برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 11

اسلاميات

الحلقة 11

 

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٩٣﴾ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٩٤﴾ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٥﴾ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٩٧﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٨﴾)

د. محمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد ما زلنا نتفيؤ ظلال سورة آل عمران ونتحدث حول آياتها الكريمة التي تفيض علينا بالمعاني الجليلة والهدايات العظيمة. وصلنا إلى قول الله عز وجل (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾) وهذه الآية تتحدث عن الإنفاق وأنه أحد الوسائل التي يُعرف بها محبة العبد لربه وإيثاره لله سبحانه وتعالى على شهوة نفسه. فلن ينال أحد البر يعني أعلاه وأزكاه حتى ينفق الشيء الذي يحبه لا الشيء الخسيس الدنيء الخبيث الذي تأنف منه النفوس. الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عندما نزلت هذه الآية بادر أبو طلحة الأنصاري وكان أكثر الأنصار مالاً وكان عنده بستان قبالة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إني سمعت الله يقول (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾) وإن أحب أموالي إليّ بيرحا يعني هذا البستان الذي هو في قبلة المسجد وكان فيه ماء طيب كان يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منه، فضعها يا رسول الله حيث شئت. يعني هي أحب أموالي وأريد أن أنفقها لله سبحانه وتعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم بخٍ بخٍ ذاك مال رابح، بخٍ بخٍ ذاك مال رابح، إني أرى أن تضعها في الأقربين، فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله وقسمها في أقربتئه وبني عمّه. تأملوا استجابة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وكيف أن أبا طلحة يخرج من بستان عظيم من أفضل وأعظم البساتين الموجودة في المدينة لينال هذه المرتبة العالية والمنزلة الشريفة وهي أن ينال صفة البرّ وهكذا كانوا يتنافسون وفي هذا كانوا يسارعون رضي الله عنهم وأرضاهم. لعلي الآن أتيح الفرصة للشيخين الفاضلين ليتحدثا في ظل هذه الآية الكريمة. نستمع إلى الشيخ مساعد جزاه الله خيراً.

د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. لعلي أعلّق تعليقاً وجيزاً على قصة أبي طلحة وهي قضية اليقين، نقول من المشكلات التي نقع فيها هي عدم اليقين فلو كان اليقين موجوداً في القلب لحصل من المسلمين مثل ما حصل لأبي طلحة. لعلي أذكر المناسبة اللطيفة

د. محمد: إذا أذنت لي تعليق على نفس القصة ثم ندخل في المناسبة.

د. مساعد: سَمّ.

د. محمد: طبعاً (سمّ) لمن يسمعنا من الإخوة المشاهدين من غير السعودية كلمة تقال بمعنى تفضل فأرجو أن لا يظنوا بها سوءاً. وبالمناسبة اذكر قصة لأحد أشياخنا جاء من مصر وكان يدرسنا أصول الفقه، يقول فاتصلت على أحد زملائي من المشايخ السعوديين فرفع الهاتف سكرتير لهذا الشيخ فقلت له هذا مكتب الشيخ؟ قال نعم، فقلت له قل للشيخ فلان اتصل بك، قال سَمّ، فقلت ماذا تقول؟ قلت ما معنى سم؟ فعرف بعد ذلك أن سم هذه بمعنى أبشر أو تفضل أو سمّ بالله أو قل ما تريد أو سمعاً وطاعة وليس المقصود بها الدعاء بالسُّمية على الخصم أو على من يقول هذه الكلمة. فأقول هذه القصة فيها فائدة أخرى وهي أن كثير من التجار وذوي اليسار أحياناً ينفقون واشياء يحبونها ويخرجون أموالاً طيبة لكنهم يتصرفون فيها بناء على ما يبدو لهم ولا يسألون أهل العلم، وهذا أبو طلحة على أنه صحابي تعلم في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ما تصرف في هذا المال حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله وأين أضع هذا المال؟ قال ضعها في الأقربين. وهذا يدلنا على أن صلة الرحم بالنفقة والصدقة من أفضل الصدقات وأجلها عند الله سبحانه وتعالى بل هي تجمع أمرين صدقة وصِلة وهذا يغفل عنه كثير من الناس.

د. مساعد: قول الله سبحانه وتعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾) قضية مرتبطة بالمال ولو تأملنا الاية السابقة الله الله سبحانه وتعالى يقول في ختام حديثه عن الكفار يقول  (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ (91)) تصور الكافر كما نجد اليوم ينفق أموالاً طائلة على أعمال خيرية، ما دام كافراً لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً. (وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) أي في يوم القيامة لو جعله مقابل أن النجاة من النار.، يعني لو افتدى بملء الأرض ذهباً ما قُبِل منه. وأنا أقول للمشاهد تخيل فقط ملء الأرض ذهباً! كم يكون؟! فلما ذكر هذا الإنفاق الذي لا ينفع ذكر الإنفاق الذي ينفع وهو من شروط الإيمان فقال (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾) أي لن تنالوا البر ايها المؤمنون أي بعد إيمانهم حتى تنفقوا مما تحبون وليس أي إنفاق وإنما الإنفاق مما تحب وكلما كان الشيء أحب إليك واستطعت أن تنفقه فهذا فيه دلالة على أنك قد نلت البِرّ.

د. محمد: عمر بن الخطاب لما قسمت خيبر واسهمها على الصحابة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله ما أصبت مالاً في جاهلية ولا إسلام أحب إلي من سهمي الذي في خيبر فمرني يا رسول الله ماذا أصنع به؟ فقال صلى الله عليه وسلم حبِّس الأصل وتصدّق بالمنفعة أو كما قال عليه الصلاة والسلام يعني أوقفها. فأوقفها عمر رضي الله تعالى عنه في الأقربين وفي أبناء السبيل وعلى من وليها أن يأكل منها غير متمول أو كما قال، فكان كما أظن أول وقف في الإسلام الذي أوقفه عمر رضي الله تعالى عنه. وابن عمر اشتهى مرة قطفاً من العنب فبُحث له عنه فوجدوا قطفاً من العنب وكان في يوم شديد الحر فأوتي به إليه فلما وضع بين يديه طرق الباب طارق فقال انظروا من في الباب، فقالوا سائلٌ يا أبا عبد الرحمن فقال خذوا هذا القطف فأعطوه غياه، قالوا إنا نكفيك أمره، نعطيه ما يغنيه، قال إني والله لأحب هذا القطف وإن الله قد قال (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أنتم تريدونني أن آكل من هذا القطف وأحقق شهوتي فقط وأنا أريد شيئاً آخر أريد ما عند الله في الدار الآخرة. وأخرج هذا القطف في شدة حاجة.

د. عبد الرحمن: هناك قصص كثيرة عن الصحابة وعن التابعين وعن السلف حول هذه الآية وأذكر في كتب الأدب بصفة عامة مثل كتاب المستجاد من فعلات الأجواد للمحسّن التنوخي ذكر فيه كثير من هذا وأنا أنظر لها من ناحية علمية تفسيرية، أُنظر إلى الصحابة رضي الله عنهم مثل أبي طلحة وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ومثل هؤلاء الصحابة الأغنياء الذين كان لهم مال كانوا يحققون هذه الاية ومعانيها في حياتهم. وعبد الرحمن بن عوف عندما جاء عام المجاعة وجاءت القافلة له وبالغ التجار في تثمين هذه القافلة لشرائها فوزعها على الفقراء مع أنه كان بإمكانه أن يربح منها أضعاف ما يتوقع. كل هذا مصداق قوله تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وأن أقول الآن كثير من الناس يسأل عن التفسير وكيف أفهم التفسير وكيف أتعمق في النفسير ونحن نغفل أحياناً عن جانب التفسير العملي والتطبيق العملي لهذه الآيات العظيمة كما كان الصحابة رضي الله عنهم ولذلك لا تجد أسئلة كثيرة للصحابة في التفسير وإنما أسئلة محدودة مهما جُمعت لأنهم مشهورين بالعمل

د. مساعد: وأغلب استشكالاتهم في العمل.

د. محمد: وليست في قضايا اعتقادية وعلمية.

د. عبد الرحمن: ولذلك لم تظهر كثير من المسائل النظرية والفلسفية إلا عند المتأخرين أما ما يترتب عليه عمل فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يسارعون في العمل ولذلك هذه الاية أخذت حيزاً كبيراً من العمل في حياة الصحابة وفي حياة التابعين وفي حياة الأغنياء

د. محمد: العجيب في الاية أنها ذكرت شيئين قال (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ماذا عن الذي أنفق من شيء دنيء فهل ليس له أجر؟ فقال (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) أي شيء، نكرة في سياق النفي ثم جاء بـ (من) الدالة على الاستغراق، قال (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) يعلمه والمراد لازم العلم وهو الثواب والجزاء. العجيب أني قرأت القاسمي رحمه الله أنه قال انظر إلى المناسبة بين هذه الآية والتي تليها فاذكر من كلامه أنه قال لن تنالوا البر هذا نداء لهذه الأمة أن من أراد منهم أن يترفع في منازل البر فعليه بالإنفاق مما يحب أما الأمم السابقة فكان الواحد منهم إذا أراد أن يكون صادقاً مع الله فإنه يحرم نفسه من بعض لذائذها وشهواتها قال فانظر إلى الفرق بين أمة محمد ومن سبقها، قال الله تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ (93)) إسرائيل حرّم هذا الشيء على نفسه افتئاتاً على الله؟لا، لأنه يعلم أن الله قد طلب منه ذلك فهو حرم على نفسه أشياء، بينما الأمة عندنا ما يحل للإنسان أن يحرم على نفسه شيئاً مما أباحه الله له، لا يجوز أن تقول والله حرامٌ علي الخبز أو حرام علي العنب أو حرام علي اللحم المشوي هذا لا يجوز في الإسلام ولا يقبل منك هذا اليمين. بينما في الأم السابقة كان يقبل هذا، يقول فانظر إلى الفرق بين الأمتين إذا أردت أن تنال الرتب العالية أنفق تصدّق إنفع الناس وأولئك إذا أردت الرتب العالية إحرم نفسك. وهي كلها مما تحبون.

د. مساعد: لكن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام حرّم على نفسه لحوم الإبل بعدما أصيب بعرق النسا وهذا ثبت عند الإمام أحمد وغيره في انه لما سأل اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة وكان منها ما حرم إسرائيل على نفسه أنه إذا أجابهم يؤمنوا فعندما أجابهم ومع ذلك لم يؤمنوا فأخبر أنه حرّم لحوم الإبل وألبانها. وبالفعل هذا الملظ وهذه المناسبة غاية في الغرابة والدقة واللطف لمن تأملها حينما يجد مناسبات بين الآيات علم له أصوله لكن نحتاج لمن يستطيع أن ينظر للفرق الدقيق بين هذه الآية وتلك.

د. محمد: في قوله (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) أنا أرى أن فيها إشارة إلى معنى عظيم جداً يتصل بحوار هؤلاء النصارى ومناقشتهم. وهي أنهم يدّعون اليهود والنصارى أنه كيف ينسخ دين نبينا موسى وعيسى وأن دعوى النسخ هذه فيها إشكال ولعل الدكتور عبد الرحمن سبق أن بحث موشوع النسخ هذا وما يتصل به. المقصود من هذا أن هؤلاء النصارى استشكلوا موضوع النسخ كيف يُنسخ؟ فاحتجّ الله تعالى عليهم أن النسخ موجود عندهم، يعقوب حرّم على نفسه أشياء وجاء من بعده من أنبياء بني إسرائيل فأحلّها ماذا تسمون هذا؟ (وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (50) آل عمران) (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران).

د. عبد الرحمن: ننتقل الآن إلى آيات الحج في هذه السورة العظيمة طبعاً تقدم معنا في سورة البقرة الحديث عن الحج أيضاً في قوله سبحانه وتعالى (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ (196) البقرة) وكان القول هناك أنه ليس أمر اً بفرض الحج وإنما هو الأمر بالإتمام بعد الشروع فيها، لكن الايات التي في سورة آل عمران هذه الايات التي جاءت بفرض الحج في قوله سبحانه وتعالى (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)). في الايات التي قبلها يذكر الله تعالى تاريخ البيت الحرام وتاريخ الكعبة ويذكر الله سبحانه وتعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)) وأن الكعبة هي أول بيت وضع للعبادة في الأرض (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)) أي للعبادة. وبذلك يقع السؤال كيف يقال أنه أول بيت وضع في الأرض والذي نعرفه نحن من تاريخ بنائه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي بناه؟ ماذا كان يصنع نوح ومن قبله؟ ولذلك يقول العلماء أنه قد بني في عهد آدم عليه الصلاة والسلام وأن دور إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مجرد تجديد البناء ورفع البناء ولذلك قال (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ (127) البقرة)

د. مساعد: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ (26) الحج) البيت معروف وهذا دليل على أنه كان معروفاً قبله.

د. عبد الرحمن: والآية صريحة في هذا (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وبكة المقصود بها كما يذكر المفسرون إما إنها إسم خاص لموضع الكعبة في مكة وإما إنه إسم من أسماء مكة يقال لها مكة ويقال لها بكة لأنها يزدحم فيها الناس

د. مساعد: يزدحم فيها الناس وتبكّ من يكون فيها.

د. محمد: وقيل أيضاً أنها تبكّ أعناق الجبابرة

د. عبد الرحمن: مثل أبرهة ومن جاء لهدم البيت قصمه الله.

د. مساعد: بمناسبة بكّة حضّرت ورقة لعلكم تسمحون لي أن أقرأها وهذه أيضاً من كتب بني إسرائيل المزامير المنسوبة لداوود عليه السلام.

د. محمد: ونحن نقول لك أفي شكٍ منه يا ابن الطيار؟!

د. عبد الرحمن: من يقرأ في كتب اليهود يقول هل يجوز إذا كان نبينا نهى عمر كيف أنت تستجيز ذلك؟

د. مساعد: أولاً الذي أعرف أن الحديث فيه كلام في ثبوته ولو صح فأنه في أول الأمر والرسول صلى الله عليه وسلم قال حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وقال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، رواه الإمام البخاري وغيره وهي صريحة في جواز التحديث. ونحن الآن في مقام الاحتجاج وليس في مقام الاستهداء الذي كنا تكلمنا عنه سابقاً ولا يجوز، طلب الهداية من كتبهم لا يجوز لكن كونك تقرأ كتبهم للإحتجاج عليهم فهذا يجوز. النص الذي اقرأه منسوب إلى داوود عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى وادي بكة وإن كان وقع في النص تحريف سأقرأه وأشير إلى موقع التحريف. يقول وهذا في المزمور 84 يقول ما أحلى مساكنك يا رب الجنود تشتاق بل تتقول نفسي إلى ديار الرب (هذه مكة كما قال تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ (125) البقرة) قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي العصفور أيضاً وجد بيتاً واليمامة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها بجوار مذابحك يا رب الجنود، يا ملكي وإلهي طوبى للساكنين في بيتك فإنهم يسبحونك دائماً (وهنا جاءت عبارة سلا وهذه عبارة أذكر أنه وقع الخلاف عند أهل الكتاب في مدلولها لكنها مثل فاصلة) قال طوبى لأناس عِزّهم بك المتلهفون لاتباع طرقك المفضية إلى بيتك المقدس وإذ يعبرون في وادي البكاء الجاف (والصواب بكة) النسخ القديمة التي كتبت فيها هذه المزامير ترجمتها الحرفية (وإذ يعبرون في وادي بكة) هم حولوه إلى وادي البكاء الجاف ما علاقة البكاء والجاف؟ وادي بكة هو الوادي غير ذي زرع. ثم قال يصيرونه ينبوعاً ويغمرهم الوطن.. إلى آخر كلامه والكلام كله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وما يكون لها. ففي آخر النص قال: يا رب الجنود طوبى للإنسان المتكل عليك. فلاحظ ذكره قال (وإذ يعبرون في وادي البكاء وادي بكة) كما حرره من قرأ في هذه المخطوطات القديمة لكتبهم.

د. محمد: قد يستشكل بعض الناس فيقول: هل هذا الحج كان مفروضاً على الأنبياء من قبلنا؟ فيقول نعم لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما هبط من الثنية قال كأني بأخي موسى هابطاً من الثنية على جبل أحمر له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية وذكر أيضاً يونس، ويذكر مواطنهم ويقول من هنا ومن هنا، يشير إلى الصحابة ويحدد المواقع عليه الصلاة والسلام. وورد حديث آخر حسنه الألباني في مسجد الخيف قال صلى فيه سبعون نبياً، مسجد الخيف هذا من منى قريب من الجمرات فإذا كان صلى فيه سبعون نبياً فهذا شيء عظيم جداً.

د. مساعد: قول الله سبحانه وتعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا (27) الحج) وأول من سيتبع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

د. محمد: قوله (مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (97)) الثناء على هذا المكان الطاهر بأنه مبارك وأن فيه ىيات بينات وأنه هدى للعالمين هذه تحتاج إلى دراسة متكاملة كيف كان هذا البيت بركة؟ ما هي أنواع البركة فيه؟ أنا أقول أن أنواع البركة فيه قد لا تعد ولا تحصى كما قال (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ (28) الحج) أنواع المنافع أيضاً لا تحصى ولا تعد بل هي في نظري أحد أسرار الدين لأنه إذا ذهب البيت ذهب الدين. قال تعالى في سورة المائدة (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ (97)) كأن به قيامهم متى ما قام هذا البيت قام أمرهم وإذا خرب خربت هذه الدنيا. وهنا قال (مباركاً) أنواع البركة في الماء، في الطعام، في الشراء، في الاجتماع ، في الصلاة الصلاة بمائة ألف صلاة، أيُّ بركة هذه؟!

د. مساعد: البركة المعنوية عندي أوسع من البركة المادية

د. محمد: والبركات هذه شيء عظيم يكفي أن أول الوحي أُنزل فيه وأعظمه وعلى محمد الذي ولد فيه عليه الصلاة والسلام .وفي قوله (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ) قلت مرة لأحد الإخوة الفرنسيين على أساس أنه يكتب كتاباً بالفرنسية قلت هذه الآية أود أنك تجمع من خلالها ما هي الآيات البينات القائمة الآنالتي تدل على صدقية محمد ورسالته من خلال مكة فقط. يذكر ما ءزمزم الذي يتدفق من واد جاف أجرد ليس بجوار نهر الفرات ولا دجلة ولا النيل وليس في أرض مطيرة ولا أرض ذات زرع فمن أين ياتي هذا الماء؟ الآن هناك مناطق عندنا يقال كان تحتها بحيرات جفّت، عيون الخرج كانت عيوناً يتدفق منها الماء من جوف الأرض الآن تذهب إليها تجدها يبساً ليس فيها شيء.  ماء زمزم ما الذي أبقاها هذا الدهر الطويل من عهد هاجر إلى اليوم ولولا أنها قالت زم زم لصارت عيناً معيناً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. قلت من الايات البينات أن الله جعلها مهوى أفئدة الناس ما يشتاق الناس في بلد في الأرض أن يعودوا إليه بعد أن يخرجوا منه مثلما يشتاقون لهذا البلد، ليس فيه من مقومات المحبة المادية ما يدعو إلى ذلك، أرض سوداء حارة ليس فيها زراعة فيها جبال وعرة كل هذه مقومات فقدت من مكة ومع ذلك ليس هناك بلد يخرج منه الإنسان فيشتاق أن يعود إليه مثل مكة هذه آية.

د. عبد الرحمن: أحد الأصدقاء باحث في الدراسات القرآنية وكتب له بحوثاً كثيرة وفي عمرنا في الأربعينات فيقول أول مرة يدخل للسعودية ولم يزر مكة من قبل فذهبت بصحبته إلى مكة فكان مصراً وقال أنا أريد أن أرى غار حراء الذي نزل فيه الوحي متشوق لأن أبحاثي ودراساتي كلها تدور حول النزول ومتشوق أن أرى هذا المكان فلما رأ ى الكعبة ورأى مقام إبراهيم ورأى فيها مشاهد تأثر وقال أنا زرت كثيراً من بلاد العالم كل دول أوروبا وأميركا وغيرها ولم أتأثر بمثل هذه الزيارة وبمثل هذه المواقف. ثم أصر إلى أن يذهب غلى غار حراء ويصعد إلى الجبل وصعد فعلاً ولم يملك إلا أن يبكي فحببني بشخصه وحدبني بقصة رجل آخر يغلب عليه الإلحاد أصلاً إلا أنه نشأ في بيئة كلهم متدينون وفي آخر أيامه زار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزار المدينة مع أنه ملحد قال فلما وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال ما استطعت أن أتكامل نفسي أمام هذه الشخصية العظيمة التي جاءت بهذا الخير وجاءت بهذا الوحي وقال وأنا نشأت في بيئة كلهم يقولون أنه نبي وأسماؤهم محمد وقال هذه الشخصية لا يمكن أن تُكفر بها بسهولة ورجع عن إلحاده. فأقول سبحان الله قوله (مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ (97)) أحياناً هذه الايات الروحية والمقامات الروحية والمقامات العبودية لا يمكن التعبير عنها، أنت تذهب أحياناً إلى بعض المعابد الهندوسية والكفرية تجد فيها من الزخرفة لكنك لا تشعر فيها إلا بالانقباض أما في هذه المواطن التي عرفها الله حتى في عرفات وهي مكان أجرد ليس فيه شيء لكنه “الحج عرفة”.

د. محمد: جاءني مجموعة من الشباب الأردنيين من طلاب حلقات التحفيظ وكان معهم شيخ لهم فاتصل بي وتعرف علي وأنا في الحرم فقال نريد منك درساً ونحن في الحرمن قلت الدرس اليوم عن السبورة والسبورة اليوم هي الحرم، فقلت سأعطيكم درساً في الآيات البينات التي تدل على أن هذا الديم من عند الله وأنه حق، أُنظر إلى الكعبة، المقام، زمزم، المسعى، المطاف، أقول لهم انظروا إلى هذه الآيات البينات باقية ما أبقاها الله سبحانه وتعالى لتبقى شواهد تقوي إيماننا وتصلنا بالأولين صلة مكانية. انظر مقام إبراهيم أثر الحفرة حفت القدمين على الحجارة ما زالت موجودة من عهد إبراهيم، هذا الحجر الاسود نزل من الجنة أنتم الآن في معلم أثري لا يوجد على وجه الأرض شيء يماثله. الذكر في هذا المكان لا ينقطع طوال العام وطوال اليوم ما ينقطع أبداً. قلت يا إخواني لا يوجد مكان يوجد فيه تنوع بشري مثل هذا المكان. عندما تذهب إلى الهندوس تلقى هنود وهندوس من جنسيات متقاربة جداً لكن ما تلقى فيهم عربي ولا أوروبي ولا ياباني لكن فأي جنسية تريدها أتحدى أنك تجدها هنا في هذا الحرم إما اليوم أو غداً أو بعد غد، أيّ جنسية على وجه الأرض تجدها هناك يتكلمون بجميع اللغات واللهجات، هذه آية. ما جاءت في موسم نصرة للعرب الآن وفي دولة لهم قائمة، نحن الآن في عصر انحطاط وذل لا يعلم به إلا الله ومع ذلك انظر هذه الأفواج. والله لو تفتح للمسلمين الآن الذين عندهم القدرة على أن يعتمروا وأن يأتوا إلى هذا البيت لكانت هذه المواقع لا تتسع لكل من يأتي. وقلت لهم كم تقدرون عدد من في هذا المبنى؟ قالوا مائة ألف، قلت هذا يتسع لمليون إنسان وما حوالية يتسع لمليون آخر هذا من غير الأماكن الأخرى فكيف يجتمع هؤلاء؟ قيل لإحدى الشركات الألمانية المتخصصة في الإجارة وهو يرون الحرم في ساعة الإفطار والعالم جالسون حول موائدهم هؤلاء كم يحتاجون لأن ينظموا في صفوف؟ فحسبوها حسبة إدارية وقالوا لو كان كل هؤلاء مدربين يحتاجون إلى 16 ساعة حتى تنظم الصفوف فقيل لهم انتظروا فأقيمت الصلاة وفي غضون دقيقة واحدة الحرم كله دوائر منتظة من أوله لآخره كأنهم وضعوا بالمسطرة، لما ترى الصورة تراها مشهداً عجيباً ونحن ألفناها فما تأخذ كثيراً بأبصارنا لكن من يراها من غيرنا يتأثر بها أشد التأثر وهذه بالتالي آية. فيقولون الشركة الألمانية المتخصصة في الإدارة أو في التنظيم –أنا لا أعرف القصة جيداً لكنها في هذا المحتوى- أنها تعجبت وقالوا هذا لا يمكن في أدق الجيوش العالمية في مثل هذه المدة ولا في أضعافها، هذه آية من آيات الله، الآن موجود في الحرم أكثر من مليون ويترتبون هذا الترتيب بدقيقة أو اقل ويتبعون شخصاً واحداً لا يركعون إلا بركوعه ولا يسجدون إلا لسجوده. انظر في الجيوش عندما يكونوا في الطوابير تجد أحدهم واقفاً وآخر قاعداً إلا إذا كان وراءهم هتلر!

د. عبد الرحمن: هذه مرتبطة بقضية عبادة ولا شك أن لها خصوصية من هذا الجانب.

د. محمد: في آية الحج قول (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (97)) لما أراد أن يفرض الحج ما قال والحج واجب عليكم وإنما قال (ولله) بدأ بالمقصود يعني الحج ليس مقصوداً لذاته وإنما مقصود لله ولذلك هذا فيه من الترغيب وبيان المقصود الأعظم ما لا يخفى على الإنسان وبيان المقصود الأعظم وهو الإخلاص في إقامة هذا الحج وهو الذي يخل به كثير من المسلمين عندما يرغب في أن يكون حاجاً أن يأتي إلى هذا البيت من أجل أن يحصل على لقب الحاج فلان نقول إنتبه يا عبد الله، إنتبه يا مسلم لا تحج ليقال حاج ولا تعتمر ليقال معتمر ولا تتردد على البيت من أجل أن يقال حج كذا واعتمر كذا، لله إنتبه لا يعلم بذلك إلا الله ولا تريد بذلك إلا وجه الله. ثم قال (عَلَى النَّاسِ) وليس على المؤمنين فقط مما يدل على أنه واجب على الخلق أصلاً، على الناس جميعاً

د. مساعد: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (27) الحج)، ولهذا الحج عبادة عالمية

د. محمد: قال هنا (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ) يقول إبن القيم أن هذه من من أقوى أساليب الوجوب. لما يقل عليك كذا يقال من أقوى الأساليب في إيجاب الشيء على الشخص مما يدل على محبة الله للحج وإيثاره له وعظم منزلته عند الله سبحانه وتعالى فهو الرحلة الوحيدة الواجبة على الإنسان في العمر كله الذي يخرج فيه من دياره من أجل الله. الله عز وجل يبتلي العبد في كل المقامات يبتليه في بدنه وفي مسعه وفي بصره وفي طعامه وشرابه ويبتليه أيضاً في مفارقة وطنه، يبتليه في الرحلة والسير إلى ذلك المقام العظيم، هل أنت ترحل وتترك مالك وولدك لأجل الله؟ وسبحان الله يثبت كثير من المسلمين صدقه في هذا الباب.

د. مساعد: وهي الرحلة التي لا ينساها

د. محمد: تجد الآن في بعض الدول الإسلامية يربون الصغير على أن يجمع المال شيئاً فشيئاً حتى إذا بلغت الخمسين تحج بهذا المال، يضعون له حصّالة يسمونها حصّالة الحج فنسأل الله أن يمكّن كل من قال ذلك من الحج.

د. مساعد: قوله (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) يقع من بعض الناس خاصة في هذا العصر يقع منهم عدم تأمل لهذه الاية أو عدم تطبيق لها. بعض الناس رفع الله عز وجل عنه الحرج هذا لا يجب أن يجبر نفسه بذلك، فيأتيك سؤال هل يجوز لي أن أستدين لأحج؟ خاصة بعض الناس لو استدان قد لا يستطيع أن يؤديها، هذا رُفع عنه الحرج أو امرأة تقول ليس عندي محرم؟ هذه رفع عنها الحرج فالمفترض أن تعبّد الله بما يحب الله هذا نغفل عنه، أنا الآن أتعبد الله بترك الحج لأنه ليس عندي إستطاعة نعم أتحسر لأني لم أحج لكن يجب أن أعرف أني أتعبد الله أني لم أحج لأنني ممن فقد هذا الشرط

د. محمد: وكثير من الناس مع الأسف يا أبا عبد الملك ممن ضعف الإيمان في قلبه يتحجج بعدم الاستطاعة وهو غير صادق.

د. مساعد: هذه قضية أخرى، هذا يدخل فيها (ومن كفر)

د. محمد: وهذا يُخشى عليه، تجد عنده استعداك ليسافر للنزهة والسياحة ويبذل الأموال وقيمة التذكرة ليسافر إلى ذاك البلد أو تلك الديار التي يحبها ويهواها وعندما تقول له حججت يا فلان؟ يقول لمن استطاع إليه سبيلا، ما الذي يجعلك تستطيع لتلك الديار ولا تستطيع إلى مكة؟ وأنت خصوصاً قد تكون من أهل هذه البلاد التي قد لا تحتاج فيها إلى كثير مال حتى تصل إلى مكة، هذا حرمان والله! بعضهم يقول الحملات تأخذ سبعة آلآف أو ثمانية آلآف ومن أين لي بهذا لمبلغ؟ هناك حملات تأخذ ألفين وألف وخمسمائة ما الذي يمنعك أن تذهب معهم؟ وهناك حملات تستطيع أن تذهب معهم خادماً أو قائماً بشيء من الأعمال، هذا دين تبرز فيه محبتك لله واستجابتك لأمر الله.

د. مساعد: ولذلك ليس هناك عبادة ربطها الله بالكفر مثل هذه العبادة (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) غنياً ليس عنه وإنما غني عن العالمين جيمعاً. هذا يدل على عظمة الحج.

د. محمد: وقد فهم بعض الصحابة من ذلك

د. عبد الرحمن: أنه ما يترك الحج إلا واحد مستغني أعوذ بالله

د. محمد: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما خطب قال لقد هممت أن آمر برجال أن يذهبوا إلى أنحاء الجزيرة فينظروا من بلغ فلم يحج أو كان عنده جلة فلم يحج أن يضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين. واحتج بعض الصحابة بهذه الآية (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يعني من استطاع فلم يحج فإنه كافر بذلك. وهذا مذهب لبعض الصحابة كابن عباس. فأنا أقول للأخ المسلم نحن الآن لا نصدر حكماً بالتكفير لكن نقول ألا تخشى أن تكون كذلك وأنت لا تدري؟ نسال الله العافية والسلامة.

د. مساعد: وهذا من فعل ذلك من المسلمين يدل على أنه لا يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى ولا يتأمل ما فيه من هذه المعاني وهذه الإيحاءات التي يخشى منها من كان في قلبه ذرة من إيمان. ما أحد من المسلمين يرضى أن يوصف بأنه كافر.

د. عبد الرحمن: إذا كان الله تعالى يقول (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) فكيف الكفر بعد الإيمان؟

د. مساعد: الآيات عادت الآن إلى أهل الكتاب مرة أخرى. وهذا يقودنا إلى تأمل الآيات التي جاءت في وسط الحديث عن أهل الكتاب. هي لها علاقة بأهل الكتاب، نلاحظ في الخبر عن ميثاق النبيين أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك ما جاء من ذكر طرف من خبر يعقوب عليه السلام ثم ما جاء منذ ذكر إبراهيم عليه السلام وملته وما جاء من ذكر هذا البيت بالذات وكونه فيه ىيات قال (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)) فكأنه إشارة إلى هذه الأمور السابقة وأنهم عندهم منها خبر وأنهم كفروا بها فكيف تكفرون بهذه الآيات؟

د. محمد: ما رأيكم أن نجعل هذه الآيات بداية للحلقة القادمة بإذن الله؟ أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكتابه و أن يعلمنا تأويله. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


ملخص الحلقة:


من أهم أسباب البذل في سبيل الله اليقين بما عنده سبحانه

ينبغي لأهل البذل والعطاء سؤال أهل العلم عن مواضع الإنفاق الصحيحة

الصحابة كانوا من أكثر الناس عملاً وأقلّهم سؤالاً

النسخ ليس مختصأً بشريعة الإسلام بل وُجِد في الشرائع السابقة

الحج كان مشروعاً في حق الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم.

ماء زمزم من الآيات البينات في مكة

الحرم المكي وما فيه من المشاعر والمعالم تصلنا بالله وتذكرنا به

قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) فيه إشارة إلى وجوب الإخلاص فيه

الله عز وجل رفع الحرج عمن لا يستطيع الحج

لِعِظَم عبادة الحج وأهميتها ربطها الله بالكفر.


بُثّت الحلقة بتاريخ 24/6/2009م