برنامج بينات

برنامج بينات – 1431هـ- تأملات في سورة النساء الآيات 19-20

اسلاميات

الحلقة الحادية عشرة:

د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أحبائي الكرام ما زلنا نتحدث في سورة النساء ونسأل الله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه، وأن ينفعنا بهذه السورة العظيمة وصلنا فيما وصلنا إليه من هذه السورة إلى قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) النساء)، قبل أن ندخل في معاني هذه الآية والآيات التي تليها، نحب أن ننصت لسماع تلاوتها خاشعين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكتابه العظيم .

تلاوة الآيات 19 – 20 من سورة النساء:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20)).

وبعد أن استمعنا إلى تلاوة هذه الآيات الكريمة نحاول أن نقف وقفات يمكن أن تكون عاجلة مع معاني هذه الآيات العظيمة، ومعي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري والدكتور مساعد الطيار.

يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) بيّنا فيما سبق أن معنى الآية: لا يحل لكم أن تفعلوا ما يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا مات الميت جاء ورثته فورثوا امرأته، يعني ورثوا التصرف فيها، وليس المقصود استرقّوها ولكنه شيء أصبح مثل الميراث، ورثوا التصرف فيها وتحكموا بها فلا يحق لها أن تتصرف في نفسها بعد أن يملكوا هم أمرها كما يملكون سائر متاعه وميراثه، فالله عز وجل نهى عن ذلك وبيّن أن المرأة هي أملك بنفسها وأنه لا يمكن لأحد أن ينال منها شيئًا إلا برضاها. ثم إنتقلنا وتوقفنا عند قول الله عز وجل (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) وحصل بيننا شيء من تداول الرأي حول معنى الآية هل هي مرتبطة بالمعنى الأول أم هو معنى جديد يتصل بالأزواج مع زوجاتهم؟ ولكن زيد بن أسلم كما قرأنا في تفسير ابن كثير بيّن بيّن أنها تصلح لهذا ولهذا، بمعنى أنه لا يحل لكم أيها الناس أن تمنعوا هؤلاء النساء اللواتي مات أزواجهن من أن يتزوجن لرغبتكم في أن ترثوهن، فينتظر بها حتى تموت ثم يرثها، فهذا منعٌ لها من حقها في الزواج. والثاني هو في معنى جديد يتصل بالمرء مع زوجته وهو أن يمنعها حقها الشرعي حتى يضارّها لتفتدي منه (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) وأحد الشيخين أشار إلى أن هذا مناسب لما يلي من الآيات لقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) مع العلم أن الذي يتأمل بشكل دقيق يعلم أن الآية يمكن أن تحتمل هذا المعنى وتحتمل هذا المعنى ولا تضاد ولا تعارض بينهما .

د. الشهري: هناك معنى أريد أن أنبه إليه في هذه الآية العظيمة وهو بِدء هذه الآية بالنداء بوصف الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) وفي سورة النساء بدأ النداء بصفة الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وكنا ذكرنا أن العلماء يذكرون أنه من ضوابط المكي والمدني أن تكون السورة مما ورد فيها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ولم يرد فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فإنها تكون مكية، هذه السورة مدنية ورد في أولها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وهذا ضابط من ضوابط المكي، لكن ورد فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فخرجت من كونها مكية وتأكد أنها من السور المدنية، هذه مسألة.

د. الخضيري: معذرة أبا عبد الله قد يُعترض على هذا بسورة الحج فإنه وقع فيها خلاف مع أنه جاء في مقدمتها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وجاء فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77)الحج).

د. الشهري: فيها سجدة، وهذه نادرة، سورة الحج هي التي خرجت عن هذا الضابط .

نأتي إلى مسألة أخرى، لماذا يا ترى جاء النداء هنا بوصف الإيمان في حين أنه في الآيات التي تقدمت جاء البدء بالوصية (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)؟ ثم جاء هنا فنادى بوصف الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ

د. الخضيري: في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) هل هذا الوصف كاشف أي بمعنى أنه لبيان الواقع؟

د. الشهري: ليس شرطاً لأن مفهوم المخالفة غير مقصود.

د. الخضيري: و لذلك هذه الآية تدخل في مثل قول الله عز وجل (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا (33) النور) فلا يعني ذلك أنهن إن لم يردن التحصن فأكرهوهن، إذ خرج ذلك لبيان الواقع.

د.الطيار: قيد لبيان الواقع.

د. الشهري: معنى الآية هنا أنه أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء، لا يجوز للرجل أن يجعل زوجة أبيه كسائر المتاع يرثها، وجاءت (كَرْهًا) للإشارة إلى أنه لا يحدث هذا إلا على وجه الكراهية .

د. الخضيري: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) لعلنا فقط نذكر هنا تفصيلًا في هذا المعنى إذا كان في حق الزوج فإن بعض الأزواج إذا لم يرضَ المرأة لكونه ما أعجبته في جمالها أو في حالها لشيء من هذه الأشياء ليس لسوء العشرة، يحاول أن يمنع المرأة كثير من حقوقها مثل حقها في العِشرة حقها في النفقة ونحو ذلك أو حسن الخلق والمعاشرة ليضطرها من أجل أن ترد له المهر الذي دفعه لها وهذا في قمة الدناءة و الظلم لهذه المرأة المسكينة، فأنت الآن قد عاشرتها وأخذت مقابل المهر الذي دفعته لها، إستحللت بُضعها وفرجها فكأنك أخذت ما يقابل ما دفعت من مال، فبأي حق يحق لك أن تعضل هذه المرأة وتكرهها على أن تفتدي منك فترد لك المال الذي دفعته؟! هذا لا يليق بمروءة الرجل ولا يليق أصلاً بالمسلم والمؤمن ولذلك جاءت مضمومة إلى مسألة نودي فيها المؤمن بوصف الإيمان.

د. الشهري: كأن هذه الأوصاف لا تليق بمن اتصف بصفة الإيمان .

د. الخضيري: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) استنبط منها بعض العلماء إنه ينبغي أن يكون الخلع الذي يكون بين الرجل و المرأة أنه لا يكون بكامل ما أعطاه الرجل للمرأة، بل ينبغي أن ينقص وهذا معنى جميل الحقيقة، لأنك أنت قد أخذت من المرأة شيئاً فلا ينبغي بأن تعود بكامل ما أعطيتها من مهر وإنما قال (بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ). في قوله (إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) الفاحشة المبينة ما هي؟

د.الطيار: قالوا إنها الزنا وبعضهم قال الفاحشة المبيّنة التي هي سوء الخلق، وهذا لا شك أعم سوء الخلق.

د. الخضيري: كأني رأيت الطبري رحمه الله يميل إلى هذا.

د.الطيار: وهذا الحقيقة أقرب لأن وقوع الفاحشة المبيّنة من المرأة في الزنا في مواطن ليس دائماً، لكن سوء الخلق قد يكون سبباً في هذا.

د. الخضيري: طبعاً لا يُقصد بسوء الخلق شيء خارج عن المألوف، كونها تتمنع منه، كونها لا تحسن إلى أهله، كونها تستطيل بلسانها، كونها لا تؤدي حقه على وجه التحبب وإنما بكثير من ما يسمى”النرفزة” هذا يدخل في هذا، ويحق له بهذا أن يلجئها إلى أن تفتدي نفسها لأنه مسكين كأنه خُدِع فهو يريد إمرأة يسكن إليها ويطمئن إليها وفي النهاية وجد إمرأة ما تعطيه شيئًا من هذه الأشياء إلا بإكراه وعدم طواعية وهذا لا شك يؤلم نفس الزوج وخصوصاً في أمر العشرة الزوجية فكلما أرادها وإذا بها تتمنع وتتأذى منه وتتأفف ولا شك أن الزوج يأنف من هذا كثيراً .

د.الطيار: قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) طبعاً يُلاحظ في القرآن الوصية بالمعاشرة بالمعروف بين الأزواج في كثير من المواطن، وكثير من الناس يغفل عن هذا المعنى وهو معنى المعاشرة بالمعروف، كيف تكون المعاشرة بالمعروف؟ عندما تتأمل سبحان الله، فإن المرأة تخرج من بيت أبيها بطباعها وأخلاقها إلى رجل أيضاً خرج من بيت أبيه بطبعه وأخلاقه، فلا يمكن أن تتلاقى هذه الطبائع والأخلاق تلاقياً تاماً، فسيكون هناك نوع من المنافرة والإختلاف، فهنا يأتي دور المعروف ومحاولة أن كل واحد من الطرفين يتنازل عن بعض الأمور لكي تسير الحياة وإلا لا يمكن أن يوجد مطابقة مهما وقع، لا يوجد مطابقة بين اثنين، فالوصول إلى درجة تعتبر مثالية وكمال مطلق هذا لا يمكن أن يوجد، ولهذا يجب أن يتنبه المسلم دائماً لقوله سبحانه وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهو يتعامل مع أهله في كل شيء وخصوصاً في الأقوال، قد تسمع مثلاً من ضرب الزوجات وشتم الزوجات وإهانة الزوجات وعدم تلبية الطلبات المقدور عليها للزوجات، كل هذا مخالِف للمعاشرة بالمعروف وأنت لا ترضى أن يقع هذا لإبنتك فكيف رضيته لابنة الناس؟! ولهذا أنت إصنع مع زوجتك ما تحب أن يصنعه الناس مع ابنتك، وهذا لا شك أنا أقول إنه الشعار الذي يجب أن يكون مرفوعاً في البيوت: المعاشرة بالمعروف والتغافل، إذا وقع التغافل بين الزوجين تسير الحياة.

د. الخضيري: التغافل ما هو؟

د.الطيار: فالتغافل هو بالعبارة العامية أن الواحد ما يدقّق، يتغاضى، فمثلا قد يأتي الزوج مرة متعصباً ويتكلم بكلام كذا، فالمرأة إن ردت عليه صارت المشكلة واشتعلت النار، لمَ لا تتحمل هذا إلى أن يهدأ طبعه وتسير الحياة، والمرأة كذلك قد يقع منها شيء من هذا فالزوج لا يجب أن يقعد عند كل قضية يفتح لها ملف أنت قلت كذا فلماذا قلت كذا.

د. الخضيري: بعضهم يحصي ذلك إحصاءاً في ورقة أو في كمبيوتر، في اليوم الفلاني حصل كذا وتركتك وفي اليوم الفلاني قلتِ كذا وفي اليوم الفلاني طلبتِ كذا وفي اليوم الفلاني فعلتِ كذا وتكلمتِ كذا، وهذا لا شك أنه من أسوء ما يكون، ليس من العِشرة بالمعروف وفيه ضرر على الزوج و على إمرأته، طبعاً المرأة حصل منها هذا لكن حتى الزوج لما يحصي هذه الأمور سيضر حتى بنفسيته ويصبح دائماً يقع على هذه الأمور.

د.الطيار: ويبحث عن الأخطاء .

د. الخضيري: وقولك التغافل فيه كلمة للإمام أحمد لما قيل له يقولون إن تسعة أعشار الخلق في التغافل قال بل الخلق كله في التغافل، هذه الكلمة رائعة جداً ننبه إخواننا إلى أن الإنسان حتى في صحبته مع إخوانه ما يمسك كل كلمة ويحللها ماذا قصد بها فلان؟ ولماذا قالها في هذا الموقع؟ ولماذا يهينني بها؟ حساسية مفرطة.

د.الطيار: هذه مزعجة جداً ولا تريح في الصُحبة.

د. الخضيري: وإن كان إنسان مبتلى بشيء من ذلك فما ينجيه في نظري إلا الدعاء أي ادعو الله أن ينجيك من هذا البلاء فإنه إذا وقع في إنسان أضر به اضرارًا بالغاً فلا ينسجم مع إنسان ولا يمكن أن يصاحب أحداً ولا يمكن لأحد أن يألفه، والمؤمن كريم يألف ويُؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف .

د. الطيار: لما قال (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ) هذه تعطينا واقعية الحياة الزوجية، فالزواج الأصل أنه مبني على المحبة والمودة (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) الروم) لكن قد يأتي بين شخصين أو قد يفقد شخص منهما هذا الأمر فيقع فيه كره لأي سبب من الأسباب، ويزداد هذا الكره، هذا الكره يجب أيضًا أن يكون مضبوطاً بالمعاشرة بالمعروف، لأنه من المعاشرة بالمعروف أن هذا الكره لا يوصلك إلى أن تسيء للمرأة أو أن تسيء المرأة للزوج.

د. الخضيري: أو ألا تؤدي إليه حقوقه.

د.الطيار: أي أن الحقوق الآن معتبرة ولكن كيف تتعامل ولهذا سبحانه وتعالى نبّه فقال (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) كأنه يقول تمهّل، هذا الكره الذي تجده الآن لا تستعجل في إتخاذ قرار بسبب هذا الكره لأنه قد يكون هناك مآلات أنت لم تنتبه لها، حتى يتحقق عندك تماماً أنك لا تستطيع أنه أُغلِقت جميع الأبواب فإذا أُغلِقت جميع الأبواب فهناك الطرق الأخرى.

د. الخضيري: مخارج.

د.الطيار: نعم، مخارج. لكن في الحقيقة عندما تتأمل أنه سبحان الله كيف أن الله سبحانه وتعالى يربي هذه الأسرة المسلمة كيف تتعامل مع هذه الأحداث. و أنا الحقيقة أتعجب من أننا بالفعل نجهل هذه القضايا ونحتاج إلى أن نتعلم هذه القضايا في المجتمع الأسري فلما تسمع بعض المشكلات الأسرية تلاحظ أنها جاءت من مثل هذه الأمور. أنا أذكر كاتبة نصرانية أسلمت سمّت نفسها نعيمة روبرت كتبت كتاباً إسمه “نساء يعتنقن الإسلام”، ذكرت هذه المشاكل الزوجية ولكنها كانت تنطلق من القرآن، وكانت تناقش القضايا بواقعية، أنه كيف تتعامل مع هذه القضايا مثل ما أرشدها القرآن، فسبحان الله تحس بأن هؤلاء الذين أسلموا من جديد وأرادوا أن يطبقوا الإسلام كما ورد بالقرآن والسنة فسبحان الله كيف يفهمون هذه الأمور بيسر وسهولة وليس عندهم فيها مشكلة. كيف يكون الطلاق بين المسلمين الجدد؟ كيف يكون الزواج بين المسلمين الجدد؟ كيف تتعامل المرأة الجديدة مع زوجها؟ لأنهم كلهم الآن في دائرة الإسلام جدد يحاولون ويبحثون عن ماذا يريد الله؟ ماذا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم فيطبقونه، ستجد أنها كتبت كتابة واقعية كيف تعيش الأسرة المسلمة، وسبحان الله وأنا أقرأ هذا الكتاب وأتأمل وهي تذكرها أنهم لم يستطيعوا أن يحلوها وأنا أتعجب الحقيقة وأنا أقرأ هذا الكتاب كيف سبحان الله أن هؤلاء يحرصون على تطبيق هذه الشعائر حتى في التعاملات العادية، ونحن نغفل عنها وهي بين أيدينا؟! ولذلك أنا أدعو إلى أن هذه الأمور تقام لها دورات ودورات تسهل للأزواج – وخاصة إلى حديثي الزواج أو غيرهم – أن تنزل إليهم برامج إذاعية وبرامج تليفزيونية أو كتابات أو مقالات في الصحف مرة بعد مرة، وتكون متجددة فتحل مشكلات كثيرة، نحن نشهد هذا كثيراً كم من فائدة استفدتها من كلمة عابرة من رجل أو من كلمة قرأتها في صحيفة أو من مشهد شاهدته في تلفاز أو غيره فهي تؤثر في حياتك تأثيراً إيجابياً. ولهذا نقول أنه يجب علينا أن ننتبه إلى هذا، ولكن لا نقول للإنسان أنه يلزمك، ولكن نقول تأمل أنه هناك شيء من القدر مآلاته ليست كما تظن.

د. الخضيري: والأمثلة على ذلك كثير خصوصاً إذا اتقى الله سبحانه وتعالى في أن يصبر وأن لا يتعدى حدود الله ولا يظلم الآخرين فيجد في ذلك الخير.

د. الشهري: الحقيقة هذه الآية فيها من تربية الأخلاقيات في الأسرة المسلمة الشيء الكثير، استوقفتني بعض المعاني فيها، في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأن الأصل في الحياة الزوجية هو المعاشرة بالأخلاق العالية المعروفة بين الناس بحسنها وجمالها بالتعامل بين الناس وأنه إذا كان المطلوب من المسلم أنه يتعامل مع المسلمين وغير المسلمين بحسن الخلق فهو مع زوجته مطالب بشكل أكبر أليس كذلك؟ (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، أيضاً من الفوائد التي تظهر لي في هذه الآية قوله سبحانه وتعالى (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) كيف أن الله سبحانه وتعالى طلب من النفوس الصبر والاحتمال في أمر مستمر، فالآن نحن نقول إذا كان الله سبحانه وتعالى طلب من الزوج مع زوجته أو من الزوجة مع زوجها أنه إذا كان أحدهما يكره الآخر لسبب دنيوي، طبعاً إذا كانت الزوجة مثلًا لا تصلي أو مضيّعة لدينها فهذا لا يستحب للزوج بأن يصبر عليها أليس كذلك؟ ولكن المقصود هنا (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ) لسبب من أسباب الدنيا لخُلُق تكرهونه مثلاً كالشح مثلاً أو خِلقة مثلاً أو بذاءة لسان أو شيء من هذا القبيل (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فسبحان الله! الله يوجه الزوج والزوجة مع أن حياتهم مستمرة أنت لا تدري متى تنتهي حياتك الزوجية معها قد تستمر 20 سنة أو 30 أو 40 سنة مرتبطة بالموت أليس كذلك؟ ويطلب منك الصبر ويقول اصبر فعسى أن تكره شيئاً فيجعل الله فيه خيراً كثيراً. فكيف تقول في صحبة المسلم لأخيه المسلم؟! أو المسلمة لأختها المسلمة وهي لا تعيش معها طول الوقت كما يصنع الزوج مع زوجته؟! لا شك أن الصبر مطلوب معهم من باب أولى أليس كذلك؟ لأن العيشة ليست دائمة فأنت ترى الآن بعض الزملاء يضيق بزميله لأخلاق بسيطة ليست كبيرة ويضيق به ويأنف منه ويتبرم ولا يصبر بل يهجره وقد نُهيَّ المسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، وذكر المفسرون أوجهًا من أوجه الخير التي ذكرها الله هنا عندما قال (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) مثل ماذا؟ قالوا مثل أن يصلحها الله سبحانه وتعالى فتنقلب فإذا هي خير مما كانت عليه، أو أن يرزقك الله منها بذريّة صالحة وهذا يحصل كثيراً فعلاً.

د.الخضيري: حتى قالوا في أمثال العرب (كل فروط منجبة) الفروط طبعاً هي المبغضة للزوج التي لا تتحبب إليه بخلاف العروب فسبحان الله! منجِبة تنجب الأولاد الذين يكونون هم أنجب ما يكون من الأولاد وهذا لا شك أنه خير لهذا الرجل خصوصاً إذا ما صبر واتقى الله سبحانه وتعالى. وتصديقاً لكلامك أبا عبد الله منذ قليل في كلامك أنه يصبر الإنسان في مثل هذه المواقف فعسى الله أن يجعل فيها خيراً فيصلح الله له هذه الزوجة، في هذه الأيام بلغتني قصة عن رجل من الصالحين كانت له زوجة سليطة اللسان وكان الناس يعجبون من صبره عليها وكونه يتجلد في تحملها فكانت حتى تدير البيت وتأمر وتنهى ولا يستطيع أحد في البيت أن يخالف رأيها وكان هو صابرًا على هذا الأمر، العجيب أنه لما أصابه شيء من الفالج في كبر سنه نفر منه كل أحد إلا هي، ذلّلها الله سبحانه وتعالى له وسخرها له فما بقي من يخدمه حتى أنها كانت تأخذ الأذى من تحته إلا هي، وهذا سبحان الله مثل ما ذكرت مثل ما يصلحها الله هي في نفسها.

د. الشهري: لاحظوا أيضاً يا أخوان مصداقًا لما ذكرتم أن الله لم يوجه من يكره زوجته لسبب من الأسباب الدنيوية التي يمكن أن يصبر عليها لم يوجهه للطلاق ولم يوجهه إلى الزواج من الزوجة الثانية كما وجهه في الآية الأولى في قصة اليتامى عندما قال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) هنا لم يقل فإن كرهتموهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، مع أن هذا مظنة التوسيع أي أنك إذا كنت قد كرهت من زوجتك خلقاً فليكن لك فرصة تزوج ثانية وثالثة ورابعة واترك هذه الزوجة التي تكره منها هذه الأخلاق، وإنما وجّهك إلى الصبر وكأنه يقول فإن كرهتموهن فأصبروا عليهن (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)

د. الخضيري: عسى هنا بالمناسبة يا دكتور مساعد يقولون دائماً أن عسى من الله واجبة، فهنا ما دلالة عسى؟

د. الطيار: هنا الأغلب في عسى من الله أنها واجبة، إذن هذا وعد كأنه وعد أنها وعد من الله سبحانه وتعالى من تأول هذه الآية مع زوجته أو تأولت الزوجة مع زوجها فلا شك أنه سيأتيها بالخير الكثير، يوصف بأنه خيراً كثيراً وليس فقط خيراً مطلقاً مما يدل على أن من آثار الصبر على هذه الأمور هذا الخير الكثير فسبحان الله وهذا لا شك أنه نوع من أنواع الوعد ووعد الله سبحانه وتعالى لا يتخلف، وفي مقابل الإنسان تطبيق المسلم له لأنه لم يأت بالأمر على الوجه الذي شرعه الله .

د. الخضيري: في قوله (خيراً) يا دكتور عبد الرحمن أترى أنها نكرة أصلاً؟ هي في النكرة تدل على التعظيم فكيف إذا وصفت بأنها خيراً كثيراً؟!

د. الشهري: لا إله إلا الله، الحقيقة سبحان الله العظيم أن هذه الآية فيها فتح لباب الصبر للمسلم ولكن من يوفق للصبر إلا من وفقه الله؟! لذلك ما أعطي عبد عطاء أوسع خيراً من الصبر لأن كثيرًا من الناس يتذمر ويتخذ قرارًا مستعجلًا في هذه القضايا، يكره من زوجته خُلُقاً قد يكون مثلاً تافهاً لذلك أنت تلاحظ وأنا ألاحظ الآن في كثير من الاستشارات الزوجية التي نقرأها في المجلات أو نسمعها في البرامج أنها مسائل تافهة وتؤدي هذه المسائل التافهة إما اختلاف على لون كنب مثلاً أو اختلاف على شيء من المال أو اختلاف على راتب الزوجة أوعلى جزء من راتب الزوجة أو ملابس الزوجة أو السكن أو حفلة مثلاً يحلف الزوج أن الزوجة لا تحضر هذه الحفلة وهي تقسم أن تحضرها فتؤدي مثل هذه الأسباب التافهة إلى الطلاق. وهنا الله سبحانه وتعالى يفتح باب الصبر للزوجين وهذا فيه الحقيقة إشارة إلى أن الزوج ينبغي أن يتحلى بالصبر أليس كذلك؟ وأن يتحلى بسعة الصدر والاحتمال وهذا من معاني القوامة ومن معاني جعل العصمة في يد الزوج أن يكون صبوراً. الأمر الثاني الذي أعجبني حقيقة في قولكم (وعاشروهن بالمعروف) وأن الكثير من المعاشرة بالمعروف تتجلى في التغافل واحتمال الأذى وكأنك لم تسمع وتذكرت بعض الأبيات الشعرية مثل قول بشار بن برد في قصيدة مشهورة فيها معاني رائعة جداً لكن يقول من ضمن أبياتها

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمِئتَ و أيُّ الناس تصفو مشاربهم

فأنت لا تتوقع أن حياتك مع زوجتك ستكون كلها عسل كما يقولون ويصورون بعض الناس وللأسف أنه الآن في أفلام ومسلسلات وروايات يصورون الحياة الزوجية على أنها حياة رومانسية مليئة بالغرام و ليس فيها ما يعكر فلما تأتي البنات إلى الحياة الزوجية والحياة البشرية مليئة بالمرض ومليئة بالظروف ومليئة بالكدر، انظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

د. الخضيري: لذلك الآن مثلاً دعونا نتكلم عن المسلسلات التركية التي صار فيها اعطاء صورة غير حقيقية للحياة الزوجية وخدع بها أناس بل حصلت حوادث طلاق بين أزواج وزوجات لهم سنين متزوجين يعني الزوجة تذمرت من واقعها لما رأت هذا المسلسل، ظنت أن هذا المسلسل هو الذي يصور الحياة الحقيقية هذا غير صحيح! هذا كله مفتعل! والله لو تزوج هذا الرجل الموجود في المسلسل على تلك المرأة زواجاً حقيقياً لبان منه ومنها الشيء الكثير. حتى قال لي مرة أذكر الشيخ جعفر شيخ إدريس كلمة عجيبة قال انظر إلى تعامل الأخت مع أخيها خصوصاً إذا تزوج كل واحد منهم وصار له بيت من أحسن ما يكون من العشرة أو المعاملة ما بين الأخت وأخيها هي تحترمه وتكرمه وإذا جاء إليها جعلته بين عينيها، يقول لو أحلّ الله لنا أن نتزوج أخواتنا لرأينا منهن ما نرى من سائر النساء!. في قوله (وعاشروهن بالمعروف) أنا الحقيقة يا أبو عبد الله لاحظ الجانب الأخلاقي في قوله (وعاشروهن بالمعروف) يجب أيضاً أن نلاحظ جانبًا آخر الآية تحتمله أيضاً وهو الجانب الفقهي (عاشروهن بالمعروف) أي إعطوهن من الحقوق ما تعارف الناس عليه فما تأتي وتقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصرف على عائشة درهماً في اليوم وأنا سأصرف عليك ولست بخير من عائشة سأصرف عليك كما صرف النبي على عائشة! كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به الشهر والشهرين والثلاثة لا يوقد في بيته نار وأنت ما شاء الله كل أسبوع توقدين النار. كل يوم، لا، لا كل أسبوع على أساس أنه مقتِّر عليها، يعني أنا أعطيك أكثر مما أعطي النبي صلى الله عليه و سلم عائشة (وعاشروهن بالمعروف) أي بما عرف من حالك وحالها وحال الناس التي تعيش فيه ، و أيضاً أنت أيتها المرأة ( عاشري زوجك بالمعروف) أي تقدمي لزوجك ما تقدمه النساء لأزواجهم يعني لو جائت المرأة وقالت ما عندي استعداد أخدم. وكلمة (وعاشروهن بالمعروف) جاءت على وجه المفاعلة فيها نوع من التبادل بين الرجل وإمرأته .

في قوله (وإن كرهتموهن) الحقيقة في ملحوظة أنه يمكن للمؤمن أن يكره مؤمناً أو لا؟! وهذه الكراهة طبعاً إن كانت كراهة شرعية مثل ما أسلف الدكتور عبد الرحمن ينبغي أن تزال أسبابها بالنصيحة والأسباب التي ذكر الله عز وجل في كيف تزال هذه الكراهة الشرعية. وإن كانت كراهة طبيعية بمعنى أنه سبحان الله وجد في قلبه إنفاً لها ووجد في قلبه شيئاً من هذه الكراهة لها فعليه أن يسعى لإزالة الأسباب قدر ما يستطيع ثم لا يكلفه الله شيئًا فوق ذلك لأنه يمكن أن يقع ذلك ولا يؤثر في أصل إيمانه لأنه من المعلوم أن المؤمن مطلوب منه الحب في الله

د. الشهري: خاصة بين الرجل وامرأته لابد أن يكون هذا متوفر صحيح . مما يشير أيضاً أن الآية تدل على أن الحياة الزوجية الأصل فيها المحبة والحب أليس كذلك !! بلى وأن خلاف الأصل هو (إن كرهتموهن) أن يطرأ كره لخلق من أخلاق الزوجة يستدعي الصبر ويستدعي البذل ويستدعي النصيحة وربما يؤدي إلى الطلاق ولا شك أن من المعاشرة بالمعروف إذا لم يكن هناك قدرة على الاستمرار في الحياة الزوجية أن يكون هناك فراق بالمعروف وبالتي أحسن أليس كذلك؟ .

د. الخضيري: قال تعالى (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) قوله (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) الآيه طبعاً مفهومها العام

د. الطيار: لما ذكر الكراهة في الآية السابقة قد يكون بعض الأزواج ليس عنده من الصبر والتحمل ما يبقي زوجته معه فيريد أن يطلقها ويتزوج بأخرى. فإن كان قد أراد زوجة أخرى وكان قد أعطى الأولى قنطارًا والقنطار طبعاً مال ضخم المقصود به مال كثير ولنفترض مثلاً أنه مليون على سبيل الافتراض إنه أعطى هذه الزوجة مهراً مليون على سبيل الافتراض فهو لما أراد يطلق استكثر هذا المال فأراد أن يأخذ منه

د. الشهري: وكأن هذا به ربط بالعضل الذي تحدثنا به قبل قليل !

د. الطيار: أي نعم .يضايقها حتي يسترجع مرتبطة بالآية السابقة. فلا يجوز له أن يأخذ من هذا المال ويسمي الله سبحانه وتعالى أخذه إن أخذ (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) والبهتان يجب أن نعرف إنه أشد من الكذب .

د. الخضيري: لكن في قوله (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) يظهر مثل ما ذكرت يا أبا عبد الملك إنه هو طمح عن الأولى خلاص انتهى منها ويريد أن يطلقها ليأتي بأخرى مكانها، طبعاً هنا يحتاج إلى مهر للثانية ! فلاحظ! هنا إنه كيف يحصل على المهر؟ المتوقع إنه يحصل على المهر إنه يأخذ المهر من الأولى ويعطيه للثانية فالله يحذر في هذه اللحظة التي تريد أن تستبدل زوج مكان زوج أن تظلم من أعطيتها مهراً فتريد أن تأخذه .

(وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) في قوله (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) تكلم الناس عن قضية تحديد المهور، هل هذه الآية تدل على جواز أن يغالي الناس في المهور!؟

د. الشهري: هذه وقعت لعمر رضي الله عنه، أراد عمر بن الخطاب أن يحدد المهور إنه رأى الناس يغالون فيها وطبعاً المهور كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة الكرام ميسورة وأن أكثر النساء بركه أيسرهن مهراً وهذا هو السنة وأن المبالغة في المهور ليست من السنة في شيء، هذه واحدة . لكن إن حدث أن دفع رجلاً لزوجته مهراً غالياً حتى وإن كان مبالغاً فيه فليس في ذلك شيء ليس هذا محرّماً في ذاته. ثم تأتي هذه الآية فالله سبحانه وتعالى يعتبرها على افتراض، على افتراض أنك كنت أعطيت زوجتك التي كرهتَ البقاء معها أنك كنت قد أعطيتها مالاً كثيراً فإنه لا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، وأن المروءة تأبى، وأن الدين والشرع هنا يذم ذلك . قال (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) والقنطار هنا كما تفضلت هو المال الكثير كما قال الله سبحانه وتعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ( آل عمران 14 ) يعني الأموال الكثيرة فلا تأخذوا منه شيئاً أدنى شيء يعني شيء نكرة في سياق النهي فلا تأخذوا منه شيئاً البتة. ثم يقول (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) هذا إستفهام إستنكاري إنه لا ينبغي للرجل المسلم المؤمن الذي جاء النداء له (يا أيها الذين آمنوا) في الآية السابقة أن يفعل مثل هذا الفعل المشين .

د. الخضيري: في قصة عمر رضي الله عنه حقيقة نريد أن نبحثها لكن إن شاء الله لعلنا نرجئ هذا البحث إلى الجلسة القادمة . فلما قال [ ألا لا تغالوا في مهور النساء ] فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شيئاً من ذلك والحديث طبعاً رواه أهل السنن لكن الزيادة عليه هي محل الإشكال لما قامت إمرأة وقالت له ماذا تقول في قول الله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) فسكت عمر ثم قال [ أخطأ عمر وأصابت إمرأة ] هذه الزيادة هي محل الإشكال لأن الذين رووه من أهل السنن رووهم دون هذه الزيادة. هي رويت عند بعض أهل السنن والمسانيد لكن ليست في السنن الأربعة الترمذي و غيرها. ومن هنا يقال أنه هل يحتج بهذا الحديث الذي فعله عمر رضي الله تعالى عنه على جواز تحديد المهور؟ الذي يظهر والله أعلم أنه يجوز لولي الأمر أن يحدد مهراً خصوصاً إذا رأى الناس قد بدأوا يبالغون فيشق عليهم ذلك، ولكن لو أن إنسانًا أعطى امرأة مالًا كثيرًا فإن ذلك الذي أعطاها إياه حل لها ويصبح مالاً لها لا يجوز للزوج أن يتراجع عن شيء منه أو يضطرها إلى أن ترد إليه شيئاً من هذا المال. انظر كلمة (شيئاً) قلنا إنها نكرة في سياق النهي لتدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ من ذلك المهر أي شيء .

على كل لعلنا إن شاء الله أن نعيد كل هذا البحث في حلقة قادمة. مشاهدي الكرام إلى هنا انتهى الوقت المقرر لهذه الحلقة ، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بُثّت الحلقة بتاريخ 11 رمضان 1431 هـ