الحلقة 37
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} وكما ختمنا أن هذه الآية وعيد لكل من أوتي علما أن يبينه للناس ولا يكتم شيئا ولا تأخذه في الله لومة لائم. وقد قلنا إن هذه الآية قد أقضت مضاجع العلماء وأطارت النوم عن أعينهم وعرضتهم للمهالك ولقوا بسبب القيام بها أذى يلقون به عند الله أجرا عظيما ورفعة ومنزلة عالية لأنهم قاموا بحق هذا الكتاب وأدوا زكاة هذا العلم فبينوا للناس ولم يكتموا شيئا مما أوتوه. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء القوم الذين يبينون الحق للناس ولا يخشون في الله لومة لائم. وننبه إلى مسألة مهمة وهي مسألة المسؤلية الاجتماعية لطلبة العلم أمام الأمة . فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية أخذ الميثاق على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه وذكر الله حال العلماء من أهل الكتاب وكيف أنهم فشلوا واشتروا بآياته ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم وكتموا الحق. وأقول للإخوة الذين وفقهم الله لطلب العلم وهو لا شك شرف ومنزلة عالية ولكنه أيضا مسؤلية إجتماعية ينبغي على طالب العلم أن يستحضرها لأنني ألاحظ الكثير من طلبة العلم يؤثر التخفي ويؤثر عدم الظهور . هو يرغب في إفادة الناس ولكن لا يريد أن يسلك مسالكها لا يريد أن يخطب الجمعة ولا يلقي كلمة في مسجد ولا يريد أن يشرح كتاب ولا يسجل حديثا في الإذاعة أو في قناة فضائية ولا ينكر منكرا وإنما يشتغل بحاجة نفسه في زمان الناس في أمس الحاجة إلى علمه. نحن لم نأتي إلى هذا المكان لأننا أعلم الناس نحن أعرف الناس بتقصيرنا وجهلنا وقلة علمنا لكننا نجتهد ونحاول بقدر ما نستطيع أن نؤدي شيئاً من الأمانة التي افترضت علينا فأنا أدعو إخواني الذين يسمعون هذه الكلمة أن يراجعوا أنفسهم ويتغلبوا على الوساوس الشيطانية في نفوسهم ويقدموا لهذا الدين ما يستطيعون بالبلاغ خاصة في مجال البيان العلمي. هؤلاء العلماء الله أخذ عليهم الميثاق أن يبينوا ما تعلموا ويوضحوه للناس وفي القرآن والسنة قد بيّن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة من يكتم العلم { من كتم علما يعلمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .الراوي: – المحدث: الزرقاني – المصدر: مختصر المقاصد – الصفحة أو الرقم: 1068.خلاصة الدرجة: صحيح}. ماذا يصنع طالب العلم الذي يتعلم ويفني عمره في التعلم ثم لا يبلغ منه شيئا؟!. لا أستطيع أن أفهم ماذا صنع بهذا العلم؟! قد يقول أنا أصلا مقصر, ليس لي حظ من العبادة والعمل كيف أقوم بين الناس وأذكّرهم وأبيّن لهم وأنا أعرف من نفسي الذنب والتقصير وعدم القيام بواجب هذه الكلمة التي أتحدث بها أمام الناس فأخشى أن أكون منافقا، أنا أخشى أن أحمل نفسي تبعة المسؤلية بشكل زائد وأنا مقصر فيما عندي . لو أخذنا بهذه الشبهة الشيطانية ما قام بالعلم أحد. من يزعم أنه غير مقصر أو أنه قد قام بكل شيء؟! هذه حقيقة من حيل الشيطان لهذا قد يقول قائل أين أُخذ عليّ هذا الميثاق؟ نقول أخذ عليك هذا الميثاق بنص الآية كل من أعطي العلم أخذ عليه الميثاق . ما دمت دخلت في سلك أهل العلم فقد دخلت في الميثاق.
أقول وفي نفسي شيء من الحسرة نلاحظ أن بعض من يتصدى للناس قد سؤل قبل أن يتفقه فيما يتكلم به. وهذه خطيرة أيضا وهذه مشكلة أخرى ننتبه لهذا الجانب. فالإنسان إذا أراد أن يتكلم يتكلم بما يعلم كن صادقا مع نفسك. اعرض علمك الذي تتكلم به على من يحسنه وكن صادقا في أخذ ملحوظاته بدون أن تكون في نفسك حرج من ملاحظاته . مرة أنزلت مقالا في ملتقى أهل التفسير عن بعض من يتصدى لعلم التفسير في بعض القنوات وهو لا يحسنه ولم يأخذه عن أهله وكلامه فيه ضعف وأخطاء علمية وأقوال لم يقل بها أحد من العلماء حصل انزعاج واتصل بي بعض الأخوة قالوا أنت ألقيت حجرا في ماء راكد وستثير الناس عليك بهذا المقال. قلت أنا لم أقل فلان ولا علان وصفت أوصافا فإذا واحد ظن أنني أردته أسأله هل أنت تُحضر لدرسك؟ إن قال نعم فقد خرج أنا أنتقد الذين لا يحضرون لدرسهم ولا يأتون الأمور من أبوابها. هل تعرف منهجية التفسير؟ إن قال نعم فقد خرج. من يتصدى للناس يجب أن ينتبه أن يكون على قدر المسؤلية التي وقف عندها أمام الناس ويجب أن يكون عندنا أيضا تقبل لو واحد منا صادفه انتقادات استفدنا منها كثيراً. ولا أقول من باب تزكية أنفسنا ولكن هكذا يجب أن نكون. الحقيقة. نحن نريد أن نضع الأمور في نصابها فنقول إن طالب العلم الذي درس وأصبح مؤهلا ينبغي عليه أن يبلغ وأن يعلم وأن يؤدي الأمانة والمسألة ليست تفضيل لك أن أقدمك وتصبح معروفا بين الناس. نتجاوز عن هذه النظرة ونخلص نياتنا لله سبحانه وتعالى. فمن يقوم بأمر الدين إذا تراجع الناس ؟! ومن يقوم بأمر العلم وأمر الحق؟! وفي الجانب الآخر نحذر أشد التحذير فمن تصدى قبل أوانه فقد تصدر لهوانه وقد أساء لنفسه وللعلم وللقرآن . فالمسألة مسألة توازن والموفق هو من وفقه الله سبحانه وتعالى للعمل والبذل والأمة في أمس الحاجة الناس يسألون ويريدون من يبين لهم خاصة في المجتمع نجد كثيراً من الزملاء في الجامعات متخصصون وطلبة علم ولكنك لا تجد لهم أثرا في المجتمع. في مسجدي أجد ستة أو سبعة من طلبة العلم المميزين لم أظفر في يوم من الأيام بكلمة أو درس أو موعظة. لماذا؟ قالوا أنت موجود. كل واحد منكم له مسؤليته الخاصة به، كل واحد منكم عنده مسؤلية يقوم بها ويتصدى لها. أضف إلى ذلك في هذا الزمن في نظري أن الأمر صار أيسر من ذي قبل لأن الوسائل التي يمكن للإنسان أن يقوم بها لأداء هذه الأمانة تعددت. ممكن ألقي درسا أو خطبة جمعة أو حديثا إذاعيا أو تلفازيا ولا أجد دار نشر تنشر لي ولا جريدة الآن عبر الإنترنت يمكن أن تنشر ما تشاء من الخير والعلم وتنبه على الأخطاء وأسرع انتشارا من الجرائد والمجلات وأبقى وأسرع وصولا للناس. الوسائل التي يستطيع الإنسان أن يبلغ بها هذا العلم أصبحت كثيرة إذن الحجة قامت علينا فلنتق الله في هذا الأمر ولا نظن أن القضية أمر مستحب. هي أمانة وواجبة عليك يجب أن تؤديها وأن تقوم بهذه الأمانة خير قيام. أليست هذه من الأسئلة الأربعة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم { لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه .الراوي: أبو برزة الأسلمي المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2417.خلاصة الدرجة: حسن صحيح }.
قوله تعالى { لَا تَحْسَبَنَّ} وفيها قراءة (لا يحسبن) .لاحظ أن بعض التفاسير كتبت على قراءة قالون مثل تفسير ابن عاشور . وبعض التفاسير كتبت على القراءة التي كان المفسر يقرأ بها فننتبه إلى أأمرين أن نص المصحف قد يكون كتب بتلك الرواية وبعض الناس قد يعتقد أنها خطأ. والأمر الثاني ممكن المصحف يكتب بقراءة حفص ولكن المفسر يفسر برواية قالون فننتبه بأي شيء يفسر المفسر وهذه من الفوائد التي تخفى على بعض طلبة العلم أو بعض المحققين مع الأسف.
قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} متصلة بما قبلها . مازال الحديث عن أهل الكتاب اليهود بالذات لأنهم هم خالطوا الرسول صلى الله عليه وسلم. ولما سألهم صلى الله عليه وسلم عن بعض المسائل فأجابوه فرأوا أنهم حمدوا أنفسهم وفرحوا بما أعطوا صلى الله عليه وسلم من العلم الذي سألهم عنه أو أنهم كتموا وفرحوا بما كتموا ولكن قال { يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وهو الآن ثنى عليهم بأمور لم يفعلوها وهذا كثير مما نجده في أخلاق اليهود ولهذا لما نتأمل أحوالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوه ويدعون أنهم فعلوه وهم لم يفعلوه. هذه النفسية نبه عنها سبحانه وتعالى فقال { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} لو تأملنا الآية التي قبلها لما أخذ الميثاق عليهم ثم جاء بهذه الآية معناه أن ما يفعلونه الآن يستحق العذاب. قرأ مروان بن الحكم وكان في المدينة { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال لئن كان كل واحد منا يفعل فعله ويفرح به ويحب أن يحمده الناس بأفعاله سيعذّب لنعذبن أجمعين. فأرسل غلامه إلى ابن عباس يقول إذا كان كل واحد عمل عملا وفرح به سنعذب أجمعين. فقال مالكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت في اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن مسألة فكتموها وأظهروا غيرها فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ففرحوا أنهم تجاوزوا هذا الموقف وفرحوا بأنهم لبسوا عليه الأمر ولم يكشفهم فلما خرجوا نزلت هذه الآية { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}. مراد ابن عباس في رده على مروان التنبيه على أن ما أدخله مروان في معنى الآية ليس في معنى الآية في شيء إنما معنى الآية مرتبط بمسألة أشبه ما نقول مصيرية مسألة مرتبطة بالدين. ونلاحظ أنهم كتموا أمرا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الدين واستحمدوا أنفسهم بهذا الفعل وفرحوا به. ابن عباس نبه على أن سياق الآيات للغرض المعين. وهذه فيها فائدة وهي أن التفسير اللغوي لا يكفي لفهم الآيات أحيانا فمروان بن الحكم من أهل اللغة وهو من بني أمية من قريش أي عربياً وليس أعجمياً وبالرغم من ذلك أخطأ في فهم هذه الآية على ظاهرها اللغوي ولكن ابن عباس نبه على أمر أدق وهو السياق الذي توجد فيه وسبب النزول ولذلك التفسير ليس باللغة فقط. التعامل مع القرآن يجب أن يكون فيه حذر ومراجعة لكلام المفسرين حتى تعرف أسباب النزول وهذه هامة جدا. لأننا نجد بعض من يفسر القرآن الكريم يعتمد على لغته وبعض المراجع اللغوية وهذا لا يكفي. مروان بن الحكم فهم الآية على ظاهرها. مثلا إذا أحد يقول ما شاء الله عليكم اخترتم هذا الديكور الجميل فنحن نبتسم ونسكت أو نفرح بما قيل ظنا انه منا. هذا هو الأمر الذي ذهب إليه مروان والآية تحكي أمرا آخر لا علاقة له بهذا الأمر، الذي ذهب إليه مروان لو كل امرئ فرح بما آتى وأحب أن يحمد على ما لم يفعل لنعذبن أجمعون هو فهمها على المعنى العام والمراد هو ما يتعلق بكتمان العلم الذي يؤثر في قضية عملية أو علمية ودليل ذلك اتصالها بالآية التي قبلها كما قال ابن عباس.
انظر ما ذكر أبو سعيد الخدري فيما رواه البخاري عنه قال { أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } . الآية . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4567خلاصة الدرجة: [صحيح]}. الظاهر أن الآية تشمل هذا وهذا ولكن لا تحمل على علتها لا تحمل على ما ذهب إليه مروان من أن الإنسان قد ينسب إليه أشياء وهو غير كاره وهي أشياء عادية. قد يشكل على البعض ما ذهب إليه ابن عباس والسياق أنها في اليهود واضح فكيف روى البخاري ما روى عن ابن سعيد؟ . وهو روى عن مروان بن الحكم فهل هذا تناقض؟ نقول لا. قولهم “فنزلت” لا تلزم أنها سبب النزول المباشر لكن لو تأملنا الحدث الذي حدث من المنافقين هل يدخل في معنى الآية أم لا يدخل؟ يدخل، فكأن أبا سعيد أراد أن يقول أن الآية تشمل هذا الصنف من المنافقين الذين فعلوا هذا الفعل. انهم ادعوا أنهم قاموا بأمر في الإسلام ولم يقوموا به. ويؤكد ذلك ما رواه الطبري ابي حاتم عن ابن عباس {قوله يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أن يقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على خير ولا هدى ويحبون أن يقول الناس أنهم فعلوا} أن يقول الناس أنهم قد فعلوا وبذلوا وجاهدوا وضحوا وهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك وإنما كانوا يبحثون عن الدنيا وينبذون الكتاب وراء ظهورهم ويشترون به ثمنا قليلا ونحن نحذر من هذه الصفة . إحذر يا مسلم أن تتزيَّ أمام الناس بأنك من العُبّاد أو ممن يصلون الفجر ومن يقومون بأمر الدين وأنت لست كذلك . هذه وصية. في عصر الإعلام يحاول بعض الناس التزي بشيء ليس فيه من قريب أو بعيد يعني يظهر أنه من أهل الدين والإصلاح وهو من أهل الإفساد وأهل الفجور. نحذر أن نتصف بهذه الصفة.
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ختام لسورة آل عمران هذه السورة العظيمة التي يتحدث سبحانه وتعالى في أولها عن النصارى ثم غزوة أحد وطال الحديث فيها ثم يرجع الآن كما ختم سورة البقرة { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة} هنا نفس القضية يقول الله سبحانه وتعالى { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. افهم من هذا أنه يأتي بيان ملكية الله للأشياء بعدما يذكر الأمر والنهي والتفاصيل يقول انتبهوا يا عبادي المُلك لي وحدي وأنتم عبادي وأنا المتصرف في ملكي كيف أشاء خصوصا بعد ربطها بالبقرة. وجاء بنفس اللفظ تقريبا في سورة آل عمران وبعد الأوامر. لا يُسأل عما يفعل. خذوها مأخذ الجد وقوموا بها فأنتم عبيد لله والله هو المالك لكم والمتصرف فيكم والذي بيده كل شيء من شؤونكم.
ثم ختام عجيب للسورة { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ثم يذكر من صفاتهم { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لاحظ كيف يذكر مواطن العبد في عبادته لربه سبحانه وتعالى وخلوته مع ربه وذكره له في قيامه وقعوده وعلى جنبه . وهناك فائدة تأمل عندما ذكر مواطن العبادة قال (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) قدم القيام لأنه أشرف ولأن الأصل في العبادة أن تصلي قائما. ولكن لما ذكر المرض { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس} قدم المضجع لأن الأصل في المريض أن يكون مضجعا فبدأ من تحت مراعاة لحالته. لأن المريض كلما كان مضجعا كان أشد مرضا قال دعانا لجنبه وهذا أدعى للإجابة أو قاعدا أخف. أما هنا ذكر العبادة قياما وهو الأصل. وبعضهم قال القنوت وهو طول القيام ثم بعدها قاعدا ثم على جنوبهم. وأيضا فيها أن الذكر يقال في كل الأحوال وليس في حالة واحدة فقط وما يكون من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله في كل أحواله. قالت عائشة رضي الله عنها تصف النبي صلى الله عليه وسلم { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: العلل الكبير – الصفحة أو الرقم: 360. خلاصة الدرجة: صحيح}. يعني في الفراش وعندما يقوم وعندما يصلي وعندما يدخل ويخرج من الخلاء وعندما يركب, أي في كل الأحوال. ولا يكون الإنسان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يكون كذلك. تصور لو كان الذكر مثل الصلاة لا يكون إلا في أوقات مخصوصة وطريقة مخصوصة سيكون صعباً.{ أن رجلا قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله . الراوي: عبدالله بن بسر المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 3375. خلاصة الدرجة: صحيح}
لاحظوا أن من فضل الله علينا أن علمنا كيف نذكره . علمك ما هو الذكر الذي تقوله لتذكره به. أمرك أن تذكره ثم فال إذا أردت أن تذكرني فقل كذا وكذا. حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوم القيامة أنه يأتي فيسجد بين يدي الله {………. فأنطلق ، فآتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي ، ثم يفتح الله علي ، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ، ثم يقال : يا محمد ! ارفع رأسك ، سل تعط ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي ، فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب …. الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1466. خلاصة الدرجة: صحيح} أي يفتح علي أن أذكره بأشياء جديدة. كذلك هنا هذا من فضل الله علينا عندما قال هنا قولوا { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}. ما أجمل التعليم! يعلمك كيف تدعوه ويبشرك أنه يستجيب لك وهذه لا تكاد تجدها في كتب أهل الكتاب تعليم العبد كيف يذكر ربه. ولذلك نلاحظ في الاية { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} هذه تعلموها من ربهم { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا (27) ص }. علمه كيف يدعوه. هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يذكرها إذا قام من الليل في العشر آيات الأخيرة من آل عمران قبل أن يصلي. وهذا يعطيك تنبيه لماذا خص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآيات؟ لأن هذه الآيات فيها تذكير بهذه العبادة عبادة الذكر والتفكر والأدعية عندما تقولها في ظلام الليل والإنسان مستقبل عبادة من أشرف العبادات وهي قيام الليل ويتلو هذه الآيات ستجد أنها مناسبة. أقول اختارها صلى الله عليه وسلم أو أوحي إليه بها وهي بالفعل في مكانها وأقول هذه سنة فاعملوا بها لتعلموا أن هذه الآيات وضعت في مكانها خصوصاً إذا علمنا أنها بدأت بأمر بيان عظمة الرب من خلال رؤية مخلوقاته { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} . من هم أولوا الألباب؟ هم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} . هم يخرجون من الذكر إلى التفكر ويتفكرون في السماوات والأرض ثم يدعون أي بدأوا بالذكر ثم عادوا إلى الذكر وهو الدعاء { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . وهناك أمر أتمنى ألا يغفل عنه الإنسان. يظن الناس أن الذكر باللسان ولكن الحقيقة أن الذكر بالقلب ولكنه يظهر على اللسان تقول نسيت شيء فذكرته أي ذكرته بقلبك. أفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان. ذكر اللسان ذكر محمود ولكن أفضل منه وأعظم ذكر القلب لأنه هو الأصل. وهو الذي يطهر القلب ويزكي القلب ويتحرك به القلب وهو الذي ينسى ويغفل. لاحظ { لِأُولِي الْأَلْبَابِ} إشارة أن ذكر الله دليل على عقل صاحبه، الرجل كلما زاد ذكرك لله دل ذلك على عقلك وأنت صاحب لب وأنك فعلاً رجل عاقل لأنك تكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن المتدبرين له والعاملين به على أكمل وجه .