برنامج بينات

برنامج بينات – 1431 هـ – تأملات في سورة النساء (الآيات 12 – 14)

اسلاميات

الحلقة الثامنة

تأملات في سورة النساء من الآية 12 إلى الآية 14

د. عبد الرحمن: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا  ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مرحبا بكم إخوتي الكرام في هذا  المجلس القرآني المتجدد بينات الذي نتدارس فيه معكم آيات من سورة النساء وقد بدأنا في أولها ووصلنا فيها إلى الآيات التي تتحدث عن قسمة التركة بعد وفاة الميت ولعلنا نستمع هذه الآيات ثم نواصل الحديث معها مع المشايخ الفضلاء.

(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (١٤)

د.عبد الرحمن : وبعد سماعنا لهذه الآيات الكريمة التي يقسم الله سبحانه وتعالى بنفسه التركة بعد وفاة الميت لعلنا نتحدث بهذا اللقاء إن شاء الله معنا أيها الأخوة حول ما سبق أن شرعنا فيه من الحديث في قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) وكنا في اللقاء الماضي مع الدكتور مساعد والدكتور محمد بدأنا في الحديث عن لماذا جاءت الوصية في أول هذه الآيات؟ وأيضًا كنا أشرنا إلى الموازنة بين وصية الله سبحانه وتعالى للآباء وللوالدين أو وصية الأبناء ببر الوالدين في قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ونظائر هذه الآيات وفي هذه الآيات يوصي الله سبحانه وتعالى الوالدين بالأبناء فيقول (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وانتهينا من هذه الآية وما ورد فيها من المعاني على وجه الإيجاز حيث إننا لا نريد أن نتوقف في آيات المواريث خاصة لأن آيات المواريث لو أردنا أن نفصل فيها لاستوعبت العديد من الحلقات وإنما نكتفي ببعض المعاني وبعض الاستنباطات الدقيقة التي يستفيد منها الأخوة المشاهدون لهذه الآيات .

د.محمد :أنا لي ملحظ أحب أن أذكره لأخواني المشاهدين وهو ينبغي من يريد أن يتعلم المواريث أن يفهم آيات المواريث أولا لأنها ستبقى بيده دليلًا قويًا يعرف به يعني الحكم الشرعي في كل مسألة مع دليله يحفظها وأيضًا هي أيسر في إيصال علم الفرائض إلى القلب وإلى النفس من كونك تدرسها في كتب الفرائض لأنها كتب تذكر جميع الفروع وتفصّل وقد يتعثر الإنسان في بعض هذا الأمر .

د.عبد الرحمن : تأذن لي يا دكتور محمد أسألك سؤال الآن ما هي أسباب الميراث ؟يعني لماذا يرث شخص من شخص؟ ما هي الأسباب  التي تجعل هذا الشخص يرث من هذا الشخص؟ هل هي مذكورة في الآيات حتى يستوعبها الأخوة المشاهدون؟ .

د.محمد :نحن أشرنا في الحلقة الماضية يا دكتور عبد الرحمن إلى أن هذه الآيات الثلاث مقسمة طبعًا الآية هذه والتي تليها والآية الأخيرة في سورة النساء مقسمة إلى ثلاثة أقسام هذه في الأصول والفروع وهم أقرب الناس إلى الإنسان فأول سبب من أسباب الميراث هو القرابة أو النسب وأقرب الناس إلى الميت هم أولاده ووالداه ولذلك ابتدأ الله سبحانه وتعالى بهم، الآباء والأبناء. ثم جاء من بعد ذلك إلى الأسباب يعني من كان لك به سبب وليس نسب وهم الأزواج لأن الزوجة ليست صلتك بها صلة نسب هي الصلة الأصلية هي سببية المصاهرة “النكاح “. ثم يأتي من بعد ذلك سبب هو الآن يكاد يكون معدومًا لكن قد يتجدد في يوم من الأيام وقد كان كثيرًا فيما مضى من الزمان وهو الولاء يعني أن يكون للإنسان رقيق فيموت هذا الرقيق وليس له وارثين فيرثه من اعتقه بالولاء فهذه ثلاثة أسباب .

د.الشهري : هي التي تكون سبب في التوارث .

د.محمد :أما الأخوة مثلًا والاشتراك في التجارة أو أخوّة الدين أو الجيرة فليست أسبابًا للتوارث وإن كانت أسبابًا في أول الإسلام كما سيأتي (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) هذه سنتحدث إن شاء الله تعالى عن هذه القضية وهي قضية أن الإرث بالتآخي والتحالف كان موجودًا في أول الإسلام فنُسِخ (وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)

د.الشهري : إذن الآية التي هي (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) تحدثت عن الأبناء وتحدثت عن الآباء وهذا سبب من أسباب الميراث الذي هو سبب النسب ثم تأتي الآية التي معنا اليوم في قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) تحدثت عن السبب الثاني من أسباب التوارث وهو النكاح أن يرث الرجل زوجته وأن ترث  الزوجة زوجها هذا السبب الثاني .

د.محمد : عندي مسألة لو أذنت لي يا أبا عبد الله في قوله تعالى (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) طبعًا الغالب والشائع عن كلمة إخوة تطلق على الثلاثة فأكثر، علماء الفرائض أطلقوا إخوة هنا على الاثنين فأكثر واستقر إجماعهم على هذا وكان هناك خلاف لابن عباس في أول الأمر في هذا حتى أنه ذهب إلى عثمان رضي الله عنه وقال له كيف الإخوة في كلامك هم يعني الثلاثة فأكثر، فعثمان اعترض عليه بأن الأمر قد قضي على هذا. الحقيقة هذا المشهد يدل على أن ابن عباس نظر إلى الناحية اللغوية ولم ينظر إلى المسألة التي اجتمع عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعًا لا شك أن الصحابة ما حملوا كلمة إخوة على اثنين إلا وعندهم دليل في اللغة، هذا بلا شك لأنهم هم أهل اللغة وهم حجّة في هذا الباب بل عندنا أدلة كثيرة على أن الاثنين يكونون جماعة هذا واحد. نقول نحن لمن يسمع كلامنا في هذه الحلقة هذا يبين لنا يا أخواني أن الرجوع إلى مذاهب هؤلاء الأئمة والصحابة والتابعين ومعرفة مآخرهم في اختيار قول على قول أو الإجماع عليه هذه مهمة لمن أراد أن يحتاط لنفسه في دين الله عز وجل ويفهم كلام الله حق الفهم. ابن عباس اعترض أول الأمر طبعًا أنا أقول إن اعتراض ابن عباس كان لأنه شاب يعني في سن الحيوية والشباب ويرى لفظًا قد كثر استعماله في الجماعة ولا يُستعمل على الاثنين فأراد أن يحمل ما فقال له عثمان كيف وقد قيل؟ يعني انتهى الأمر الناس قد مضت على هذا يعني أنه أمر قد أُجمع عليه الإجماع ما يُنقض ولذلك قيل أن كلمة ابن عباس أو خلافه في هذا المسألة شاذ لا يعتبر ولا يعتد به لأنه خالف به جماعة الصحابة الذين انعقد إجماعهم قبل اعتراضه هو أو قبل أن يكون هو من أهل الإجماع رضي الله عنه وأرضاه .

د.عبد الرحمن :ولذلك أن ابن عباس كان يرى أنه لا يصح الإخوة إلا ثلاثة فما فوق أما الصحابة عثمان ومن معه كانوا يرون الاثنين فما فوق يحجبون الأم .

د.عبد الرحمن : الآية في قوله تعالى :(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) هنا بدأ بذكر حق الزوج في مال الزوجة المتوفاة فقال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) طبعًا الزوج والزوجة يعتبرون من أصحاب الفروض أليس كذلك يا دكتور ؟

د. مساعد: نعم

د.عبد الرحمن : كيف يكون تفصيلها يا دكتور مساعد الزوجة والزوج ؟

د.مساعد : طبعًا هو كما ذكرها سبحانه وتعالى إذا توفيت  الزوجة كما قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)لكن بقيد وهو (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)

د.عبد الرحمن : للزوج مع زوجته حالتان :

د.مساعد : حالتان:

– الحالة الأولى : أن لا يكون لها هي ولد فيأخذ النصف .

د.عبد الرحمن: سؤال إن كان لها ولد من غيره ،واحد تزوج امرأة وعندها أولاد من غيره ثم توفيت هذه المرأة؟

د. محمد: المقصود ولد سواء منه أو من غيره قبله أو بعده

د. عبد الرحمن: واحد فأكثر

د. محمد: والولد كما وكما ذكر الدكتور مساعد في الحلقة الماضية أن يكون بنت أو ذكر. في عُرف القرآن والسنة الولد يراد به الذكر والأنثى .

د. مساعد: قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) نلاحظ أن الوصية والدين سوف تكرر قال (ولهن) فرجع إلى حكمهن إذا مات الزوج .

د. عبد الرحمن: الزوج يأخذ من تركة الزوجة إما النصف وإما الربع فقط، لا يمكن أن يأخذ الرجل الثلث من مال الزوجة

د. محمد: نصيب مقدّر

د. مساعد: معناه إذا مات الزوج فله غما هذا وإما هذا. قال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) هناك قوله (وَلَكُمْ نِصْفُ) وهنا (الرُّبُعُ) فصار للذكر مثل حظ الأنثيين (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) الثمن مقابل الربع للزوج. أيضًا قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) انتهى الآن من الزوج والزوجة .

د. عبد الرحمن : هنا مسألة الزوج لا يكون إلا زوج واحد ويأخذ إما النصف أو الربع أما الزوجة قد تكون زوجتان أو ثلاث أو أربع فحقهن واحد لا يختلف باختلاف تعددهم. فالزوجة إذا مات زوجها إما تأخذ الربع إن لم يكن له ولد وإن كانتا زوجتان الربع وليس لكل زوجة أن تأخذ ربع فلو كانوا أربعة أخذوا ماله كله وبقي الورثة بلا شيء وهذا حكم جائر! وإنما هم شركاء في الربع أو الثمن.

د.محمد : مسألة أنبه لها في قضية الفرائض : سؤال من أحد المستفسرين .إتصلت واحدة تسأل: هلك رجل عن أم قلت من هي الأم ؟تقول أم أولاده .ينبغي في علم الفرائض إذا نسبنا أي إنسان من الورثة ننسبهم إلى الميت. قلت هلك عن من؟ قالت هلك عن أم وثلاثة إخوة، قلت من هم الإخوة؟ قالت الأخوة الذين هم إخوان فيما بينهم الآن نسبتهم إلى بعضهم،قلت وهؤلاء من أين جاءوا؟ قالت من الأم، والأم ماذا تقرب إلى الميت ؟ قالت زوجته .

ولذلك ينبغي للمستفتي أن ينتبه وأيضًا المفتي عندما يقول أم يقول أم من؟ هل هي أم الميت؟ سيكتشف أحيانًا أن السائل يقول لا، أم الأولاد “أي زوجة الميت” فلا بد أن ننسب الورثة إلى الميت دائمًا، أم يعني أم الميت ،زوجة يعني زوجته ، ولد يعني ولد الميت .

د.عبد الرحمن : انتهى  الآن من الأزواج كما ذكر الدكتور وهو قسّم أعطى للزوج تركته وأعطى للزوجة تركتها .

د.محمد : ونلاحظ بدأ ميراث الزوج قبل ميراث الزوجة هذا طريقة القرآن في تقديم حق الرجل على حق المرآة لأن هذا هو شرع الله سبحانه وتعالى وهو الموافق للعقل وموافق للواقع ولأن الرجل أكمل وأحق فالله سبحانه وتعالى يقدم من له التقديم ويؤخر من له التأخير .

د.عبد الرحمن :ثم يأتي الحديث الآن عن الإخوة، انتهينا من الأبناء ومن الآباء ومن الأزواج، الآن يأتي الحديث عن الإخوة .

د.محمد : قال تعالى :(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ)

د. عبد الرحمن : هذه آية الكلالة يا دكتور محمد التي أشكلت على عمر ما المقصود بالكلالة؟

د.محمد: يقال تكلّله النسب أي أحاط به كإحاطة الإكليل الذي يوضع على الرأس يحيط بالرأس من جميع جوانبه، لاحظ الأصول والفروع، الأصول شيء، من خرجت منه والفروع من خرجوا منك والإكليل ما أحاط بك فهؤلاء الإخوة يسمون كلالة لأنهم يحيطون بك ليسوا أصلًا لك ولا فرعًا منك (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) يعني ليس عنده أصول ولا فروع قد نتجوا منه وإنما إرثه أو من يرثه هم من أحاط به فقيل له كلالة (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) أيضًا كذلك .

د. عبد الرحمن : يورث وحاله أنه كلالة .

د. محمد : (أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) هنا يأتي أهمية الرجوع إلى تفسير السلف رضوان الله تعالى عليهم في مثل هذه الآيات لأن أخ وأخت مطلقة .

د.عبد الرحمن : أخ لأب، أخ لأم، أخ شقيق، ثلاثة أنواع .

د. محمد : ثلاثة أنواع وكلهم يرثون وكلهم من الوارثين، ما المراد به هنا؟ أجمع السلف على أن الأخ والأخت المذكورين في هذه الآية هما الأخوة من الأم بل وفيها قراءة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال (وله أخ أو أخت لأم) وهذا محل إجماع بل هو الواقع أيضًا لأن الله ذكر في الآية الأخيرة في سورة النساء ميراث الأخوة الأشقاء والأخوة لأب .

د.محمد: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)

د. مساعد: متساويين وهذه إحدى حالات التساوي.

د.محمد: نعم إحدى قسمة المال بين الذكر والأنثى على حد سواء.

د.عبد الرحمن : هنا الأخوة لأم ليسوا الذكر كحظ الأنثيين وإنما الذكر والأنثى سواء لكل واحد منهما السدس.

د.محمد: يقال إن هذه من بركة الأم على أبنائها، الأم من بركاتها أن أولادها إذا ورثوا يدخلون في الإرث سواء كأنها بركه منها على البنات هذه واحدة .

الثانية :هي الوحيدة  التي تأذن لمن أدلى عن طريقها بأن يرث معها.

د.عبد الرحمن : ما تحجبه

د.محمد: ما تحجبه بينما إذا وجد الأب ولا واحد من هؤلاء يبقى في التركة. ولذلك أي مسألة فيها ابن أو أب تبقى المسألة مختصرة في الفرائض لا يبقى فيها أحد لأن هؤلاء إذا جاؤوا فرّ الناس كلهم أخذوا بالفرض أو بالتعصيب كل الموجود يأخذونه فإذا غاب الاثنان “الابن والأب “تطول المسائل يدخل الإخوة وأحيانًا الأعمام .

د.عبد الرحمن : هذه معلومة مهمة. تلاحظون إخواني في فهم العلماء والمفسرين والفقهاء أيضا لآيات التركات فيه في الحقيقة عمق علمي ودلالة على حرص العلماء ودقتهم في فهم كلام الله سبحانه وتعالى وفي استنباط دلالاته كله لذلك تجد العلماء في تفصيلهم وشرحهم لآيات المواريث قد بلغوا الذروة في تتبع كل الدلالات واستنباط كل الفوائد التي تدل على المعاني التي في الحقوق في إيصال كل حق إلى صاحبه من جهة وأيضًا في الدلالات التربوية التي في هذه الآيات والدلالات العملية وأحيانًا الذوقية، لماذا قدّم الله سبحانه وتعالى الزوج على الزوجة ؟ ولماذا قدّم الله الأبناء على الآباء؟ وما في ذلك من دلالات. وهناك لفتة مهمة جدًا أنصح بها إخواني الذين يحبون تذوق الكلام العربي الفصيح أحيانًا نخطأ أو نضل الطريق عندما نبحث عن الأدب وعن القدرة على تحليل الكلام في كتب الأدب والشعر ونغفل كتب التفسير وكتب الفقه في حين أن كتب التفسير وكتب الفقه هي من أكثر الكتب التي تجد فيها مهارة وقدرة على استنباط الدلالات وفهم النصوص. لأن العلماء عندما يأتون للتفسير ويأتون للفقه فإنهم يستقصون المعاني ويتتبعونها في هذه الآيات وفي هذه الأحاديث لأنهم يبحثون عن دين ويبحثون عن شيء يتدينون به وعن حق ويحلون المشكلات بخلاف الأدب والشعر فإنها في العادة للتذوق واللذة فتجد في تحليل العلماء لآيات المواريث مثال رائع جدا لإبداع العلماء المسلمين في فهم دلالات النصوص.

د.محمد: ومصداق الكلام (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) العلماء قالوا إن الأخ والأخت لأم يرثون من الميت بشروط: ألا يكون له أصل ذكر وارث ولا فرع وارث سواء كان ابنًا أو بنتًا أو أبن أبن أو بنت أبن من أين أخذوا هذا كله؟ من كلمة كلالة فهي كلمة غنية بالمعاني .

د.مساعد : في قوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ)

د.عبد الرحمن : هنا إضافة غير مضار دكتور مساعد لو تعلق عليها ( أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ)

د.مساعد :نعم في قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي غير مضار في وصيته أي لا يضر الورثة، لا تكون وصيته فيها إضرار لورثة .

د.عبد الرحمن : فإنها لا تنفذ .

د.مساعد :ولهذا قال بعدها (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) أي كل ما مضى هو وصية من الله سبحانه وتعالى

د. عبد الرحمن: من رد العجز على الصدر (يُوصِيكُمُ اللّهُ) -(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)

د. مساعد: وفي الحقيقة حتى اختيار (يُوصِيكُمُ اللّهُ) (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)في الوصية هذه في قضايا مرتبطة بالوصايا والإرث فيها تناسب لفظي عجيب مع الحدث الذي يشهده الآن الإنسان الميت وما بين دين ووصية وإرث ناسب أن يكون لفظ الوصية من الله سبحانه وتعالى

د.محمد : العجيب أن الله عز وجل يقول (يُوصِيكُمُ) ليبين كيف أنه يرفق بنا، العادة أن الذي يوصي دائمًا لا يوصي إلا وهو يحب إيصال الخير للآخر. هذا الذي أوصله الله لنا ليس من باب الكمال التأدب بمعنى آداب إن أخذتم بها أو تركتموها لا، بل هي واجبات مفروضة بدليل قوله تعالى (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) وبدليل قوله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) فهذا الأمر ليس من الاستحباب إن فعلتم ذلك فجزاكم الله خيرًا وإن لم تفعلوا فلا حرج عليكم لا، ولكن الله يعطينا من الألفاظ أعذبها ليبين أنه قد أبلغ في إيصال الخير إلينا .

د.عبد الرحمن : ونكرر أن هذه الآيات قد وردت مورد التشريع وتقسيم التركات التي يحصل بين الناس فيها من التقاطع ومن الخصومات والآن تجد المحاكم من أكثر القضايا الشائكة التي تجدها في المحاكم قضايا التركات والخلافات والنزاعات بين الورثة والتقاطع بينهم بسبب هذه الأموال وبالرغم في هذا السياق الذي هو مبني على هذا المشاحنة والمشاحة يأتي فيعبر بلفظ الوصية إشارة إلى التحبب والعناية الهداية والرفق .

د.مساعد : فائدة في خاتمة الآية قال تعالى (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) طبعًأ في قوله (والله) إظهار في مقام الإضمار

د.محمد: كان يمكن أن يقول وهو العليم الحليم.

د.مساعد : لكن أيضًا في الآية السابقة قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) كرر العلم هنا ولكنه خالف في ذكر الحلم هنا بدل الحكمة. ولو تأملت هذه الآيات العلم يمكن أن يرجع فيه إلى التقسيم إلى: عليم بما يصلح لكم فقسّم هذه القسمة ويمكن أن يكون من باب التهديد أي عليم بما يحصل من بعضكم من مخالفة أمره أو وصيته في هذا ومع ذلك هو حليم لا يعاجل من فعل هذا بالعقوبة فجمع بين العِلم والحِلم في هذا الموطن وكأن هذا الموطن من قسمة التركات موطن لإضاعة بعض الحقوق عن قصد فنبّه أنه يعلم وأنه إن فعلتم مع ذلك أنه يحلم لا يعاجل بالعقوبة فانتبهوا واحذروا .

د.عبد الرحمن :الحقيقة أن دلالات الأسماء الحسنى التي تختم بها الآيات فيها الحقيقة دقائق وأسرار بلاغية عجيبة لاحظ فعلًا هنا أن هذه مظنّة ظلم الناس وتعديهم، الله يهدد فيقول :(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) والعلماء يقولون دائمًا تنتظر دائما إلى الأسماء الحسنى إلى لوازمها ومقتضياتها عندما  يقول (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) فهو تهديد لك إنه عليم بما تصنع وبالتالي سوف يعاقبك وحليم كأن فيه إمهال وإشارة لمن لم ينته من قسمة التركة ومن لم ينصف ولم يعط الحق فليتدارك .

د.محمد : وهنا مسألة أخرى أشرنا إليها في حلقات متقدمة وهو أن اجتماع الاسمين ينتج منهما معنى ثالث علم الله عز وجل مقرون بحلم “كما أشار دكتور مساعد قبل قليل قال الإتيان بالعلم هنا قد يكون المراد به التهديد انتبهوا فالله يعلم إن ظلمتم أو تعديتم أو خالفتم أمره . علم مقرون بحلم وحلم مقرون بعلم كثير من حلم البشر ليس مقرون بعلم بمعنى أنك تحلم على من أساء وأنت لا تدري ما هي مقاصده وتقول الأيام ستبدي هذه الأشياء والله يحلم وهو يعلم أن فلان يريد كذا و فلان ظلم في كذا ومع ذلك عنده الحلم التام الكامل الواسع جل جلاله .

د.مساعد : بعد هذه الآيات قال  (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يشير إلى أن نلاحظ حليم جاءت في موطن التهديد فجاء بعدها قوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) ثم قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ) كأنه قسّم في التركات جاء في التركات أن هناك قوم يطيعون الله وقوم يعصون الله هذا التقسيم كأنه مبني على ما سبق. ولو رجعنا إلى قول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) سنجد أن حدود الله وردت في أكثر من آية وهي حدود حدّها سبحانه وتعالى.

د.عبد الرحمن : من أول السورة تقريبًا تحدث عن حقوق اليتامى ، أموال اليتامى، تحدث عن النساء ، تحدث عن الصدقات ، تحدث عن أكل مال اليتيم ، تحدث عن حقوق اليتامى ، تحدث عن الصدقات ،تحدث عن أكل مال اليتيم وتحدث عن المواريث والذي يقصرها على بعضها بدون دليل فهذا تحكم منه أليس كذلك؟ فالذي يأتي ويقول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) إشارة إلى المواريث فقط هذا قصرها على بعض المقصود ما دام عامًا .

د.مساعد:وقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) الأولى قال خالدين فيها . فرّق في مقام الطاعة جاء بالجمع خالدين وفي مقام المعصية جاء خالدًا فيها . أولًا سنن العرب في (من) وأمثالها أن من لفظها لفظ المفرد ومعناها معنى الجمع تصلح للجمع والمفرد، قال (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) إلى هنا على المفرد ولما قال (خَالِدِينَ فِيهَا) على الجمع فالابتداء على المفرد وختم بالجمع هذا هو سنن الكلام .وفي الآية لما قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) جعلها كلها على المفرد .الثانية أي إعادة على اللفظ ولم يعده على المعنى والعلماء وقفوا عند هاتين اللفظتين وأطالوا الحديث عنها طبعا فيها نكت وفوائد منها :

قوله سبحانه وتعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إعادة للجمع للاشتراك في الخير مثل قوله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) اجتماع على الخير فلما كان خيرًا أشرك إخوانه معه فقال (خَالِدِينَ فِيهَا) يعني هو ومن أطاع مثله. وأما في المعاصي فكل إنسان يحاسب لوحده بذنبه (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) مناسب أن يكون خالدًا فيها لأن المسيء يعذَّب بإساءته ولا يلحق غيره شيئًا من إساءته .

د.محمد:وفيها معنى آخر وهو (خَالِدِينَ فِيهَا) من جزاء هؤلاء الذين أطاعوا الله ورسوله بأن الله سبحانه وتعالى يمتعهم بالجنة بالاجتماع بأن يكونوا مجتمعين في الجنة لأنه لو كنت في نعيم من أروع ما يكون وكنت فيه وحدك قلت دعوني فيما كنت فيه واجمعوني بأهلي وأقاربي وأصدقائي وأحبائي أما في النار فيرى أنه يعذب ولو كان في ضحضاح منها وأنه ليس هناك أحد يعذب في العالم مثل عذابه فيكون اجتمع عليه العذابين عذاب الوحدة وعذاب النار نسأل الله العافية والسلامة.

د.عبد الرحمن :إشارة إلى أن معاني الآخرة فيها من معاني الدنيا يعني الإنسان في الدنيا حتى لو كان في نعيم فإن الوحدة بالنسبة له نوع من أنواع العذاب أنت في نعيم أو قصر واسع أو في حدائق وأنت وحدك لا تستمتع، حتى الكرماء من العرب مثل حاتم الطائي ما كان يأنس إلا إذا كان معه ضيوفه ناس يشاركونه أكله. وكذلك العذاب والسجن في الدنيا إذا أريد للشخص أن يعاقب عقابًا شديدًا يسجن سجنًا انفراديًا ويحبس عن الناس ويغرب وكذلك عقوبة الزاني أنه يغرَّب هذا تعذيب له لأنه يبعد عن أحبابه وأصدقائه. وفي معنى آخر في قوله تعالى عن أهل الجنة (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) وفي الآية بعدها قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) (ويتعد حدوده) فزاد هذه الصفة وهي في الحقيقة دلالة على رحمة الله وحلمه الذي ذكره في الآية قبلها يقول (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) قال فيمن يطيعه يدخله فمن كرم الله قال ومن يطع الله ورسوله يدخله ولم يقل ومن يطع الله ورسوله ويلتزم الحدود ويحرص عليها يدخله جنات كأن فيها تأخير لهذا الجزاء لكن من رحمة الله بمجرد طاعة الله يدخله فالله سبحانه وتعالى أسرع بثوابه منك بالعمل.

الثانية قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ثم فتح المجال حتى لا يقنط الإنسان المعصية لا يكاد يسلم منها أحد فأنا أرى أن هاتين الآيتين في صياغتها تتناسب مع حلم الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده

د.محمد: كأني أشعر من كلامك يا دكتور عبد الرحمن أن هناك من المعاصي ما لا يبلغ به الإنسان أن يتعدى الحدود مثل اللمم يقع من كل إنسان النظرة واللفظة والخطوة والخطيئة وهي أشياء لا يكاد يسلم منها أحد في يومه وليلته لكن احذر أيها المسلم أن تتجاوز هذا إلى تعدي الحدود كأن تصر على هذه المعاصي أو أن ترتكب الكبائر وأنت تعلم ما وضع الله فيها ما شرع من عقوبة سواء عاجلة أو آجلة .

في قوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أود تنبيه إخواننا إلى أن أمر قسمة المواريث خطير جدًا وأن التزام شرع الله فيها ليس أمرًا يتساهل فيه فأنا أرى التساهل فيه الآن في عدد من الجهات:

الجهة الأولى أن يضطر بعض الورثة إلى المطالبة والشكوى ولا يستطيع الوصول إلى حقه إلا بعد عنت ومشقة نقول اتقوا الله ما دام قال تعالى ولكم ولهنّ انتهى الموضوع، هذا حقهم، قابلت أحد الناس الذين تأخروا في قسمة الميراث 25 سنة فأقول له يا فلان لماذا لا تقسمون؟ قال ولماذا نستعجل؟ قلت الناس لهم حاجاتهم قال ما هي؟ قلت البيت الذي كانت قيمته عالية ربما اليوم لا يساوي شيئًا وأنت حرمت هؤلاء شيء من حقهم وهذا له حق وأنت إبكاءك في إيصال حقه ظلم وبعض الناس يستحي أن يطالب رحمه، هؤلاء يحتجون ويقولون ربما في يوم من الأيام ترتفع أسعار هذه الأراضي، فقلت له فرصتك أن تنفرد بها أعطِ الناس حقوقهم وخذ أنت حقك، الآن مات اثنان منهم وما عندهم استعداد أن يقسموا التركة.  .

ثانيًا: يظلم بعض الورثة ولا يعطى حقه كما يعطي البقية وهذا يحصل الآن وخصوصًا في جانب النساء فترضى بما تعطى . فنقول ليحذر من يقسم أيا كان أن يعطي الورثة شيئًا ليس من حقه أو يؤخر في إعطاء الحق فإن هذا من الظلم ومن تعدي حدود الله عز وجل.

د.مساعد : هناك مسألة وقعت وما عرفت الحكم فيها، إذا رضيت الزوجة بشيء قليل وقالت أنا أخرج من التركة إذا أرضوها بشيء من التركة، هل يجوز للزوجة أن يقدم لها مبلغ من المال وتخرج من التركة ؟

د.محمد: هل هم اضطرّوها وألجؤوها إليه؟ إن كان عن غير طيب نفس منها فلا يحل لهم منه شيء لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)) وإن كان عن طواعية فلا باس لأنها رضيت .

د.مساعد : أحيانا طواعية مشبوهة بإكراه وكيف الإكراه؟ أنها متى ستأخذ حقها؟ قد يماطلون في حقها، فقد تنتظر حقها وقد لا تحصل عليه. وخاصة إذا كانت الزوجة هي ليست من البلاد كما يقع من بعض الخادمات. واذكر بعض الصلحاء كبر في سنه وأبناؤه أيضًا كبار وعنده شركات ومحتاج من يعينه على قضاء حاجته فاضطروا إلى أن يزوجوه خادمة كي يفكوا الحرج الشرعي من جهة ولكي يعينوا أباهم من جهة لكن لما قضى الله عليه الموت هذه زوجته الآن وإن كانت تأخذ الثمن ستحصل على ملايين فالبعض ترضى بالعشرة والعشرين وتخرج .

د.عبد الرحمن : الحق واضح فيها، يعني إعطاؤها هذا الجزاء من باب الصلح والترضية اعتقد هنا حرام لا يجوز لأن هذا استكثار لحق أعطاه الله إياه وكأنه أعلم بالمصلحة من الله وهنا الحقيقة يقع التحذير الذي في آخر الآيات لأنه قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)لأن هذا عصيان لله ورسوله رفض بأن تعطيها يا رب الربع لا، الربع كثير نعطيها العشر كما يقع من الكثير الذي يدفع الزكاة يأتي ويقول نسبة 2.5%كثيرة أنا سأخرج 1% ويعتبر لا مشكلة فيها وهذا تعدي لحدود الله الله سبحانه وتعالى حدّ حدودًا الربع الثمن الثلث السدس فيأتي أحدهم ويقول هذا كثير!  ثم تأملوا في ختام الآيتين قال (تلك حدود الله) والحدود واضحة دقيقة المعالم وإلا ما سميت حدودًا وإنما سميت حدودًا لأنها واضحة ومن تعريف الحد أن يكون واضحًا.

لاحظوا ختام الآيتين: من يستجيب لأمر الله سبحانه وتعالى قال (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فكيف عظّم من شأن هذا الفوزّ وأشار إليه بـ (ذَلِكَ) ثم عرّفه بهذا الألف واللام ليدل على الفوز ثم وصفه بالعظمة. ثم جاء إلى الجزاء الآخر فقال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) نلاحظ (وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) نكّره والتنكير هنا أيضًا للتعظيم ووصفه أنه عذاب مهين يعني يهان فيه هذا الذي تعدّى هذه الحدود إهانة بالغة .

د.محمد :وكأن الذي يتعدى الحدود في مثل هذه المواطن يستهين بأمر الله فيعاقب بعقوبة من جنس عمله وهذا أقوله والله أعلم في حق أولئك الذين يتنقصون من شرع الله ويقولون بأنه شرع ظالم ولا يساوي المرأة بالرجل وفيه أشياء غير مفهومة فيستهينون بحكم الله فيجترؤون على حدود الله ويتعدونها فيقال احذروا فإن لكم عند الله عذابًا مهينًا فيه خزي وإذلال  وتحقير بأعظم مما حصل منكم من استهانة..

*ملاحظة للحفّاظ: هناك متشابهات آيات لو تأملها الإنسان يضبطها لكي يحفظها منها مثل: (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) مفردة في القرآن ما جاءت بالواو ومن دون (هو) إلا في هذا الموطن  ولذلك يمكن أن تختبر بها غيرك تقول (وذلك الفوز العظيم) أكمِل فإذا قال لك أي واحدة عرفت أنه غير ضابط لأنه ليس هناك غيرها في القرآن. يضبط الحافظ هذه المواطن لأنها تعينه على الحفظ، في سورة التوبة ترد آيات شبيهة بها خمس مرات لكن ولا واحدة مثلها تمامًا (وذلك الفوز العظيم)، موجود (ذلك هو الفوز العظيم) (وذلك هو الفوز العظيم)

د عبد الرحمن : هذه أُلِّف فيها مؤلفات ومطبوعة مثل منظومة السخاوي (هداية المرتاب في ضبط متشابه آي الكتاب). ينتقل الحديث في الوقوع في المعصية فيقول سبحانه وتعالى (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) هذه الآية تتحدث عن المرأة التي تقع في فاحشة الزنا فما هو حدّها؟

*د. مساعد: قبل هذا نتكلم عن المناسبة “علاقة هذه الآية  بما قبلها “؟

فيه نوع من انقطاع كنا نتكلم عن أموال وحقوق فجأة انتقل إلى أحكام أخرى ،

د. محمد: ألا ترى أنه عندما تحدث عن الحدود جاء إلى هذا الحد؟ قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)ثم ذكر حدا متصلا بما جاء في أول الآية عندما ذكر ما للنساء ذكر ما عليهن.

د. مساعد: الإصلاح وحسن التخلص، فهذا منه عندما تكلم عن حدود الله من يكع الله ومن يعص الله جاء بمثال آخر صريح في (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) وأيضًا قضية أخرى أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن الإحسان إلى النساء وذكر ما لهن من المواريث ثم بعد ذلك انتقل إلى أمر آخر ليتصل به هذا الباب وباب التغليظ الذي تكلمنا عنه في مسألة الإصلاح وهو جانب من جوانب الإصلافي النساء

د. عبد الرحمن: لعلنا نؤجل الحديث عن الآيات التي تتحدث عن الحدود ونفصل فيها إن شاء الله ونشير إلى مسألة النسخ التي ورد في هذه الآيات في اللقاء القادم إن شاء الله. أيها الإخوة المشاهدون انتهى وقت هذا اللقاء ولعلنا نلقاكم ونستكمل الحديث أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بُثّت الحلقة بتاريخ 8 رمضان 1431 هـ