الحلقة 153 – سورة الحشر
ضيف البرنامج في حلقته رقم (153) يوم الإثنين 29 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم الخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقاً.
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الحشر .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين ،،
****************************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. اليوم هو اليوم التاسع والعشرون من شهر رمضان وسوف يكون حديثنا في هذا اللقاء بإذن الله تعالى عن سورة الحشر. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا اللقاء أرحب بضيفنا في هذا اللقاء شيخنا فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم الخبير في مركز تفسير للدراسات القرآنية أستاذ بجامعة الشارقة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً. واليوم التاسع والعشرون اليوم قد يكون آخر يوم فنكون قد افتتحنا بفضيلتكم واختتمنا بكم. سورة الحشر ارتبطت باليهود وببني النضير فلعلها تكون حلقة ساخنة. أولاً نبدأ باسم السورة وإذا كان هناك مناسبة لما قبلها تذكر.
د. مسلم: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. سورة الحشر وتسمى سورة بني النضير سورة مدنية نزلت في المرحلة الثانية من القرآن المدني. نحن كما قسّمنا القرآن المكي إلى أربعة مراحل حسب مراحل الدعوة – طبعاً هذا تقسيم اجتهادي- نقسّم القرآن المدني إلى ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى بدأت من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهت بعد غزوة أُحُد وكانت هنالك مهام في هذه المرحلة قد نأتي إليها فيما بعد.
المرحلة الثانية بدأت بعد غزوة أُحد واستمرت إلى فتح مكة
والمرحلة الثالثة بدأت بعد فتح مكة إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مبادئ أو أهداف القرآن المدني بالإضافة إلى الأهداف الأربعة التي ذكرناها في السور المكية وهي قضية أسس العقيدة التوحيد، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالنبوات، أمهات الأخلاق وأصول التشريعات هذه أربعة في المرحلة المكية ركّز عليها، بالإضافة إلى هذه الأمور نضيف أهدافاً ثلاثة نسميها اختصاراً: البناء والصيانة والحماية. بناء المجتمع الاسلامي على مستوى الفرد والمجتمع بالتشريعات التفصيلية لتنظيم المجتمع، صيانة هذا المجتمع من الداخل من مؤمرات المنافقين ودسائس اليهود وأخطاء بعض المؤمنين فجاءت لصيانة المجتمع من هذه الأخطاء الداخلية. الحماية المجتمع الإسلامي من الخارج، العلاقات الدولية الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى في حالة الحرب والسلم. تأتي سورة الحشر في المرحلة الثانية وركز فيها على قضية البناء والصيانة بناء المجتمع الذي كان للمنافقين واليهود دور كما سنتعرض له وبناء المجتمع الاسلامي بالتشريعات جاءت قضية التكافل الاجتماعي قضية توزيع الفيء على المسلمين بالإضافة إلى قضية ترسيخ قضايا الأخلاق التفصيلية في قضية الصدق والإيثار في وصف الأنصار بذلك ووصف المهاجرين بذلك عدم الحقد والغل على السابقين ذكر في (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) فهي قضية بناء وقضية صيانة المجتمع وهذه الأهداف هي أهداف سورة الحشر.
د. الشهري: إذن نقول هي سورة مدنية نزلت في المرحلة الثانية من العهد المدني ولها اسم الحشر وسورة بني النضير. دعنا ننتقل للموضوع الأساسي لسورة الحشر ثم نتوقف مع الموضوعات التفصيلية.
د. مسلم: الموضوع الأساسي هو تفصيلات غزوة بني النضير، ما الذي جرى؟ موقف بنو النضير، طبعاً يجب أن نقدّم مقدمة أولاً.
د. الشهري: هل تعتبر غزوة بني النضير سبب نزول لهذه السورة؟
د. مسلم: الغزوة سبب النزول لأن السورة نزلت بعد الغزوة. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى المدينة المنورة في المرحلة الأولى كان همه مركزاً على توحيد الصف الداخلي ولذلك اهتم بقضية تجميع أطراف أهل المدينة تجميعهم على كتابة الوثيقة أو الصحيفة. الصحيفة التي وقعها رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعت المهاجرين والأنصار واليهود وبقايا المشركين في المدينة كلهم جمعهم ووقعوا على هذه الصحيفة وكان من أبرز أمورها أنهم كلهم يدٌ على من سواهم كل من يريد الاعتداء على أهل المدينة كلهم يقومون في وجهه، هذه ناحية مهمة جداً حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في البداية وقبائل اليهود الثلاثة في المدينة وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريضة كلهم وقعوا على هذه الصحيفة أنهم ضد أي خطر يتهدد المدينة بالإضافة إلى أمور تفصيلية جاءت قضية دفع الظلم عن المظلومين، الأخذ على يد الظالم، وعدم إيواء أي محدَث في المدينة كل من يريد أن يعمل فتنة أو يدخل دخيلاً على المدينة لا أحد يأويه وكل من يأويه يكون مسؤولاً عنه وعن تصرفاته. الأمر الثالث الذي حرص عليه صلى الله عليه وسلم هو قضية التكافل الاجتماعي ولذلك آخى بين المهاجرين والأنصار ووزع المهاجرين أكثر من مئتي شخص من المهاجرين آخى بينهم بحيث أن الانصار يقومون بدور إيواؤهم في بيوتهم وكانت تضحيات هائلة من الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم. بدأ اليهود، وحقيقة كنت أنا أفضل أن نتوقف عند: ما الذي جاء باليهود إلى هنا؟ هذه القبائل الثلاث هؤلاء استوطنوا يثرب وليسوا من أهلها؟ نقف وقفة صغيرة ثم نأتي إلى موضوعنا. اليهود كانوا يرون في كتبهم أن نبي آخر الزمان سيكون مهاجَره إلى بلدة فيها نخيل وحرّات وهم كانوا في بلاد الشام النخيل والحرّات هناك حرات في بلاد الشام ولكن ليس فيها نخيل وهم خلال التاريخ الطويل للأنبياء أغلب الأنبياء المعروفين كانوا منهم كانوا من بني اسرائيل فهم كانوا يتوقعون أن يكون النبي الخاتم نبي آخر الزمان أن يكون منهم أيضاً ولذلك قالوا إن لم يكن من قبائلنا نحن فنحن ننتظره في مهاجره بحيث نكون أول من نؤمن به وسند له ولذلك جاؤوا إلى جزيرة العرب يبحثون عن بلدة فيها حرّات ونخيل فوجدوا عدة مناطق فيها هذه الصفات يثرب، تيماء، خيبر، فَدَك، كل قبيلة من القبائل أو قبيلتين استوطنوا في هذه البلدان التي فيها حرات ونخيل انتظاراً لمجيء الرسول الخاتم إليهم ولذلك كانوا يتهددون الأوس والخزرج عندما يختلفون يقولون: لقد حان بعثة نبي آخر الزمان سنؤمن به ونقتلكم معه قتل إرم وعاد، يهددونهم. القرآن الكريم ذكر هذه القضية وبيّن كيف أن اليهود بعد أن كانوا يستفتحون على الذين كفروا كيف خالفوا معتقدهم وما يجدون في كتبهم كتبهم تبشر بهذا وتقول بهذا الشيء (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) البقرة) يستفتحون يعني يهددونهم (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90) البقرة) هم أدركوا ولكن ما الذي منعهم؟ عندما عرفوا أن الرسول ليس منهم وهذه حصلت في أول الهجرة في حادثة حيي بن أخطب جاء هو وأخوه أبو ياسر ليتأكدوا من هذا النبي ذهبوا إليه – أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب تذكر هذه الرواية بعد أن اسلمت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم – تقول ذهبوا ورجعوا آخر النهار متعبين منهكين فقال ياسر (عمّها) لحيي (والدها) يقول له ماذا رأيت أهو أهو؟ يعني أهو النبي الذي ذكر في التوراة في كتبنا؟ فقال هو هو قال فماذا تعمل؟ قال اضمرت له عداوة الدهر. بالرغم من تأكده أنه هو هو النبي المبشّر به المذكور عندهم في كتبهم لكنه لأنه ليس منهم عداوة الدهر. هؤلاء جاؤوا واستوطنوا، استوطنوا يثرب ينتظرون رسول الله فعندما جاء رسول الله وكان من العرب من نسل اسماعيل عليه السلام، دوحة ابراهيم عليه السلام فرعان فرع اسحق وفرع اسماعيل فجاء من فرع اسماعيل النبي الخاتم
د. الشهري: فقط، ليس من نسل إسماعيل إلا محمد صلى الله عليه وسلم أما بقية الأنبياء فمن فرع إسحق
د. مسلم: الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول أنا بشارة أخي عيسى عليه السلام ودعوة أبي ابراهيم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة) وعيسى يقول (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصفّ) فرسول الله بشارة عيسى ودعوة أبيه ابراهيم عليه السلام. وهنا وقفة مع سورة البقرة كيف مهدت سورة البقرة لهذه البشارة وكيف مهدت لنقلة المسؤولية والقوامة على دين الله من بني إسرائيل إلى هذه الأمة هذا حديث طويل وذو شجون. الرسول كان حريصاً على أن يوقعوا على هذه الصحيفة للدفاع عن المدينة وحاول أن يقربهم بأي شكل من الإسلام وكان أحياناً يقصد ديارهم ويناظرهم في ذلك ويتلو عليهم الآيات ولكن أول من نقض العهد بنو قينقاع عندما انتصر المسلمون في بدر صاروا يقولون هل هو النبي؟ نؤمن به؟ ولكن بنو قينقاع ركبوا رؤوسهم وقالوا محمد التقى بأعراب لا خبرة لهم بالقتال ولو أنه رآنا لرآنا نحن الرجال نحن أهل الحرب. ولكن حادثة المرأة المسلمة التي كشفوا عورتها في السوق فأدى إلى أن الرسول حاصرهم ليقتلهم وكتّفهم للقتل فتدخل رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن أبي سلول وقال أناس ساعدوني في الأزمات أتخلى عنهم وتقتلهم يا محمد في ضحوة النهار لا يمكن ذلك أبداً. طبعاً الرسول كان في السنة الثانية، غزوة بني قينقاع كانت بعد ستة أشهر من غزوة بدر يعني لا زال الناس حديثو عهد بالاسلام فرأى بأنه سيؤدي فتنة بالرغم أنه قال اتركهم أدخل يده في درع رسول الله وقال لا يمكن هذا أبداً سامحهم فلما رأى الرسول أن أناساً سينتصرون لأبن سلول وأنه سيؤدي إلى فتنة بين المسلمين قال هم لك ولكن لا يساكنوني في المدينة فهجرهم من المدينة فكانوا أول من خالف العهد الذي وقعوا عليه هم بنو قينقاع فأخرجوا. بعد غزوة أُحُد شعر اليهود أنه ممكن أن ينكسر الرسول والصحابة في معركة تشجعوا فصار كعب بن الأشرف زعيم من زعماء بني النضير يهودي يغازل بنساء المسلمين وعمل أشياء لتحريك المشركين ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله عليه الصلاة والسلام أرسل إليه من يقتله محمد بن مسلمة وأبو نائلة وغيرهم سرية صغيرة قتلوه – وهذه أنا تعرضت لكتابي في الصراع مع اليهود تعرضت لقضية الاغتيال السياسي، الاغتيال السياسي لا يكون مطلقاً هكذا وإنما له شروطه أن يكون بعلم رئيس الدولة وأن لا يترتب على هذا الاغتيال السياسي فتنة أعظم وأن يكون مقرراً قضاءً أبيح دم هذا الشخص شرعاً وضعت شروطاًً لهذا حتى ما يتخذ الحكام ذريعة أنه كل من خالفهم يقتلوه. بعد فترة قصيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قصد بني النضير لتحمل ديّة لأن أهل المدينة كلهم يتحملون الديات للقتل الخطأ يشاركون في هذا الأمر فقصدهم لتحمل دية شخص قتله أحد المسلمين خطأ فذهب لكي يساعد بنو النضير في تحمل جزء من الدية باعتبار أنهم موقعين على الصحيفة فما كان منهم والرسول جالس في ظل حائط ومعه كبار الصحابة، قالوا لن تتمكنوا من محمد كتمكنكم الآن، جالس تحت سور حائط في الظل ويمكن أن يُصعد على الحائط ويرمى بصخرة أو بحجر فعندما قرروا ذلك وبدأوا بالتنفيذ أخبر جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخبر صحابته كأنه يريد قضاء حاجة فانتظر الصحابة الرسول فما رجع فخرجوا في إثره وإذ يخبرهم أحد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى المدينة، رجع إلى المدينة ديار بني النضير تبعد عن المدينة ثلاثة أميال يعني 4 أو 6 كيلومترات ليست بعيدة فلحقوا به قرر أن يحاصرهم ويقاتلهم لأنهم تآمروا على قتل رئيس الدولة هذه في كل الشرائع السماوية والوضعية الذي يحاول قتل رئيس الدولة ينبغي أن ينال عقوبته بمثابة إعلان حرب: نقض العهد السابق الذي وقعوه في الصحيفة وتآمر على رئيس الدولة لقتله. فعندما خرج المسلمون لحصارهم وأسقط في يد بني النضير ندموا على هذا الفعلة لكن ماذا يفيد بعد فوات الأوان؟ اعتبروا أننا نحن لا نستطيع أن نقاوم فعلينا أن نفاوض محمداً يعاملنا معاملة بنو قينقاع، بنو قينقاع خرجوا بأموالهم وأهاليهم خراج المدينة فذهبوا إلى بلاد الشام ونحن نفاوضه على ذلك. في البداية عندما قالوا ذلك قبِل الرسول أن يعاملهم معاملة بنو قينقاع ولكن عبد الله بن أبي بن سلول وكان حليفاً لهم في الجاهلية أيضاً أرسل إليهم الخبر لا تتحركوا من دياركم سأمدكم بألفي مقاتل يدخلون في حصونكم والمصير مصيركم إذا اضطررتم للإخراج نخرج معكم إذا اضطررتم للقتال نقاتل معكم مصيرنا مصيركم ألفي مقاتل. هؤلاء عندهم ألفي مقاتل وجاءهم مدد من المنافقين ألفي مقاتل صاروا قوة هائلة فردوا إلة رسول الله قالوا لن نخرج ولن نفاوض وافعل ما بدا لك. نقضوا هذا الاتفاق القريب أيضاً عندها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقطيع النحيل من حولهم وكان الهدف من ذلك أمران: إظهار الجدية لليهود بأنه جاد في قتالهم والأمر الثاني كان لفسح المجال للكرّ والفرّ. عندئذ اليهود شعروا بهذا الأمر يا محمد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع اللينة وقطع كرام النخيل؟ كأنه دخل شيء في قلوب المسلمين فالله سبحانه وتعالى تولى إزالة هذا الأمر (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) هذا بأمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف بوحي من الله تعالى هو الذي أذن لكم. في قضية الحرب نحن نتلافى لكن إذا اضطررنا لمصلحة المسلمين لسير المعركة لا ينظر لمثل هذه الأمور الصغيرة. عندئذ أرسلوا إلى عبد الله ب أبي بن سلول أين وعدك لنا؟ أين المقاتلون؟ (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) موقف المنافقين طبعاً اليهود لو كان عندهم عقل ولكنهم نسوا عقولهم نسوا أنفسهم عندما نسوا هدايات الله سبحانه وتعالى التوراة تأمرهم باتباع الرسول الخاتم وهم تأكدوا بأساليب كثيرة وبحوادث ومناسبات كثيرة أنه رسول الله حقاً فلماذا ترتكبون الأحموقة بعد كل هذا وتتآمرون مع المنافقين وتعرفون أن المنافقين لا شأن لهم لا وعد لهم لا كلام لهم تغترّون مثل الشيطان جرّهم إلى هذا الأمر ثم تخلى عنهم!. عندئذ عندما يئسوا من مدد ابن أبي لهم تنازلوا للرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا نعود للاتفاق الأول، الإتفاق الأول أن يخرجوا بأموالهم وأهليهم فقال الرسول هذا ما سبق وأما الآن فليس لكم إلا حمل بعير لكل أسرة، كل عائلة تحمل حمل بعير واحد ما عدا السلاح لا يحملوه معهم فاضطروا للنزول لهذا فبدأوا يخربون بيوتهم بأيديهم يريدون أن يحملوا كل ما غلا ثمنه وخفّ وزنه أحياناً على حمل البعير فأحياناً يجد باب أو إطار باب أو نافذة مزخرفة يخربونه حتى يحملوه معهم. أُجلوا إلى أول الحشر، أول الحشر بعض العلماء يقول كان حشران لليهود الحشر الأول هو بنو النضير والحشر الثاني إخراجهم من جزيرة العرب وكان هذا على زمن عمر بن الخطاب. الحقيقة أنا أتحفظ على هذا التفسير. لأول الحشر لبداية الحشر التي هي بلاد الشام بلاد الشام هي أرض المحشر فهم أخرجوا إلى بلاد الشام لأول الحشر لبداية الحشر لبداية موضع الحشر، أنا أرجح هذا التفسير
د. الشهري: كأنه بداية لحشرهم الحشر في نهاية الزمان
د. مسلم: لأرض المحشر حشروا ثم أُجلوا منه.
د. الشهري: انتهينا من رواية قصة حشر بني النضير وأنهم أخرجوا من ديارهم إلى أرض الشام
د. مسلم: بعضهم ذهب إلى خيبر تجمع اليهود هناك وبعضهم إلى بلاد الشام. بنو النضير كانو من القبائل الثلاثة وهي أقواها أشدها بأساً وأكثرهم غنى بنو النضير ولذلك الآية الكريمة أشارت وحتى المسلمين كانوا يستبعدوا إخراجهم (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ) ولكن الله إذا أراد ألقى الرعب في قلوبهم فاهتزوا من داخلهم لا يجرؤون على مجابهة المسلمين. هذه حقيقة عن اليهود بشكل عام كما جاء في الآيات (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) هذه دمغة لليهود وطبيعة فيهم إلى الآن بالرغم من أن الأسلحة المتطورة موجودة و مقابلهم لم يجابهوا أهل عقيدة كل الذين دخلوا في مواجهة مع بني إسرائيل في العصر الحديث حملوا راية القومية والاشتراكية وغير ذلك ولكن كان هناك أفراد ملمين بين هذه الجيوش يقولون ما استطاعوا أن يواجهونا بالسلاح الأبيض وجهاً لوجه ما التقنيا مع يهودي. حتى في حرب غزة الأخير منذ سنتين أو ثلاثة لم يستطيعوا دخول غزة لأنهم سيضطرون إلى قضية المواجهة لا يجرؤون مقابلة المسلمين وجهاً لوجهه وإنما من وراء جدر من رواء دباباتهم من وراء مصفحاتهم من وراء صوارخهم بعيدة المدى وقصيرة المدى بأي شكل أما وجهاً لوجه هم أجبن من أن يقابلوا. يقول أحد الجنود الجندي اليهودي يجيد الكبس على الأزرار أما ماقبلة السلاح وجهاً لوجه لا يستطيعون هذه طبيعة فيهم.
د. الشهري: نعود لبداية السورة
د. مسلم: أول توجيه نداء لكل الناس أن يأخذوا العبر من الأحداث التي تقع (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) هؤلاء على قوتهم وعلى تمكنهم ورجالهم وغير ذلك ظنوا أن لا أحد يستطيع التغلب عيلهم حتى المسلمون في بداية الأمر ما كانوا يحلموا أن يدخلوا ديار بني النضير لمنعتهم وقوتهم لكن الله سبحانه وتعالى عندما شاء فليأخذوا عبرة (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ). ثم بعد ذلك تأتي أحداث الغزوة عندما قطع الرسول عليه الصلاة والسلام قطع الشجر وقال اليهود هذا إفساد في الأرض دافع الله سبحانه وتعالى عن ذلك (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) بعد ذلك جاء الحقيقة الوصف وصف رائع في وصف المهاجرين والثناء عليهم ووصف رائع للأنصار والثناء عليهم وللمؤمنون الذين يأتون من بعدهم ويحبونهم ويوالون المهاجرين والأنصار ولا يحملون ضغينة في قلوبهم عليهم. الفيء الذي أخذوه بيّن الله سبحانه وتعالى (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الرعب دخل قلوبهم لم يقاتلوا فتخلوا عن أموالهم وخرجوا بهذا الشكل أُجلوا فالقضية أموالهم كلها فيء للمسلمين.
د. الشهري: قد يسال سائل في سورة الأنفال (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (41)) وهنا (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ما الفرق بين الفيء والغنيمة؟
د. مسلم: المصارف واحدة الذي ذكرت هنا وهناك واحدة (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) خمس مصارف العلماء يقولون (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) ذكر لفظ الجلالة تبرّكاً وإلا قسم “الله ورسوله” واحد فهي خمسة. ولكن الفرق في التوزيع على من؟ هي تصرف الغنيمة أربعة أخماسها للمقاتلين والخمس الواحد يصرف في هذه المصارف الخمس (الخُمس من الغنيمة) أما الفيء فكله لبيت مال المسلمين وكله يصرف على هذه المصارف الخمسة، هنا ما بذلوا جهداً ولذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما فوّض الأمر لبيت مال المسلمين ورئيس الدول هو الذي يتصرف أراد أن يحل مشكلة اجتماعية كما قلنا آخى بين المهاجرين والأنصار ونزل المهاجرون في بيوت الأنصار فكانوا يخدمون في الزراعة ويقسمون الثمار بينهم ولكن التكفل الأساسي من الأنصار لهم. الآن الفيء يعود لبيت مال المسلمين نقسم الفيء عليكم جميعاً المهاجرين والأنصار ويبقى المهاجرون في بيوتكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر الأنصار قال: إن اردتم أن نشرككم في التوزيع ويبقوا في بيوتكم وإن أردتم أن نخص المهاجرين بهذا الفيء نوزعه عليهم ويخرجون من بيوتكم وجزاكم الله خيراً على ما قدمتموه فنادى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهما زعيما الأوس والخزرج قالوا يا رسول الله خُصّ إخواننا المهاجرين بالفيء وليبقوا على ما هم عليه ولذلك (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الأنصار رضي الله عنهم. هذا الفيء يُعطى (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) شهادة من رب السموات والأرض بأنهم صادقون. (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هؤلاء الأنصار، نحن إن شاء الله لنا نصيب أيضاً (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) كل من يوالي المهاجرين والأنصار ويحبهم ولا يجد في نفسه حقداً وغلاً على ما عملوا ويكرمهم لأنهم هم الذين ناصروا هذا الدين وعن طريقهم نقل هذا الدين إلينا
د. الشهري: أين فِعل الرافضة؟
د. مسلم: هؤلاء الذين يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى عليهم الكفر والعياذ بالله بل كثير من العلماء صرّحوا بكفرهم. هؤلاء يريدون هدم الدين إذا هدمت الثقة بصحابة رسول الله وهم الذين نقلوا إلينا الإسلام والله أثنى عليهم في كتابه أثنى على هؤلاء الصحابة فيأتي أناس ويقولون هؤلاء والعياذ بالله طواغيت وخانوا الأمانة، هؤلاء لا يفقهون! لا أدري أين عقولهم؟ لا يفكرون!
د. الشهري: في هذه القصة دور بارز للمنافقين وأنت ذكرت عبد الله بن أبيّ والمشكلة أن المنافقين حتى في صحيح مسلم اثنا عشر رجلاً ثمانية لا يدخلون الجنة، على الرغم من هذا العدد البسيط بين صفوف المسلمين لماذا هذا الدور البارز؟
د. مسلم: كانوا في فترة كثروا ولكن انتصارات المسلمين جعلت كثيراً منهم يعيد النظر في مواقفه وخاصة عبد الله بن أبيّ عمل مواقفاً مثلاً في غزوة بني المصطلق عندما قال كلمته القبيحة قال: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كمثل من يقول سمّن كلبك يأكلك، ما هؤلاء إلا أناس جاؤوا من القبائل جاؤوا موزعين إذا منعتم عنه النفقة سينفضون عن محمد، ولئن رجعنا إلى المدينة لنخرجن الأعز منها الأذل عندما قال هذا الكلام الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به فأنكر كل هذا الأمر، ابنه كان من صالحي المسلمين قال يا رسول الله لقد علمت الأنصار أني كنت أبرُّ الناس بأبي والآن أخشى أن تأمر أحدا بقتله فيقتله فلا أتحمل أن أرى قاتل أبي فأقتل مسلماً بكافر إن كنت تريد قتل أبي فأنا الذي اقتله فأبدى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسامحاً قال ما دام بيننا سنكرمه لن نقتله، لكن ما اطمئنّ ابنه وكان اسمه أيضاً (عبد الله) ما اطمئن قلبه عندما رجعوا إلى المدينة وقف على باب المدينة وقال قال والله يا عدو الله لا تدخل المدينة إلا بإذن من رسول الله لتعلم أن رسول الله هو الأعزّ وأنت الأذلّ. طبعاً عندما انكشف في هذه المواقف وانكشف في غزوة أُحد كان أنصاره الذين يتعصبون له قبيلة هو كان زعيم الخزرج انفض كثيرون منهم من حوله ولذلك لم يبق في الأخير إلا عدد قليل والرسول صلى الله عليه وسلم فتح لهم المجال دائماً للتوبة والرجوع فبقي في الأخير عدد قليل ولكنهم في السابق كانوا كثر.
د. الشهري: ذكرت المنافقين ودورهم في هذه المعركة وأيضًا لاحظت في قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ) تشبيههم بالشيطان في هذا الموقف أرد أن نركز على هذه النقطة
د. مسلم: بعض المفسرين ربطوا هذا التمثيل بتمثيل لراهب كان في بني اسرائيل والحادثة ذكرها أهل السنن ولكن بعض المفسرين يقولون باعتبار اسرائيلية الحقيقة أنا لا أرى مانع لأن الرواية وردت عند الإمام أحمد وعند الترمذي أن أحد رهبان بني إسرائيل كان معروفاً بصلاحه عند غيره وكان يؤتى إليه بأصحاب الأمراض والأسقام والجنون وكان يدعو لهم فيشفى بإذن الله تعالى. عدة إخوة لهم أخت أصابها مس من الجنون وكانت جميلة فأتوا بها إلى الراهب أبقوها عنده حتى يعالجها فأغرى الشيطان هذا الراهيب بالوقوع عليها فوقع عليها فحملت فعندما حملت قال سيفضح أمره وسوس له الشيطان فقال له اقتلها وقل لإخوانها أنها ماتت فعندما قتلها ودفنها جاء الشيطان يوسوس لإخوانها أن أختكم قتلت وفي مكان كذا يوسوس لهم فجاؤوا وكشفوا هذا الأمر شكوا هذا الراهب فأخذ رئيس السلطة عندهم أخذوا الراهب فجاء الشيطان للراهب فقال أنا الذي عملت بك كل هذا الأمر والآن أستطيع إنقاذك إذا سجدت لي، قال كيف وأنا مصلوب ومربّط فقال ولو بعينيك فسجد هذا الراهب للشيطان فعندما سجد تبرأ منه قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فبعضهم يربط أن مثل هؤلاء المنافقون لعبوا دور الشيطان عندما شجعوا بني النضير على العصيان والتمرد ونحن معكم إلى أن أوقعوهم في هذا الأمر ورجعوا عن كلامهم وعن شروطهم الأولى وإذا بهم بعد ذلك تخلوا عنهم وتركوهم لمصيرهم المحتوم فكان إجلاؤهم. وبعضهم يقول ليس بالضرروة أن يكون مثل راهب بني إسرئيل وإنما الشيطان دائماً يغري الانسان حتى إذا أوقعه في مصيره المحتوم تبرأ منه وتخلى عنه الشيطان. فدور المنافقين دور الشيطان في هذا الأمر ودور بنو النضير هو دور الإنسان الذي غُرِّر به بهذا الشكل.
د. الشهري: لفت نظري أمر وهو أنه بعد ذكر المنافقين في قوله (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) وصفهم إخوان لليهود
د. مسلم: أخوة في الكفر والمكر
د. الشهري: فعندما قال (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ثم جاء بعدها الحديث عن القرآن (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)
د. مسلم: هذا ملاحظ هنا في الحديث عن اليهود بني النضير وفي سورة الإسراء أيضاً عندما جاء الحديث عن بني إسرائيل (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ (107)) الخطاب لبني إسرائيل (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)) كأنهم في كل مرة عندما ينبههم إرجعوا لكتبكم لتعرفوا حقيقة هذا القرآن وحقيقة هذا النبي وارجعوا إلى هذا القرآن تدبروه لتعلموا أنه من عند الله فالتجئوا إلى منزّل القرآن. وفي كلتا السورتين بعد وصف القرآن تأتي أسماء الله وصفاته (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110)) في الإسراء وهنا (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) الطريق لكم هو أن تلتزموا بالقرآن والجأوا إلى منزِّل القرآن الكريم لينقذكم من متاهاتكم وهذه تعيدنا إلى الآية التي قبلها (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قد يقول قائل هل ينسى الإنسان نفسه؟ نعم، هؤلاء عندما نسوا الله تركوا هدايات كتبهم وأوصاف رسول الله الواضحة وأوصاف هذه الأمة في كتبهم نسوا الله تركوا أمر الله سبحانه وتعالى فأنساهم مصالحهم نسوا أنفسهم صاروا يتبعون عبد الله بن أبيّ ليغري بهم في مثل هذه المواقف والأصل أن يكونوا هم هذا دورهم الذي كانوا يرون أنفسهم عليه قبل الاسلام قبل الهجرة كانوا الطبقة المثقفة هم اليهود في الجزيرة العربية الطبقة التي لها علم بالديانات والنبوات هم اليهود. ولذلك حتى بعض الأنصار عاداتهم وقبائلهم تمنعهم أن يتهودوا ولكن كادوا يرسلون أولادهم إلى اليهود حتى يعلموهم وبعض أبناء الأنصار تهوّد ولذلك بعض المفسرين يقول في قوله (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) سبب نزولها أن بعض الأنصار أهل المدينة عندما رأوا أن أولادهم تهودوا أرادوا أن يكرهوهم يعيدوهم فقيل (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) كانت سبب نزول هذه الآية. هم لإعجابهم بثقافة اليهود أنهم أهل الدين، كيف أنتم بهذا الشكل وبعد ذلك تتخلون عن كل ما عندكم من الهدايات من كتبكم وتلغون عقولهم ولا تفكرون بالقرآن الكريم وتنكرون أوصاف رسول الله وتتبعون إنساناً مثل عبد الله بن أبيّ
د. الشهري: وقد ذكرت سابقاً في هذا البرنامج في سورة الكهف ذكرت أن قريشاً أرسلت إلى اليهود في المدينة باعتبار أنهم يرون اليهود طبقة مثقفة وعندهم علم بالكتاب فكانوا يرجعون إليهم
د. مسلم: عندما أرسلت قريش جاؤوا وقالوا أنتم أهل كتاب أعلم منا بالأديان وبالأنبياء وأوصافهم أعطونا أسئلة نتحقق بها من صدق محمد الذي يدّعي أنه نبي، كانوا يرون هذا الشيء عندهم فكيف ينسى هؤلاء هذه الأمور كلها (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) الذين فسقوا عن دين الله عز وجل.
د. الشهري: الحديث عن القرآن الكريم وارتباطه بالمنافقين ملاحظ أيضاً في سورة محمد (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)) وفي سورة النساء قال (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)) ثم أيضاً هنا بعد أن ذكر المنافقين واليهود قال (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) ما السبب الذي يجعل القرآن حاضراً في مثل هذه المناسبات؟
د. مسلم: في كل موضع يراد أن تقام الحُجّة القاطعة على الناس بأن محمد نبي صدق وأن الاسلام دين حقّ يؤتى بالقرآن الكريم. ولذلك حتى نحن في عضرنا الحاضر إذا أردنا أن نقيم الحاجة على العالم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق نبوته وبأن الاسلام حق فعلينا بالقرآن، القرآن هو الذي إذا تناولته من أي جانب وجدته حجة ليست حجة عقلية فقط، الحجة من الكون عندنا ثلاثة أمور دائماً الرباط بينها (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت) الكون، النفس الإنسانية البشرية، القرآن الكريم. الكون مهما نظرنا فيه ومن خلال القرآن الكريم سيثبت لنا بأن لهذا الكون له خالق والقرآن الكريم أشار إلى حقائق في هذا الككون تثبت أن القرآن من عند الله. النفس البشرية مهما تعمقنا فيها ودرسناها وتوغلنا في دقائقها سنجد إشارات القرآن أن النفس البشرية بأنها مخلوقة للخالق سبحانه وتعالى. كاتالوج الكون والنفس البشرية والمخطط العام الذي يضع كل شيء في مكانه ليعطي وظيفة ليؤدي دوره هو هذا القرآن الكريم. ولذلك مهما تعمقنا في القرآن الكريم سنجد فيه الحجة والبرهان والدليل القاطع والتحدي موجود إلى يوم القيامة فعلينا بالقرآن أن نستخدمه في كل شيء
د. الشهري: لعله من المناسب ونحن في اليوم التاسع والعشرون من رمضان وهذه الحلقة هي رقم 29 في هذا الشهر وتوقفنا عند 29 سورة والناس تقبل على القرآن لكن بعد رمضان ينقطع الناس ويهجرون القرآن فلو تتفضل بكلمة مختصرة.
د. مسلم: قلت سابقاً في هذا البرنامج رمضان له خمس مزايا علينا إذا حلّ بك الضيف وأكرمته وتأثرت به وضيف عزيز عندك لا بد أن تبقي من ذكرياته شيئاً معك بعد رحيله. رمضان فيه خمس مزايا أسردها ينبغي من كل مزية من هذه المزايا الخمس أن نأخذ جزءً منها ونبقي أثر من رمضان فيها:
قضية الصوم الصيام نحاول أن نترك أثراً للصيام لو صمنا ثلاثة أيام كل شهر والحسنة بعشر أمثالها كأننا صمنا الدهر.
قيام الليل ولو أننا صلينا ركعتين فقط وقت السحر عوّدنا أنفسنا وقت السحر فنصلي ركعتين قيام الليل يستمر معنا هذا الأمر.
الأمر الثالث قراءة القرآن شهر رمضان الشهر الذي أنزل فيه القرآن. أقول ما ينبغي الإنسان أن يختم القرآن في أكثر من شهر، بل شهر وأقل إذا استطاع في كل أسبوع يختمه أو كل أسبوعين، أما إذا وصل إلى الشهر ولم يختمه أخشى أنه نوع من الهجر للقرآن وأخشى أن ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) فكل يوم جزء.
الأمر الرابع قضية إطعام الطعام إذا عودنا أنفسنا في رمضان ولو على تمرة ولو على شربة لبن نحاول كل فترة إذا ما استطعنا في اليوم ففي الأسبوع أن نطعم الطعام نتصدق نحاول أن يستمر معنا الأمر
الأمر الخامس صلة الرحم في رمضان عندما يضعف الشيطان يصف الشيطان والنفس تضعف ويصير الروح والعقل يلعب دوراً فيحاول الناس أن يصلوا أرحامهم فتتم الزيارات فعلينا أن نحاول أن نستمر بعد رمضان لا نقاطع ونصل الأرحام
فهذه خمس مزايا نحاول أن نبقي آثارها في حياتنا بعد رمضان من بركة رمضان وتأثيره علينا.
د. الشهري: أعاننا الله على ذلك، لفتة جميلة جداً. نختم بالحديث عن الأسماء الحسنى في آخر السورة في قوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24))
د. مسلم: أريد أن أتحدث عن الأسماء بشكل عام، لماذا كانت آية الكرسي سيدة آي القرآن؟ آية الكرسي في الحديث الصحيح “سيدة آي القرآن آية الكرسي” يقول العلماء لأنها اشتملت في عشر جمل كاملة (الجمل الكاملة يعني فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر) اشتملت في عشر جمل كاملة كلها في الأسماء والصفات ولا توجد آية في القرآن الكريم اشتملت على مثل هذه الأسماء والصفات. آيات سورة الحشر الثلاث اشتملت على أسماء الله وصفاته لم تكن في آية واحدة حتى ترتقي لمكانة آية الكرسي وإنما في ثلاث آيات ولذلك مرتبتها في الفضل تأتي بعد آية الكرسي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقرأ “من قرأها في الصباح ثم مات مات شهيداً وصلّت عليه الملائكة” أكثر من سبعون ألف ملك، هذه من فضائل هذه الآيات الثلاث في نهاية سورة الحشر ولذلك ترتقي هذه الآيات الثلاث قريب مستوى آية الكرسي. أسماء الله المقدسة أسماء الله الحسنى تكرارها وتدبرها والتفكر فيها وتطبيق مضموناتها ودلالاتها على النفس الإنسانية هذا شيء عظيم جداً.
د. الشهري: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل هذا القرآن وأن يوفقنا وغياكم لتدبره والعمل به. الحقيقة أنا حزين جداً لأن هذه الحلقة انتهت ورمضان قد يكون انتهى وستتوقف هذه الحلقات الممتعة معك ومع زملائنا الفضلاء ولكن أسال الله تعالى أن يجعلكم من الموفقين في الدنيا والآخرة وأن يتقبل منك فقد تعلمنا منك الكثير علماً وتربية.
د. مسلم: وأنا أتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يقبل صيامنا وقيامنا وأن يجعلنا من خدمة القرآن الكريم وأدعو بهذه المناسبة الله سبحانه وتعالى أن يحقق لنا العيد يجعله عيدين بانتصار إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها وأن يزيل ظلم الطواغيت عنهم إن شاء الله لعل الله سبحانه وتعالى يفرّحنا قريباً بهذا النصر.
د. الشهري: وأنتم أيها المشاهدون شكر الله لكم على متابعتكم أشكر كل الإخوة والزملاء الذين يقفون خلف الكاميرات في هذا الاستديو في هذا البرنامج طيلة شهر رمضان وأسال الله أن يتقبل منهم وأن يجعل كل ما قُدّم في موازين حسناتكم كما أشكر الإخوة الزملاء والأخوات في ملتقى أهل التفسير وفي مركز تفسير الذين يتابعون هذا البرنامج ويدعمونه بالمتابعة العلمية والدعم العلمي طيلة الشهر فرداً فرداً وأسأل الله أن يتقبل منهم جميعاً وأسأل الله أن يحمعنا على خير. قد يكون هذا اللقاء آخر لقاءاتنا واسأل الله أن يجعل عيدنا وعيدكم مباركاً وعيد نصر وتوفيق للأمة الإسلامية. وإن اكتمل شهر رمضان للغد سنراكم إن شاء الله على خير حتى ألقاكم غداً أو السنة القادمة إذا أحيانا الله سبحانه وتعالى على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*****************************
الفائز بحلقة الأمس: عبد الله سالم حجاج
سؤال الحلقة: ذكر الله في الجزء التاسع والعشرين أسماء الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح من دون الله فما الايات الدالة على ذلك؟