برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 26

اسلاميات

الحلقة 26

13 رمضان 1430 هـ

(تابع الحديث عن غزوة أُحد)

 

عمر بن الخطاب كان يقول إن سورة آل عمران أُحُدية نسبة إلى أُحد.

كنا قد وصلنا إل قوله تعالى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)) وهذه قاعدة عامة وإن نصر الله تعالى إذا كتبه إلى جنده وأوليائه فلا خاذل لهم مهما كان عددهم وعدتهم. وجنود الله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو والمقاييس المادية التي تعودنا عليها في المعارك وفي النصر وفي الهزيمة ليست هي المقاييس التي تحكم هذه الأمة لأنه كما ذكر القرآن في مواطن كثيرة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) آل عمران

 

ما معنى يغل؟

 

المشهور أن الغُلول هو ما يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها وهذا من الكبائر أن يأخذ الجندي من الغنيمة قبل قسمتها. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بعضهم شيئا من الغنيمة قبل قسمتها {في العبد الذي أصابه سهم عائر ، فمات ، فقال له الناس : هنيئا له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا ، والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلّها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشعل عليه نارا ، فجاء رجل بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار ، أو شراكان من نار . الراوي: أبو هريرة المحدث: البيهقي – المصدر: السنن الصغير – الصفحة أو الرقم: 3/398. خلاصة الدرجة: ثابت} .

 

هل معنى الآية أنه ما كان لنبي أن يأخذ من الغنيمة شىء قبل قسمتها؟ .هذا المقصود الأساسي الذي لأجله نزلت الآية لما فقد الصحابة شيئاً من الغنيمة قال بعضهم لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها. ونزلت الآية تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله لا يمكن أبداً أن تنسب إليه هذه الخيانة وهذا دفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} الحج. وهذا يصدقه فإن كان الإنسان صادقا وأميناً يتولى الله الدفاع عنه وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. .

 

وأيضا في قراءة متواترة أخرى (يُغَلّ) فيها دلالة على معنى آخر وهو أن ينسب للقادة العظماء المحبوبين للناس أن ينسبوا لشيء من الخيانة لأن هذا لا يليق بهم. قرآءة (ما كان لنبي أن يُغَلّ) تعني ما صحّ ولا استقام أن يُنسب لنبي الغلول لأن الغلول خيانة والخيانة لا تليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

 

ويمكن أن يحمل الغلول على المعنى العام وهو الخيانة, يقصد بالغلول أن ما كان لنبي أن يخون أمته سواء في أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمتها أو غيرها وهذه شهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قد وَفَّى في إبلاغ الرسالة ولذلك لما { أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية : ( كخ كخ ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3072خلاصة الدرجة: [صحيح]} وهي تمرة واحدة والذي أخذها وهو طفل غير مكلف وهي قد تكون من الصدقة وقد لا تكون لكنها هي من مال المسلمين أي من المال العام. وهذا من ورعه صلى الله عليه وسلم.

 

(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذا المعنى كأنه يشير إلى الغنيمة بعينها ويمكن أن يقاس عليه كل من يأخذ ما لا يحل له من أموال المسلمين. انظر إلى النص الذى روي عن إبن مسعود في كتاب “تفسير التحرير والتنوير” للطاهر بن عاشور يقول: { ومن اللَّطائف ما في البيان والتبيين للجاحظ : أنّ مَزْيَداً رجلاً من الأعراب سرق نافجة مسك فقيل له : كيفَ تسرقها وقد قال الله تعالى : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) ؟ فقال : إذَنْ أحمِلُها طيّبةَ الريح خفيفة المحمل . وهذا تلميح وتلقي المخاطَب بغير ما يترقّب . وقريب منه ما حكي عن عبد الله بن مسعود والدرك على مَن حكاها قالوا : لمّا بعث إليه عثمان ليسلِّم مصحفه ليحرّقه بعد أن اتَّفق المسلمون على المصحف الَّذي كُتب في عهد أبي بكر قال ابن مسعود : إنّ الله قال : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وإنِّي غالّ مصحفي فمن استطاع منكم أن يَغُلّ مصحفه فليفعل . يقول الطاهر بن عاشور “ولا أثق بصحَّة هذا الخبر لأنّ ابْن مسعود يعلم أنّ هذا ليس من الغلول” .

 

والأثر في صحيح مسلم رواه بسنده {خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال : من يغل يأت بما غل يوم القيامة ، غلوا مصاحفكم ، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت ، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان ، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله مني ، وما أنا بخيركم ، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته ، قال أبو وائل : فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق ، فما أحد ينكر ما قال .الراوي: أبو وائل شقيق بن سلمة المحدث: ابن كثير – المصدر: فضائل القرآن – الصفحة أو الرقم: 80. خلاصة الدرجة: أصل هذا مخرج في الصحيحين}

 

كأنه يقصد خذوا مصاحفكم واحتفظوا بها ولا تسلموها ويكون الغلول بمعناه العام اللغوي.

السؤال كيف أدخل ابن مسعود أمر المصاحف وهو أمرا إيجابيا في الآية التي جاءت بشيء سلبي؟ أخذها على أنها صارت مثلاً فيقول أنا أمسك مصحفي لأنه يرى أن هذا المصحف هو كتبته بنفسه وأخذه من صلى الله عليه وسلم فعلى قراءة من يريدونه أن يقرأ وعو أعلم الناس وهو صادق رضي الله عنه. ولكن قرار عثمان كان مستندا إلى الشورى ورأي الجماعة. فخالف ابن مسعود نظام الشورى ثم رجع بعد ذلك إليها رضي الله عنه. ولكن المقصد من جهة التفسير والاستنباط ونريد أن ننبه السامع إلى أن الطاهر عاشور فيما ذهب إليه له جانب من الصحة يجعلنا نتلمس أمر آخر. هل ابن مسعود الآن في مقام التفسير أم في مقام الإستنباط؟ والصحيح أنه كان في الإستنباط. فالطاهر بن عاشور رحمه الله رأى أنه في مقام التفسير فاعترض ويحق له ولكن اذا قلنا أن المقام مقام الإستنباط فالأمر أيسر لأن القاعدة في الاستنباط أنه يجوز الاستدلال بالآيات في غير ما نزلت له بضوابط معروفة. إن ما فعل ابن مسعود صحيح بل يعتبر مستندا يرجع إليه إذا أردنا أن نستدل بآية في غير مقامها من باب الاستدلال وليس من باب التفسير. ولم يعترض عليه أحد من الصحابة كن علي بن أبي طالب موجودا وهو من أعلم الناس بالتفسير .وذلك لكي يفرق السامع بين مقام الإستنباط ومقام التفسير. اننا لو تبينا أن المعنى الذي ذهب إليه ابن مسعود لا يلزم بالآية إذا هي إستنباط. فما دام هو ليس من باب التفسير فانما هو مقام الإستنباط فمقام الإستنباط أوسع.ولعلها قاعدة يفَرِق بها القارئ بين مقام التفسير ومقام الإستنباط.

 

تعميم المقصود بالآية

في قضية الحرص على المال العام وعدم التهاون فيه. الآن حصل تهاون بين المسلمين في عموم المال وخصوصه. لماذا خصّ الخطاب في الآية بالنبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)؟ الآية هي لعموم المسلمين وليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناها أن النبي أولى بأن يتنزه عن هذا الإثم الذي لا يليق بمقامه الشريف وأيضا هو قدوة للمسلم . وليس المقصود فقط الغلول وحده بل المقصود الأخذ من أموال المسلمين العامة بدون وجه حق  فإن حكم هذه الآية داخل فيه (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). { يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة فقام رجل من الأنصار – أسود كأني أنظر إليه – فقال : يا رسول الله : اقبل عني عملك ، قال : وما ذاك ؟ قال : سمعتك تقول كذا وكذا ، قال : وأنا أقول ذلك ، من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره ، فما أوتي منه أخذ ، وما نهى عنه انتهى . الراوي: عدي بن عميرة الكندي الحضرمي المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 3581 خلاصة الدرجة: صحيح} . وهذا أُنتهك كثيراً الآن في المدارس والدوائر الحكومية وقطاعات كثيرة متصلة بالمال العام في حين تجب المحافظة عليه فهو أمانة. { كلكم راع فمسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2554خلاصة الدرجة: [صحيح]}.

 

تجد الطلاب في نهاية العام الدراسي يكسرون ويفسدون أملاك المدرسة وهي مال الدولة. من هي الدولة؟ هي الأفراد . ومن الذي يُسأل عن هذا؟ أنت المسؤول عنه لأنه شاركت فيه { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} من 205 البقرة.

 

كما يدخل في هذا أيضاً قضية العناية بالمال العام وقد أصبح التساهل فيها الآن كثير وعادي. مثل إستخدام سيارة العمل في المصالح الشخصية . بالإضافة إلى الآية يوجد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم { قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، قال : ( لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، على رقبته فرس لها حمحمة ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك ، وعلى رقبته بعير لها رغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، وعلى رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، أو على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد بلغتك ) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 307 – خلاصة الدرجة: [صحيح]}. فالغلول فضيحة يوم القيامة نسأل الله السلامة.

 

انظر إلى الصحابي في الحديث الأول إستقال من عمله عندما رأى المسؤولية أما نحن الآن نتسابق على المناصب ونتهاون في استعمال المال. وأذكر الشيخ محمد بن عثيمين كان ورعاً في استعمال أوراق وهواتف وأموال المصلحة العامة إذا كانت المسألة خارج العمل أو مسألة خاصة. ومن الورع عدم استعمال المال العام مثل الورق والهواتف وغيرها في المصلحة الخاصة واليوم يقال هذا تشدد. ونقول أيها الناس انتبهوا ففي الآية وعيد شديد { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} . وقوله صلى الله عليه وسلم (هدايا العمال غلول) والعمال هم الموظفون الذين يعملون للدولة وغيرها. لا يصح للأستاذ أن يأخذ هدية من طالب من طلابه.

 

وفي حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم عن العمال- والمقصود العامل هو موظف يعمل للدولة أو غيرها {استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية ( قال عمرو وابن أبي عمر : على الصدقة ) فلما قدم قال : هذا لكم . وهذا لي ، أهدي لي . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر . فحمد الله وأثنى عليه . وقال ( ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا . والذي نفس محمد بيده ! لا ينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء . أو بقرة لها خوار . أو شاة تيعر ) . ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه . ثم قال ( اللهم ! هل بلغت ؟ ) مرتين . الراوي: أبو حميد الساعدي المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 1832خلاصة الدرجة: صحيح}. مثلا طالب أعطى المدرس هدية فهذه غلول . وهي يجب أن ترد مع البيان والشرح بالأساليب التربوية المختلفة. كل من وجب عليه عمل لا يجوز أن يأخذ مقابله أجراً من غير من أعطاه أجر عمله. وإن كان من الحكومة أو شركة أو حتى حلقات تحفيظ القرآن.

 

تتبع رضوان الله

{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}

 

عندما يذكر الله سبحانه وتعالى هؤلاء المؤمنين الصابرين وبالرغم مما وقع من الصحابة والعتاب وبعد ذلك العفو يبقى سؤال استنكاري (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). لاحظ المقارنة بين الصورتين بعد نهاية المعركة هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله، لم يقل اتبعوا أوامر  الله لأنهم اتبعوا الأوامر التي تؤدي إلى رضوان الله . وبين هؤلاء الذين باؤوا أي رجعوا بسخط الله لاشك أنهم ليسوا سواء كما قال عمر بن الخطاب (قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) ثم حتى هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله ليسوا سواء بل هم درجات (هم درجات عند الله). في قوله تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) هم لا يقصدون أن يتجنبوا سخط الله فقط بل يريدون رضوان الله . النفوس يجب أن تكون عالية الهمة . فنقول ماذا يحب الله؟ ثم نسعى إليه. من الناس من يتهاون ويكتفي بالقليل فقط ويريد أدنى الواجب وأقل شىء يُدخله الجنة. أحدهم اتصل يأسلني عن أقل الحج لأنه لا يريد أن يتعب نفسه، نقول يا أخي لماذا تتعب نفسك! هل هذا حالك أيضاً مع أمور الدنيا؟ هل تقول ياناس أعطوني راتب الكفاف فقط الذى يعيشني؟ لا يليق بالمسلم أن يكتفي فقط بأن يعمل لئلا يكون في النار بل عليه أن يكون عالي الهمة ليصل لأعلى الدرجات في الجنة ويشسعى لرضوان الله تعالى.

 

في أسلوب الآية نجد (أفمن) الهمزة هنا للإستفهام الإستنكاري. بمعنى أن ليس هؤلاء مثل هؤلاء. وتكلمنا من قبل عن المثاني في أساليب القرآن فيأتي بالشيء وضده. وهنا لما قال (اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) قال (بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) أي عمل عملا نتيجته السخط مع أنه فعلها لينتفع.

 

لما تتأمل في صفات الله تعالى هنا (إن الله يحب) وكان الصحابة ينتبهون لهذه الأشياء ويتتبعون محابّ الله . نجد آيات كثيرة فيها (رضي الله عن) و(الله يحب المحسنين) فما دام الله يحب إذاً يجب أن نتتبع محاب الله . عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم { ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره . قال : قلت : يا رسول الله ! أويضحك الرب ؟ قال : نعم . قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا .الراوي: أبو رزين لقيط بن عامر المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 1/78خلاصة الدرجة: حسن}.

 

ومن لوازم الصفة (المحبة) أن تقوم إلى الصلاة مبكراً تريد المسارعة في مرضاة الله،. تتبع رضوان الله تحول حياتك إلى متعة. الواحد منا يفرح أن يرضي رئيسه فكيف بالله؟! وهو قد قال لك انه يحب المتوكلين ويحب المحسنين ويحب من يتقن عمله، وهذا دين عظيم. ولا شك أن تحبيب الله تعالى لعباده بهذه الأوصاف شيء عجيب جداً ولكنك تعجب ممن يفرغ هذه الصفات من مضامينها ويذهب بها إلى تأول بعيد جداً ويتكلف جاعلا هذه المعاني بعيدة في حين أن الصحابة رضي الله عنهم فهموها بسهولة. ولكن من يتأولون هذه الصفات هو في قرارة نفسه لا يستطيع تأويلها لكن النظرة الفلسفية والمعالجة الكلامية الفلسفية- التي كرهها علماء السلف ومنهم الشافعي- ابتعدوا فيه عن جادة الصواب مع أني على يقين أنهم في تعاملهم العام ليسوا كذلك. انظر إلى تتبع مرضاة الله في قصة لا فيها فلسفة بل بساطة بدون تكلف. دعا المأمون غلاما له و قال: ائتني بالماء لأتوضأ. فذهب الغلام و أتى بالماء, و لسرعته وخشيته من أمير المؤمنين وقع من يده الاناء فانكسر. فغضب أمير المؤمنين لهذا العمل. و أراد معاقبة الغلام. ولكن الغلام قال لأمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين يقول الله تعالى “و الكاظمين الغيظ”.قال المأمون: كظمت غيظي. قال الغلام: والعافين عن الناس. قال له: عفوت عنك. قال: والله يحب المحسنين. قال المأمون: أعتقتك لوجه الله الكريم.

 

وأيضا في إتباع رضوان الله علينا أن نتتبع كثل هذه الآيات في كتاب الله. قال { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} ثم وصفهم {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} آل عمران .

 

وتوجد آيات تدل على مساخط الله مثل قول الله عز وجل { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)} المائدة. فانتبه أن تسلك هذا المسلك. وفقك الله لهذه الآيات والعمل بها. ونذكر كلمة عائشة رضي الله عنها قالت للسائل { دخلنا على عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين ! ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان خلقه القرآن الراوي: عائشة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الأدب المفرد – الصفحة أو الرقم: 234 خلاصة الدرجة: صحيح لغيره}.  الأخلاق التي أمر بها القرآن كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تتبعاً لمحاب الله ورضوانه فهو يعفو ويصبر ويحلم ويعطي.

 

في الحلقة الماضية تكلمنا عن دورات تطوير الذات . ونقول أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ أقرأ أي شيء لتطور نفسك ولكن أقرأ كتاب الله الذي فيه الخير كله فهو يخاطب البدن والروح ولكن تحتاج إلى من يتدبر. كل آية تفتح لك آفاقاً بلا حدود. من الملاحظ أن من عني بالدورات نجده ممن اعتقد ثم استدل على إعتقاده. يريد أن يدلل للأفكار التي درسها المعلومات من القرآن فيأتي بغرائب الإستدلالات وهذا لا نمنع منه لكننا نحذر منه وهو ما يسمى بـ “أسلمة المعرفة”. يأتي بالآية لها معنى ووجه لا علاقة لها بما فكرته ويقول هذه الآية تدل على الفكرة ونجدها بعيدة كل البعد. وهذا يقع فيه من لا يفهم القرآن و”يتسَوّر” من أراد أن يستنبط يجب أن تكون لديه القدرة على ذلك.

 

فائدة: في قوله تعالى { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } تقدم في السورة التكرار على علم الله وإحاطته ومراقبته هو أيضاً في قضية الغلول. يمكن أن تختلس ولا أحد يحاسبك، لكن الله بصير بالعباد. في قوله (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) وهي آية تحث على المنافسة والمسابقة في الخير وعلى { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} آل عمران . ومادامت الدرجات عند الله , مفروض أن تسارعوا (فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة) الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 7423 – خلاصة الدرجة: [صحيح] }