الفاء المباركة
د. أحمد الكبيسي – قناة سما دبي – رمضان 1432 هـ
الحلقة الأولى – مقدمة
ها نحن مرة أخرى في رمضان فنحمد الله عز وجل الذي بلغنا هذا الشهر الكريم ونسأله تعالى أن يعيننا على صيامه إيماناً واحتساباً حتى يجعلنا من الذين يغفر الله لهم ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر فمن أدرك رمضان ولم يغفر له فأبعده الله.
في هذا الشهر المبارك نتحدث في مسلسلنا هذا عن الفاء الشريفة في القرآن الكريم, وأنتم تعلمون أن لله أزمنة شريفة وأماكن شريفة وأوقات شريفة وهكذا فمن الأزمنة الشريفة رمضان والنصف من شعبان ويوم عرفة وغيره، ومن الأوقات الشريفة السحر (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران)، صلاة الفجر في المسجد ما بين المغرب والعشاء لها خصوصية، ولله أماكن شريفة مكة والمدينة وعرفة وبين المقدس وهكذا. وإن لله حروفاً شريفة ومن الحروف الشريفة في القرآن الكريم هذه الفاء التي يسميها أهل اللغة فاء التفريع. وفاء التفريع ما بعدها متفرع عما قبلها نقول دخل فلان الجنة فقد فاز، اجتهد فلان فنجح فالنجاح متفرع عن كونه اجتهد اجتهاداً كبيراً فالقرآن الكريم ما يقرب من ثلاثين أو أربعين أو خمسين موضع تأتي هذه الفاء تحمل بشارة عظيمة في الغالب بعج الفاء بشارة أو وعد أو استجابة. بما أن الله عز وجل أقر في الكتاب العزيز أن هذه الفاء ما بعدها بشارة عظيمة فعليك أن تتمسك بما قبلها لكي تحصل على ما بعدها بتمسكك بما قبلها يتفرع عليها. مثلاً ناس كانوا في حرب وجاءهم كثير من الجيوش المعادية بحيث لا يستطيعون عليهم ولكنهم صبروا فقط قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران) قال تعالى وراءها (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) وكل من يقع في أزمة، في عدو، في كثرة معادية ويقول حسبنا الله ونعم الوكيل سوف يحصل على نفس النتيجة ينقلب بنعمة من الله وفضل. سيدنا موسى عليه السلام جاء هارباً من مصر وذهب إلى قوم مدين عطشان وجوعان وجلس تحت الشجرة ما يعرف أحداً غريب (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) بعدها مباشرة قال (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25)) ففرج الله عليه، فكل من يريد رزقاً أو زواجاً عليه أن يتمسك بهذا النص لأنه نص شريف مقصود (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص). (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء) بعدها قال (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء) كل من يدعو بهذا الدعاء سوف يحصل على نفس النتيجة التي حصل عليه ذا النون. حيثما وجدت الفاء وبعد الفاء عطاء نصر زواج صحة مال كاسب متفرع على ما قبلها من دعاء أو عبارة أو جملة فعليك أن تتمسك بها لأنك سوف تصيب ما أصاب. حينئذ في هذا المسلسل الذي نحن فيه سنستعرض كل يوم في هذا الوقت واحدة من هذه الفاءات الشريفة التي جاءت في كتاب الله عز وجل والتي ينبغي للمؤمنين أن لا يذهلوا عنها لأن من قالها كما قالها صاحبها من أول يوم سوف يحصد نفس الفرج الذي أصاب صاحبها في ذلك اليوم فعلينا أن نحصي هذه الفاءات الشريفة ونجعلها في أدعيتنا فإنها مباركة والاستجابة فيها ضرورة كما قال الله عز وجل (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.