الحلقة 10
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿٨١﴾ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٨٢﴾ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾ قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿٨٤﴾ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٨٥﴾ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٦﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿٨٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٨٩﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴿٩٠﴾)
د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. أيها الأخوة لا زلنا نتفيأ ظلال هذه السورة ونأخذ من معانيها شيئاً قليلاً وقد وقفنا في اللقاء السابق عند قول الله سبحانه وتعالى (وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80)) وسنبتدئ اليوم في قوله سبحانه وتعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)) لعلنا نبتدئ مع الشيخ محمد ليعطينا بعض اللفتات في هذه الآية.
د. محمد: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذه الآية العظيمة فيها من الشرف والرفعة لرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى على متدبر فقد أخذ الله الميثاق على جميع النبيين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى أن لو بعث محمد صلى الله عليه وسلم أن يتركوا ما هم فيه ويتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن هذا هو أعظم شرف يكون لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون سادة الخلق ورؤوسهم وأشرافهم وذوو الجاه الأعظم منهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان هؤلاء لو بُعِث محمد وهم أحياء أتباعاً له فنحن قد شرفنا أن نكون أتباعاً له فهو فيه الشرف لهذه الأمة العظيمة ولذلك نقول ليفخر كل محمّديّ كل من كان من أهل هذه الأمة العظيمة يفخر بأن الله سبحانه وتعالى قد شرفه بأن يكون من أتباع هذا النبي الكريم. فقوله (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي وميثاقي (قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) الرب سبحانه وتعالى يشهد على ذلك، على هذا العهد المؤكد والميثاق الغليظ. وفي هذه الآية قصة عجيبة وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا تحفى عليكم وهو أنه كان يحمل يوماً صُحفاً من التوراة فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا ابن الخطاب؟ فقال شيء من التوراة أقرأه قال أفي شك منها يا ابن الخطاب؟! والله لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. طبعاً لا شك أن عمر رضي الله تعالى عنه قد يكون أراد أن يتعلم المزيد من العلم وينظر فيما أوتي موسى عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول له إن كنت تريد الهدى الموصِل إلى رضوان الله فهو فيما جئتكم به. ولذلك من قرأ التوراة يريد منها الهداية لا يجوز له ذلك لأن الهدى كله بين يديك وإن كان قرأها ليقارن بين الكتاب المقدس الذي أُنزل إلى موسى أو التوراة وهذا القرآن ليستخرج الفروق أو ليُحاجّ اليهود والنصارى في دينهم وكتابهم وليبين ما هو من كلام الله وما هو دخيل على كلام الله في التوراة فيكون في ذلك نوع من الحجة وإقامة البرهان على أولئك المتبعين للتوراة والإنجيل فإن هذا إن شاء الله لا شيء فيه.
د. مساعد: يبدو يا أبا عبد الله قضية طلب الاهتداء بغير ما في الكتاب والسُنة هي التي دعت ابن عباس كما روى الإمام البخاري عنه أنه نعى على من يأخذ من بني إسرائيل -أنا لا أذكر الآن نص الحديث-
د. عبد الرحمن: “تطلبون عندهم الهداية وقد ضلّوا”
د. مساعد: “وما رأينا أحداً منهم قد سألكم”. نسيت الأثر لكنه أثر صحيح عن ابن عباس في صحيح البخاري ويظهر إبن عباس وجّه هذا النقد لأناس طلبوا الاهتداء بما عند اليهود وإلا هو رضي الله عنه قد ورد عنه أنه سأل من عنده علم الكتاب، سأل كعب الأحبار وسأل عبد الله بن سلام وسأل غيرهم ولكن سؤاله لم يكن للإهتداء وإنما هي مجرد أخبار. كل ما ورد مما روي عن ابن عباس هو أخبار ليس فيها آثار عملية فهذا يكون فيه نوع من جمع بين هذا وذاك. إذن من باب الفائدة هذه الاية هي منطلق لمن يبحث في كتب بني إسرائيل عن النصوص الدالة على محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته وعلى أوصاف أمته وهي سبحان الله ظاهرة ولكن كما تعلمون ينكرها اليهود والنصارى. وأنا من خلال التتبع وجدت أن النصوص الواردة في كتب هؤلاء النوع الأول منها النص الصريح بإسم الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هذا قد حُرِّف تحريفاً بيّناً واضحاً وسبق أن أخذنا سابقاً قصة الفارلقيط. وأوصاف لا يمكن أن تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم يعني نعوت لا يمكن أن تنطبق على أي نبي من الأنبياء المذكورين في التوراة ولا على عيسى عليه الصلاة والسلام، لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك أوصاف لا يمكن أن تنطبق إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تنطبق على أحد غيرهم. فلو تأملت هذه مع وضوحها وجلائها إلا أنك تجد أن النصارى بالذات هم الذين عنوا بشرح كتب بني إسرئيل كلها في العهد القديم والجديد يحرفون ويصفرون هذه الأوصاف إلى أنها في عيسى وأمة عيسى عليه الصلاة والسلام وعيسى قال إنما بعثت لخراف بني إسرائيل الضالّة والنص واضح عندهم جداً في الكتاب.
د. محمد: في قوله (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) يقول العلماء سيد البينات الإقرار فإذا أقرّ الخصم على نفسه بشيء فهذا هو المقدّم في الحجج والبينات ولذلك استُخدم هذا التعبير في هذا المقام لأنه أعلى ما يكون من الشهادة على النفس والاعتراف أو الإقرار عليها. وفي قوله (فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)) فيها بيان أن الفسق هنا ليس بمعنى الخروج عن الطاعة الذي هو داخل ميدان المِلّة وإنما هو الخروج عن طاعة الله بالكليّة. فالفسق نوعان وكما أن الكفر نوعان والشرك نوعان والنفاق نوعان والفسق نوعان والظلم نوعان فهذه الأشياء تنقسم إلى نوعين نوع أكبر يُخرِج الإنسان من المِلّة ونوع أصغر يكون داخل الملّة بمعنى أنه لا يخرج به الإنسان من الملّة وهذا يحدده السياق. قال (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) فالظلم هنا لا شك أنه مُخرِج من الملّة. فهنا قال (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) يعني الذين خرجوا عن الطاعة بالكليّة.
د. عبد الرحمن: وهذا مأخوذ من معنى الفسق في اللغة فالفسق هو مطلق الخروج فإذا كان يسيراً فيكون المقصود به المعاصي والذنوب التي يرتكبها الفاسق وإذا كان خروجاً بعيداً فهو الكفر.
د. مساعد: وهذا يُطلق عليه فسق وهذا يطلق عليه فسق. من لطائف كلام العرب أنهم يقولون فسقت الرطبة إذا خرجت الفصمة منها يعني إذا سحبت الرطبة من العرق فخرجت وبقيت النواة يقولون فسقت الرطبة.
د. محمد: ومما يؤكد هذا المعنى في الفسق أنه قال في الآية بعدها (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)) هنا لما قال وله أسلم يعني دلت على التوحيد يعني أسلم له وحده لا أحد معه. والإسلام هنا يقصد به الإسلام التام الذي هو الإستسلام لله سبحانه وتعالى الانقياد له بالطاعة وهو نوعان إسلام طوعي وإسلام كرهي. أما الطوعي فهذا لا يكون إلا من المؤمنين الذين أسلموا اختياراً وهذا يسمى إسلام الاختيار. والإسلام الكرهي هو الإسلام الذي يكون قهراً فكل العباد من في السموات ومن في الأرض مقهور مستسلم بالقهر لله جل وعلا بمعنى أنه لا يخرج من ملكه ولا أن يخرج من قبضة الله ولا أن يصرف أو يدبر الأمور على غير ما يريد الله سبحانه وتعالى.
د. مساعد: الطوعي والكرهي وقع فيها خلاف بين العلماء كثير جداً ولهذا بعضهم لما جاء عند إسلام الكافر قالوا إنه يسجد ظِلّه وذهبوا إلى هذا المعنى مع أن الكافر إسلامه هو الإسلام الكوني وليس المراد الإسلام الشرعي. نحن قلنا أن الإسلام نوعان: الإسلام الكوني بمعنى تستسلم جميع الكائنات لله سبحانه وتعالى فهذا كرهاً والإسلام الشرعي الذي هو طوعاً هذا إذا أمر الله الكائنات أن تطيعه فأطاعته دخلت في الإسلام الشرعي ولهذا (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت) هذا إسلام، فاستسلموا استسلاماً اختيارياً وبقوا على هذا بعده لا يعصون الله سبحانه وتعالى. أما العبد – وهو المُشكل – أنه وضع فيه بذرة الاختيار وهذا الذي يخالف به المكلف به من الجن والإنس، يخالف به جميع الكائنات في أنه وضع في الاختيار فالاختيار هذا هو الذي يوجهه إلى الإسلام أو إلى الكفر وهو قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) فالأمانة هي أمانة التكليف لأنه جُعل فيه اختيار أن يفعل وأن لا يفعل. فإن فهمت الاية لا يقع فيها إشكال وتكون متناسقة مع جميع الآيات التي وردت في إسلام جميع الكائنات لله سبحانه وتعالى.
د. عبد الرحمن: تلاحظون عندما تقدم الحديث في سورة آل عمران كنا قلنا المقصود بها الحديث عن التوحيد ومناظرة أهل الكتاب بذلك والحديث طويل مر معنا عن عيسى عليه الصلاة والسلام ثم جاء في هذا المقطع الحديث عن قضية الإقرار من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو جاء بالتوحيد الذي جاؤوا به. أيضاً في قوله (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)) لتأكيد هذا المقصد الأعظم في سورة آل عمران. في الآية قبلها في قوله (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) فيها إشارة إلى أن الدين الحقيقي هو ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه الأنبياء وأن ما عليه اليهود وما عليه النصارى ليس ديناً وإنما هي مذاهب محرّفة دخلتها أهواء البشر بكثرة حتى نسي أصلها فقوله (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) فيه إشارة إلى أن الدين الحق هو هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فتلاحظون كثرة الاستنكار (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ثم قوله (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85)) فدلّ على أن المقصود بدين الله هنا هو دين الإسلام وهو دين الأنبياء الذين ذكرهم الله وفصّل في ذكرهم هنا إبراهيم وإسحق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والنبيون من ربهم كلهم. أيضاً كونه قدّم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) فيه شرف.
د. مساعد: النبي صلى الله عليه وسلم منتظم في سلسلة هؤلاء الأنبياء.
د. محمد: وما جاء ببدع من القول.
د. عبد الرحمن: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ (9) الأحقاف).
د. مساعد: ألا ترى شيخ أبو عبد الله إشارة ذكر إسماعيل هنا فيها ملحظ من نفس الفكرة هذه. هو ذكر إبراهيم وأبناء إبراهيم من نسل إسحق وذكر إسماعيل أيضاً الذي منه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لما جاء على النبيين من غيرهم فقال (وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ) يشمل جميع الأنبياء قبل إبراهيم أو من جاء من بعد إبراهيم. فذكر إسماعيل هنا يبدو أن له مقصد
د. عبد الرحمن: لا شك فعلاً كون النبي صلى الله عليه وسلم من ذريته، هو الوحيد من ذريته. فالشاهد بعد هذه المناظرة الطويلة ثم يأتي هذا الإقرار والإشهاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى الأنبياء بالاتباع وكما في بعض الآثار أنه ما من نبي إلا وأٌخذ عليه الميثاق والعهد أنه لو بّعِث محمد وأنت على قيد الحياة أنك تؤمن به (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا) مصداق لهذه الآية.
د. محمد: أنا سأخرج بكم قليلاً. الدكتور عبد الرحمن أشار إلى أن مقصود السورة هو التوحيد وهذا من أعظم مقاصد السورة لكن أرى الآن الباحثين يختلفون كثيراً في تحديد مقاصد السورة وهي في الغالب لا تتضارب لكن كل واحد يريد أن يبرز ما يرى أنه هو المقصود الذي ترمي إليه السورة وتدور موضوعات هذه السورة حوله. كنت جالساً مع أحد الباحثين قبل أيام فقلت له ما تقول في المقصود من سورة آل عمران؟ قال بدا لي من المقاصد شيئاً أريد أن أبوح به لك، فقلت تفضل، قال وجدت كل سورتين متجاورتين في القرآن لكل سورة مقصود يكمل الآخر فيجتمعان في مقصود واحد وتجتمع هاتين السورتين مع السورتين اللتين بعدها في مقصود واحد وتجتمع هذه الأربع مع الأربع التي تليها في مقصود واحد، قلت له إضرب لي مثالاً، قال سورة البقرة وسورة آل عمران، سورة البقرة في التقوى وسورة آل عمران في المحبة، قلت من أين لك المحبة؟ قال انظر إلى السورة من أولها (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14)) (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (31)) (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ (92)) (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ (119)) فقلت له وقصة أُحُد؟ فيقول قصة أحد هي صدق المحبة أن هؤلاء الصحابة يعبرون عن صدق محبتهم وولائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الجهاد الذي تذهب به نفوسهم ولذلك قال (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) فيقول ذكر الجهاد هو المحبة. وقلت له وقصة عيسى؟ قال قصة عيسى هي خلاف في المحبة، فهؤلاء النصارى أحبوا عيسى حتى ألّهوه. نظمها لي نظماً أنا انبهرت منه، فقلت له هذه سورة البقرة في التقوى وسورة آل عمران في المحبة فبيّن لي كيف اجتمعا في مقصد واحد؟ قال الدين مبناه على الخوف والرجاء والحب والبغض فيقول سورة البقرة دافع التقوى هو الخوف ودافع الجنة هو الحب فيجتمعان في هذا المقصد وتكمل إحداهما الأخرى في ذلك فأنا قلت من أين لك هذه الثنائية؟ قال هي موجودة في القرآن بكثرة، وموجودة بشكل ظاهر في كتاب الله وفي السُنّة أيضاً: قال اقرأوا الزهراوين وقال المعوذتين، لاحظ كيف يجمع بين سورتين اثنتين، كل سورتين متواليتين إحداهما تكمل الأخرى. قلت له وهل نظمت هذا في القرآن كله؟ قال نظمته، إستطعت أن أنظمه كاملاً حتى اجتمع لي. يقول هناك بعض الأشياء تشكل لكن تستطيع بوجه من وجوه التأويل. قلت والله هذه تستحق دراسة وأن تعرض على إخوان متخصصين من أجل أن تهذب وتقوم ثم إذا كانت بالفعل صحيحة وثابتة ومنضبطة يمكن أن تُنشر وقد يُتخذ من خلالها أيضاً إجراءات عملية، فعندما نقرر مثلاً في المناهج الدراسية سورة البقرة نضع معها آل عمران على سبيل المثال. ننظر للسور المتقاربة.
د. مساعد: أبو عبد الله بمناسبة ما ذكرته الآن حقيقة مرّ عليّ وأخبرني بنفس الفكرة والحقيقة صادقاً أنا انبهرت منه وذكر لي أكثر من مثال الضحى والشرح وقديماً كنا نتناقش في هذه الفكرة أنهما سورتان متقاربتان لكن أنا بودّي بما أننا في مدارسة مثل هذه الأفكار الجديدة بعض الناس يتوقع أن أصحاب الدراسات القرآنية ينفون كل جديد ويبقون ماذا قال ابن عباس وهانوا لنا دليلاً مما قاله، هكذا يظن ولا يتوقع أنه يوجد إبداع وأننا حينما نقرأ مثل هذه الدراسات سواء التي ذكرها الأخ أو غيره فلما نقرأ يكون عندنا أصول ثابتة وبناء على هذه الأصول نتحرك بشرط أن لا ينقض أصلاً عندنا. فالمقصود من ذلك أننا نحب أن ننبه أنه حينما يأتي الإنسان بجديد، هذا الجديد الأصل فيه القبول ما دام لا يعارض تلك الأصول التي عندنا لكن إذا عارض الأصول أو كان فيه غرابة شديدة بحيث أنك لا يمكن أن تقبله أو تكلّف واضح ظاهر هذا يُرّد وهذه قاعدة مهمة جداً. قد يقول قائل لو كنا نُعمل ما يتوقعه بعض الناس أن الجديد عندنا مرفوض فإذن كيف نستفيد مما طرحه محمد دراز في النبأ العظيم أو ما طرحه مالك في الظاهرة القرآنية أو غيره ممن جاء بدراسات جديدة وجادة مفيدة ومثمرة لكن حين تأتي الدراسات نعم جديدة ولكن فيها خلل وفيها نسف لبعض الأصول مثل 19 وغيرها من دون ذكر والأمثلة كثيرة وموجودة بجون ذكر بعض الكتب الذي يجعلنا أن نمتنع من هذه الكتب أو نقول أن فيها إشكال هي أنها عارضت أصول أو خالفت أصول أو أنها جاءت بأشياء فيها تكلّف ظاهر.
د. عبد الرحمن: في القول الذي ذكرتموه دلالة الاقتران أحياناً بين السور ودلالات الاقتران في القرآن كثيرة الاقتران بالأسماء الحسنى والاقتران في تلاوة بعض السور النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن بينها بكثرة وربما يسمي بعضها وربما لا يسميه يعني مثلاً المعوذتين والزهراوين سمّاه ولكن بعض السور كان يقرن بينها وليس لها إسم يدل على الاقتران لكن كان يقرنها دائماً، صلاة الجمعة.
د. محمد: وقران الشرائع كالزكاة والصلاة
د. عبد الرحمن: بالضبط فقد يكون بعض السور ظاهر العلاقة الثنائية بينها والأخ الذي ما عندي تفاصيل عن ما ذكرتوه ولا أدري عن فكرة الأخ لكن ربما يكون في بعضها تكلّف عندما تريد أن تضطرد هذه القاعدة في كل القرآن الكريم ربما لا يظهر بشكل ظاهر كما ظهرت في البقرة وآل عمران أو في الشرح والضحى ولكنها تبقى فكرة جميلة لو انطبقت على كثير من السور.
د. مساعد: وهو مُقرّ بأنه قد يقع التكلف مثلما فعل صاحب نظم الدرر رحمه الله تعالى هو اجتهد وبنى كتابه على المناسبات فأجاد في كثيرٍ جداً وقد يكون وقع عنده تكلف في بعضها وهذا طبيعة أي عمل مثل هذا.
د. محمد: يقع السؤال كثيراً عندما نجلس في حلقات القرآن أن يسأل أحد الطلاب الذين لا علم لهم باللغة يقول لماذا جاءت (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ) لماذا هذه مفتوحة وهذه مكسورة؟ وهذه جاءت أيضاً في سورة البقرة وأقول هذا يؤكد علينا جميعاً أن نتعلم النحو ونعرف لماذا فُعِل هذا بهذا وهذا بهذا. فهذه أسماء ممنوعة من الصرف للعَلمية والعجمة إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، والأسماء الممنوعة من الصرف من خصائصها أنها تُجرّ بالفتحة فيقال سلمت على إبراهيمَ أما الأسباط فإنها ليست كذلك فجُرّت بالكسرة وهي الآن معطوفة على إبراهيم ومجرورة بالكسرة فهذا جواب لكثير ممن يسألون ممن بضاعتهم في علم اللغة ضعيفة.
د. مساعد: بما أنك تكلمت عن الإعراب أنا أحضرت كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون لأحمد بن يوسف المعروف بالحلبي وهو من تلاميد أبي حيان هذا الكتاب الحقيقة أنا أعده في رأيي الشخصي أنه أنفس كتاب في إعراب القرآن. أفضل من شيخه من جهة. هذا الكتاب ميزته كونه أفضل من شيخه أنه كتاب مرتب ترتيبه دقيق جداً ومنظم ثم الرجل يتسم بتمام الاعتدال لأنه واضح جداً أنه يبحث عن الحق في العلم ولذلك يعترض على شيخه ابن حيان أحياناً في بعض اعتراضاته على الزمخشري والزمخشري معتزلي، فابو حيان يقول وهذه اعتزالية من الزمخشري فيرد عليه ويقول لا يظهر عليه أنها اعتزالية يعني حتى في هذه المسألة العقدية تجد أن التلميذ يرد ولكن بأدب ودائماً يقول قال الشيخ يقصد أبو حيان. وأخونا الدكتور عيسى طبعاً أفضل طبعة للكتاب من تحقيق الدكتور أحمد محمد الخرّاف حفظه الله ويقول أنه الآن أُعدّ للطبع مرة أخرى لعله يخرج وأخونا الدكتور عيسى الدريبي أيضاً بحث في منهج الحلبي فجيد أن يقرأ هذا الكتاب فهو كتاب نفيس يستفيد منه طلاب العلم واقول خاصة لمن يتعاطى التفسير مهم جداً أن يعرف الأوجه الإعرابية وعلاقتها بالمعنى وهذا الكتاب يُعنى بها كثيراً.
د. عبد الرحمن: مع أن البعض قد يعده تفسيراً وهو يغلب عليه الجانب اللغوي والإعرابي أكثر منه.
د. مساعد: مع أنه سماه في علوم الكتاب المكنون وأشار إلى علوم الاشتقاق والتصريف وعلم النحو وعلم البلاغة
د. محمد: والمناسبة له كتاب آخر ينبغي أن نذكر به وهو كتاب عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ في أربع مجلدات أيضاً هو كتاب نفيس في بيان غريب القرآن وبيان معاني ألفاظه فيذكر اللفظة بالطريقة المعجمية ثم يذكر جميع ما يدخل تحتها من الآيات ويبين معاني تلك الآيات في هذه المادة، على شكل مواد
د. مساعد: واعتمد أيضاً على الراغب الأصفهاني واستدرك عليه.
د. محمد: في قوله (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)) هذه قضية مهمة جداً الإيمان بالأنبياء. نحن الأنبياء كلهم عندنا من حيث أصل الإيمان واحد ومن حيث أيضاً أصل الولاء والنصرة والمحبة وأصل الدين كلهم لا يختلفون ولا نفرق بين أحد منهم يعني ما يقال هذا موحّد كامل التوحيد وهذا ناقص التوحيد ونحب هذا أشد من هذا.
د. مساعد: ولا تجد هذا إلا عند المسلمين
د. محمد: نعم سبحان الله ولذلك يقول (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ) لكن هل الله عز وجل فاضل بينهم؟ نعم، هذا واضح (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ (68) القصص) (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (253) البقرة) هذا تفضيل من عند الله سبحانه وتعالى ولا يجوز أن يستخدم هذا التفضيل كوسيلة لتحقير أحدهم.
د. مساعد: لا يقول أحدكم أنا أفضل من يونس بن متى
د. محمد: “لا تخيّروني على موسى ابن عمران” ثم ذكر العلّة في ذلك. فهاذ يُحمل والله أعلم على أن التفضيل إذا كان فيه تحقير للطرف الآخر فإنه منهيٌ عنه أما إذا كان لبيان أفضلية أحدهم على من سواه فهذا لا شيء فيه
د. مساعد: ولهذا استدل العلماء على أن من كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل في قوله سبحانه وتعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) الشعراء) مع أنه ما أرسل إليهم إلا نوح عليه السلام فكفرهم بنوح كأنه كفر بكل من جاء بعده من الرسل.
د. عبد الرحمن: في علوم القرآن دائماً يذكرون دائماً مسألة التفضيل بين السور وبين الآيات فيذكرون الخلاف بعضهم يرى جواز تفضيل السور بعضها على بعض أو الآيات وبعضهم يرى عدم جواز ذلك. يستغرب القارئ كيف يذكر العلماء هذا مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فضّل وقال أن أفضل سورة في القرآن هي سورة الفاتحة وأعظم آية هي آية الكرسي؟ بعض العلماء ينظر هذه النظرة يقولون إذا كان مقصود المفاضلة تهوين المفضّل عليه والتحقير من شأنه فلا يجوز التفضيل وأما ذكر التفضيل كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لما احتوى عليه من تعظيم الله سبحانه وتعالى كما ذكر السيوطي وقال إذا نظرنا إلى أن مضمون السور والآيات التي فُضّلت نظرنا إلى أن مضمونها التوحيد وأن آية الكرسي معناها معروف، قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، انظر إلى مضمون قل هو الله أحد فإذا هو التوحيد والإخلاص، تنظر إلى مضمون آية الكرسي، تنظر إلى مضمون سورة الفاتحة فالقاعدة أنه إذا كانت الآية التي تتحدث عن الله سبحانه وتعالى ستكون أفضل من الآيات التي تتحدث عن تبت يدا أبي لهب ونحوها فكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نفس الفكرة إذا كان التفضيل بينهم ذكر مزاياهم وذكر أولو العزم من الرسل فليس في ذلك شيء لكن إذا كان المقصود تهوين شأن فلان من الأنبياء فهذا لا يجوز التفضيل، هذه مسألة. المسألة الثانية التي أردت أن أشير إليها وهي متعلقة بما نتحدث عنه اليوم في قوله سبحانه وتعالى (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) كتاب كان أحد المشايخ لا أدري هل هو كتبه الغزالي أو الشيخ محمد عبده يقول ربحت محمداً ولم أخسر المسيح وذكر فيها فكرة أن المسلمين.
د. مساعد: هو معاصر قريب.
د. محمد: بل هي أظن القصة وقعت للخديوي كان عنده قس نصراني وحاخام يهودي ومحمد عبده كان الإمام الأكبر فقال كل واحد يتكلم بما يفضّل به دينه، فقال الحاخام لا أتكلم والقسّ موجود، دع القس يتكلم، والقس قال بل الشيخ وهو إمام المسلمين والمسلمون أكثر في مصر فليتكلم هو، (تأذن لي أن أخبر القصة لأني سمعت الصباح من الدكتور محمد العوضي وهو يتحدث في قناة هداية جزاه الله خيراً) فقال محمد عبدو إن كان اليهود سيدخلون الجنة فنحن سندخلها لأنهم آمنوا بموسى ونحن آمنا بموسى، وإن كان النصارى سيدخلون الجنة فنحن سندخلها لأنهم آمنوا بعيسى ونحن آمنا أيضاً بعيسى، وإن كنا نحن سندخل الجنة فلن يدخلها لا اليهود ولا النصارى لأنهم آمنوا بموسى والنصارى آمنوا بعيسى ولم يؤمنوا جميعاً بمحمد فبهت القوم
د. عبد الرحمن: ولذلك صُنِّف هذا الكتاب “ربحت محمداً ولم أخسر المسيح” في قضية أن المسلمين يؤمنون بكل الأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم ويؤمنون بهم جميعاً وهذه مسالة مضطردة مع العقل لأن المرسِل واحد ومع الفطرة ومع الكتب السماوية أنك تؤمن بمحمد وأنه جاء مصدقاً بما جاء به عيسى وأن عيسى جاء مصدقاً بما جاء به موسى هؤلاء الذي يؤمنون بموسى يكذبون الذين يؤمنون بعيسى ويكذبون محمد ومصرين على أنه ليس هناك إلا ما هم فيه ولذلك قالوا (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ (111) البقرة) (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ (113) البقرة) وفيه خلاف ما يدّعون وما يزعمون، هذا تعليق على هذه الاية.
د. محمد: وهذه القاعدة مضطردة أيضاً في أمة الإسلام. أهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان من آل البيت ومن لم يكن كذلك ولا يفرقون بينهم فكل أصحاب رسول الله خيار من حيث أصل المحبة والتعظيم وإن كان الصحابة يتفضلون عند أهل السنة ولآل البيت منزلة معروفة عند أهل السنة يجلونهم ويعظمونهم ويحترمونهم ولهم أحكام خاصة بهم لكن بالجملة كل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله واتبعوه ونصروا دينه لهم من الجلالة والقدر والتعظيم والمنزلة ما الله به عليم. ومن يخالفهم هناك الرافضة الذين يحبون بعضاً من أصحاب رسول الله وهم بعض آل البيت وبعض الصحابة أدخلوهم بأي صورة والبقية من 114 ألفاً ممن تبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم وحجّوا معه حجة الوداع كلهم ملعونون مفسّقون مجرمون والعياذ بالله كيف يقبل هذا في خير البشرية أن يكون اتباعه وأصحابه كلهم بهذه الصورة؟! والفرقة الثانية النواصب الذين ناصبوا آل البيت العداء وصاروا والعياذ بالله ينتقصون من أقدارهم ولا يرون لهم فضلاً وحقاً فهؤلاء حرموا وهؤلاء حرموا وفاز بها أهل السنة والجماعة الذين أحبوا جميع أصحاب رسول الله ولذلك واحد ألّف كتاباً على غرار هذا الكتاب الذي ذكرت لمحمد عبدو قال “ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت”، نفس الفكرة.
د. مساعد: الآيات التالية لو تأملتم ستجدونها في الكفر من قوله سبحانه وتعالى (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)) إلى قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91)) هذه الآيات كلها مرتبطة بالكفر، بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان منذ أن بدأ يتكلم عن العهد الذي وضع للأنبياء ثم ذكر هذه السلسلة المباركة قال (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)) من هو الذي يبتغ غير الإسلام دينا؟ هو الكافر الذي جاء تفصيل أحكامه بعد ذلك ولهذا هذا نوع من الانتقال من موضوع إلى موضوع والرابط هو هذه الآية لما قال (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فجاء تناسب في الانتقال بين هذه الموضوعات.
د. محمد: هنا يأتي سؤال ويقال كيف يستبعد على الله أن يهدي قوماً كفروا بعد غيمانهم؟ فيقال ليس هذا من هذا الباب ولكن هؤلاء بان لهم الحق والله سبحانه وتعالى أقام لهم البينات ووضع لهم الحجج ولم يُبق لهم أي حجة ولا شبهة إلا دلّهم على المخرج منها ومع ذلك أبوا إلا أن يتكبروا على الحق. هؤلاء النصارى الذين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاجّوه وناقشوه ما هي حجتهم بعدما تبين لهم الحق؟ أنهم خشوا على مناصبهم وعلى سمعتهم والأموال التي كانت ترد إليهم فقال تعالى (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)) هم الآن يشهدون في قرارة أنفسهم أن الرسول حق ومع ذلك أبوا.
د. مساعد: مثل كما تذكرون قصة القس الذي ذكرناه مع شيخه الذي أبى إلا الكفر وهو عبد الله الترجمان الذين كانوا يقرأون الإنجيل ووصلوا للفارقليط فهذا ينطبق عليه هذا المعنى أنه عرف وجاءته البينات ولكنه خشي على المنصب.
د. محمد: ولذلك سبحان الله يضله الله ليس لأن الله سبحانه وتعالى قد قصّر في إيصال الحق إليهم ابتداء ولكنه هو انتكس في ظلمه وجهله وكبره وحسده وبغيه والعياذ بالله.
د. مساعد: على قاعدة (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) الصف) وهؤلاء مثل قوم ثمود (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى (17) فصلت) أسأل الله أن لا يضلنا. (فَهَدَيْنَاهُمْ) يعني تبين لهم كل شيء (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) طلبوها حباً لها. العمى على الهدى وهذه منزلة والعياذ بالله تكون في العبد نسأل الله أن يبعدنا عن هذا وهذا النوع من الناس هو موجود فهو ينطبق عليه مثل هذه الآية.
د. عبد الرحمن: للأسف أن هذا الموقف يتخذه غالباً أهل العلم الذي عنده علم أما في العادة الجاهل العامي البسيط يستشرد فإن وجد الحق ففي الغالب أنه يتبعه لكن الأحبار والرهبان وأهل العلم في كل ملة فهم الذين في الغالب إذا استولت الشبهات والعناد والشهوات والإصرار على الباطل فغن يكون فيهم أكثر ما يكون، قال (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ (105) آل عمران) (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ (14) الشورى) لكن الجاهل البسيط خالي الذهن فإذا بُين له الحق استجاب لكن هؤلاء يصرون على الباطل ويحرصون على المناصب يحرصون على الجاه عند الناس فيصرون على الباطل ويجادلون وإلى اليوم تلاحظ الآن أكثر من يشتم النبي صلى الله عليه وسلم أو يتطاول عليه القسس وزعماء النصارى وزعماء اليهود وهم أعلم من عامتهم ويعلمون أنه حق كما قال الله تعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ (20) الأنعام).
د. محمد: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ (14) النمل)
د. عبد الرحمن: ثم لاحظوا الايات في قوله سبحانه وتعالى (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (88)) وهذا الوعيد الشديد ثم قال (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ (89)) وهذا إشارة إلى تمام عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته وأن باب التوبة مفتوح لكل أحد حتى لو كفر وفعل وفعل فإن إن تاب تاب الله عليه، وذكر الله (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90)) معناها لن تقبل توبتهم إذا ماتوا على ذلك وشرحها في الأخير فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ (91))
د. مساعد: والعجيب أن هذه الاية السابقة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) هذه تعتبر من الآيات المُشكلة حتى القرطبي عدّها أشكل آية في هذه السورة لأنها أُطلقت. هناك شبيه بالآية (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ) قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج) وهذا سبجان الله لو تريد أن تقرب للإنسان هذا المعنى وتقول له الآن تخيل لو أن أحدهم قتل قريباً لك كيف يكون تعاملك معه؟ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاءه قاتل زيد أخوه، قال له عمر إن استطعت أن لا تريني وجهك فافعل فقال أيمنعني ذلك حقي يا أمير المؤمنين؟ قال لا، قال إذن إنما تبكي على الحب النساء. هذا أعرابي يقول ليس هناك مشكلة، فالمقصد أن الإنسان هذه طبيعته لكن الله سبحانه وتعالى بصفاته العلية حتى الذين قتلوا أولياءه وفعلوا ما فعلوه فإنه أيضاً يدخلهم في رحمته ويعطيهم الفرصة.
د. محمد: ما أحلم الله على عباده!. في قوله (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ (89)) لاحظوا كيف اشترط الإصلاح ما يكفي أن تقول أنا كنت مكذباً لمحمد والآن صدقت به، أصلِح، دافع عن محمد، إتبعه، بيّن الحق لمن كنت تضلهم وإلا فلا تعد هذه التوبة توبة. توبة باهتة معرفية ما ينفع.
د. عبد الرحمن: ولذلك حتى في سورة البقرة تقدم معنا في قوله (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)) فأضاف (وَبَيَّنُواْ) لأن هؤلاء كتموا.
د. مساعد: يختلف الإثم
د. عبد الرحمن: وأن من تمام توبتك أن تبيّن ولذلك كعب بن مالك رضي الله عنه عندما تاب فقال يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق في هذا الموقف وإن من تمام توبتي ألا أُحدِّث ما حييت إلا صِدقاً.
د. مساعد: لعلنا نختم عند هذا والوقت انتهى. أسأل الله تعالى أيها الأخوة المشاهدون أن يعيد علينا مثل هذا المجلس وأن يمنّ علينا بلطائف كتابه سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/6/2009م