)
د. عمر: هذه بالنسبة لمن رضوا (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (98) الأنبياء) وأما أولئك فاستثناهم الله في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) الأنبياء) أيضاً نجد في سورة النحل، في سورة الأنعام هناك إشارة لا نريد أن نستطرد ولكن لتوضيح القرآن بالقرآن (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) الأنعام) ينكرون لعلم ينجوا لكن لا ينفع ذلك، فيعترفون لعلهم أيضاً ينجون ولكن لا فائدة من هذا لاحظ هذا في سورة الأنعام وفي سورة النحل (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)) خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة.
ثم انتقل السياق إلى الحديث عن واقع هؤلاء الكفار حينما يتلى عليهم الوحي وهذا تأكيد لقضية الاعراض التي أشرنا إليها (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ) جاءت التهمة جاهزة معلّبة (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) بالمناسبة تتبعت أنا في السورة من أولها إلى آخرها كل ضمير يتعلق بالحديث عن الوحي الرسول والرسالة فوجدته أكثر من 30 مرة، على الرسول أو الرسالة أي اسم صريح أو ضمير كل ذلك بالتتبع إن لم يفتني شيء فهو 31 مرة كل هذا يدور حول إعراضهم عنه وأيضاً ثمرة الاستجابة. ثم قال (هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (8)) هنا الآن ردٌّ على فريتهم هم يقولون (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) (أم) هنا بمعنى بل للإضراب فقال الله سبحانه وتعالى (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) لو كنت كذلك (فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) (هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ) والله سبحانه وتعال أعلم بما تقولون أنا فعلاً مفتري أم تريدون أن تلبّسوا على العامّة نريدون أن تضللوا الرأي العام وتصدون الناس عن اتباع هذا الوحي (هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ) (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) هذه واحدة، سيعذبني إن افترتيه، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ) الله سبحانه وتعالى يعلم مقصودكم من إلقاء هذه الكلمة لأن أهل الباطل أحياناً إذا عجزوا عن مقابلة الحق يلقون كلمة للتشويش إما رمي بعِرض فإن فشلوا في ذلك رموه بتهمة الكذب أو أدخلوا الاحتمالات (يمكن ويمكن) وهذا نشهده في الإعلام في مناقشة بعض القضايا الشرعية المحكمة ولذلك لجأ صلى الله عليه وسلم إلى الشهيد الذي لا أعظم من شهادته (كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ) قل لست أنا رسولاً آتي بشيء جديد، والبدع هو الشيء الذي يأتي وليس له مثال سابق ومنها سميت البدعة بدعة لأنها مسألة تُنشأ على غير أصل وليس لها أصل في الشرع وليس لها مثال سابق. (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ) لست جديداً وستأتي الإشارة إلى موسى بعد قليل وهم يعرفون ذلك (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) وهنا لا بد أن نعرف أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) في الدنيا أما في الآخرة فلا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن مآله إلى جنات النعيم لأنه لا يمكن أن يبلّغ عن الله عز وجل رسالته ولا يعرف مآله وهذا شيء واضح لكن ننبه عليه لأن بعض الناس قد يظن أن هذا اللفظ يشمل الدنيا والآخرة. ما هي وظيفتي؟ (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) هذه هي المهمة أنا أتبع ما يوحى إليّ وليس لي مهمة إلا أن أُنذر ونذارتي ليست نذارة فيها همهمة أو غمغمة أو شيء فيه طلاسم غير واضحة عندي من البيان والوضوح ما تقوم به الحجة عليكم لا في مقالي ولا في ما أدعو إليه فالبيان شامل لهذا وهذا. ثم سألهم سؤالاً (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ) وهذا من باب التنزّل مع الخصم وإلا هو يقيناً من عند الله لكن أراد أن يتنزل معهم ليقودهم إلى نتيجة لا بد أن يكونوا إما هكذا وإما هكذا. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) على مثل ما أقول، ما لكم إلا وصف واحد أنتم ظالمون (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهذه الآية هي التي ذكر بعض أهل العلم أنها مستثناة من السورة وقالوا إنها مدنية وقالوا إنها نزلت في عبد الله بن سلام وعبد الله بن سلام بالاتفاق لم يسلم إلا في المدينة والصحيح أن هذه الاية مكية لأن الأصل المعروف عند المحققين أن السورة إما مكية أو مدنية ولا يلجأ إلى استثناء آية من آياتها إلا بدليل واضح. وهذه الآية يمكن أن نقول أنها نزلت في عبد الله بن سلام وفي غيره من الناس بمعنى – وهذه ذكرها ابن كثير في تعليقه على قول ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سلام – قال هي في عبد الله بن سلام وغيره وهذا هو الصحيح بمعنى أنها نزلت فيمن كان حاله كحال عبد الله بن سلام كما في قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) وفي قوله تعالى في سورة التوبة (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)) ابن حجر وغيره يقولون نزلت في أبي طالب وأبو طالب توفي قبل والتوبة من أواخر ما نزل فالمعنى أنها نزلت فيمن كان حاله كحال أبي طالب فتبقى السورة مكية والمعنى يصلح لهذا ولهذا. ثم انتقل السياق الآن إلى فرية رخيصة أطلقها هؤلاء الكفار ويطلقها أضرابهم سبحان الله ممن يحجبون عن الحق ويظنون نهم هم الذين استأثروا به من بين الناس فقالوا لما عجزوا عن الإجابة عن الحجج الماضية قالوا (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) معقول يسبقنا عمار وبلال وسلمان وهؤلاء الموالي والضعفاء معقول يسبقنا هؤلاء إلى الخير ونحن أصحاب العقول وأصحاب المكانة والمنزلة والشرف ونحرم من هذه المكانة؟ لو كان خيراً ما سبقونا إليه، سبحان الله، لماذا لا نعكسها؟ هذه شبهة لكن لماذا لا نقلبها ونقول: لو كان ما أنتم عليه خير لسبقوكم إليه، تقلب عليهم هذه فرية رخيصة يمكن أن تطلقها والآخر يقلبها عليك يقول لو كان ما أنت عليه خير لكنا نحن أسبق إليه منك ولئن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عمار وغيره من الضعفاء فمعه أكابر لا يمكن أن تقدحوا فيهم معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة المبشرين بالحنة ويكفي أن يكون على رأس هذا الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يعرفون صدقه ويعرفون أمانته ويعرفون أنه من أنصع الناس سيرة.
د. الشهري: بعض الدعوات التي تعارض وأنت تتحدث عن المعرضين عن الوحي من شبهاتهم قضية أنهم يركزون على الضعفاء كما في قصة نوح (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27) هود) مع أني لا أتوقع أنهم هم الوحيدون الذين اتبعوه وانما فقد يكون معه مثل ما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من كبار الناس لكنهم يركزون على هذه الشبهات.
د. عمر: ثم نسأل ما علاقة الضعفاء بالحق؟ أنت ناقش الحق ناقش الفكرة ليس لك شأن بمن قالها وهذه من القواعد التي ينظِّر لها بعض من يتسمون بالمنهج العلمي “ناقش الفكرة ولا عليك من القائد” وهنا أيضاً ناقش الحق
د. الشهري: توقفنا عند المستكبرين الذين يعرضون عن الوحي ويعرضون عن الدعوة ويتهمون النبي صلى الله عليه وسلم ويتهمون الأنبياء بصفة عامة وهذه تكاد تكون مشتركة بين كل المعرضين وأنت حديثك في عنوان السور عن المعرضين عن الوحي أنهم يرون أن الذين يتبعون الأنبياء هم الضعفة والفقراء وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبعه كبار قريش مثل أبو بكر وعمر وعثمان فذكرني هذا بحديث هرقل لما سأل أبو سفيان من يتبعه؟ كبار الناس أو ضعفاؤهم؟ قال ضعفاؤهم فقال كذلك الرسل هؤلاء هم أتباع الأنبياء
د. عمر: ولعل من أسباب هذا والله أعلم أن الضعيف غالباً أو الذي ليس من علية وم ولا من الملأ غالباً ليس له حواجز نفسية حواجز نفسية تحول دونه هو يفكر فيما يقال هل هو حق أو ليس بحق فيتبعه وإلا هو باقٍ على ضعفه في الغالب لن ينتقل إذا أسلم لن يكون حراً بمجرد الاسلام مثلاً ولن إذا أسلم سيكون من قبيله مشهورة، لا، ليس هناك مكتسبات مادية
د. الشهري: ألا يمكن أن يقال وهذا تأكيد لكلامك أن من أسباب الإعراض الخشية على الخسائر المادية والمكاسب الدنيوية
د. عمر: منصب وغيره ولذلك ماذا قال أبو جهل عن بني هاشم قال: سقوا وسقينا وأطعموا وأطعمنا وفعلوا وفعلنا قالوا منا نبي فمن أين نقول منا نبي؟! هذا الكِبْر مشكلة. هنا (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) سبحان الله هذه الكلمة يقولها اليوم بلسان الحال وبلسان المقال الذين انحرفوا فكرياً وانقلبوا على تراث أمتهم لم يجدوا في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيما خلفه السلف الصالح من علم عظيم لم يقع منهم هذا موقع النفع فقالوا هذا إفك قديم فقالوا هذه أوراق صفراء، هذا تراث بالي، هذا فقه بدوي، هذا فقه صحراوي، إفك قديم، ومن هذه الكلمات التي تشابه هذا الكلام (إفك قديم) نحن في عصر في عام 2011 ومن هذه الكلمات التي تشعر والعياذ بالله بكِبْر فكري! وهذا من أعظم أسبابه الغرور، قال الله تعالى في أواخر -وانظر ارتباط الحواميم – (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ (83) غافر) لكنه علم لا ينفع لأنه لم يفدهم ولم يقدهم إلى الانقياد للرسالة، نفس الكلمة، هناك لم ينفعهم علمهم وهنا قالوا هذا إفك قديم. ثم من الحجج التي أقيمت عليهم تذكيرهم بكتاب موسى الذي يعرفه العرب والعجم والإنس والجن كما سيأتي (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) ليس بدعاً من الرسل لا في شخصه عليه السلام ولا فيما أُنزل إليه من الوحي ونحن نعلم أن هذه السورة نزلت في أواخر العهد المكي وكان في قريش من أهل الكتاب كورقة بن نوفل وكانوا يذهبون إلى الشام ولهم صلة بأهل الكتاب ويعرفون شيئاً من أخبار الرسل. (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً)
د. الشهري: ظهر لي بين قول النبي صلى الله عليه وسلم هنا في الآية (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ) أنا لست أول واحد وإنما هناك رسل يعرفونها وبين قولهم هم في ردهم الحق (هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)، هو يقول أنا لست أول واحد هناك رسل سبقوني وهم يقولون ما جئتَ به إفك قديم
د. عمر: والقديم من معانيه في كلام المتكلمين، القديم المقصود به هنا الذي بلي أو أثّر فيه الزمن أو شيء يكاد يُنسى من قدمه وبعد زمانه. وأراد الله عز وجل -وهذا كثير في القرآن- الربط بين موسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وبين التوراة والقرآن الكريم فربط بينهما بهذا الربط فقال (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ) لكن يفترق عن التوراة بشيء وهو أنه بلغتكم التي تعرفونها (لِّسَانًا عَرَبِيًّا) وجاء الحديث هنا عن الرسالة لا عن الرسول لأن الانكار كله يدور على الوحي، ولم يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لأن كل الإعراض والإنكار يدور على الوحي وعلى الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى لما كاب بعضهم ورماه بالكذب هو أول من يعرف أنه كاذب في قوله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كاذب. (لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) إشارة إلى الحكمة، لينذر الذين ظلموا ما قال لينذركم ليبين أن إعراضكم هذا من أعظم ما يكون من الظلم عندما تكذبون به مع كونه لساناً عربياً فصيحاً ومصدقاً قال سبحانه وتعالى (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ) فهو مصدق لما سبقه من الكتب لأنها من عند الله ومصدق لها لأنه موافق لها فيما جاءت به من الشرائع الكبار. (وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) من هم المحسنون؟ جاء تفسيرهم في التي بعدها (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ومقابلة الظلم بالإحسان هنا دليل على أن أعظم أنواع الإحسان هو اتباع الرسالات، وأيضاً هنا قال (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وهنا سؤال: هذا الوعد العظيم الذي يملأ القلب طمأنينة وسكينة جاء مثله في سورة فصلت -لاحظ نحن في الحواميم- لكن هناك قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فالوعد كان من الملائكة وهنا حذفت الواسطة لأن الوعد جاء من الله عز وجل مباشرة بينما هناك كان من جهة الملائكة.
د. الشهري: وكان الحديث في سورة فصلت عن القرآن وهنا الحديث عن المعرضين عنه
د. عمر: ثم قال الله (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هذا مقطع ضخم جدً وواضح في تقرير هذا المعنى العظيم في مآل المعرضين ولم تكتمل بعد مآلاتهم لكن الإشارة إلى لب السورة وموضوع السورة أنه يدور حول هذا الموضوع. وهنا تساؤل في المقطع الذي بعده: ما صلة الحديث عن الوالدين بما قبله؟ و ما علاقته بالإعراض عن الوحي وقلنا إذا جاءت آية لا بد أن يكون لها صلة بالموضوع التي تدور حوله السورة. من أهل العلم من يقول أنه كقاعدة في القرآن في الأمر بالتوحيد يثنّى بعد ذلك بذكر الوالدين لكن ربما يكون أحسن من هذا والله تالى أعلم أنا الناس في علاقتهم مع الوحي استجابة وإعراضاً كعلاقة الناس في برِّهم لوالديهم ومع سابق فضل الوالدين والأم بالذات وما يحصل منها من ألم وأن هذا من الأمور التي تدل عليها الفِطَر السليمة ولو لم يأت بها شرع لكان الإحسان بالوالدين موجود في الطبائع ومع هذا يأتي التذكير للنبي عليه الصلاة والسلام وفيه إشارة أيضاً إلى طرائق الناس في الاستجابة للوحي فالناس مع هذا الوحي كالناس مع والديهم منهم من يبرّ بوالديه ومنهم من يُحسن إليهم كما أحسنوا إليه ومنهم من يُعرض. وأيضًا ما نسبة المقارنة بين إحسان الوالدين إلى أولادهم وبين إحسان الله عز وجل لعباده؟ لا مقارنة ولذلك في الآيات التي قبلها قال (وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) ثم قال بعدها (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ومما يعملونه هذا البرّ وهذا الاحسان ومع هذا يقال مع شناعة عقوق الوالدين فما يحصل من إنكار الرسالات وإعراض الناس عن الله عز وجل الذي الإحسان كله منه وإليه ومع ذلك يوجد مثل هؤلاء.
د. الشهري: ومما يؤكد كلامك أن الحديث عن الإعراض أنه عندما تحدث عن بر الوالدين هنا فصّل في معاناة الوالدين قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) أطال في هذه المرحلة وهي مرحلة قاسية
د. عمر: الموضع الوحيد في القرآن في بيان شأن العاقّ ما جاء بمثل هذا التفصيل قال سبحانه وتعالى في شأنه (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا) مع أن الله نص (ولا تقل لهم أفّ) لكن أكّد العقوق بهذه الكلمة. وجاءت أيضاً بتكذيبه (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) هذا مُعرِض أو مستجيب؟ معرِض، هذا نموذج للمستجيب وهذا نموذج للمُعرِض
د. الشهري: هل ظهر لك شيء في قوله (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) تحديد الأربعين ونحن في هذه السن الآن يبدو لها خصوصية
د. عمر: والله أعلم هناك شيء لم يذكره المفسرون ولكن نتدارس فيه ونتأمل النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا بعد الأربعين وهذا شيء معروف فهو لم يُبعث إلا بعد اكتمال قواه العقلية والنفسية والبدنية بلغ أشده وليس بعد الأشدّ إلا الضعف فلا يمكن أن يقدحوا أن هذا الذي جاء بالرسالة شاب مسكين ما عركته التجارب، هذه واحدة. والمعنى الثاني التركيز على هذا السن كما أشار بعض العلماء فيه اكتمال لهذه القوة النفسية القوة البدنية القوة العقلية لأن الإنسان إنما يؤتى من نقص في أحد هذه الأشياء خصوصاً في الجانب العقلي والآن نتحدث عن الوحي، هذا ملحظ. أيضاً من الملاحظ في اختيار الأربعين أن الإنسان في هذا السن غالباً كما ذكر غير واحد من المفسرين غالباً ما يكون بدأ يلتفت إلى الولد ويلتفت إلى الزوجة كبرت معه وبدأ يلتفت إلى الولد بدأوا يدّبون على الأرض ولهم حوائجهم الآن في عصرنا الآن الولد يحتاج إلى سيارة وبعد كم سنة يحتاج إلى زواج وبعد كم سنة تسعى له في وظيفة وهذا شيء نعرفه أنا وإياك من أبناء الأربعين على عتبتها فالإنسان يدرك شيئاً من هذا ولهذا كان بعض العلماء يقول: إذا بلغت هذا السن فاحذر معصية الله لأنك الآن اكتمل الأشد عندك ولم يبق لك إلا أن تكون مثل هذا الرجل الذي ذكر الله عنه من جنس هؤلاء الرجال أن يكون شأنك ربي أوزعني أن اشكر نعمتك (وهذه مفرد مضاف تشمل كل النعم التي أُنعم بها على الإنسان) التي أنعمت عليّ وعلى والديّ، انظر الاتصال الزمني في ثلاث طبقات: أنا حلقة الوصل سبقني والدان أنعمت عليّ بهما ومننت عليّ بهما من قبل ورزقتني الاحسان إليهما وتذكر معروفهما أنا الآن أحتاج إلى هذا من أبنائي فلذلك قال (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) وهنا انظر علو الهمة في دعوة هذا الرجل حينما قال (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) ليس كل عمل صالح مرضيّ بمعنى أنه يحصل فيه خلل بأحد الشرطين فمن الناس من يعمل صالحاً بالظاهر لكن تخونه النية فلا يُقبل ومن الناس من يعمل صالحاً لكن لا يوفق لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيفقد أحد شرطي العمل وربما هذا يكون فيه إشارة إلى معنى أخصّ وهو الرضى من الله عز وجل لأن بعض الناس قد يؤدي العمل كما نقول نحن لإبراء الذمة لكن هذا همته عالية يريد أن يعمل عملاً ليرضى الله عز وجل عنه به وإذا رضي الله عن العبد أدخله الجنة.
عبد الله من السعودية: لعل من طرائف القول على الأربعين ما قاله أحد العلماء إذا بلغ الإنسان الأربعين ولم يرشد فصلّوا عليه صلاة الجنازة. لعل هناك إشارة أحد المشايخ في تفسير قوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال إن للرحمة عدة أجنحة كلها من أعلى إلى أدنى إلا الذل هو من أدنى إلى أعلى. وشيء آخر أرجو توجيهكم لحفظ وتطبيق سورة الإسراء في المدارس المتوسطة والثانوية لما فيها من حكم ووصايا جميلة جداً وثرية.
د. الشهري: وأنت تتحدث عن بر الوالدين في (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) ورد الأمر ببرّ الوالدين في سورة الإسراء أيضاً هل ورد في غيرها؟
د. عمر: في سورة لقمان وفي قصة سليمان لما قال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل)
د. الشهري: هذه اللفتة التي وقفت عندها مهمة جداً في قضية شروط قبول العمل (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) أعمل صالحاً معناه أنه على الجادّة وقوله ترضاه هنا معناه متابعة
د. عمر: متابعة وأيضاً فيه يبدو الله أعلم تلتقي مع كلام السلف في قول الله تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة) مما روي عن ابن عمر وعن فضاله وغيره من السلف أنه قال: لو أعلم أن الله قبل مني سجدة واحدة لتمنيت أن أموت الآن. والمقصود بهذا ليس القبول العام ولكن حسن الظن بالله يقتضي أن من تاب وأخلص أن يُقبل لكنهم يتحدثون عن قبول خاص بمعنى الرضى لأن الله إذا رضي عن العبد أرضاه وإذا أرضاه فلا تسأل! هذا هو الوصف الذي تكرر في القرآن عن خُلّص عباده
د.الشهري: هذه لفتة مهمة أشكرك عليها قضية سبب ذكر برّ الوالدين هنا والوصية بهما في ظل الحديث عن الإعراض عن الوحي والمكذبين به على أنها نموذج يشاهده الناس في حياتهم اليومية.
د. عمر: إسأل الآباء الذين ابتلوا بعقوق أولادهم انظر كيف يسعشون المرّ والحسرة والقهر وأشد من ذلك حينما تبكي المرأة وتخرج دمعاتها قهراً على هذا الولد الذي عقّها وهي التي حملته وتعبت في ولادته وكذا إذا كان هذا حال امرأة مع ولد فما ظنك برسول يرى أفواجاً من الناس يعرضون عن رسالة الله عز وجل ويراهم لا يتحسر على فوات دنيا وإنما هو يخشى عليهم من النار. وهناك موقف أذكره وأتعجب جداً وأقول صلوات الله وسلامه على الرحمة المهداة حينما مرض الغلام الذي كان يخدمه في البيت وعاده النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الاسلام فالتفت الغلام إلى والده كأنه يستشيره فقال له أطِع أبا القاسم فلما أسلم وفاضت روحه قال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنقذه بي من النار . ماذا قدّم هذا للإسلام؟ لا شيء، لكنها الرحمة النبوية التي تفرح بخلوض نفس من النار.
د. الشهري: اللهم صلي وسلم وبارك عليه
د. الشهري: توقفنا عند الحديث عن بر الوالدين وعلاقته بهذه السورة ولعلنا ننتقل حتى لا يدركنا الوقت عند قوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا) ما علاقتها بالإعراض وأرجو لو نوجه نصيحة للناس في قضية كثرة الاغراق في التوسع الترف والاستمتاع به
د. عمر: هذه الآية واضحة جداً أن الانغماس في الملذات والإسراف الزائد هذا أحد أسباب الإعراض عن الوحي ولذلك كان كثير من السلف حتى عمر رضة الله عنه بعد أن اتسعت الفتوحات كان يربي نفسه على عدم التوسع فيها ويقول أخشى أن أكون ممن عجلتم لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. وبعض المفسرين أظنه الواحدي أو القرطبي قال: والمشاهَد أن الإنسان إذا عوّد نفسه الترف واعتادت نفسه على ذلك صعب عليه أن يعيش حياة التقشف. وهذه العيشة يقول تؤثر عليه في عبادته وتؤثر عليه في كذا وفي كذا. ولكن ما هو الهدي النبوي؟ أن الإنسان لا يسعى إلى الترف وينغمس فيه فالترف ذكر في القرآن في ثمان مواضع لم يمدح فيها البتة بل كل المواضع التي ذكر فيها الترف ذكر على سبيل الذم فإن وجد شيء بدون تكلف كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج، يأكل الحلوى، يحب العسل عليه الصلاة والسلام إن وجدت أكلها لكن أن يتكلف ويتطلبها ويجعلها سمتاً مستميتاً لحياته فهذا نقص وخلل ولذلك تلاحظ المترفين هم أكسل الناس عن الطاعات والمشاريع العلمية النافعة.
د. الشهري: وهذه بغض النظر قد يقول قائل هذه الآية تتحدث عن الكفار (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا) لكن كما فهمها عمر ومن التجربة أن الترف يقعد بك عن كثير من المكارم وعن العبادة وعن المنافسة على المعالي. ننتقل إلى قصة الأحقاف التي سميت السورة بها (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ما علاقتها بمحور السورة؟
د. عمر: من المعلوم للجميع أن عاداً الذين ارسل إليهم هود عليه السلام هم الوحيدون الذين نوّه عنهم في هذه السورة وأبرزت في سورة الاسراء (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59)) هؤلاء قوم عاد، ما السر في اختيارها؟ السر في اختيارها أن هؤلاء والله تعالى أعلم مع وضوح آياتهم إلا أنهم أعرضوا وكذبوا ولم يؤمنوا فحق عليهم ما حقّ بالأمم السابقة.
د. الشهري: قوم عاد بالأحقاف، ما هي الأحقاف؟
د. عمر: جمع حِقْف والحقف يقال أنه الجبل من الرمل وهذا مناسب لطبيعة الأحقاف الموجودة في جهة حضرموت الآن
د. الشهري: يعني المنطقة هي هناك في اليمن
د. عمر: نعم في اليمن تلك كانت مساكنهم. ولذلك من أسرار اختيار هذه القصة أمران: الأول ما ذكرته من وضوح آياتهم ومع ذلك كذبوا وأعرضوا وأنتم الآن تعرفون هذا النبي وتعرفون نسبه وصدقه وشرفه عندكم من وضوح حجته وصدقه وسيرته الحسنة فيكم ما لا تعذرون فيه بالتكذيب فالويل لكم إذا كذبتم فمصيركم كمصير قوم عاد. السبب الثاني في اختيار هذه القصة لعلها من أقرب البلاد التي أهلكت لكفار قريش، معهم في الجزيرة ويعرفونها من رحلة الصيف والشتاء. وبدى لي ملحظ ثالث أرجو أن يكون صواباً وهو أن عاداً استكبروا بالقوة المادية التي عندهم (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (15) فصلت) وهذه ذكرت في حم فصلت – لاحظ الترابط بين الحواميم- (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) قريش استكبروا بقوة لكنها قوة معنوية، نحن أهل البيت نحن سدنته نحن السقاة نحن نطعم ولهم طقوس خاصة في الحج لا يشركهم فيها أحد (الحُمس) فهذه القوة المعنوية التي اغتروا بها وظنوا أن قربهم من البيت يحميهم من الله عز وجل وعقوبته كان فيها نوع من المشابهة ولذلك ذكرت قصة عاد، قرب المساكن (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى) والقوة المعنوية بالإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه مع وضوح آية عاد ولذلك المصير سيكون مصيركم كمصيرهم
د. الشهري: لفتة مهمة جداً في قصة عاد (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) الآن تأتينا الأعاصير والزلازل والبراكين والكسوف والخسوف والريح ولا تستوقف الناس بل أصبح يُعلن عنها مبكراً بعد شهر سيقع كذا، ما موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات
د. عمر: عائشة رضي الله عنها تصف هذا المشهد وأنا أقول انتبهوا ايها الإخوة هي تصف المشهد ويس الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يتحدث فإذا رأيت إنساناً يصف المشهد بهذه الضخامة فماذا تقول في الذي يعيش فيه؟ تقول لما خسفت الشمس قام يجر رداءه يظن أن الساعة قد قامت مع أن الساعة لا يمكن أن تقوم في ذلك الوقت لأن علاماتها ما جاءت. لكن هذا وصف المشاهِد فما ظنك بحال الذي تلبس بهذا الخوف. والثانية وانظر الترابط العظيم بين آيات القرآن لما ذكر عاد قال (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59) الإسراء) وهذه الآية بعينها آية الخسوف قالوا يخوف الله بهما عباده، أين الخوف الذي يقع منا حينما يوجد الخسوف؟ دعني أقول في الخسوف الأخير الذي لا يتكرر إلا كل 65 سنة كما يقول الفلكيون حصل خسوف كامل رأيته ورأيته أنت وحاولت أن أنظر ما استطعت، في تلك الليلة مباراة تلعب يعني هذا برود حس، المفترض أن لا يكون هناك شيء في تلك الليلة وإنما المفترض أن يفزع الناس إلى الصلاة وإلى الذكر وإلى الصدقة، هذا برود
د. الشهري: كيف وصف الله موقف عاد هنا؟
د. عمر: هم لما تأخر عليهم المطر ثلاث سنوات كما قال المفسرون وفرحوا بتلك الغمامة التي جاءت وقالوا (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) ما زالوا مستكبرين يمطر بعد أن أجدبت الأرض، لكن الأمر لم يكن كذلك (بل هو ما استعجلتم به رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومن قدرة الله أن عذباهم بالط ما يكون هم من أشد منا قوة عذبهم الله بهذه الريح التي هي في أصلها رحمة سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوماً تحسمهم لم تبق منهم شيئاً، من قدرة الله عز وجل أن تكون هذه الريح الناعمة الجميلة تنقلب بأمر الله وبقدرة الله لتكون جنداً من جنوده لإهلاك المعذبين والمعرضين
د. الشهري: أسأل الله أن يكفينا شر هذه الايات لكنني أحببت أن أنبه لهذا لأني ألاحظ أن الناس أصبحوا لا يأبهون لهذه الآيات لا لخسوف ولا لكسوف ولا لفيضان ويستغربون ممن يذكرهم بمثل هذه الآيات
د. عمر: يخبرني أحد الأصدقاء قال ونحن صغار كانت تمر جنازة نبقى أسبوع في رهبتها أما الآن نتحدث ونحن في المقبرة وربما نعقد صفقات ونحن في المقبرة.
د. الشهري: لفت نظري في سورة الأحقاف قوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الخطاب موجه لقريش وكيف أن الله أهلك عاد وأهلك فرعون وسبأ اليوم ونحن نلاحظ ما حولنا من الدول كيف تضطرب ونسال الله عز وجل أن يجعل عاقبتها إلى خير للأمة الإسلامية كلها لكن أليس في هذا إنذار لمن هو آمن في سربه لأمثالنا نحن في السعودية وفي دول الخليج أن يكون هذا عوناً وعودة إلى الله
د. عمر: لو أردنا أن نأخذ مثالاً لو كنا في حارة وجري الذي على يميني مات وبعد ايام مات جاري في الناحية الثانية وفي الحارة خلال شهرين ثلاثة مات عشرة ماذا أسمي هذا؟ أسمي هذا نُذُر. المسألة الآن ليست بيت واثنين أو عشرة وإنما دول عروش تتهاوى طغاة يرحلون أمم وشعوب الآن في قضية أول مرة تحدث بهذا التسارع، العام الماضي في رمضان لو أحد حدّث بعُشر ما حصل الآن لقاول مجنون لكن في هذا عبر على جميع المستويات لا للحكام ولا للمحكومين ولا لعموم الناس أن يعلموا عاقبة الظلم إلى وبال وأن الناس لا يمكن أن يخلصهم فيه إلا أن يعودوا إلى الله عز وجل ولذلك الله عز وجل قال في قصة عاد (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) لكن المشكلة لا فائدة لأن هؤلاء لم يسخروها في طاعة الله عز وجل ولم يسخروها فيما أمر الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: نتقل إلى قصة الجن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)
د. عمر: القصة ملخصها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف ووصل إلى وادي نخلة قام يصلي فاستمع له نفر من الجن وواضح من سياق الآية ومن سياق سورة الجن أنه لم يعلم بهم إلا بعد ان انتهت قراءته لأن الله قال (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن) هم لم يعلم بهم عليه الصلاة السلام كان يقرأ وهم يستمعون وهناك قصة أخرى أنهم بعد ذلك طلبوا أن يقرأ عليهم فهذه قصة أخرى مستقلة. (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) استماع القرآن من أعظم بوابات الدعوة إلى الله عز وجل. وبهذه المناسبة اجتماعات الأعياد مقبلة ويعند بعض الفشلاء الذين لهم عناية بالدعوة الأسرية والعائلية أن يوزعوا شريطاً من الأشرطة أقول لماذا لا يكون الشريط الذي يوزع قراءة متميزة لأحد القراء ليكون استماعاً لو وزّع قرآن الناس يستغربون ليس شرطاً أن يكون الشريط محاضرة أعظم ما يوزع هو هذا. أذكر موقفاً حصل مع الشيخ ابن عثيمين كان راكباً مع أحد الشباب فوقف عند الإشارة وإذا صوت الذي بجانبه يغني شاب فمباشرة الآن ليس هناك مجال للموعظة أو الإنسان يذكّر قال الشيخ بسرعة معك شريط قرآن قال نعم ففتح الشباك وأعطاه شريط قرآن قال الله تعالى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ (92) النمل) هذه من مهام النبوة. إذن نقول سماع القرآن والاستماع له من أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن. (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا) هذا أيضاً مفتاح آخر، الإنصات، لو تحدثت أنت إليّ وأنا مشغول عنك بجوالّ وأقول لك تفضل أكمل وأنا منشغل عنك لعددت هذا سوء أدب كيف وأنت تستمع لكلام الله! (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم) العجيب سبحان الله هذا يشعرك بأن الخطاب أدهشهم (ولوا) لم يقل انصرفوا وإنما فيه سرعة تناسب سرعة هذه المخلوقات. (مُّنذِرِينَ) لم يسمعوا إلا شيئاً قليلاً من القرآن مع ذلك أثر فيهم هذا التأثير. ما علاقة هذه القصة بموضوع الإعراض؟ الآن تحدثوا إما أن تستجيبوا وإما يا ويلكم إذا أعرضتم. فقالوا لقومهم (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى) وهذا يشير إلى أنهم لم يكونوا يعرفوا الانجيل الذي نزل على عيسى أو لأن كما قال بعض العلماء الانجيل غالباً مكمّل لما في التوراة وما كثر فيها المواعظ بعكس التوراة والله عز وجل علّم عيسى التوراة. (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) انظر توافق كلام الجن مع ما ذكره الله تعالى في أول السورة (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ)، في بداية السورة (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى) وهنا (أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى) انظر التوافق. (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) ليس بعد الاستقامة إلا الاعوجاج (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) بينوا ثمرة إجابة الدعوة (يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وإن لم يستجيبوا؟ هنا الإعراض (وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) تأملوا في هذه العقوبات فيها تناسب شيء مع طبيعة الجن غالباً يعتدون بقوتهم وأن عندهم من الامكانيات ما ليس عند الإنس فجاء الخطاب هنا يناسب شيئاً من طبيعتهم (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) اين تذهبون؟ يمين يسار تطيرون أنتم لستم بمعجزين أبداً أينما ذهبتم. (وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء) لن تجد أحداً يشفع لك ولن تجد أحداً يكون لك ولياً من دون الله تعالى إن أعرضت عنه (فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) فليس بعد الحق إلا الضلال. ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا) استدل بخلقه كما استدل بأول السورة (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) وهنا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لم يعجزه شيء سبحانه وتعالى ولم يتعبه. ثم أعيد الكلام على عرض الكفار مرة أخرى لكن هنا لأن السورة ستختم نص على قضية الحق الذي جاء به هذا النبي الكريم بهذا الوحي (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) أقسموا لكن بعد فوات الأوان. كل المقدمات كان فيها تركيز على الإعراض هذا مما يضيق له الصدر (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) الكهف) (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) الشعراء) لا، (فَاصْبِرْ) هذه فاء التفريع مفرّعة لما قبلها (كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وهنا ملحظ في قضية التنصيص على أولي العزم هنا له دلالة لأن الإعراض الشديد والصدود والتسفيه لا يصبر عليه أي أحد يحتاج إلى عزم قال (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ممن ذكر من أولي العزم هنا موسى عليه السلام (وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ) هذا درس للدعاة بعض الدعاة أحياناً يستفز، أعداؤك يا محمد يقولون هات العذاب (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) ص) كما يفعل أعداء الرسل (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ (29) العنكبوت) فشأن الداعية أن يبلّغ لا أن يحدد مواقيت العذاب ولا أن يحدد مواقيت الهلاك. بعض الدعاة في المقابل أتباع الرسل تجده صابراً على دعوته أنا أعتقد أنها حق وأنا أسير على طريقة السلف الصالح يبقى ثلاثين سنة يقولون ما منهجك هذا؟ ماذا فعل لنا؟ أين الثمرة؟ الدول الآن يتناهبها العلمانيون ويتناهبها من الطوائف المتنوعة وأنتم قابعون في مساجدكم وقابعون في دروسك وتقولون منهجنا هو الصحيح! كأنهم يريدون أن يجروك إلى معركة سياسية أو معركة فكرية فهنا لا تستعجل لا تحدد لهم أنت سر على الطريق واستعمل كل وسيلة لابلاغ دعوتك حتى لو أتيحت فرصة للإنسان أن يتولى سدة الحكم على المنهج فلا مانع لكن ليست هذه المقصد، الأصل والغاية تعبيد الناس لرب العالمين بأي طريقة كانت سواء كانت عن طريق دعوة، عن طريق تأليف كتب، إعلام، أي وسيلة لكن المهم (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) الروم)
د. الشهري: عندي مسألتين (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ) وأن هذه أشبه ما تكون ما دام أعرض عنك كفار قريش أتينا لك بالجن، ثما لاحظ شدة إعراض قريش وسرعة استجابة الجن مع قوتهم فهذه تؤيد موضوعك الذي ذكرت لكن الخلاصة في الأخير (بَلَاغٌ) وقفة معها
د. عمر: هذه مهتمه، بلاغ كلمة واحدة لكنها عظيمة جداً وتختصر كل المهمة النبوية ليس عليك إلا البلاغ ستجد إعراضاً ستجد صدوداً ستجد ما يؤذيك ستجد ما يقهرك وما يقلقك لكن أنت مهمتك البلاغ ثم سلاه الله عز وجل بهذه الجملة التي يمكن أن تكون قاعدة قرآنية أو سنة إلهية مع المكذبين أن الهلاك سيحق على هؤلاء وأن الفسق (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا) لاحظ الترابط هنا.
د. الشهري: فتح الله عليك. الآن يمكن أن نلخص للمشاهدين أن سورة الأحقاف تتحدث عن المعرضين عن الوحي وعقوبتهم وذكرت قصة موسى كمثال وذكرت قوم عاد كمثال والأمر ببر الوالدين كمثال للعاق كمثال للمعرِض والبارّ مثال للمستجيب المحسن
أستأذنك مع أني أعلم أن هذا لا يرضيك أريد أن أنبه المشاهدين إلى كتاب قيم صدر للدكتور عمر المقبل بعنوان قواعد قرآنية وهذا الكتاب أنصحكم بقراءته فهو فكرته طريفة تتبع فيه الدكتور عمر خمسين قاعدة قرآينية من مثل قوله تعالى (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)
د. عمر: ليست حاصرة
د. الشهري: ليست حاصرة ولكنها فكرة طيبة أهنئك عليها أسأل الله أن يرزقك القبول ويروقنا وإيام نفع الناس. لكن أريد أن نتحدث عن القواعد القرآنية وكيف طريقتك في جمع القواعد القرآنية وهذه يتحدث عنها المفسرون كثيراً أنها من القواعد المضطردة أو أنها أصبحت مثلاً قرآنياً مثل قوله (وعسى أن تكرهوا) (وقولوا للناس حسنا)
د. عمر: الفكرة جاءت قبل خمس سنوات كنت أقرأ بعض الآيات الكريمة فأرى أنه مع قصر كلماتها يندرج تحتها معاني ضخمة جداً في الحياة في المعاملة في العبادة فقلت وأنت تلاحظ غرام الناس بما يسمى التوقيعات في المنتديات وفي رسائل الجوال هذا يأخذ توقيعاً بيتاً من الشعر وهذا ياخذ حكمة وهذا حديث وفي كلٍّ خير فقلت لماذا لا يبرز للناس توقيعات كلمات تبقى في آذانهم لتحقق رسالة. الآن كلمة (وقولوا للناس حسنا) أنا وأنت دخلنا في عالم التويتر والفايسبوك يبتلى أحدنا بأناس قد يقدعون بالقول أحياناً أنا لا أجيبهم بإطالة وإنم أقول (وقولوا للناس حسناأحد يعرض لمشكلة ضخمة أقول (عسى أن تكرهوا شيئا)
د. الشهري: هنا القاعدة التاسعة (وليس الذكر كالأنثى) (ولينصرن الله من ينصره) (ولا يفلح الساحر حيث أتى)
د. عمر: أصدقك القول أنه من ضمن القواعد التي رأيت لها أثراً عملياً وأبرزتها إبرازاً وكان برنامجاً في الإذاعة
د. الشهري: وكان برنامجاً إذاعياً في إذاعة القرآن الكريم
د. عمر: وهو موجود للإخوة الذين لا يستطيعون اقتناء الكتاب موجود بشكل حلقات في موقع المسلم ومنتشر في المنتديات
د. الشهري: الكتاب من انتاج مركز تدبر وموجود في المكتبات ويباع في مكتبات الرياض وغيرها في مناطق المملكة. لو طلب أحدهم الكتاب من مركز تدبر هل ترسلونه له؟
د. عمر: لسنا نحن المسوقين وإنما يطلب من دار الحضارة.
د. الشهري: أسأل الله أن يبارك لك في جهدك وأن يرزقنا وإياك القبول عنده وأي جهد يبذله الإنسان في خدمة كتاب الله وإبرازه وتقريبه للناس وتقريب معانيه مأجور عليه أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من العالمين بالقرآن العاملين به. انتهى وقت اللقاء ندعو لك بالتوفيق والبركة فيما آتاك الله من علم.
***************
الفائز في سؤال الأمس: علي عمر
سؤال الحلقة: أنزل الله القرآن الكريم على نبيه صلى الله عليه وسلم من أجل سعادته وسعادة أمته فما الآية التي تدل على ذلك من الجزء السادس عشر؟