برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 27

اسلاميات

الحلقة 27

14 رمضان 1430 هـ

 

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) آل عمران

 

وجه الإمتنان

الله سبحانه وتعالى يمتن علينا أن بعث فينا محمدا. ولو تأملت هذه المنّة العظيمة علينا نحن المسلمين ببعث النبي كيف كنا قبله وكيف أصبحنا بعده؟. وماذا لو لم يكن هذا الفضل العظيم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم؟, كيف كانت تكون البشرية؟. ما هو وجه الإمتنان في هذه النعمة العظيمة؟. ولماذا الله سبحانه وتعالى ذكر صفات خصّ بها النبي صلى الله عليه وسلم { من أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ؟

مناسبة الآية ووجودها بعد غزوة أحد. لو تصورنا الصحابة وقد أصيبوا بهذا المصاب الجلل وأصابتهم الجراح, والنفوس مكلومة يأتي التنبيه على هذه المنّة العظيمة وهي منّة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأنه خصهم بهذه المنة بل أن الأنصار كانت لهم المنة مرتين, المنّة الأولى بكونهم ممن بعث لهم والمنّة الثانية أنه جاء إليهم مهاجرا وسماهم الأنصار. يقول انتبهوا إلى هذه النعمة وانتبهوا لهذا الفضل الذي بعثه الله إليكم فلا شك أن النفوس ترتاح. أنت تُذكِّر المريض بمنة الله التي بين يديه فتُهَون عليه المرض ويحمد الله سبحانه وتعالى. ولعل هذا أحد المناسبات في ذكر هذه المنّة العظيمة في هذا الموقف. وأيضاً يمكن أن يضاف أنه يقال لهم انتبهوا إنما بعث هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لكم فأطيعوه وإياكم أن تخالفوه فإن خالفتموه وجدتم الشقاء ودونكم المثال الحيّ (أُحد) لما خالفتم شيئا من تزكيته لكم ماذا حدث لكم ؟ ولذلك أعقبها بقوله تعالى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران} من عند أنفسكم وليس من رسول الله ولا من الجهاد ولا من الدفاع عن الدين بل شىء أنتم وقعتم فيه فعوقبتم عليه.

 

ما وجه الإمتنان بالتلاوة؟ لماذا لم يقل بعث فيهم رسولا يفتح بهم البلاد ويقودهم من نصر إلى نصر ويعطيهم الدنيا, وهو ما يتوقع الناس أن يفرحوا به؟  لم يذكر شىء من ذلك ولكن قال { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وقال في موضع آخر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس} المقصود أن فضل الله ورحمته هو الكتاب الذي أُنزل { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام} فهذا القرآن هو النور الذي نرى به كل شيء في هذه الحياة. المؤمن هو الوحيد الذي يرى ما وراء المادة بالقرآن ويرى ما وراء القبر وما وراء الموت وما وراء الدنيا. أما الكافر فهو يساق كل يوم إلى عالم مجهول. لا يدري من أين جاء ولا يدري أين سيذهب. أما المؤمن فجاءه من الله الثبات والهدى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى} المنّة بإنزال هذا الكتاب علينا لا تعدلها منة والسبب فيها هو محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك هو المنّة العظمى . وهي من الآيات الدالة على رعاية الله ومحبة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم .

 

فائدة: من يتكلم عن نقل القرآن مِن مَن يخالفنا من المستشرقين أو من بعض الملاحدة أو من كان عنده شبهة من نقل القرآن سواء عن قصد أو غير قصد خاصة من بعض من يجتهدوا أن يخرجوا من القرآن ما يطعنون به عليه. نقول لهم لماذا دائماً تنظرون نظرة سلبية؟ لماذا لا تنظر إلى هذه الآيات التي تدلك على الكمال؟. إن بعض من بحثوا في تاريخ القرآن توصلوا إلى نتيجة يقول أن أولئك الذين جمعوا القرآن في عهد عثمان إحتمال النقص وارد عليهم لأنهم غير معصومون. نقول من أي شيء تنطلق؟ ألست تنطلق من آيات القرآن لتثبت ما تريد أن تصل إليه؟ انظر إلى هذه الآيات. الله سبحانه وتعالى يمتن على الناس برسول يتلو عليهم آياته. كم من الآيات التي كان يتلوها عليهم؟ ثم  تعال إلى واقع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤه عليهم في الصلوات والخطب والحِلَق. أليس يقول للصحابة أن {أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف كل شاف كاف . الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1374خلاصة الدرجة: صحيح} أليس يعلمون السور؟ اذا جمعت كل هذه الدلائل والشواهد , ألا يدلك على أن القرآن قد حُفِظ كما نص الله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  الحجر}. يقول تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) ثم تفاجأ بأنه من أكبر الوظائف الذي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو مِنة من وظائفه أن يتلو القرآن، هل سيتهاونون في هذا الكتاب؟! لقد بذلوا كل شيء ليحافظوا عليه, فهو غاية الغاية. إذا تركوا ذلك فكأنهم لم يحققوا الهدف الذي بعث من أجله الرسول والهدف الذي أنزل به القرآن . بل إن الدليل التاريخي قاطع على أنهم كانوا أحرص الناس على جمعه وعلى حفظه. بين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين جمع القرآن في مصحف لم يتجاوز سنتين وقد كان جمعه في القلوب منتشرا.

 

معنى المِنة

 

{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} أليس الإمتنان بالعطية مذموم؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى  } من 264 البقرة.. هذا لأن الذي يمنّ ليس هو المتفضل الأصلي وهو مجرد واسطة لإيصال هذا الخير للغير , في حين أن منّة الله علينا فهي المنة الحقيقية. له المنة في كل تفاصيلها وفروعها. الله هو صاحب المنة هو الذي تفضل وأعطى ولذلك قال { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)  الحجرات} إذن الفائدة أن الله له أن يمن على عباده بما يشاء. يمنّ عليك بأن رزقك وخلقك وبعث إليك الرسول صلى الله عليه وسلم ويمن عليك أن هداك للإيمان ولله المنّة.  مثل هذه قضية الكبر. هذه قضية كانت تُشكل عليّ كيف أن الله نهانا عن الكِبر وقد جاء في الحديث {(  ومن بغى على أخيه وتطاول عليه واستحقره حشره الله – تعالى – يوم القيامة في صورة الذر ، يطؤه العباد بأقدامهم ، ثم يدخل النار ، ولم يزل في سخط الله حتى يموت ، …….) الراوي: أبو هريرة و ابن عباس المحدث: ابن حجر العسقلاني – المصدر: المطالب العالية – الصفحة أو الرقم: 3/134 خلاصة الدرجة: موضوع}. وهو سبحانه وتعالى يصف نفسه بالكبر. لكني وجدت بالتأمل أن ذم الكِبر لنا لأننا ضعفاء ماذا نحن؟ ومم خُلقنا وماذا نحمل وإلى ماذا نصير؟ أما الله  سبحانه وتعالى فهو الغني الكامل في غناه السيد الكامل في سؤدده الصمد الذي يصمد إليه في قضاء الحوائج ,الكبير فهو المتكبر وله الحق في ذلك وليس لأحد أن ينازعه هذا الأمر  لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فهو بحقّ الكبير المتكبر والذي يستحق..

 

بعض إخوة فرنسيون أسلموا على فطرتهم وكثير من غير المسلمين فطرتهم سليمة بحيث لو وجد من يدله وينصحه لاستجاب. يقول أحدهم: أنا عشت طيلة عمري على النصرانية وكنت أسير في حياتي وصحتي جيدة وأشعر أن هناك من يستحق أن أشكره ولكني لم أعرف من هو ولم أقتنع أنه يمكن أن يكون عيسى لما جرى له من الإبتلاء لا يمكن أن يقدم إلي كل هذا, وأنا أعتقد أنه صلب . حتى وفقني الله وجدت ترجمة لمعاني القرآن فوجدت الإجابة على سؤالي من هو الذي يستحق الشكر في أول الفاتحة { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1)  الفاتحة} فقرأت فيها وتأملتها وقلت هذا إجابة السؤال وهو من يستحق أن أقدم له الشكر. فالفائدة الأولى أن الله صاحب المنّة.

 

ثانياً: يقول في القرآن أن أُرسل الرسول بشيراً للناس كآفة وهنا يختص بالمؤمنين لماذا؟ ما هو وجه التخصيص يا ترى؟ يظهر أن تمام المنة ظهرت على الذين استجابوا. فالكلام على تمام المنّة من لم يستجيبوا أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً فمنّ عليهم بإرساله لكنهم هم لم يستجيبوا، قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)  الأنبياء} جميع العالمين ولكنهم لا يفقهون. لو تأمل الكافر ما وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته على الكافرين ودرسها دراسة منطقية إنسانية لوجد تمام الرحمة منه. ولكن هؤلاء يأتون بعداء ولا يأتون بتجرد، كن كافرا ولكن أدرس حياة النبي بتجرد وادرس حياة غيره وانظر الفرق! الرسول صلى الله عليه وسلم كان رحيما وهو يتعامل مع الكفار. انظر إلى الكمال من هم الذين كانت لهم المنة الكاملة هم الذين آمنوا واستجابوا.{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ }. ولذلك لو تأملت النص في قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} مع أنه في سورة الجمعة قال { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } من 2 الجمعة.  فهناك ذكر أنه بعثه في الأميين وهنا ذكر أنه بعثه في المؤمنين إذا المنّة على المؤمنين ولكن البعث كان للجميع.

 

ترتيب الخصائص

(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)

توضح الآية أبرز خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وهي قدوة للمعلِّم والمربي. لماذا قدم التلاوة ثم قال يزكيهم ثم قال يعلمهم الكتاب والحكمة؟. وفي آية أخرى قدّم التعليم على التزكية (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة)؟ قدمت التزكية هنا لأن لها علاقة بهذه النفسية التي يعالجها بعد المعكرة وما أصابها من الوهن والظن و الزلل فهي مناسبة. التلاوة هي بمثابة البلاغ وهي المهمة الأولى التي طلبت منه وهي الرسالة ، طلب منه أن ينذر { يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)  المدثر}. قل لهم أن هذه الرسالة لكم فتتلو عليهم فتقوم عليهم الحجة. فإذا مَنَّ الله عليهم بالإستجابة يبدأ مشروع التزكية. التزكية قبل العلم لأن القلب إذا أقبل صار العلم له مكان في القلب لكن كيف تُعلِّم والقلب منصرف؟! هذا لا ينتفع ولذلك قال ابن عمر { سمعت ابن عمر يقول: لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما يتعلم أحدكم السورة ، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه ولا أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل . الراوي: القاسم بن عوف الشيباني المحدث: ابن منده – المصدر: الإيمان لابن منده – الصفحة أو الرقم: 106 – خلاصة الدرجة: إسناده صحيح على رسم مسلم والجماعة إلا البخاري} البعض يقرأ القرآن بمخارجه ويقرأ الروايات وليس في قلبه من الإيمان مقدار ذرة. وهذا هو الترتيب المناسب لهذه الآية وللآية التي في سورة الجمعة { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }من 2 الجمعة. لكن في سورة البقرة لما ذكر إبراهيم عليه السلام { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة} قدّم العلم لأن العلم هو الأصل وبه تكون التزكية فالتزكية مبنية على العلم ولكن من حيث الوجود في الواقع تكون التزكية أولا وهي قبول النفس لهذا الإيمان وإقبالها على الله ومعرفتها به ثم يأتي العلم والشرح والإيضاح والتفصيل. وفي الحديث { أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل ، إذا عملته دخلت الجنة . قال : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده ، لا أزيد على هذا . فلما ولي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ، فلينظر إلى هذا . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 1397. خلاصة الدرجة: [صحيح]}.

 

معنى التزكية

 

والتزكية فيها جانبان الجانب الأول هو التطهير والجانب الثاني هو النماء. وهذان الجانبان لو تأملتهما في جميع المواطن التي وردت فيها الظكاة والتزكية تجدها واضحة. فمثلا الزكاة سميت الزكاة لأنها تطهر المال وتنميه وكذلك في النفوس. نحن الآن أخذنا بدل لفظ التزكية لفظ تربية وبعضهم يسميه تصفية وهي ليست مثل التزكية ومعنى التزكية فيه معنى التطهير والنماء يعني تخلية وتحلية. في سورة النور في قصة الإك قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)  النور } التعبير بالتزكية في غاية الدقة في القرآن وهي تنقية القلوب وتطهيرها بالقرآن وفهمه وتدبره . يتلو عليهم الآيات ثم يزكيهم لما قدم التلاوة على التزكية لأن البلاغ أولاً، هذا البلاغ واضح بالنسبة لهم ولذلك نقول أي بلاغ يكون فيه غموض فليس من التزكية في شيء، إذا كنت لا تستطيع إدراك الكلام الذي يقال لك فلا يمكنك أن تتزكى به،. فأنت لا تتزكى بكلام أنت لا تفهم معناه فهي أثر من آثار التلاوة أو البلاغ.

 

التزكية في القرآن قد أكد عليها تأكيدا كبيرا أكاد أجزم أنه لم يؤكد على شيء آخر مثله. أعلى التزكية هو التوحيد فهو أساس هذه التزكية والتزكية هي حمل هذه النفس للقيام بما أمرت به وتربيتها وحملها على الخير. انظر إلى ما أقسم الله عليه في سورة الشمس { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) } أحد عشر قسماً اجتمعت على هذا الشيء! ثم { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) الشمس} أي طهرها ولاحظ أن التعبير فيه تهديد فيه شيء من الحرارة والشدة. فينبغي على الإنسان أن ينتبه لمسألة تزكية نفسه.

 

نقول ياعبد الله لا تترك نفسك سبهللاً, تقول “أنا كده , طبيعتي كده” لا، إنك لا تقول هذا للوظيفة مثلا فقط تقولها في طاعة الله تقول أخلاقي لا تتغير!. بل زكي نفسك, علمها, دربها , إرعها حق الرعاية, فأنت مطالب بهذا ولا يعفى عنك. كان بعض الناس يقول عندي خلق لا أستطيع أن أغيره إذا أغضبني ولدي أغضب . هذا غير صحيح  بدليل أن إذا أغضبك الوزير أو الأمير تسكت!. كيف يصير عندك القوة النفسية لضبط نفسك؟ إنك تعرف أن هناك مشاكل . أنت قادر على تغيير نفسك ولكنك تهمل نفسك. { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس} أخفاها وأسفلها وأدناها.

 

ارتباط تزكية النفس بقراءة القرآن الكريم وتلاوته

 

فنقول لمن يريد أن يزكي نفسه عليك بالقرآن وتلاوته . ونقول لحامل القرآن زكي نفسك بالقرآن . إذا كنت تجد في نفسك من القصور ومن التقصير وأنت حامل للقرآن فإن تلاوتك فيها خلل فإن حملك للقرآن فيه خلل. لأن الله جعل ترابط بين التزكية والتلاوة فكأن التزكية أثر للتلاوة (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ). وأنت يا من تقول كيف أزكي نفسي؟ عليك بالقرآن, تمسك به , إوجد لك طريقة تتعلم ما تستطيع منه وتحفظ ما تستطيع منه , اقترب منه. ما أجمل هذه العبارة التي قالها الصحابة {إعرض نفسك على القرآن}. من لطائف معنى إعرض نفسك على القرآن أن الحسن البصري رحمه الله قرأ {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} قرأها (صادِ) بالكسر وعليه فإنها عنده ليست حرفاً بل فعل  أمر “صادِ” من المصاداة {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)  عبس} أي إعرض عملك على القرآن. ولكنها قراءة شاذة.

 

عندما يقول الله سبحانه وتعالى لنا {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } رسولا, ماذا يصنع يا رب؟ يتلو عليهم آياتك أولا، هذه أول صفة.فالمفترض أن تتوقف مع هذه الصفة،. أنت الآن تتلو القرآن وتحفظ وتحمله معك. ثم قال (ويزكيهم) ينبغي أن نقيس أمورنا ليس بكثرة ما نقرأ بل بما نعمل ونتدبر. هذه الآية لو توقفنا معها واعرض نفسك عليها. أنت تقوم تصلي ثم تنام. ماذا فعلت بينهما ماذا صنعت مع القرآن؟ البعض يمنّ الله عليه بالقرآءة فتجده قبل صلاة الفجر يقرأ وبعد صلاة الفجر يقرأ ويقرأ القرآن بعد كل صلاة، فقلت له ما حالك مع القرآن؟ أنت يوميا تقضي 7 أو 8 ساعات مع القرآن فقال هكذا أنا من يوم أن تقاعدت. قلت ما تقاعدت؟ أنت الآن بدأت عملك الحقيقي مع القرآن. فتنشّط الرجل وصار يتدبر ويسأل ويكتب الأسئلة والفوائد. وهذه رسالة الله إلينا ماذا استفدت منها؟ نحن نقرأ لكن نريد ما يعيننا كيف نقرأ. يجب أن تسأل الناس ماذا استوقفك؟ لتحفزهم. في إحدى المسابقات بين الطلاب في رحلة كان السؤال (هات آية بكيت عندها) فقال أحدهم ما أذكر أني بكيت عند آية من آيات الله، هذا السؤال أثّر في نفسي أثرا كبيرا. هل من المعقول أن هذا القرآن كان يُبكي رسول الله والصحابة وأنا لم يبكيني؟! هذا ديل على أن عندي مشكلة. منهج ممتاز ان تبحث عن البكاء، إبك وحدك ولا تظن أنك عندما تبكي أو تتباكى أنك منافق، لمثل هذا فليبكي الإنسان وعلى حاله فليبكي. تأمل نزول هذه الآيات على الرسول ومعه جبريل ومعه الملائكة وهو يقود الجيش ومعه الصحابة. تأمل المشهد وتقول رضي الله عن هؤلاء وعفى الله عنهم وتتوق نفسك إلى مثل هذه الروحانيات التي عاشها هؤلاء. وفي الآية {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) الإسراء}  غاية المدح لأهل العلم وهذه شهادة لمن بكى تأثراً من كلام الله عز وجل أنه صار من أهل العلم. وهذا العلم تظهر ثمرته على الجوارح.

بمناسبة الحديث عن القرآءة الشاذة في قوله (ص والقرآن ذي الذكر) (صادِ) أذكر أن القرآءات الشاذة فيها معاني لطيفة وهي لأهل العلم ولا نطلبها من كل أحد. في قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) في بعض القرآءات الشاذة وردت (من أنفَسِكم) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من أنفس العرب وهو كذلك كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم.