برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء العشرون

التفسير المباشر

الحلقة العشرون

20-9-1429هــ

د:عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين سيّدنا ونبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

مرحباً بكم أيُّها الإخوة المشاهدون في حلقةٍ جديدةٍ من حلقاتِ برنامجكم اليومي [التفسير المباشر] اليوم هو العشرون من شهر رمضان المبارك من عام تسعةٍ وعشرين وأربع مئةٍ وألف.

وحديثُنا بإذن الله تعالى سوف يكون عن الجزء العشرين من أجزاء القرآن الكريم، وضيفُنا في هذا اللّقاء هو فضيلةُ الشيخ عبد العزيز الدّاخل، المستشار بوزارة الشّؤون الإسلامية والأوْقاف والدّعوةِ والإرشاد، ومدير معهد آفاق التّيسير الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وهو عضوٌ أيْضاً في ملتقى أهل التفسير، حياكم الله يا شيخ عبد العزيز معنا في هذا اللّقاء.

الشيخ عبد العزيز: بارك الله فيكم ونفع الله.

د:عبد الرحمن: أيّها الإخوة المشاهدون أذكركم قبل أن نبدأ في حوارنا مع الشيخ عبد العزيز في هذه الحلقة بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم التّواصل عن طريقها الهاتف ( 012085444 ) أو ( 014459666 ) والهاتف الجوال الّذي يمكنكم التواصل عن طريق الرسائل ( 0532277111 ) والهواتف سوف تظهر معكم على الشاشة تِباعاً، كما يمكنكم التواصل عن طريق ملتقى أو منتدى البرنامج [tafseer.net ] ضمن ملتقى أهل التفسير فحياكم الله جميعاً يا شيخ عبد العزيز حياكم الله أيّها الإخوة المشاهدون معنا في هذا اللّقاء.

قبل أن نبدأ حوارنا يا شيخ عبد العزيز حول هذا الجزء أريد أن أُنَبِّه الإخوة المشاهدين إلى أنّ الجزء العشرين يبدأ من الآية: السّادسة والخمسين من سورة النّمل، مع سورة القصص، حتى الآية الخامسة والأربعين من سورة العنكبوت. وقد تعوّدنا أن نذكر لهم أبرز الموضوعات الّذي اشتمل عليها الجزء الّذي نتحدّث عنه:

  • سورة النّمل من السّور المكيّة الّتي تهتم بالحديث عن أصول العقيدة: التّوحيد والرّسالة.
  • وتناولت السورة الحديث عن القرآن العظيم أيْضاً.
  • ثمّ تحدّثت بالتّفصيل عن قصّة داوود وولده سليمان وما أنعم الله عليهما به
  • ثمّ تناولت السّورة الكريمة الدّلائل والبراهين على وجود الله ووحدانيّته.
  • أمّا سورة القصص فهي سورة مكيّة أيْضاً تهتمّ بجانب العقيدة التوحيد والرسالة والبعث، وتفصّلُ ما أُجمِلَ في السّورتين الَّلتين سبقتها
  • وأمّا سورة القصص فتدور على الحقّ والباطل والإذعان والطّغيان وأشكال الصّراع بين جند الرّحمن وجند الشّيطان.
  • وأمّا سورة العنكبوت: فهي كذلك مكيّة وموضوعها العقيدة في أصولها الكبرى وتدور حول الإيمان وسنّة الابتلاء في هذه الحياة.

هذه أبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء، وهناك الكثير الحقيقة ممّا يمكن أن نتحدّث عنه يا شيخ عبد العزيز في هذه السورة أو في هذا الجزء من أجزاء القرآن الكريم وهذه السور العظيمة الّتي سوف بإذن الله نُشير إشارات إلى أبرزِ ما فيها. بدايةً يا شيخ عبد العزيز نريد أن نعطي الإخوة المشاهدين إضاءة حول موضوع سورة النّمل والقصص والعنكبوت، ثمّ بعد ذلك نبدأ في تلقّي الاتّصالات والأسئلة إن شئتم.

الشيخ عبد العزيز: بسم الله الرّحمن الرّحيم، أحمد الله عزّ وجلّ وأُثني عليه وأُمَجّده بما يحبه من المحامد والثّناء والتّمجيد فهو أهل الحمد والثّناء والمجد، لا مانع لِما أعطى ولا مُعْطِيَ لِما منع ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منه الجدّ، خلق فسوّى وقدّر فهدى، وكفى وآوى وأغنى وأقنى، له الأسماءُ الحُسنى والصّفات العُلا {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ}[القصص: 70] وأُصلّي وأُسَلِّمُ على نبيِّنا الكريم ذو الخُلُقِ العظيم والهدي القَويم نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10].

لا شكّ أنّ القرآنَ كتابُ هدايةٍ ورحمةٍ للمؤمنين، وأنزله الله عزّ وجلّ لهم ليُخرِجَهم من الظّلُماتِ إلى النّور، ولِيَهْدِيَهم إلى ما فيه خيرهم ونجاتهم في الدّنيا والآخرة، وتتجَلّى فيه رحمة الله عزّ وجلّ بعباده المؤمنين، وهذا الجزء الّذي سنتدارسه بإذن الله تعالى تتجلّى فيه مقاصد القرآن العظيم، فهو كتابُ هدايةٍ ونور. فسورة النّمل هي سورةٌ مكيّة، نزلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في أوج مواجهته مع المشركين ودعوتهم إلى الحقّ، وعانى منهم أذًى شديداً وحسداً وبغيًا وتكبُّرًا وجميع أنواع الأذى، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو سيّد أُولو العزمِ من الرّسل، وفي الحديث “إنّ أشدّ النّاسِ ابتلاءً الأنبياء فالأمثل فالأمثل” والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو أمثل الأُمّة لذلك كان الأذى عليه شديداً. وأنزل الله عزّ وجلّ عليه هذه الآيات ليست جملةً واحدة، بل كما قال الله عزّ وجلّ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}[الفرقان:32] ليُثبّت الله عزّ وجلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوته للمشركين. الإنسان عندما يدعو النّاس إلى أمر يخالفهم فيه، لا بدّ أن يكون على يقين بأنّ ما لديه حقّ؛ لذلك تجد هذه السور تثبّت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه على الحقّ ولا يخاف ولا يحزن ولا يضطرب ولذلك الله تعالى في مطلع السورة ونلاحظ أيْضاً تناسب المطالع والمقاطع.

سورة النّمل في أوّلِها قال: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}} وهذا له أثر على نفس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلا يخاف ولا يحزن ولا يتردّد ولا يضطرب، بل يقول الحقّ صادِعاً به؛ لأنّه من لدن الحكيمٍ العليم. وقال في آخرها {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ {79}} والحقّ بيِّن ظاهر. وكون الإنسان يعلم الدّاعي يعلم أنّه على حقّ وعلى بيّنة لا بدّ من الشّجاعة والإقدام في الحق ويورث القوّة في منطقه وفي كلامه، ولو تأمّلت قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}} تجد أنّ مجال التّفسير، وكلام العلماء في التّفسير والمؤلّفات في التّفسير ممّا هي لتقريب السّور وتوضيح المعنى؛ لذلك تجد في الكلمة والمفردة أقوال لأهل العلم هي من باب تقريب السورة لذهن القارئ، وإلاّ ما وراء ذلك من المعاني العظيمة فهذا أمر لا تحيط به العبارة.

د:عبد الرحمن: وأفضل ما يُعَبَّر عنه بالآية نفسها.

الشيخ عبد العزيز: بالآية نفسها؛ ولذلك قد يتساءل بعض طلاّب العلم لماذا بعض الأئمة الكبار ليست لهم مؤلّفات في التفسير؟ تجد لهم كلام بليغ وقوي وعظيم، فلو أنّهم وظّفوا هذا في التّفسير لكان خيراً عظيم، والجمهور لهم بعض الرّسائل الّتي تدلّ على ذلك، والكتابة التفسير كامل في القرآن العظيم على هذا المنحى أمر لا يستطيعه أي أحد فهو أمر عظيم، ثمّ أيْضاً النّاس يتفاوتون في إدراكهم وفهمهم.

فعلى سبيل المثال مثلاً ابن القيّم رحمه الله له رسالة في تفسير ذكره في كتابه الفوائد في تفسير قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: 24] في سورة الأنفال، وذكر أيْضاً ابن القيّم له رسالة اسمها مؤلّفات ابن تيمية ذكر فيها أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية له رسالة في تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}. السّيوطي لمّا تمكّن من علوم الآلة وكتب فيها كتب رسالة في قوله تعالى {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}[البقرة: 257] ذكر فيها مئةً وعشرين وجهاً بلاغيّاً من هذه الآية، اسم الرسالة: “فتح الرّبّ الجليل للعبد الذليل” وهذا يدلك على أن القرآن ومعاني القرآن عظيمة ولا تحيط بها العبارة وأنّ ما يذكره المُفَسِّرون في كتبهم وإن كَثُرَت، فإنَّما هي لتقريب السّورة وتوضيح المقصد. ففي قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} تجدها تشعر المؤمن بالسّمو والرّفعة؛ لأنّه يتلقّى القرآن من الله عزّ وجلّ ولا يستوي مَن يتلقّى دينه الّذي يسير عليه من الله عزّ وجلّ لا يستوي هو ومَن يتلقّى دينه من الخرافات والأساطير، ولذلك لو رأيت كلّ أهل الأديان غير الإسلام تجدهم على ضلال مبين ولا يستوي هذان؛ ولذلك المؤمن إذا شعر أنّ دينه متلقّى من الله عزّ وجلّ هذا يشعره بالسُّموّ والرّفعة وصلته بالله عزّ وجلّ ولذلك أنّ هذا القرآن يتلقّاه من الله الحكيم العليم، وهذا التنكير (حكيم عليم) للتفخيم أو كما يذكره العلماء. فالقرآن حكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومحكم، وأيْضاً أنزله الله عزّ وجلّ على علم فهو يعلم ما يحتاجه النّاس ويعلم الشرائع التي فيه مفصّلة إنّما أُوتيته على علم، وما أمر الله عزّ وجلّ به المرسلين هو مبنيٌّ على علم وما أمر به عباده المؤمنين مبنيٌّ على علم، وما نهى عنه مبنيٌّ على علم فهو على علم، فلذلك المؤمن إذا تلقّى هذه الآية {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}} تجده يُشعر المؤمن بقوة الثقة.

د:عبد الرحمن: وأيْضاً يعني تأكيداً لكلامك يا شيخ عبد العزيز الآيات المكيّة أو السّور المكيّة الّتي تتحدّث عن القرآن العظيم تُشير إلى هذا المعنى الّذي تفضّلتم به في قضيّة إثبات للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ هذا القرآن من حكيم ومن عليم وأنّه كتابٌ مُحْكَم وكتابٌ مُفَصَّل؛ ولذلك تجد مثل هذه الآية {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}} وفي سورة هود قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1}} لاحظ حكيم وخبير وعليم كلّها أوصاف تُشعِر بإحاطة علمه وخبرته وحكمته سبحانه وتعالى، وهذا يزرع الثّقة كما تفضّلت في مواجهة المشركين والصّادّين والمكذّبين. هل ترى أنّ موضوع سورة النّمل إن صحّ التعبير أنّها حول موضوع ماذا يعني؟ الحديث عن العقيدة؟ عن القرآن الكريم؟ عن ماذا؟

الشيخ عبد العزيز: هو لها عدّة موضوعات إن أردت أن نُفَصّل فيها تفصيلاً أدقّ، لكن روح السّورة ومقصودها يُفهَم من وقت نزولها فهي نزلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مكّة في تكذيب المشركين له ودعوتهم إياه إلى الحقّ؛ لذلك ورد فيها آيات عظيمة، النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو المشركين ويُبَيّن لهم الآيات فَيُواجَه بالاستكبار، فقال الله عزّ وجلّ، هذا كما حصل أيضاً لموسى وقومه لموسى مع فرعون وقومه فإنّ الله عزّ وجلّ قال: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {13}} .

د:عبد الرحمن: وهي آيات مبصرة بمعنى أنّها ظاهرة واضحة وبيّنة.

الشيخ عبد العزيز: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}} بعض العلماء تلمّسوا الحكمة في التعبير بـ (مبصرة) {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} تفاسير السلف أنّها بيِّنة وظاهرة وواضحة سبب العدول عن هذا طبعاً بيّنة وواضحة هذا تفسير بلازم المعنى، وهذا مسلك من مسالك التفسير، لكن معنى (مبصرة) نفسها وسبب اختيار هذا اللّفظ على غيره تلمّس بعض العلماء الفائدة والحكمة من ذلك. أقرب مَن وجدت إلى هذا أصاب المعنى المراد والله تعالى أعلم الزمخشري في الكشّاف، لكن كانت العبارات فيها شيء من الاقتضاب والتقصير؛ لأنّها تحتاج إلى توضيح وتبيين.

د:عبد الرحمن: هو كعادته عبارته مختصرة لكنّه مركّزة.

الشيخ عبد العزيز: فلذلك تركها بعض مَن ينقل عن الزمخشري، الرازي.

د:عبد الرحمن: ماذا يقول فيها؟

الشيخ عبد العزيز: قال: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} قال: “نسب الإبصار إليها على اعتبار أنّهم لابِسوها” لكن توضيح للمعنى نقول: أنّ الإبصار يُطْلَق على الشخص المبصِر وعلى الأداة الّتي يبصِر بها، فيُقال أنّ زيد يبصر والعين تبصر وهذا إطلاق حقيقي. فهذه الآيات هي ممّا يُبْصَرُ به الحقّ فهي مبصرة الحقّ فيها واضح وجلي وبيّن، ولكنّهم جحدوا واستكبروا؛ لذلك قال: { فَظَلَمُوا بِها } وليس حقّها أن تُجْحَد، حقُّها أن يُهْتَدى بها، لكنّهم ظلموا بها فلم يهتدوا بها.

د:عبد الرحمن: ولذلك عبّر الله عنهم وعن قوم ثمود في سورة فُصِّلَت قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت:17]. في قصّة سليمان وداود يا شيخ عبد العزيز في سورة النّمل أليست من القصص الّتي يمكن أن نسلّط عليها الضّوء؟

الشيخ عبد العزيز: فيها قصص وفيها عبر عظيمة نزلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولعلّ من مقاصدها أنّ الله عزّ وجلّ مكّن لداوود، ثمّ مكّن لسليمان تمكيناً عظيماً وآتاه مُلْكاً عظيماً، وهذا وإن كانت قصّة انتقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكنّها تُبَيّن قدرة الله عزّ وجلّ فلو شاء الله عزّ وجلّ لجعلك مَلَكاً رسولاً فلا تحزن، لذلك خُيِّرَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تختار مَلَكاً رسولاً أو عبداً مرسلاً فنظر إلى جبريل فأشار إلى جبريل أن تواضع فقال: أختار أن أكون عبداً رسولاً.

د:عبد الرحمن: ولذلك كنّا نتحدّث أمس يا شيخ عبد العزيز مع الشيخ فهد أمس حول كيف وصف الله عبدَه محمّد صلّى الله عليه وسلّم بوصف العبوديّة في أشرف المواطن الّتي شرّفه بها، فوصفه بوصف العبوديّة عندما تلقّى القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف:1] وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}[الإسراء:1] وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[الجن:19] فوصفه بوصف العبوديّة في مواطن شرف.

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15}} يعني لو تعطينا لمحة عن هذه القصّة، قصة سليمان في هذه السورة سورة النمل؟ وقد استأثرت بجزء كبير من السورة.

الشيخ عبد العزيز: هي قصّة من القصص العجيبة الّتي مكّن الله عزّ وجلّ، ذكر الله عزّ وجلّ تمكينه لسليمان عليه السّلام وأتاه فضلاً عظيماً، والفضل هو التفضيل وجعله في مرتبة أعلى من غيره فكان هذا فضلاً مبيناً؛ لذلك قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16}} البيّن هذا هو الفضل البيّن الواضح، ثمّ ذكر الله عزّ وجلّ ما سخّره لِسُلَيْمان.

د:عبد الرحمن: والتنكير هنا يا شيخ عبد العزيز {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} أليس هنا التنكير للإشارة إلى العلم وسعته؟.

الشيخ عبد العزيز: نعم وهو من معاني التنكير التفخيم، وكذلك مكّن الله عزّ وجلّ له الطّير، ومكّن له الوحوش، ومكّن له الجنّ، مكّن له الرّيح، وهذا مُلك لا ينبغي ولا يمكن لأحد في الدّنيا أن يناله، مهما سمت همّته، مهما بلغت أمانيه ما بلغت لم يملك أن يُسَخّر الرّيح أو يسخّر الجنّ.

د:عبد الرحمن: صدقت، ولو استطاع غيره من الملوك مُلك الثروة لكن لا يستطيع أن يسخّر مثل هذه المخلوقات إلاّ بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى. نستطرد في هذه القصة إن شئت إن كان لك فيها

الشيخ عبد العزيز: هذا بالنّسبة للقصّة، ثمّ أيضاً ذكر فيها أيْضاً، طبعاً هناك لطائف ذكرها بعض العلماء في قوله تعالى {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {20}* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} بدأ بأسلوب العذر يعني ما أتى بأسلوب أو جعلها في الأخير العذر، وهذا ممّا يقتضيه رهبة الملك قال: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {21}} العذر في الأخير، لذلك هذا أيْضاً يُرهِب مَن حوله.

د:عبد الرحمن: يعني هذه من التصرفات الّتي يتصرّفها الملوك.

الشيخ عبد العزيز: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ {22} إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} هذا أمر غريب في زمانه {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ {23}} طبعاً لفظ (كلّ) ظاهر في العموم لا يقتضي الاستغراق في جميع الجزئيّات.

د:عبد الرحمن: هذا سؤال يُسْأَل دائماً هل معنى {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يعني أنّها أُوتيت كلَّ شيء وإلاّ المقصود بها

د. عبد العزيز: لفظ كلّ ظاهر في العموم على درجات، هناك عموم الاستغراقي الّذي لا يخرج عنه شيء {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وهناك عموم ظاهر يعني يفسّر في السياق بحسبه كما قال تعالى يمثّل به بعض المفسّرين في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] المساكن ما دُمِّرت، فهنا (كلّ) ظاهرة في العموم. {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ {23}} هذا للتنكير أيْضاً والتّفخيم العلماء اختلفوا في قضيّة العرش العظيم على قولين:

  • أنّه عظيم في كِبَرِه.
  • القول الثاني وهو الأرجح أنّ عظيم في أوصافه وما زُيِّنَ به. حتى بعضهم ذكر من شدّة وصف العظيم قال هذا لو جلست فيه لما أُرِيَت، يعني لو كان بهذه الفخامة.

د:عبد الرحمن: هذا بالنسبة لسورة النّمل يا شيخ عبد العزيز، بالنّسبة لسورة القصص يعني إضاءة سريعة حولها قبل أن تأتينا اتّصالات الإخوة المشاهدين، في موضوع سورة القصص وأبرز الموضوعات الّتي فيها قصّة موسى عليه الصّلاة والسّلام.

الشيخ عبد العزيز: في قصّة موسى قصة عجيبة جدّاً، وينبغي أن يتأمّلها جميع المؤمنين على طبقاتهم الملوك الحكام. وأصحاب الأموال المستضعفين أصحاب الحِرَف والمِهَن، فهي فيها آيات وعِبَر عظيمة جدّاً، وفيها من براعة الاستهلال شيء عظيم جدّاً يُدهش قلب المؤمن، لخصّ الله عزّ وجلّ القصّة في ثلاث آيات ثمّ بدأ بالتفصيل قال لفرعون {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى} النّبأ في اللّغة هو: الخبر العظيم.

د:عبد الرحمن: لو تأذن لنا يا شيخ عبد العزيز نتوقف لفاصل قصير ثمّ نعود نتحدّث عن موضوعات سورة القصص فابقوا معنا أيُها الإخوة المشاهدون.

…………….فاصل………………

د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوة المشاهدون مرّةً أخرى كنا قبل الفاصل نتحدّث مع ضيفنا قبل الفاصل الشيخ عبد العزيز الدّاخل حول موضوع سورة القصص، نعود يا شيخ عبد العزيز إلى الموضوع الرّئيسي لسورة القصص كمدخل في هذا اللّقاء، تفضل

الشيخ عبد العزيز: لو تأمّلنا سورة القصص وحاولنا نستخلص منها موضوعاً محدّداً يعني قد يكون هو روح السّورة نفسها نجد أنه غالباً في التمكين تمكين المستضعفين الّذين هم على الحق إذا صبروا وكانوا موقنين فإنّهم بإذن الله عزّ وجلّ يمكّنوا؛ لذلك قال العلاّمة الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال في هذه السّورة لم يبن سبب جعلهم أئمة بيّنه في سورة السجدة في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24}} [السجدة:24] فلذلك هذه السورة كما قلت فيها براعة استهلال عظيمة جدّاً قال عزّ وجلّ: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} ثم لخصّ القصّة في ثلاث آيات {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {4} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6}}

د:عبد الرحمن: ثلاث آيات فيها الخلاصة.

الشيخ عبد العزيز: فيها الخلاصة ثمّ بدأ بالتّفصيل لو تأمّلت وهذه القصّة لا يُراد منها مجرّد التّسلية وتسلية الوقت، إنّما فيها آيات وعبر عظيمة جدّاً؛ كسائر قصص القرآن، ولذلك تجد تعقيبها بِما يُوحي بإرادة العموم والعدول في بعض الألفاظ من المبني للمعلوم إلى المبني للّذي لم يُسَمّى فاعله لغرض أراده سبحانه وتعالى، هنا قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي طوائف، يعني فِرَق ورسّخ مبدأ الطبقية، طوائف مستضعفة طبقة كادحة وطوائف ممكّنة يظلمون مَن تحتهم، هذا عاقبته وخيمة، وأنّه كما قال ابن خلدون وهو استقرأ التاريخ استقراء طويلاً مسهباً قال في مقدمته قال: فصلٌ بأنّ الظلم مؤذنٌ بخراب العمران وزوال البنيان

د:عبد الرحمن: واستدلّ بمثل هذه الآيات القرآنية.

الشيخ عبد العزيز: قال تعالى في الآية الأولى {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ} في الآية الّتي تليها قال: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} هذا يستفيد منها المستضعفين أيْضاً من غير بني إسرائيل هؤلاء.

د:عبد الرحمن: إذا كنّا نقول أنّ سورة القصص هي عن التمكين للمؤمنين والصابرين والمجاهدين جاءت بعدها سورة العنكبوت فتحدثت عن الموضوع في أولها {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2}} فما هو الموضوع برأيك سورة العنكبوت وما علاقتها بسورة القصص؟

الشيخ عبد العزيز: الّذي يظهر أنّ سورة العنكبوت هي في الفتنة والابتلاء يعني موضوعها في أوّله في آخره في أثناء ما ذكر الله عزّ وجلّ فيها عن موضوع سرّ النّجاة من هذا الابتلاء وسب النجاة ممّا يُراد من المؤمن عندما يُبتلى من الصبر والترتيب بين سورة القصص والعنكبوت فلعلّ والله أعلم أنّ لمّا كانت سورة القصص فيها التّمكين واشرأبّت النّفوس للتّمكين جاء الحديث عن الابتلاء فبيّن أن التّمكين ما يكون إلاّ عن ابتلاء

د:عبد الرحمن: ولذلك حتى في آياتٍ أخرى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ} حتى يقول الأتباع؟ قال: لا {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} نفسه الرّسول {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ {214}} فعلاً هذه مناسبة دقيقة وجميلة فعلاً .

الشيخ عبد العزيز: حتى نقل شيخ الإسلام عن الشافعي رحمه الله تعالى أنّهُ سُئِل سُئِلَ الشافعي: أيُّهما أفضل للعبد أن يُمَكَّن أم يُبْتَلى؟ فقال: لا يُمَكَّن حتى يُبْتَلى.

د:عبد الرحمن: وأذكر كلمة جميلة يقول ابن تيمية يقول: بالصّبر واليقين تُنال الإمامة في الدّين. إشارة إلى الآية الّتي ذكرتها في سورة القصص في قوله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24}} [السجدة:24] يعني لا بدّ من الصّبر واليقين، والصبر لا يكونُ إلاّ على الابتلاء الّذي ذكرت.

الشيخ عبد العزيز: نلاحظ في سورة القصص أيْضاً ذكر بعض الدّقائق اللّطيفة الّتي ربّما لو أراد الإنسان أن يذكر قصّة أو يقصّ قصّة لأغفلها ولم يرَ لها أيَّ فائدة، لكنّ الله عزّ وجلّ ذكرها تنبيهاً للمؤمنين وهي {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ {22}} هذا الدّعاء له شأن عظيم؛ لذلك قال ابن عبّاس: توجّه موسى نحو مدين ولم يكن له علم بالطّريق إلاّ حسن ظنّه بربّه.

د:عبد الرحمن: لالله أكبر! ا يعرف الطريق ولا يعرف.

الشيخ عبد العزيز: خائف يترقّب وخرج منها.

د:عبد الرحمن: والمسافة أذكر يا شيخ عبد العزيز أنا رجعت وحاولت أنّي أحسب وأُقَرِّب المسافة الّتي مشاها موسى عليه الصّلاة والسّلام عندما خرج من مصر إلى مدين فوجدتها تُقارب الألف كيلو متر مشاها خائفاً وعلى رجله ولا يعرف الطريق وليس معه إلاّ – كما تفضلت – حسن ظنه بربه.

الشيخ عبد العزيز: وكذلك لمّا سقى للفتاتين قال {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24} فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا}.

د:عبد الرحمن: الله أكبر مباشرةً.

الشيخ عبد العزيز: إيه، الدعاء وتعلّق القلب بالله عزّ وجلّ من أعظم أسباب التوفيق.

د:عبد الرحمن: الله أكبر، في قصّة موسى هنا عليه الصّلاة والسّلام وما دار بينه وبين الرّجل، وهنا مناسبة يا شيخ عبد العزيز، يعني كثيرٌ من النّاس يسأل مَن هو أبو الفتاتين الّذي استقبل موسى والّذي أكرمه وزوّجه إحدى بناته؟؟ بعض كتب التفسير تقول: أنّه شُعَيب عليه السّلام، وبعض كتب التفسير تُرَجّح أنّه ليس شُعَيب، ويقولون المدّة بين موسى وبين شُعَيْب مدّةٌ كبيرةٌ جدّاً، وموسى لم يُدرك شُعَيْب، فأيْضاً هناك قضايا وهي قضيّة الاستنباط من قصّة موسى في هذه القصّة بالذّات يعني، أودّ أنّك تُسلّط الضّوء على قصّة شعيب هذه وما رأيك أنت فيها؟

الشيخ عبد العزيز: ظاهر القرآن والله تعالى أعلم يدل على أن قصة موسى بعد شعيب بزمن ذلك أنّ الله عزّ وجلّ ذكر لمّا ذكر إلى قوم لوط قال الله عزّ وجلّ في قصة شعيب قال: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ {89}} [هود:89] قصة شعيب ولوط كان معاصراً لإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام هذا يدلّ على أنّهم قريب؛ لذلك الآيات فيها والعِظة قريبة، هذا على القول وموسى بعده بزمن، لذلك العلماء طبعاً هذه ليس فيها نصّ في اسم صح أبو المرأتين لذلك قال ابن كثير لو كان أبوهما شعيب لأوشك القرآن أن ينُصّ على ذلك.

د:عبد الرحمن: جميل جدّاً. في الحقيقة تأتي مثل هذه الأسئلة مثل قوله سبحانه وتعالى هنا {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} ما هو المقابل يا عمّ؟ قال: {عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} تشتغل عندي ثمان سنوات فاستنبط منها من يستنبط من مثل هذه القصة قال يجوز أن يكون المهر أُجْرة يعني ما يكون نقود، لكن تشتغل عندي ثمان سنوات هذا مهر ابنتي، مثل هذه القصة نريد أن نتحدّث عنها يا شيخ عبد العزيز بعد الفاصل، نستأذنك ونستأذن الإخوة المشاهدين لدينا تعريف بكتاب هذه الحلقة ثمّ نعود إليكم فانتظرونا.

************************

فاصل: التعريف بكتاب

تفسيرُ القرآنِ العظيم المشهور بتفسير ابن كثير

مُؤلِّفُ هذا التفسير هو العلاّمة إسْماعيلُ ابنُ عُمَر ابنُ كثير الدّمشقي، المُتَوَفّى سنة سبعِ مِئة وأربعةٍ وسبعين للهجرة.

وقد رُزِقَ تفسيره هذا قَبولاً واسعاً عند العلماء قديماً وحديثاً، وحظِيَ بعنايتهم منذ ألّفه مُؤلّفه حتى اليوم. ويُعتَبَرُ تفسيرُ ابنُ كثير من أهمِّ تفاسير المحدِّثين لاعتباراتٍ متعدّدة منها: كثرةُ المصادر الّتي ذكرها من كتب التفسير والحديث، والإكثارُ من النقلِ عنها، ذكرُ المواضع المتعددة للحديث الواحد في الكتاب الواحد، وعدمُ الاكتفاءِ بحديثٍ أو اثنين، بيانُ درجة الحديث، وذكرُ الثّقاتِ والضّعفاءِ والمجاهيل من الرُّواة على ضوءِ ما قاله علماء الجَرْحِ والتّعديل، تحذيرُ ابنُ كثير المتكرّر من الإسرائيلِيّات والرِّوايات المضطربة في التفسير والحديث ونقده لها، تأخّره زمنيّاً حيثُ عاش في القرن الثامن الهجري ممّا وفّر له عدداً هائلاً من المصادر والمراجع. وقد صدر الكتابُ في خمسة عشر مجلّداً من مكتبةِ أولاد الشيخ بالقاهرة عام ألفٍ وأربعِ مئة واثنيْ عشر للهجرة بتحقيق مصطفى سيّد محمّد وزملاؤه الأربعة كما طبعته بنفس التحقيق دار عالم الكتب بالرّياض ووزارة الشّؤون الإسلاميّة السعوديّة، وهو تفسيرٌ مطوّلٌ جديرٌ بالاقتناءِ والقراءة.

*****************************

د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوة المشاهدون الكرام مرّة أخرى في برنامجكم التفسير المباشر وحديثنا اليوم مع ضيفنا الشيخ عبد العزيز الداخل عن الجزء العشرين من أجزاء القرآن الكريم. لا يزال حديثنا يا شيخ عبد العزيز عن قصّة موسى عليه الصّلاة والسّلام والّتي سُمِّيَت سورة القصص لأنّها تحدّثت بتفصيل عن قصّة موسى عليه الصّلاة والسّلام، وكنت ذكرت لك قضيّة أنّ كثيراً من المفسّرين ومن الفقهاء أيْضاً استنبط من هذه السورة أو من هذه القصة كثير من الأحكام الفقهية كالّتي ذكرتها أن يكون المهرُ إجارةً، ويذكرون قضيّة شرع مَن قبلنا. قبل أن نأخذ الجواب يا شيخ عبد العزيز تأذن لي آخذ اتّصال من الأخ أبو أحمد من السعودية، تفضل يا أبو أحمد حياكم الله

أبو أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو أحمد: حياكم الله يا شيخ عبد الرحمن وحيّا الله الشيخ عبد العزيز.

د:عبد الرحمن: الله يحيك.

أبو أحمد: الله يرفع قدرك. سؤالي يا شيخ بالنسبة لقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} في سورة القصص آية 85 يعني هذا التعبير كأنّه الوحيد في القرآن {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} مع أنّ القرآن أُنزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما معنى هنا قوله {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}؟

السؤال الثاني يا شيخ في قوله تعالى: لعلّي أتّصل إذا تذكرته كنت مجهزه ونسيت.

د:عبد الرحمن: لا بأس شكراً يا أبو أحمد. معنا الأخت أم عبد العزيز من السعودية تفضلي يا أم عبد العزيز

أم عبد العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أم عبد العزيز: لو سمحت عندي سؤال قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} هذا في الدنيا أم في الآخرة؟

وأيْضاً سؤال آخر {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} هناك وقف لازم والمعروف عن الوقف اللاّزم يجب الوقوف إذا وصلنا اختلّ المعنى فما المعنى الّذي يختل إذا وصلنا؟

هناك سؤال آخر في قصة لوط {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} وفي آيات أخرى { وَمَا كَانَ} أيْضاً قوله تعالى {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}[النمل:68] وفي آيات أخرى {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا}[المؤمنون:83] ؟ ولو سمحتم تنصحونا في كتاب للمتشابهات.

د:عبد الرحمن: المتشابهات اللّفظية أو المعنويّة؟

أم عبد العزيز: لا، المتشابهات اللّفظيّة.

د:عبد الرحمن: للحفّاظ يعني؟ يعني المتشابه اللّفظي هذا يستفيد منه الحافظ حتى لا تضطرب عليه الآيات، والمتشابه المعنوي يحتاج إلى

أم عبد العزيز: نعم الحافظ. وطريقة لمراجعة القرآن لو سمحتم.

د:عبد الرحمن::طيب بإذن الله شكراً جزيلاً لك.

نعود يا شيخ عبد العزيز لك إلى ما ذكرت لك في طريقة الاستنباط من قصة موسى عليه السلام.

الشيخ عبد العزيز: قضية شرع مَن كان قبلنا، جمهور العلماء على جواز أن يكون المهر بالإجارة خالف في ذلك المالكية قال الإمام مالك: لا يصحّ عندنا أن يكون المهرُ إجارةً، وهذه شرع مَن كان قبلنا الأصل فيه أنّه شرعٌ لنا ما لم يأتِ في شرعنا ما يُخالفه، وهذه لها بسط طويل في أصول الفقه، لكن هذا من حيث الأصل.

د:عبد الرحمن: أنّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ في شرعنا ما يُخالفه.

الشيخ عبد العزيز: فإذا ورد في الشرع؛ لأنّه هو على ثلاث مراتب:

  • أن يرِدَ في شرعِنا ما يُؤكّده؛ فهذا شرعٌ لنا؛ لأنّه استفاد منه الحكم الشرعي.
  • أن يرد في شرعنا ما يخالفه، فهذا بإجماع أنّه منسوخ ومخالِف.
  • أن يُسْكَتَ عنه يعني تكون قضيّة في الشرع لا تكون هناك دليل في المسألة إلاّ شرع مَن قبلنا، وهذا نادر أن تجد في مسائل الأحكام لا يوجد فيها دليل ولا أثر عن صحابي، مسائل الفقه، لكن من باب تقرير المسألة يُذكَر هذا، ويُذكَر كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح الورقات ذكر في قضيّة نسخ القرآن بالسّنّة وهل يمكن أن تنسخ السّنّة القرآن؟ فذكر كلاماً طويلاً، ثمّ لمّا قرّروا جوازه يعني من جهة عقله أنّ السّنّة يجوز أن تنسخ القرآن قال ولا يعرف له مثالاً.

د:عبد الرحمن: معنا الأخ عبد الرحمن من السعودية تفضل يا شيخ عبد الرحمن

عبد الرحمن: السلام عليكم ورحمة الله.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.

عبد الرحمن: أسأل الله أن يُذيقَنا وإيّاكم حلاوة القرآن.

د:عبد الرحمن: اللهمّ آمين.

عبد الرحمن: وأن يرزقنا وإياكم العيش مع كتاب ربّ العالمين سبحانه وتعالى. أقول يا شيخ الله يقول في سورة مريم: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا} ماذا بعدها يا شيخ؟ {وَبُكِيًّا} نحن نسجد يا شيخ كيف يحصل البكاء؟ نحن نسجد سجدنا الآن لكن ما بكينا لماذا يا شيخ لا نبكي؟؟ وقد تمرّ علينا آيات تهزّ الجبال، لكن ما نبكي لماذا ما هو السبب؟ تكفَى يا شيخ عطنا شيء يُرَقّق القلوب، وأنا أذكر يا شيخ مقولة لابن القيّم رحمه الله تعالى يقول: “اطلب قلبك في ثلاث مواطن: ” ذكر منها اطلب قلبك في القرآن فإن وجدته وإلاّ فاسأل ربّك أن يمنّ عليك بقلب فإنّه لا قلب لك”. أسأل ربّي أن يُذيقنا وإياكم حلاوة القرآن.

د:عبد الرحمن: اللهمّ آمين.

عبد الرحمن: أستودعكم الله.

د:عبد الرحمن: شكراً شكراً الله يحيك. معنا الأخ أبو عبد الرحمن أيْضاً من السعودية تفضل يا أبو عبد الرحمن

أبو عبد الرحمن: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو عبد الرحمن: مساكم الله بالخير.

د:عبد الرحمن: يا مرحباً بك.

أبو عبد الرحمن: أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لقيام ليلة القدر.

د:عبد الرحمن: والشيخ: آمين آمين آمين.

أبو عبد الرحمن: لي سؤال يا شيخ والله سبحانه يبشر عباده { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ {11}[البروج:11] {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13}} [النساء:13] وفي أخرى {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}[الأنعام: 16] هل ثمّةَ فرقٌ بين هذه الألفاظ، أم أنّها بمعنى واحد؟

وشكراً.

د:عبد الرحمن: جميل، جميل شكراً. الحقيقة الأسئلة جميلة الله يكتب أجركم جميعاً. نعود يا شيخ لقضيّة قصة موسى عليه الصّلاة والسّلام مع عمّه لأن الحقيقة – كما تفضلت – أنا بعدما تأمّلت في مواضع كثيرة ثبت أنّه ليس شعيب عليه الصّلاة والسلام مع أنّه تحمّس بعض المفسّرين إلى القول بأنّه شعيب عليه الصّلاة والسّلام لأسباب كثيرة، لكن الّذي يترجّح والله أعلم أنّه ليس شعيب عمّ موسى عليه الصّلاة والسّلام. مثل هذه الاستنباطات أن يكون المهر إجارةً، وأظنّ هذه قد تكون هي أبرز الأحكام الّتي استُنْبِطَت من هذه القصة.

الشيخ عبد العزيز: يعني أحكام فقهيّة؟

د:عبد الرحمن: فقهية نعم وهناك طبعاً فوائد كثيرة في آداب كثيرة مثل الحياء، ومثل البِرّ بِرّ موسى عليه الصّلاة سقى للفتاتين وهو لا يعرفهما، الأخلاق والوفاء بالعهد ونحو ذلك. أبو أحمد يبدو أنّه تذكر السؤال الثاني، تفضل يا أبو أحمد السلام عليكم. تفضل حياك الله عليكم السلام.

أبو أحمد: في قوله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} آية 25 فالآية تدلّ أنّ هناك مودّة بين المشرك والصنم والآلهة الّتي يعبدها والآلهة لا يكون لها حس فهي من الحجر والشجر فكيف جعل هذا المعنى الذي هو المودة يا شيخ؟ الله يرفع قدرك.

د:عبد الرحمن: شكراً شكراً لك بارك الله فيك. الأخ معنا متصل آخر أبو فوّاز تفضل يا أبو فواز

أبو فواز: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله. أريد أن أسأل عن الآية {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {110}} [الإسراء:110] وجزاكم الله خير.

د:عبد الرحمن: تريد معنى الآية يا أبو فواز؟

أبو فواز: نعم.

د:عبد الرحمن: أبشر حياكم الله. الأخت سارة من السعودية تفضلي يا أخت سارة

سارة: مساء الخير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

سارة: أول شي نهنئكم ونهنئ جميع المسلمين والمؤمنين بشهر رمضان المبارك. وأحب أن أسألكم سؤالين من فضلكم

السؤال الأول: لقد بحثتُ كثيراً في دين الإسلام بسنين عمري ولكن لم أوفق لمعرفة متى ابتدأنا بالصلوات الخمس وتحديد الوقت من فضلك والمكان لو سمحتم. أعلم أنّ الحكم تنزّل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بليلة الإسراء متى كان ابتداء صلاتنا ومتى ابتدأ حكم صيامنا بأيَّ وقت وأيّ زمن وأيّ بلد؟ لو سمحت. سأختم الله معكم وأود الجواب منكم.

د:عبد الرحمن: شكراً شكراً يا أخت سارة حسناً ستسمعين الجواب. نعود للأسئلة يا شيخ عبد العزيز حتى لا تضيع الأوقات الوقت يذهب علينا.

الأخ أبو أحمد يسأل سؤال في سورة القصص في آخرها وهي قوله سبحانه وتعالى: مُخاطِباً النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} يسأل يقول: ما المقصود بـ(فرض) هنا؟ لماذا لم يقل إنّ الّذي أنزل عليه القرآن؟ هنا يقول إنّ الّذي فرض عليك القرآن فما توجيهها؟

الشيخ عبد العزيز: هذا يُفهَم من سياق معنى السورة ومقصودها، فكما أنّ الله عزّ وجلّ ذكر له تمكين موسى عليه السّلام بعد أن كان مستضعفاً، وكان بنو إسرائيل مستضعفون، كذلك كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مستضعفاً في مكة وكان المسلمون مستضعفون، فبيّنّ لهم في البشارة في قصّة موسى عليه السّلام أن الله عزّ وجلّ أهلك عدوّهم ومكّنهم في الأرض، فكذلك الّذي فرض عليك القرآن من غير اختيار منك، فهو إلزام من الله عزّ وجلّ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بغير اختيارٍ منه لم يختر أن يُنَزَّل عليه القرآن، بل هو اصطفاء واختيار وإلزام من الله عزّ وجلّ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ولذلك اختلف العماء في {مَعَادٍ} وأجمعوا على أنّ (معاد) التنكير فيها للتفخيم؛ لذلك قال القرّاء: هو معادٌ والله وأيُّ معاد!. فبعضهم قال: المعاد إلى الجنّة وهذا قول الجمهور، وفي صحيح البخاري عن ابن عبّاسٍ: المعاد مكة. علّقه عن ابن عباس أنّ المراد معاد: مكة. وعلى كلا القولين فإنّ الله عزّ وجلّ سيمكّنهم أولاً بالعودة إلى مكة فاتحاً منتصراً وهم أذلاّء محتقرون، وله المعاد العظيم يوم القيامة.

د:عبد الرحمن: يصبح معنى الآية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} إنّ الّذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك تبليغه لرادّك إلى معاد وهذا ما يُنَبّه به الأخ أبو أحمد أن هذا ما يُسَمّى عند العلماء بالتضمين أن يُعَبّر بلفظة واحدة وتضمَّن معنين أو أكثر فتدلّ عليهما.

أيْضاً يقول في الآية الخامسة والعشرين من سورة العنكبوت وهي قول الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} يقول كيف ذكر المودّة بين المشركين وبين آلهتهم الّتي يعبدونها في الدنيا.

الشيخ عبد العزيز: هذه أحد المعنينين في قوله {مَوَدَّةَ بينكم} المودة بينكم تشمل الأتباع والمتبوعين، وأيْضاً تشمل مودّتهم لآلهتهم، وهذا من عقوبتهم في الدّنيا أنّهم لمّا استحَبّوا العَمى على الهدى، واستحبّوا الشرك على التوحيد ابتُلوا بأن يُحَبَّب هذا الشرك إليهم كما قال الله عزّ وجلّ في أصحاب العجل { وَأُشْرِبُوا العِجْلَ في قُلُوبِهِمْ } {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} وقال أيْضاً: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}[البقرة:165] ابتلاء من الله وعقوبة، وكذلك وهذه فائدة يحسن التوقّف عندها في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } في أول سورة النمل { فَهُمْ يَعْمَهُونَ {4}} وقال في آخر السورة {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ {66}} هذه آيات عظيمة فلمّا لم يُؤمنوا بالآخرة وأتاهم العلم الّذي لا يشوبه شكّ آيات بيّنات فلم يُؤمنوا عُوقِبُوا بالشّكّ، عقوبةً، فصاروا في شكّ مريب وشكٍّ عظيم يتردّدون فيه هذا في جانب الاعتقاد، وأمّا في جانب العمل فهم منها عَمون

د:عبد الرحمن: هذا بالنسبة لأسئلة الأخ أبو أحمد الأخت أم عبد العزيز سألت عِدّة أسئلة قالت: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {88}} تسأل هل هذا المرور للجبال هل هو في الدّنيا أم في الآخرة في رأيك؟

الشيخ عبد العزيز: الصحيح أنّه في الآخرة والدّليل عليه السياق أوّلاً.

د:عبد الرحمن: السّياق يا شيخ عبد العزيز أحياناً بعض الإخوة المشاهدين لا يعرفون المقصود بالسياق أنا عندما أقول لهم السياق يدلّ عليه، يقولون ما هو السياق؟

الشيخ عبد العزيز: يقول الله عزّ وجلّ قبلها { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } إلخ

د:عبد الرحمن: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ } الآية 87 من سورة النمل {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ {87}} ثمّ يقول: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} .

الشيخ عبد العزيز: وهذا نظيره حتى في العطف بالواو في قوله تعالى في سورة الحجّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ  شَدِيدٌ {2}} كذلك الجبال يحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب.

د:عبد الرحمن: يعني ترى في الرّاجح أنّها في الآخرة؟

الشيخ عبد العزيز: كذلك، وأيْضاً دلالة القرآن في آياتٍ أخرى { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا {9} وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا {10} [الطور:9-10]} { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا {20}[النبأ:20] وبهذين الاستدلالَين استدلّ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.

د:عبد الرحمن: والمشكلة يا شيخ عبد العزيز: أنّ كثيراً من الباحثين الآن يذهب إلى أنّها في الدّنيا ويستدلّ بها على الإعجاز في خلق الجبال، فإذا قيل له هذه في الآخرة. قال: لا، لكن الاستدلال بدلالة القرآن نفسه أوْلى.

الشيخ عبد العزيز: الاستدلال وهو الواجب ما هو الصحيح، الإعجاز العلمي محكوم وليس بحاكم؛ فلذلك إذا ورد فيه ما يُخالف لغة العرب وأوجه الاستدلال الصحيح فإنّه يُرَدّ وإن استحسنه بعض النّاس.

د:عبد الرحمن: تسأل أيْضاً الأخت أمّ عبد العزيز عن قوله تعالى: { فَآمَنَ لَهُ لُوط } في سورة العنكبوت الآية السادسة والعشرين قالت إنّما قال: { إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِنْ دونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } إلى أن قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {26} } إلخ فتقول لماذا الوقف لازم على قوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } { وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي } تقول ما هو المعنى الخاطئ الّذي سيترتّب على الوصل لو وصلنا؟ يعني ما هي المشكلة لو قلنا: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ فَقَلَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي } .

الشيخ عبد العزيز:: أمّا بالنسبة للوقوف وتحديد الوقف اللاّزم وعدمه فهي اجتهادات من العلماء، وعلى القول الّذي اختاره بعض العلماء يرجّح الوقوف ويمنع في بعضها ويوجب في بعضها الوقف اجتهاداً على ما أدّى عليه اجتهاده في القول الرّاجح فيما رأى. لذلك هذه العلامات والوقوف عندها ليست مُتَلقّاة من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعضِها وردت، لكن هذه الوُقوف الكثيرة ليست كلّها مُتَلقّاة فهي تابعة للمعنى قال: { فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي } طول الفصل بين إيمان لوط والهجرة؛ لأنّه هاجر ثمّ ذهب إلى قرى سدوم رسولاً إلى قومه، ولم يكن منهم.

د:عبد الرحمن: كأنّه والله أعلم يا شيخ عبد العزيز أنّك إذا قلت: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } هذا إبراهيم طبعاً ثمّ تقف، وقال: { إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي } هذا إبراهيم أيْضاً، لكن لو وصلنا لَفَهِمَ السّامع أنّه لوط هو الّذي قال: { إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي } فآمن له لوطٌ، ثمّ قال إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي أي: لوط، وهذا ليس المعنى، بل المعنى وقال إبراهيم.

قالت: لوط في أول الجزء الّذي معنى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } تقول في بعض الآيات { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِه} في بعضها { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه } فما هو التوجيه؟

الشيخ عبد العزيز: في الغالب مثل هذه الألفاظ اختيار حرف على حرف ونحو هذا يُراعى فيه غالباً السّياق سياق الآية، وقد يكون من باب التّنويع.

د:عبد الرحمن: يعني يمكن أن يُذكَر يا شيخ عبد العزيز قضية أن الفاء يدلّ على العطف السريع التعقيب فكأنّنا نقول مثلاً أنّهم لم يتركوا هناك مجالاً لأن يفهموا ويتمعنوا، وإنّما ردوا مباشرةً قوله.

الوقت انتهى معنا يا فضيلة الشيخ عبد العزيز الحقيقة بقيت أسئلة للإخوة المشاهدين أعدهم بإذن الله تعالى أن يتمّ الجواب عنها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، ونعتذر للأخت سارة والإخوان أبو فواز غداً إن شاء الله في أول الحلقة القادمة سوف نجيب على أسئلتهم، لا يسعني في نهاية هذا اللّقاء أيّها الإخوة المشاهدون إلاّ أن أشكر الله سبحانه وتعالى الّذي يسّر هذا اللّقاء؛ كما أشكر شيخنا وفضيلتنا وضيفنا في هذا اللّقاء الشيخ عبد العزيز الداخل المستشار بوزارة الشّؤون الإسلاميّة، ومدير معهد آفاق التيسير الإلكتروني على شبكة الإنترنت وعضو ملتقى أهل التفسير على ما تفضّل به في هذا اللّقاء، شكر الله لكم يا شيخ عبد العزيز وشكر الله لكم أيّها الإخوة المشاهدون غداً ألقاكم بإذن الله أستودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أذيعت يوم السبت بتاريخ : 20/9/1429هـ