برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – رمضان 1431 هـ – سورة هود

الحلقة 11

ضيف البرنامج في حلقته رقم (105) يوم السبت 11 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم وعضو محلس الإدارة العالمية لهيئة تدبر القرآن.

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة هود .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول السورة وحول الجزء الحادي عشر من القرآن الكريم .

———————-

سورة هود

إسم السورة، دلالة الإسم، هل لها أسماء أخرى؟

د. عمر: هذه السورة لا أعرف لها حسب البحث غير هذا الإسم وهذا له دلالته وما يقال إن هذا الإسم توقيفي الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم كانت جميع السور قد سميت فإذا لم يكن لها إلا إسم واحد فهذه قرينة قوية على أنه إسم توقيفي.

أما ما يتعلق بهل هي مكية أم مدينة فعامة المفسرين أو أكثرهم على أنها مكية وبعضهم استثنى بعض الآيات ولكن لهذا توجيه والأقرب لمن تأمل سياق السورة مكية كلها ووجود بعض المعاني التي تشتبه مع السور المدنية هذا لا ينقلها عن كونها مكية وهذا معروف ولا نطيل فيه. وقد ورد في فضلها حديث مشهور روي من عدة طرق عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم حديث ابن عباس وحديث أبو بكر وحديث ابن جحيفة وغيرهم لكن الذي يظهر لي بعد مراجعة هذه الطرق أن جميع الطرق التي روي بها هذا الحديث مرسلة ولكن على طريقة الإمام الشافعي رحمه الله وعليها عمل الإمام أحمد رحمه الله وهو من أهل الصنعة في هذا الفن أن تنوع مخارج المراسيل يُحدِث لها قوة وهو في مثل هذا الباب في باب الفضائل لو قال قائل بأن الحديث لا بأس به بمجموع هذه الطرق المرسلة التي تنوعت مخارجها فإنه له وجه ولو قال أحد بضعفه كما رجّح الدارقطني والترمذي وأبو حاتم إرسال عدد من الطرق بل إن الدارقطني قال كما في إرسالات السهمي قال كل طرقه معلولة لما قيل “يا رسول الله شبت قال شيبتني هود وأخواتها” لكن مما يُستظرف هنا أن البيهقي رحمه الله ذكر عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي -ليس التابعي- صاحب طبقات الصوفية عن شيخه أبي علي السري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله شيبتك هود؟ قال نعم، قال قلت يا رسول الله هلاك الأمم وعذاباتها؟ قال لا، قلت فأي شيء شيّبك؟ قال قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ (112))، لكن هذه منامات يستأنس بها ولا يحتج بها.

يُلحَظ من جو السورة كما يقال أن السورة نزلت في ظروف صعبة كان يعيشها النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض الباحثين أن هذه السورة نزلت بعد سورة يونس والإسراء بعد موت خديجة وبعد موت موت عمه أبو طالب وهذا لا أستطيع أن أجزم به لكنه ليس ببعيد لأن بدايات السورة تشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش حالة من الإحباط – إن صحّت العبارة- جو من اليأس الخانق الذي كان يحيط به عليه الصلاة والسلام مات جمعٌ من أنصاره، تسلط عليه أعداؤه رموه بالعظائم بالسحر والجنون والكذب وغير ذلك فجاءت هذه السورة كلها لتكون سلوى وتثبيت.

د. عبد الرحمن: ربما تكون نزلت في أواسط العهد المكي.

د. عمر: ربما يكون هذا. ولهذا أرى بعد تأمل ومدارسة ومذاكرة وقرآءة في السورة أرى أن السورة هذه تدور حول محور واحد.

محور السورة

د. عمر: أرى أن محور السورة يدور على آية واحدة وهي قوله تبارك وتعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)) ومن حقك وحق الإخوة المشاهدين أن يطلبوا البرهان وأنا لدي براهين.

د. عبد الرحمن: هاتها. نقول أن المحور (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) نعبّر عنه بماذا؟

د. عمر: هو العمود الفقري للسورة، نعبر عنه بمقصد السورة كان يور على معالجة هذه القضية والحالة التي كان يمر بها النبي صلى الله عليه وسلم. (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ) نقول تثبيت النبي من شدة الإحباط والشدة التي كان يعانيها مرت به هذه الحال. ولاحظ أن قال ضائق ولم يقل ضيق لأنه ضائق عابر، لحظة يأس وأما ضيق فهو ألزم بالصدر من كلمة ضائق، لأن ضيّق كما هو معروف صفة مشبهة بخلاف ضائق إسم فاعل قد يمر لحظات وهذه اللحظات قد تمر على الأنبياء كما أخبر الله سبحانه وتعالى في مواضع المقصود هذه الحال الذي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وعصفت به فترة من الزمن جاءت هذه السورة برمّتها لتنتشله من هذا الموقع ومن هذه الحال لترفعه إلى علياء العز والفخر وترقيه إلى مقامات الثبات على هذا الحق الذي معك. كيف ذلك؟

أول ما بدأت السورة بالثناء العاطر على هذا الكتاب (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) هذه ثناء على هذا الكتاب وكتاب هذه منزلته وهذه صفته خليق أن تتمسك به. ما هي دعوته صلى الله عليه وسلم؟ ما هي الدعوة التي جاء بها هذا الكتاب؟ (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) هذه مخالفة للجو الذي أنت تعيشه فهذا ليس بغريب أن تجد ما تجد من العناد والشقاق. ثم حصل استطراد في قضية العلم وليس هذا الاستطراد أجنبياً من الموضوع ولا من السياق ذلك أن في ذلك الاستطراد – إن صح تسميته استطراداً – علم الله الدقيق وتكفله بشؤون الخلق هي رسالة لك يا محمد الله لا يخفى عليه الحال التي تعيشها والذي دبر شؤون الدواب في الأرض والطيور في السماء والأسماك في البحار هو أكرم أرحم سبحانه وتعالى وسيدبر أمرك ويتولى شانك وشأن من معك من المؤمنين وهذا الذي كان. ثم حصل استطراد على بعض مقولات المشركين إتهام بالسحر واستهزاء بالعقائد التي كان يقررها عليه الصلاة والسلام.

يستمر السياق إلى أن تأتي هذه الآية الكريمة التي تؤكد ما أزعمه أنه هو محور السور أن الله عز وجل لم يذكر في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع فقط هذه الآية الكريمة (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)) لا يوجد في القرآن آية (صبروا وعملوا الصالحات) إلا في هذا الموضع. بماذا يُشعر هذا؟ يشعر أن هناك حالة يمر بها النبي صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى صبر وتحتاج إلأى عمل وستأتي الإشارة إليها في ختام الآية في إقامة الصلاة والصبر، صبر وعمل

د. عبد الرحمن: عادة تأتي آمنوا وعملوا الصالحات

د. عمر: الآيات كلها (آمنوا وعملوا الصالحات) إلا هذه الآية (صبروا وعملوا الصالحات) أنت الآن في مقام صبر، الإيمان موجود لكن أحياناً يضعف الإنسان وتصيبه حالة يأس وإحباط فيحتاج معها إلى تصبير وتثبيت وهذا التصبير والتثبيت من أعظم أسبابه ومقوماته العمل الصالح، ما هو هذا العمل؟ إنتظر إلى آخر السورة.

ثم لاحظ التفريع وهذا التفريع يؤكد ما ذكرته آنفاً (فَلَعَلَّكَ) هذا التفريع الآن جاء بعد قوله (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) وما قبلها من آيات، يقال له لا، إنتظر لا تترك بل كيف تترك هذا وما سبق من المعاني التي ذكرناها في العلم وإدارة شؤون الخلق وتدبير شؤون الخلق بالإضافة إلى الحث على الصبر ثم بعد ذلك ذكر الله له انقسام الناس معه ومع الرسل كلهم فقال سبحانه وتعالى (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ (17)) أنت الآن يا محمد على بينة من الله هل تستوي أنت ومع من ليس كذلك؟ (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) سواء قلنا إنه جبريل أو غيره معك شاهد الآن (وَمِن قَبْلِهِ) معك مصدقون على هذا الطريق وسائرون على الطريق، موسى إمام الرحمة (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً) هل يستوي هؤلاء والقسم الآخر الذين يكفرون به؟! لا والله لا يستوون، ثم شبه الله هذين القسمين (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24)) ثم بيّن الله عاقبة هؤلاء بأنهم الأخسرون وأيضاً هذا الموضع الذي يؤكد التثبيت جاء التعبير بصيغة أفعل التفضيل (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22)) وفي النحل قال خاسرون (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109))، هنا الأخسرون ليتبين حقارة ودناءة هؤلاء في مقابل الميراث الذي تحمله أنت.

ثم جاء السياق في ضرب أمثلة في تاريخ الرسل الطويل عليهم الصلاة والسلام وهذه تحتاج إلى وقفات لأربط هذه القصص بالآية التي أزعم أنها محور السورة (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ).

هنا نلاحظ في قصة نوح لم تذكر هذه القصة بالبسط كما ذكرت في سورة هود، في سورة الأعراف ذكرت مختصرة، سورة نوح المتوقع أن يبسط فيها الأمر أكثر من هنا ومع ذلك لم يبسط لأن سياق سورة هود كان القصد منه التثبيت (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ (120)). نلحظ في قصة نوح عدة براهين تؤكد دورانها حول هذا المحور: الأمر الأول لم تفصّل في غير هذا الموضع، الأمر الثاني إبراز مقولة الملأ (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) هذه كلمة كان يقولها كفار قريش قيلت لمن قبلك أيضاً، لاحظ لغة التحقير التي كان يمارسها قوم نوح (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)) أراذلنا تحقير وهذه أدركها هرقل لما قال اشاف الناس أو ضعافهم. التنصيص على كلمة (بينة) فيقول نوح (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ (28)) وتتبعت كلمة بينة فوجدتها أكثر ما وردت في سورة هود، فأنت على بينة، نوح على بينة، صالح كان على بينة، هود على بينة، شعيب كلهم جاؤوا ببينة ومع ذلك كذبوا هل تريد أن تكون أنت نسيجاً مختلفاً عن هؤلاء الرسل؟ أيضاً التنبيه على مسألة الافتراء والكذب التي رُميت بها ليست جديدة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35)) وأيضاً نلاحظ (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)) لاحظ يا محمد كم آمن معك؟ قلّة! نوح أطول منك عمراً في تاريخ الدعوة ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، وطِّن نفسك هذه طريق مسلوكة ولا تربط دعوتك بكثرة الأتباع. قصة نوح فيها التنبيه على كفر إبنه فكأنه يقول يا محمد إستعد فقد يكفر بك من حولك وبالفعل وقع عمه أبو طالب مات على الكفر وأبو لهب. وختم القصة حينما قال (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)) إصبر لا تستعجل، هذا نوح.

أما دلالة سياق قصة هود على هذا المحور الذي ذكرته أولاً تكرر لفظة بينة (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ (53)). ثانياً تهمة الجنون وهذه اتُهم به النبي صلى الله عليه وسلم (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)) حتى التهمة جعلوها تنتقل أصيب بها بسبب أنه عارض الآلهة. الثالثة وهي ملحظ مهم رسالة قوية له عليه الصلاة والسلام قوة التوكل على الله أحياناً الإنسان عندما يصاب بإحباط هو أحوج ما يكون إلى التوكل على الله في كل حال لكن في مثل هذه الأحوال يحتاجها بشكل أكثر. لاحظ أن هود كان يتحدى قومه وهذه آيته التي ربما تخفى أحياناً على بعض الحفّاظ وبعض طلاب العلم ما هي آية هود؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله يؤمن عليه البشر” فأين آية هود؟ لو تأملت لم تجد شيئاً صريحاً آيته الواضحة أنه كان يتحدى قومه وهو وحده ويقول لهم بقوة (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55)) لا تنظرون ولا ثانية واحدة، تحداكم، لماذا؟ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) أتحداكم ما يمكن أن يصيبني منكم أذى إلا إذا أذن الله به (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56))

كذلك نلاحظ في قصة صالح تكرر لفظ بينة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي (63))، آية صالح كانت مبصرة يدركها كل عاقل بل كل ناظر، خروج ناقة من صخرة صماء هذه لا يكفر بها إلا معاند قال الله تعالى (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) بينة واضحة جداً أبرزها (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59) الإسراء) أبرزها لأنها آية لا تحتاج إلى تفكير ولا تأمل ولا اطلاع ولا شيء، ناقة تخرج من صخرة ويُكفر بها؟! هذا ليس فيه فائدة. في قول قوم صالح (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا (62)) ألم يقلها كفار قريش للنبي عليه الصلاة والسلام؟ بلى، إذن قد قيلت لمن قبلك، ما توقعنا منك أن تأتي بدين جديد وتسفه الآباء والأحلام، ما قيل لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك.

إذا انتقلنا إلى قصة إبراهيم نلاحظ أنه بدأت القصص التي تشحذ الهمة في الفرج التنبشير، قصة إبراهيم فيما يتعلق ببشارته بولده بسطت في سورة الذاريات لكن هنا بسطت القصة بشكل أكبر، المرأة قائمة وبشرت بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب، بعد الشدة واليأس يأتي الفرج، المقصد إذا كنت تعيش حالة يأس أو إحباط هذه لا تدوم إبراهيم طالت مدة حياته ما رُزِق بشيء ثم يبشر بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب الفرج إذا جاء لا حدّ له

ننتقل إلى قصة لوط وأنا أزعم أن مظاهر الإحباط في هذه القصة أشد بشكل كبير، إذا قرأتها في سورة الحجر لا تجد فيها هذا الجو من الإحباط الذي تجده في سورة هود، نلاحظ هذا من العبارات التالية (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)) ثم بعد ذلك يأتي التطمين من قبل الملائكة الذي يضخ الأمل في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قوله (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ (81)) الذي منع لوطاً من أن يوصل إليه بواسطة الرسل قادر على أن يمنعهم أيضاً منك لن يصلوا إليك، ربك ورب لوط واحد والرسل الذين أرسلهم الله إلى لوط يرسلهم الله إليك فلا تسأل عن التفاصيل.

ثم يأتي ذكر قصة العقاب الذي لم لم يُعهد مثلها في الأمم وهذا فيه نوع من التطمين (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82)) على أي القولين فسرت المقصود أنها نموذج جديد من أنواع العقاب أيضاً لا تفكر كيف سيعاقب قومك الله له ملك السموات والأرض.

إذا انتقلنا إلى قصة خطيب الأنبياء شعيب عليه الصلاة والسلام نجد أيضاً لغة الاستهزاء واضحة وبينة جداً يسمع النبي صلى الله عليه وسلم مثلها كثيراً. قال قوم شعيب (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء (87)) يعني أنت تدخلت في جانب العبادة والجانب الاقتصادي، ما تركت شيئاً إلا وتدخلت فيه (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) حتى هذا فيه سخرية. ثم مع كونه فصيحاً حتى كان يسمى خطيب الأنبياء قال له قومه (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ (91)) أنت فصيح ويعرف قومك فصاحتك فلا تستغرب أن توصف بالكذب أو بغير ذلك قد سبقت إلى هذا فكُذِّب من سمي بخطيب الأنبياء وهو شعيب. وضُمنت هذه القصة رسالة عظيمة ينبغي أن تكون منارة لكل داعية وأن تكون قاعدة في حياته (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ (88)) هذا المطلوب منك يا محمد أنت مقصودك الإصلاح ما استطعت لا تُكلَّف نفس إلا وسعها ففي مقام الدعوة لا يكلف الإنسان كم عدد الذين استجابوا لك لكن تكلف ماذا بذلت وما هي الأساليب التي طرقت أما من يستجيب فهذا ليس لك وسيأتي النبي وليس معه أحد ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان. أيضاً ألحظ في التنصيص على الرهط معنى يرتبط بالمحور الذي ذكرناه (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ)، قوم شعيب قالوا (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (91)) أنت إلتفت يا محمد ألم يقيد الله عز وجل لك يا محمد من ينصرك ويتعصب لك مع أنه ليس على دينك؟ بلى، إحمد الله أنت في نعمة الآن إذا قستها بأناس لا يجدون نصيراً لا من قريب ولا من بعيد ومع ذلك (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) فكأن القصة تكررت مع النبي عليه الصلاة والسلام.

في قصة موسى مع كونها ذكرت اختصاراً إلا أنه جاء ملمح عظيم فيها وقال الله عز وجل بعدها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ (110)) الذين تبعوا موسى هم أهل كتاب ومع هذا اختلفوا عليه أفتظن أنت أن المشركين أسعد حظاً بالاتفاق؟ لا، هؤلاء أهل كتاب وعندهم أثر من علم ومع ذلك وحصل اختلاف وحصل وهم أهل كتاب فالمشركون من باب أولى. ويقال له موسى أوتي تسع بينات ومع ذلك حصل له ما حصل من الكفر والعناد والتجبر والأذى الذي حصل لبني إسرائيل فانتظر هذه سٌنة الله ماضية

بعد هذا الحشد الكبير من القصص يأتي التعقيب بثلاثة رسائل واضحة متصلة أيضاً بالمحور الرئيسي الذي ذكرناه (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ):

الرسالة الأولى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ (112)) لم يقل الله عز وجل فاستقم حسب استطاعتك لأن هذا مفهوم لكن فيه نوع من العتاب ونوع من الأمر الواضح الصريح الذي يقال له إنتبه قضية التفكير بالترك مع أنه صلى الله عليه وسلم لن يتركها لكن هذا إشعار بالحالة الذي كان يمر بها (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ما أشدها من آية ! ليس هناك خيار تتأخر وتقول أستقيم حسب نشاطي، لا، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ). (وَمَن تَابَ مَعَكَ) مُرهم أيضاً بذلك يستقيموا. (وَلاَ تَطْغَوْاْ) مع الأمر بالإستقامة تنهون أنتم عن الغلو أو المجافاة للمطلوب شرعاً والنهي عن الركون إلى المشركين (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (113))

الرسالة الثانية هي رسالة مهمة لكل داعية سواء أصيب بإحباط أم لم يصب بإحباط وهي من أعظم الزاد في الطريق وهي أن يكون لكل داعية نصيب من التعبد الخاص صلة بالله عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)) هذه العبادة هي مثمرة وتورث الإنسان الفائدة الثانية وهي (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)) إن من تعلق بالله عز وجل وقويت صلته بالله وكان حسن الصلة وقت الرخاء لا يخذله وقت الشدة وسيكون في قلبه من القوة أكثر من قلب الإنسان الذي كانت علاقته وتعبده مع الله ضعيفاً فإذا جاء وقت الشدة ضعف عن التحمل.

أما الرسالة الثالثة تذكيره عليه الصلاة والسلام بسنن الله الماضية في الأقوام وفي الأمم في قوله عز وجل (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)) وقبلها (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116))، السُنة هي (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) قضى الله أن يكون فيهم من هو على الحق ومن هو على الباطل منهم من يتبع الرسالات السماوية ومنهم من يتبع حجر وشجر ونار، قضى الله عز وجل (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ (119)) هذه فيها سلوى من اتبع هذا الوحي فهو مرحوم ومن لم يتبعه فقد خرج من دائرة الرحمة بل أقول خرج من رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء والعياذ بالله وهذا غاية ما يكون من الهلاك ومع هذا الاستثناء يشعر بقلتهم لكن هم أهل رحمة الله عز وجل.

بعد هذا التعقيب كله يختم المطاف برابط عظيم بالآية الأولى وهي لماذا قصصنا عليك هذا القصص؟ من باب التسلية؟ لا والله، (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ (120)) هذه حِكَم ينبغي أن ننتبه لها، وأقول لكل داعية شعر بفتور في دعوته أو إنسان يحمل مشروعاً إصلاحياً يستضيء بنور الوحي وينطلق من مشكاة الرسالة إقرأ سورة هود كلما ضعفت وكلما فترت إقرأها لتراجع مقاصدك وأهدافك في ضوء الوحي. هذه السورة قص فيها الله عز وجل ليقول للرسول عليه الصلاة والسلام (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) إذن من أعظم فوائد قص القصص تثبيت القلب خاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه التقلب والتلون (وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ (120)) لاحظ التنويه بهذه السورة على القول الراجح أن المقصود بها سورة هود مع أن القرآن كله حق لكن هذه السورة لها سياق آخر وجو آخر. (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) نحن بحاجة للتذكير يفتر الإنسان منا، أنت تحمل مشروعاً فلان يحمل مشروع لكن تأتيه لحظات فلان تخلى عنه قصّر معه، قصرت عليه النفقة أصابه أشياء معينة أحياناً قد تجعل الموضوع لا يقف بل يتعثر، هنا نقول لك راجع سورة هود مرة ثانية واقرأ قوله (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) ما مشروعك؟ إن كان حقاً فاستمر ولا تجعل هذه الأشياء العارضة التي تمر بك سبباً في توقف مشروعاتك، نعم الفتور يعرض والبطء قد يعرض لكن التوقف لا يعرض أبداً لداعية الحق لأن الدعوة تجري معه كما يجري الدم في العروق

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. ربط رائع جداً وفعلاً جو السورة يوحي بهذا المقصد وهو نثبيت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سياق القصص القرآني في السورة كأنه مسوق للتثبيت فقط

د. عمر: جداً أنا أدعو الإخوة الكرام أن يتأملوا جيداً في سياق القصص التي قصها الله عن هؤلاء الأنبياء وليقارنوها بالمواضع الأخرى التي وردت فيها نفس، ما الحكمة أن يبسط قصة نوح هذا البسط المتوقع أن ينتقل إلى سورة نوح التي سميت بإسمه لكنه لم يقع ذلك لماذا؟ وما علاقة هذا بالمقصد؟، ولينظروا قصة شعيب وينظروا علاقة هذه بالدعوة، علاقتها برفع الضائقة التي يمر بها الإنسان، وعلاقة هذه في التثبيت، واقول إذا لم يجد الإنسان تثبيتاً بعد أن يقرأ سورة هود فقراءته فيها نظر.

د. عبد الرحمن: صحيح ليس كل من يقرأ قراءته بنفس الروح التي تتحدث بها الآن، الواحد إذا كان لا يعرف متى نزلت هذه السورة وأنت ذكرت في بداية حديثك أنها نزلت في ظروف قاسية كان النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما يكون للتثبيت فعندما تستحضر هذه الحقيقة وأنت تقرأ السورة ستقرأها بمنظور آخر

د. عمر: والمعنى العام الذي دلت عليه السورة والمحور الذي كنا ندور عليه فيه تطمين إذا كان هذا العارض الذي يمر بصفوة الخلق وسادات البشر وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام فلأن يمر بأتباعهم من باب أولى وتكون هذه سلوى لأن الإنسان إذا شعر بوجود بعض العقبات قد ، لا، لا تتوقف يا أخي ما دمت تعتقد أن مشروعك صحيح ورسمت أهدافك والرؤية عند واضحة والرسالة بينة فلا تتوقف كونك تراجع لتستعيد النشاط وتفكر في طرق أخرى للنهوض بمشروعك هذه كلها مطلوبة أما التوقف فلا يليق بالدعاة ولا يليق بمن يحمل رسالة إصلاحية تستظل بمظلة الوحي.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. إذن نقول للمشاهدين إقرأوا سورة هود إذا أردتم الثبات على هذا الدين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت هذه السورة مثبتة له عليه الصلاة والسلام.

سؤال الحلقة

في الجزء الحادي عشر آية عرّف الله فيها للمؤمنين سبيل النجاة من عقابه، فأمرهم بالتقوى والصدق.

قال كعب بن مالك رضي الله عنه: فو الله ما أعلم أحدا أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني، ما تعمّدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذباً. فما هي هذه الآية وفي أي سورة وردت؟

————————

رابط جودة عالية

http://ia360700.us.archive.org/4/ite…1/tafsir11.AVI

رابط جودة متوسطة

http://ia360700.us.archive.org/4/ite…/tafsir11.rmvb

رابط للجوال
http://ia360700.us.archive.org/4/ite…ir11_512kb.mp4

 

رابط صوت

http://ia360700.us.archive.org/4/ite…1/tafsir11.mp3

روابط الحلقة كاملة على موقع مشاهد

http://www.mashahd.net/view_video.ph…c6e54d40f696fa

 

روابط الحلقة على اليوتيوب

http://www.youtube.com/watch?v=fl1DxlYmYKo&feature=uploademail

http://www.youtube.com/watch?v=JWf80kKKoAU&feature=uploademail

http://www.youtube.com/watch?v=SS46iyS6VAo&feature=uploademail

 


وفي تعقيب للدكتور عمر على ما ورد في الحلقة أضاف التالي في علوم سورة هود:

علوم سورة هود
ـ اسمها: لا يعرف لها غير هذا الاسم، وهي مكية وهو شبه اتفاق.
ـ فضلها: ورد فيها الحديث المشهور من طريق ابن عباس وغيره ، ولكن كل طرقه مراسيل وجزم الدارقطني بضعفها كلها ،
وثمة رؤيا رواها البيهقي في شعب الإيمان (4/82) فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ السَّرِيَّ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ج فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! رُوِيَ عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: ” شَيَّبَتْنِي هُودٌ ” قَالَ: ” نَعَمْ ” فَقُلْتُ: مَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْهُ قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَهَلَاكُ الْأُمَمِ ؟ قَالَ: ” لَا، وَلَكِنْ قَوْلُهُ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}.
ـ ظروف نزول السورة: يبدو ـ والله أعلم ـ أن هذه السورة نزلت في ظروف صعبة وقاسية كان النبي ج يمر بها هو وأصحابه، ويقال: إن نزولها كان بعد وفاة خديجة وعمه أبي طالب! والله أعلم بهذه المعلومة الأخيرة، لكن المقطوع به أن نزولها كان لمعالجة حال صعبة وشدة كان يعانيها النبي ج وأصحابه، وبرهان هذا هو المحور الذي أرى أن السورة كلها قامت عليه.
قال ابن عاشور : ـ في التحرير والتنوير (11/197) ـ :
“نزلت هذه السورة بعد سورة يونس وقبل سورة يوسف، وقد عُدّتْ الثانية والخمسين في ترتيب نزول السور، ونقل ابن عطية في أثناء تفسير هذه السورة أنها نزلت قبل سورة يونس؛ لأن التحدي فيها وقع بعشر سور وفي سورة يونس وقع التحدي بسورة … إلى أن قال في (11/218) :
فقال ابن عباس وجمهور المفسرين: كان التحدي أول الأمر بأن يأتوا بعشر سور مثل القرآن. وهو ما وقع في سورة هود، ثم نسخ بأن يأتوا بسورة واحدة كما وقع في سورة البقرة وسورة يونس، فتخطى أصحاب هذا القول إلى أن قالوا إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وهو الذي يعتمد عليه.
وقال المبرد: تحداهم أولا بسورة ثم تحداهم هنا بعشر سور لأنهم قد وسع عليهم هنا بالاكتفاء بسور مفتريات فلما وسع عليهم في صفتها أكثر عليهم عددها، وما وقع من التحدي بسورة اعتبر فيه مماثلتها لسور القرآن في كمال المعاني، وليس بالقوي.
إلى أن قال في (11/352) :
والإشارة من قوله: {في هذه} قيل إلى السورة وروي عن ابن عباس، فيقتضي أن هذه السورة كانت أوفى بأنباء الرسل من السور النازلة قبلها وبهذا يجري على قول من يقول: إنها نزلت قبل سورة يونس، والأظهر أن تكون الإشارة إلى الآية التي قبلها وهي: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض} – إلى قوله -: {من الجنة والناس أجمعين}فتكون هذه الآيات الثلاث أول ما نزل في شأن النهي عن المنكر” انتهى.

ـ محور السورة كلها ـ والعلم عند الله ـ يدور على قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود : 12] = تسلية النبي ج وتثبيت قلبه.
وبراهين هذا، لعلي أوضحها فيما يلي باختصار:
1.في الآيات التي قبلها تنويه واضح بعظمة هذا الوحي الذي أوحاه الله تعالى إلى هذا النبي العظيم، من إحكام وإتقان ، فكيف يقع في قلبك فتور عن الاحتفاء به والدعوة إليه، وهو بهذه المثابة؟ وتلا هذه الآية ـ التي يمكن أن نسميها آية المحور ـ تحدٍّ للمشركين أن يأتوا بعشر سور فقط من مثل سور هذا القرآن.
2.تحدث صدر السورة عن سعة علم الله U ، وأنه المتولي لشؤون خلقه، وكأن هذه تقول: إن ما يدور في مكة من كيد لك ولأصحابك، وما تعانيه من همٍّ لا يخفى على الله تعالى، والذي دبّر شؤون الحشرات الصغيرة والدويبات الضعيفة، فلن يترك خيرة الرسل وصفوة الخلق ج ومن معه وهم يبلغون رسالات الله وينصرون دينه.
3.المقولات التي قالها أعداؤك لك من سحر وتكذيب ليست جديدة، وستسمع في ثنايا السورة أنواع من الأذى اللفظي والمعنوي الذي لحق بإخوانك من الرسل.
4.الموضع الوحيد الذي ورد في القرآن الكريم بالثناء على من جمعوا بين الصبر والعمل الصالح هو في سورة هود، بل وفُرّع عليها محور السورة ، فقال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ …}
5.ثم يأتي تثبيت بأسلوب آخرعلى طريقة الاستفهام التقريري: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [هود : 17].
6.ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن هوان أعدائه على الله، ولكن لحكمة بالغة يستدرجون ويمهلون: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}.
7.ثم ينتقل الحديث لبيان عاقبة المتبعين له، وأن حال من استجاب لك وأعرض عنك كحال الأعمى والأصم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
8.ثم ينتقل الحديث ـ وهذا لب السورة ـ إلى نماذج من سير إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكن سياق القصص هنا يختلف عن سياقها في أي سورة من القرآن ، وبيان ذلك كما يلي:
9. لم تفصل قصة نوح كما فصّلت هنا حتى في سورة نوح نفسها، ونلاحظ في هذه القصة في سورة ود التنبيه إلى أمور:
&إبراز مقولة الملأ: { ما نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود : 27].
&التنصيص على كلمة بينة ، ففي الأعراف مع بسط القصص فيها لم تذكر كلمة (بينة) إلا مرتين، بينما في هود خمس مرات (أفمن كان على بينة) + قصة نوح ، هود (ما جئتنا ببينة)، صالح ، شعيب!
&التنبيه على مسألة الافتراء والكذب: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ [هود : 35].
&وما آمن معه إلا قليل مع طول المدة التي قضاها في الدعوة ، ألف سنة إلا خمسين عاماً!
&كفر ابنه به هو رسالة تقول: استعد فقد تجد من أهل بيتك من يناصبك العداء.
&ختم قصة نوح بقوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود : 49]
10.أما إذا انتقلت إلى قصة هود ج ، فإنك ستجد فيها ما يقوي ارتباطها بمحور السورة وذلك فيما يلي:
&لفظة البينة كما سبق.
&تهمة الجنون التي قيلت لك قيلت لإخوانك من قبلك : {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } جرياً على سنة الله الماضية: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت : 43].
&قوة التوكل التي أعلنها هود في وجه قومه مع أنه واحدٌ وهم أمة .. وهي رسالة واضحة للنبي ج : {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
11.أما إذا انتقلت إلى قصة صالح ج ، فإنك ستجد فيها ما يقوي ارتباطها بمحور السورة وذلك فيما يلي:
&لفظة البينة كما سبق، وهي هنا آية مبصرة يدركها كل أحد ـ وهي الناقة ـ ومع هذا كفروا رغم وضوحها البيّن! فإذا وجدتَ من يكفر بآيتك فلا تعجب فقد كُذّب بما هو أوضح منها، {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء : 59].
&قوله تعالى: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} وهكذا كانت قريش تقول للنبي ج.

12.أما إذا انتقلت إلى قصة إبراهيم ، فإن ملامح التبشير والفرج فيها أكثر من ملامحها في سورة الذاريات، فيلاحظ المتأمل التركيز في قصة إبراهيم على ما يتعلق ببشارته بولده، فهي وإن بسطت في سورة الذاريات لكنها ههنا بسطت بشكل أكبر، تأمل: المرأة قائمة وبشرت بإسحق، ثم بشرت بيعقوب من بعد إسحاق، جاء هذا بعد سنين من عدم الإنجاب ، يقال إنها تجاوزت المائة في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فبعد الشدة واليأس يأتي الفرج، ففيها إشارة وتسلية للنبي ج أنه مهما امتدت لحظات الشدة، أو انعقدت غيوم اليأس، فبعدها الفرج والخير، ، وفرج الله إذا جاء فلا يقدر أحدٌ على وصف وقعه في النفس.
13.وفي قصة لوط يلاحظ ما يلي :
&مظاهر الإحباط بيّنة جداً ، ولا تجد هذا الظهور فيها كما في سورة الحجر ، تأمل معي : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ / وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا/ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}.
&ثم يأتي التطمين الذي يضخ الأمل في نفس النبي ج : {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ …} فإذا كان الله معك ، والملائكة معك فمم تخاف؟! والذي حمى لوطاً هو الذي سيحميك.
&ثم إن في ذكر قصة العقاب التي لا يعهد مثلها في الأمم نوعاً من التطمين أيضاً، فإن عقوبة الله إذا جاءت فلا يتصور أحدٌ كيف تأتي!
14.وفي قصة شعيب الأنبياء ج تلحظ ما يلي :
&لغة الاستهزاء واضحةٌ بينة قد يسمع النبي ج مثلها كثيراً: { يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} ، ومع كونه فصيحاً بلغياً قيل له: { مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}.
&رسالة كأنها تقول للنبي ج اجعلها شعارك، ولا تبال بالنتائج: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} فدورك يا محمد الإصلاح، والدعوة أما النتائج فليست لك.
&ألمح في التنصيص على الرهط معنى يرتبط بالمحور: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} ففيها تذكير له ج بما سخّر الله له من نصرة عمه وبعض عصبته الذين تعصبوا له وكانوا معه في الشعب ، فهذه نعمة ينبغي أن تكون منك على بال , فكيف تترك الدعوة وقد سخر الله لك أنصاراً على غير ملتك؟!
15. وفي قصة موسى التي ذكرت اختصاراً ، لكن عقب عليها بما له ارتباط واضح بمحور السورة: وذلك في آيتين:
ـ الأولى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} فمن تأمل هذا التعقيب وجده عظيم الارتباط بالآية التي ذكرتُ أن السورة تدور عليها.
ـ الثانية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} مع أنهم أهل كتاب ، فما ظنك يا محمد بأناس ليس معهم كتاب وهم قومك؟ هم أولى بالاختلاف؟! وأيضاً : هو أوتي تسع آيات بينات ومع هذا لقي ما لقي.
16.وبعد هذا الحشد الكبير من القصص يأتي التعقيب بثلاث رسائل واضحة وصريحة ، متصلة تمام الصلة بمحور السورة، وهي منارات يجب على كل داعية، وكل صاحب مشروع إصلاحي يستقي دعوته الإصلاحية من مشكاة الوحي أن يهتدي بها ويضعها نصب عينيه:
&{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }.
&{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.
&{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
17.وخاتمة المطاف يعود إلى الربط بالمحور الأول الذي ذكرناه: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ/ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ/ وَمَوْعِظَةٌ / وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

والله تعالى أعلم بمراده

ونعوذ بالله من القول عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم