برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء العاشر

برنامج التفسير المباشر

الحلقة العاشرة

10-9-1429هـ

 

د. عبد الرحمن: بسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وصلّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّد وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعين. مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون في برنامجكم اليومي [التّفسير المباشر] الّذي يأتيكم من استديوهات قناة دليل الفضائيّة بمدينة الرِّياض، يُسْعِدُنا أنْ نَتَواصَلْ مَعَكُمْ إن شاءَ الله هذا اليوم حولَ الجزء العاشر من أجزاء القرآن الكريم، وقبل أن نبدأ أُريد أن أُذَكِّركم أيُّها الإخوة بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم التّواصل من خلالها للأسئلة والاستفسارات والمُداخلات:

الرّقم الأوّل: ( 012085444)

والرّقم الآخر: ( 014459666 )

ولمَن يتّصِلْ من خارج المملكة: ( 0096612085444 ) و ( 0096614459666 )

كما أُذَكِّرُكم برقم الهاتف الجوّال الّذي يمكن أن تُرْسِلوا له أسئلتكم على هيْئة نصوص وهو: ( 0532277111 )

يسرُّني أيُّها الإخوة المشاهدون باسمكم جميعاً أن أُرَحِّب بأخي العزيز ضيف هذه الحلَقة وهو فضيلة الشّيخ الدّكتور محمَّد صفا بن شيخ إبراهيم حقّي العلواني، أستاذ الدِّراسات القرآنيّة بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، والمشرف على موقع سَنَد للأطفال بمؤسسة رسالة الإسلام. فحيّاكم الله يا دكتور محمّد.

د. محمد: يا أهلاً وسهلاً وأنا أيْضاً أُحَيِّيكم، والحقيقة أُقَدِّمُ تحيَّةً لقناةِ دليل، تحيّة مُعَطَّرة بعبير الشّحِّ والكادي لهذه القناة الّتي الحقيقة كنّا نتمنّى أن تظهر من قبل، ولكن والحمد لله ظهرت أخيراً، وأرجو من القائمين عليها أن يُخْرِجوا لنا دليلاً آخر للطّفل، ودليلاً للمرأة، ودليلاً للطّبيب، فالأُمَّةُ بحاجّة والقنوات الفضائيّة ملأت حقيقة الأجواء، ولكن مع الأسف هي بتلك القنوات الهادفة، نحن نرى قنوات هابطة تنشر الرّذيلة، تنظر إلى الرّذيلة وتحارب الفضيلة، ولكن مع الأسف غابت القنوات الهادفة الّتي تنمّي الأُمّة وتقودُها إلى الخير آمل من قناة دليل أن يُفَكِّروا بهذا الأمر، ونبارك لكم ولهم هذه الخطوة المباركة وأهلاً وسهلاً بكم.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك، جزاك الله خيراً يا دكتور محمّد، وأنا أشكرك على استجابتك الكريمة لهذا اللّقاء، وأُؤِيدَك لهذا الاقتراح للإخوة في قناة دليل. قبل أن نبدأ دكتور محمّد في الحديث حول محاور الجزء العاشر تعوّدنا والإخوة المشاهدين أن نعرض لهم بداية الحلقة أبرز الموضوعات الّتي يتكلّم عنها الجزء الّذي نتحدّث عنه.

اليوم معنا الجزء العاشر وهو يبدأ من الآية 41 من سورة الأنفال وينتهي عند الآية 92 من سورة التوبة، ويشتمل على موضوعات منها:

– الآيات عادت مرَّةً أخرى في بداية الجزء العاشر لتتحَدَّث عن الغنائم وكيفيّة قسمَتِها وسرْد بقيّة الأحداث الهامّة في غزوة بدر.

– ثمّ الأمر بإعداد العِدّة لإرهاب الأعداء.

– ثمّ أحكام أسرى الحرب.

– ثمّ إعلان براءة الله ورسولِهِ من المشركين وعهودهم من سورة التوبة.

– ثمّ الثّناء على المهاجرين المؤمنين والتّحذير من اتِّخاذ الكافرين أوْلِياء من دونِ المؤمنين.

– ثمّ ذكر بعض أعمال اليهود ورؤساء المنافقين القبيحة وأذاهم للمؤمنين.

هذه أبرز الموضوعات يا دكتور محمّد الّتي اشتمل عليها الجزء العاشر. وكمدخل لهذه الحلقة يا أبا سلمان نريد أن نربط سورة الأنفال بالسّورة الّتي قبلها إن رأيتم. نريد أن نربط هذا الجزء بالجزء الّذي قبله.

د. محمد: نعم. بسم الله الرّحمن الرَّحيم. هنا الجزء يبدأ بقوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41]، ونحن نعلم أنَّ سورة الأنفال هي نزلت في غزوةِ بدر، وغزوة بدر الحقيقة حدث خلافٌ بين الصحابة رضوان الله عليهم، ذكرتم بالأمس تعرَّضتم له ولكنَّني الحقيقة أفهمُ الخلافَ بصورةٍ أخرى، نحن نعلم أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوةِ بدر لمّا انتصر المسلمون وكانت الحقيقة النّقطة الفاصلة بين الدّولة الإسلاميّة وعهد الضّعف، بين الكفر وبين الإيمان، بعد أن انتصر المسلمون وهم أصلاً خرجوا لا يريدون حرباً ولكن خرجوا ليأتوا بالليل من أجل الغنائم فقط لأجل مقابل ما أُخِذَ منهم من مكة، فإذاً هم لن يكونوا مستعدّين لا نفسيّاً ولا مادِيّاً ولا بالسِّلاح ولا شيء، خرجوا وقالوا قافلة نأتي بها إلى المدينة وانتهى الأمر، فهناك هربت القافلة، وجاء الأمرُ بدخولهم في القتال لا سلاح موجود ولا المعنويّات موجودة، ولا التّعْبِئة موجودة، ولكنَّه أمرُ اللهِ سبحانه وتعالى فتردَّد بعضُ الصّحابةِ في ذلك، ثمّ خاطبهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال سعد بن معاذ ما قال: لعلّك يا رسولَ الله تقصِدُنا فو اللهِ ما نقولُ لك- كما ذكرتم بالأمس – لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة:24] ولكن نقول: اذهب أنت وربُّك إنّا معكم مُقاتِلون). فإذن التزم الصّحابةُ بهذا الدّين، وظهر إيمانهم الحقيقيّ في هذه المعركة، لمّا دخلوا المعركة وانتصروا انقسم المسلمون إلى ثلاث أقسام:

  • قسمٌ طارد العدُوَّ حتى أبعده عن أرض المعركة.
  • وقسمٌ كان يحرس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خشيَةَ أن يُخدع به.
  • وقسمٌ ثالث بدأ يجمع الغنائم. لمّا جاء الآخرين الّذين جمعوا الغنائم قالوا هي لنا دونكم وهنا حدثت المشكلة رُفِعَ الأمر.

طبعاً صار خلاف شديد في ذلك حتى أحد الصّحابة يقول: “حتى ساءت أخلاقُنا” في هذا الأمر، ثمّ ذهبوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن الأنفال، فَالرَبُّ سبحانه وتعالى أنزل هذه الآيات {قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} في هذا الموقف بكلمتين فقط حسم الموقف تماماً، اُتركوا الأنفال والغنائم الّتي بأيديكم، هناك قِيَم أخرى. سبب هذا الخلاف أنا بالنّسبةِ لي لا أنظر أبداً أنّه خلافٌ لأجل المادّة فلا يمكن لهؤلاء الصّحابة الكِرام الّذينَ قرأنا عنهم في مكّةَ كيف كانوا رِجالاً ضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيلِ اللهِ تعالى، ثمّ تَرَكوا المالَ والعَشيرَةَ والأرْضَ لأجلِ اللهِ تعالى، اليوم سيختلف على رمح وسيف ودرع؟!! غير ممكن أبداً. هؤلاء صحيحٌ بشر، ولكن نوعيّة أخرى من البشر، نوعيّة خاصّة أُعِدَّت إعداداً قَوِيّاً جداً في مكّةَ، أُعِدَّت بقِيام اللّيل، أُعِدَّت بعبادة الله تعالى، أُعِدَّت بأن تكونَ خلْفَ رسولِهِ صلّى الله عليه وسلّم، فهذه النّوعيّة لا يمكن أن تختلف مع إخوانها لأجلِ سيْفٍ أو درع. لمّا صار الخلاف إذاً مَن كان أصلاً المقاتِلون؟ المهاجرون والأنصار. المهاجرون تركوا كلّ شيء لله فجاؤوا إلى المدينة، والأنصار قاسموهم كُلَّ شيْء؛ حتى ورد في بعضِ رواياتهم إن صحّت أنَّ الأنصاريّ كان يقول للمهاجر تحتي زوجتان اُنظُر أيُّهما تريد طلَّقْتُها لك أو تركْتُها لك، هل يمكن لهذا الأنصاريّ الآن الّذي يقسِمُ بيتَهُ لأجل المهاجر، لأخيه المهاجر ويتركُ زوجةً لأخيه هل يختلفُ معهُ الآن على السّيف؟!! أبداً، غير ممكن. أنا بالنّسبةِ لي الحقيقة أنظر رؤية أخرى تماماً.

د:عبد الرحمن: ما هي بالضّبط؟

د. محمد: أنا أنظر أنَّ هؤلاءِ دخلوا الإسلام، ولكن كان هناك قِيَم لا زلت راسخة في أذهانهم، والإسلام كان قليلاً قليلاً يمسح هذه القِيَم الّتي لا تُوافِقُها هذه الشّريعة، ويُرَسِّخ القِيَم الأُخرى “خِيارُكُمْ في الجاهِلِيّة خِياركم في الإسلام إذا فَقِهوا”. وكان من القِيَم الّتي عندهم أنّ الرّجل إذا خرج من المعركة بأكبر قَدْرٍ من الغنائم دلّ هذا على أنّه بذل جُهْداً كبيراً في المعركة، وكان شُجاعاً وبطلاً فيرجِعُ بهذا الفخر، وبهذه الغنائم كوِسام، كنيشان فخر، يرجع إلى أُسْرَتِهِ إلى قبيلته إلى عشيرته، هذا المفهوم كان لا زال مُتَرَسِّخاً في ذهن الصّحابة باعتبارها أوَّل معركة، فكان كلُّ صحابيٍّ حريصاً هذه المرّة أن يرجِعَ بهذا الوِسام، ولكن فرقٌ بالأوّل كان يساق الوِسام في الجاهليّة واليوم هو وِسامٌ من رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وِسامٌ من هذا الدّين، ولأجلِ هذا البَدْرِيّون لهم وضع خاصّ جدّاً، البَدْرِيّون الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: “وَما يُدْريكَ يا عُمَر لعلّ اللهَ قَدْ اطّلع على قلوبِ أهلِ بَدر فقال: اعمَلوا ما شئتم فقد غفرْتُ لكم”. البدريّون تميَّزوا بعد ذلك، البدريّون حتى نحن لمّا نذكرهم وكتب التراجم تذكرهم تذكرهم في الأوائل، نفصلهم عن الآخرين تماماً، كلّ الصّحابةِ الكِرام، ولكن أهلُ بَدْرٍ لهم وضع خاصّ جدّاً

فإذاً: كان الخِلافُ بسببِ هذه القِيَم، والله سبحانه وتعالى لأجلِ هذا نزع منهم ما ذكر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} ثمّ قال أرشدهم إلى قِيَم أخرى هي الأرقى هي الأسمى هي الّتي يجب أن يتعلَّقوا بها {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فذكر لهم قال تبحثون عن القِيَم؟ تبحثون عن القِيَم الحقيقيّة؟ في هذه الصِّفات؛ وليس بِوِسامٍ ترجعون لأجل الغنائم. فإذاً كان هذا هو الحقيقة سبب الخلاف، وهذا ما يليقُ بوضع الصّحابة الّذينَ عَرفْناهم، يعني ماذا بعد أن يُضَحِّيَ بنفسِهِ ومالِهِ وولدِهِ في سبيلِ اللهِ تعالى؟! يتركُ العشيرةَ والقبيلة، بل يحمِلُ السَّيْفَ ليقتُلَ أقربَ النّاسِ إليهِ؛ دفاعًا عن هذا الدّين، الآن سيختلفُ معه لأجلِ سيْفٍ ورُمح؟؟!! أبداً!!!!.

د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. الحقيقة هذا التّنبيه الّذي ذكرتَهُ يُؤكِّد فعلاً سؤالاً سألته إحدى الأخوات أمس وقالت: في أوّلِ سورة الأنفال ذكر الله سبحانه وتعالى صفات وقال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ} هذه القِيَم الحقيقيّة، ثمّ في آخِرِها قال {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74] وهذا يُؤكِّد فعلاً أنّ القِيَم الحقيقيّة الّتي ينبغي على المسلم أن يسعى إليها هي هذه القِيَم.

د. محمد: هذه القِيم أن يترك الظّاهر، الظواهر هذه كلّها أمور أخرى وإن كانت أحياناً يحتاج الإنسان إليها، ولكن هذه النّوعيّة من البشر، هذه الشريحة من البشر، الصّحابة رضوان الله عليهم لمّا ننظر إليهم حقيقة ننظر إليهم نظرة إجلالٍ وإكبار لهؤلاء العُظماء الّذين نشروا هذا الدّين بهذه الصّورةِ العجيبة والتزموه فعلاً.

د:عبد الرحمن: أيْضاً يا دكتور محمّد يلفت نظري حقيقة في أوّل سورة الأنفال تصديقاً لكلامك أنّه قال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} ما قال {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].

د. محمد: ما قال، أجَّلَها، سيِّدي.

د:عبد الرحمن: وأجَّلَها إلى بداية الجزء.

د. محمد: أجَّلَها 40 آية، وهذا أيْضاً دعني أُشير إليه، هذا أُسْلوبٌ دَعَوِيٌّ عجيب في كتابِ اللهِ تعالى ويجب على الدُّعاة أن يتبعوه، هناك سائل يسأل وينتظر الجواب إذاً بين سؤاله وجوابه هو مستعِدٌّ بأن يسمعك تماماً فاستغلّ هذا الوقتَ لترسيخِ القِيَم الّتي تُريدُها، وليجد الدّاعية الحقيقة هو يستغلّ بين السّؤال وبين الجوابِ شيْئاً من القِيَم فيشحنها في نفوس هؤلاء الناس. جاء سؤال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} كان المفترَض أن يكون {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} بالضّبط ولذلك قال (لِلّهِ وَالرَّسُولِ) حسمها في كلمتين، اِقطعوا هذا تماماً ولا تتعَلَّقوا بذلك، ولكن انتظروا إلى القيم، ولأجلِ هذا لمّا جاءت (إن كنتم مؤمنين) خشي الصّحابةُ خشيةً شديدة وخافوا، فرمى كلّ واحدٍ ما بيده من الغنائم قالوا ننتظر حكم الله. ولمّا جاء الخطاب بعد ذلك {يا أيُّها الَّذينَ آمنوا} فرِحَ الصّحابةُ وتعانقوا وتحاضنوا، قالوا الحمد لله هذه شهادةٌ من الله بأنّنا لا زال لباسُ الإيمانِ يتلَبَّسُنا، كان معاني راقية جدّاً الحقيقة.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. يعني إكمالاً لهذا الحديث الرّائع الشيّق يا شيخ معنا أستاذنا الحبيب الأستاذ الدّكتور مصطفى مسلم محمّد، الأستاذ بجامعة الشّارقة، والأستاذ في الدِّراسات القرآنيّة بجامعة الإمام سنوات طويلة.

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم يا أبا مُصْعَب.

د. مصطفى: السّلام عليكم ورحمة الله.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته حيّاك الله يا دكتور مصطفى أنا أشكرك على استجابتك الكريمة لهذه المداخلة الهاتفيّة. نحن نتحدّث يا أبا مُصْعَب عن سورةِ الأنفال، وسورة التّوبة والجزء العاشر مع الدّكتور محمّد صفا حفظه الله هنا في الأستديو. الله سبحانه وتعالى ذكر بعض أعمال اليهود والمنافقين القبيحة وأذاهم للمؤمنين في سورة التوبة وفصّل فيها، وأنتم حفظكم الله لكم مؤلّفات في هذا الموضوع فودّي في خلال خمس دقائق لو تتحِفْنا حول هذه النّقطة بارك الله فيك يا دكتور.

د. مصطفى: بارك الله فيكم وفي جهودكم إن شاء الله، وتقبّل الله منّا ومنكم الصِّيامَ والقيامَ والطّاعة في هذا الشّهر الفضيل.

د. عبد الرحمن: اللهمّ آمين.

د. مصطفى: الحقيقة لي تعليق صغير جدّاً حول ما قال الأخ الكريم الدّكتور محمّد صفا حول قضيّة الصّحابة وتربيتهم وترسيخهم القِيَم لديهم، أوافقه بعضَ ما قال وأُضيف إلى ذلك أنَّ هنالك كانت القضيّة في بدايةِ معاركهم، وفي بدايةِ دِفاعهم عن الإسلام، نلاحظ الأُسلوب الّذي ورد في سورة الأنفال إبراز المعجزات بشكلٍ كبير جدّاً، وتقليصُ دَوْرِ الصّحابة، فأبرزت السّورة مع العلم أنَّ الأنفالِ هي آخد ما يُقَسّم، في نهاية المعركة، وافتُتِحَت السّورةُ بقضيّة الأنفال، فكأن هذه القِيَم الّتي أنت تُدافِعونها تبرزونها وتتمسكون بها لا تليق فأبرز قضية الأنفال وسحبها منهم وسلّمها إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.

إبراز دور المعجزة والخوارق {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] قضيّة نزول المطر، قضيّة {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} [الأنفال:17]، إبراز لقضيّة المعجزات والخوارق حتى ما تأخذهم في أوّل المعركة تجاوبوا وانتصروا قد تأخذ قضيّة النّفوس ترفعُ رأسَهم وأنَّنا ضَحَّيْنا وَعملْنا وَبَذَلْنا فَأُبْرِزَ دَوْرُ الخَوارِق.

بينما نَلْحَظ في سورةِ آلِ عِمْران في غزوةِ أُحُد نجد بأنَّ النّفوس كانت عندما كانت منكسرة، والنّفوس كانت منهزمة، شعروا بخطئهم في مخالفة أوامر رّسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيهم الآيات ترفعُ معنَوِيّاتهم { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:139] يعني هذا التَّوازن التَّرْبَوي في القرآن الكريم في سور القرآن وهناك انتصار يُخْشى أن تأخذه النّفوس يعني ترفَعُ رأسَها بهذا الانتصار، وفي غزوة الانهزام يُخْشى أن تُؤثِّرَ الهزيمةَ على نفوسهم فيقعوا في مشاكِلَ أخرى، عقد نفسية وغير ذلك، فهنا كان إبراز دور الخوارق في سورة الأنفال، وفي سورة آل عمران كانت قضيّة رفع المعنويّات، وبيان المغفرة وأنّهم لا بدّ يُسْتَشاروا في كلّ مرّة، إلخ.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك رائعة جدّاً.

د:مصطفى: هذه النّقطة الأولى تعليق بسيط على ما قال الشيخ محمّد صفا.

د:عبد الرحمن: جميل. وما يتعلّق باليهود؟.

د:مصطفى: أمّا ما يتعلّق باليهود أُريد أن أُلْفِت النّظر إلى نقطتين:

اليهود في المرحلة المكيّة كثيراً من سور القرآن الكريم المكيّة تعرّضت لليهود مع العلم لم يكن هنالك احتكاكٌ بين المسلمين واليهود؛ لأنّ اليهود ما لهم وجود في مكّة. سورة آل عمران القَصص، كثير من السّور المكيّة تعرّضت لقضيّة اليهود، وسورة التّوبة التي هي من أواخرِ ما نزل تعرَّضت لقضيّة اليهود أيْضاً؛ علماً بأنّ اليهود قد أُخْمِدَت شوكتهم عندما نزلت سورة التّوبة، نزلت في السّنة التّاسعة للهجرة اشتملت على أحداث غزوة تبوك غزوة العُسرة، واليهود بين مَن أُجلوا وبين مَن قُتِلوا وبين مَن انهزموا لم يبقَ لهم تلك القُوّة، فما الحكمة أن يتعرّض القرآنُ للمكِّيِّ لليهود بهذه الإطالة؟ وما الحكمة أن يتعرَّضَ القرآن المَدَنِيُّ في أواخر ما نزل منه إلى اليهود أيْضاً؟ والله أعلم أنا أقول: إشارةٌ إلى أنَّ هذا النَّموذج السيِّئ في العالم سيبقى شرّه مستمِرّاً فعلى المسلمين أن يأخُذوا الحَذَر من هؤلاء فهم النَّموذج السيء الّذي يُتربّى بمخالفتهم ومخالفة أخلاقهم نربّي أجيالاً وأُمَّةً بمعرفة خصائص اليهود وصفاتهم هذه.

وآخِرُ ما ذُكِر أيْضاً في سورة التّوبة أيْضاً لتحذيرِ المسلمين على أنّ معركتكم باقية معهم، يعني كثير من حضارات التّاريخ الإنساني قامت وانتثرت وذهبت وذهبت حضارتُها ولم يبقَ إلاّ ذكرٌ في التّاريخ. وقليلٌ من النَّماذج الحضاريّة والأفكار تبقى مستمرّة تتجدّد. الإسلامُ مُتَجَدِّد إلى يومِ القِيامة، وإشارات القرآن تُشير إلى أنَّ اليهود أيْضاً حضارتهم متجدّدة، وهذا الصِّراع سيبقى بين الحضارتَيْن:

  • الحضارة الإسلاميّة.
  • والحضارة اليهوديّة.

ولذلك عندما تأتي مثل هذه اللّفتات في سورة التّوبة إلى خصائص اليهود وصفاتهم؛ لنأخُذَ حِذرَنا منهم فهؤلاء قد حَرَّفوا العقائد {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْر ابنُ الله} [التوبة:30]  وهؤلاءِ غَيَّروا أحكامَ الشَّرائع حيثُ صارت قياداتهم من الأحبارِ والرُّهبان يُحِلّونَ لهم الحرام ويُحَرِّون الحلال فكانوا {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة:31] يبذلونَ كُلَّ وُسْعِهِم في القضاءِ على الإسلام يحذرون منهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة:32]، ولكن لنتأكَّد أنَّ سُنَّةَ اللهِ في اليهود وفي المسلمين وفي العالمِ كُلَّه سُنَّةٌ مُضْطَرِدة {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]، فهؤلاء سيبقى الصِّراع بين الحضارتين قائماً:

  • حضارةٌ تَرْأَسُها اليهودِيّة بشتّى ألوانِها وأسمائها وأشكالِها.
  • وحضارةٌ إسلاميّة قائمة على التّوحيد فالصِّراع مستمِرٌّ بينهما.

أمّا ذكرُ المنافقين في هذه السّورة جاء كثيراً لأنَّ مُخَطَّطات اليهود دائماً تُنَفَّذ عن طريق الطّابور الخامس في صفوفِ المسلمين وهو (المنافقون) ولذلك جاء التّركيز في هذه السّورة الكريمة على قضيّة المفاصلة بين هؤلاء المشركون وتُحُدِّثَ عنهم {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا} [التوبة:28] المنافقون ذُكِرَت صفاتهم وأساليبهم، اليهود جاء الحَذَرُ منهم؛ لكي نَكونَ على بَيِّنَةٍ من الأمر.

د. عبد الرحمن: شكر الله لك يا دكتور مصطفى الحقيقة لي كلام يعني بالرّغم من الإيجاز الّذي دائماً تنهجه في كلامك ومداخلاتك؛ إلا أنّها تكون أُصولاً نُفَرِّع عليها الكلام، شكر الله لكم يا دكتور مصطفى هذه المداخلة، وأسأل الله أن يتقبّل منك ويكتب أجرك.

د. مصطفى: شكر الله لكم. آمين.

د. عبد الرحمن: باسمكم جميعاً أشكر أستاذنا الحبيب الدّكتور مصطفى مسلم محمّد أستاذ الدّراسات القرآنيّة بجامعة الشّارقة على مداخلته القيِّمة حول الموضوع الّذي نتحدّث عنه اليوم في سورةِ التّوبة وفي سورة الأنفال. نعود مرّة أخرى يا دكتور محمّد قبل أن ندخل في بعض المحاور هل لك تعليق على كلام الدّكتور؟

د: محمد: الحقيقة كلام جميل ورائع -جزاه الله خيراً- الدّكتور وهو أستاذنا. أنا أريد أن أُؤكِّد أنَّ سورة التّوبة الحقيقة جاءت وتناولت ثلاث فِئات من النّاس:

تناولت أحوال المنافقين. وهي الحقيقة قبل أن نقول تناولت هي سورة تصفية للمجتمع المسلم تصفية تماماً من المنافقين ومن المشركين الوثنينيّن، ونحن نعلم أنّ في عهدِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوةِ تبوك قبل ذلك كان الرُّومان والفُرْس هم أقوى قُوَّتَيْن، فلمّا غلبت الفُرْس الرّوم وكان الرّوم في الشِّمال ولمّا اتّجه الإسلام وتمدّد إلى جِهةِ الشِّمال خشِيَ الرّومان على هذا الأمر؛ ولأجلِ هذا وقفوا في وجهِ الدّعوةِ تماماً، وبدأوا لا يقبلون انتشار الدّعوةِ حتى كانت غزوة تبوك الّتي خرج لها، وهذه الغزوة سبحان الله أيضاً من غرابتها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صرَّح بخروجِهِ لمُقاتلة الرّومِ بالذّات.

د. عبد الرحمن: وقبلها ما كان يُصَرِّح.

د. محمد: ما كان يُصَرِّح؛ ولأجلِ هذا كان هناك تصفية للمجتمع، مباشرةً المنافقون وقفوا، وكفّار المشركين وقفوا قالوا: كيف يعني المنافقون وقفوا قالوا: كيف نحن نقاتلهم!؟ استغربوا ولأجلِ هذا بدأوا يقدمون الأعذار عذرٌ خلفَ عذرٌ خلف عذر لأجل هذا الأمر، ولم يخرجْ إلاّ المسلمون المجاهدونَ الحقِيقِيّون وهم الّذينَ سَيَبْنونَ الأُمَّة؛ ولأجل هذا، هذه التّصفية ضروريّة جدّاً في مثلِ هذا العهدّ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. كانت المعركة قويّة جدّاً من أجلِ هذا كان لا بُدَّ من تصفيةِ المجتمع، هؤلاءِ المنافقين لو مَكَثوا في عهدِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذه الفترة كانوا سيهدمون الإسلامُ مرَّةً ثانية، وخاصّة إذا عَلِمْنا أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم تُوفِي سنة الحادي عشر للهجرة مباشرةً بعد الغزوة فكان لا بُدّ أن يرحلَ عن هذه الدُّنيا ويلحِقَ باللهِ تعالى بعد أن يطمئِنّ على هذه الأُمَّة الّتي أخذت قُوَّتَها، وأنَّ الأقوِياء هم الّذينَ بَرَزوا، وأنَّ المنافِقينَ قَدْ خرجوا من الصَّفِّ وخرجوا من طريقِهم، ولأجلِ هذا لما خرجوا للرّوم الحقيقة كانت غزوة غزوة عُسْرة يعني الأجواءُ حارَّة جدّاً، الجوع، الجانب الاقتصادي مُدَمَّر، الرّوم أقوياء، المنافقون يعينونهم في ذلك، فكان الحقيقة هذه جولة فاصلة تماماً ما في شكّ في ذلك.

د:عبد الرحمن: الحقيقة هذا الجزء مليء بالقِيَم التَّرْبَوِيّة ومليء بالمفاهيم الّتي لو خصّصنا حلقة واحدة لكلّ مفهوم منها لَما كفى. لدينا اتّصال يا دكتور محمّد من الأخت أم فيصل من السّعوديّة تفضّلي يا أمّ فيصل

أمّ فيصل: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: عليكم السّلام ورحمة الله.

أمّ فيصل: جزاكم الله خيراً على هذا البرنامج القَيِّم. ما الفرق بين ورودِ (يكُنْ) و(يَكُ) في القرآن الكريم؟ أريد شرح الآية الرّابعة والعشرين من سورة التّوبة؟ بيان كيف أنّ الشّخص يحبُّ اللهَ ورسولَهُ حقّاً؟ ولديّ سؤال بلاغي في الآية 43 {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] أتى بالفعل (يتبيّن) مع الذين (صدقوا)، والفعل (تعلم) مع (الكاذبين)، ما الفرق بينهما؟ سؤال آخر: الصّادِقين عبَّر عنهم بــ {الَّذِينَ صَدَقُواْ} بخلاف الكاذبين قال {الْكَاذِبِينَ} فما الفرق بينهما؟

د:عبد الرحمن: شكراً بارك الله فيك. معنا الأخ عبد الله من السّعودِيّة تفضّل يا أخ عبد الله

عبد الله: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام.

عبد الله: مساء الخير يا شيخ.

د:عبد الرحمن: حيّاكم الله يا أخ عبد الله.

عبد الله: الله يجزاكم خير على هذا البرنامج، أسأل الله أن يجعلكم من أهل الله وخاصّته.

د:عبد الرحمن: نسأل الله ذلك، وأنت كذلك.

عبد الله: عندي استفسار عن آية {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ {110}} هل هي في المشركين أم في المنافقين؟ تفسير الآية بالتفصيل يا شيخ الله يحفظك؟

د. عبد الرحمن: أبشِر الله يحفظك شكراً جزيلاً يا أخ عبد الله.

د. محمد: إذاً نقول {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} نحن عَرفنا هذا، ثمّ بعد ذلك تأتي الآيات؛ لِتُبَيِّن – كما قلت – عدداً كبيراً من فضلِ الله سبحانه وتعالى على هذه الأمّة، وكما قال الدّكتور مصطفى حقيقة؛ حتى لا يظنَّ أحدٌ أنَّ الصّحابة هم الّذين حقَّقوا هذا الانتصار وهذا الأمر إنَّما الأمر كُلُّهُ بمعجزات، فالأمرُ كُلُّهُ بيدِ اللهِ تعالى هو الّذي يريد، ولأجلِ هذا قال {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ}[ الأنفال: 43]  النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا روى الرُّؤية لأصحابه الحقيقة زاد من عزيمتهم في هذه الأُمور وعَلِموا أنّ النَّصرَ آتٍ لهم ثم قال {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال:44] الحقيقة هنا أيْضاً عجيبة جدّاً نفس العِلّة كان سبباً لانتصارِ هؤلاءِ وهزيمةِ هؤلاء، هؤلاءِ لمّا رَأَوْا المُشْرِكين قِلَّة قالوا كنّا نسمع عنهم أنهم ألف أو يزيدون! ثمّ بعد ذلك نأتي الآن ونراهم بهذا العدد قِلّة! فارتفعت معنَوِيّاتهم. المشركون العكس، كان يسمعون أن المسلمين عددهم ثلاثمئة وقليل، ولكن لمّا رأواْ عددهم أقلّ من ذلك حتى أنّه يُرْوى أنّ بعض المشركين رمى السّلاح من يده قال ما نراهم إلاّ بعضهم نربطهم ونأتي بهم! لاحظ نفس العِلَّة صارت هنا سبباً للنّصر، وهنا سبباً للهزيمةِ في ذلك.

د. عبد الرحمن: وهي معجزة.

د. محمد: ما في شكّ في ذلك نعم.

د. عبد الرحمن: فتح الله عليك.

د. محمد: قضيّة توزيع الغنائم هنا أيْضاً يعني أنا ما أُريد الحقيقة أن أتحدّث عنها كثيراً، ولكن بعد أن نزع الله سبحانه وتعالى الأمرَ هناك في أوّلِ السّورةِ من أيْدي المسلمين، عاد هنا بعد أن رسَّخَ فيهم القِيَمَ هذه كُلَّها عاد فيها فأرجع لهم أربعة أخماس وبقي الخُمس الخامس في يدِ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم هو وليّ الأمر بعد ذلك على خِلافٍ في تفصيلِ ذلك كيف تُوَزَّع الغنائم.

د. عبد الرحمن: يعني الآن العِلّة يا دكتور محمّد في تأخير تفاصيل الغنيمة ما قال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} (قل لله خمُسَه وللرّسول) ما قالها في البداية، وإنَّما قال {لِلّهِ وَالرَّسُولِ} ثم كما قلت رسّخ مفاهيم هي الّتي ينبغي أن يُحْرَص عليها ويُعنى بها.

د: محمد: وهي الّتي بنت الأُمّة بعد ذلك.

د:عبد الرحمن: ثمّ بعد ذلك يقول تقسيم الغنيمة {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}

د. محمد: حتى لا يُحرِمَهم من هذا الأمر الّذي جاؤوا به حتى يرجعوا بشيْءٍ من هذه الشّهاداتِ لأهلِها. ومرَّةً ثانية أقول أبداً لا أتَصَوَّر أنَّ الصّحابةَ الكِرام يتعَلَّقونَ بالمالِ بهذا الأمر.

د. عبد الرحمن: ماذا تقول يا دكتور محمد دعنا نتحاور والإخوة يسمعوننا، الآن أيْضاً نزعم أنَّ المجتمع الصّحابة كانوا مجتمعاً ملائكياً لأنَّ الله يقول في غزوةِ أُحُد في سورة آل عِمران قال {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152].فهذه أيْضاً تُبَشِّر أنَّ مجتمع الصّحابة كانوا مجتمعاً بَشَرِيّاً بكلّ ما فيه

د. محمد: يا سيدي هو مجتمع بشري ولكن ليس ككُلِّ البشر، يعني الّذي كان من أغنياءِ قريش، ويأتي يوماً ثمّ يخرجُ من بيته وليس في بيته فطور، كلّ هذا جهاد في سبيل الله! نحن نجد الحمد لله هذه الأمثلة حتى في حياتنا اليوم نجد كثيراً ممَّن ربّنا سبحانه وتعالى مَن مكنَّهم من المال أنّهم يبحثون عن أماكن الخير حتىينفقُوا هذا المالَ فيه فالصّحابةُ يقيناً كانوا فوق هذا الأمرِ كثيراً.

د:عبد الرحمن: والله الحقيقة التّنبيه على مثلِ هذه المبادئ الأساسيّة في السّور أنَّها رائعة جدّاً ومهمّة للإخوة المشاهدين. معنا اتّصال من الأخ أبو بلال من السّعودِيّة تفضّل يا أبو بلال

أبو بلال: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

أبو بلال: أسعد الله مساءكم جميعاً.

د:عبد الرحمن: الله يسعد أوقاتكم بالخير.

أبو بلال: بارك الله فيك دكتور عبد الرّحمن وأُحَيّك وأُحَيّي ضيفك الكريم.

د:عبد الرحمن: حياك الله يا أبو بلال تفضّل

أبو بلال: لديّ سؤال بارك الله فيك في سورة التّوبة في آية 67 يقول الله تعالى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} وفي آية 71 {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} فهل هناك فرقٌ بالمعنى في قوله تعالى {بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} وفي الآية الأخرى {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}؟

د:عبد الرحمن: أحسنت سؤال جيّد الله يعطيك العافية.

أبو بلال: وجزاكم الله خيراً وبارك فيكم.

د:عبد الرحمن: شكراً يا أبو بلال حيّاكم الله. معنا اتّصال آخر الأخ أبو أحمد من السّعوديّة تفضّل

أبو أحمد: السّلام عليكم ورحمة الله.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أبو أحمد: حيّاكم الله يا شيخ عبد الرّحمن، حيّا الله الدّكتور محمّد.

د:عبد الرحمن: الله يحيّك حيّاكم الله.

أبو أحمد الله يرفع قدرك. يا شيخ في قوله سبحانه وتعالى {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] نلاحظ في الآية قول الله عزّ وجلّ ما أمر المؤمنين والصّحابة بالاتّفاق وإنَّما أمرهم بالصّبر، هذا جانب، وأيْضاً هل في تعليق حول هذا يا شيخ؟.

د:عبد الرحمن: كم رقم الآية يا أبو أحمد؟

أبو أحمد: رقم الآية 46 من الأنفال. وأيْضاً في نفس الصّفحة في قوله تعالى {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ} [الأنفال:52] نُلاحظ هذه الآية وهذا المثل جاء وراء بعض ما حصل بينه وبين الآية الأخرى إلاّ آية التّغيير يعني {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ} [الأنفال:52]  ثمّ ذكر {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ} [الأنفال: 53] ثمّ عاد {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ} [الأنفال: 54] الأولى قال كفروا والثّانية قال كذّبوا. ثمّ ما الحكمة بتكرار المَثَل بآل فرعون والّذين من قبلهم؟ لماذا ما يقول مثلاً الأولى نفس المثل بآل فرعون والثانية بغير آل فرعون؟

د:عبد الرحمن: جيّد

أبو أحمد: الله يرضى عليك.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك. شكراً يا أبو أحمد.

د. محمد: اسمح لي أبدأ بالأخ الأخير لكن أخشى أن تُبْعِدْنا عن المضامين.

د:عبد الرحمن: أنا أُريد أن أستأذنك يا دكتور محمّد وأستأذن الإخوة المشاهدين في التّوقُّف بفاصل نُعَرِّف فيه بكتاب من الكتب الّتي تُعينُ على تَدَبُّر القرآن وفَهْمِهِ ثمّ نعود إن شاء الله لأخذ الأسئلة. فابقوا معنا أيّها الإخوة حفظكم الله.

****************************

فاصل: تعريف بكتاب

“مَلاكُ التأويل القاطع بِذَوي الإلحادِ والتّعطيل في توجيه المتشابه اللّفظ من آيِ التّنزيل”

مُؤلِّفُ هذا الكتاب العلاّمة أحمد بن إبراهيم ابن الزُّبَيْر الثّقَفي العاصِميّ الغرناطيّ، المُتَوَفّى عام 708 للهجرة.

وكتابُ مَلاك التأويل من الكتب المهمّة في مجالِ تفسيرِ القرآن، وهو من أجلِّ الأعمالِ المُقَدَّمةِ لخِدمةِ القرآن الكريم. فموضوعه في تفسيرِ متشابه القرآن، وهو فنٌّ قلَّ فيه التّصنيفُ عامّةً، ونَدُرَ منه المطبوعُ خاصّة، ويُعَدُّ هذا الكتاب من أوْفى وأحسنِ ما أُلِّفَ في مسائلِهِ ومباحِثِه، وينبغي على المُعْتَني بالقرآنِ الكريمَ أن يقرأَ هذا الكتاب، وأن يتأمَّلَ ما فيه من العلم، وأن يُكَرِّرَ النَّظَرَ فيه مرَّةً بعد مرَّة حتى ينتفِعَ به أتمَّ انتفاع، فقد بذل فيه مُؤلِّفُهُ غايةَ وُسْعِه ومبلغَ علمه في توجيهِ المتشابه من آيِ القرآن الكريم، والرَّدِّ على شُبَهِ المُلْحِدينَ الّذينَ طَعَنوا بِها على القرآنِ الكريم. وقد صدر هذا الكتاب في مجَلَّدين عن دار الغرب الإسلاميّ عام 1403 للهجرة بتحقيق الدّكتور سعيد الفلاّح.

***************************

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها المشاهدون مرّةً أخرى بعد هذا الفاصل الّذي عرفنا فيه كتاب ملاك التأويل للغرناطي رحمة الله عليه. أُرَحِّب مرّة أخرى أُجَدّد التّرحيب بأخي العزيز الدّكتور محمّد صفا الشيخ إبراهيم حقّي الأستاذ بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة والمتخَصِّص بالدِّراسات القرآنيّة، والمشرف على موقع سند الموقع التّابع على الإنترنت التّابع لمؤسسة رسالة الإسلام. حيّاكم الله يا أبا سلمان مرّةً أخرى.

د. محمد: أهلاً وسهلاً حيّاكم الله.

د. عبد الرحمن: لدينا العديد يا دكتور محمّد من الأسئلة.

د. محمد: تفضّل. نمشي بالتّرتيب.

د. عبد الرحمن: وأنا أُريد الحقيقة أن نحرص على ما يخصّ موضوعنا حتى لا نخرج. الأخت أمّ فيصل تسأل عن الآية 24 من سورة التّوبة وهي قوله تعالى {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ  يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24}} تريد تفسيراً لهذه الآية.

د. محمد: التفسير أظنّ واضح تفسيرها هنا تخيير بين أن تختارَ هذا الدّين وعظمة هذا الدّين والدّفاع عنه أو أن تختار عشيرتك وقبيلتك. والحقيقة الإسلام هنا يُقَدِّم الرّابطة الإيمانيّة على الرّابطة المادِّيّة، فلأجلِ هذا هنا بيّن الرَّبُّ سبحانه وتعالى أنّ الدّينَ يجب أن يكونَ مُقَدَّماً على هؤلاء وحتى المال أن تُقَدِّمَ ما يكونُ في سبيلِ الله تعالى أفضل. ثمّ بعد ذلك يكون هنا في قضيّة الجهاد الدّفع للجهاد الإنسان يدفعُ بابنه وبولده وبنفسه للجهاد في سبيلِ الله تعالى كما أنّه يدفعُ بماله أيْضاً لهذا الأمر. فإذاً يجب على الإنسان أن يفعل وأن يقدُم على هذا الأمر حتى ينتظر أمر الله سبحانه وتعالى أن يكون.

د. عبد الرحمن: الله أكبر.

د. محمد: وهنا أيْضاً خُتِمَت الآية بقوله {وَاللّهُ لاَ  يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}؛ ليُبَيِّن على أنّ مَن يُقَدِّم أو يُخالف هذا الأمر فهو من الفاسقين ولأجل هذا فيه تحذير الحقيقة في نهاية الآية، هذا هو الإيمانُ الحقيقي، فإن لم تفعل بذلك فأنت إذاً مع المجموعة الأخرى واحذر من نفسك.

د. عبد الرحمن: ذكّرتني هذه الآية بموقف وقع للحجّاج بن يوسف يقولون أنّه كان يُصَلّي بالنّاس -الحَجّاج وهو مُقرِئ من القُرّاء بعض النّاس يظنّ أنّ الحَجّاج بن يوسف رجلٌ ظالم فقط ولا يعلم أنّه من علماء القرآن والمتخصِّصين فيه من علمائه وخبرائه وكان من أفصح الناس- فقال كان يوماً يحيى بن يعمُر وهو من علماء اللّغة الّذين يُصَلّون خلفَهُ قال هل تسمَعُني ألحن؟ فخاف منه يحيى بن يعمُر فقال: لا، فلمّا شدّد عليه قال: في موضعٍ واحد، قال: في ماذا؟ قال: في كتابِ الله، قال: هذه أشدّ، قال في أيِّ آية؟ قال: قال في قوله {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} إلى أن قال {أَحَبَّ إِلَيْكُم} كان الحجّاج يقول {أحبُّ إليكم} فنفى يحيى بن يعمُر من العراق وأخرجه إلى بلاد ما وراء النّهر قال: لا رَيْبَ أن لا تسمع لي لَحْناً بَعْدَ اليوم.

د. محمد: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله! هذا بدل أن يُصَحِّح ويشكره على أنّه صحّح له سبحان الله!

د. عبد الرحمن: الأخت أم فيصل سألت سؤالاً وهو في الآية 43 من السّورةِ نفسِها، وهي قول الله سبحانه وتعالى {عَفَا اللّهُ عَنكَ} في الخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ{43}} عندها سؤالان، تقول: لماذا قال في الّذين آمنوا (يتبيَّن لك الّذين صَدَقوا)، وقال في الكاذبين (وتعلم الكاذبين)؟ ثمّ قالت أيْضاً: لماذا قال الّذين صدقوا وقال الكاذبين بدل الّذين كذبوا؟

د. محمد:: أنا أقول هنا الصّدق يحتاج إلى ترسيخ، إلى تبيين، إلى وضوح؛ لأنّه يترتّب عليه ترتيبات أخرى، أمّا الكذب فقط تعرف أنّه مجرّد كذب مرّةً خلاص هذا كاذب، هذا اُتركه تماماً. أمّا الصّدق لا بُدّ من التّمحيص، أن تُمَحِّصَ هذا الأمر؛ حتى تصِلَ إليهم، الكاذب مرةً واحدة أنت عرفت أنّه كذب سيكذب مرّةً ثانية، ولأجل هذا ما يُرْوى عن الإمام البخاري رحمه الله لمّا ذهب إلى اليمن لطلب حديث، ولمّا ذهب فرّت دابّته فجاء الرّجل هذا وأوْمَأ بثوبه إلى الدّابّةِ أنّ فيها طعام فلمّا نظر ما رأى فيه طعاماً فأخذ البخاريُّ دابتّه ورجع، قال والحديث؟ قال مَن كذب على دابّتي فقد يكذب على رسول الله.

د. عبد الرحمن: من مرة واحدة؟؟!!

د. محمد: من مرة واحدة تعلمه يكذب ويكفي. أمّا الصّدق لا، يحتاج إلى اختبار، يحتاج إلى تبيُّن، كثير من النّاس يقولون أنا صادق، ولكن حينما يأتي، يعني ذاك الرّجل الّذي في سورة التّوبة نفسها، لمّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي قال: “ائذَن لي ولا تفتِنّي” لمّا قال له تعالَ إلى الجهاد دعاه إلى الجهاد في غزوة تبوك وتوقّفوا المكان بعيد و.. فتردّد في ذلك، فقال: واللهِ إنَّكم تعلمون كانت الحجة سخيفة جدّاً أنّني أعشق النِّساء وأخشى أن أفتتن بنساءِ بني الأصفر فاذهبوا وأعطيكم المال، فأعرض عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طبعاً كان منافقاً وأعرض عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ بعد ذلك تبيّن له الأمر.

د:عبد الرحمن: قبل أن نسترسل في الأسئلة لدينا مداخلة عزيزة علينا الحقيقة من أخينا العزيز الشيخ مُوَفَّق بن عبد الله العَوَض رئيس تحرير دعوة سلسلة الحقّ الّتي تُصْدِرُها رابطة العالم الإسلامي. فنرحّب بكم يا شيخ مُوَفَّق معنا في برنامج التفسير المباشر.

الشيخ: حيّاك الله يا شيخ. السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: أُحَيّيك وأُحَيّي ضيفَك الكريم الدكتور صفا

د:عبد الرحمن: الله حييّك نحن شاكرين ومقدّرين استجابتك يا شيخ موفّق الله يحفظك.

الشيخ: الله يحفظكم.

د:عبد الرحمن:: نتحدّث يا شيخ موفّق عن سورةِ الأنفال وسورة التوبة الجزء العاشر تحديداً مع الدّكتور محمّد وبودِّنا لو تشير يا دكتور مُوَفَّق إلى قضيّة الثّناء على المهاجرين المؤمنين في آخر السّورة أو في آخر الجزء، هذا الثّناء الّذي يُثنيه الله سبحانه وتعالى على المهاجرين المؤمنين الّذين هاجروا في سبيل الله وصبروا، والتّحذير من اتِّخاذ الكافرين أولياء حول هذه النقطة لو تحدّثنا في حدود خمس دقائق حفظك الله.

الشيخ: يقول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} } الآيات الكريمة هذه العظيمة حذّرنا الله فيها سبحانه وتعالى من أن نُلْقي بالمودَّةِ والمحبَّةِ إلى الكُفّار أو أن نَتَّخِذَهُمْ أولياء من دون الله سبحانه وتعالى ولو كانوا أقربَ النّاس لنا نسباً وقرابة. والخروجُ عن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل يُعْتَبَرُ ثغرة وَنَقْص في الإيمان وثغرةٌ ينبغي تداركها. أمّا الولاية الّتي المقصود بها في هذه الآية فهي التّناصب والتّحالف مع الكافرين ولا تتعلّق بمعنى الاتباع في الدّين؛ لأنّ الاتباع في الدّين يعتبر كُفراً وردّة صريحة لا شكّ في ذلك.

كذلك تُرشد هذه المعاني أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل على نبيِّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم صدر سورة الممتحنة في شأن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وفيه نهى الله تعالى عن موالاة أعداءِ الله. وما كان حاطب متبعاً للكافرين، وإنّما ألقى بشيْءٍ من أسرار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الكفّار بحكم ما كان بينه وبين القوم فأراد أن يصنع عندهم يداً فقد كان حاطب رجلاً من المهاجرين بل وكان من أهل بدر وكان له بمكّة أولاد ومال ولم يكن في قريش من أنفسهم بل كان حليفاً ولمّا عزم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على فتح مكّة أرسل إليهم الخبر خشيةً منه على أهل كانوا له في مكّة، فكان ذلك مُوالاةً لهم مع ذلك اعتُبِرَت هذه موالاةً لهم. فالمؤمنون بعضهم أولياءُ بعض والكافرون بعضهم أولياء بعض مهما اختلفت مللهم وتباينت محنهم وتعدّدت راياتهم الّتي يرفعونها، ولن يهدَأَ لهم بالٌ حتى يرُدّوا المسلمين عن دينهم إن استطاعوا. وقد قطع الله سبحانه وتعالى العلاقة بين نوح وابنه، وبين نوح وزوجته، وبين لوط وزوجته، وبين إبراهيم وأبيه، وبين محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأقرب النّاسِ إليه، لقد فرّقت بينهم العقيدة. وهذه الولاية تُتَّخذُ في العصر الحاضر صُوَراً شتّى عند العامّة نجد أمثلة لها في أُولئك الّذين هم من بني جِلْدَتِنا ويتكلَّمون لغتنا، ويزعمون أنّهم على ديننا، ولكنّهم صنيعةٌ من صُنّاع أو من صنائع الغرب. كما نجدُ هذا الّذي أشرنا إليه في مجالات كثيرة نجده في مجال التّربية والتّعليم نجد لهذه الأُمّة أن تخضع لمناهج الغرب وهناك صيْحات إلى تغيير المناهج وتغيير وحتى التوحيد حتى الثّقافة الإسلاميّة تُغَيَّر وتُبَدَّل حسب أهواء هؤلاء. نجد كذلك في وسائل الإعلام متنوّعة الّتي تسبح باسم الحضارة الغربيّة وتُمَجِّدها.

كذلك تجدهم في التلقّي عن الكفّار والتّرويج لأفكارهم وآرائهم سواء علمنا بذلك أو لم نعلم. كما نجد ذلك في نشر المذاهب العلمانيّة اللاّتينيّة والأفكار الجَاهليّة هناك صور شتّى حديثة هي تُشابه القديمة، لكن كثيراً من النّاس يغفل عنها. وفي تقليد الكفّار في أمورهم التّافهة كذلك الّتي تُشغل الأُمّة عن معالي الأُمور عن الجَدّ عن العمل النّافع المُثمر، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْناه وهذا ما حذّرنا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ” لَتَتَبِعُنَّ سَنن مَن كانَ قَبلَكم حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّة ولو دخلوا جحرَ ضَبٍّ لَدخَلْتُموه “. كذلك إذا سمحتم لي هناك بعض الأمور يعني يجب التّنبيه عليها ليتمّ لفاعلها مجانبة دين المشركين والبراء منهم وتحقيق الولاء لله ورسوله وللمؤمنين:

  • الأمر الأوّل: ترك اتّباع أهواء الكفّار في قليل الأمرِ وكثيرِهِ {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49] .
  • الأمر الثاني: معصيتهم فيما أمروا به؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة الكافرين { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]
  • الأمر الثالث: ترك الرُّكونِ إلى الكفرة والظّالمين حتى قال تعالى {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]
  • الأمرُ الرّابع: ترْكُ مَوَدَّةِ أعداءِ الله {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الممتحنة:22] .

د:عبد الرحمن: طيب يا شيخ مُوَفَّق.

د. محمد: نعم يا أخوي.

د:عبد الرحمن:: سورة التوبة الآن وقد أفاضت إفاضة- كما تفضّلت – في الحديث عن المنافقين قد يسأل سائل ويقول لماذا السّورة الآن فصّلت في صفات المنافقين، ولم تذكر أعيان المنافقين؟ يعني ليس في السّورة أي ذكر لعبد الله بن أُبَيّ مثلاً ولا لغيره وإنَّما ذكرت صفاتهم، ما الحكمة؟

الشيخ: هو المقصود هذا، هو المقصود الصفات، المقصود عدم التّشبُّه، المقصود ترك المودّة حتى تكون سورة التّوبة جارية، الأصل هي العبرة، اتخاذ العبرة. القصص الّذي أوردَه القرآن الأصل فيها العبرة ليعتبر بها النّاس ويتّخِذونها منهجاً، فسورة التّوبة هي منهج للمسلمين على مدى التّاريخ حتى يرث الله سبحانه وتعالى الارض ومن عليها.

د. عبد الرحمن: شكر الله لكم يا شيخ موفَّق هذا البيان والإيضاح.

الشيخ: بارك الله فيكم أشكر لكم وأشكر لقناة دليل اهتمامها وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه أجمعين.

د. عبد الرحمن: شكر الله للشيخ موَفَّق قادم عبد الله العوض رئيس تحرير سلسلة دعوة الحق التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي على هذا البيان والإيضاح. الحقيقة ما ذكره من حديثٍ للصورة عن المنافقين وبعض الضّوابط وأيْضاً التّحذير من ولدّي سؤال في هذا أيْضاً يا دكتور محمّد في قضيّة عندما نقول الآن الطّابور الخامس الطّابور السّادس ودّي توضّح لي أنا وتوضّح للإخوة المشاهدين ما هو الطابور الأول والثاني والثالث والرابع؟

د. محمد: أنا أميل حقيقة إلى اتّهام النّاس بالنّفاق؛ لأنّ أمر النّفاق أمر عظيم جدّاً وهم حكمهم وفعلهم أشدّ خطورة من الكفّار أنفسهم. ولأجل هذا أن نُعَيِّنَ الأشخاص هذا ما نسميه بأهل اسّنّة والجماعة، وإنَّما نحن نقول هذه صفات المنافقين والإنسان يعلمُ إن كان منهم أم لا، أمّا أن نتّهِمَ أُناساً بأعينهم إن كانوا إعلاميّين أو غير ذلك فهذا أمرٌ لا يجوز ولا ينبغي وخاصّة إذا علمنا أنّهم يعلنون بأنهم مُؤمنين. مَن عُرِفَ من أهل النِّفاق في أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان بالوحي كان عن طريق الوحي أما نحن لا وحي لدينا الآن حتى نقول والله فلان منافق، وأنا هنا حقيقة أُطالب وأطلب من كلّ الإخوة وخاصّةً الدُّعاة وأهل الخير أن لا يتّهموا أحداً بهذه الصفات القبيحة، هو يُصَلّي هو يصوم هو يُؤدّي قد يكون مخطئاً قد يكون عاصِياً قد يكون فاهم خطأ قد يكون ما وصل إليه البيان شديداً قد يكون اجتهد فأخطأ، ولأجلِ هذا كلّه أنا لا أُؤيِّد أبداً في قضيّة اتِّهام النّاس أنّهم منافقون أو في تعيينهم. نعم هناك منافقون موجودون بلا شكّ إذا كان في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو أفضلُ عهدٍ وأفضلُ عصر وبتربية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبرغم ذلك بقي المنافقون، بل بقي ناسٌ من أهل الكتاب ولا زالوا يحنّون إلى الماضي إلى عبادة العِجلِ وعبادة الحجر والشّجر، وهؤلاء أوّل ما رَأَوْا قُوَّة تدعمهم أتوا بعد ذلك وبدأوا يتحرّكون لزرع الفتن وخلخلة الصّفّ المسلم. نحن لا نشكّ أنّه الآن أيْضاً موجود من هذه النّوعيّات، ولكن نوعيّات لا نعيّنهم بأشخاصهم بأعيانهم وهذا لا ينبغي، وينبغي لكلّ مسلم أن لا يلجأ إلى هذا الطّريق أبداً. هم خاصّة في بلاد المسلمين الآن هم يعني معنا إخوةٌ لنا قد يكون بعضهم والله يا أخي فيهم صلاح فيهم دين ولكن هذا فهمه، تربّى هذه التّربية فالمُفْتَرَض أن يُبَيَّن له هذا الأمر ويوضع أمامه ويوجد كتاب الله هو خير ملجَأٍ لهؤلاء. أنا أنصحهم أيْضاً أن يلجأوا إلى كتاب الله تعالى حتى يستمدّوا مفاهيمهم من هذا الكتاب بعض الكتابات الّتي تكتبوها حقيقة قلقة مقلقة وتزعج وتُؤذي لأنّه يخالف نصوصاً معصومة ويُصادِمُها بصراحة ولكن هو لا يدري بهذا الأمر.

د. عبد الرحمن: والمنهجية في القرآن الكريم لكشف المنافقين منهجية غاية في الروعة والأدب والذَّوق أيْضاً فلا تجد فيها تصريح بأسماء منافقين على غيرهم، وإنما هي ومنهم، ومنهم، ومنهم. أنا استوقفني يا دكتور محمَّد.

د. محمد: عفواً حتى الرّسول صلّى الله عليه وسّلم ما علّم أصحابه بأسمائهم وإنما استأمن عليها حذيفة فقط. ما أعلم الآخرين، وكان بينهم وكان صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يقول هذا منافق، وهذا منافق أخرجوه، يعني إذا كان بالوحي وما بيّنهم، فما بالنا نحن نأخذ هذه المهمّة اليوم لأنفسنا وليس لدينا وحي ونتّهمُ النّاس؟!!.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خير. معنا اتّصال من الأخت أمّ الخطّاب من السّعوديّة تفضّلي يا أمّ الخطّاب

أمّ الخطّاب: السّلام عليكم.

د. عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أمّ الخطّاب: بارك الله فيكم يا شيخ. في الآية الخامسة والثّلاثين من سورة التّوبة يقول الله عزّ وجلّ {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}[التوبة:35] لِما خصَّ الله عزّ وجلّ هذه الأعضاء بالذّات بالعذاب: الجباه، والجنوب، والظّهور، هل في ذلك حكمة؟

د:عبد الرحمن: نعم، بارك الله فيك شكراً جزيلاً بارك الله فيك. استوقفني يا دكتور محمّد أنّه بعد أن ذكر الصِّفات الكثيرة للمنافقين {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي} [التوبة:49] ومنهم ومنهم قال بعدها قال {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [التوبة:77] أقول ترسيخ هذا النِّفاق في قلوبهم أصبح عقوبةً لهم.

د. محمد: نعم عقوبة لهم لأنّهم ظهر نفاقهم في المحكّ، في الوقت الحرِج تماماً هنا لا يمكن؛ ولأجل ذلك أنا أقول لك هذه السورة سورة تصفية صفّت هذه الغزوة تماماً.

د. عبد الرحمن: ومن أسمائها يا دكتور محمّد من أسماء هذه السّورة الفاضحة.

د. محمد: الفاضحة، والمقشقِشة وإلخ سمّوها أسماء كثيرة 16 اسم وردت لهذه السّورة، فكلُّها فضحت المنافقين تماماً وأظهرتهم. هذه السّاعة كانت السّاعة محنة حقيقة، ولم يخرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ الصّادقون في ذلك؛ ولأجل هذا لمّا رجعوا هذه السّورة أنت تعرف بداية السّورة نزلت في آخر لمّا رجعوا من الغزوة هذه الآية الخامسة عشر الأولى نزلت بعد عودتهم من غزوة تبوك في التوبة. وهذا أيْضاً نكتة لطيفة هنا على قضيّة ترتيب المصحف أنّ التّرتيب توقيفي من عند الله تعالى، وإلاّ الّذي يقرأ سورة التّوبة يظنّ أنّ الأحداث هكذا تسلسلت ولا يستطيع أن يفصِلَ شيئاً، ولأجل هذا أذكر كلام جميل جدّاً لمحمّد عبد الله دراز في كتابِه الّذي عرضتموه أمس يقول في ذلك: “فأنّ القرآن الكريم كان في اللّوحِ المحفوظ مثل مبنى وكان محكَماً وأراد صاحبه أن ينقلَه من مكانٍ إلى مكان قبل أن يُؤمَر بنقله رقّم اللّبِنات، ثمّ أمر بنقلِها فَنُقِلَت من غيرِ ترتيب، ثمّ لمّا أصبحت كلّ المكونات في الطّرف الآخر أمر ترتيبيها فرجع مبنًى جميل مُحْكَم بمثلِ ما كان في الأول”. هكذا نزول القرآن الكريم نزل منجَّماً في بعض الآيات بينها سنة كاملة، في بعضها أولها في المكّي وآخرها في المدني يعني الّذي جاء بعد الهجرة.

د:عبد الرحمن: هذا يقودني يا دكتور محمّد لسؤال يسأله كثيرٌ من النّاس يعني في سورة التّوبة لماذا سورة التّوبة لم تبدأ بالبسملة؟ فبعض العلماء يقول لأنّها بدأت بالقتال والبراءة وإلخ لكن هناك سور أخرى في القرآن الكريم أُمِرَ فيها بالقتال، ومع ذلك بدأت بالبسملة مثل سورة محمّد فما هو الرّأي الذي يتبين لديك؟

د. محمد: يعني طبعاً نحن نعرف أنّ السّند أو الرِّواية الصّحيحة في ذلك أنّه لمّا سُئِلَ عثمان رضي الله عنه لِمَ عمَدْتُم إلى البراءة ولم تضعوا فيها البسملة؟ قال: “احتسبناها من الأنفال وكانت سورةً واحدة في موضوعِها” من جانب الموضوع فحسبناها منها فلم نضع البسملة، وإن كان بعض العلماء يبحثون عن العِلَّة. الحقيقة يجب هنا في مثلِ هذه الأمور أن نقف عند الثابت، الّذي ثبت أنَّ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقرأ في التّوبةِ بالبسملة، وهذا كان قبل ترتيب عثمان فلم يقرأ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبسملة أصلاً في التّوبة والقراءة سنّة متّبعة فنكون متابعين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولكن لا مانع أن نبحث عن العِلّةِ في ذلك، بعضهم قال: أنّ هذه السّورة فيها قتال، والبسملةُ فيها أمانٌ ورحمة، فكيف نبدأُ بالأمانِ والرّحمة ثمّ نأمُرُ بالقتالِ في ذلك؟! قالوا لأجلِ هذا الأمر حُذِفَت البسملةُ من ذلك؛ حتى يكونَ هناك الأمر بالقتال، القتال في هذه السورة كما قلت لكم على هذا الأمر كان في عهد وفي عصر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينما كان المشركون الوثنيّين تحرّكوا للقضاء على الإسلام والمنعِ من مَدِّهِ والمنافقون ساعدوهم في هذا الأمر فجاء هذا الأمر بالقتالِ لهم حتى لا يعودوا مرّةً ثانية إلى محاربة المسلمين، ولأجل هذا عمر بن الخطّاب أمّا لمّا سُئل في ذلك، في قضية الأسرى لما سُئل في هذا الأمر قال: حتى لا يعودوا مرّةً ثانية فيقاتلوا وحتى يهابنا المشركون فإذاً كان هناك هدفان حقيقة حتى لا يعودوا للأسرى مرّة ثانية ويُقاتلوا المسلمين مرّة ثانية في قضيّة الأسرى، وأيْضاً حتى يهابهم المشركون. فإذاً في قضية البسملة هنا لم تأتِ البسملة لأنّ الأمر كان في قتال، والبسملة أمانٌ ورحمة، والمسلم دائماً أمانٌ ورحمة، ولكن ماذا نفعل؟ إذا كان هؤلاء حتى الأشهر الحرم كما جاءت في السورة استغلوها لمحاربة المسلمين؟! ولأجل ذلك نحن في هذه الأشهر الحرم الأربعة ذو القعدة وذو الحِجّة ومحرم ورجب مأمورون أن نقف عن القتال تماماً أن لا نبدأ القتال بأحد وهذه كلُّها فرصة لأجل أن يُعيدوا النظر في مواقفهم من هذا الدّين الحنيف حتى يدخلوا فيه، ولكن هم إذا حاربونا ماذا نفعل؟ ليس لنا إلاّ أن نُقاتل.

د. عبد الرحمن: الحقيقة يا دكتور محمّد وأنت تتحدّث عن القتال سورة التوبة الحقيقة سورة مخيفة فيها كشف وفضْح لهؤلاء المنافقين، ولذلك يقول ابن عبّاس لا تزال السّورة تقول: “ومنهم” “ومنهم” حتى ما تركت أحداً فأنا أتخيّل وهي تنزل كلّ واحدٍ منهم حَذِر ولذلك عبّر الله فقال {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} [التوبة:64].

نختم والحقيقة الوقت ضيِّق وضاق علينا يا شيخ محمد لكن نريد أن نجيب على سؤال الأخ عبد الله يقول: في قوله تعالى {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:110] يقول: مَن هم هؤلاء؟ هل هم المنافقون؟

د. محمد: هم المنافقون.

د. عبد الرحمن: وهو إشارة إلى المسجد الّذي بنوه {الّذين اتّخذوا مسجداً ضرارً} .

د. محمد: أنا أريد هنا الحقيقة إن كان عندك وقت.

د. عبد الرحمن: دقيقة.

د. محمد: نعم، الأمر بإعداد العِدّة لإرهاب للعدو لأنّه هذا حديث السّاعة، نحن لا نقاتلُ أحداً، ولا نأمُرُ أحداً بالدّخولِ في ديننا، ولكننا مأمورون بنشرِ دين الله تعالى، فنحن ننشر ونسير في طريقنا بأمان ولا نتعرَّضُ لأحد نُسمعهم كلام الله تعالى ثمّ هم أحرار {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] ولكن إن أتى حاجزٌ أمامنا في طريق الدّعوة ومنعنا من نشر هذه الدّعوة، نحاول أن نتفاداه هذه المرّة ونمشي في طريقنا في تبليغِ دعوة الله، إذا كان هذا العائق صلْباً لا بُدَّ لنا أن نحطِّمَ جزءاً منه حتى نمرّ، ولأجل هذا نحن غير مأمورين أن نقاتلهم كلّهم فإذاً نحن نعِدُّ العِدّة. والعِدّة جاءت نكرة مطلقة حتى يدخل في ذلك الإعداد في السّلاح ويدخل في ذلك الإعداد بناء الفرد المسلم وثقيفه وربطه بعقيدته وبربّه هذا من الإعدادِ للقوّة، يدخل في ذلك معرفة الآلات والأجهزة الحديثة في ذلك الإعداد للقوة، يدخل في ذلك تربية الجندي المسلم كيف يصمُدُ في المعركة، وكيف يصمد حتى الرجل الإعلامي الحقيقة لازم أن يُعِدَّ العِدّة لهذا الأمر، هو في حواره وفي نقاشه وهكذا هذا كلّه يؤدّي إلى هذا الأمر فإذن هنا العدّة مطلقة والأصل في ذلك ليس لقتل الأعداء ولكن لإرهابهم حتى لا يتعرّضوا لنا ويقتلونا. نحن أُمّةٌ نريد أن نبلِّغ كتاب الله تبارك وتعالى بأمانٍ وسلام من آمن فليُؤمن ومَن كفر فليكفر {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] ولكن إن جاءنا مَن يُعيقُ هذا الأمر ويقع أمامنا لا بدّ لنا أن نشق وأن ننفّذ كلام الله تبارك وتعالى لبتليغ دعوته.

د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا شيخ محمّد ويبارك فيك نفع الله بك وجزاك الله خيراً. الحقيقة كلّ محور من المحاور يستغرقُ حلقات وأنا كلّما رأيت المحور ونظرت إلى الساعة حزنت حقيقة.

د. محمد: يعني أنتم لو قسّمتموه حسب السّور كان 114 يوم أنتم قسّمتموها بالأجزاء فصارت ثلاثين يوماً.

د:عبد الرحمن: نعم لأن شهر رمضان ثلاثين يوم فقط، أشكر الحقيقة شكراً جزيلاً على ما تفضلت به. أشكركم أيُّها الإخوة المشاهدون وأشكر باسمكم جميعاً أخي العزيز [محمد صفا بن شيخ الحقي العدواني الأستاذ بجامعة الإمام، المتخصِّص بالدّراسات القرآنيّة والمشرف على موقع سند التّابع لرسالة الإسلام.

د. محمد: أشكر الإخوان وأعتذر للإخوة الّذين ما أجبنا على أسئلتهم.

د:عبد الرحمن: وبالنسبة للأسئلة الّتي سُئلنا فسنجيب عنها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى. أُكرر شكري لكم جميعاً وأراكم غداً بإذن الله تعالى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://www.youtube.com/watch?v=xB9hHBXLajo&feature=relmfu