برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر – الحلقة 60 – سورة الحجرات 6

اسلاميات

التفسير المباشر – الحلقة 60:

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمعة 13/5/1430هـ

تفسير سورة الحجرات.

الآيات محور الحلقة : 14- 18

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية بمدينة الرياض. اليوم بإذن الله تعالى سوف نتوقف مع أواخر سورة الحجرات وسوف نختم الحديث عن هذه السورة العظيمة في هذه الحلقة. وقد توقفنا في اللقاء السابق عند قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)). وسوف نبدأ أيضاً في هذه الحلقة من هذه الآية لأنها مرتبطة بما قبلها ومرتبطة بما بعدها ارتباطاً وثيقاً. باسمكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام أرحب في بداية هذا اللقاء بضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الدكتور عبد الله بن حمد المنصور الباحث والمتخصص في الدراسات القرآنية والأستاذ بوزارة التربية والتعليم.

وللمشاهدين الراغبين في المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة:.

من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599

ومن خارج السعودية: 00966920009599

وللتواصل بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111

أو يمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]

وقبل أن نبدأ أيها الأخوة المشاهدون في تفسير الآيات نستمع إليها مرتّلة ثم نشرع في تفسيرها بإذن الله تعالى مع ضيفنا الكريم

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18))

د. عبد الرحمن: سبحانه وتعالى. (قالت الأعراب آمنا) تحدثنا في اللقاء السابق يا دكتور عبد الله عن قضية الإيمان والفرق بين الإسلام والإيمان الحديث عن الإيمان حديث يطول لكن كان الوقت قصيراً في آخر الحلقة الماضية. نريد في هذه الحلقة أن نبدأ ونتحدث عن الفرق بين الإسلام والإيمان ولماذا نفى الله سبحانه وتعالى عن الأعراب في هذه الآية الإيمان فقال (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ولا سيما الطريق إلى الوصول إلى حلاوة الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ذاق حلاوة الإيمان” كيف يمكن الوصول إلى هذه الحلاوة؟

د. عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أولاً أرحب بكم يا شيخ عبد الرحمن وأرحب بالأخوة المشاهدين جميعاً ونسأل الله عز وجل أن نكون من الضيوف المفيدين النافعين بإذن الله تعالى. كما ذكرت هاهنا الآية في قول الله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) هاهنا إدعاء من الأعراب أنهم آمنوا ونفيٌ من الله عز وجل (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) فأثبت لهم الإسلام. هذه الآية من أقوى الأدلة للتفريق بين الإيمان والإسلام إذا اجتمعا في مكان واحد في آية واحدة أو في آيات متقاربة. وأنهما إذا افترقا ووردت آية فيها لفظ الإسلام لوحده دخل فيه الإيمان وإذا ورد في آية لفظ الإيمان دخل فيه الإسلام كذلك. فهذه الآية من الأدلة التي تبين وتوضح أنه إذا اجتمعا افترقا في المعنى. طبعاً عندما قال الله عز وجل (قُولُوا أَسْلَمْنَا) يجب أن نتصور هذا الأمر ونربط بين سبب نزول الآية وحال هؤلاء الأعراب فالعام الذي وفد فيه بنو أسد كان عام الوفود والنبي صلى الله عليه وسلم قد بنى المجتمع الإسلامي في المدينة وترسّخ حتى وصل إلى أن يصح أن يسمى مجتمع مؤمن لكثرة الطاعات والعبادات بخلاف الداخل المبتدئ في الإسلام قد لا يكون تمكن الإسلام في قلبه حتى يصل إلى درجة الإيمان. فالله تعالى هاهنا قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) يعني أنه لم يدخل الآن لكنه إن شاء الله تعالى سيدخل إذا تقيدتم وتأملتم العلامات التي وردت في هذه الآيات لأهل الإيمان حتى إذا التزمتم بها إن شاء الله تعالى تصلون إلى مرحلة الإيمان. طبعاً الإيمان والحديث عن الإيمان والكتب التي ألّفها علماء الإسلام كثيرة جداً.

د. عبد الرحمن: ليتك تشير إلى أهمها.

د. عبد الله: لعله من أبرزها إن أردت شيء قديم وشيء حديث، مثل كتاب الإيمان لابن أبي شيبة وكتاب الإيمان لأبي عبيدة القاسم بن سلم، هؤلاء أئمة أهل السُنة، وبعدهم الإمام ابن تيمية وفي العصر الحاضر كثير من الكتب كتبت عن الإيمان لعل مشايخ هذه البلاد كتبوا الكثير عن الإيمان ولن ينتهي هذا الأمر لأن الإيمان هو مطلب كل مسلم وكل مؤمن يريد أن يتحقق فيه ويصل لدرجة العلو في الإيمان إن لم نقل الكمال، الكمال عزيز لكن يجب على المؤمن والمسلم أن يحاول الترقي في درجات الإيمان التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “بضع وسبعون شعبة” وذكر أهل العلم وفصّلوها وبيّنوها، لماذا؟ حتى يترقى فيها المسلم درجة درجة ويحاول الحصول على درجة الإيمان الذي له حلاوة في القلب قال النبي صلى الله عليه وسلم “ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً”، وفي الحديث الآخر بيّن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإيمان وحلاوة الإيمان بيّن أنه لا يصل إلى حلاوة الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار. فالحديث عن الإيمان وحلاوة الإيمان وشُعَب الإيمان كثيرة حقيقة.

د. عبد الرحمن: وكلها من أعمال القلوب.

د. عبد الله: نعم، هاهنا في الآية (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فالاسلام مرتبط يصح أن نقول كلمة ذكرها أهل العلم- أن الإسلام مرتبط بالأعمال الظاهرة والإيمان مرتبط بالأعمال الباطنة فلذلك حتى من كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين كان يطلق عليه مسلم كما في بعض الأحاديث أحد الصحابة

د. عبد الرحمن: سعد بن أبي وقاص.

د. عبد الله: نعم. أحد الصحابة قال للنبي صلى الله عليه وسلم أني أراك أعطيت فلان وتركت فلان إني أراه مؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم أو مسلم. يعني هناك تفريق بين اللفظين. وفي الحقيقة أنه سيرد معنا بعض علامات الإيمان التي يُرغّب فيها في هذه الآيات ولعلنا نتدرج معها بإذن الله تعالى.

د. عبد الرحمن: هنا يا دكتور في قوله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) هل هذا الوصف ينطبق على كل الأعراب؟ أو هل الأعراب يتفاوتون؟ وهؤلاء بعضهم أو نموذج منهم؟

د. عبد الله: لا طبعاً، ربط الآيات هاهنا نتذكر أهمية التعرف على سبب النزول. هؤلاء قوم كما كان في أول السورة وفد من بني تميم أساؤا الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء أيضاً أخطأوا في طريقة منّهم بالإيمان على النبي صلى الله عليه وسلم فبيّن الله عز وجل أنهم لم يؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم. هذا توجيه رباني ولولا الاهتمام بهذه الفئة لما خصص لها مثل هذه الآيات. وقول الله عز وجل في سورة التوبة (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)) يعني يمدحهم، الأعراب هاهنا وهاهنا مثل غيرهم ونخصيص مثل هذه الآياتلبيان سبب النزول وتوضيحه هو عام للجميع كما سيأتي التعميم في آخر السورة في قول الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)) هاهنا عممّ فكل قارئ لهذه السورة ينبغي أن يستفيد من هذا الموقف لأن كل قارئ يمكن أن يقع فيما وقع فيه هؤلاء الأعراب.

د. عبد الرحمن: أحسنت جزاك الله خيراً. في قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)) عندما يخصص هنا ويقول إنما المؤمنون الذين وصفوا بهذه الصفات ما هي دلالة قوله (ثم لم يرتابوا) في الاية؟

د. عبد الله:.طبعاً هذه تفيد أنه ليس كل من ادّعى الإيمان أو قال أنا مؤمن بالله ورسوله يُصدَّق في دعواه أو حتى في قلبه هو. فيجب أن يسعى إلى نفي ما يخالف هذا الإيمان، ومن ذلك الريبة والشك في شرائع هذا الدين. أنت ترى الآن يا شيخ عبد الرحمن ولعل الإخوة المستمعون أيضاً يشاركونا الرأي الهجمة على بعض صور الشريعة الإسلامية سواء في الصحف أو في الإعلام أو في غيره ينبغي على كل من يكتب أن يتأمل قبل أن يكتب هل هذا الذي أكتبه أو أعترض به على نصوص الشريعة هل هو من الإيمان أم أنه سيثبت على نفسي قبل غيري أنني لم أصل إلى مرحلة مرضية من الإيمان؟ فعدم الريبة في شرائع الإسلام والإيمان بالله تعالى ورسوله هو المطلوب (ثم لم يرتابوا) وليس كل من ادعى الإيمان وقال أنا مؤمن ومجتمع محافظ ودولةوكذا، لا، الإنسان يجب أن يتابع نفسه ويجاهد نفسه (ثم لم يرتابوا) وأن يسعى إلى عدم الريبة والشك فيما هو فيه لأنك بعد الإيمان هناك أمور مبنية على الإيمان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) سيأتيك اختبارات تثبت أو تبين لك قبل غيرك درجة إيمانك وصدقك في هذا الإيمان.

د. عبد الرحمن: سبحان الله، تصديقاً لكلامك دكتور عبد الله في سورة التوبة عندما وصف المنافقين فوصفهم بأنهم يرتددون في الريبة فقال (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)) ولذلك هذه صقة قضية الريبة والشك في الشرائع وأيضاً بعضهم يقول والله أنا غير مقتنع بشريعة الحجاب مثلاً أو غير مقتنع بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرى أن هذا تدخُّل في خصوصيات الآخرين مثلاً، هذا نوع من الريبة التي تعود بالإضعاف على أصل الإيمان نفسه.

د. عبد الله: يذكر أحد الأخوة أن رجلاً شاباً نصح أحد الأخوة عن معصية معينة فقال أترضاها لأختك؟ قال كيف تقول هذا الكلام؟ وهذا تدخل، وكتب في صحيفة عن هذا الأمر. الحقيقة يجب على الأخوة جميعاً أن يراجعوا أنفسكم بقضية الإيمان أولاً للإسلام وسعيهم إلى الإيمان ثم بعد حصول بعض درجات الإيمان أن لا يرتابوا في هذا الأمر. نحن لسنا شك من ديننا ولله الحمد.

د. عبد الرحمن: هنا قد يسأل سائل يا دكتور عبد الله في الآية نفسها في قوله سبحانه وتعالى (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فجمع هنا بين الإيمان وبين الجهاد بالأنفس والأموال، لماذا جاء الجمع هنا بين الإيمان وبين الجهاد؟

د. عبد الله: طبعاً كما قلنا قبل قليل -والآيات آخذ بعضها برقاب بعض- الإيمان ما بعد الإيمان يجب أن يحتوي جهاداً بالنفس وبالمال والجهاد هنا مقصود به الصبر وعمل الأعمال البدنية والمالية والصبر عليها والثبات عليها والذود عنها هذه من مقتضيات الإيمان. فذُكِر الجهاد هاهنا للدلالة على أن ليس ميدان الجهاد وحده في المعارك وما شابه بل حتى في العبادات ولعل سورة العصر أيضاً تبين شيئاً من هذا. حتى لا المال لوحده ولا بالنفس لوحدها وإنما قرن الله عز وجل بينهما للدلالة على تعميم هذا الأمر وأن جميع الأمور المتعلقة بالجهاد البدني والمالي داخلة في الإيمان ومن لوازم الإيمان.

د. عبد الرحمن: جميل. ما دلالة قوله (أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) على ما تقدم؟ ما سر ختم هذه الآية بقوله (أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)؟

د. عبد الله: الصدق في الإيمان أيضاً، إن تصدق الله عز وجل يصدُقْك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد اصحابه. فالصدق أيضاً عمل يتعلق بالقلب ويرتبط أيضاً بالإيمان. إن كنت مؤمناً صادقاً كما هو منفيٌ عن الأعراب هؤلاء (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أيضاً يجب أن تحاسب نفسك وتبحث عن صدقك في هذا الإيمان الذي تدعيه وتتعلق به.

د. عبد الرحمن: في العادة يا دكتور عبد الله عندما يأتي الحديث عن الجهاد بالأموال والأنفس أو بالأنفس والأموال دائماً يقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس وتأملت هذا في القرآن الكريم ووجدت أنه يقدم الجهاد بالمال في كل موقع إلا في موضع واحد في سورة التوبة في قوله (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111)) ولم يقل اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم، فما هو السر البلاغي في هذا التقديم؟

د. عبد الله: لعله والله أعلم لعموم أو تعدي نفع المال في الجهاد. ثم إن الكثير كما ترى يسعون بالمال إلى إراحة البدن فالمال هو المقدّم دائماً ولا جهاد بالبدن إلا بعد توفر المال والله أعلم وهذا ما يظهر لي أو هذا ما ذكره بعض أهل التفسير أيضاً.

د. عبد الرحمن: ولعله أيضاً يحضرنا في هذا الحديث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العمل في أيام العشر من ذي الحجة فقال “إلا رجل خرج بماله وبنفسه فلم يرجع من ذلك بشيء.

يقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)) يلاحظ في هذه الآية كثرة ذكر العلم أو علم الله سبحانه وتعالى وسعة إحاطته، ما هو السر في هذا التركيز على هذه الصفة من صفات الله تعالى ؟

د. عبد الله: طبعاً (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ)

د. عبد الرحمن: الخطاب هنا لمن؟

د. عبد الله: المقصود بهم هؤلاء الأعراب الذين قالوا آمنا، الذين قالوا آمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم. (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) يعني أتخبرون ليس المقصود أن الله عز وجل يُعلَّم بدلالة يقول المفسرون تعديتها بالباء (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) لكن لو قلت لك يا شيخ عبد الرحمن: علّمت الشيخ دينه لكان من باب التعليم المعروف، لكن علّمته بدينه يعني أخبرته، فالمقصود هنا (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) أي تخبرونه وتٌعلِمون الله بدينكم بقولهم آمنا. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) كأن هذا ردٌ كيف تعلمون الله عز وجل والله يعلم ما في السموات وما في الأرض؟! هاهنا رد عليهم لوحدهم في الآية. ثم حتى لا يتوهموا أن علم الله عز وجل محاطٌ بما في السموات وما في الأرض قال الله عز وجل وعمّم (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) حتى أيضاً يتربون على الإيمان الذي كنا نتكلم عنه. ليس فيه ردٌ عليهم فقط وإنما فيه تربية لهم (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فاعلموا وتيقنوا بأن الله عز وجل بكل شيء عليم وليس أنتم لوحدكم. ثم في الاية الأخيرة عُمّم الخطاب لكل من يقرأ السورة وليس لهؤلاء لوحدهم قال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)) ليس هناك (قل) لأنه (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا (14)) هذا رد عليهم وفي الاية التي تليها أيضاً (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) هاهنا عموم (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (18)) وحتى لا يُظَنّ أيضاً أنه يعلم الغيب لوحده قال الله عز وجل (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) في الظاهر وفي الباطن كله يعلمه الله عز وجل.

د. عبد الرحمن: وكل هذا تأكيد على هذه الصفة العظيمة

د. عبد الله: نعم صفة العلم لله عز وجل

د. عبد الرحمن: أيها الأخوة المشاهدون الكرام نستأذنكم بعد هذا في فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.

——————–فاصل——————-

د. عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم. مرحباً بكم مرة أخرى أيها الأخوة المشاهدون في هذا اللقاء ولا يزال حديثنا متصلاً على أواخر سورة الحجرات مع ضيفنا الكريم فضيلة الدكتور عبد الله بن حمد المنصور. لفت نظري يا دكتور عبد الله في قوله (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قد يظن البعض ممن يقرأ هذه الاية أن هناك تكراراً في هذه الصفة أو في هذا الخبر (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) يكفي هذا فلما قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ثم قال في آخر السورة (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) كيف نوضح للمشاهد الكريم أنه ليس هناك تكرار كما يتوقع؟

د. عبد الله: لو نظرنا إلى السبب الرئيسي لنزول هذه الآيات كما قال أهل التفسير هو أن هؤلاء الأعراب جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون آمنا فهاهنا تلحظ أن عندهم ضعف أو عدم إدراك لقضية أن الله يعلم غيب السموات والأرض وإلا لم يقولوا هذا الكلام لأن الوحي سينزل عليه صلى الله عليه وسلم ويُعِلمه مباشرة كما نزلت هذه الآية فلذلك تكرر الأمر في التأكيد على قضية علم الله عز وجل بالسموات والأرض وصفة العلم عموماً. ولكن عندما تتأمل تجد كل موطن ورد فيه ذكر علم الله عز وجل تجده في مكانه المناسب ليس هناك تكرار بمعنى التكرار الصريح إنما هو ترسيخ لقضية إثبات صفة العلم لله عز وجل. فمثلاً (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذا هو أول رد على هذه الطائفة من الأعراب (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) قد يظنون أو قد يحتاجون إلى جرعة زائدة من الإيمان والتربية على هذه الصفة فقال الله عز وجل هاهنا (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذا تعميم لهذه الصفة وأن كل شيء تحت علم الله عز وجل وبعلم الله عز وجل فجاءتهم جرعة زائدة من الإيمان وهو القصد من الآيات لهذه الطائفة من الأعراب ولمن يقرأ السورة. قال الله تعالى بعد ذلك (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) هذا خطاب تعميم بما فيهم الأعراب وغير الأعراب لمن يقرأ السورة كاملة (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعلم الغيب فقط؟ لا، (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فالظاهر والباطن عند الله عز وجل مطّلعٌ عليه، عليم بصير سبحانه وتعالى بكل ما تفعلون، بكل ما تعملون، بكل شيء تعملونه. فالصيغة هاهنا في الاية الأخيرة صيغة عموم يدخل فيها الأعراب وغير الأعراب كلهم.

د. عبد الرحمن: جميل. (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)) هل هؤلاء الذين يصنعون هذا الصنيه هم نفسهم الأعراب أم أنهم طائفة أخرى من الأعراب؟

د. عبد الله: هم نفسهم. ذكر المفسرون في سبب النزول أنهم عندما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا جئناك بالأثقال والأولاد ولم نقاتلك كما فعل بنو فلان وبنو فلان هذا من أسباب نفي الإيمان في هذه الآية، لم يصل عندهم الإيمان بالله ورسوله إلى هذه الدرجة فأصبحوا يمنون بعملهم وعلى كل من يمنّ بعمله الآن في واقعنا المعاصر أو يقول فعلت وفعلت وسافعل أن يتدبر هذه الآية جيداً فإن من مقتضيات نقص الإيمان المنُّ بالعمل الصالح، المنّ بالعمل الصالح من مقتضيات نقص الإيمان ولذلك نفى الله عز وجل عنهم الإيمان هاهنا وأثبت لهم الإسلام وهو درجة كما بيّنا درجة أولى في الدخول في الإسلام بعدة أسباب من ضمنها المنُّ بأنهم آمنوا بالله عز وجل والإيمان عمل صالح ولا شك. فعلى الإنسان عندما يقرأ هذه الآيات أن يخشى لأنها علامة على نقص الإيمان.

د. عبد الرحمن: قد يسال سائل يا دكتور عبد الرحمن الآن

د. عبد الله: قاطعتك يا شيخ عبد الرحمن. لكن أيضاً ليس المنّ بالعمل دائماً مذموماً لأن الجالس أمامك عندما يحتاج إلى أن تذكر له بعض الأعمال التي عملتها إما ليطمئن عليك كوالدك مثلاً بعض الأبناء قد يقول لوالده والله يا والدي أن أصلي ولله الحمد وأنا قمت البارحة الليل وأبشرك أني حفظت كذا، هذا ليس من المنّ بالعمل الصالح وإنما هو حتى يطمئن عليه. الأمر الآخر الدعوة للإقتداء فأنت تجد مثلاً إنساناً ترى أنه أقل منك في جانب من الجوانب وتريد أن ترفع مقداره فتقول يا فلان والله أنا والحمد لله حفظت سورة الحجرات في يومين لعله يتحمس ويبدأ يقول هذا يحفظ وأنا لا أحفظ، هذا ليس فيه منّ بالعمل الصالح. ثم لو تأملت قصة الثلاثة الذين في الغار.

د. عبد الرحمن: أحسنت، أنا كنت ساسألك عن هذه النقطة، قضية التوسل إلى الله بالعمل الصالح

د. عبد الله: هذا ليس من باب المنّ ولكن هؤلاء في وقت احتاجوا لنصرة الله عز وجل وأن يرفع ما هم فيهم من البلاء فذكروا أعمالهم الصالحة التي يتقربون بها إلى الله عز وجل ليس من باب المنّ، حالهم لا تدعو إلى منّ ولكن لتوفيق الله عز وجل ونصرته لهم.

د. عبد الرحمن: إذن يمكن أن نقول أن السياق هو الذي يدل

د. عبد الله: نعم السياق والحال

د. عبد الرحمن: إذا كان يقول ذلك على سبيل الامتنان لله سبحانه وتعالى وعلى سبيل التوسل إليه والدعاء

د. عبد الله: ويحضر الإنسان يا شيخ عبد الرحمن قضية خطيرة جداً وهي أن يصل إلى مرحلة نسال الله العفو والعافية– إلى أن يقول لماذا تفعل بي هذا يا رب وأنا الذي فعلت وفعلت؟ ويتغافل أو ينسى أن الإيمان مرتبط بالبلاء وأكثر الناس إيماناً هو أكثرهم بلاء. فأنت لو نظرت إلى حال الأنبياء وحال من بعد الأنبياء من الصحابة والتابعين وغيرهم وحتى الصالحين لوجدت الإيمان مرتبط بالبلاء وأن الإنسان يبتلى على قدر إيمانه. فلا تجزع وتدل على الله أو تمنّ بعملك الصالح فتقول أنا فعلت وفعلت وكأنك تعترض على شرع الله عز وجل. يقول النبي عليه صلى الله عليه وسلم إن البلاء لا يزال بالمؤمن حتى لا يبقى فيه

د. عبد الرحمن: يمشي على الأرض وليس عليه شيء

د. عبد الله: من الذنوب ومن جرائر أفعاله فيجب أن يتأمل الإنسان حقيقة هذا الأمر.

د. عبد الرحمن: ثم في قوله (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) كأن في هذه الآية أول شيء إبراز لقيمة وعظمة نعمة الإيمان على الإنسان وأيضاً أن لله سبحانه وتعالى أن يمنّ بنِعَمه، لو تفصّل لنا في هذه الآية.

د. عبد الله: يعني إذا كان في الإيمام منّ فمن من؟ من الله عز وجل هو الذي هداك لهذا الإيمان وهو الذي أرشدك وهو الذي أرسل الرسل وهو الذي اختصك من بين كل هؤلاء البشر يا أخي بالإيمان وأدخلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فالمِنّة حقيقة لله عز وجل ولذلك يقول بعض السلف ” مهما تعمل من عمل صالح ففه من الله عز وجل منّة عليك” حتى الشكر لما تشكر الله عز وجل على أن هداك لعمل صالح ففي الشكر مِنّة من الله عز وجل عليك. (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) فالمِنّة لله سبحانه وتعالى.

(إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) كما ذكرنا قبل قليل ارتباطها بالهداية للإيمان وأن من لوازم الارتفاع في الإيمان (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فالصدق مع الله عز وجل من لوازم الإيمان بالله عز وجل.

د. عبد الرحمن: في هذه السورة العظيمة يا دكتور عبد الله الآن ونحن قد أتينا على آياتها جميعها تقريباً وتكلمنا في الحلقات الماضية عن محطات هذه السورة العظيمة. أنا أريد في نهاية السورة بعد أن لأنهينا تفسيرها للأخوة المشاهدين أن نلخِّص إن صح التعبير- أبرز مقاصد هذه السورة العظيمة.

د. عبد الله: لو تأملتها كما قال بعض أهل التفسير أن هذه السورة تسمى سورة الأخلاق والأخلاق ظاهرة في هذه السورة وتعالج قضية الأخلاق في المجتمع الإسلامي عموماً. ففي أول السورة المقاطع الأولى منها الأدب مع الله عز وجل ومع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم الدعوة للصدق، صدق المسلمين فيما يخبرون به أيضاً. ثم التثبّت في نقل الأخبار مطلقاً التثبت مطلوب دائماً. ثم الإصلاح بين المؤمنين في الاقتتال وفي غير الاقتتال. ثم النهي عن بعض الأخلاق السيئة كالسخرية والظن السيء ثم بيان معيار الكرامة وأن أكرم الخلق أتقاهم عند الله عز وجل. ثم المقطع الذي معنا اليوم معالم الإيمان وكيف يرتفع الإيمان والإيمان بصفة الله عز وجل العليم، ثم أيضاً الحذر من بعض الأعمال التي تنقص هذا الإيمان. فأنّى جئت لهذه السورة تجد أن ارتباطها واضح جداً بقضية المجتمع المسلم وأن هذه السورة يصح أن يطلق عليها -كما يقول بعض أهل التفسير – سورة الأخلاق في المجتمع المسلم. لو قلنا خط عريض أو عمود السورة الذي يسميه العلماء عمود السورة لقلنا أخلاق المجتمع المسلم في سورة الحجرات لأنها مدنية ونزلت آياتها في آخر العهد المدني وعالجت أكثر من جهة. حتى لو أذنت لي قرأت عبارة للفخر الرازي في التفسير الكبير: يقول الفخر الرازي هذه السورة فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق وهي (مكارم الأخلاق هذه) إما مع الله أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع غيرهما من أبناء الجنس (الذين هم المؤمنين) وهم (أي المؤمنين هؤلاء) على صنفين إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين وداخلين في رتبة الطاعة أو خارجين عنها فأصبح عندنا ثلاثة أقسام والداخل في طائفتهم (يعني من هؤلاء الفُسّاق) إما أن يكون حاضراً عندهم وإما أن يكون غائباً عندهم، فيقول الرازي هذه خمسة أقسام، قال الرازي فذكر الله في هذه السورة خمس مرات يا أيها الذين آمنوا وأرشد بعد كل مرة إلى قسم من الأقسام الخمسة. وهذا تأمل لطيف وأنا رجعت كل آية فيها (يا أيها الذين آمنوا) وجدتها تنطبق فعلاً على ما ذكره الرازي.

د. عبد الرحمن: جميل جداً. أسـتاذنك يا دكتور عبد الله وأستأذن الإخوة المشاهدين ثم نعود إليكم فابقوا معنا.

———————- فاصل ————————

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً عن آيات سورة الحجرات وعن خلاصة ما تحدثت عنه هذه السورة. ووقفنا يا دكتور عبد الله عند ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره عن توزيعه هذه النداءات في السورة على الأصناف الخمسة التي ذكرتها. يحضرني يا دكتور عبد الله سؤال وهو في قوله تعالى (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) بعض الناس يا دكتور عبد الله الآن إذا جاء يدخل في الصلاة قال نويت أن أصلي لله صلاة المغرب ثلاث ركعات هل هناك علاقة بين هذه الآية وبين مثل هذه التصرفات مثل الجهر بالنية في بعض العبادات؟

د. عبد الله: ذكر بعض المفسرين ومنهم الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى أنه مما يستدل على أن التلفظ بالنية قبل البدء في العبادات كلها حتى الحجّ أن التلفظ في النبية قبل الدخول في العبادات أنه أمر غير مشروع بدلالة قول الله عز وجل (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) فيستفاد منها أن الله عز وجل يعلم. ثم أن الإنسان يسأل نفسه هل قال بها أحد من أهل العلم بدليل؟ هل هناك أدلة أن التلفظ بالنية قبل الدخول في العبادات والشروع فيها هل هو أمر مشروع أم لا؟ الحقيقة أنه لم يرد عن النبي صلى الله وسلم هذا الأمر وإنما هو إهلالٌ بالحج، المُشكل هاهنا فقط قضية الحج والعمرة وهي ليست النية وإنما هو شروع في الإهلال بالحج كما ذكر أهل العلم. وفي كتب الفقه الفقهاء يعبّرون يقولون النية محلها القلب، هذه كلمة مجمع عليها عند الفقهاء كلهم.

د. عبد الرحمن: والآيات التي في هذه السورة تؤكد على هذا (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وكأن هذا محله القلب. في سورة الحجرات ورد بعض الأحاديث التي ذُكرت في فضل هذه السورة هل تذكر لنا بعضها يا دكتور عبد الله؟

د. عبد الله: الثعلبي في كتابه الكشف والبيان والواحدي أخذ عن الثعلبي هذا الحديث والزمخشري أخذ عنه وابن عادل والحنبلي أخذ عنه، كلهم أوردوا الحديث ” من قرأ سورة الحجرات أُعطي من الأجر بعدد من أطاع الله وعصاه” هذا من الأحاديث التي نبّه عليها أهل العلم وأنها موضوعة. ويحضرني الآن لأحد الأخوة الفضلاء الدكتور عبدالسلام الجار الله له كتاب حول فضائل القرآن درس هذا الحديث وتكلم ونقل كلام أهل العلم وهي من الدراسات الفريدة لأن هذا الحديث يتكرر كثيراً في كتب التفسير ويحتاج إلى جمع طرقه. وكل سورة تقريباً في هذا الحديث وُضع لها فضل إلا بعض السور فينبغي التنبّه أن هذه الأحاديث التي تُذكر أحياناً في أوائل السورة أو في أواخر السورة عند بعض المفسرين

د. عبد الرحمن: الزمخشري فقط هو الذي جعلها في الأخير.

د. عبد الله: إنما هي من الأحاديث الموضوعة ويصح في هذه السورة قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ومكان الإنجيل المئين ومكان الزبور المثاني وفُضّلت بالمفصّل” على كلام أهل التفسير أن الحجرات أول المفصّل فهي أول المفضّل المفصّل.

عبد الرحمن: ونحن أخذنا بهذا القول بهذا المفصّل فبدأنا بسورة الحجرات.

د. عبد الله: الحقيقة أن الانطلاقة بهذه السورة مناسبة جداً والجهد الذ يبُذِل بها ويحتاج إلى جهد مضاعف ايضاً.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. أسال سؤالاً قد لا يكون فهمه بعض المشاهدين يا دكتور عبد الله وهو عندما قلنا حديث موضوع، ما معنى حديث موضوع؟

د. عبد الله: الموضوع هو درجة عند أهل الحديث أقل درجات الأحاديث الضعيفة التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث ضعيف وهناك تحته حديث موضوع يعني مختلق لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً. بعض الأحاديث الضعيفة معانيها موجودة في أحاديث أخرى صحيحة لكن الحديث الموضوع لم يثبت ولم يرد في الشريعة الإسلامية وفي أسانيده أناس يضعون الحديث ليس فقط يَهِمْ أو عنده درجة ضبط أقل ولكنه يضع الحديث ولذلك حماة الشريعة أهل الحديث يحكمون على هذه الأحاديث وينفونها.

د. عبد الرحمن: وأذكر الإمام العراقي رحمه الله في ألفيته في الحديث عندما جاء إلى الحديث الموضوع فقال:

شرُّ الضعيف الخبر الموضوع الكذب المختلق المصنوع

ثم ذكر منه الحديث الذي ذكرته الآن عندما قال:

نحو أبي عصمة إذ رأى الورى زعماً نأوا عن القرآن

فافترى لهم حديثاً عن فضائل السور عن ابن عباس وبئس ما ابتكر

هذا يضع لكل سورة حديثاً بأن من قرأ سورة كذا فله كذا، ومن قرأ سورة كذا له كذا.

د. عبد الله: هذا بيانٌ لنيّته رغم أنها جرّت هذا الخطأ كله. نيّته أنه كان يريد ترغيب الناس في قراءة القرآن.

د. عبد الرحمن: قال رأيت الناس قد انصرفوا إلى مغازي إبن إسحق وتركوا القرآن فأردت أن أضع لهم حديثاً فيه. أنت بحكم قراءتك يا دكتور عبد الله في سورة الحجرات هل استوقفك تميز بعض المفسرين بإفاضته في تفسيرها تميزه بحيث أن الإخوة المشاهدين يستفيدون عند الرجوع إلى كتب التفسير.

د. عبد الله: نعم. هناك أُفردت في سورة الحجرات وهناك مفسرين برعوا في بيان معالم المجتمع الإسلامي إن صح التعبير- في سورة الحجرات والحقيقة من أبرز من رأيت هو الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير لما أردت التحضير لهذا اللقاء قرأت عدداً من التفاسير فكان من أمتعها بالنسبة لي وأقربها لواقعنا المعاصر وأفاض في النواحي الاجتماعية أيضاً هو الطاهر بن عاشور فأعجبني في الحقيقة تلمسه للفوائد في الآيات ونقله عمن سبقه نقل مدقق محقق فالنقل ليس كله تكرار المعلومة في كتب التفسير ليس كل أحد يجيد نقله، فبعض المرات النقل يكون بتعقّب وأحياناً يكون بدعائم تزيده ثباتاً وتزيده رسوخاً. وابن عاشور حقيقة أنصح كل من أراد أن يتلذذ بالقرآن الكريم وخاصة من المتخصصين أن يتأمل كثيراً في تفسير ابن عاشور وكتابه هذا ثرة علمية للمعاصرين ينبغي أن لا يُهمل ولا أن يُغض الطرف عنه.

د. عبد الرحمن: جميل. يظهر لي يا دكتور عبد الله ملاحظة لا أدري إن كنت توافقني عليها كتب التفسير لو تتأمل من بدايتها مثل تفسير ابن أبي حاتم وتفاسير مثل ابن أبي شيبة متقدمة تجد أن فيه نوعاً من الإحجام عن الاسترسال في التفسير نحن نذكره في تاريخ التفسير على أنهم كانوا يكتفون بالمأثور فقط لكن ممكن أن تتلمس من خلال منهجهم العام أنهم لم يجرؤا على التفصيل حتى ابتعد الوقت وجاء الإمام الطبري ومن بعده فكان لديه من الجرأة العلمية والتفصيل، حتى اليوم تلاحظ بعض كتب التفسير عندما تقرأ في تفاسير بعض السور تجد أنه يكتفي ببيان معاني الكلمات أحياناً أو إضافة سبب نزولها وكذا. مثل ابن عاشور أو مثل سيد قطب في كتابه الظلال يتوسعون فيذكرون ظلالاً للآيات ويذكرون بعض الاستنباطات وربطها بواقع الناس وهذه ميزة كنت أشرت إليها في تفسير الإمام الطاهر بن عاشور وإفادة الإخوة المسشاهدين كتاب الطاهر بن عاشور نحن نقصد به كتابه العظيم التحرير والتنوير في تفسير القرآن وهو كتاب ضخم من أوسع كتب التفسير المعاصرة طبع في ثلاثين جزءاً في خمسة عشر مجلداً تقريباً وهو من الكتب الثمينة والمميزة مما يتعلق ببلاغة القرآن والتفصيل فيها. أيضاً هناك كتاب يا دكتور عبد الله نحب أن نشير إليه وهو كتاب تفسير سورة الحجرات للدكتور ناصر بن سليمان العمر وهو كتاب مطبوع ومتداول يمكن الاستفادة منه في هذه التفصيلات. هل بقي ما يمكن إضافته يا دكتور عبد الله حول محاور هذه السورة العظيمة.

د. عبد الله: فقط أنا أتمنى من الإخوة المشاهدين بعد أن انتهينا من هذه السورة وهذه فكرة للبرنامج وبعد أن تبينت لهم الكثير من مقاصد السور واستفادوا أيضاً من جهود طلبة العلم والأساتذة الفضلاء والمشايخ أن يسعوا سعياً جاداً إلى أن يطبقوا ما تعلموه على واقعهم وأن ينشروا هذه التعاليم التي تعلموها في هذ المجالس على أهلهم بدءاً من زوجك وأولادك ووالديك ومجتمعك ومسجدك ومدرستك ثم الأمر الآخر أتمنى أيضاً ما دام أن السورة اتضخت كثيراً من معالمها فبالتالي قطعت مشواراً في حفظ السورة أتمنى أن يتصل علينا في الحلقات القادمة أناس ويخبروننا أننا نسير معكم حفظنا سورة الحجرات وأنه إذا بدأتم في سورة ق سنحفظها إن شاء الله وهكذا حتى يكون التفاعل في البرنامج أكثر وأكثر وحتى نجني ثمرة جلوسنا هنا ويجني الأخوة المستمعون ثمرة استماعهم لهذه الفوائد فإن الأُمّة المغضوب عليها كانت تعرف ولا تعمل نسأل الله أن يحفظنا وإياكم وأن يجيرنا من غضب الله عز وجل. والأمة الأخرى الضالّة كانت تعمل على ضلال فعندما نقرأ في سورة الفاتحة قول الله عز وجل (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) الفاتحة) يجب أن نحقق هذا الأمر فكما أنك تسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم إعمل خطوات كباشرة للدخول في هذا الصراط المستقيم.

د. عبد الرحمن: في أول السورة يا دكتور عبد الله تأكيداً لكلامك إستجابة النبي صلى الله عليه وسلم واستجابة الصحابة رضي الله عنهم لتوجيهات القرآن، يعني عندما نزل قوله تعالى في أول السورة وكنا أشرنا إليها على عجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) معنى الآية عندما ذكرها المفسرون أن تتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث معه فتتحدث معه بصوت مناسبب ليس بالمزعج المرتفع وليس بالمنخفض الذي لا يكاد يسمع لكن عندما تتأمل في فهم أبي بكر رضي الله عنه وفي فهم عمر رضي الله عنه وفي فهم ثابت بن قيس وهو خطيب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمه للخطبة إذا جاءت الوفود مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يقدّمه بين يديه. عندما نزلت هذه الايات كيف كان تصرف هؤلاء؟ كيف فهموها؟ فهموها فهماً ربما نحن الآن نعتبره فهم ساذج أنهم أصبحوا لا يتكلمون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخ السِرار حتى ما كاد يسمع عليه الصلاة والسلام. ثابت بن قيس عندما نزلت هذه الآية ربط نفسه في منزله وأخذ يبكي ويقول حبِط عملي

د. عبد الله: رغم أن ثابت كانت سجيّته أنه كان جهوري الصوت، يعني هذه سجية فيه لم يكن يتكلّف هذا الأمر، فانظر إلى شدة الحذر مما هو فيه لم يكن يفعل هذا الشيء وإنما كان سجيّة فيه، انظر إلى الانقياد والاتّباع.

د. عبد الرحمن: ولذلك أؤكد على ما قلت يا دكتور عبد الله في قضية الإخوة المشاهدين أن ثمرة كل ما حدث وكل ما نتكلم به في البرنامج أو في هذه السورة هو العمل. وهذا هو الذي تميز به الجيل الأول والسلف الأول عندما كان يقول عبد الله بن مسعود وعندما كان يقول أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي كان يقول حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب هؤلاء هم سادتنا وسادة الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يجاوزون عشر آيات من كتاب الله حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال فتلعمنا العلم والإيمان والعمل جميعاً. وأنا أقول نحن في هذا البرنامج نسعى في الحقيقة لهذا قد نوفّق أحياناً فنصيب الهدف وقد نقصِّر وقد يدركنا الوقت أحياناً ولم نقل كل ما نريد أن نقوله لكثرة المعلومات لكن في النهاية الثمرة التي نسعى إليها هو ما تفضلت يا دكتور عبد الله وهو قضية العمل ونشر أيضاً هذا العلم وبيانه خاصة في ظل حاجة الناس الماسّة إلى بيان معاني القرآن وتطبيقه

د. عبد الله: عندنا أثر عن الحسن البصري أتمنى من الأخوة السامعين والمشاهدين أن يتأملوه معنا أيضاً. سأل رجل الحسن البصري فقال يا أبا سعيد أمؤمن أنت؟ فقال له الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا به مؤمن وإن كنت تسألني عن قول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (4) الأنفال) قال الحسن البصري فوالله ما أدري أأنا منهم أم لا؟. هذا نقله القرطبي في تفسيره. هذا هو الفهم الصحيح لمثل جلستنا هذه وللإيمان وللعمل الصالح وارتباطه بالإيمان زلقضية هل ما في القلب ظهر على الجوارح أم لا، هذه كلها ولذلك الشافعي يقول: أجمع الصحابة والتابعون ومن لقيناهم من أهل العلم أن الإيمان باللسان (يعني قول ونية وعمل). فالشافعي ينقل الإجماع من الصحابة والتابعين ومن لقيهم من أهل عصره فارتباط الثلاثة هذه يدعونا للتأمل حقيقة وأن الإيمان ليس دعوى ولعل هذه الايات ودرسنا لهذه الآيات يزيد هذه الأمور ترسيخاً وأن الإيمان ليس دعوى لا بد من ارتباط الإيمان بالعمل ومن ادّعى سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات أنه مؤمن أو أنه دولة إسلامية فعليه أن يطبق هذا الأمر ثم ماذا؟ (ثم لم يرتابوا) فالشك مما أنت عليه لا يفيد الأمر. كل أمر بسيط يرجّك ويبعدك عما أنت عليه من إسلام، يدل على أنك لست على بينة ولست على إيمان.

د. عبد الرحمن: يدل على أنك لست على بينة.

د. عبد الله: لست على بينة ولست على إيمان، (ثم لم يرتابوا) هذا من المقتضيات.

د. عبد الرحمن: الآن في الحديث عن قضية زيادة الإيمان ونقصانه وزيادته في الطاعة كيف يمكن أن تفصل في هذه القضية زيادة الإيمان ونقصانه؟

د. عبد الله: الإيمان يزيد وينقص، هذا من اعتقاد أهل السُنة.

د. عبد الرحمن: كيف نعرف أنه زاد وكيف نعرف أنه نقص؟

د. عبد الله: هؤلاء الآية عندنا من أدلّة أهل السنة (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) هذا تفريق بين الإسلام والإيمان، هذا واضح لكن كيف (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)؟ الإيمان سيدخل إلى قلوبكم ويستدل أيضاً أهل السُنة بقول الله عز وجل (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا (124) التوبة) قلنا قبل قليل تعلم القرآن مما يزيد الإيمان فهذه الاية تبين هذا الأمر. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة- “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب” (يخلق يعني يبلى ويضعف وتقل جودته) هذا في حال الثوب فالإيمان مثله، “فأسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم” فنسأل الله عز وجل أن يجدد الإيمان في قلوبنا كما نسأل الله عز وجل أن يزيدنا وإياكم والسامعين والمشاهدين جميعاً من بركاته وأن يفيض علينا وأن يعلمنا ما ينفعنا ويعلمنا ما ينفعنا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.

د. عبد الرحمن: اللهم آمين. شكر الله لك يا أبا أحمد وجزاكم الله خيراً. أيها الأخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً في نهاية هذا اللقاء أشكر الله سبحانه وتعالى الذي هيّأ هذا اللقاء ثم أشكر باسمكم جميعاً فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن حمد المنصور الباحث والمتخصص في الدراسات القرآنية والأستاذ بوزارة التربية والتعليم على ما تفضل به واسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدنا إيماناً به وتصديقاً به وبرسوله عليه الصلاة والسلام وأن يزيدنا إيماناً بكتابه وتوفيقاً للعمل بهذا الذي تعلمناه. إنتهينا من سورة الحجرات وفي الأسبوع القادم بإذن الله سوف نبدأ الحديث عن سورة ق آمل أن نجدكم على الموعد حتى نلقاكم بإذن الله وأنتم على خير أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


روابط الحلقة المرئية والمسموعة

جودة عالية ممتازة AVI
http://ia301543.us.archive.org/3/ite…sher080509.avi

جودة متوسطة WMV

http://ia301543.us.archive.org/3/ite…sher080509.WMV

جودة عالية ممتازة OGV
http://ia301543.us.archive.org/3/ite…sher080509.ogv

جودة عالية ممتازة MP4

http://ia301543.us.archive.org/3/ite…0509_512kb.mp4

جودة صوت ممتازة MP3

http://ia301543.us.archive.org/3/ite…sher080509.mp3