برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة الجاثية

اسلاميات

الحلقة 139 – سورة الجاثية

ضيف البرنامج في حلقته رقم (139) يوم الإثنين 15 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن زبن المطيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الكويت .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة الجاثية .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام في برنامجكم اليومي التفسير المباشر وفي حلقة جديدة في هذا الشهر المبارك واليوم سوف نتوقف بإذن الله تعالى مع سورة الجاثية. وضيفنا قادم إلينا من الكويت باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن زبن المطيري الأمين العام لرابطة علماء المسلمين وأستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الكويت.

تعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة قبل أن ندخل في التفاضيل فحدثنا عن اسم سورة الجاثية

د. المطيري: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. سورة الجاثية منذ أن أخبرتني باختيار السورة التي أنا ملزم بها وأنا أتدبر وكلما مررت عليها أقف قليلاً وتظهر لي أشياء وحاولت أن آخذ مذهب محمد رشيد رضا في تفسيره كان يقول كنت قبل أن أقرأ أي تفسير آخذ انطباعي وتأملي من السورة ثم أقرأ من كتب التفسير حتى لا يؤثر كلام المفسرين في فهمي، فأنا قرأتها مرة ومرتين وثلاث فوجدت فيها أشياء رائعة. أولاً الاسم الجاثية مأخوذ من قوله تعالى (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) وكذلك سميت الشريعة (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ) وسميت الدهر ويبدو أن اسم الجاثية هو الأقرب لموضوع السورة. وهي سورة مكية فالخطاب هو خطاب للكفار وخطاب لقوم معاندين محاربين للاسلام بينما الأسلوب المدني فيه مسلمين ويهود فالخطاب مختلف. فالدخول لهذه السورة بهذا الانطباع يسهّل فهم الموضوع كثيراً

د. الشهري: إذن السورة نزلت في مكة ولها ثلاثة أسماء الجاثية، الشريعة، الدهر والجاثية هو أشهرها

د. المطيري: أشهرها وأنا حاولت أن أجعل بينه وبين الموضوع رابطاً وأرجو أن أكون وفّقت.

د. الشهري: ما هو موضوع السورة؟

د. المطيري: موضوع السورة في اختيار الإسم أو الموضوع أو المقاصد العلماء وضعوا ضوابط رائعة وجميلة: فاسم السورة له علاقة مدخل السورة له علاقة الآية المتكررة أو الكلمة المتكررة له علاقة فأنا حاولت أبحث عن هذه الأمور

د. الشهري: هذه فائدة للمشاهدين أيضاً قضية كيف تصل إلى موضوع السورة أنك تحتاج إلى إعادة نظر وتأمل

د. المطيري: وأسباب النزول مؤثر جداً في فهم السورة، سورة الممتحنة مثلاً سورة الولاء والبراء سبب نزولها حاطب لما أرسل، سبب نزولها واضح. يبدو لي والله أعلم أن موضوع السورة آيات الله سواء كانت كونية أو شرعية وأحوال الناس في قبولها أو ردّها والدليل على ذلك من التطبيق

د. الشهري: ونحن عودنا المشاهدين إذا اخترنا موضوعاً ندلل عليه

د. المطيري: مدخل السورة (حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) فالمدخل يتكلم عن الآيات، هذا المدخل، انظر تكرار الكلمة في الوجه ذكرت حوالي عشر مرات وفي مجموع السورة عشرين (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3)) (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)) (آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ (6)) (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ (8)) (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا (9)) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ (11)) (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)) (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ (25)) (اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا (35)) فكلمة آيات كررت كثيراً في هذه السورة فسبحان الله أيضاً إذا كررت الكلمة كثيراً فالموضوع يدور حولها. أما العلاقة بين الاسم والموضوع فهذا من اجتهادي فإن أصبت من الله.

د. الشهري: الغالب أن العلاقة بين الاسم والموضوع واستنباط الموضوع كلها اجتهادية، أمس كنت أقرأ في كتاب لأحد المفسرين الليبيين المعاصرين اسم الكتاب “إرشاد الحيران إلى توجيهات القرآن” يضع عنواناً للسورة ويضع موضوعاً لها يتحدث عن الفصل بين المؤمنين والكافرين، آيات الله الكونية، اجتهادية وتجد الموسوعة التي خرجت من جامعة الشارقة أيضاً اجتهادية والدكتور عبد الحميد طهماز له سلسلة.

د. المطيري: هناك دكتورة ما شاء الله عملت لوحة كبيرة عن أسماء القرآن توزع على المساجد.

د. الشهري: الهدف أنها اجتهادية، أعطنا اجتهادك

د. المطيري: اجتهادي تحدث الله تعالى بعدما ذكر الآيات عن الكفار وعدم مبالاتهم بالآيات وإعراضهم فبدل من أن يقبلوا ويستسلموا للآيات قعدوا عنها فجازاهم الله من جنس عملهم فلما قعدوا عن الآيات كانوا جثاة يوم القيامة قاعدين فهم جزاء من جنس عملهم لما جثوا عن القرآن في الدنيا هذه والله أعلم

د. الشهري: والجثو هو البروك على الركب

د. المطيري: وهي جلسة فيها ذل لذلك حتى نحن في الصلاة تذلّ بين يدي الله. والجثو أيضاً جلوس بسرعة ففيها معنى الجزع فهم واقفين ثم حصل أمر حتى ابن عباس يقول جثوا بسبب النار لما رأوا زفيرها فهو جثو يدل على سرعة هول لا يستطيع أن يجلس جلسة مريحة بل يسقط فكل هذه المعاني تدل عليها هذه اللفظة.

د. الشهري: عرفنا موضوع السورة وهي آيات الله الكونية والشرعية وموقف الناس منها وهي نزلت في مكة وليس لها إلا هذه الأسماء الثلاث. لو نفصّل الآن نتوقف مع بعض الآيات في هذه السورة باعتبار أننا لا نستطيع في مثل هذه الحلقات أن نتوقف عند كل شيء فينتخب لنا الضيف بعض المواقف الجديرة بالوقوف وتنبيه الإخوة المشاهدين تحدثنا حول سور الحواميم وكيف أن هذه السور السبع لها أجواء متقاربة وألاحظ حتى هذه السورة الجاثية تبدأ بالحديث عن القرآن أيضاً (حم ﴿١﴾ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾)  فهل لمدخل السورة علاقة بما بعده؟

د. المطيري: كثيراً الحديث عن الحروف المقطعة يعقبه حديث عن القرآن كأنه إشارة الى التحدي كأنه يقال هذا القرآن من حروفكم الحاء والميم لن تستطيعوا أن تأتوا بمثله فهي بداية تحدي ويبدو لي أن هذه الحروف لها هدف آخر

د. الشهري: سؤال وله علاقة بكتابك “دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم” هل أحد من المعاصرين الذين طعنوا في القرآن الكريم طعنوا فيه بوجود هذه الحروف المقطعة

د. المطيري: نعم، هذا من الأوجه قالوا هذا مما لا فائدة منه، ماذا أستفيد أنا من الحرف ألف أو لام؟

د. الشهري: الذين قالوا ذلك هل هم من المتقدمين أم هي شبهة متأخرة؟

د. المطيري: من المستشرقين ومن تأثر بهم، لكن سبحان الله العرب ما قالوا هذا

د. الشهري: وهذا هو سبب عُجمة المتأخرين

د. المطيري: هذا من آثار العجة وإلا العرب لم ينتقدوا مع حرصهم الشديد على انتقاد كل شيء فتجاوزوها ولم يتكلموا فيها. وبالمناسبة هذا الجواب هو من أنفع الأجوبة في أغلب الردود على طعن في القرآن

د. الشهري: القول بأن العرب المتقدمين ما طعنوا فيه خاصة من ناحية اللغة والنحو.

د. المطيري: حتى من الناحية التاريخية واحد طعن بقصة أصحاب الفيل نقول من أعلم الناس بتاريخ مكة؟ هم أهل مكة وهم ما طعنوا! ولذلك تجد هذا الباب يغلق لك

د. الشهري: هذه لفتة مهمة في قضية بعض النحاة جزاهم الله خيراً يخطئون بعض العبارات في بعض القراءات يقولون هذه القرآءة أخطأ فيها فلان، نقول أين مثلاً أبو جهل أين لغويي قريش وهم أحرص منك وأعلم منك؟ نعود إلى أول السورة.

د. المطيري: من فوائد حم أيضاً شد الانتباه إذ دائماً الانسان إذا ابتدئ معه بشيء لم يتضح له معناه في البداية تشد انتباهه، لو بدأت معك: أما بعد س ن ه، تلفت الانتباه ماذا يريد من س ن ه؟ فهذه تشد انتباه السامع لما بعدها فهذا من مقاصد هذه الحروف أنها تنبّه، انتبه سوف يأتي شيئ عظيم. ثم (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) هذه الحروف التي نزل بها الكتاب. ثم أصبحت أسماء لبعض السور مثل ق وأصبحت مدخلاً ويقول السيوطي أنها استحثت العلماء على التفكير وهذا هدف كونهم يفكرون ويستنبطون ويحللون بعضهم جعلها مختصر لجملة بعضهم جعلها مختصر لأسماء الله الحسنى، مع بُعْد هذا إلا أن هذا التفكير له أثر حتى في قوة الاستنباط

د. الشهري: وكلهم حاولوا الوصول إلى معنى اجتهاداً منهم لكن لا يوجد نص قاطع على المقصود بها

د. المطيري: ذكرتني بكلام لابن كثير، ابن كثير يقول: وأجمعوا جملة لها وأفضل جملة لها “نص حكيم قاطع له سر” 14 حرف تجمعها نص حكيم (من الله) قاطع (لا شك في ثبوته) له سر الله أعلم به وهذا دلالة على القول الراجح من أقوال العلماء فيها. الله أعلم بمعناها لكن جاءت لغايات التحدي والتنبيه. الرسام في كتابه “منهاج السنة النبوية” قال: وقالت الرافضة ويجمعها قولك “طريق عليّ حقٌ نسلكه” وقالوا واستدلوا بها على صحة اتباع عليّ قلت وأنا أقول: “صح طريقك مع الُسّنة”

د. الشهري: تستطيع أن تشكّل منها ما تشاء وهذا دليل على أن الكلمات التي تجمّع ليست دليلاً وإنما من المُلح. نعود إلى مطلع السورة والوقوف معه.

د. المطيري:

وَيَجْمَـعُ الْفَوَاتِـحَ الأَرْبَـعْ عَشَـرْ

صِلْهُ سُحَيْراً مَنْ قَطَعْك ذَا اشْـتَهَرْ

لما ننظر إلى سياق الآيات فيها شيء عجيب أولاً ذكرت الآيات الكونية عندنا آيات كونية وآيات شرعية، الكتاب المفتوح المنظور والكتاب المقروء. الكتاب المفتوح والكون المنظور فيه آيات فالله ذكر أنواع من هذه الآيات وذكر في هذه السورة حوالي عشر آيات (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) الرزق مقصود به المطر (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ثم بعدها قال (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢﴾ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٣﴾) عشر آيات وهي آيات سبحان الله كبرى وعظيمة وكل واحدة تستحق حلقة. والذي يتأمل في آيات الله يجد والله شيئاً عجباً عندنا مركز اسمه المركز العلمي في الكويت مركز جميل ويدخلونك في عالم الصحراء وعالم البحار وتدخل في عالم البحار تحت الماء وترى السمك فوقك استوقفني أمر عجيب عندنا سمك مشهور اسمه الهامور وهناك في المعرض زر تضغطه يعطيك تعريفاً عن السمك فيقول سمك الهامور لا يمشي إلا بقطيع كله إناث ومعه ذكر واحد وطبيعة الأسماك تلقيحها خراجي تبيض الإناث ثم الذكور تصب ماؤها عليه فما أصابه يصبح سمك وما لم يصبه يصبح طعاماً للأسماك وتبيض بالملايين، ومن العجيب أنه إذا مات الذكر تحولت إحدى الإناث ذكراً، سبحان الله! فهذا شيء عجيب، من الذي أعطاها القدرة للتحول من أنثى إلى ذكر؟ من الذي أخبرها أن بقاء الجنس يكون بوجود ذكر وأنثى؟ وما الذي جعل هذه السمكة تحرص عل أن تقلب وأن تفادي نفسها؟ آيات عجيبة! فأنت لما تسمع مثل هذا لا تملك إلا أن تقول سبحان الله وفعلاً تأمل الآيات الكونية يدلك على وحدانية الله وقدرة الله.

د. الشهري: والعجيب أن مثل هذه الأفلام الوثائقية الرائعة أن ترى هذه العظمة في مخلوقات الله سبحانه وتعالى خاصة في مثل هذه الأشياء التي عمل عليها تجارب طويلة وتوبعت وهناك قنوات خاصة بهذه الأشياء العجيب أنها لم تدفع الذيت يستكشفونها إلى تعظيم الله وإنما يرون أنها الطبيعة حتى أنهم يرسخون في المشاهد العلمانية لكن بالنسبة للمؤمن فهي لا تزيده إلا إيماناً وتسليماً.

د. المطيري: وأيضاً الآيات الكونية فيها قاسم مشترك بين الإنسانية فالكل يتأثر بها أما الآيات الشرعية فلا يتأثر بها إلا المومن، لكن الآيات الكونية تستطيع ان توجه الناس إلى بديع خلق السموات، هل خلق الله هذا عبثاً؟ هل معقول هذا الكون الهائل لا يكون مرتباً؟ هل يكون بدون مبدع؟ تلجئه إلجاء أن يقر بأن الله موجود لا يستطيع أن يفر من هذا، يعني لو مشيت في طريق صحراوي ورأيت قصراً أول ما تسأل من الذي بناه؟ هذا القصر العظيم لا يمكن أن يكون صدفة (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) الطور)

د. الشهري: في السور المكية تكثر الحجج مع أنهم يؤمنون بأنه الخالق والرازق

د. المطيري: لكنهم لا يوحدونه سبحانه وتعالى. هذه الآيات كلها ينبه الله تعالى عليها وكل آية تحتاج إلى وقفة طويلة جداً. لما ذكر الآيات في البداية ذكر موقف الكفار في مقابل هذه الآيات سواء كونية أو شرعية قال الله تعالى بعد قوله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) قال (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) أفّّاك مبالغة في الكذب الإفك هو الكذب العظيم والأفاك

د. الشهري: الإفك مأخوذ من قلب الحقيقة

د. المطيري: (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا) (يسمع) معناه آيات شرعية (تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا) النتيجة (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) إذا علِم إذا أُحرج فقالوا له هذه الآيات أمامك الآن ورآها (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) فهو إما أن يصر كأن لم يسمعها وإما سخر، فالله تعالى يذكر أسالبيهم في التعامل مع آيات الله سواء الكونية أو الشرعية إما الاعراض وإما الاستهزاء

د. الشهري: وهذا الموقف يتكرر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الأنبياء السابقين واليوم

د. المطيري: يستهزئون بأصحاب العلم وأصحاب الدين وهذه الآية ذكر الله تعالى فيها الاستهزاء كثيراً أسلوب الكفار ثم ختم بآية عجيبة قال (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هؤلاء المتكبرون المستهزئون الحقيقة أن الله تعالى له الكبرياء وليس هؤلاء فكأن هذه الآية رد على هذه الطائفة المستهزئة

د. الشهري: خاصة الآن في زماننا الآن كثرت وأنت متابع في رابطة العلماء المسلمين لقضية السخرية من الاسلام إما السخرية من النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر الصور المسيئة له، السخرية من المسلمين وتشويه صورتهم في الإعلام الغربي، السخرية من بعض شرائع الإسلام مثل تعدد الزوجات أو العمرة أو الحج أو رمي الجمرات تجد أنه روّج له بشكل عجيب

د. المطيري: وبعض المسلسلات يأخذون كل يوم شعيرة من شعائر الاسلام ويجعلونها سخرية

د. الشهري: فتكرار الاستهزاء هنا إشارة إلى أنه سيواجهكم كثيراً

د. المطيري: نعم وسوف يأتون نماذج من هؤلاء وهؤلاء وسيأتي بعد قليل موقف أهل الكتاب موقف مختلف لكن موقف شبيه لما هو موجود في عصرنا. (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) لما استهزأ أهين، فجزاؤه من جنس عمله. (مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) لا يغني عنهم هم إنما سخروا واستهزأوا التجاء وحماية لآلهتهم فالله تعالى أخبرهم أن هذه الآلهة لا تغني عنهم شيئاً (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ) (هدى) الآيات البينات، وسبحان الله كيف أن الله سبحانه وتعالى من عظيم إقامة الحجة علينا أنه يعطينا أعطانا الآيات ثم أسلوب المكذبين ثم عاقبتهم ثم يحذرنا أن نكون منهم ويكررها ومع ذلك تجد بعض الناس يسلك نفس المسلك الذي سوف تكون له نفس العاقبة.

د. الشهري: هذا يؤكد لنا أن الهداية هي نعمة من الله سبحانه وتعالى فهل معنى هذا أن الذكي أو الانسان العبقري هو الذي يهتدي فقط؟ لا، كم واحد من هؤلاء لم يهتدي مع أنه سمع ورأى

د. المطيري: كنا في الهند مرة ومررنا على معبد الفئران فوجدنا الذي يقدم اللبن للفأر بروفيسور في الجامعة يعبد فأراً!

د. الشهري: تنظر له من حيث تخصصه العلمي تقول هذا من أحسن الناس!

د. المطيري: من أحسن الناس وأذكاهم ولكن عقله عقل فأر!

د. الشهري: يذكر أحدهم في مقالة قرأتها مرة قال: إلتقيت بدكتور ياباني ولكنه بوذي ومعه صنم لبوذا مع متاعه فقال انتظرته في الفندق فإذا به حزين ومنزعج فقلت لماذا؟ فقال ضيعت الصنم فبحثنا له في الغرفة حتى وجدناه ففرح فرحاً شديداً فقلت سبحان الله العظيم! نعود إلى هذه الآيات في قوله (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) ما زال يعدد الآيات الكونية ويبين موقف الناس منها كما ذكرت في موضوع السورة أنه الآيات الكونية والشرعية وموقف الناس منها هذا موضوع سورة الجاثية

د. المطيري: في آيات أخرى (سخر الفلك) وهنا (سخر البحر) فالله سبحانه وتعالى سخر لنا البحر وسخر لنا الفلك، هو سبحانه هدانا لصناعة الفلك وسخر البحر ليحمل هذه الفلك وكله من آيات الله. بعضهم يلغز يقول: شيء لا يحمل مسماراً ويحمل جبلاً، فسبحان الله! هو البحر، المسمار يقع والشيء الكبير يطفو، فهذا من آيات الله، أيضاً أصبحت وسيلة سفر، أصبحت وسيلة رزق، أصبحت وسيلة سياحة وأنس، آيات، قضية العبارة “السلام” التي غرقت وما حصل فيها من آيات، سبحان الله! كيف السفينة ما غرقت والناس سقطوا وغرقوا؟

د. الشهري: الذي يتأمل في هذه الآيات ببصيرة المؤمن المتدبر لا شك أن كل شيء يدل على الله وتوحيد وعظمته.

د. الشهري: نواصل الحديث حول الآيات في سورة الجاثية وتسخير الله سبحانه وتعالى لهذه الآيات العظيمة

د. المطيري: في قول الله سبحانه وتعالى (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ) يرجون من كلمات الأضداد تأتي بمعنى الرجاء والطلب وتأتي بمعنى الخوف، العكس (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) نوح) تخافون. وهنا (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ) لا يخافون أيام الله وسننه التي يعاقب فيها من أنكر آياته. وسبحانه الله انظر أثر فهم نزول الآية في التفسير، لما علمنا أن السورة مكية وكان الوضع في مكة وضع استضعاف للمسلمين كانالمطلوب أن يغفروا ويتجاوزوا، ليس عندهم قوة فالمطلوب منهم التجاوز سلمياً لكن لما كانوا بالمدينة أذن الله تعالى لهم بالجهاد وردّ العدوان فمثل هذا لا يقبل فيمن يُعلن الكفر. وهذه شريعة قائمة في وضع الاستضعاف مثلاً قوم مسلمون في دول كفر مقيمون هناك مثل هؤلاء نقول لهم (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ) أما في بلادنا فلا يقبل هذا بل يجب على ولي الأمر أن يقيم عليهم الحد إنكار آيات الله فهؤلاء لا يخافون أيام الله، وأيام الله عقوباته التي أنزلها سبحانه على من أنكر آياته. الآن هنا موقف نقف عنده وهو موقف بني إسرائيل من الآيات (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) كلها آيات شرعية ولا شك نظروا إلى الآيات الكونية فالآيات الكونية مبذولة للجميع مشترك إنساني لا يمكن لأحد أن يقول ما رأيت آيات الله لكن يبدو لي أن آيات الله الكونية أكثر حجة على المنكِر لآيات الله أو الكافر بينما أهل الكتاب آيات الله الشرعية أكثر حجة عليهم من الآيات الكونية هم يقرون بأن هذا كتاب الله وأن هذا كلام الله وأن هذا نبي الله موسى أنزل عليه الوحي فإقرارهم يلزمهم التسليم فيما بعد، لذلك تجد التركيز مع الكفار في الآيات الكونية والتركيز مع بين إسرائيل على الآيات الشرعية لذلك هنا قال (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) مع أن الله تعالى أيضاً آتاهم الآيات الكونية. (وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ (17))

د. الشهري: مدح، رزقناهم، فضلناهم، أتيناهم بيان من الأمر

د. المطيري: (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) هذه ينبغي أن نقف عنها وقفة كيف عندهم علم واختلفوا؟!

د. الشهري: وأصبح العلم سبباً للاختلاف؟! هذه تتكرر في القرآن فما الحكمة منها؟

د. المطيري: الحكمة يبدو لي والله أعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نكون مثل أهل الكتاب في هذه القضية إذا آتانا الله علماً فالمفروض أن العلم رحمة وكما قال العلماء “العلم رحِم بين أهله” يجعل أهل العلم متحابين متآخين فمن جعل العلم للتفرقة بين الدعاة والصالحين فهذا لم يتخذ العلم على حقيقته، هذا إن فعل بغير حق فهو له شبه من بني إسرائيل الذين أخذوا العلم ثم اختلفوا بدل ما يقتربوا ويتحابوا. أذكر كنا عند الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هناك قضايا لا نقبل فيها جدالاً ولا نقاشاً فلما تعلم الإنسان وكلب العلم وجد أن المسألة مستساغة وأن الخلاف فيها سائغ وأن للآخر مندوحة أن يتخذ رأياً مقابلاً ونحن كنا في بداية الأمر من حبنا للشيخ الذي يخالف الشيخ ابن عثيمين يا لطيف!! لكن لما بدأنا نقرأ بدأت الحواجز تنكسر والعلم يقرب ولا يفرق

د. الشهري: وهذا توجيه لطلبة العلم في بداية طلبهم ينبغي عليهم أن لا يتعجلوا والواحد مع تقدم السن وتقدمه في العلم يتضح له أمور كثيرة لذلك الله سبحانه وتعالى قال (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) ليس أي واحد، وقال (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) آل عمران) الرسوخ لا يكون إلا بعد ممارسته مدة طويلة.

د. المطيري: ذكرتني بموضوع الرسوخ، في مسألة السلام على من كان في الخلاء النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل ما ردّ حتى ذهب فتيمم، العلم يقول إلقاء السلام مستحب وردّه واجب وذكر الله في الخلاء مكروه والواجب لا يترك للمكروه فأنا أشكلت عليّ فبحثت وقلّبت الكتب ما وجدت شيئاً فقلت إما أن نقول أنه يجب عليه الرد أو الذكر محرّم ليس هناك مخرج آخر لكن الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ردّ، والعلماء أجمعوا أنه مكروه فذهبت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وقلت له الموضوع أشكل عليّ وبحثت ما وجدت فقال لي فائدة تدل على الرسوخ في العلم: قال رد السلام واجب على من كان إلقاؤه مستحباً وإلقاء السلام على المتخلي ليس مستحباً، قلت والله هذه فائدة تكتب بماء الذهب فحلّ الإشكال.

د. الشهري: الأولى أنت عندما تأتي إلى شخص وهو في هذه الحال أن لا تسلّم عليه حتى لا توقعه في الحرج

د. المطيري: فإلقاء السلام على المتخلي ليس مستحباً. سألت الشيخ بن باز مرة قلت له قول النبي صلى الله عليه وسلم “غيّروا هذا الشيب” والأمر له وجوه فماذا لا نقول أن تغيير الشيب واجب يغيروه بالأحمر وكذا والعلماء يقولون يستحب تغيير الشيب ولا يقولون واجب، فقال الشيخ مباشرة: قال أنس “وكنا نحصي شيبات النبي صلى الله عليه وسلم سبه شيبات بيض” مما يدل على أنه لم يغير. فسبحان الله أهل الرسوخ هذه المسائل عندهم من كثرة السؤال والبحث أصبحت حاضرة الذهن يأتيها من طرف قريب، يأتيك مباشرة بالجواب

د. الشهري: وتجتمع عنده أطراف المسألة حتى في القرآن لما تجمع الآيات مع بعضها وتعرف كلام المفسرين يصبح عندك ملكة بخلاف واحد ما زال في البداية يخطئ هذا وهذا، يقول أبو نواس في قصيدته المشهورة:

فقل لمن يدّعي في العلم معرفة         عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء

د. المطيري: بنو اسرائيل لما جاءتهم البينات اختلفوا وبغوا بل وصلوا إلى مرحلة قتل الأنبياء والتألّي على الله وقالوا إن الله فقير ويد الله مغلولة، تجاوزوا كل الحدود. فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا مثلين، مثل الكفار في مقابلة الآيات ومثل بني اسرائيل في مقابلة الآيات وأمرنا مه هؤلاء بالتجاوز ثم أمرنا بأمر عظيم جداً مع الآيات الشرعية فقال (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) إنتبه هذه آيات الله إنما جاءتك لاتباعها واحذر من بني إسرائيل الذين اختلفوا فيها. فبعد أن ذكر موقف بني إسرائيل عقّب بالمطلوب منا، وهذا أسلوب القرآن عجيب يذكرالآيات موضوع السورة ثم يذكر موقف المخالفين فيها ثم الموقف المطلوب فيأتي الموضوع متكاملاً وبعده سيأتينا عاقبة الذي لم يلتزم بالمنهج وعاقبة الذي التزم بهذا المنهج في الدنيا والآخرة وكلها تأتي بنسق جميل.

د. الشهري: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) ما معنى شريعة؟

د. المطيري: الشريعة لفظة تدل على عدة معاني، الشريعة قد تدل على الدين كله، الشريعة في اللغة الطريقة والهداية وهذه معاني فيها قرب (عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ) قد يكون الأمر الكوني أو الأمر الشرعي فكلا المعنيان لكن السياق العام تدل على الدين والاسلام

د. الشهري: كأن الشريعة هنا تدل على الإسلام على الدين كله بكل شرائعه

د. المطيري: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) إذن كل من لا يتبع الشريعة فهو يتبع الأهواء فإذن هذه فائدة البعض يقولون أنتم تتهمونا أننا نتبع الأهواء ونحن عندنا علم عندنا تطور والإنسانية مرت بتجارب كثيرةّ هناك هوى إن لم يكن اتباع لله ورسوله فهو اتباع للهوى يخالف شرع الله لأجل تجربة أو تاريخ أو موقف!

د. الشهري: نحن عندما نتبع الشريعة ويأمرنا الله به ليست مسألة تشهّي وهوى نقول اتبع الشريعة مع أنها غير مقنعة، بالعكس نحن ولله الحمد ليس في ديننا شيء نستحي منه كله واضح وبيّن (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) والله أعلم كأن فيها على بيّنة من الأمر وعلى وضوح

د. المطيري: وسمى الله سبحانه وتعالى كل من لم يتبع الشريعة سماه جاهلاً لا يعلم (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) كل هؤلاء عندهم علم قاصر بل كما قال الله لا يعلمون. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) الروم) سماهم الله تعالى مع أنه عندهم علم (لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) نفى عنهم العلم الحقيقي النافع وهذا المعنى من معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع” ليس كل علم علم، تجد بعض الأوروبيين يجلس أربعين سنة يبحث في حشرة كيف مكوناتها ويسجل فيها قاموس، ضاع الوقت، هذا علم لا ينفع فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالعلم الذي لا ينفع

د. الشهري: وحتى لا يفهم بعض المشاهدين أننا نزهّد في علم الحيوان لكن نقول إذا لم يدلك على الله فأنت لم تستفد منه، أنا عندما أطّلع على نتائج بحثه أزداد إيماناً لكن هو نفسه ما استفاد شيئا!

د. المطيري: (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا) هذه قد ترد قد يقول أحدهم هذا الرجل متسلط أو حاكم أو ولي أو صاحب سلطة فأنا إن لم أتبع رأيه فسيؤذيني فالله تعالى رد (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا) لا تخف أولاً لن يغني عنك أي لن يحميك من الله ولن يتسلط عليك إن لم يكن بإذن من الله سبحانه وتعالى فالتجئ إلى ركن الله (أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) هود) فآوي إلى ركن شديد واطمئن “فإنه الركن إن خانتك أركان”.

د. الشهري: في قوله تعالى في الآية 20 قال (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) وقال (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ) تؤكد المعنى الذي ذكرته قبل قليل وهو وضوح شريعة الاسلام

د. المطيري: من حقيقته أصبح شيئاً يبصَر، بصائر للناس وهدى. ثم يستجلب الرحمة لكن كل هذا يكون لقوم يوقنون لا يكون شاكّاً، لا يقولنّ أحد لنجرب الشريعة إنما عليك أن تدخل بيقين. (يُوقِنُونَ) اليقين الإيمان الكامل الذي لا يخالطه شك ولا ريب.

د. الشهري: ما أجمل العبارات القرآنية ودلالاتها ونحن للأسف صار بيننا وبين اللغة العربية فجوة نسمع يوقنون، يعمهون، وبعض العبارات وهنا سؤال يقول وردت في سورة الجاثية وصف العذاب بعذاب عظيم، عظيم أليم، عذاب مهين الناس يسألون عن الفروق ونحن نحرص في البرنامج وغيره من المناسبات أن نقرب الناس للغة العربية والعرب عندما سمعوا هذه لأول وهلة كانوا يعرفون الفوارق الدقيقة اليوم نحن لا ندركها للأسف.

د. المطيري: في صحيح البخاري أن معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لليمن فقرأ (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) النساء) فهذه الكلمة الخُلّة لا تكون لأي أحد فكون الله تعالى يتخذ خليلاً من البشر هذه منزلة عظيمة جداً فالعربي الذي خلف معاذ لم تمالك نفسه لما سمع هذه الكلمة وأثرها فقال: لقد قرّت عين أم ابراهيم! تكلّم في الصلاة لكن لما فهمه من جميل اللغة (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) قال: اقد قرّت عين أم ابراهيم, هنيئاً لمن ولدها بهذه المنزلة، فسبحان الله يفهمون الكلمة واستحوذت عليهم لدرجة أنه نسي أنه لا جوز أن يتكلم الواحد في الصلاة. شبهة أخرى تأتي على الشريعة، الشبهة الأولى التسلط، الشبهة الثانية كثرة المخالفين فمثلاً هذا صاحبه فلان لا يريد الشريعة وصاحبه فلان لا يريد الشريعة وصاحبه فلان لا يريد الشريعة كلهم لا يريدون الشريعة فالله عز وجل قال (وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) هم أولياء لبعض فانتبه لكن أنت من وليك؟ الله (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) هنيئاً لك بولاية الله ودعهم هم يتولى بعضهم بعضاً ولو كثروا.

د. الشهري: تخيل كم فيها من التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم والتسلية خاصة في ذلك الموقف وهو أحوج ما يكون إلى النصير

د. المطيري: نعم هو في مكة وحيد ومعه قليل من الناس وكلهم ضدّه يقول له (إتبع )، هم مع بعض وأنت الله وليك.

سؤال: لماذ عبر الله بقوله (اجترحوا) دون كسبوا في قوله (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ)؟

د. المطيري: نحن وصلنا الآن إلى آثار المكذبين بالآيات والمصدقين بالآيات في الدنيا والآخرة، الآن في الدنيا فالله سبحانه وتعالى يخبرنا بأن الذين اجترحوا السيئات، اجترحوا كلمة فيها عدة معاني أولاً فيها معنى العنت وفيها معنى الجرأة فهو يرتكب المعصية بجرأة واضحة فرق بين من يعملها وهو خجل وخائف وهو مخطط للتوبة وفرق بين يهملها بجرأة ولا مبالاة فتجد هذا المعنى اللطيف في اجترحوا فهو يدل على الارتكاب والتعمد والاستخفاف والجرأة في فعل السيئة ويدل على أنه يفعلها بكثرة اجترح السيئات كأنهم اجتاحوا فسبحان الله كيف جمعت هذه الكلمة كل هذه المعاني الرائعة!

د. الشهري: ما أجمل دلالتها! جُرح. ولاحظ في القرآن الكريم ما عبّر الله سبحانه وتعالى بالجرح إلا في الجوارح الحيوانات المفترسة تجرح

د. المطيري: والجرح في الغالب التئامه صعب وإن التأم يبقى فكأنه لا يريد أن يتوب ولا يخطط لتوبة،

د. الشهري: إذن هذه كلها تدل عليها (اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ)

د. المطيري: فمصير هؤلاء المكذبين بالآيات ومصير أهل الإيمان المصدقين بالآيات أن الله سبحانه وتعالى لا يساويهم لا في الحياة ولا عند الموت (سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ) وهذه الآية يذكرها العلماء في سياق آيات السعادة، نحن عندنا سورة السعادة سورة ألم نشرح لك صدرك ذكرت عشرة أسباب للسعادة وعندنا سورة أسباب الشقاوة طه ذكرت الأشقياء وأسباب شقاوتهم وبدأت أن القرآن (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (1)) وفي آخرها (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124)) (فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) فمما يذكرون من الآيات هذه الآية لا يمكن أن يجعل الله تعالى أهل الإيمان في حياتهم كأهل الكفر والمعاصي. حتى ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الانفطار) قال ا[رار في نعيم في الدنيا وعند الموت وفي القبر وعند البعث وإذا دخلوا دار النعيم والكفار في جحيم في الدنيا وعند الموت وفي القبر وعند البعث وإذا دخلوا دار الجحيم لأن الآية لم تذكر متعلق لم تقل (في نعيم كذا) (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) أين هو؟ في ذلك كله. وهنا أيضاً (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ) في الحياة سواء؟ لا يمكن، وعند الموت سواء؟ لا يمكن، هذا يعجز عن قول لا إله إلا الله عند الموت ويسود وجهه. وأذكر أني زرت واحد أسأل الله أن يعفو عنا أتاني ابن أخيه قال عمّي لا يصلي ومرض وكبر سنه فيا ليت تكلمه فأتيت له وحاولت أن أكلمه هو كبير السن لكن ليس محتضراً أكلمه وهو معرِض لم يشرح الله صدره وأحسست أن بيني وبينه غشاوة فخرجت ثم توفي بعد كم شهر فيقول الولد كنا نقول له يا عمّ قل لا إله إلا الله فكان يقول: النار النار ابعدوا عني النار خائف منها، فسبحان الله لا يمكن أن يستوي في حياته ولا في مماته. حتى عند مماته يرى شيئاً، لا يستوي سبحان الله. وهذه تعطي المؤمن فرحة ما دام أنه لا يستوي مع أهل الكفر والنفاق والمحاربة فليعلم أن ما يراه من بهرجة ليست حقيقية، لذلك يدرسون دراسة كيف كيف يبتسم، كيف يتصنع الابتسامة؟ فسبحان الله فرق بين الابتسامة لما تأتي من القلب وبين الابتسامة المتكلّفة، الأطباء النفسيين لا يوجد ممثل أوروبي إلا عنده طبيب نفسي، عقد نفسية. الشيخ سعيد الزياني رحمه الله كان ممثلاً يقول لي لا ننام في فترة التمثيل إلا على المنومات كل واحد منهم عنده علبة منوم قلق شديد وأنا كان عندي بحث عن النوم والتقينا في هولندا عندنا مركز دعوة إسلامي جلسنا فقال لي أنا عندي لك فائدة في النوم فقال لي الحديث عن خروج روح الكافر تنتزع روحه انتزاع الصوف من الشوك والمؤمن تخرج روحه كالقطرة يقول يبدو لي أن هذا أيضاً في النوم لأن الله سمى هذه وفاة وهذه وفاة هذه سماها وفاة صغرى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (42) الزمر) قال يحصل لنا الانتزاع عند النوم تحس بآلآم وتمزق حتى تنام فيقول ما ننام إلا بعد آلآم وتعب وحبوب، ويقول عملت عملية فأعطاه الدكتور ابرة منومة لم ينم فقالوا له أعطيناك شيء لو أعطيناه لبعير لنام، قال نحن تعودنا على الحبوب المنومة يقول لدرجة أنهم عملوا له بنج موضعي وأجروا العملية. فسألته وبعد الهداية؟ قال والله إني كنت لما أضع رأسي أنام ومرة عملت عملية فقال لي الدكتور هذا بنج جديد وبعض الناس عندهم حساسية له سنعطيك منه شيء بسيط حتى نرى هل جسمك يرفضه أو يقبله فأعطوه النموذج فنام.

د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) وأنت ذكرت التحذير أنك إذا لم تتبع الحق فليس عندك إلا الهوى

د. المطيري: أهل الباطل في مقابلتهم للآيات سواء الكونية أو الشرعية يقابلونها بأمرين مهمين: الأمر الأول اتباع لأهوائهم أو نقول السبب الذي أداهم إلى إنكار الآيات الشرعية أو الكونية السبب الأول اتباعهم الهوى والسبب الثاني إنكارهم للبعث

د. الشهري: لماذا إنكارهم للبعث بالذات؟

د. المطيري: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا) إنكار البعث يجعل الناس لا يخاف من شيء ولا يترقب شيئاً فهو يريد أن يعبث في الدنيا وهو صادّ عن هذه الآيات

د. الشهري: ولذلك قال الله (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) المطففين) سبحان الله

د. المطيري: فالسبب الأول اتخاذ الهوى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ) شيء مخيف! إلهه الهوى ووأضل على علم وختم على سمعه وجعل على بصره غشاوة، هذا كيف يُهدى؟ هذا يطبع على قلبه. (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) أفلا تنتبهون. وجعل الهوى إله معناه أن الطاعة المطلقة إنما هي للإله وحده فأنتم طالما اتبعتم الهودى بهذه الطريقة فقد اتخذتموه إلهاً

د. الشهري: وهذه نفس الفكرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له عدي بن حاتم في قوله (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) التوبة) قال ما عبدناهم يا رسول الله، قال أليسوا يحلّون لكم الحرام فتحلونه؟ قال بلى، قال تلك عبادتهم وهنا نفس القضية.

د. المطيري: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبع لما جئت به” تتبع النبي صلى الله عليه وسلم. هنا ثمرة الطاعة والتسليم والانقياد ولذلك سمي الاسلام أصلاً وهو الانقياد والطاعة

د. الشهري: المشكلة عندما يبين الحق للناس يكثرون من الجدال ويسألون ما الدليل؟ ما الحكمة؟ عندما يقال له هذا في القرآن أو في صحيح البخاري، يقول لا، القرآن دلالته ظنية وصحيح البخاري دلالتها ويجادل وهذا دليل على أن المسألة ليست بيان حق وإنما تسليم وانقياد لأمر الله تعالى

سؤال: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) هل الكتاب هو الذي سينطق أم أن الأعضاء هي التي ستشهد كما في آية أخرى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور)؟

د. المطيري: الشهود كثيرون فالجوارح تشهد والكتاب يشهد (ما لهذا الكتاب لا يغادر) والملائكة تشهد والأرض التي كانوا عليها تشهد وأعظم شيء شهادة رب العالمين (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ (19) الأنعام) فالشهود حوالي ستة أو سبعة ولا تعارض هذا شاهد وهذا شاهد وهذا من كمال إقامة الحجة من الله سبحانه وتعالى على عباده.

السبب الثاني من أسباب مقابلة الآيات وإنكارها إنكار البعث (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) إنكار البعث من القضايا التي جادل بها النبي صلى الله عليه وسلم قريش والكفار جدالاً عظيماً حتى العلماء جعلوا هذا أحد المقاصد الثلاثة للقرآن لا تكاد تخلو منه سورة: الدعوة للتوحيد، الدعوة للنبوة، والدعوة للبعث.

د. الشهري: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ﴿١﴾ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴿٢﴾ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴿٣﴾)

د. المطيري: (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ (38) النحل) جهد أيمانهم، أقصى ما يمكن أن يقسم به

د. الشهري: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) يس)

د. المطيري: تجد سبحان الله قضية إنكار البعث ظاهرة متكررة. والعلماء قالوا الإيمان باليوم الآخر يؤدي إلى ما يسمى بالوازع الايماني وهذا الوازع هو الذي يمنع كثير من الناس من الوقوع في المعاصي والذنوب ويحثهم على الطاعات لأنه عنده هدف كبير، لماذا تغض بصرك مثلاً؟ هناك حورية في الجنة، لماذا لا تطمع وتسرق؟ لأن عندك قصر في الآخرة، سبحان الله كيف هذا الأمر يصلح الدنيا. نفس المعنى في سورة المطففين (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4)) لأنهم لو ظنوا ما فعلوا لو يؤمنوا بالبعث لما وقعوا في هذه المعصية وهي التطفيف

د. الشهري: سبحان الله تعظيم هذا المعنى في نفوس الناس كم له من فوائد حتى في حياتك اليومية تجده يقول إني أخاف الله لأنه يراقب الحساب يوم القيامة ولذلك في أول سورة الفاتحة (مالك يوم الدين)

د. المطيري: فهم لما أنكروا الإيمان بالبعث أداهم إلى مقابلة الآيات بالتكذيب والرد والانكار والاستهزاء والإعراض. لذلك دعنا نقوي إيمان الناس باليوم الآخر لأنه هذا سوف يريحنا في كل الأشياء، فهذه لو ينبته لها الإخوة الدعاة

د. الشهري: المشكلة عندما يفعل بعض الدعاة ذلك تجد بعض الذين يكتبون من الذين يردون هذا يقولون أنتم أخفتم الناس وأرعبتم الناس وحولتم الناس إلى بُكَرية (مناحة)! والقرآن الكريم هو الذي يكرر هذا ويذكر بالقيامة ويذكر بالجزاء

د. المطيري: بعض الناس أخشى أن ضعف الإيمان باليوم الآخر هو الذي جعله يقول هذا الكلام ما يريد ما يذكِّر الله به

د. الشهري: اذكر أحد العلماء جزاه الله خيراً عندما تحدث الآن الفيضانات وتحدث الزلازل وتحدث البراكين واضح أنها آيات (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59) الإسراء) الله هو الذي يقول ذلك فانبرى هؤلاء الكتاب عليه وقالوا أنتم متشائمون وأخفتم الناس. يبدو لي هناك فجوة بين كثير منا وبين القرآن نفسه.

د. المطيري: بعدما ذكر الله عز وجل الآيات وذكر أحوال الناس فيها وذكر مآلهم في الدنيا وذكر أسباب ردهم ذكر مآلهم في الآخرة، وصلنا إلى مآل هؤلاء يوم القيامة  قال (وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) كل الناس تجثو على الركب خوفاً وهلعاً من ذلك اليوم العظيم الكل ينتظر الحساب حتى الأنبياء خائفون يا رب سلِّم سلّم، دعواهم نفسي نفسي يريد النجاة بنفسه وهو رسول الله المعصوم عن الذنوب فما بالك بالآخرين؟ نحتاج فعلاً من ينجينا، نسأل الله أن ينجينا. كل أمة تدعى إلى كتابها، الناس تجثو تنتظر الدور في الحساب ثم يأتي الكتاب والكتاب هنا يبدو لي الكتاب الحساب الذي نحاسب عليه (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) الجاثية) (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية) (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف). (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) كل شيء كان يُكتب وهذه المصيبة لو أحدنا يذنب وينتهي الأمر، يمكن أن تخالف أبوك في شيء لا يعلمه لكن عند رب العالمين كل شيء مكتوب ولا شيء يخفى! الله تعالى شاهد لكن جعل الكتبة حتى لا تُنكِر. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) هذه نتيجة الذين آمنوا (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) رجعنا للآيات الشرعية (إذا قيل  وعد الله حق) عدنا إلى إنكار البعث (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) هناك قال (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) وهؤلاء غير مستيقنين. (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) اتضحت وظهرت. انتهت الآيات بقوله الله تعالى (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الله تعالى يحمد نفسه على فعله العظيم وعدله في مثل هذا المقام. ولاحظ هنا تقديم (لله الحمد) بينما في الفاتحة قال (الحمد لله) لأنه في الآخرة ليس إلا لله سبحانه وتعالى

د. الشهري: أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنابة والخشوع والانتفاع بهذه الآيات العظيمة. ونسال الله أن يكتب أجرك على ما تفضلت به.

*******************************

الفائز بسؤال الحلقة الماضية: أريج ماجد

سؤال الحلقة: ذمّ الله البخل والإسراف في الإنفاق ودعى إلى التوسط في الإنفاق فما الآية التي تدل على ذلك من آيات الجزء الخامس العشر؟