الحلقة الخامسة – (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ)
بسم الله الرحمن الرحيم. ومن الفاءات الشريفة العظيمة قوله تعالى في سورة آل عمران (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)) (فاء) بعدها نتيجة سريعة لماذا؟ (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ) لأن الدنيا لا تستقر على حال يوم غنى ويوم فقر يوم لك يوم عليم يوم نصر ويوم هزيمة وكما أن للنصر آداب أن لا تغتر وأن تتواضع وأن تشكر الله عز وجل وأن تعامل عدوك الذي انتصرت عليه بالحسنى وأن تحسن معاملة أسراه إن كانت له أسرى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء (محمد)) كذلك هنالك أيضاً آداب للهزيمة وأنتم تعرفون أنه في أُحد انهزم المسلمون هزيمة نكراء (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا (152)) انشغلتم بالغنائم. هذه الحالة المزرية من الهزيمة أيضاً لها آداب، قال رب العالمين عن هؤلاء (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)) فوراً قال (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) بهذه الاستكانة ولجأوا إلى الله سبحانه وتعالى واعترفوا بذنوبهم. أنتم لا تعرفون كم أن اعتراف العبد بذنبه عند الله عظيم، إن الله عز وجل يحب انكسار عبده أمامه لقوله تعالى في الحديث القدسي (أنا مع المنكسرة قلوبهم) ومعية الله عظيمة. إذن أصبت بخذلان في سباق في سفر في امتحان في أي مجال كان عليك أن تفوز ولأمر ما أصابك الفشل أو خسرت أو انهزمت أو تغلب عليك آخرون أو غلبك بعض الناس لا تياس وعليك أن تثبت لأنك مؤمن قوي وما عليك أن تقول (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) هذا اعتراف، تضرع، نحن أسرفنا وأخطأنا وما كان علينا أن نفعل هذا وهذا وكل من يعترف بذنبه فإن الله عز وجل يغفر له كل النقص في عمله كما سيأتي في فاء أخرى قادمة ناس اعترفوا بذنوبهم. فكل من يعترف بذنبه ويقرأ هذا النص بالذات عند هزيمته عند خسارته، رسوبه بالامتحان، في خسارة تجارته في حرب لا يتأفف ويسب ويشتم ويحزن وإنما برجولة واستسلام وتسليم لله عز وجل وخضوع يقول كما قال المنهزم (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (فَآتَاهُمُ) هذه الفاء الشريفة التي تأتيك بالخير كله. بعد هذا أتاهم ثواب آخر (ثَوَابَ الدُّنْيَا) لأنهم انتصروا بعد هذا، هذا الدعاء كان سبباً لانتصارهم (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لماذا كلمة الحسن على ثواب الأخرة؟ لأنها هي الحسنى (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) فكل ثواب يوم القيامة هو حسن، ثواب الدنيا شيء آخر. (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ومن إحسان هؤلاء أنهم اعتفروا بذنبهم وابتهلوا إلى الله عز وجل وتضرعوا إليه وهذا هو الموقف الكريم ومن آداب الهزيمة والمنهزمين فعليك أن تكون رجلًا إذا انهزمت في موضع ما وأن تلجأ إلى الله عز وجل وسوف ترى ماذا بعد الفاء، سيأتيك النصر حتما كما وعد الله عز وجل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.