الحلقة 13
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿١١٠﴾ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴿١١١﴾ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿١١٢﴾)
د. محمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. مشاهدينا الكرام ما زلنا في سورة آل عمران وفي تلك الآيات التي تحثنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما قال الله عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)) هذه الاية تحدثنا عنها في المجلس الماضي وأفضنا في بعض معانيها ولو خصصنا لها جملة من الحلقات نستخرج منها المعاني ونتفيؤ ظلالها لما أتينا على مل ما ينبغي أن يقال فيها ولكن نقطف من تلك الثمار ما نرى أنه مناسب ونتجاوزه إلى آيات أخرى وكتاب الله كما تعلمون مائدة عظيمة لا يمكن أن يشبع منه الواردون إليه. أحبتي الكرام كنا أكدنا على هذه الشعيرة العظيمة من خلال حديثنا الحلقة الماضية حول هذه الآية الكريم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) حيث قدم الله سبحانه وتعالى شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله. ثم جاء الإزراء على أهل الكتاب وأنه ما ذهبت منهم الخيرية إلا لأنهم تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الأمة أيضاً إذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصابها من الذل وأصابها من الانحطاط بحسب ما تركت من هذه الشعيرة العظيمة وهذا ما نشاهده اليوم في واقع المسلمين. دعونا اليوم مع مشايخنا الكرام نتحدث في هذه الآية العظيمة وفيما يليها من هذه الآيات ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكلامه وبكتابه، تفضل يا شيخ مساعد إذا كان عندكم شيء حول الآيات.
د. مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. في اللقاء السابق كنا تكلمنا عن قوله (كنتم) وأن المراد بها الدوام أو اللزوم وأن من عبّر من العلماء بـ(أنتم) تعبير عن المعنى والنتيجة والثمرة لمعنى قوله (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لو تأملنا في قوله تأمرون وتنهون وتؤمنون جاءت على صيغة الفعل المضارع للدلالة على الحدوث والاستمراربة وتجدد هذا الأمر والتجدد هذا يلزم منه الاستمرار. عبّر بقوله (كنتم) بالماضي الدال على لزوم الصفة للموصوف. ثم لما قال (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ) وهذا ملحظ ذكرناه في الدرس الماضي وذكرتموه قبل قليل ملحظ لطيف لأنه قد يقول قائل ما شأن أهل الكتاب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ كونها وردت في هذا السياق فيها إشارة كبيرة جداً إلى قضية تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدكتور عبد الرحمن ذكر أمثلة من كتاب الله دلت على أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ (79) المائدة) ومن أكبر ما أطبق عليه هؤلاء من المنكر هو إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا شك أنها من أكبر المنكر الذي وقع عندهم ولذلك لا زال إلى اليوم أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد ضلوا بسبب علمائهم ورهبانهم وأحبارهم أنهم لم يبينوا البيان التام. ومن آمن منهم –سبحان الله- من هؤلاء لا تجد أن عنده القدرة على أن يغير جميع الناس إنما يكون إيمانه لنفسه ولمن حوله أحياناً لأن تأثير من يؤمن منهم يكون فيه نوع من الضعف، ما سمعنا أن أحداً منهم آمن فآمن معه فئات من النصارى بخلاف ما نراه في القبائل الوثنية أنه قد يؤمن كثير من أتباع هذا الملك أو هذا السلطان أو هذا المتبوع عدد كثير يدخلون في الإيمان لأنهم تبعٌ لهم. آخر ما يمكن أن نشير إليه في هذه الآية لما قال سبحانه وتعالى (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) وهذا من باب العدل في التعامل مع الأقوام المخالفة والمتحدث هنا هو الله سبحانه وتعالى فيبين لنا أنه حينما نتعامل مع أناس فإننا نذكر ما فيهم من خير ونبين ما فيهم من شر وهم في الحقيقة أعداء لنا ولهذا قال (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) لا يقال أن هؤلاء عندهم تطور وحضارة وعلم لأن هذا وقت الذي يقيس بأعمار الأمم التطور هو الحضارة هي لحظية بالنسبة لهم لا تكاد تُذكر أمام تاريخهم الهمجي القديم جداً. وليس هذا مجال لكن أقصد أننا الآن مأخوذون بأشياء فيها بهرج لا تتبين الحقائق فتضيع. لكن نقول نعم منهم من يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتبع هذا النبي الأمي ولكن أكثر هؤلاء وصفوا بأنهم الفاسقون (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
د. عبد الرحمن: المقصود بالفسق هنا هو الكفر وتكلمنا في أكثر من حلقة على أن الفسق درجات قد يكون الفسق خروجاً قليلاً فيكون معاصي وصغائر الذنوب وقد يكون خروجاً عن الدين بالكليّة فيكون كفر ويسمى فسقاً.
د. محمد: ولما قابله بالإيمان دلّ على أن المقصوج به هو الكفر.
د. عبد الرحمن: وهذه بالمناسبة ينبغي علينا أن نحرص عليها ويحرص عليها الإخوة المشاهدين طريقة فهم كلام الله سبحانه وتعالى كيف تستنبط وكيف تفهم. الآن وأنت تتكلم في التفسير الآن أقرب الفوائد التي يستفيدها المشاهد أو المستمع أن يعرف معنى الكلمة وهذه معرفة سهلة أن يعرف كلمة ومعناها. والدرجة التي أهم من هذا أن يعرف كيف تفهم الكلام وكيف يركب الكلام في القرآن الكريم لماذا يقدم هذا ولماذا يؤخر هذا؟ لماذا فهمنا هذا المعنى في هذا المكان وفهمنا معنى آخر لنفس اللفظة في مكان آخر؟. هذا هو الذي نريد أن يكتسبه المشاهد ويتعلم كيف يفهم المفسرون القرآن؟ لأنكم تلاحظون بعض الآيات الآن يقرأ الواحد من القُرّاء في كتاب من كتب التفسير فيجد قولين مختلفين فيصاب بحيرة إذا كان لا يعرف طرائق المفسرين وأساليب المفسرين، لماذا يختلف المفسرون في معنى هذه الآية؟ لماذا هذا الاختلاف؟ فإذا تعلم أن هذا الاختلاف له أسباب مقبولة علمية وأن القول الذي قال به المفسر فلان قول صحيح وعليه أدلة والقول الذي قال به المفسر الآخر قول صحيح وعليه أدلة فيفهم هذه الطريقة. كذلك هنا عندما تأتي وتقول الآن أن الله سبحانه وتعالى قال (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) فقلنا الفاسق هنا مقصود به الكافر بدلالة أنه قال (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) من هو عكس المؤمن؟ الكافر أو غير المؤمن لكنه وصفه بالفسق للإشارة إلى أنه قد خرج خروجاً بعيداً عن الطريق وعن الإسلام وعن الإيمان. في قوله (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111))
د. محمد: قبلها في الاية حتى لا نتجاوزها قال (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم) كلمة خير نؤكد بها ما ذكرته قبل قليل من أهمية فهم دلالات الألفاظ وأنها تختلف باختلاف مواقعها من الجُمل. فكلمة خير تأتي في القرآن على معاني متعددة ولا يقصد فيها في كل الأحوال أنها هذا الشيء أفضل من هذا الشيء مع بقاء الأفضلية للمفضول، لا، فمثلاً “الصلاة خير من النوم” هذه لا يقصد بها الصلاة أفضل من النوم فالنوم فيه فضيلة والصلاة أفضل منه، لا، لا فضيلة للنوم في هذا الوقت لأنه الوقت الذي أمر الله عز وجل أن تؤدى فيه صلاة الفجر. وهنا (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم) ليس المقصود بها أن ما هم عليه خير ولكن هذا أفضل وأخير، لا، لأنه لا يقصد بها هنا التفضيل. وكلمة خير تأتي في القرآن بمعاني متعددة وهذا ما يسمى عند العلماء بالوجوه والنظائر. لاحظ مثلاً قول الله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) قال العلماء (خيراً) هنا يعني المال الكثير (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) العاديات) المال، طبيعة الإنسان تحب المال. في ذلك الموطن فُسِّرت بالمال الكثير وهناك بالمال وهنا بمعنى أوجب وليس بمعنى أفضل، الخير المطلق الذي لا مقابل له فهذا يؤكد ما ذكرتموه يا دكتور عبد الرحمن من أن الذي يريد علم التفسير ينبغي له أن يفهم العُرف القرآني كيف ترد الألفاظ في القرآن وفي كل موطن لها دلالات ينبغي أن تُراعى.
د. مساعد: هذا كلام جميل وقوي والحقيقة أؤكد عليه في أنه يجب أن يفرق بين الدلالة اللغوية والدلالة السياقية فكلامكم قبل قليل كان على الدلالة السياقية. وهذا كثيراً ما يغفل عنه القارئ مثلاً لو أردنا أن نحلل مادة فسق لغوياً الفسق هو الخروج للإفساد ومنه سميت لأنها تفسد إذن هذا الخروج للإفساد هو فسق وهذا معنى فسق في لغة العرب. لكن الفسق هنا المدلول عليه في الاستعمال السياقي المراد بالفسق هنا الكفر لكن ليس المراد بالفسق فقط المدلول اللغوي ففيه من معنى المدلول اللغوي وزيادة والزيادة هي الدلالة السياقية.
د. محمد: كنت ستتحدث يا دكتور عبد الرحمن عن قوله (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111))
د. عبد الرحمن: الآن جاء الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أداء لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا مرتبط به، لا يظن الذي يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يمارس عملاً طبيعياً يتقبله الناس كلهم منه بل الأصل فيه أن يرفضوه لأنه يخالف أهواءهم. ولذلك عندما جاء لقمان ينصح ابنه قال (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان) لأنه معروف أنك إذا اشتغلت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيأتيك أذى كثيراً ولذلك قال (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ).
د. محمد: وفي سورة العصر هذا المعنى أيضاً موجود (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ختم بالتواصي بالصبر.
د. عبد الرحمن: والتواصي بالحق هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
د. محمد: نعم، ثم قال وتواصوا بالصبر ودائماً الذي يخالف أهواء الناس لا يرضى الناس عنه ولا يحبونه في عاجل الأمر وإن كانوا سيحمدونه في آخر الأمر لأنه يدلهم على الخير ويدلهم على الجنة ويأخذ بحُجَزِهم عن النار.
د. عبد الرحمن: ودائماً أعداء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الفسقة اللصوص أصحاب الشهوات كما يقول مردوني:
واللص يخشى سطوع الكوكب الساري
أكره ما يكون عند اللص عندما تشغل الكشّاف أو الكهرباء عليه وهو يسرق أنت الآن عدوه اللدود. فلذلك لا بد من استحضار هذا المعنى وهو معنى الأداء. لذلك قال سبحانه وتعالى (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) يعني أهل الكتاب وأنتم تأمرونهم بالمعروف وتنهونهم عن المنكر سوف تتعرضون منهم إلى أذى كثير وهذا الواقع. ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة آل عمران (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)) فالله سبحانه وتعالى أكد على هذه الحقائق حتى لا يقول واحد أنا لم أنتبه أو لم أتوقع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخلني في متاهات، بلا أمر بمعروف بلا نهي عن منكر دعوني في حالي!.
د. محمد: لكن هناك بشارة. قد تستغرب هذه البشارة إن الله تعالى قال (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) والعلماء يقولون إن الأذى يطلق على الشيء الذي يصيب الإنسان ولا يضره يؤذيه ولذلك قال (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا) سماع ما يضرك أن يقولوا أنت رجعي، أصولي، إرهابي، متخلِّف
د. عبد الرحمن: يقولون متخلف كثيراص في هذه الأيام إذا أردت أن تأمر بالمعروف يقولون عنك متخلِّف.
د. محمد: هذه مؤذية لكن لا تضر في شيء ولذلك الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه يقول لما ياتي إنسان وتأمره بالمعروف فيصفعك على وجهك يقول هذا أذى لأنه بعد قليل يذهب ألم الصفعة لكن لو صفعك على وجهك فكسر اسنانك هذا ضرر وهذا نادراً ما يكون فالغالب أن الذي يصيب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أو المؤمن الصادق عندما يقارع هؤلاء المتنفلين من أهل الباطل هو الأذى والآية الأخيرة في سورة آل عمران التي ذكرتموها دكتور عبد الرحمن تؤكد هذا المعنى. أقول أن غالب الصراع الآن بين أهل الحق والباطل في ساحات الإعلام وفي الانترنت وفي الحوارات هو كله من باب الأذى الذي يؤلِم النفس ويؤذيها عندما تتهم في عرضك في دينك في مالك في أمانتك في أشياء أخرى لا تريد أن يمسها أحد هي من باب الأذى، ما يضرك يا أخي؟ ما ضرك شيء فاحمد الله عز وجل هذه من رحمة الله بك (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج).
د. مساعد: هناك ملحظ كنا تكلمنا سابقاً عن قضية مهمة جداً الآية تشير إليها لا باس أن نعيده، شرع القتال وهذه لا شك كما نلاحظ اليوم من بعض من ينتسبون للإسلام قد يكون عنده ضعف في التحقيق أو قد يرى أنه من السياسة أن لا يبين عن شرع القتال في الإسلام الإبانة التي يرى أنها صحيحة وقد يكون عنده أنها من باب السياسة – قد نوافقه على طريقته أو لا نوافقه هذه قضية أخرى- المقصد أنه المهم الآية أشارت إلى هذا الملحظ (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) معنى ذلك أن أهل الكتاب لن يسكتوا على دعوتكم سيجابهونكم باللسان الذي قال عنه (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) وأشارت إليه في نهاية السورة الآية الأخرى. ماذا سيحصل بعد هذا؟ إن أردتم أن تصلوا إلى أبنائهم إلى أقوامهم سيردوكم ويقاتلوكم ولهذا قال بعدها (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) هذه المرحلة الثانية. فالمرحلة الأولى إن استطاعوا الدفع دفعكم بما يسيئون به إليكم من الأذى فهذه مرحلة فإن لم يستطيعوا رغم أن تتقدمون للدعوة فإنهم سيبدأوا المرحلة الثانية المقاتلة وقد وعد الله سبحانه وتعالى (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ). فأقصد من ذلك أن دعوة الإسلام، فكرة الإسلام أن يدعو الناس جميعاً إلى هذا الدين ولكن ليس كما يحاول أن يصور بعض أعداء الإسلام أنه يدعو بالسيف، لا يأتي ويقول للناس آمنوا رغماً عنكم وإنما يقدم لهم هذه الدعوة ويأمرهم بأن يكونوا تحت لوائهم بالشرائط المعروفة لكن ليس كل الناس يقبل هذا فيحصل أنهم يقاتلونهم فتحصل المقتلة. ولهذا نقول دعوة السيف هذه يجب أن ننتبه لها في أن النصرانية هي أكبر دين دعا بالسيف أكبر من اليهودية وأكبر من غيرها لا يوجد دين يدين به أصحابه دعا بالسيف مثل النصرانية إطلاقاً إلى اليوم
د. عبد الرحمن: يساومون الناس على دينهم، تدخل في النصرانية أو تموت من العطش، تدخل في النصراينة أو تموت من المرض، هم يصنعون هذا الآن ويدّعون أن الإسلام هو الذي انتشر بالسيف. اود أن أشير إلى قوله سبحانه وتعالى (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) أريد أن نلتفت إلى معنى عظيم في هذه الآية وهو علم الله سبحانه وتعالى بالغيب وعلمه سبحانه وتعالى بالمستقبل وعلمه سبحانه وتعالى بطبائع النفوس وعلمه سبحانه وتعالى بما تكنه صدور الأعداء وهذا سبحان الله العظيم لا يوجد من يدّعي هذا العلم ولا يعرفه وهذا يولد عند المؤمن الطمأنينة بما يقرأ ويعرف في كتاب الله سبحانه وتعالى. فأنت الآن في هذا الصراع يا محمد وأنت الآن جئت بدين جديد وهؤلاء كلهم يحاربونك الآن فالله سبحانه وتعالى يذكر له علم الغيب المخفي الذي لا يعرفه أحد ويطمئنه ويقول (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) ليس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقط بل على مر التاريخ. الأمر الثاني قال (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) هم سيقاتلونكم لكن (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ (112)) ويذكر لك إستشراف المستقبل ثم يقع هذا ويتكرر هذا. تخيلوا معي يا إخواني عندما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة محيطين به في المدينة وهم نفر قليل ويستشرف لهم المستقبل وينظر في المستقبل كأنه ينظر إلى ما بين يديه وهذا هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته. عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق والناس في خوف وظروف غير مناسبة للتفاؤل وبالرغم من ذلك يقول: الله أكبر، أُريت قصور كسرى. يعني لولا أننا مؤمنون بالله سبحانه وتعالى وبهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبهذا القرآن الذي بين أيدينا نتدبره ونتناقش فيه لكان هذا الكلام تخدير
د. محمد: الناس في خوف ما تأمن أن تذهب لكي تبول والنبي صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا الكلام! لكن الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان
د. عبد الرحمن: ولهذا أقول الآن لاحظ وأنت تقرأ هذه الايات كأنها نزلت الآن. عندما يتحدث عن اليهود فيقول (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ) أينما ثقفوا يعني أينما وُجدوا في فلسطين في أوروبا في أميركا الذلة مضروبة عليهم كما ضربت الدنانير، هذه الجنيهات الحديد مضروب عليها، يقال ضربت الدراهم يعني أنها طبعت عليها العلامة بحيث لا تفارقها فكأنما ضربت عليهم الذلة كما ضربت الدنانير لا تفارقهم كأنها علامة مسجلة. فلذلك الذلة لكن متى؟ أنتم الآن تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر إذا كانت الأمة بهذه الصفات فهي ستنظر إليهم على أنهم بهذه الصفات لكن عندما تتلبس الأمة المسلمة بالمنكرات وتوالي هؤلاء اليهود والنصارى وتسارع في موالاتهم فيتغلب عليك اليهود والنصارى بقوتهم المادية ولذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه كأنه كان ينظر إلى هذه الآيات عندما كان يرسل الجيوش ويقول “إنما تهزمون بذنوبكم ويقول والله ما انتصرنا على أعدائنا بعدد ولا بعدة فإذا تساوينا وإياهم في الذنوب غلبونا بقوتهم وبمادتهم” وهذا والله حقيقة إلى اليوم. ما دمنا تساوينا نحن واليهود والنصارى في الذنوب والمعاصي والبعد عن الله والمسارعة في موالاتهم فسوف تستمر هزائمنا وهذا ما زال ملاحظاً إلى اليوم والتاريخ يشهد عندما قال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) ثم ذكر أسباب ذلك (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)
د. مساعد: هناك ملحظ أنه لما قال (بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ) أن هذا الحبل انقطع بكفرهم قطعوه اليهودي لو آمن ارتفعت منه هذه الذلة لكنها باقية فيه ما دام لم يؤمن بالله سبحانه وتعالى فالحبل الذي بينه وبين الله قد قطعه. إذن هذه القوة التي تأتيهم مثلما ندهم اليوم من أين جاءتهم هذه القوة ما دام حبل الله قد انقطع؟ من حبل من الناس. وهذه الحقيقة ايضاً فيها نوع من الإخبار بالغيب، هذا الإلقاء إلقاء الكلام بهذه الثقة هو نوع من إعجاز القرآن أنه يخبر عن هذه الحقائق التي لم تقع فالآن لما ننظر إلى اليهود دائماً إذا نظرنا إليهم نجد أنهم قد ضربت عليهم الذلة سبحان الله لا يخرجون عن الذلة أبداً، هم الآن قد خرجوا عن شيء منها، هناك الذلة العامة موجودة، هذه القوة التي أخرجتهم من الذلة الخاصة التي كانوا فيها لم يكن لهم وطن لم يكونوا يؤبه لهم وكانوا يعيشون دائماً في مناطق خاصة بهم وغيره ما حصل لهم من هذه الرفعة القليلة هي بحبل من الناس وبصراحة قالها رؤساء أميركا كلهم أنهم يسندون هذه الدولة فمعنى ذلك أن هذه إلى الآن تطبيق لما قاله الله سبحانه وتعالى وهو قوله (وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) ولكن مع ذلك قال (وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ) ورفع الذلة الجزئي لا يعني أنه قد خرجوا عن الذلة العامة ولهذا قال (وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) فالمسكنة باقية فيهم والذِلّة وإن خرجوا منها بحبل من الناس كما نشاهده اليوم فهذا لا يعني أنهم قد خرجوا من جميع أوصافهم.
د. محمد: يمكن أن يقال يا دكتور مساعد وهذا ما فسر به السلف هذه الآية ولعله مع كثير من التمعن والتأمل لا يكون معارضاً لذلك لكن الحقيقة تفسير السلف لهذه (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ) هو العهد الذي جعله الله لهم وهو عهد الذِّمة متى كانوا ذميين فإن الله قد حقن دماءهم وأموالهم عندما يعيشون في ظل الدولة الإسلامية. وحبل من الناس هذا العهد الذي يكون بينهم وبين الناس عندما يكون مستأمناً أو معاهداً يدخل بلاد الإسلام فيعطيه المسلمون العهد أو يعطونه الأمان وأما ما سوى ذلك فإنه قد كتبت عليهم الذلة. يأتي الجواب الذي ذكره الدكتور عبد الرحمن قبل قليل وهو أنه قد نشاهد الآن أنه ارتفع في ظاهر الأمر عنهم شيء من الذل لأنه نحن ما صرنا على الحال التي أراد الله سبحانه وتعالى أن نكون عليها من القيام بأمر الله حتى يذل هؤلاء لنا، صرنا نتابعهم ونقفو آثارهم ونعجب بهم ونسارع فيهم بنص القرآن (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ (52) المائدة) فهنا سيخف الذل الذي عندهم ونتساوى نحن وإياهم في هذه الذلة، تخف عندهم وترتفع عندنا لكن يبقى المسكنة. الذلة يقولون إنها شيء ظاهر واضح والمسكنة قلبية ولذلك قالوا استثنى في الذل ولم يستثني في المسكنة، لماذا؟ قالوا لأن المسكنة قلبية ملازمة لهم لا تنفك عنهم وهذا موجود فيهم وإن كابروه أو كابروا في إنكاره. أما الذل فإن الله جعل له استثناء وهذا يظهر عندما يستثنى اليهود. هم دخلوا فلسطين منذ ستين سنة وقبل ذلك لم تعرف لهم دولة في التاريخ منذ أن فرّقهم الله سبحانه وتعالى وقطعهم في الأرض أمماً ما لهم دولة بل هم مفرقون ممزقون. حتى اليوم في فلسطين لو تعدهم تجدهم قلة قليلة جداً ومع ذلك يعيشون هناك والآن سوّروا على أنفسهم بهذه الحصون المنيعة وفي كل سنة يغادر أرض فلسطين عشرات الآلآف من الذي يغادرون ولا يعودون من شدة ما هم فيه من الذل والرعب ممن هم أقل منهم حالاً وعدة وعتاداً واستعداداً ومع ذلك سبحان الله هؤلاء أقوى منهم وأحداث غزة التي حصلت في الآونة الأخيرة في مطلع هذا العام 1430 هـ أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنهم أضعف بكثير مما يقال، هم جاؤوا معهم الطائرات والأسلحة والمدرعات والميركافا التي يخاف منها العالم وما استطاعت أن تتقدم خطوة في أرض غزة أمام أناس أشبه ما يكون بالعُزّل و23 يوماً دكاً بالطائرات يوماً إثر يوم وفي النهاية ما استطاعوا أن يدخلوا غزة سبحان الله، هذا من الذل.
د. عبد الرحمن: تصديق لهذا القول أن سبب هذه الذلة وسبب هذه المسكنة هي المعاصي والكفر والاعتداء لأن اليهود معروفون بهذا أنهم معتدين إلى اليوم يقتلون المؤمنين ويقتلون الأنبياء. ذكر الله سبحانه وتعالى سبب هذه الذلة وهذه المسكنة، سبب ضرب الله تعالى للذلة والمسكنة عليهم قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) أربع صفات أولاً يكفرون بالله سبحانه وتعالى ويقتلون الأنبياء بغير حق، يعصون الله سبحانه وتعالى ويعتدون هذه أربع صفات اجتمعت في اليهود. ولذلك الآن الذلة التي أصابت المسلمين بقدر ما فيهم من هذه الصفات.
د. محمد: إذا كفروا بالله وعصوا واعتدوا حصل لهم من الذل بقدر ما عملوا.
د. عبد الرحمن: ولليهود أوفر الحظ والنصيب من هذه الصفات، هي من صفات اليهود. حتى العاصي في المسلمين يظهر فيه من الذلة ومن الانكسار بقدر ما فيه من المعصية كما قال الحسن البصري عندما رأى بعض المترفين راكبين أفخم المراكب فقال “والله أما إنهم وإن هملجت بهم البغال وأطافت بهم الرجال وتعاقبت لهم الأموال فإن ذل المعصية في قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه” ذل المعصية لا يفارق وجوههم. ونحن نقول اليوم بعضهم يركبون من فاره السيارات ولكن ذل المعصية يبقى ونور الطاعة سبحان الله يظهر حتى في الفقير، هذه أشياء ربانية ليس لها علاقة بالمال.
د. محمد: ولا يملكها أحد إلا الله سبحانه وتعالى. هناك سؤال شيخ مساعد في قوله تعالى (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ) هل يوجد قتل للأنبياء بحق؟
د. مساعد: لا قطعاً.
د. محمد: إذن فما الجواب؟
د. مساعد: هذا كما يسميه بعض العلماء أنها صفة كاشفة فهو وصف للحال ليس لها مفهوم مخالفة
د. عبد الرحمن: لا يمكن أن يكون هناك قتل للأنبياء بحق
د. مساعد: نعم، لا يمكن. فهذا إذن مفهوم المخالفة فيه منتفٍ فهو وصف للحال كما هو أن قتل النبي هو قتل بغير حق.
د. محمد: مثلما تقول لإنسان مثلاً يريد أن يعتدي على نائم مثلاً يريد أن يضربه، تقول لا تضرب أخاك وهو نائم ليس معنى ذلك إضربه إذا قام، لا، وإنما أن تصور هذه الحال.
د. عبد الرحمن: أنه لا يجوز فكيف بهذه الحال
د. محمد: بعض الناس يقول إذن هل يجوز (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ (117) المؤمنون)
د. عبد الرحمن: معناها إذا كان لا برهان عنده فهل هناك أحد له برهان؟ لا.
د. محمد: لا أحد عنده برهان.
د. عبد الرحمن: هذا ينبغي أن نؤكد عليه يا دكتور، هذا كثير في القرآن الكريم، هذا أسلوب عربي فصيح بل هو أدل فينبغي أن يُتنبه إليه حتى لا يقال هل هناك قتل للأنبياء بحق؟ لا يمكن قتل الأنبياء.
د. محمد: ومثله قول الله عز وجل (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا (33) النور) هذا كلام لواقعة حدثت وليس المقصود إن لم يردن تحصناً فأكرهوهنّ.
د. عبد الرحمن: للأسف بعض الناس يفهمها على هذه الصورة وينبغي أن ينبه على أن هذا خطأ
د. محمد: قبل أن نغادر هاتين الآيتين هناك لفتة جميلة جداً لفت إليها الشيخ الشعراوي رحمه الله في قوله (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111)) هي لفتة لغوية، قال (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ) هذه إن شرطية ويقاتلوكم مجزومة بإن وهي من الأفعال الخمسة وعلامة جزمها حذف النون، الأصل يقاتلونكم فحذفت النون من أجل (إن)، (يُوَلُّوكُمُ) هذه جواب الشرط ومجزومة أيضاً بحذف النون، هذه ليس فيها الإشكال، الإشكال ثم قال (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) والمفترض أن يقول ثم لا ينصروا ، يقول الشيخ في الجواب على هذه: كان لو كنا سننساق مع الواقعة في مساقها التاريخي أو في مساقها اللفظي قلنا “ثم لا ينصروا” وتنتهي كأنها حادثة وقعت وانتهت لكن الله أراد أن يعطي وعداً مفتوحاً للأمة إلى آخر الزمان فكأنه استأنف وقال (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) ثم لا ينصرون إلى يوم الدين مهما تكرر منهم أبشروا بالعاقبة الحسنة. ولذلك يقول قطع، ولاحظ قوله (ثم) ولم يقل فلم ينصروا، لا يتحدث عن واقعة معينة ثم فيما بعد
د. مساعد: كأنه ثم هم بعد ذلك لا ينصرون أبداً
د. عبد الرحمن: إذن هو يضمن العاقبة للمؤمنين.
د. محمد: وإن حصل بالمناسبة وهذا ما سنتحدث عنه في غزوة أحد أنه قد يحصل للمؤمنين انكسار (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140) آل عمران) فالمؤمنون قد يأتي عليهم زمان يُهزمون ولو كانوا قائمين بالحق لكن العاقبة ستكون لهم والدائرة في آخر الأمر ستكون لصالحهم بإذن الله.
د. عبد الرحمن: وأنا كنت أيضاً أريد أن أستدرك على كلامك يا ابا عبد الله عندما قلت (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) أن الغالب أنه لا يصلك من الإنسان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا اذى بسيط لا يؤثر وأنا اقول بل قد يقتل الإنسان ويؤذى لكنه أذى بسيط حتى إذا قتلت تراه اذى بسيط في مقابل العاقبة التي تسعى إليها. نحن الآن عندما نتحدث عن هذه الآيات ونتدبرها نحن نتحدث عن الآخرة وعن الجنة وعن الجزاء والله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين بهذا الخطاب العجيب فهو قد وعدهم جنة عرضها السموات والأرض ولذلك لما تقرأ في سورة التوبة (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111) التوبة) قد يقول قائل أنا أريد شيئاً عاجلاً كما قال المتنبي:
إني لأرجو منك براً عاجلاً والنفس مولعةٌ بحب العاجِل
قال (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) هذا هو الذي وعدناكم إياه. الآن قد تقتل وقد يسفك دمك إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر.
د. محمد: لكن عندما تقابله بما أعد لك هو لا شيء.
د. عبد الرحمن: فهذا مصداق لحديثك، حتى لو قتلت تراه أذى بسيطاً.
د. محمد: مثل يا دكتور عبد الرحمن إذا قلت لإنسان سابصق على وجهك سيقول والله الموت أحب إلي من أن تبصق على وجهي، لكن لو قلت لكن مقابل هذه البصقة سأعطيك مائة مليار فسيقول إجعلها اثنتين وليس هناك عندي مشكلة!.
د. عبد الرحمن: بل أقل من هذا. يقول أحد العلماء جاءه أحد طلابه ليقرأ عليه وأظنه الأعمش فأمر غلمانه فأمسكوا بهذا الطالب وضربوه عشرين سوطاً قال فبكيت قال فلما رأى حالي رقّ لحالي وحدثني بعشرين حديثاً فقال له يا إمام زدني من الضرب وزدني من الحديث. فأنا أريد أن اقول عندما ينظر الإنسان في العاقبة التي يعدنا الله سبحانه وتعالى بها يستقلّ فيها كل ما يقدم ولو قدّم دمه. ولذلك عندما قال (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) المسألة ليس كلها إيجابيات بالنسبة لك في الدنيا فقد تشرد وقد تقتل وقد تحارب في رزقك، أذى هذه عامة يدخل فيها كل أذى. لكن (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآن أنت تتحدث عن قضايا جزاؤها كلها أخروي وعدك الله سبحانه وتعالى وعداً غيبياً. هو يخبرنا سبحانه وتعالى بعلم الغيب ويعد ولذلك يجب أن نؤكد على هذا دائماً أنه في أول سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)) كأنه يريد أن يبتدأ بحديث ولكن الغيب قد يكون خمسين في المائة من هذا القرآن والإيمان به واجب فقال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3))
د. محمد: بدأ بالغيب. وتأكيداً لكلامك دكتور عبد الرحمن في أن بعض الناس قد يقارن بين أجر الآخرة أو بالأحرى سألني أحد الطلاب وأنا أشرح سروة البروج قال لي كيف يرضى الله سبحانه وتعالى أن هؤلاء المؤمنين يحرقوا؟ المؤمنون الذي أغرقوا في الأخدود وأحرقوا بالنار كيف يرضى الله سبحانه وتعالى لعباده الذين هم آثر من عنده أن يُحرقوا؟ قلت يا أخي إسمع منى الله عز وجل رضي لهم ذلك لأنه أراد لهم ما هو أجل وأعظم من كل ذلك، أنت لو قيل لك ستؤذى أذى يسيراً ثم من بعده تلقى نعيماً أبدياً ما رأيك؟ قال سأنسى كل شيء. قلت وهذا ما حصل لهؤلاء فأنت لا تنظر إلى الدنيا وتقول هؤلاء آمنوا وقتلوا وأحرقوا، هذه الأجساد لا شيء، الأجساد التي ذهبت ستذهب إلى التراب إذا قبضت ودفنت بشكل طبيعي لكن ما رأيك بـ (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) البروج)؟.
د. عبد الرحمن: لم يوصف الفوز الكبير في القرآن كله إلا في هذا الموضع.
د. مساعد: إذا اذنتم لي أحس أن الحلقة قد قاربت من النهاية، إذا أذنتم لي أقرأ فائدة ثم أعلق على هذا الكتاب، هذا كتاب حاشية الفتوحات الإلهية بتوقيع تفسير الجلالين للدقائق الخفية لسليمان بن عمر الشهير بالجمل توفي 1204 هذه حاشية لعلي آخذ منها فائدة أذكر بعض من كان يستمع للشيخ الشعراوي رحمه الله يقول الشيخ الشعراوي كان يستفيد كثيراً من هذه الحاشية. في قوله (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) يقول الجمل: مستأنف ولم يُجزم عطفاً على جواب الشرط لأنه يلزم عليه تغيير المعنى وذلك لأن الله أخبر بعدم نصرتهم مطلقاً ولو عطفناه على جواب الشرط للزم تقييده بمقاتلتهم لنا وهم غير منصورين مطلقاً قاتلوا أو لم يقاتلوا. أقول هذا الكتاب الحقيقة له فكرة جميلة جداً أنا أرى أن ينتبناها من أراد أن يتعلم التفسير ويستفيد منها. أدعها للقاء آخر.
د. محمد: نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملخص الحلقة:
جاء القرآن بالعدل في الحكم على المخالفين
مما ينبغي الإعتناء به طريقة فهم العلماء لمعاني القرآن الكريم
اللفظ الواحد في القرآن قد تحتلف دلالته باختلاف السياق
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يخالف أهواء النفس فيحتاج للصبر على الأذى
الدين الإسلامي قائم على الدعوة إلى الإسلام بلا إكراه بخلاف النصرانية التي نشرت دينها بالإكراه والسيف.
القرآن والسنة أتيا في كثير من المواضع باستشراف المستقبل
المسكنة أمر باطن في اليهود لا تنفك عنهم أما الذلة فأمر ظاهر قد يزول عنهم نادراً
بقدر البعد عن الله ومعصيته بقدر ما تكون الذلة في العصاة والكفار
ما يحصل من الأذى للمؤمنين في الدنيا قليل في مقابل ما لهم من الأجر العظيم عند الله.
ما يصيب المؤمنين من البلاء في الدنيا نعمة من الله لهم باعتبار ما يحصل لهم من الأجر في الآخرة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/7/2009م