برنامج بينات

برنامج بينات – 1431هـ- تأملات في سورة النساء الآيات 26-28

اسلاميات

الحلقة 14

د. الطيّار :بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله. أيُّها الإخوة والأخوات من هذا المكان الطيّب نبتدئ حلقتنا لهذا اليوم. وقبل أن نبتدئ بهذه الحلقة لعلّنا نستمع لبعض آياتٍ من سورة النِّساء، ثم نبتدئ بتفسيرها إن شاء الله.

تلاوة للشيخ عبدالباسط محمد عبدالصّمد رحمه الله من الآية (26-28) من سورة النّساء.

(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾)

بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات، لعلِّي أبتدأ مع أخويَّ الكريمين: الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري، والدكتور عبدالرّحمن الشِّهري، بتفسير قوله سبحانه وتعالى (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾). في قوله سبحانه وتعالى (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هذا البيان الإلهي أشار إليه الله سبحانه وتعالى في هذه يجري على الأحكام السَّابقة، ويبدو أن قوله سبحانه وتعالى (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أنّ هناك أحكام تتوافق مع شَرائع الأنبياء السَّابقين، ولكن لا يلزم أن تكون نفسها تفصيلاً لأننَّا نعلم أنّه من شريعة يعقوب كما ورد أنّه كان من شريعته جواز الجمع بين الأختين هكذا حُكِيَ في شريعته.

د. الشِّهري: أنا أقول هذه علّة ممتازة جِدّاً وواضحة، لكن لاحظ أنّه إذا كان في شريعة بعض الأنبياء السَّابقين كان يجوز الجمع بين الأختين، مع أنَّ الفطرة البشرية واحدة، والغيرة وكما هو معلوم من شأن سارّة زوجة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام كيف غارت من هاجر، أليس كذلك؟ فأقول مهما حاولنا أن نلتمس الأعذار أو العلل من تحريم الجمع بين الأختين أو كذا إلا أنّه يبقى الأمر الأساسي في تحريم الجمع بين الأختين هو أمر الله سبحانه وتعالى، أمر تعبُّدي لأنّ الله قد حرَّم الجمع (وأن تجمعوا بين الأختين) هذه هي العلّة الحقيقية. لكنّنا نريد أن نلتمس بعض الحِكَم فنقول من الحِكَم: أنّه قد يؤدّي إلى قطيعة رحم أو إلى آخره، وإلا إذا أجازه الله سبحانه وتعالى وأحلَّه فإنّه يُغتفر هذه الغيرة وما يتعلّق بقطيعة الرّحم، أليس هذا مقبولاً؟.

د. الطيّار: هذا صحيح، أيضاً هناك فائدة في قوله (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهي فائدة مهمّ أن يُنتبه لها، وهي اتصّال الرِّسالات بعضها ببعض وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم ما جاء به ليس شيئاً بِدْعاً لم يقل به من كان قبله، ولهذا اتّفاق الشَّرائع في بعض الأمور من الأمور التي احتَّج الله بها على بني إسرائيل في أنّهم كيف لا يؤمنون وما جاءهم في هذه الشّريعة هو عين ما جاءهم في الشَّريعة السّابقة كما في سورة البيّنة (وما أُمِروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدِّين حُنفاء ويُقيموا الصّلاة ويُؤتوا الزَّكاة) كل هذه المأمورات يعرفونها فلو كان النَّبي صلى الله عليه وسلّم جاءَ بخلاف ذلك لاحتَّجُوا ولكن الله سبحانه وتعالى احتَّجَ عليهم بأنّ ما جاءكم به هذا النّبي صلى الله عليه وسلم هو عين ما كان قد أمركم الله به في شرائِعكم.

د. الشّهري : وخاصّة الأشياء التي اتّفقت عليها شرائع الأنبياء مثل الإيمان بالله والملائكة والكُتب

د. الطيّار: نعم، المباني الخمسة التي هي التوحيد، والصّلاة، والزّكاة، و الصوّم والحج هذه كانت متفق عليها.

د. الشّهري: فالله يقول هنا (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) يعني يبيّن لكم الحقّ، ويبيّن لكم الهدى، ويبيّن لكم الصّواب في هذه المسائل. تخيّل قبل أن تنزل هذه الآيات كيف كان وضع المجتمع، كانت هذه الأشياء من الأشياء الملتبسة على النّاس البعض يجمع بين الأخت وأختها والبعض ينكح زوجة أبيه، وكان المجتمع فيه مخالفات كثيرة فلمَّا نزلت هذه الآيات ووضّحت للنّاس وأعادت الأمور إلى نصابها ختمها الله فقال (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ). والبعض قد يستدل بهذه الآية ويقول إنّ آيات القرآن الكريم بيّنةٌ بنفسها، ولا تحتاج إلى هذه التّفاسير الموجودة الآن، الكتب التي معك شيخ محمّد وهذه التي على الطّاولة لا داعي لها، وأنّه يمكن أنّني أفهم القرآن الكريم دون أن أرجع إلى فُهوم المفسِّرين وإلى فُهوم الصَّحابة وإلى فهوم غيرهم  لأنّ القرآن الكريم بيِّن بنفسّه، والله يقول (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) فلماذا يأتي الطَّبري أو يأتي ابن كثير أو يأتي القرطبي فيحول بيني وبين القرآن الكريم وبين فهمه فيكون وصيِّاً عليَّ في فهم كلام الله سبحانه وتعالى؟، وهذا الحقيقة نوع من التَّبسيط للقرآن الكريم وفهمه، والحقيقة أنّ القرآن الكريم لا بد في فهمه من أصول ومن ضوابط ومن اعتبار أقوال السَّلف وفهم الصّحابة رضي الله عنهم وتطبيقهم لهذه الآيات التي نزلت على النّبي صلى الله عليه وسلّم، وهم مَوجُودون يشاهدون كيف كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يُفسِّر هذه الآيات ويُوضّحها، صحيح أنّ القرآن الكريم بيّن، ولكنّه يحتاج فعلاً إلى علماء به لكي يُبيّنوه للنّاس ويقرِّبوا معانيه.

د.الطيَّار: والعجيب أنّ من يدَّعي هذه الدّعوة يأتي بمنكرٍ من القول في تفسيراته وهو لا يدري، بل إنّه قد يُوقَّف على بعض أخطائه الفظيعة، وتجد أنّه يرتكب حماقة في أنّه يُكابِر، وعادةً مثل هؤلاء هم أصحاب مكابرة لأنّه من أوّل الطريق المنهج عندهم خلل فيه. لاحظ أنّه الأفعال (يريد، يهديكم، يتوب) أفعال فيها تجدّد لوازم هذه الأفعال.

لــمّا قال (ويتوب عليكم) كأنّه فيه إشارة إلى أنّ مما سبق شيءٌ قد يقع في الخطأ فيحتاج إلى التّوبة

د. الخضيري: مثلًا أن تجمعوا بين الأختين

د. الطيار: كما في قوله (والله غفورٌ رحيم) إشارة إلى مثل هذا، فكونه الآن يُشير إلى التّوبة فيه إشارة إلى أنّه قد يقع فيما مضى شيٌ يحتاج إلى التّوبة.

د.الخضيري: في ترتيب هذه الأشياء الثلاثة، الحقيقة أنا أظنّ أنّ الترتيب مقصود أن يُنتبه له، (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) البيان أولاً، ثمّ يأتي من بعد البيان الهداية (ويهديكم سُنن الذّين من قبلكم)، بعد الهداية تأتي التَّوبة إذا اهتدى الإنسان وسلك الطّريق ولزِم الجّادة فإنّ الله سبحانه وتعالى يتوب عليه ويقبل منه التّوبة (وهو الذّي يقبل التّوبة عن عباده ويأخذُ الصّدقات) ونحن نقول أيضاً للدُّعاة عليكم بهذا الأمر، بيِّنُوا أولاً قبل أن تحكموا على النَّاس بأنّهم مُذنبون أو كُفّار أو خطّاؤون بيّنوا الحق للنَّاس ثمّ اُهدوهم ودُّلُوهم على الطَّريق ووضِّحُوا لهم المعالم سواء بالقُدوة بالفعل بالأمر والنّهي إلى آخره. ثمّ يأتي من بعد ذلك دعوتهم للتّوبة والرُّجوع إلى الحقّ.

د. الطيّار: جميل، إذاً تكَّرر عندنا المقطع للفاصلة (والله عليمٌ حكيم) وتكرار هذين الاسمين لا شك كما قلنا سابقاً أنّهما بحاجة إلى دراسة مستقلة في علاقة هذين الاسمين العلم والحكمة بهذه الأحكام. قال (والله يريد أن يتوب عليكم ويريدُ الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) ثمّ قال في الآية بعدها (يريد الله أن يخفّف عنكم وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً). لو تأمَّلنا الآن أيضاً (واللهُ يريد أن يتوب عليكم) هذه الجملة اسمية دالّة على الثُّبوت، والأولى لمّا قال (ويتوب) جملة فعلية دالّة على التَّجدد كلما أحدثوا ذنبًا وأحدثوا توبةً تاب الله عليهم، وهنا قال (والله يريد أن يتوب عليكم) تنبيه على أنَّ هذه الصّفة من الصِّفات اللازمّة في حقّ الله سبحانه وتعالى.

د. الخضيري: فإن قيل لماذا كرّرها؟ يُقال من باب التوكيد؟

د. الطيّار: هذا لا شك أنّه من باب التأكيد.

د. الخضيري: شيء آخر

د: الطيّار: وهو؟

د: الخضيري: أن يقارن بين ما يريده الله بنا وما يريده هؤلاء، وهذا يكون من باب التَّوطئة (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)

د. الطيّار: مالوا يعني خرجوا عن التّوبة.

د. الخضيري: فقارنوا بين ما يريده الله بكم من الرّحمة والخير والإحسان والرِّفق والنَّعيم المقيم يوم القيامة، وما يريده بكم هؤلاء من الضّلال والميل العظيم والعذاب أيضاً نسأل الله العافية والسّلامة الذّي يُوصل إليه ما يقصدون إليه وما يدعون إليه

د. الطيّار: ولو تأمّلنا الآية ووزنّا ما أراده الله بنا في هذه الآيات من الأحكام بَدءاً بقضية اليتامى ثمّ تفصيل الفرائض ثم قضية الحُدود ثمّ بعد ذلك قضّية المحرّمات، وتأمّلنا ما يريده الذّين يتَّبعون الشّهوات في هذه الأمور هو مخالف لما يريده الله سبحانه وتعالى. ولهذا بالفعل هذا تنبيه إلهي إلى أنَّ هؤلاء الذّين يتبَّعون الشّهوات لا يقع منهم إلا ما يكرهه الله ويسخطه الله، ولهذا نجد مثل المؤتمرات العالمية التي قامت باسم المرأة إن لم نقل بنسبة 9.99 من عشرة مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى. والعياذ بالله تقرير المثلية، وجواز نكاح الــــمِثليين، الإجهاض، الزّنا غيرها من الأمور كلُّها قنَّنوها وأباحوها وهذا كله مخالف، وهذا مثالٌ للميل العظيم الذّي يُشير إليه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، فاتّباع هؤلاء لا شك أنّه بعُدٌ عن باب التّوبة الذّي فتحه الله سبحانه وتعالى بقوله (ويتوب عليكم) وهنا قال (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)

د. الخضيري: في قوله (والله يُريد أن يتوبَ عليكم ويريدُ الذِّين يتبّعون الشَّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) إشارة عظيمة وتحذيرية للمؤمنين بأنَّ مُتَّبعي الشَّهوات هؤلاء لا تظُـــنُّوا أبداً أنَّ القضية عندهم هي قضية المناداة بمساواة المرأة وإعطائها حقوقها، هذا مظهر يريدون من ورائه الميل العظيم، والذِّي يدل على ذلك ما أورده أبو عبد الملك قبل قليل. يعني قبل مثلاً ثلاثين سنة كُنَّا نسمع حُقوق المرأة، حقوق المرأة، المناداة بها، مساواتها مع الرَّجل على أساس أنّ هذا حق يجب أن تأخذه وأن هؤلاء هم الذِّين سينتصرون للمرأة. الآن جاءت مثل ما ذكر الدُّكتور مساعد مؤتمرات المرأة التي تفضح الميل العظيم الذّي كانوا يُخطِّطون للوصول إليه نسأل الله العَافية والسَّلامة. وكل هؤلاء الذِّين يكتبون ويتكلّمون ويتحدَّثون في وسائل الإعلام بهذه النَّظرة وداعين إلى مثل هذه الشّهوات لا تظنُّوا ولا تنخدعوا أيُّها المؤمنون بما يقولونه لكم من ظاهر القول ومن ومعسول الكلام، أين حقوق المرأة؟ أين حقوق المرأة؟ لماذا المرأة لا تأخذ مثل ما يأخذ الرَّجل؟ هم لا يُريدون هذا والله، هم يريدون شيئاً آخر فانتبهوا له إنّه “الميل العظيم”

د. الطيّار: لاحظ سبحان الله قال ميل وزاد عليه أنّه عظيم

د. الخضيري: نكّره ثمّ وصفه بالعظيم.

د. الطيّار: وهذا لا بد أن ننتبه للقرآن أنّه يأتي بالشّيء مُنَّكَراً ثمّ يُتبعه بالوصف مثل عذاباً أليماً، عظيماً.

دكتور عبد الرحمن في قوله (يُريد الله أن يُخَفِفَّ عنكم) لاحظ طبعاً (يريد الله، يريد الله، والله يريد) تكّررت الآن عندنا ثلاث مرّات، (يريد الله) الأولى أن يُبيِّن لكم، (والله يريد) الثانية: أن يتوب عليكم ، (يريد الله) الثالثة: يريد أن يُخفِّف عنكم. فتكرار هذه الإرادة مع اختلاف المراد ، إذا كان في تعليق على هذا.؟

د. الشِّهري: فيها تعليق أولاً هي إرادة دينية كما تفضّل الدُّكتور محمد، وأنّ الله سبحانه وتعالى قد أراد بعباده الخير، أراد بهم أن يُبيِّن لهم الحقّ ولا شك أن بيان الحق من أهم ما يحرص عليه الإنسان في حياته، أن يحرص على بيان المنهج الذّي يسير عليه. فالله سبحانه وتعالى يُحبُّ أن يتوب عبده، ويحب أن يراه يتوب ومعناها أنّه ينبغي للمسلم أن يُكثر من التّوبة لأنَّ في هذا تحقيق لما يُحبُّه الله سبحانه وتعالى ويرضاه ويُكرِّر ذلك. ثمّ أنتم ذكرتم دكتور مساعد قبل قليل أنّه جاء التّعبير بالفعل المضارع والله يريد (أن يتوب) ويريد الذّين يتبعون الشّهوات (أن تميلوا) يريد الله (أن يُخفّف) بالفعل المضارع، إشارة إلى أن طبيعة الإنسان لا تنفَّك عن ارتكاب الأخطاء التي من شأنها أن تدفعه إلى التّوبة والله سبحانه وتعالى يُحبّ أن يرى عبده وهو يُكثر من التّوبة ويُكرِّر ويُكرِّر.

د. الخضيري: في قوله (ويريد الذّين يتبِّعون الشَّهوات) لاحظ أنّه عبَّر بقوله (يتبِّعون الشَّهوات) يعني لم يقل الذِّين مثلاً يشتهون لأنَّه ما منّا من أحد إلا وعنده هذه الشَّهوة قد جبلنا الله سبحانه وتعالى عليها وغرسها في نُفُوسِنا، لكن هؤلاء جعلوا الشَّهوات قائدة لهم فهُم يسعون وراءها، ولذلك أحياناً قد يُوافقون الحق لكن موافقة للحق ليس لأنّهم طلبوا الحق وإنّما جاءت في الطّريق. لذلك نحن نتلمَّس هذا من هؤلاء المتَّبعين للشَّهوات نعرف طريقهم، تجده في كُلّ مقالاته وفي كل برامجه وفي كل ما يُقَدِّمه للنَّاس يحوم حول هذه الشَّهوة. أنت الآن لــمَّا تفتح بعض القنوات الذي يقول نحن إصلاحِيُّون مثلاً ونريد أن نُحقِّق رفاهية المجتمع وتنمية المجتمع العربي إلى آخره، تفتح القناة تنظر الشّهوة هي التي تُسَيِّر هذه القناة، النّاس تَتبع الشَّهوة حتى لو يريد أن يُقدِّم شيئاً جيِّداً يُقدِّمه عبر الشَّهوة، امرأة جميلة وسيمة رائعة الجَمال تُقدَّم عبر الشّاشة من أجل أن تُحدِّث النَّاس عن قضية اجتماعية أو قضيِّة دينية، انظر (ويريدُ الذِّين يتبِّعون الشَّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)

الحقيقة الدُّكتور عبد الرَّحمن أيضاً أشار إلى أمر آخر مُهمّ جِدّاً وهو أنّ َإرادة هؤلاء الــمُتَّبعين للشَّهوات لا تُدافَع إلا بتحقيق إرادة الله من بيان الحقّ وهداية النَّاس إلى السبيل، وقيام العلماء والدُّعاة بواجبهم وبهذا تندحر إرادة هؤلاء، فإذا تاب النّاس وعادُوا إلى الله عزّ وجل إندحر هؤلاء وذَهَب ما عندهم من الباطل.

د. الشِّهري: أيضاً لو تأذن لي دكتور مساعد، في بيان نقطة مهمّة في هذه الآية.

د. الطيّار: تفضَّل.

د. الشِّهري: لاحِظُوا يا إخواني في سورة النِّساء، مشروعات دائماً المفسدين يتخِذُّون المرأة وسيلةً لتحقيق أهدافهم في الميل بالمجتمعات إلى الضَّلال وإلى الغِواية سبحان الله العَظيم، وكثير من النَّجاحات التي حقَّقُوها في تحقيق هذا الأمر بواسطة المرأة. ولذلك تُعجِبُني كلمة يقولها أحدُهم عندما قال أنَّ مشروعات اللِّيبراليين تبدأ بالمرأة وتنتهي بالمرأة وتَـمُر بالمرأة. الآن نحن نتحدّث في سورة النِّساء والله سبحانه وتعالى ذكر أحكامًا كثيرة تخُصّ النِّساء ذكر النِّكاح، ذكر المحرَّمات، ذكر لماذا إذا أصابك العَنَت ولم تستطع أن تنكِحَ الحُرّة فيبُاح لك أن تنكح الأمّة مع ما يترتّب على ذلك من استرقاق أبنائك ولكن كلّ هذا حفظ للمجتمع. ثمّ جاء فلّخص الحقيقة في هذه الآيات الثلاث عندما قال (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨﴾). لاحظ لــماذا قال (وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً) مع ذكر النّساء وما يتعلّق بها؟ السُّورة كلّها أصلاً حول النّساء. الحقيقة هذا حقيقة لا يُنكرها أحد أنّ فتنة النِّساء فتنة عظيمة على الرِّجال على المجتمعات.

د. الخضيري: ولا يكادون الرِّجال يَضعُفُونَ عند شيء مثل ما يضعفون عند النِّساء

د. الشِّهري: نعم، هذه واحدة. الأمر الثَّاني قوله (يتبِّعون الشَّهوات) ما رأيت أجمل من هذا الوصف لهؤلاء. لأنّ هؤلاء يا إخواني يقومون بأبحاث ودراسات فتَظهر للنَّاس آراؤهم وما يدعون إليه على أنّها آراء علميّة مبنيّة على دراسات علمية. في حقيقة الأمر لا فيها لا دراسة علمية ولا يحزنون، وإنّما هي اتِّباعٌ للشَّهوات واتِّباع للأهواء. ولذلك العُلماء من السَّلف رحمهم الله كانوا مُصيبين وموَّفَقين في تسمية الفِرق المنحرفة عن السُنّة والجماعة أهل الأهواء، ما يتَّبِعون دليلًا وإنَّما يتبِّعون الهوى. فهؤلاء أصدق ما يُوصفون به هؤلاء الذِّين يَدعُون إلى ما يُسَّمى بتحرير المرأة هدفهم في النِّهاية مُضادّة إرادة الله سبحانه وتعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾) فكأنّهم يُضَّادُّون إرادة الله سبحانه وتعالى بهذه المشروعات.

د.الخضيري: والذّي يَدلّك لذلك با أبا عبدالله أنَّ هؤلاء الذِّين يريدون يتَّبعون الشَّهوات أنّهم يستدلون بأدلة مثلاً العالم الغربي يفعل وإلى آخره، فإذا جئت لهم بأنَّ العالم الغَربي قد تراجع عن هذا الأمر الذّي يَدعُونَ إليه وصار مخالفًا لاتِّباع الشّهوات ما كأنّهم يسمعون ولا كأنّهم يقرأون ولا ينقلون هذا في صُحُفِهم ولا في قنواتهم!. أُنظر مثلاً مشروع الاختلاط في التّعليم الذّي الآن تُدفَع الأمّة إليه دفعاً هذا المشروع الآثم الذّي يُريد به الذّين يتَّبِعون الشَّهوات أن نميل ميلاً عظيماً. نحن نقول لهم تعالَوا العالم الغربيّ ماذا يقول؟ الدِّراسات ماذا تقول؟ ليست دراسات المسلمين، دراسات غربية مُحَكَّمة من جامعات وتُجرى على أعلى المستويات حتى لا يَتفضَّلون علينا بأن ينقلوها لنا في الجرائد والمجلات.!

د. الشّهري: لأنّها تخالف هواهم

د. الخضيري: نعم، إذاً المسألة ليست مسألة علمية، ومسألة والله بالفعل وصول إلى حقّ لا، بل (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾). وفي قوله (يريد الله أن يُخفّف عنكم) يا إخواني والله لاحِظُوا هذه الآية أنّها جاءت في غَاية الإحكام في هذا الموطن، أنّ هذا الذّي شرعَهُ الله لكم من هذه الأحكام الــمُتعلّقة بالنِّساء هو تخفيف وتيسير، بالله عليك لو ذهبت ابنتك إلى المدرسة، وفي الجَامعة تعرَّفَت على شاب، فراوَدَها عن نفسها فاعتدى عليها ثُمّ حَمَلت منه، ثمّ جاءتك ببطن قد امتلأ بالسِّفاح، هذا الابن ليس ابناً لك وليس له أبٌ معروف، بالله عليك أليس ثِقلاً عظيماً عليك؟! هل تُخرج ابنتك أو تُبقيها؟ إن أخرجتها مُصيبة، وإن أبقيتها مُصيبة!. هل ترضى بهذا الابن؟ أو تنفيه؟ إن أتيت به مصيبة، وإن نفَيته مُصيبة! . انظر كيف المشّقة تأتينا.!

الآن العالم الغربيّ يصيح، يقول لي أحد الدَّكاترة ذهبنا إلى إحدى أعظم الولايات في أمريكا، وزُرنا إدارة التّعليم فيها وسألناهم ما هي أعظم مشكلة الآن تمر بكم في التَّعليم، لم تستطيعوا أن تُوجِدوا لها حلاًّ؟ قالوا أبداً، مشكلة حمل القاصرات في الثَّانويات والــمُتوَّسطات العامَّة. هذه ما استطعنا أن نجد لها حلاًّ، نحن الحلّ عندنا موجود ولله الحمد والمنّة لكن (ويريد الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (26) يريد الله أن يُخفف عنكم) الأُمّة تلك تعيش مأساة حقيقية، لأنّهم سنويّاً بمئآت الآلاف أنفُس تُقتل، وأولاد الزِّنا يدخلون العالم بلا آباء ولا أُمَّهات بالله عليك اُنظر إلى هذا الابن لا تُعرَف أُمُّه ولا يُعرَف أبوه ويعيش في دُور الرِّعاية، كيف سيكون حاله مع المجتمع؟! (يُريد الله أن يُخفّف عنكم) يعني هذه الأحكام التي شرعتُها لكم وأمرتكم بها هي في حقيقتها تخفيف. صحيح أنّ الحِجاب ثقيل، صحيح أنّ الحجاب فيه شِدَّة على نفس المرأة لأنَّه يَحجُبُهَا، لكنَّه في حقيقة الأمر تخفيفٌ عليكم أيُّها المؤمنون، وعليكُنّ أيُّتُها المؤمنات فإيّاكم إيّاكم أن تُسوِّل لكم أنفسكُم السَّماع والنَّظر إلى هؤلاء الــمُتَّبعين للشّهوات.

د. الشِّهري: والنِّساء ولله الحمد المؤمنات اللاَّتي يَلتِزمن بهذا يشعرون بهذا وكما قالت فاطمة رضي الله عنها: خيرٌ للمرأة ألاَّ ترى الرِّجال ولا يراها الرِّجال. فِعلاً المرأة التي تلتزم بأحكام الله تَرَى هذا تخفيفاً هي حتى تشعُر به. ولا يتذَّمَر من أحكام الله سبحانه وتعالى ومن هذه التَّكاليف إلاّ من خَفَّ إيـــمانُه ومن قَلَّ إيمانه. وإلاَّ لاحِظ كيف الله سبحانه وتعالى يخاطبنا الله بوصف الإيمان في آيات الأحكام هنا لاستنهاض فطرة الإيمان في نفوس النّاس. أمّا هؤلاء أصحاب الشّهوات فكما قال الله سبحانه وتعالى (ويريد الذِّين يتَّبِعُونَ الشَّهوات) يعني كأنَّ الشَّهوات هذه يتتبَّعونها تَتَبُّعاً في كل مكان، وهذا والله هُو أصدق وصف يُوصَفُ به أصحاب هذه المشروعات.

د. الخِضيري: إن أذنت لي يا أبا عبدالملك، عندي قصَّة تُؤيّد ما ذكره الدُّكتور عبدالرَّحمن قبل قليل في أنَّ هذا تخفيف من الله، رجل حَصَل له عَقد في المملكة العربية السُّعودية من إحدى الدُّول العربية، لكن امرأته لم تكن مُحَجَّبة كذلك بناته. فكانوا يقولون كيف سنعيش في هذه الدَّولة التي تُلزم النِّساء بالحِجاب؟!، نحن لا نُطيق الحجاب ولا نتحمّله، ولا نعرف كيف سنعيش في بلد ونحن ما نستطيع أن نخرج ولاندخل إلا بهذا الحجاب؟!. فكانُوا يظُنُّون أنّه سيعيشون آصاراً وأغلالاً، ولكن في سبيل طلب مزيد من الرِّزق جاؤوا. لــــمّا جاؤوا وبدأوا يلبسون العباءة ويَضعُون ما يستُر رؤوسهم ويتحجَّبون. اكتشفوا أمرًا لم يكونوا يفكِّرون فيه كانت الواحدة لكي تخرج في كل يوم مع زوجها تجلس ما لا يقل عن نصف ساعة أمام المرآة، ولا بد تُغيِّر الثيَّاب باستمرار حتى لا تُرى على ثياب مكرورة، الحجاب تبيّن أنّ من فوائده وتخفيفاته ورحمته بالمرأة المسلمة أنّه يُخفِّف عنها عبئاً كثيراً، هي الآن تخرج للسُّوق لقضاء حاجّة لمدة نصف ساعة ما تَحتاج إلاّ أنّها تلبس حجابها تخرج على شكلها الذّي هي فيه وعلى ثوبها وعلى قميصها التي تلبسه في بيتها.بينما لو كانت مُتبرِّجة قبل أن تخرج حتى لمدة ربع ساعة لا بد أن تتشيَّك بالكامل، الشّعر مُسَّرح، المكياج كامل، الثُّوب من نوع مُعَيِّن، الحذاء إلى آخره. قالوا فاكتشَفنا فِي الحجاب فائدة ما كُنّا نتوّقع هذا الحجاب، والله إنّ الحجاب كُنّا نظُنّ أنّه عذاب فتبيَّن أنَّه رحمة من الله عزَّ وجل لنا (يُريدُ الله أن يُخَفِّف عنكم)

د. الطيّار: وفي قوله (وخُلِق الإنسان ضعيفا) طبعاً هذه قاعدة عامّة، سواء كان الضَّعف من جهة الجسد.

د. الشِّهري: أو حتى من العقل، والتّفكير، ومعرفة مآلات الأمُور.

د. الخضيري: وأيضاً في قوله (ويريد الذّين يتَّبِعُونَ الشَّهوات) أنَّ هؤلاء المتَّبعين للشَّهوات بيان لحقيقتهم (وخُلِق الإنسان ضعيفاً) لكن إيَّاك أن تتبِّع هذه الشهوات، اتَّبع هُدى الله لتعلم أنّ الله لتعلم أنّ الله بقوّته وعلمه قد هداك الطريق الأقوم.

د. الشِّهري: وهذه الآيات فيها من الإشارة إلى كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده لاحظ (والله يريد أن يتوب عليكم) (يريد الله أن يُخَفّف عنكم) وبالرَّغم من ذلك كيف يُحادّ كثيرٌ من النَّاس ربَّهُ سبحانه وتعالى بالمعاصي وبالذُّنوب، وبالإِصرار على مخالفة هذه الإرادة الدِّينية التي يُريدها الله سبحانه وتعالى من عباده.

د. الطيَّار: في قوله (يُريد الله أن يُخَفِّف عنكم) طلب التَّخفيف والتَّيسير، نشاهد الآن بعض الانحرافات فيه. إذا لم يكن من الله و لا من شرعه فهو ليس تيسيرًا ولا تخفيفًا في الحقيقة، ولذلك قال الله (يريد الله أن يُخفِّفَ عنكم) فالتَّخفيف مرتبط به سبحانه وتعالى فهو الذّي يُشَّرِع، أحياناً بعض النّاس لما ينظر إلى شرع من الشَّرائع يرى أنّ فيه نوع من التَّكليف فيتخفَّف منه بعقله أو بفعله، مثل من تترك الحِجاب.

د. الخضيري: لو أذنت لي أيضاً، لو سُئِلنا الآن قبل آيات تحدّثنا عن حُكم الزَّانية، اللّه عزَّ وجل قال (فأمسِكُوهُنّ في البيُوت حتى يتَّوفَاهُنّ الموت) قد جاء الله لهن السَّبيل وهُو أن تُرجم الثَّيب، وأن تُجلد البِّكر وكذلك في الرَّجل، أين هو التَّخفيف في هذا، أبو عبد الله؟

د. الشِّهري: والله إنّه واضح وظاهر، لأنّك إذا نظرت أنت للأمر أوَّلاً من جِهة الفَرد ومن جِهة المجتمع، أوّلاً من جهة الفرد أنَّه تخفيف عليه من الذُّنوب وتطهير له من الذَّنب الذي وقع فيه. ويَصدُق على ذلك المرأة التي وقعت في حَدِّ الزِّنا فرُجِمت في عهد النّبي صلى الله عليه وسلّم، فبعض الصّحابة شتمها فقال النّبي صلى الله عليه وسلم لقد تابت توبةٌ لو وُزَّعَت على أهل المدينة لوسِعَتهم. وهذا واضح أنَّ فيه تخفيف، أليس كذلك؟!

الأمر الثّاني بالنِّسبة للمجتمع، أنّ المجتمع عندما تُقام هذه الحُدود، وهذه العُقوبات فإنَّها تحفظ للمجتمع طهارته وأمنه ونَقاءه ويُصبح الإنسان يأمن على عِرضه ويأمن على أبنائه و على بناته في هذا المجتمع النَّظيف، لأنّه مجتمع يطرُد مثل هذا، وهذا من التَّخفيف أيضاً .

د. الخضيري: اُنظر مثلاً يا أبا عبد الله ، مثلاً السَّارق لــمّا تُقطع يده لا شكّ أنّ هذا شيء ثقيل جِدّاً ، كيف يُقطع عُضو مهُم جِدّاً للإنسان في مُقابل دِرهمين أو ثلاثة دراهم سَرَقها؟! هو لـمّا تتأمّل عاقبته هو تخفيف. كيف تُحفَظ أموال المجتمع هذه ويأمن النّاس على أموالهم وعلى حُقوقِهم إلاّ عندما تُقطَع هذه اليد؟! صحيح نحن ضحِّينا بيد الإنسان لكن أمن النَّاس كُلُّهم وهذا والله هو عين التّخفيف. لكن لو قيل للمجتمع كلُّهم ترى انتظروا السَّرقة في كل دقيقة، فالمجتمع كلّه مستنفر ولن يستطيع، لذلك نحن نقول هذا كُلُّه تخفيف مع أنَّه قد يظهر لمن لا بصيرة له أنّه تشديد وتثقيل وهذا غير صحيح.

د. الشِّهري: أنا أستغرب الحقيقة من التَّشريعات البشرية عندما تُشَّرِّع للعقوبات، وأنا اطّلعت على بعض القوانين

د. الطيّار: تُراعي حق الظَّالم، ولا تُراعي حقّ المظلوم.

د. الشِّهري: نعم، أنا أستغرِب في أنّهم لا يُفّكِّرون بهذه الطَّريقة!، بطريقة حماية المجتمع. وأيضاً كَفّ هؤلاء اللُّصوص، يعني ليس في القَوانين الوَضعية قطع يد السّارق، وإنَّما يُعالجون قضية السَّرقة بطريقة لا تَدُل على أنّهم يعرفون نفسيّة هذا السّارق ولا كيف يُفَّكِر! لكنّ الله سبحانه وتعالى عندما أمر بقطع يد السَّارق ثمّ قال (والله عزيز حكيم) السَّارق نفسُه هذه العُقوبة تردعه وتبيّن من خلال التَّاريخ، ومن خلال التّنفيذ، وحتى علم النّفس أنّ هذه العقوبة هي أنسب عقوبة لهذه النَّفسية التي تعوَّدت على مدِّ يدها لأموال النّاس، بل إذا زاد شَرُّه فهو من الــمُفسدين في الأرض (إنّما جزاء الذّين يحاربون الله ورسوله ويَسعَونَ في الأرضِ فساداً)

د. الخضيري: العجيب أنّ بعض هؤلاء لضعفه، وضعف تفكيره يخلط خلطاً عجيباً فهُو ينظُر للمجتمع الذّي هو فيه، ثمّ لا يَتصوَّر كيف يكون المجتمع المؤمن، يقولون رجل – طبعاً المجتمع الغربي الذّي هو فيه السُّراق فيه كثير وأنّ النّاس ما حلّ بأيديهم فهو حلالٌ لهم- لما سمع أنّه تُطّبَق حدّ السَّرقة في بلادنا، فقال أكيد نصف النّاس هناك مُقَطّعة أيديهم، فيقال أنه جاء إلى هذه البلاد يريد أن يرى كيف تعيش النّاس بيد واحدة دون اليدين، يصوِّر عدد النّاس الذّين قُطِّعت أيديهم، فبحث ما وجد أحداً قُطِعت يده، سبحان الله! هو ما فهم الحِكمة تماماً، إقطع يد واحدة تَكُف مائة ألف يد عن أن تسرق وأن تمتد إلى السَّرقة. إرحم هذه اليد والله تمتد مائة ألف يد للسَّرقة كما هو في تلك المجتمعات.

د. الطيّار: في قوله (يا أيُّها الذّين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآن جاء النِّداء بالإيمان مرّة أخرى وجاء أيضا أكل المال، ولكن قال هنا (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم) لو عدنا إلى الآيات السّابقة كانت في النّهي عن أكل مال اليتيم، وهنا يقول (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم) يعني ما صُوَرة أكل المال بالباطل في هذه الآية؟.

د. الشِّهري: صُوَرُه كثيرة جِدّاً، يعني الآن بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الحقوق التي تقدّمت وهذه الـــمُحرّمات، وهذه العَلاقات بين أفراد المجتمع جاء الآن إلى الحديث عن مسألة مهمّة جِدّاً، وتذكرون في أوّل الآيات التي سبقت تحدّثت عن التّركة وعن المال وأنّه يقع فيه مُشَّاحة بين النَّاس، جاء الآن ليتحدّث عن المال وكيف يصير إلى يدك وأنّه يحرُم على المسلم ان يأخذ مال أخيه إلا بِحَقِّه (كُلُّ المسلم على المسلم حرام، دمُه وماله، وعِرضه) فلا يحل للمسلم أن يأخذ من أخيه درهمًا إلا بِحقِّه . فقال الله (يا أيُّها الذِّين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) يدخل فيها السّرقة، ويدخل فيها الغِش، ويدخل فيها الاحتيال، ويدخُل فيها الرِّبا كلها ُّ هذه من أكل أموال النَّاس بالباطل قال (إلاّ ان تكون تِجارةً عن تراضٍ منكم) إلا على وجه المتاجرة فيما بينهم، أو الهِبة أو العطيّة وغيره.

د. الطيّار: نعتذر عن قطع الحديث لأنّ وقت الحلقة انتهى، ولعلّنا إن شاء الله نعود مرة أخرى في الحلقة القادمة لهذه الآية ونُكمل الحديث عنها بإذن الله. ونستأذن الإخوة المشاهدين بأن نُنهي هذه الحلقة، فسبحانك اللهمّ وبحمدك نشهد أنَّ لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

بُثّت الحلقة بتاريخ 14 رمضان 1431 هـ