برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 21

اسلاميات

الحلقة 21

8 رمضان 1430

 

مقدمة – تعليقات على الحلقة السابقة

توقفنا عند أثر العلم فى تثبيت المؤمنين الصادقين فى الجهاد وإنطلقنا من قوله سبحانه وتعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)آل عمران}. ومن معانى الربيين العلماء الصلحاء وذكرنا أن من  أسباب ثبات هؤلاء فى الجهاد هو العلم الذى تعلموه ولا شك أن العلم الذى يثبت هنا هو العلم بالله وسننه وصدق الأنبياء وما جاءوا به .

الإشارة إلى وجود كتاب تفسير ” السراج المنير” للإمام الخطيب الشربينى المتوفى 977 وهو كتاب نفيس . ذكر فى آخر قول {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} أى فهلا قلتم وفعلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟. هو لم يفسر العبارة بل قال (أى) وهذه مسألة   (لازم الخبر) وهى فائدة مهمة. من الكتب كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدى (قواعد الحساب) اعتمد على فكرة لازم الخبر. صفات الله الحسنى يبين لوازمها. ويستفاد من الصفة التى يصف الله تعالى بها نفسه أو الإسم ما يستلزمه . فمثلا السميع العليم يلزم منها أنه شديد المراقبة ويسمع دعاؤك ويطلع فماذا يلزم منها؟ أن تراقب الله فى السر والعلن.

من مواطن الإجابة فى الدعاء إلتقاء الصفوف. وهو ثابت فى السنة النبوية والعجيب أنه ثابت فى القرآن أيضا فى هذه الآية وفى سورة البقرة فى {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة} . أن الدعاء هنا مستجاب. وهذه مواطن إقبال القلوب على الله هى مواطن إستجابة { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) النمل} لأن المضطر يقبل على الله بكلياته . حتى لو كان كافرا {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) العنكبوت} أى فى مواطن الأضطرار.

فكرة المثانى تتكرر. منهج القرآن التكرار . لاحظوا أن القضية تتكرر فى السورة . وبلاغة القرآن بقتدى بها . فنحن نكرر الفوائد إقتداء بالمنهج لكى لا ننسى.

من كتاب الخطيب الشربينى, قال تعالى “ثواب الدنيا” ولما جاء ثواب الآخرة قال ” وحسن ثواب الآخرة” قال أى فى الدنيا الذكر والغنيمة وخص ثوابه بالحسن وهى الجنة وخص ثوابها بالحسن إشعارا بفضله وأنه المعتد به عند الله. ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة . ما قال ثواب الآخرة فقط لأن الله يتخير لهؤلاء الصادقين الشهداء الثواب المضاعف أى أحسن الدرجات وهذا ثواب الشهداء. لأن ثواب الآخرة هو الجنة ولكن لهم حسن الثواب ولذلك لما أحسنوا أحسن إليهم وجاءت الفاصلة {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران} الجزاء من جنس العمل.

لوازم الخبر . يقول تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود} وأيضا {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت} وأشار كثير من العلماء قالوا أن القرآن حق ,ولازمه حق كذلك. كلما أعملت ذهنك و تستنبط من القرآن فى الإستنباطات المنضبطة بالأصول الصحيحة, فهو حق لأنك تجد أن الشواهد تدل على ذلك. القرآن فيه ما يؤيد الإستنباط ففى هذه الآيات نتحدث عن الصبر نجد أن الآيات كلها تنصب على الصبر.

الله يطمع عباده بالمحبة { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} و { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وهذا يدل على إن المحبة هى جزاء. ومن يريد أن يحول بينه وبين الجزاء فقد أساء . يؤؤل هذه المحبة تأويلا باردا فيقول  هى إرادة الثواب سيحرم خيرا كثيرا. وهذا من معانى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } من الآية 54 المائدة. والعجيب أن يحبهم ليس أن يحبونه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران}

 

طاعة الكفار وإلقاء السمع إليهم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) آل عمران} من هم؟ منهم هؤلاء الذين كفروا واليهود والمنافقون وأيضا من تأثروا بالمنافقين ومن يستمعون لهم. إذن ياأهل الإيمان لا تكونوا سماعون لأمثال هؤلاء لأنهم لو كانوا يهدون لهدوا أنفسهم. لأن من أطاعهم ينقلب على عقبيه . وهذا ما نسمعه الآن, لاداعى للجهاد فى سبيل الله ,إن الدول لا تحرر إلا بالطرق السلمية, عليكم بالحوار وضبط النفس. ما هذا المنطق؟ أمريكا لا تستعمل هذا المنهج, واليهود لما دخلوا فلسطين لم يدخلوها بهذا المنطق. ونقول ( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)آل عمران} لا تظنوا أن لا ناصر لكم فالله ناصركم وإن ظننتم ألا قوة لكم فاعلموا أن الله معكم.

أين الذين كفروا هنا فى غزوة أحد؟ أين طاعة الكفار؟ المنافقون قالوا نحن نصحنا محمدا بأن يقاتلهم فى المدينة وأن هذه قضية بين محمد وقومه لا شأن لنا بها. المنافقون يستمدون هذه العبارة من اليهود { أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الحشر}. فى التفسير الميسر يقول بأنهم اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين. هذا يدل على أن الآية أعم من أن تكون مرتبطة فقط بسورة أحد. لماذا لا نقول أن هؤلاء كان لهم دور فى تثبيط المؤمنين وثنيهم عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أما النصارى لم يكن لهم دور فى أحد. وهذا يدل على أن الآية أعم من غزوة أحد.

 

فائدة متعلقة بالوقف

إذا جاء الخطاب (ياأيها) فإنه يدل أن هذا إستئناف منفصل عن ما قبله بمعنى أن الوقف على ما قبله وقف تام. وأن ما بعده إستئناف جديد. وقد يخلط على بعض الناس يقول كيف ان هذا إستئناف تام وأنتم تقولون أنه مرتبط بغزوة أحد . نقول أن التمام عند علماء الوقف نوعان :مطلق أى أن ما بعده ليس له علاقة بما قبله مطلقا ونوع جزئي له علاقة ولكن انتهى الحديث وأُتي بحديث مستقل ومرتبط بما سبق لجملة السياق. والسياق نوعان سياق جملة وسياق خبر أو قصة . سياق الجملة قد يحدث فيه خلاف فى العلماء هل هو وقف تام أم كافى.  أما سياق القصة أو الحدث فلا خلاف فيه. والمقصود أن لا علاقة له مطلقا من ناحية الإعراب وليس من حيث المعنى. وهذا الوقف التام والكافى وهناك أيضا أنواع للتمام. ولكن نلاحظ أن القاعدة هذه لا تنطبق فى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب}. أن ما من عموم إلا وقد خص حتى هذه القاعدة .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)} آية عامة من حيث المعنى وأن طاعة الكافرين والمنافقين تردك على أعقابك خاصة فى قضايا نصرة الدين ولكن لا يدخل فيها القضايا العامة مثل مهندس أو طبيب مثلا. لقد أصبح المسلمون يشتكون اليهود إلى اليهود والنصارى للنصارى وهذا لا يمكن. التاريخ يؤكد هذه القاعدة إلى اليوم والأمة عندما تعود لهذه القاعدة تنتصر وعندما تتخلى عنها تنهزم. هذه الآيات نزلت فى موطن محدد وهذا له دلالة , وهو أن بعض المسلمين قد تأثروا بما بثه اليهود والمنافقين بين صفوفهم.

 

الرعب من جنود الله

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)} متى ألقي الرعب فى قلوب المشركين؟ عندما يتولى المسلمون ربهم يعتصمون بحبله اعتصاماً تاماً ويدخلون الحرب وليس في قلوبهم إلا الله سبحانه وتعالى. وعدهم الله بأن هؤلاء المشركين مهما كان معهم من العتاد والخطط الحربية  فإن كانوا يملكون الأشياء المادية  فإنهم لا يملكون قلوبهم هذه القلبو بيد الله والله يصرفها كيف يشاء وبما أنها فارغة من عبودية الله فإن الله فى ساعة الشدة يكشفها .{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌٌ (43) إبراهيم} يفعل بها فعل الريح فالمقاتل معه سلاح فتاك ما عاد يمسكه بيده لأن المركز خواء إمتلأ بالرعب. الرعب جند من جنود الله , يلقيه الله فى قلوب هؤلاء فلا يبقى لهم مجال لأن تنفعهم أسلحتهم ولا عتادهم. في اليرموك كانوا يربطون بعضهم ببعض بالسلاسل في أرجلهم. أنزل الله تعالى هذه الآيات بعد المعركة .هل الآية (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) عن الماضى أم الحديث هنا عن المستقبل؟ . الكلام عن المستقبل { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران} من هؤلاء الذين سيلقى فى قلوبهم الرعب؟ يبدو أنها من باب الوعد المتناسب مع المصيبة أو الهزيمة. مع أنه أصابكم ما أصابكم فإن الله يتولاكم ما دمتم رجعتم . يؤيد ذلك الآية التى بعدها { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} ولذلك المعركة الكبرى التى حدثت بعد غزوة أحد فيها معنى الرعب وهي الأحزاب وهي مثال لإلقاء الرعب. (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) المقصود “بهم” اليهود لأن أحد وقعت فى شوال فى السنة الثالثة للهجرة وبعدها بأربعة أشهر في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة بني النضير { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) الحشر}. إن هذا الرعب هو ذاك. اليهود لم يتوقعوا أن يهزموا. ولكن ما وقع في ذهني هو فى بني قينقاع ثم بني النضير ثم بني قريظة و الأحزاب ما توقعوا الهزيمة لأن العوامل المدية ما كانت توحي بذلك.

 

أثر الشرك على خواء القلب . إذا اعتمد الإنسان على غير الله تخلى عنه ذلك الغير عند وقوع الشدائد. وعكسه الإيمان { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) إبراهيم} وهى كلمة التوحيد. لاحظ أن الناس الذين عندهم نوازع شركية خوف من الجن والعين والسحرة يستغيثون بغير الله نجدهم أكثر الناس جبناً عند الشدائد. ولكن الموحد تجده فى وقت الشدة أثبت ما يكون وأكثر الناس ثقة بالله مع أن كل المعطيات المادية قد لا تساعد لذلك هو ثابت رابط الجأش هذا معنى تراه بين الإيمان بالله والثبات بما ملأ الله قلبه به من التوحيد. تلاحظ فى المعارك المعاصرة كيف يأتي الجندى المسلم بعتاد بسيط أما الجندى الكافر يأتي بعتاد كبير حتى أصبحت وبالاً عليه إلا أنه { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌٌ (43) إبراهيم}.

 

وعد الله بنصر المؤمنين

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} دخلنا فى أحد مرة أخرى. تحسونهم الحس بمعنى القتل الكثير . يدل على أنهم قتلوا كثيرا. وكلمة “بإذنه” يراد بها المعنى القدري وهذا يصدقه قوله تعالى { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) الأنفال} ويراد بها المعنى الشرعي لأن الله أذن لكم قتلهم والإثخان في القتل (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال) فى هذا الموطن يحمد أن تقتل وتُرىِ المشركين القوة وتقذف في قلوبهم الرعب.

(حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) صدق الله وعده فى حالة صدقكم معه, فجعلكم تحسونهم. ولكن اذا فشلتم وجبنتم وعصيتم بعد النصر لأنهم رأوا فلول العدو ذهبت والصحابة يلحقون بهم, قال بعدها (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) والسبب فى هذا هو التنازع بينكم. إرادة الدنيا إذا تغلبت على إرادة الآخرة سبب للهزيمة خصوصا اذا أدت إلى معصية الله لأن الانسان لا يستطيع أن يتخلص من نوازع نفسه الداخلية لأنه يحب الدنيا ولكن بدون معصية الله.

سؤال أين هم الملائكة فى المعركة؟ هل شاركت مشاركة فعلية فى أحد؟ شاركت فى بدر قطعا, ولكن فى أحد وباقي مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المشاركة بالتطمين والتثبيت وليس بالغزو كما قال مجاهد. وقد يكون السبب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) والله سبحانه وتعالى اشتطر (فإن تصبروا وتتقوا) وأنتم الآن لم تحققوا الشرط فلم يتحقق الوعد.  مشاركة الملائكة لم تكن فقط في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان المؤمنون المؤمنون كانوا يشعرون بالملائكة بوجودهم فى الصفوف ويشعرون بالطمأنينة مع شدة المعركة. وإخواننا المحاربين الآن يقولون كنا نشعر بذلك.

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ) يقول ابن مسعود ما كنت أظن أن أحداً من الصحابة يريد الدنيا إلى أن نزلت هذه الآية. المقصود بالدنيا الغنائم، عصوا رسول الله لأجل لعاعة من الدنيا وكان ذلك بشيء من التأويل وتخلف عنهم النصر. فماذا نقول الآن نحن الآن أُشربت قلوبنا فى الدنيا وبعنا من أجلها كثيراً من أركان وفرائض هذا الدين ونرجو نصر الله ونرجو صدق موعوده؟! .

(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ) إلا لأوقع بكم أشد العذاب . موقع العفو هنا عجيب. الخبر الآن كله عن ما وقع من بعض الصحابة من معصية ولذلك عتاب الله لهم أليم (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) ثم صرفكم عنهم ليختبرهم. هم لم ينجحوا فى هذا الإختبار فى هذه المرة ولكن الله سبحانه وتعالى عفى عنهم (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ). انظر وقع هذا على الصحابة  وهذه التربية بيّن لهم ما وقعوا فيه ثم عفا عنهم. النبى صلى الله عليه وسلم فى تبوك لما أذن لبعض المنافقين وهو يعلم أنهم كارهون للذهاب معه عاتبه و قال { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة} قدم العفو وهذا دلالة على محبة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى في مثل هذه الحالة. لو تأملت مقامات محبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فى القرآن حتى فى مثل هذه الآيات لوجدت شيئا عجيبا جدا تقف عنده موقف الخاشع لهذا الرب العظيم في محبة الله لنبيه وعلى المؤمنين أن يحبوه.

{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران} يصف حال المؤمنين لما بلغهم خبر مقتل الرسول أو لما داهمهم جيش المشركين وهم يجمعون الغنائم يفرون فى كل إتجاه ولا يلون على أحد. والرسول يدعوكم فى أخراكم  . كان يقول”  أيها الناس إليََّ إليََّ” كان يدعوهم إلى الجزاء الأوفى و الثبات والصدق أى لما يحييهم ويدعوهم إلى الآخرة أم في آخرهم؟.  كتب السبرة تقول أنه لما فرّ الصحابة كان يناديهم من الجبل فقوله في أخراهم يعني من خلفهم.