الحلقة 131 – 7 رمضان 1432 هـ
ضيف البرنامج في حلقته رقم (131) يوم الأحد 7 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن مبارك الوهبي الأستاذ المساعد بجامعة طيبة .
وموضوع الحلقة هو:
– علوم سورة الصافات.
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين.
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن مبارك الوهبي أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة طيبة. سوف نتحدث في هذا اللقاء حول سورة الصافات.
اسم السورة
د. فهد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين والمرسلين وإمام المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم. هذه إحدى السور المكية في القرآن الكريم وطابع السور المكية أنها تتحدث دائماً عن العقيدة إثبات العقيدة الصحيحة ونفي العقائد الباطلة. اسم السورة الصافات وهذا الاسم له دلالة كبيرة على مقصود السورة ولم تسمى غالباً إلا في كتاب الاتقان أشار أنها سورة الذبيح ولا يوجد سند يدل على ذلك لكن الأثر غير ثابت
د. الشهري: باعتبار هذه القصة لم ترد إلا فيها
د. فهد: لكن الاسم الدارج في كتب التفسير وعلوم القرآن هو اسم الصافات. الذي يظهر لي والله أعلم أن موضوع السورة هو “تعظيم الله سبحانه وتعالى” الذي إذا أيقن العبد به ساقه بعد ذلك إلى توحيد الألوهية، إلى أثبات ألوهية الله سبحانه وتعالى وانفراده بالعبادة وأنه لا يوجد إله سواه سبحانه وتعالى. عندما اختير هذا الاسم اسم الصافات معلوم أن الصافات جمع صافة والطائفة هي التي تصطف وتقف صفوفاً والمقصود بها هنا هو الملائكة فإذا نظرنا إلى هذا المنظر وأن الملائكة العظام الكرام هذه المخلوقات العظيمة تصطف بين يدي الله سبحانه وتعالى صفوفاً وهذه الصفوف تدل على التعظيم، إذا نظرنا إلى جبريل عليه السلام وهذا الملك العظيم له ستمائة جناح وبجناح واحد يستطيع أن يهلك قرى، ومدن بأمر الله سبحانه وتعالى ثم إذا نظرنا إلى ميكائل وإسرافيل وملائكة موكلة بأمور العباد النازلة إلى الأرض والملائكة الطوافة في الأرض وملائكة الجنة وملائكة النار ثم تأملنا في عظمة خلق هذه الملائكة كما أخبر القرآن والسنة ثم رأينا أن هذه الملائكة تصطف صفوفاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يسدون الصف الأول فالأول ثم يتراصون لله تعالى إذن هذا تعظيم (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ). إذا كان الملائكة وهم هؤلاء الخلق العظيم يقفون بهذه الطريقة بين يدي الله عز وجل يدل على تعظيم الله عز وجل لأن عظم الصافّ يدل على عظم المصفوف له وهو الله سبحانه وتعالى. فإذن هذه السورة من بدايتها تدل بهذا الاسم على المقصود بالسورة وهو تعظيم الله سبحانه وتعالى وقد دلّت السنة وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن نصطف نحن كاصطفاف الملائكة في الصلاة نسوي الصفوف ونسد الصف الأول فالأول. أيضاً إشارة أخرى من اسم السورة أنه يدل على النظام، الصف عادة هو دليل على النظام إذا رأيت الجيوش والجنود عندما يصطفون بصفوف منتظمة أمام رؤسائهم يدل على نظام هذا الجيش وقوة هذا الجيش وهذه الصفوف في الملكوت الأعلى تدل على نظام هذا الملكوت وهذا الخلق والله سبحانه وتعالى قد أخبر في عدد من الآيات على أن هذا الحلق خلق بنظام وأن هذا الخلق خلق بسُنة قال الله عز وجل في عدة آيات (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) الحجر) (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) الرحمن) (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس) لما قلنا الصافات تدل على أن اُلملائكة لما اصطفت أنها تسير بنظام وهذا النظام هو سمة الكون لا يخرج عن هذا النظام إلا عباد قليلون هم من كفر بالله عز وجل ولم يعبدوا الله وأما باقي الكون هو عبد لله تعالى وسائر في هذا النظام الكوني الذي جعله الله عز وجل في هذا الكون. مما يدل على موضوع السورة أن الله سبحانه وتعالى ذكر في مطلعها بعدما ذكر الملائكة العظام ذكر المخلوقات العظيمة قال (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) لم يقل المشرق يدل على الكثرة والعظم أيضاً وذكر أيضاً حمايته سبحانه وتعالى لسلطانه ذكر الجن التي تريد أن تسترق السمع يرميها بشهاب ثاقب (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) مما يدل على أنه سبحانه وتعالى يحمي سلطانه من استراق السمع. أيضاً مجيء عبارات قوية في السورة لا تخرج إلا من عظيم كما قال (دُحُورًا) وقال (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا) وقال جل وعلا (دَاخِرُونَ) أي ذليلون (زَجْرَةٌ) والزجرة فيها قوة وواحدة يعني يسيرة على الله عز وجل وإن كان لا يوجد شيء يكون ثقيلاً عليه. ومن الآيات التي تدل على العظمة (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) احشروا الذين كفروا وأشركوا ومثلهم وأيضاً أصنامهم الذين عبدوهم في الدنيا (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) هذا تهكم بهم، هل الهداية تكون إلى النار؟!. الهداية تكون إلى شيء حسن فهذا تحكم بهؤلاء الذين عصوا. المشهد الذي ذكره عن هؤلاء الذين كانوا يتكبرون في الدنيا ثم أصبحوا في الآخرة مستسلمين (مُسْتَسْلِمُونَ) أين ذهبت النصرة؟ أين جاه أبو جهل وأين جاه فلان وعلان قال (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) هذا يدل على عظمته سبحانه لا يستطيعون أن يهمسون ولا يتكلمون ولا يتحدثون فيما بينهم. ثم قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)) وهذا تعظيم له سبحانه وتعالى قال و ذكر كلمة العظيم في أكثر من موطن قال (ونجيناه وأهله العظيم) ولا ينجي من العظيم إلا من هو عظيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)) (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)). ثم بعدما ذكر الآيات الكثيرة الدالة على عظمه جاء في نهاية السورة بما يدل على العظم وهو التنزيه قال (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)) يعني هذا العظيم سبحانه وتعالى لا يليق به أن يتحدث أولئك الكفار بتلك العقائد الباطلة أن ينسبوا له الجن أو الملائكة أو غير ذلك. ثم أخبر في ثنايا التسبيح عن وصف الملائكة قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)) ليس لنا قوة ولا سلطة ولا نسب إنما نحن عباد ذليلون لله سبحانه وتعالى. ثم تأتي صفة التعظيم وقوة الحديث في قوله (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)) ثم ختم السورة بقوله (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٨٠﴾ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴿١٨١﴾ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٢﴾) فما يدل عليه التسبيح من نفي النقائص بالمفهوم يدل عليه بالمنطوق قوله (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وجاءت كلمة العزة بينهما دالة على ارتفاع الإله سبحلنه وتعالى وسلطانه وقوته وعزته. هذا الذي يظهر لي أن موضوع السورة هو تعظيم الله سبحانه وتعالى وهذا التعظيم يستلزم توحيده بالألوهية وإفراده بالعبادة، إذا آمن الناس بأنه هو الملك العظيم لن يعبدوا غيره لكن المشركين كانت الصورة عندهم ليست صورة الإله الحق ولذلك سيأتي في ثنايا السورة ما يبطل عقائدهم الباطلة.
د. الشهري: أحسن الله إليك د. فهد. أنا دائماً عندما أنتظر من الضيوف الكرام عند الحديث عن موضوع السورة أتمنى أن يكون بهذه الطريقة التي عرضتها، يعني قضية أن تحدد موضوع واحد ثم تحاول أن تجمع الأدلة حول أن هذا هو الموضوع وتلاحظ كيف أن الأدلة تتكاثر بين يديك عندما تستطيع أن تضع يدك على الموضوع الصحيح للسورة تتكاثر الأدلة حتى أحياناً بمفهوم المخالفة مرة. ننتقل موضوعات السورة واحداً واحداً من أولها.
د. فهد: قبل أن نبدأ في هذا الموضوع أنبه إلى أن قضية السور المكية، نحن نقول هذه السورة موضوعها العقيدة كل السور المكية موضوعها العقيدة لكن تختلف من سورة إلى سورة بالطريقة التي وصلت له السورة في الجانب العقدي هنا سلكت السورة جانب التعظيم ويمكن تأتي في سورة أخرى تسلك جانب التنزيه، بيان دليل الأدلة العقلية، الأدلة الفطرية، فكل سورة هناك دليل لا بد أن نقف عليه ونصل من خلاله إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: هل ظهر لك دكتور فهد وقت نزول السورة بدقة في أي مرحلة من العهد المكي نزلت؟
د .فهد: ذكروا أنها نزلت بعد سورة الأنعام وقبل سورة لقمان.
د. الشهري: يعني ربما في المرحلة الثالثة
د. فهد: نعم تقريباً. سورة الصافات يمكن تقسيمها إلى ثلاث أجزاء رئيسية، الجزء الأول هو تأصيل قضية تعظيم الله عز وجل يؤصل فيها قضية التعظيم التي توصل إلى إفراده بالألوهية. الجزء الثاني ضرب الأمثلة لمن أطاع ومن لم يطع، الجزء الثالث هو نفي النقائص عنه سبحانه وتعالى. إذن بهذا الترتيب في البداية يؤصل قضية توحيده سبحانه وتعالى ثم يضرب الأمثلة من الرسل الذين جاهدوا في إثبات هذه العظمة والتوحيد له سبحانه وتعالى ثم في الأخير يأتي إلى العقائد التي لا تناسب صفاته سبحانه وتعالى. تبدأ السورة المقطع الأول يمكن تجزئته إلى أجزاء، الجزء الأولة من القسم بالملائكة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴿١﴾ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴿٢﴾ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴿٣﴾) والمقصود بهم الملائكة على الصحيح، الصافات التي تصطف بين يدي الله والزاجرات التي تزجر بأمر الله السحاب وغيرها مما تؤمر به والتاليات ذكرا التي تتلو آيات الله سبحانه وتعالى وتبلغها للرسل وهذه الصفات الثلاث دالة على العظمة فالصافات دالة على الخضوع والعبودية لله تعالى والزاجرات دالة على القوة إذا كان هذا المأمور قوياً فكيف بالله سبحانه وتعالى، والتاليات ذكراً دالة على أنها عظمتها لا تستنكف عن عبادته وتبليغ رسالته. وجاء مباشرة بعد هذه الصفات الثلاثة جاء مقصود السورة الذي هو جواب القسم (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) يعني إن معبودكم الحق هو معبود واحد لا يجوز أن يعبد غيره لا بالقلب ولا باللسان ولا بالعمل هو الله سبحانه وتعالى المتفرد في هذا الكون بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ينبغي أن يكون متفرداً بالعبادة والألوهية. ثم جاء الاستدلال بما هو مقرر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) استدل القرآن بما هو مثبت وهذا من قواعد الاستدلال أن تستدل بما هو متفق عليه تخرج إلى النتيجة، تأتي بمقدمة متفق عليها وتخرج إلى نتيجة مختلف عليها لتثبت هذه النتيجة. قال (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) أنت يا أبا جهل ألا تؤمن أنه هو رب السموات والأرض؟ يقول بلى، إذن لم لا تعبده؟! إذا كان هو رب السموات والأرض وما بينهما من الخلق ورب المشارق وهذا فيه إثبات العظمة لله سبحانه وتعالى فينبغي أن يكون هو وحده المستحق للعبادة.
ثم جاء إثبات حفظه سبحانه وتعالى لملكوته قال (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) الكواكب السيارة في السماء الدنيا هذه جعلها الله عز وجل لعلل منها الهداية ومنها جمال الكون ومنها أيضاً رمي المخالفين من الشياطين والجن (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) الجن). قال (وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ) والمارد هو العاصي الذي لا يردع ولا يتوب ولا يؤوب و هذه حال الشياطين الذين يستمعون إلى الملأ الأعلى، قال (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ) وهذه تدل على الاحاطة والقدرة والعلم علمه سبحانه وتعالى بكل دقيقة، كم عدد الجن؟ كم عدد الذين يتصنتون الآن ويريدون أن يعرفوا ماذا يوجد في الملكوت الأعلى؟ هو سبحانه ويحيط بكل هؤلاء ويرميهم من كل جانب هذا يدل على عظمته سبحانه وتعالى فكمال العلم يدل على كمال العظمة. قال (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) من أخذ كلمة فإنه لن يُترك سيأتيه شهاب محرق ثاقب مضيء يحترق الشيطان حتى لا يصل شيء إلى من خلفه.
انتهى المقطع الأول في إثبات عظمة الله عز وجل. ثم جاء الحديث مع المشركين الذين يخالفون في هذه القضية (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا) الملائكة السموات الأرض المشارق الجن هل هم أعظم؟ ليسوا بأعظم قال (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) لازب يعني يتلصق، أنت مخلوق من طين وهذا مخلوق من نار وهذا مخلوق من نور وهذه السموات والأجرام لست أعظم منها ألا تأمن أن يعذبك الله كما عذب هؤلاء الشياطين بالشهب الحارقة؟!. ثم قال (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) عجبت يا محمد من هؤلاء الذين يكذبونك وأنت تدعوهم إلى الرسالة ويسخرون مما تدعوهم إليه وفي قراءة بل عجبتُ ويسخرون فيها إثبات صفة العجب لله سبحانه وتعالى وهي قراءة سبعية صحيحة. (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) إذا أصبح الإنسان في حالة من الغواية أنه إذا ذُكِّر لا يذكر فهذا لا يُرجى إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى له التوبة. هذا المشهد الثاني أثبت أيضاً أن هؤلاء المشركون لم يفهموا تعظيم الله عز وجل حق تعظيمه وهم يقولون (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) هذا تشويه في قدرة الله، تشكيك في قدرة الله سبحانه وتعالى (أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) هل يخرج الآباء والأجداد؟ (قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ) في هذا إثبات العظمة لم يقل فقط نعم ستبعثون كما جاء في آيات أخرى، لا، ستخرجون ذليلون من قبوركم وتسيرون إلى الموقف. ثم قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) ليس الأمر يحتاج إلى مشقة وإلى تعب والله عز وجل ليس عليه تعب ولا نصب لا يمسه نصب سبحانه وتعالى إنما هي زجرة فيها قوة وواحدة لأنه لا يحتاج الله عز وجل أن يفعل أكثر من ذلك لإخراج الخلق من قبورهم. ثم انتقلت الآيات مباشرة إلى أنهم خرجوا من قبورهم، هم الآن أمام الله عز وجل وينتقل بين التكذيب والاستهزاء والسخرية قبل قليل إلى هذا المشهد المؤلم لهم في الآخرة عبرة لهؤلاء الذين يسمعون الآية (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)
د. الشهري: هذا أسلوب طيّ المراحل في القرآن الكريم، قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ) طوى كل المراحل التي بعدها وقال (يا ويلنا)
د. فهد: طوى ما بينهما ووصل إلى الحشر (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) هذا فيه حسرة وفيه ألم، المؤمنون لا يقولوا يا ويلنا، (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) وأكدوا (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) يعني سيبتعد المؤمنون عن الكافرين وسيكون هناك فصل بين الحق والباطل وسنلاقي ما كنا نكذب به، هذا إيمان منهم الآن لكن بعد فوات الأوان. ثم يجيئهم الصوت (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)) ما ترك لهم مجالاً ليتحدثوا.
د. الشهري: بعض الناس يظن أن المقصود هنا بأزواجهم يعني احشروا الذين ظلموا وزوجاتهم والصواب هو ما ذكرته أن وأزواجهم يعني
د. فهد: بعض المفسرين ذكر أن أزواجهم يعني زوجاتهم وخرّجها بعضهم على أنها الكافرات وبإجماع العلماء لا يمكن أن يحتمل أن زوجة مؤمنة تدخل النار مع زوجها هذا لا يمكن أن يقبله لا عقل ولا عدل لأن المؤمن مهما كان هو في الجنة سواء كان رجلاً أو امرأة. قال (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) رجعنا إلى النظام والصفوف أحياناً إيقاف الرجل وإخباره أنه سيسأل أكثر عذاباً عليه من السؤال نفسه قال (مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ) هذا فيه إهانة لهم أنتم كنتم تقولون في الدنيا أنكم سننصر بعضنا وأبو جهل يقول أنا زعيم بكذا من ملائكة النار (تسعة عشر) أنا علي كذا وأنتم عليكم كذا قال (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) هذا المنظر وحده لو الإنسان قرأ هذه الآية وتصور يوم القيامة ونظر إلى تلك الصفوف من البشر ومن الكفار أنهم ساكتون ومطئطون لا يتحدثون (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (111) طه) (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هذا الهمس ذكر الله عز وجل هنا بعض الأحاديث قال (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ) هؤلاء في الموقف لم يروا النار ولا عرفوا ماذا سيصير بهم. يقول الضعفاء للأقوياء (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) وجهة اليمين قال العلماء هي الجهة التي يوسوس بها الانسان وبعضهم قال عن اليمين يعني يأتون من جانب الخير والنصح وأنهم يفعلون لهم الخير. قال (بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ) (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ (166) البقرة) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) رجعوا إلى كلمة ربنا عرفوا كلمة ربنا التي ذكرها في بداية السورة (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) قال (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) يعني أن العذاب متحقق ولا شك. (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) الآن لا يفيد النصح ولا يفيد التلاوم هؤلاء الذين كانوا قبل قليل يسخرون (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٤﴾ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾) كلمة الاستكبار ضد الانقياد والخضوع والاستكبار الحقيقي والتعظيم الحقيقي يكون لله وهذه إشارة أيضاً إلى مقصود السورة.
د. الشهري: فائدة في قوله في صفة هؤلاء (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ﴿١٣﴾ وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴿١٤﴾) لا يكتفوا بأنهم يسخرون فقط وإنما يدعون الآخرين أيضاً إلى السخرية والاستهزاء.
د. الشهري: توقفنا عند قوله سبحانه وتعالى (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) العجيب وهذه عبرة لنا ولمن يقرأ هذه الآيات العظيمة كيف أنه يتخلى كل من عُبد من دون الله سبحانه وتعالى عمن عبده في الآخرة ويتخلى المستكبرون الظالمون الذين يغوون الناس ويسولون للناس يتخلون بكل بساطة وهذه الآيات وغيرها في سورة ابراهيم وغيرها سور أخرى واضحة ينقل الله سبحانه وتعالى لنا هذه الصور كما تقع مائة بالمائة ولكننا لا نتعظ ما هو السبب؟
د. فهد: السبب هو الإلف مثل ما قال عز وجل (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ) وكثير من الناس لا يتفكر حق التفكر لأنه لو تدبر التدبر الصحيح ونظر في العواقب بشكل صحيح لرجع إلى الإيمان والتقوى لكن كثير من الناس لا يتفكر، كثير من الناس يقرأ هذه الآيات لكن لا ينظر إلى المعاني، أنت لو قرأت هذه الآية مرة ومرتين وثلاث سيظهر لك المعاني بشكل آخر غير لما نحن نقرأ السورة الآن نختم القرآن ونمر عليه بشكل سريع.
د. الشهري: نقطة مهمة في قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى هي هداية من الله سبحانه وتعالى وتوفيق وأذكر في قصة جبير بن مطعم أنه يقول عندما أُسِر في بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب سورة الطور فسمع قول الله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)) قال فكاد قلبي يطير وكان أول ما وقع الاسلام في قلبي فمثل هذه الآيات عندما يقرأ هذه الآيات ويقبل عليها إذا أراد الله سبحانه وتعالى به الخير فإنه سيهتدي بدون شك.
د. فهد: الآيات انطلقت بعد ذلك إلى الحديث عن استكبار الكفار وهذا يناسب موضوع السورة وأن الكبرياء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴿٣٦﴾) حتى أيام الكفر حتى أيام الجاهلية النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه وجده هو أفضل قريش نسباً وقوة وجاه وهم يقرون بذلك فكيف يقلبون تلك الحقائق كونه شاعر أو مجنون وكلتا الصفتين لا تنطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ليس بشاعر ولا مجنون عليه السلام.
د. الشهري: وبالأمس تحدثنا في سورة يس (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ (69))
د. فهد: هو أرقى من الشعر وأعظم من الشعر وأبلغ من الشعر عليه الصلاة والسلام. قال (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٧﴾ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴿٣٨﴾) ثم ينتقل بعد ذلك بعد هذا المشهد المؤلم للكفار إلى المشهد الجميل والرائع لأولئك المؤمنين الذين أطاعوا النبي صلى الله عليه وسلم والفقراء الذين كانوا يهزأون بهم في الدنيا وقال (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) وعباد الله إذا جاءت فيها تشريف لأنه سبحانه وتعال نسبهم إليه ومخلَصين فيها زيادة انتقاء لهم من دون الناس. (أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ) عندنا معلوم، أنت لا تسأل الله ما هو الرزق لأنه يقول رزقهم معلوم عندنا لا ينبغي للعباد أن يسألوا في التفاصيل لأن الله هو الذي وضع هذا الرزق. (فواكه) فصّل قال (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٤٣﴾ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿٤٤﴾ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿٤٥﴾) والكأس في القرآن يقصد بها الخمر ومن معين يعني من مكان لا ينضب لا ينتهي ثم قال (بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ) إما يكون للكأس وإما للخمر لأن ألوان الدنيا ليست كألوان الآخرة، (لَا فِيهَا غَوْلٌ) ليس فيها صداع
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
كأس الدنيا تسبب لك صداعاً وأما كأس الآخرة لا فيها غول و(وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) تذهب عقولهم شبّه العقول بالدماء (النزف)
سؤال: (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) توضيح الآية مع سبب فتح ينزفون
د. فهد: اسم مفعول مبني للمجهول.
د. فهد: قال (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) الحور العين الزوجات (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) قالوا بيض النعام هو المقصود في هذه الآية لأنه أجمل البيض من حيث اللون وفي حفاظ تلك البيضة على ما فيها. قال (عين) عين يعني جميلات العوين كبيرات العيون، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ) هناك يتساءلون (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) وهنا يقول (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) وهم جالسون على سرر يأكلون ويتفكهون يقول أحدهم لآخر (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) كان لي صديق في الدنيا قديم ويريد أن يعرف الآن أين هذا الصديق ولكن هذا الصديق يدعوه إلى الشر (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52)) وهو من جملة المكذبين المستكبرين الساخرين (يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾) مدانون يوم القيامة. قال له الملك أو قال هو (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ) انظروا أين هو هذا الرجل (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ) يعني في وسط الجحيم وهذا من تمام السعادة أن ينظر الإنسان إلى مكان كان يمكن أن يصير إليه وقد حجب عنه وحتى في القبر يفتح له إلى النار فيقال هذا مكانك لو لم تؤمن وهذا من كمال السعادة. قال (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ) فأصبح الحوار بينه وبين الذي في جهنم، الثاني لم يتحدث (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾) محضر معك في العذاب، ترك الحديث ولم يتحدث معه وتحدث هذا المؤمن مع من بجواره (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) الموت ذهب في الدنيا يعني هل سنبقى في هذا النعيم إلى أبد الآبدين؟ وهذا من تمام النعيم أن أهل الجنة لا يموتون (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) (إلا) يعني لكن (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى) يعني هي موتة واحدة سبقت هذا في النار وهذا في الجنة (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ثم جاء الحديث الذي خرج من قلبه (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
د. الشهري: العجيب لما يسمع المشاهدون قوله (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾) يظنون أنه شخص قد مات وانتهى لكن الحقيقة أن هذا القرين موجود حتى في زماننا هذا أنت تقرأ الآن في كثير من الكتب الإلحادية ومواقع الانترنت التي تروج الإلحاد وتفسد الشباب والشابات والقراء وكلها تشكك في البعث وتشكك في الله وتشكك في الرسول صلى الله عليه وسلم وتشكك في القرآن تماماً نفس الفكرة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) هذه قصة تتجدد
د. فهد: كثير من الناس الذين انحرفوا وضلوا سواء ضلال فكري أو عقيدة إذا سألتهم عن سبب الضلال تجد أنهم يرجعون إلى رؤوس وإلى أناس غير معروفين يعني يضلون بسبب أنهم اتبعوا ناس لم يعرفوا ونحن منهج أهل السنة والجماعة العالِم يُعرَف عندنا وذكر هذا العلماء في كتب الاعتقاد أن العالِم يعرف إما بعلمه أو بكتبه أو بشهادة العلماء له وهذا موجود في تاريخ الأمة
د. الشهري: ويصدق كلامك آية في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69) المؤمنون) دلالة على أن معرفة الرسول ومعرفة من تأخذ عنه
د. فهد: يجب، لا يجوز للإنسان أن يأخذ من شخص لا يعرف من هو. إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وقد جاءني قديماً أحد الناس بمذكرة انتقادات أحد الناس لفلان عالِم سألته من الكاتب؟ قال لا أعرف، ما يعرف من كتب، قلت له أن الشخص الذي كتب فيه مزكّى وزكاه من هو معروف وتأتي بشخص لا يعرفه الناس وتتبعه؟! والذي أضل الناس اتباع عبد الله بن سبأ، من هو عبد الله بن سبأ؟ مجهول في نسبه، اتبعوه فضلوا وكذلك بولس اليهودي. نحن إذا ركزنا على اتباع الأعلام والرجوع إلى كبار العلماء فإننا بغذن الله سنهتدي لأن هؤلاء أعلام الهدى كما يقول عدد من السلف.
د. الشهري: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)
د. فهد: يعني لمثل هذا المصير الذي هو الجنة فليعمل العاملون، كل عمل عملوه حتى لو كان مضنياً ومتعباً حتى هذا الشخص الذي رأى صاحبه في النار لو كان من حين ما خلق إلى أن مات في سجدة هل يستسخر هذه السجدة؟ لا والله. والله عز وجل لم يطلب منا شيئاً يطلب خمس صلوات في اليوم والليلة فمن أدّاها فقد دخل الجنة مع الإيمان والتقوى وهذا يدل على أن الإسلام وأن الأعمال المكلف بها العبد لا يكلف إلا بما يطيق (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) البقرة) وإذا عجز لأي سبب من الأسباب سييسر له الشرائع. وعلماء الأصول يقولون إن الله عز وجل لا يكلف ما لا يطاق وإذا كلف بأمر وعرض عارض للعبد لا يطيقه يجعل له تيسيرات مثل في الصوم والصلاة أو في الحج وفي كل عباداته. ثم رجع مرة أخرى جعل المؤمنين بين مصيرين
د. الشهري: يبدو لي هذا الأسلوب يتكرر في القرآن يزاوج بين ذكر الترغيب وذكر الترهيب، ذكر البشارة وذكر النذارة.
د. فهد: هذا السؤال لا يمكن للإنسان الإجابة عنه إلا بجواب واحد (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) ذلك المكان والنزل والفاكهة والحور العين خير نزلاً أم شجرة الزقوم؟ أسوأ ما في النار هذه الشجر حتى لا يعرف عند العرب شكلها ولذلك شبه لهم بما لا يعرفونه أصلاً قال (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ) كيف فتنة؟ خبر هذه الشجرة فتن الناس مثل خبر الإسراء يقولون كيف يجعل الله شجرة في النار؟ النار تحرق الشجر فازدادوا تكذيباً (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) يعني وسط النار، هذه عظمة، كيف نار تنبت فيها شجرة؟! هذا من جوانب العظمة في هذه السورة (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) غير معروفة عند العرب لكن رؤوس الشياطين شيء بشع شيء لا ينظر إليه ويخوف به فإذا كنا نحن نخوف به ولا نعرفه فكيف لو رأيناه ولم نره على حقيقته رأيناه في شجرة أيضاً هذا كله تبشيع للمنظرين.
د. الشهري: يذكرون قصة في ترجمة أبي عبيدة وإن كان بعضهم يشكك فيها في هذه الاية يقولون إن العرب تشبه الشيء المجهول بالشيء المعلوم لكي تعرف الشيء المجهول لكن في القرآن الكريم تشبيه لشيء مجهول بشيء مجهول عندما قال (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) فقال أبو عبيدة هذا صحيح لأن العرب استقر في أذهان العرب وفي لغتهم أن الشيطان يضرب به المثل في البشاعة فقالوا رؤوس الشياطين تخيلوا أنها أشد أوجه البشاعة
د. فهد: مثل الغول العرب تخوف بالغول وما رأت الغول. طرأ لي أن أنبه على قضية التفسير وعلم السلف بالتفسير لأن كثير من الناس يقول أن السلف علموا كل شيء وبعضهم يقول لم يعلموا كل شيء وصار جدل بين علماء أهل التفسير في هذه القضية إذا قسمنا القرآن إلى أقسام نستطيع أن نحل هذه الإشكالية، السلف والعرب لا يخفى عليهم شيء في لغة القرآن هذه لغتهم كل كلمة لا يوجد في القرآن كلمة ليس لها معنى يعرفون معناها ويعرفونمعاني الجمل، الشيء الثاني نأتي للحقائق بعضها يعلمها الناس حقيقة الأرض حقيقة السماء حقيقة المطر، ينظرون إليها إذا قلت أرض يعرفون حقيقة الأرض وإذا قلت مطر يعرفون حقيقة المطر وبعضها لا يعرفونها مثل حقائق صفات الله عز وجل باجماع الأمة أن السلف والخلف لا يستطيعون أن يصلوا إلى حقيقة صفات الله يعرفون المعنى يعرفون معنى الحي معنى القيوم معنى السميع معنى البصير معنى الاستواء على العرش لكن كيف؟ لا يستطيعون أن يصلوا إلى هذه المرحلة وهذه لا يمكن لإنسان أن يقول أنهم وصلوا إليها. كذلك حقائق الظواهر الكونية حقائقها لم يصل إليها السلف، لم يصل السلف إلى كيف تجمعت السموات هذه تحتاج إلى وحي وتحتاج إلى علم الآن مثل علم البحرا والظلمات الثلاث السلف لم ينظروا إلى الظلمات التي في البحار لكنهم علموا معناها وفهموا معناها ولو جاء وأثبتها العلم الحديث الآن نقول لا يضر السلف أن يعلموها على الحقيقة وإن كانوا علموا معناها، هذا يحل مشكلة هل علموا أم لم يعلموا. (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا)هذه الشجرة ليست للنظر (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا) إلى أي حد؟ (فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)
د. الشهري: سبحان الله! مع مرارتها لكن لا بديل عندهم
د. فهد: يقول بعض المفسرين أن امتلاء البطن بسرعة أنهم لا يهضمون مباشرة يأكلون، إشارة إلى أنهم لا يستطيعون أن يهضموا هذا الأكل (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ (17) إبراهيم) قال (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ) مشوبة بالحميم مخلوطة بالحميم الذي هو صديد أهل النار الحار هل هذا يساوي فاكهة أهل الجنة؟! لا يساوي ذلك النعيم. وإذا انتهوا من الأكل (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) لو انتهوا من الأكل لا يخرجون وإنما يرجعون إلى المصير الأول فهم من سيء إلى أسوأ، ما هو السبب في هذا كله؟ (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ) وجد أباه على أمة واتبعه، وكثير من الأمم الاسلامية تجد اب كافر وولد مسلم وتجد في مجتعات كبيرة لو دعوا إلى الاسلام ووضح لهم الدين لاتبعوا الدين مباشرة لكن يوجد بعض الرؤوس الذين يقولون للناس أن هذا هو الدين الحق كما يوجد عند الشيعة الرافضة الآن الرافضة لو دعي العامة لآمنوا لأنهم ينظرون ويرون الحقائق اليقينية لكن زعماؤهم يلبسون عليهم، الأئمة المضلين يحولون بينهم وبين الهداية وهم الذي سيتبرأون منهم يوم القيامة كما أخبر القرآن.
د. الشهري: لعلنا ننتقل للقصص الذي ورد في السورة.
د. فهد: ابتدأ من قوله (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) ثم تبدأ ست قصص للأنبياء،
د. الشهري: أنت قلت أن الجزء الثاني يتحدث عن نماذج
د. فهد: انتهينا من قضية تأصيل قضية تؤمن بالله عز وحل وتعبده وتوحده والمصير. ثم جاءت الأمثلة لمن أطاع الله عز وجل من المؤمنين. يبدأ القرآن بنوح لأنه أول الرسل وهو أبو الانبياء (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴿٧٥﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴿٧٧﴾) الكرب العظيم هو الغرق، هل نجى أهله كلهم؟ لا، إلا من آمن ابنه ليس منهم. قال (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) لم يبق من ذرتهم إلا ذرية نوح فكل الموجودين الآن هم ذرية نوح (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) يعني تركنا له ذكراً حسناً يفسر بقوله (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)
د. الشهري: نوح عليه السلام أول الرسل ومنهم من قال آدم لكن أكثرهم على أن نوح أول الرسل ويبقى في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ولم يؤمن معه إلا قليل وزوجته وابنه لم يؤمنوا به والعجيب أنه كان في أول الخلق قد يقول قائل في ذلك الوقت لم يكن هناك شبهات ولم يرسخ الضلال ومع ذلك لاحظ المدة لكن الدعاة اليوم لا يجدون المشقة التي وجدها نوع في الدعوة بأي حال من الأحوال
د. فهد: وهم لا يدعون كفار وإنما يدعون مسلمين! فصة نوح هنا مختصرة لأنه مفصلة في مواضع أخرى ثم جاء إلى قصة إبراهيم عليه السلام – ونلاحظ النصرة في كل القصص- (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) يعني من شيعة نوح (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) على عقيدة صحيحة ليس فيه شوائب الشرك (مَاذَا تَعْبُدُونَ) ابراهيم عليه السلام مشكلته مع قومه الشرك وعبادة الاصنام وهم كانوا أهل فلك ونجوم وكواكب، قال لهم ابراهيم (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) أتكذبون وتضعون هذه الآلهة و تعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: (أَئِفْكًا) يعني تقلبون الحقائق
د. فهد: هذه الجملة عجيبة (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ما هذه العقيدة التي في صدوركم تجاه الله؟! تجاه رب العالمين؟ ما هذا الظن وهذا الاعتقاد الذي في داخكم تجاه رب العالمين هو رب العالمين هو خلق الكواكب والنجوم والأصنام فكيف تعبدونها من دون الله؟!. ثم قال (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) كثير من المفسرين قال أنه أراد أن يتفكر والعرب إذا أرادت أن تفكر تنظر في السماء قال (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) يفكر كيف يستطيع أن يبقى حتى يكسر الأصنام فوجد الحيلة فقال إني سقيم. وبعض العلماء قال نظر إلى النجوم ومرض بسبب هذا وهذا غير صحيح
سؤال: ما هي الحكمة في إلقاء ابراهيم عليه السلام النظر إلى النجوم؟
د. فهد: هذه عادة العرب والقرآن يسير على عادات العرب، عادة العرب في الكِبْر أن ينأى بجانبه هذا ورد في القرآن (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) وإذا أرادوا أن يفكروا ينظروا إلى السماء هذا جاري على عادة العرب وليس هناك عله أن النجوم أصابته بمرض هذا لا يقوله إنسان فإبراهيم إمام الموحدين عليه السلام. (فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) هذه الحيلة حتى يتخلف عنهم ويبقى مع الأصنام ويكسر الأصنام وواضح أن إبراهيم عليه السلام يوم القيامة يعتذر عن الشفاعة بسبب هذه الجملة وسماها النبي صلى الله عليه وسلم الكذبة وقال كثير من العلماء أن المراد ليست كذبة كما يفهمها الناس أنها بخلاف الحقيقة وإنما تورية تورى عليهم أنه سقيم يعني أنا سأجلس كجلوس القيم أو سأتخلف عنكم كتخلف السقيم فهذا قد يكون من التورية. (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) صار الحديث الآن بين ابراهيم والآلهة إبراهيم عليه السلام من الأئمة الموحدين وهو يعلم أن هذه الأصنام لا تجيب فلماذا تحدث مع هذه الآلهة؟ قال (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ) هذا دليل على شدة غضبه أنت عندما تغضب تتحدث مع جماد تضربه لا يفهمك فإبراهيم عليه السلام كان غضباناً من هذه الآلهة التي أضلّت الناس ذكر جملتين (أَلَا تَأْكُلُونَ) مباشرة (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ). ثم قال (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) إما بيده اليمين أو بقوته عليه السلام فمباشرة علموا أن هذه الأصنام قد كسرت فأقبلوا إليه يزفون أي يسرعون قال (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهذا فيه شدة قلبه عليه السلام جابههم مباشرة هذه تنحتونها أنتم تحدونها بأيديكم ومع هذا تجعلونها أمامكم وتخضعون لها. (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) إما خلقكم وخلق أصنامكم أو خلقكم والذي تعملون كل الاحتمالات واردة في هذه الآية. قالوا (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) وذكر الله القصة وكيف أنجاه (يا نار كوني بردا) ثم هاجر ابراهيم وتركهم. وفي الهجرة بشره الله تعالى بغلام حليم وهذا الغلام الحليم اختلف العلماء من هو؟ أولاً أجمع العلماء على أن بكر ابراهيم هو اسماعيل وأمه هاجر وهذا ذكره ابن كثير وذكر الاتفاق عليه. الغلام الحليم عدد من العلماء قالوا هم اسماعيل عليه السلام وهو الذي بلغ معه السعي وهو الذي أمر بذبحه وهذا ذهب إليه ابن كثير وذهب إليه مجموعة من العلماء ابن حنبل وابن تيمية وأبو حاتم الرازي من المحدثين عدد من الصحابة ابن عمر وغيره وابن عاشور من المعاصرين على أن المقصود اسماعيل ابن ابراهيم عليه السلام. قال (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) بلغ الثانية عشرة الثالثة عشرة كما يقول البعض (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) لما جاءه الأمر بالمنام ولم يأتيه في اليقظة؟ قال بعض العلماء فيه ترفق بابراهيم عليه السلام لو كان جاءه ملك وقال اقتل ابنك لكان فيه شيء من الشدة والقوة لكن لما رآه في المنام وجلس ورؤيا الأنبياء وحي ثم عبرها ث جاء غلى ابنه هذا أخف من أن يقال له اقتل ابنك الآن. ثم نلاحظ في هذه الاية عظم تربية الابن الصالح اسماعيل النبي الرسول عليه الصلاة والسلام. كيف أجاب والده؟ قال العلماء إن ابراهيم أمر بأمرين أُمر بالذبح وأمر أن يشاور ابنه ولو عصى الإبن لصار مثل ابن نوح عليه السلام. (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) ما قال اذبحني لأنه أراد أن يثبت القضيتين أنه وحي مأمور ويثبت استجابته (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ) يعني استجبت (مَا تُؤْمَرُ) يعني هو وحي وليس لك طاقة فيه (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وهذا يدل على أن القضية حقيقة ما كان ابراهيم يعرف أن الأمر مشهد لا، كانت حقيقة كان هو حزيناً وابنه حزين(فَلَمَّا أَسْلَمَا) انتهى الموضوع وذهبا إلى مكان الذبح (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ابن عاشور قال المقصود الصفحة اليمين أو اليسار وأنكر أن يكون الجبين في المقدمة بعض العلماء يقولون هو المقدمة، المهم وضعه بحيث لا يريد أن يرى وجهه لأن الابن من أغلى الناس على الاب هل يتصور أن يؤذي الأب ابنه؟ لا يمكن. (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) وضع السكين جاء النداء وهو ما كان ينتظر هذا هو يريد أن يذبحه ويصدق الرؤيا (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿١٠٤﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾) كما ورد في القرآن (صدق رسوله الرؤيا بالحق) ورؤيا الأنبياء حق (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وأنت من المحسنين وهناك قال (إنا كذلك نجزي الظالمين). (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) يعني لسان صدق. الخلاف في قضية اسماعيل واسحق خلاف طويل ابن جرير الطبري ذهب إلى أنه إسحاق
د. الشهري: وهذا الشيء الذي أستغربه لكن لعلنا نشير إلى هذا. الآن في قولك أنه اسماعيل عليه السلام هذا يؤيد ما ذكرته في مقصد السورة تعظيم الله عز وجل، ابراهيم عندما يبتلى بذبح بكره ووحيده لا ينطبق البكر والوحيد إلا على اسماعيل والأمر الثاني أن الابتلاء هو أن تبتلى بابنك الوحيد والبكر وليس الثاني
د. فهد: هم ربطوا بين الذبح والكبش ومواطن ومواقيت الحج، اين مواقيت الحج؟ في مكة واسماعيل كان في مكة. وقرن الكبش كما هو موجود في كتب التفسير وكتب الحديث أنه كان مربوطاً بالكعبة وهم كانوا يفتخرون بالكبش لأنهم هم أتباع وأولاد إسماعيل كانوا يفتخرون أنهم أبناء الذبيح وربطوا هذا الكبش إلى وقت النبي صلى الله عليه وسلم حتى احترق في وقت عبد الله بن الزبير
د الشهري: بعضهم يشكك في هذا. ابن جرير الطبري رجّح أن الذبيح إسحاق لكنني أقول أن هذه المسألة تحتاج إلى بحث عند ابن جرير بالذات لأن اختياره وترجيحه لأسحاق في هذا الوموضع بالذات غريب على غير عادة ابن جرير، واستدل قال أن أول اتفاق على أن الغلام الذي بلغ معي السعي والذي بُشر به أنه هو الذي ذبح (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) والبشارة لم تكن في القرآن الكريم ظاهرة إلا بإسحاق كما في سورة الذاريات وغيرها، البشارة فعلاً بإسحاق وليست بإسماعيل لأنها كانت أثناء مرور الملائكة إلى لوط لكن هذا غير صحيح أنه لم يبشر بإسماعيل بدليل أنه في نفس الآيات قال بعد أن ابتلي (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)
د. فهد: هم يقولون هذه بشارة أخرى بالنبوة
د. الشهري: لكن هذا خلاف الظاهر
د. فهد: وأيضاً إسحاق لما بشر به إبراهيم عليه السلام بشر به وبابنه (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) هود) الآن لو قلت اذبح ولدك وسيأتيك منه ولد لا يمكن سيعرف إبراهيم عليه السلام أن هذا ليس
د. الشهري: هم يقولون أنه ليس بالضرورة أن يكون بشره بهما في وقت واحد لكن أفضل ما يمكن أن يستدل به أن ظاهر الآيات واضح أنه بشره بإسماعيل ثم لما نجح في هذا الابتلاء هو واسماعيل بشره بإسحاق
د. فهد: لماذا القرآن لم يذكر إسماعيل أو إسحاق؟ ذكر بعضا المفسرين ابن عاشور وغيره قال لا يريد أن يجعل هناك قضية يختلف عليها المسلمون مع اليهود في المدينة لأنهم كانوا سيذهوب إليهم وسيكون هناك إلف اليهود يقولون إنه إسحاق والمسلمون يقولون إنه إسماعيل فلا حاجة لأن يذكر الاسم حتى لا يقع الخلاف بينهما والمشكلة أن الخلاف أصبح موجوداً الآن وتركوا الفائدة من القصة الاستسلام والطاعة واليقين وغير ذلك وأصبحوا يبحثون من هو؟ إسماعيل أو إسحاق؟ النبيان إسماعيل وإسحاق في مرتبة عاليه كلهما في الجنة وكلاهما أنبياء صالحون وأتباعهم إلى يوم الدين، كلاهما خير ونور على نور ولكن الخلاف في هذه القضية جزئي لا يدخل في الأصول.
د. الشهري: تحدثنا عن قصة ابراهيم عليه السلام وقصة اسماعيل وقصة الذبيح. هناك كتاب نفيس جداً أنفس ما قرأت في هذا الموضوع وهو كتاب العلامة عبد الله الفراهي “القول الصحيح في من هو الذبيح” وقد أثبت فيه أنه اسماعيل بن ابراهيم وقال هذه المسألة من أكثر المسائل التي حرفها أهل الكتاب في كتبهم في كتبهم لأنهم أرادوا أن يصرفوا هذا الفضل من بني إسماعيل إلى بني إسرائيل لذلك أكثروا فيها من التحريف حتى ذكر فائدة لطيفة قال تأملوا في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)) قال جاءت هذه الاية وعيداً بعد الآية التي ذكر فيها المروة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ (158)) قال لأن المروة مذكورة في كتب أهل الكتاب وحرّفوها لأنها هي مربط الفرس في قصة الذبيح لأنه ذكرت المروة في قصة الذبح وهي موجودة في جبل المروة
د. فهد: ابن عاشور ذكر أيضاً أن الذي استدل بكتب التوراة أنه لم يأخذها في سياق واحد هو جمع النصوص في سياق يدل على أنه اسماعيل
د. الشهري: وننبه إلى دراسة ترجيح ابن جرير الطبري لإسحاق في هذه الاية لأنه فيه مخالفة لمنهج ابن جرير الذي تعودنا عليه في الترجيح والاختيار.
د. الشهري: نتجاوز إلى المحور الأخير من سورة الصافات
د. فهد: بعدما انتهت قصة ابراهيم جاءت قصة موسى وهارون باختصار وقصة إلياس ثم جاءت قصة لوط ثم انتهى المقطع الثاني بقصة يونس عليه السلام وهي من القصص العجيبة العظيمة وتبين عظمة الله عز وجل كيف أنجاه وكيف أمر الحوت جاء والتقمه وجلس في بطن الحوت يسبح “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” (سبحانك فيها تعظيم) حتى أنجاه الله عز وجل إلى العراء وأنبت عليه شجرة من يقطين (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (الدباء). قال (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) بل يزيدون. إلى أن بدأ المقطع الأخير قال (فَاسْتَفْتِهِمْ) بعد هذا كله بعدومعرفة العظمة ومن هم الملائكة ومن هم الجن الذين يرمون بالشهب قال (أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) ينسبون إليه الولد، قلنا أن المقطع الأخير يدفع ما يعارض العظمة يعني ينزه الله عن النقائص ومعلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة أن كل نقص يدفع عن الله فإنه يثبت له كمال فإذا نفينا الجهل نثبت كمال العلم وإذا نفينا المون نثبت كمال الحياة وإذا نفينا العجز نثبت كمال القوة وهكذا نفينا الولد ونثبت كمال الاستغناء الله عز وجل غني عن العباد لم يلد ولم يولد. الذي كان في ذهن الكفار أن هؤلاء الملائكة بنات الله وهم أنفسهم لا يريدون البنات (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) الزخرف) أليس هذا نقص في تعظيمهم لربهم أنهم عندما نسبوا خطأ نسبوا الخطأ المركب لم ينسبوا الذكر وإنما نسبوا الأنثى وهذا يدل على ضعف التعظيم لو عظموا الله حق التعظيم ما نسبوا الولد ولو كان عندهم شيء من التعظيم لنسبوا الذكر ولكنهم نسبوا الأنثى مما يدل على ضعف تعظيمهم وتصورهم للإله الحق سبحانه وتعالى. هذا لا يدل على أن الإناث ليس فيهم خير بل يدلع لى أن نظرتهم هم الإناث نظرة دونية نظرة الجاهلية وليست نظرة الاسلام. قال (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ما هذه الحكمة؟! أين العقول التي تدل على هذا؟ هي عقول سقيمة ومريضة ينبغي أن تصحح مفهوم الإيمان ومفهوم الإله الحق فيها. قال (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) تتذكرون تتأملون، لماذا الإنسان لا يعتبر؟ لأنه لا يتفكر ولا يتأمل لأن التأمل والتدبر هو بوابة من بوابات الخير العظمية
د. الشهري: مر معنا في سورة سبأ (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا (46)ٍ)
د. فهد: قال (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ) هل عندكم دليل؟ وهذا فيه منهج أن الانسان إذا قدم معلومة ينبغي أن يقدم لها دليل خصوصاً في العقيدة، في باب الاعتقاد لا يقبل الشك وإنما لا بد من إثبات الدليل لا نقول الدليل اليقيني لأن خبر الآحاد لا يقبل يقبل لكن لا بد من وجود الدليل الصحيح. (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هم ليس عندهم كتاب أصلاً فهذا دليل على أنه سقط في أيديهم وليس عندهم شيء يستدلون به. قالوا أسوأ مما نسبوه إلى الملائكة (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) محضرون في العذاب. مطلع السورة لما تحدث عن الملائكة وصفاتهم يدل على أنهم متذللون خاضعون هل هذه معاملة الوالد للولد؟ لا، هذه معاملة السيد للعبد هم عبيد عند الله عز وجل. ثم في مطلع السورة لما ذكر الشهب الحارقة للجن هل هذه معاملة الصهر لصهره أو النسيب لنسيبه؟ لو كان الجن نسباء لله تعالى الله عن هذا هل يعاملهم هذه المعاملة؟! لا أبداً، هم يشاهدون الواقع أماهم ويعرفون أن الجن لا تستطيع أن تصعد إلى السماء ويرون الشهب الحارقة ومع ذلك يقولون إن الجن أنسباء الله. (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في العذاب. ثم جاء نهاية المقطع ليؤكد قضية التنزيه والتعظيم لله عز وجل الذي يقود إلى الافراد بالعبادة والألوهية قال (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) هذه كلمة عامة كل ما يصفه الجاهلون به الله ينزه نفسه عنه سبحانه.
د. الشهري: والمفسرون كثيراً ما يقولون يصفون هنا يعني يكذبون وأن الوصف في القرآن يأتي بمعنى الكذب.
د. فهد: قال (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) هؤلاء يصفون الله بالحق (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) لن تفتنوا أحداً إلا من هو صال الجحيم. هذا تهديد لما تقول لشخص أنا معي فلان يقول سأعذبك وأعذب فلان هذا شيء عظيم. قال (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴿١٦١﴾ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴿١٦٢﴾ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴿١٦٣﴾) ثم رجع إلى قضية قالوا حديث الملائكة وحديث المؤمنين (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ) حدود، جبريل عندما صعد بالنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وقف وقال هذا مكاني وهو جبريل أعظم الملائكة الذي يسد الأفق كاملاً لا يتجرأ أن يتجاوز لهذا المكان، إذن هذا يدل على عظمة خالقه. قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴿١٦٥﴾ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴿١٦٦﴾) نحن عباد متذللون خاضعون خاشعون هذا هي صفة الإله الحق كيف تقولون نحن بنات الله. قال (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ) رجع إلى كفار مكة كانوا يقولون لو جاءهم كتب يؤمنوا قال (لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿١٦٨﴾ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿١٦٩﴾). ثم قال (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٨٠﴾ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴿١٨١﴾ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٢﴾) تنزيه عن النقص وإثبات للمحامد لله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: نسأل الله تعالى أن يزيدنا تعظيماً له سبحانه وتعالى وأن يرزقنا كمال الإخلاص والتوحيد له سبحانه وتعالى واسال الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك دكتور فهد ويشكر سعيك فيما تفضلت به.
الفائز بسؤال الأمس: أحمد طارق فوزي
سؤال الحلقة: روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى الساعة إلا الله وردت آية في الجزء السابع تشير إلى معنى هذا الحديث فما هي؟