الحلقة 180
ضيف البرنامج في حلقته رقم (180) يوم الأربعاء 27 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن سريع السريع، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة العلق والقدر والبينة .
*********************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في برنامجكم التفسير المباشر وفي هذه الساعة القرآنية التي نتدارس معكم يها آيات القرآن الكريم وسوره. وباسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون أرحب بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن سريع السريع أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه “تبيان”. حياكم الله دكتور محمد. وأهلاً وسهلاً بك. حديثنا بإذن الله تعالى سيكون عن ثلاث سور سورة العلق وسورة القدر وسورة البينة. أول سورة من هذه السور التي سنتحدث عنها هي أول سورة نزلت من سور القرآن الكريم ولذلك سيكون الحديث عنها حديثاً ذا شجون. نبدأ على بركة الله بالحديث عن اسم سورة العلق هل لها أسماء أخرى؟ ثم نبدأ في محاورها وفي موضوعها الأساسي.
سورة العلق
د. السريع: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا ووفقنل لكل خير وجنّبنا كل شر واجعلنا هداة مهتدين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، وبعد. أشكر لكم شيخ عبد الرحمن إتاحة الفرصة للحديث معكم والحديث مع إخواننا وأخواتنا المشاهدين والمشاهدات حول آيات من كتاب الله جل وعلا وفي الحقيقة أن هذا خير ما تقضى به الأوقات وخير ما يدّخره الإنسان ليوم معاده، هذه الدنيا سبحان الله كيف تتصرّم أيامها ولياليها، بالأمس كان بعضنا يهنئ بعض بدخول الشهر وهانحن نستعد لشراء زكاة الفطر وقد تصرّمت. في السابق كان فقط كبار السنّ يقولون والله الأيام سريعة فالشهر يمضي سريعاً، الآن حتى الأطفال من شدة السرعة أضحوا يدركون سرعة الأيام وتصرّمها فإذا كان ذلك كذلك فلا شك أن الحكمة أن ينتبه الإنسان للفرص ويستعد لما أمامه وخير ما يستعد من خلال كتاب الله تبارك وتعالى نسال الله سبحانه وتعالى أن يعيننا ويرزقنا وإياك الإخلاص والسداد في القول والعمل. ما يتعلق بسورة العلق فهي تسمى سورة العلق وتسمى سورة اقرأ أو “اقرأ باسم ربك الذي خلق” أخذاً من بدايات السورة. وهذه السورة كما هو معروف هي من السور المكي وهي من أوائل ما نزل والقول الذي عليه جمهور أهل العلم والمحققين منهم أنها هي أول سورة نزلت الخمس آيات الأولى وليس كما يظن البعض أن كل سورة العلق وإنما الخمس آيات التي في صدر سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن على الصحيح والراجح من أقوال أهل العلم. وقصتها كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غار حراء فجاءه جبريل فغطه ثم أطلقه فقال اقرأ فقال ما أنا بقارئ ثم مرة أخرى وثانية وثالثة ثم نزلت هذه الآيات (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) الخمس آيات الأولى فنزل النبي صلى الله عليه وسلم ترعد فرائصه حتى دخل على زوجه خديجة فقال زمّلوني زمّلوني- في القصة الطويلة- إني خشيت على نفسي، فقالت له رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين وهذه وقفة عظيمة قالت كلا والله، لا يخزيك الله أبداً. هذه الوقفة من جهتين: من الجهة الأولى انظر إلى الزوجة حين تكون صالحة حين تكون واعية حين تكون راضية كيف تصبح أعظم سند لزوجها، لا هي تشده إلى الأرض وتشغله بمتاع الحياة الدنيا، لا، متجاوزين هذه المرحلة، ولكنها تدفعه للأمام تعينه حتى ولو لم يكن ماديتً تعينه نفسياً ووجدانياً يجد منها الدعم والسند يجد منها أحياناً حتى التفريغ. أحياناً الزوج يجد أن زوجه راضية عنه من خلال مشاريعه الدعوية ومن خلال برامجه العلمية التي يقوم بها هذا ميثل رصيد ودفعة إلى الإمام لكن إذا كان يدخل في مشاريعه ويحس أن خلفه من يبحث ويعتب عليه كثيراً! أمُّنا رضي الله عنها هذا أول يوم من أيام الدعوة، أول يوم وعلى الصحيح أن خديجة هي أول من آمن من الناس قاطبة رجالاً ونساء صغاراً وكباراً ثم تتابع الناس بعد ذلك. هذه رضي الله تعالى عنها وأرضاها في أول يوم تعطي الحبيب المصطفى هذه الدفعة العظيمة إلى الأمام تطمئنه، تشد من عضد، تقويه على الدعوة بقلبها ووجدانها وعقلها وقبل ذلك بمالها وبعده، هذه واحدة. الوقفة الثانية انظُر إلى عقلها رضي الله عنها وأرضاها كيف استدلت بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به. قال إني خشيت على نفسي، قالت: كلا والله، والله لا يخزيك الله أبداً، لماذا؟ قالت: تصل الرحم، تكسب المعدوم، تعين على نوائب الدهر، تحمل الكلّ. استدلت بما كان عليه صلى الله عليه وسلم من السجايا والصفات والأخلاق الحميدة أنه لا يمكن أن يكون ما جاءه من الشيطان أو أن يكون للشيطان دخل فيه. ولذلك هذا من دلائل القرآن العقلية التي استدلّ بها على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ (16) يونس) النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونه يعرفون عقله وحلمه وخلقه ويعرفون أنه لم يكن يترك الكذب على الناس ثم يأتي في آخر أيام حياته حين اشتعل صدره شيباً فيكذب على رب العالمين! لا يمكن. فأم المؤمنين هي أول من استدل بهذا دون أن يكون لها صلة بكتاب سماوي أو معرفة بوحي ولكن هذا العقل الراجح الحق يولد الحق والباطل يأتي بالباطل. فقالت رضي الله عنها وأرضها: كلا والله لا يخزيك الله أبداً وأخذته إلى ورقة
د. الشهري: ورقة بن نوفل ابن عمها
د. السريع: ابن عمها وكان قد تنصّر وقرأ العبرانية. المقصود أن هذه الخمس آيات كانت أول ما نزل من القرآن ومهما قيل ومن قال هذه الخمس آيات ما معنى أن تكون أول آيات تنزل من السماء إلى الأرض؟ تفتتح بها الرسالة الخاتمة العظيمة التي ختم الله تبارك وتعالى بها الرسالات؟ التي جعلها صالحة لكل زمان ومكان؟ أول كلمة من الوحي تنزل على القلب الطاهر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. مهما قلنا ومهما اجتهدنا لا يمكن يظل الإنسان ضعيف ومحدود وقاصر عن إدراك أسرار هذه الآيات الخمس.
د. الشهري: هل ظهر لك من تأملك لسورة العلق موضوعها الأساسي أو محورها الأساسي؟
د. السريع: والله أعلم يبدو أن محورها الأساس بداية الدعوة كما هي ظروفها. نزلت هذه الآيات لتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ وانطلق بعد ذلك في الدعوة، اقرأ واعرف إلى أي شيء تدعو. ثم بعد ذلك في الشق الثاني في السورة نزلت في حادثة أبي جهل كما سيأتينا بعد قليل في ظروف الدعوة وملابساتها ومواجهة الطغاة لهذه الدعوة التي جاءت.
د. الشهري: قد يسأل سائل لماذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بـ(اقرأ) وهو لا يقرأ عليه الصلاة والسلام؟ حتى في جوابه عليه الصلاة والسلام عندما قال “ما أنا بقارئ” البعض قد يفهمها أنه صلى الله عليه وسلم يرفض القرآءة ولا يفهم أن المقصود بها “أنا لا أستطيع القرآءة، أنا لا أحسن القرآءة” ما الدلالة في كونك تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآءة وأنت تعلم أنه لا يقرأ؟ هل هناك من سر في هذا؟
د. السريع: الله جل وعلا كلّف جبريل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآءة لأنه سيُنزل عليه ما هو مقروء ما سيُقرأ الذي هو الوحي المنزّل فهو لا يأمره أن يقرأ شيئاً قد كُتب الآن فالنبي صلى الله عليه وسلم أميّ كما هو معهود ومعروف لكن كان يهيئه ليقرأ هذا الوحي الذي هو القرآن والقرآن كما هو معروف مقروء وهو من القرآءة وهو كتاب من الكَتْب والجمع فهو إذن سيقرأ ما أمره الله تبارك وتعالى بقرآءته مما أنزله عليه بعد ذلك. وهذا الأخذ الذي أُخذه النبي صلى الله عليه وسلم لعدة حكم منها تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القول الثقيل الذي سينزل عليه
د. الشهري: هل يمكن أن نستدل من بدء الوحي ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الخمس آيات على تعظيم شأن العلم وكل ما يتصل بالعلم من القرآءة والكتابة في الدين؟
د. السريع: لا شك، هذا لا مرية فيه وهذا الدين أولاً هو دين العلم والقرآن هو كتاب العلم وكل علم يمت إلى القرآن بصلة فهو أعظم العلوم وأجلّها وما عدا ذلك فهي تبع أو هي من علوم الدنيا التي يثاب عليها الإنسان بقدر نيّته الصالحة أو إن كانت علوماً ضارّة فعلى الإنسان وزرها لكن أصل العلوم وأُسّها وأفضلها وأشرفها وأعظمها أجراً هو هذا الكتاب وما اتصل إليه بسبب. بعد ذلك ينبغي أن نشير إلى أن هذا الكتاب وهذا الدين قد أحدث أعظم ثورة في العلوم عرفها التاريخ. وتعرف يا شيخ عبد الرحمن والإخوة والأخوات المشاهدين أنه كم من العلوم حُفرت وبدئت وأثيرت من خلال القرآن الكريم؟ كل العلوم الإسلامية
د. الشهري: علوم اللغة كلها متصلة بالقرآن والفقه مستنبط من القرآن بالدرجة الأولى
د. السريع: نعم، النحو وأصول الفقه الذي ينظم حتى عقلية الإنسان ويرتب فكره والأولويات عنده لا شك هو النظر في أصول الأدلة وأصول الأدلة أعظمها القرآن الكريم. علم البلاغة وغير ذلك، علوم الشريعة إنما جاءت من هذين الأصلين والسُنّة ما هي إلا شارحة ومبينة للقرآن الكريم فمن هنا ندرك وهذه في الحقيقة تحتاج لا إلى مؤلفات وإنما تحتاج إلى مؤتمرات ما هي العلوم التي نهض بها القرآن؟ التي ثوّرها في الأمة؟ التي استحدثها؟ وأنت تشاهد معي أنه لو قلنا أنه ربما هناك عشرات الآلآف أكيد، ولكن ربما مئات الألوف من الكتب كلها كتبت بعد هذا الكتاب القرآن.
د. الشهري: وهو الكتاب الأعظم الذي قامت الحضارة الإسلامية عليه فعلاً. حتى أذكر هناك كتاب رائع جداً كنت كتبت عنه مقالات هو كتاب الحضارة الاسلامية تكلم في نصف الكتاب كيف أن القرآن الكريم كان هو أساساً لكل هذه الحضارة التس قامت، حضارة الكتاب عند المسلمين. دعنا ننتقل للجزء الثاني من السورة وهو في قوله (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى) ذكرت لها سبب نزول في قصة أبي جهل.
د. السريع: الشقّ الثاني (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴿٩﴾ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴿١٠﴾ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ﴿١١﴾ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴿١٢﴾ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴿١٣﴾) نزلت في حادثة أبي جهل حين همّ أن يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عند الكعبة وقال مخاطباً لكفار قريش: أيضع محمد جبهته بين أيديكم؟ فقالوا نعم، قال: لو رأيته لأطأنّ على عنقه – في كلام نعوذ بالله من ذلك- فقال صلى الله عليه وسلم لو فعل لتخطفته الملائكة كما في حديث ابن عباس في الصحيحين. الشق الثاني في السورة أريد في الحقيقة أن أقف وقفتين: الوقفة الأولى أن فيها بيان لسبب من أعظم أسباب طغيان الإنسان وتمرده وخروجه عما خُلِق من أجله ألا وهو شعوره بالاستغناء. (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)) ولام التعليل محذوفة كما يقول المفسرون لأنه رأى نفسه قد استغنى. هذا العبد الضعيف الفقير الحقير انظر الآن في المكبّرات أو في google earth ماذا يساوي هذا الإنسان؟ هباء، لا شيء! تنظر له في بيته، في حيّه في دولته في مدينته في العالم، الكرة الأرضية كلها كما يقول علماء الفلك بالنسبة للمجرة لا شيء لا تُرى ومع ذلك هذا الحقير الفقير إذا شعر بأيّ استغناء تكبر وتجبّر وأحس أنه سيخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً لأنه استغنى إما بجاه وإما بمال وإما بصحة وإما بمنصب وإما بجمال وإما بسيارة، أحياناً سبحان الله هذا العبد الضعيف المهزوم يركب سيارة فارهة من حديد فيظن أن إليه المنتهى! ولكن ما يدري أن حتفه في سيارته هذه! لكن هذا عبد من قصور الإنسان إلا من اتصل بالباري جل وعلا عرف لماذا خُلِق وإلى أين سيسير وما هي وظيفته في هذه الحياة؟ لا يمكن أن يطغى، لا يمكن أن يتكبر. ولذلك انظر إلى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعظم مشهد وموقف من مواقف الطغيان لو كان ثمّة طغيان ولكن الله تبارك وتعالى عصمه بالإيمان حين دخل مكة فاتحاً دخلها وهو مطأطئ الرأس متذلل لله جلّ وعلا، هذا يوم نشوة ونصر ويوم فيه سيوف كما قال أحد الصحابة: اليوم تُستحلّ الحُرمة، سفك دماء، ولكن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم غير هذا، محمد صلى الله عليه وسلم عرف نفسه وعرف ربه وعرف إلى أين المسير وتشرّب هذا الأمر ولذلك كان أبعد الناس عن الطغيان. المؤمن عليه أن يستشعر هذه القضية كلما أحس بنشوة أحس باضطراب عليه أن يُلزم نفسه الإيمان. ولذلك شعائر الإيمان الصلاة قرآءة القرآن السجود الصدقة العيش مع المساكين تخفِّض الإنسان، تُبعد عنه الغلواء بينما المُسكر الغنى المعازف تهيّج الإنسان وتجعله بعيداً عما خُلِق من أجله.
د. الشهري: سبحان الله! في قوله سبحانه وتعالى في آخر السورة ولعلنا نختم بها إن رأيت في قوله (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿١٦﴾) ليتك توضح هذه الآيات
د. السريع: قبل ذلك الوقفة الثانية وهي السورة فيها بيان لسببين من أعظم أسباب الفلاح والنجاح الأمر الأول حين قال ربنا جلّ وعلا (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) الآية الأولى (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) والوقفة الثانية (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) العلم أو اليقين، الإيمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر لا يوجد محرك للإنسان أعظم من هذين الأمرين وتتبع هذا في كتاب الله جلّ وعلا نجد أنه دائماً التذكير بالإيمان بالله واليوم الآخر وهذه سورة من أوائل السور في القرآن المكي وهي تذكرنا بهذا وأنا أدعو نفسي وأدعو إخواني وأخواتي إلى تتبع هذا في القرآن كيف أن القرآن دائماً يؤكد على أثر الإيمان بالله وأثر الإيمان باليوم الآخر هو المحرك لفعل الخيرات والابتعاد عن المنكرات في عشرات وربما في مئات الآيات
د. الشهري: الإشارة إلى أن هذا هو الوازع الداخلي الذي يحفز الإنسان دائماً على عمل الخير وعلى ترك الشر. نعود لقوله عز وجل (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ) ما معناها؟
د. السريع: السفع هو الأخذ بشدة وما يترتب على ذلك من الإهانة والناصية هي مقدّمة الرأس وأيّاً ما قيل من أن عقل الإنسان، إدراكه، شعوره، علمه في مقدمة الرأس إلا أن العرب قديماً كانوا يستخدمونها للإهانة ولذلك كانوا إذا أسروا شخصاً وأرادوا أن يهينوه أطلقوه وجزّوا شعر ناصيته حتى يخرج أمام الإنسان وهو أعظم إهانة. فهذا الإنسان المكذب الفاجر الذي شَرَد عن ربه جل وعلا ولم يؤمن رغم وضوح البينات والدلائل الهاديات أمامه هذا سيجذب جذباً شديداً ويُكبّ في النار نعوذ بالله تعالى مع ناصيته، هذه الناصية الموصوفة بأنها كاذبة وخاطئة
د. الشهري: هل هناك اتصال بين سورة العلق والسورة التي تليها وهي سورة القدر باعتبار أن هذه أول سورة نزلت ثم أن هذه تحدد وقت النزول؟
د. السريع: لا شك أن ثمة مناسبة ظاهرة والله أعلم في الربط بين السورتين فسورة العلق هي أول سورة نزلت وسورة القدر تبين لنا متى كان هذا النزول؟ إنه في ليلة القدر
د. الشهري: قبل أن نغادر سورة العلق قد يتساءل البعض ما المقصود بالعلق. لماذا سميت السورة به؟ وما المقصود به؟
د. السريع: العلق هو العلقة التي خلق منها الإنسان، خلق من نطفة ثم من علقة تعلق بجدار الرحم
د. الشهري: تعتبر مرحلة من مراحل خلق الإنسان
د. السريع: من مراحل خلق الإنسان والله تبارك وتعالى حين أمر عبده ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فقال له اقرأ باسم ربك الذي خلق والمفسرون هنا بعضهم يقول أنه (خلق) حُذِف المعمول ليعمّ وبعضهم قال أنه نُزِّل المتعدّي منزلة اللازم كأنه قال اقرأ باسم الخالق وبعضهم المقصود خلق بيّنه الجملة التي بعدها، ولا شك أنه ليس بين هذه الأوجه تعارض فهو خلق كل شيء وأعظم وأجلى من خلق هو هذا الانسان المخاطَب بهذا التكليف
د. الشهري: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) والمقصود بالإنسان هنا جنس الإنسان
د. السريع: نعم، عموم الإنسان وهنا هناك ملحظ آخر يقول الله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) علّق القرآءة باسم الربّ ولم يعلّقها بالاسم الأعظم “الله” أو غير ذلك لما فيه من الرعاية وما فيه من اللطف. الرب كما هو معلوم لغة المربي الذي يُنشئ من حال إلى حال فربنا جلّ وعلا الذي خلقنا من العدم وربّانا بالنعم فهو المستحق أن تقرأ باسمه ولذلك هذه الآيات فيها أمر بالقرآءة والتعبد وفيها دليل وعلّة له.
د. الشهري: انتهت الفقرة الأولى ولعلنا نقف مع فاصل يا دكتور وأنا أعذرك على ضيق الوقت واتساع المعاني التي يمكن أن نتحدث عنها. أيها الإخوة المشاهدون فاصل نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نكمل حوارنا إن شاء الله حول بقية السور مع الدكتور محمد السريع.
——————–
فاصل – سؤال الحلقة
قوله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) العاديات) ما هو تفسير ضبحا؟
1. صوت نَفَسها من شدة الجري
2. صوت حوافرها وهي تجري
3. صهيلها
——————-
سورة القدر
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى لا زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن سريع السريع أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه “تبيان” عن سورة القدر وسورة العلق قبل الفاصل انتهينا منها على وجه الإيجاز والسرعة وأنا أعتذر للإخوة المشاهدين فهذه السورة وغيرها من السور التي كنا نجمعها مع بعضها البعض بحاجة كل سورة منها إلى حلقة كاملة ولكن نحن نحرص على إعطاء المشاهد الكريم لمحة عن اسم السورة وموضوعها وبعض الوقفات حولها وإلا فاستيعاب الحديث عن كل سورة يحتاج إلى حلقات وليس إلى حلقة واحدة. نعود يا دكتور إلى سورة القدر ونحن اليوم في السابع والعشرين والبارحة كانت ليلة السابع والعشرين والمسلمون في هذه الليالي المباركة يتحرّون هذه الليلة ليلة القدر، فحدِّثنا عن سورة القدر.
د. السريع: بسم الله الرحمن الرحيم. ليلة القدر كما قال ربنا جلّ وعلا (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) هي من أعظم ليالي العام ومن رحمة الله جلّ وعلا بنا أنه لما علم ضعفنا ونقصنا وقصورنا ومحدوديتنا أنعم علينا بمواسم للخيرات تضاعف فيها الحسنات وتكفّر فيها السيئات والعمل فيها وإن كان وجيزاً فإنه عن سنوات طويلة فيسّر لنا الصلاة في المسجد الحرام عن مئة ألف صلاة! بعض المرات والله أنعى على نفسي كيف واحد جالس في الحرم ويتلفت يميناً ويساراً أو يتحدث مع أحد من زملائه، الدقيقة محسوبة عليك الآن الصلاة بمائة ألف صلاة احسبها كم يحسب لك؟ في ليلة القدر عن الف شهر عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، كم تطلع الدقيقة عليك؟ كم تطلع الثانية عليك؟ التسبيحة اضربها بهذا العدد، صلاة ركعتين، الاستغفار، الصدقة، ولذلك أحب أن أشير هنا إلى قضية كنت أشرت إليها في التويتر قبل أن ندخل وهو أن بعض الناس يظن أن الفضل مقصور على مجرد الصلاة أو القيام وخصوصاً أخواتنا ذوات الأعذار وهذا غير صحيح، هي ليلة القدر خير من ألف شهر في كل تضاعيفها في كل الأعمال الصالحة، نعم الصلاة والقيام هي من أشرف العمل وأفضله لكن هناك ثمة أعمال: التوبة، الاستغفار، التسبيح، التهليل، أن تجلس بعد صلاة المغرب وتسبح الله مائة مرة تقول “لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” مائة مرة كأنك قلتها في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. العمل فيها مضاعف بل أنا أعرف بعض الإخوة كان يتحرى بصدقته هذه الليلة إذا أحسّ أنها هذه الليلة حرص على العمل، على صلة الرحم حتى لو كان معتكفاً حرص أن يتصل على والده، على والدته، يسلم عليهم لأن هذا عمل من أعظم الأعمال الصالحة فاحرص على إيقاعه في هذه الليلة. ما دمت معتكفاً في عمل شريف نبوي فايضاً تستذيع أن تقوم بأعمال من أعظم الأعمال جمع القلب على الله هذا عالم آخر نحن نقرأه في الكتب لكن نشتكي إلى الله قسوة من قلوبنا لا نعرف حقيقة لكن من عرف يقولون أنه هو بابك إلى سعادة ليس لها نظير، بابك إلى الله جلّ وعلا، طريقك إلى دخول الجنة. في الحقيقة هذا يذكرني بالحديث الذي جاء حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل فقالت له عاشة والله إني لأريد قربك يا رسول الله فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم دعيني يا عائشة، هو إذن يخرج من هذا الجو العائلي الزوجي مع أحبّ الناس إليه عائشة رضي الله عنها إلى عالم أعظم من ذلك، إلى الصلة بالله جلّ وعلا. الذين عاشوا هذا الأمر وجرّبوم يقولون أن السعادة التي يجدها الإنسان واللذة التي يجدها الإنسان في سجوده لا يمكن أن يوجد لها نظير، لا يمكن أن يوجد لها مثال وهذا فعلاً حديث الناس الذين تحولوا من الحيوانية إلى الإنسانية. الله تبارك وتعالى حين شرّفنا بالآدمية شرفنا بالعقل شرفنا بالقلب شرفنا بالإيمان أما مجرد الشهوات البهيمية فنحن نشترك مع بقية الحيوانات فيها، الأكل والشرب والنكاح. يحدثني أحد الإخوة ختاماً يقول: بعدما أفطر يقول أجد في لذة الإفطار لذة لا أجد لها نظيراً في حياتي كلها، أين هذا من الناس الذين حُرموا الصيام؟! حُرِموا الإيمان! هذا يكلمك عن اللذة التي يجدها المؤمن وهو يتناول افطاره
د. الشهري: وهي التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم فرحة
د. السريع: فرحة يجدها الإنسان.
د. الشهري: نعود لسورة القدر، متى نزلت هذه السورة؟ هل هناك تحديد لموعد نزولها؟
د. السريع: سورة القدر نزلت في القرآن المكي كما هو ظاهر والله أعلم، ليس عندي تحديد معين على وجه التحديد متى نزلت.
د. الشهري: في قوله هنا (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) لم يتقدّم ضمير يعود على ماذا؟ هي يمكن أن نربطها بالسورة التي قبلها؟
د. السريع: من الممكن أن تربط من جهة ومن جهة أخرى هو الضمير هنا للعلم به لتشريفه أحياناً يُتحوَّل من المُظهَر إلى المُضمَر للعلم به وتشريفه وتعظيمه وهذا باب مهم من أبواب تدبر القرآن الذي هو معرفة الضمائر أحياناً يؤتى بالمُظهر بدل المُضمر وأحياناً عكس ذلك. افتتاحية السورة يقول ربنا جلّ وعلا (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) دعنا نتكلم عن هذا المُنزَل وهو القرآن، فيه تشريف للقرآن وتعظيم وتنويه به من عدة جهات: الجهة الأولى أن الله تعالى أسند الإنزال إليه الأمر الثاني أنه أتى بالتعبير بنون العظمة (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) وجه ثالث يحضرني الآن أن الله تبارك وتعالى أنزله في ليلة القدر والمستقر الآن أن ليلة القدر ليلة عظيمة فإذن حين ينزل هذا الكتاب في هذه الليلة العظيمة فإن هذا يدل على عظمة هذا المُنزَل. أما فيما يتعلق بليلة القدر، القدر ما هو سبب تسميتها ليلة القدر؟ هناك وجهان: الوجه الأولى لأنه تقدر فيها مقادير الخلائق لهذا العام ويشهد لهذا الوجه قول الله جلّ وعلا (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان) والوجه الثاني أنها سميت القدر لعظم قدرها ومنزلتها ومكانتها ويشهد لهذا أيضاً قوله (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ويشهد لها في سورة الدخان (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (3) الدخان). أما ما يتعلق بإنزال القرآن، ما معنى إنزال القرآن في ليلة القدر؟
د. الشهري: خاصة عندما يستحضر القارئ للقرآن أن هناك آيات أخرى قد يخالف ظاهرها في ظن بعض الناس هذا المعنى في قوله مثلاً (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (185) البقرة) وفي قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (3) الدخان) فكيف يجمع بينها وبين قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)؟
د. السريع: ليلة القدر هي الليلة المباركة وليلة القدر ليلة مباركة هي في رمضان ولذلك قال أهل العلم ليلة القدر في رمضان هذا محسوم. من اللطائف التي ذكرها بعض المفسرين قالوا وفيه أن أول ما نزل من القرآن كان بالليل وهذا طبعاً على أحد الوجهين في المراد في الآية لأنه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ذهب ابن عباس وجماعات من أهل العلم أن المراد بهذا الإنزال هو نزول القرآن القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا
د. الشهري: وهذا قول الجمهور فعلاً
د. السريع: نعم هو قول الجمهور، ثم نزل بعد ذلك في ثلاث وعشرين سنة منجّماً. القول الثاني أن المقصود ابتداء نزول القرآن سورة العلق أول خمس آيات كانت نزلت في ليلة القدر ولا مانع من أن يراد هذا وهذا في معنى الإنزال فيكون نزوله من اللوح المحفوظ في ليلة القدر ثم نزوله أول آيات من سورة العلق في ليلة القدر.
د. الشهري: أستأذنك معنا اتصال من الشيخ الأخ المهدي من موريتانيا
الأخ المهدي من موريتانيا: شكر الله لكم هذه البرامج المفيدة. تعليق بسيط على سورة القدر، سورة القدر هذه الضمير فيها دائماً المفسرون يحاول بعضهم ارجاع الضمير إلى السورة التي قبلها باعتبارها أول سورة نزلت من القرآن والقرآن بهذا الاعتبار حاضراً، هو الذي أفهمه من الضمير عوده هو أنه ينبغي أن يكون عائداً إلى ضمير المؤمن الذي ينبغي أن يكون عامراً بالقرآن في كل لحظة كأنه إذا أعيد الضمير إلى غير مذكور فإنه ينبغي أن يكون القرآن من الحضور بقلب المؤمن بالدرجة التي يعود إليها الضمير بمثل هذه الأمور. أما بالنسبة لهذه السورة أنتهز الفرصة بخصوص ليلة القدر أن كثيراً من الناس عندما تأتي هذه الليلة ولا سيما في هذه البلاد التي نحن فيها يظنون أن الشياطين يُطلق سراحهم في هذه الليلة فترى بعضهم يربط أطفاله وترى بعضهم يوقد بعض الأدخنة في بيوته والذي أريد أن أنبه عليه هذه المشايخ أن الله تعالى جعل هذه الليلة سلاماً حتى مطلع الفجر يعني من بداية غروب الشمس إلى طلوع الفجر القادم فهي الليلة التي جلعها الله سلاماً فلماذا نخاف؟!!. بالنسبة للروح التي وردت في هذه السورة لو تفضل الشيخ بإيضاح للمراد منه هل هو جبريل هل هو ملك من الملائكة هل هو خلق من خلق الله تعالى ينزل في هذه الليلة؟ وأختم بما سبق وذكرته بمداخلة في هذا البرنامج وهو أن ليلة القدر هذه شرفت بالقرآن ولم يشرف القرآن بليلة القدر صحيح إذا كان من مظان ليلة القدر رمضان أو هي قطعاً فيه وفي أوتاره ولا سيما في أوتار عشره الأخيرة فإن القرآن متاح لنا طيلة السنة وهذه بركة ينبغي للمسلم انتهازها قبل موته وفقنا الله وإياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولا تنسونا من صالح دعائكم.
د. الشهري: سمعت ما قال في الضمير في أول السورة وتكلمت عنه. وتحدث عن عادة أهل موريتانيا يقول أنهم يربطون أبناءهم خوفاً عليهم في ليلة القدر وهذا خلاف ما تدل عليه (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وأشار إلى الروح لعلك تختم به لأن الوقت سيدركنا.
د. السريع: أقول إذا تربطون أولادكم طوال العام فاطلقوهم هذه الليلة ولذلك أنا اعرف بعض إخواننا الطين عندهم شيء من الآلآم أو شيء من العوارض التي تعرض لهم أسلم ما يكونون في هذه الليلة ولذلك هم يستدلون على الليلة بما يجدونه من الرحة والاطمئنان. والحقيقة أن ليلة القدر الله سبحانه وتعالى أخفاها حتى الناس يجتهدوا في العشر كلها، نعم يتلمسها الإنسان، يحرص لمزيد من الاجتهاد لكن ليس معناها أن يوقف نفسه على ليلة واحدة يعمل فيها، وأنا نفسياً من باب الاجتهاد أنا عندي شعور أن ليلة القدر هذا العام بعد لم تأتي والله أعلم هذا شعور
د. الشهري: وعلى كل من قام العشر فإنه سيدركها بإذن الله. نعود إلى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) هل الروح هنا هو جبريل عليه الصلاة والسلام فيكون من باب عطف الخاص على العام؟ أم ماذا؟
د. السريع: الذي يظهر لي والله أعلم أن الأمر كذلك هو جبريل عليه السلام وأنه من باب عطف الخاص على العام لشرفه ومكانته ولأنه هو الذي ينزل بالوحي عليه السلام.
د. الشهري: إذن لعلنا نكتفي بهذا حول سورة القدر ونأخذ فاصلاً قصيراً أيها الإخوة المشاهدون ثم نواصل حديثنا عن سورة البينة فيما بقى من وقت هذه الحلقة.
—————-
فاصل تعريف بمركز تفسير للدراسات القرآنية – لقاء أهل التفسير الشهري
—————–
د. الشهري: مرحباً بكم أيها لإخوة المشاهدون الكرام. ما زال حديثنا حول سورة العلق وسورة القدر وسورة البينة وقبل ذلك نأخذ الفائز في حلقة الأمس
الفائز في حلقة الأمس: سعيد بن جمعة بن راشد من مسقط – عُمان
سورة البينة
د. الشهري: نعود في الوقت المتبقي نقف مع سورة البينة أولاً اسم السورة هل هذا هو الاسم الوحيد لهذه السورة أن هناك أسماء أخرى؟
د. السريع: بسم الله الرحمن الرحيم. هي تسمى سورة البينة وبعض المفسرين والعلماء يسمونها سورة “لم يكن الذين كفروا” وهذا أخذاً من بداية السورة كما هو معهود عندهم.
د. الشهري: هل هي سورة مكية؟ أو مدنية
د. السريع: والله هذا لا يحضرني الآن لم أراجعه لكن يمكن أن نستفيد منك يا شيخ لو هو موجود عندك في المصحف
د. الشهري: أنا مثلك لا أدري لكن يبدو لي أنها مدنية والله أعلم، نعم هي سورة مدنية لأن موضوعها موضوع أهل الكتاب ومحاججة أهل الكتاب يدل على ذلك. ما موضوعها الأساسي هل هو من نفس عنوان السورة “البينة”؟
د. السريع: لا أفشي سراً كنت في حديث معك قبل الحلقة حول موضوع سورة البينة وهو فعلاً مأخوذ من اسمها فيما يبدو والله أعلم، البينة التي تبين الحق وهو محمد صلى الله عليه وسلم كما سيتبين من خلال السورة. فموضوع السورة البينة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن العظيم الهادي للبشر. ثم بعد ذلك هؤلاء الناس انقسموا تجاه البينة إلى قسمين قسم آمن وقسم كفر وعلى ضوء هذين القسمين سينقسمون في الآخرة أحدهم يذهب إلى الجنة والآخرون نعوذ بالله من ذلك يذهبون إلى النار
د. الشهري: ويبدو من موضوع السورة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يذكر أنه ليس هناك أمة من الأمم إلا وقد جاءتها البينة وقامت عليها الحجة وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ”. ففي قوله هنا (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) يعني منفكين عن الكفر والإعراض حتى تأتيهم
د. السريع: هذه البينة ومن رحمة الله جلّ وعلا بنا وبالبشر جميعاً أنه لا يعذبهم حتى يقيم عليهم الحجة فمن كفر بعد ذلك فإنه يتحمل جريرة ذلك ولذلك الله تبارك وتعالى يبعث الرسل والأنبياء للأمم واحداً تلو الآخر حتى ختموا بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي رسالته هي خاتمة الرسالات “وكان الذي أوتيته وحياً” الذي هو هذا القرآن
د. الشهري: وهو السنة أيضاً لأنها وحي
د. السريع: لأنها تابعة له لكن التحدي إنما جاء بالقرآن ولذلك حتى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول جمع من المحققين لم يقع التحدي بسائر المعجزات النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا بالبكركة وكثر الطعام أو تفجر الماء من بين أصابعه أو أخبر ببعض المغيبات أو احتضن الجذع فسكت عن الحنين هذه آيات له صلى الله عليه وسلم لكن لم يرد أنه تحدى الناس بها لا العرب ولا العجم لا المسلمين ولا الكافرين ولكن الذي تحداهم به هو هذا القرآن ولذلك أمرهم أن ياتوا بمثل القرآن، يأتوا بعشر سور ياتوا بسورة من مثله فهو المعجزة التي وقع بها التحدي. وهذا الكتاب هو الدعوة وهو البرهان هو الدليل وهو المدلول ولذلك هو كتاب عظيم مهما حاول الإنسان أن يستفرغ وسعه لا يمكن أن يأتي إلا بشيء يسير مما أودعه ربنا جلّ وعلا فيه من الكنوز.
د. الشهري: ويبدو اتصال سورة البينة بسورة القدر بسورة العلق قبلها كلها تدور حول القرآن الكريم ووقت نزوله ووظيفة القرآن الكريم وهي إقامة الحجة والدلالة
د. السريع: لا غرابة لأن أصلاً هذا الكتاب جاء لبيان الدعوة والمطلوب من الناس والمصير الذي يصيرون إليه فكل موضوعات القرآن تدور حول هذا
د. الشهري: ربما فكرتك هذه لا يفهمها البعض، الآن موسى عليه الصلاة والسلام كانت معجزته في العصا وفي اليد لكن شريعته كانت في التوراة، النبي صلى الله عليه وسلم المعجزة هي في القرآن والشريعة في القرآن نفسه فهو المعجزة وهو الشريعة.
د. السريع: وهو الدليل، هو الدعوة وهو الدليل كا يقول شيخ الإسلام عليه رحمة الله. هو الدستور -إن صحت العبارة- وهو المنهج وهو بيان السبيل ثم بعد ذلك فيه الأدلة ايضاً ولذلك إن شئت أن تستخرج منه براهين عقلية على صدق القرآن ففيه أدلة كثيرة، إن شئت أن تستخرج منه براهين عقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ففيه براهين عقلية لا ينفك منها أحد لا يستطيع أحد أن ينكرها ولا يخرج منها. فهذا القرآن من عظمته أنه جمع هذه الأوجه المتعددة.
د. الشهري: ولعل هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم “وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة” ولهذا يقول العلماء أن هذا القرآن معجزة عقلية ولذلك نحن نؤمن به الآن ونقرأ ما فيه كما كان يقرأه أبو بكر وعمر في حين أن الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام لم يشاهد العصا إلا من شهد المشهد أما من جاء بعدهم فهم يؤمنون بها من باب السماع فقط
د. السريع: نعم هو معجزة عقلية من هذا الوجه العظيم لكني أضيف على ذلك أنه هو معجزة وجدانية ومعجزة نفسية ولذلك ذكر بعض العلماء أنه من أوجه إعجاز القرآن الروعة التي يجدها الإنسان في نفسه ولذلك جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه وأرضاه حين سمع القرآن (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) الطور) قال كاد قلبي أن يطير. وعمر رضي الله تعالى عنه كما في السيَر كان يجسّ في المدينة فمرّ على بيت من البيوت فسمع رجلاً يقرأ حين كانت البيوت تعمر بالقرآن والصلاة (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2)) (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)) فنزل من على حماره رضي الله عنه وأرضاه وتسود الحائط واستمع لقرآءة هذا الرجل من الرعية، الراعي يستمع (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) الطور) فيعود رضي الله عنه وأرضاه يمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما به.
د. الشهري: رضي الله عنه من شدة تأثره بهذه الآية. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن. انتهى وقت هذه الحلقة وأنا أعرف أن لديك المزيد. أيها الإخوة المشاهدون الكرام انتهى وقت هذه الحلقة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعمر أوقاتنا وأعمارنا وأعماركم جميعاً بكتابه وبالعمل به وبتدبره. ألقاكم غداً بإذن الله وأنتم على خير وأشكر فضيلة الدكتور محمد بن سريع السريع على ما تفضل به وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يختم لنا هذا الشهر بمغفرته وعفوه إنه على كل شيء قدير.