الحلقة الرابعة
تأملات في سورة النساء الآية (3)
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3))
قوله سبحانه وتعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) دخلنا في موضوع آخر متعلق باليتامى في البداية كان الحديث عن المال والآن مرتبط بالزواج، والبعض يستغرب من نظم الآية ففيه غرابة لأنه مرتبط بسبب النزول من جهة وأيضاً مرتبط بحقوق اليتامى من جهة أخرى.
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) قال بعض المفسرين ومنهم أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري : إن الخوف هنا بمعنى العلم يعني وإن علمتم ألا تقسطوا في اليتامى، فقال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) والمراد بالقسط هنا العدل بمعنى وإن خفتم أو تبين لكم أنكم لن تعدلوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم، فالنظم هنا فيه غرابة لا يبيّنه إلا سبب النزول.
سبب النزول:
هذه الآية تُشكل على كثير من الناس بل إنه قد جاءني مرة في المسجد رجلان اختلفا اختلافاً شديداً حول معنى هذه الآية وما سر البداية بها بهذه الصورة فلما كشفت لهما عن سر النزول زال عنهما كل العجب والاندهاش السابق وهذا يبين أنه ينبغي أن لا نستقل بفهم القرآن لمجرد ألفاظه بل نحتاج إلى الروايات وكلام والسلف وما قاله السابقون فيما يحيط بهذه الآية سواء ما يتصل بأسباب النزول أو بالناسخ والمنسوخ أو بقصة الآية وما يتصل بها.
والإمام البخاري روى عن السيدة عائشة رضي الله عنها ” أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها ، وكان لها عذق ، وكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها في نفسه شيء ، فنزلت فيه : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى }. أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله . الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4573، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ” يمسك هذه اليتيمة لأجل هذا العذق لا يطمع فيها هي وإنما يطمع بما عندها.
وروى البخاري أيضاً ” أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } . فقالت : يا ابن أختي ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال عروة : قال عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله : { ويستفتونك في النساء } . قالت عائشة : وقول الله تعالى في آية أخرى : { وترغبون أن تنكحوهن } . رغبة أحدكم عن يتيمته ، حين تكون قليلة المال والجمال ، قالت : فنهوا – أن ينكحوا – عمن رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال . الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4574، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ”
الرجل قد لا تقوى نفسه على أن يعطي اليتيمة ما يعطيه لغيرها إذا نكحها فيقال له إتق الله صحيح أنت الولي وأنت المسؤول وليس هناك أحد يحاسبك قللت الصداق أو أكثرته وهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها فالله عز وجل يقول لك إتق الله ما دمت لا تستطيع أن تحمل نفسك على العدل في حقها وإعطائها صداقاً تعطيه لغيرها من النساء فحريٌّ بك أن تتركها ويأتيها رجل أنت تحاسبه على أي نقص في صداقها وأنت تنكح ما طاب لك من النساء وخيّره الله ولم يقل له تنكح مرة واحدة أخرى بل مثنى وثلاث ورباع فلماذا تضيّق على نفسك وتأتي إلى المكان الضيّق الذي قد يصيبك منه إثم كبير.
وعائشة رضي الله عنها بيّنت معنى القسط أنه العدل وأنه القسط أي الحقّ المستوجب لها وهو واحد لأنه من العدل إعطاؤها الحق المستوجب لها من الصداق أنها تُعامل بمثل ما تعامل به مثيلاتها. فإذا تبيّن هذا الآن تبين قضية النظم بعضه ببعض انتقلنا من حال اليتامى وأموالهم إلى حال اليتامى وأزواجهم.
ولا بد من الإشارة إلى لغة السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تفسّر فلغتها في غاية الروعة ولذلك ننصح بقراءة كلامها في كتب السيرة وكتب السنة وعائشة رضي الله عنها من أفصح الصحابة وكانت حافظة للشعر وحافظة للأدب.
والأمر الثاني أن الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) إذا جمعناها مع الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) النساء) نجمع هذه الآية مع هذه الآية يتضح المعنى. مستشرق ألماني إسمه بارت كان يتحدث عن هذه الآية من باب التفسير الموضوعي يقول هذه الآية لا يمكن أن تُفهم بمفردها -ومنهج التفسير الصحيح أن سبب النزول مؤثر في فهم الآية ولذلك الذين يهونون من شأن سبب نزول الآية ويقولون أنه ليس مهماً ويمكن أن تفهم القرآن الكريم بدون معرفة سبب النزول هذا غير صحيح وهناك آيات كثيرة لا يمكن أن تفهمها فهماً صحيحاً إلا إذا عرفت سبب النزول مثل هذه الآية- لكن على افتراض أنه هوّن من شأن سبب النزول لجأ إلى الحل الآخر وقال: ولا يمكن أن تفهم هذه الآية إلا إذا ضممنا لها الآية التي في السورة نفسها وهي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) لا شك أنها توضح المعنى وعائشة رضي الله عنها استشهدت بها. وتفسير القرآن بالقرآن يحل مشكلة عند بعض الذين لا يعتبرون أسباب النزول ولا يرونه كافياً. فالعناية بسبب النزول لا بد منه.
سؤال: هل إرشاد الولي هنا أو إتاحة الفرصة له أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع مقتصر على هذه الظروف أو هي متاحة لكل أحد؟
هي بلا شك متاحة لكل أحد ولكن الله عز وجل يقول له لا تضيق على نفسك فقد أبحت لك كما أبحت لسائر الناس أن يعددوا فيتزوجوا الواحدة والاثنتان والثلاث والأربع وأن يجمعوا بين الأربع فلماذا أنت يضيق نظرك على أن تصل إلى موطن فيه إثم عليك عندما تتوقع أن لا تعدل مع هذه اليتيمة.
هناك كاتبة -والنساء بصفة عامة يعارضن التعدد طبعاً لا شرعاً ولو يم يرد به الشرع لكان لهم شأن آخر -الكاتبة تقول التعدد غير مباح على الإطلاق، فلما سئلت عن دليلها قالت دليلها أن إباحة التعدد في سورة النساء مخصوص بحالات وهي حالات الأولياء الأوصياء على اليتيمات اللاتي ليس له رغبة أن ينكحها أو أنه سيظلمها فقال له الله لا تظلم هذه اليتيمة فتعال نعطيك فرصة أن تتزوج أربعة، تقول فقط في هذه الحالة أما غير هذه الحالة فلا يجوز له أن يعدِّد. وهذا ردٌ مضحك ونحن نقول لو كان مجال الاستدلال عندنا هو مجرد هذه الآية يمكن أن يقال هذا ولكن نحن عندنا دين وعندنا أصول وقواعد فهل نهدم تلك الأصول لأجل فهم خاطئ للآية؟! هل فهم الصحابة هذا الفهم؟ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدّد لم يكن عنده يتيمات. للأسف هذا نوع من التعبير عن ألوان الهوى، وصاحب الهوى يبحث عما يدعم به هواه بأي صورة. عندنا مئات وعشرات من القواعد والأصول التي نستند عليها لإباحة وحلّية التعدد فهل نأتي لهذا الفهم من هذه الكاتبة هداها الله لنردّ بها شرع الله عز وجل؟! لنفترض جدلاً لو وافقنا هذه الكاتبة في فهمها لهذه الآية فما هو حالها مع القرآن في غيره؟ بمعنى أنه إن كانت تلزم غيرها به فيجب أن تلزم نفسها بغيره من الأوامر وسنجد عندها من الخطأ والخلل والمخالفات لدين الله الشيء الكثير معناه أن دين الله لا يعنيها بشيء وإنما أرادت فقط أن تستند إلى ما يستند إليه فقط. أحياناً بعض الشبهات يكون معها ما يشبه الدليل فيظن القارئ له أو غير العارف بأصول التفسير ورأي العلماء فيه يظن أن رأيها جميل وأن هذه الآيات نزلت في اليتيمات وفي أوليائهم ثم إن الله ترك لهم الفرصة فكلامها جميل وناسب أن يقول ذلك. وهناك فهم آخر لهذه الآية يقول أحد الكتاب أنه يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من أربعة بدليل هذه الآية (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء) لأنه جمع بين اثنتين وثلاثة وأربعة فصارت تسعة وقال الآية دلالة واضحة أن المسألة مفتوحة بدليل (ما طاب لكم) ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وهو تزوج تسع فلماذا غاب عن العلماء هذا الفهم الدقيق الذي وفقني الله إلى الانتباه إليه ويرى أنه لم يُسبق إليه! وهذا المذهب ذهب إليه بعض الروافض وهو مخالف لإجماع المسلمين ومخالف للغة نفسها والزجّاج بيّن أن البعض فهموا هذا المعنى وأن هذا مخالف للغة فلا تعني مثنى وثلاث ورباع أن تجمعها على بعضها وإنما تأخذ هذا أو هذا أو هذا. مثل ما في سورة فاطر (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (1) فاطر) فصاحب الثلاث ليس هو صاحب الرباع وصاحب الرباع ليس هو صاحب الثلاث ولذلك نقول لا بد من فهم لغة العرب والتفقه بلغة العرب والحرص عليها حتى نفهم القرآن بشكل صحيح وهذا القول ليس من باب الترف ولا من باب التقعّر وإنما لأنك إن لم نفعل ذلك سندخل في متاهات كبيرة ونفهم فهماً خاطئاً لا يريده الله ولا رسوله.
والإنسان أحياناً يحاول أن يقتنص وينسى أن هناك أشياء أخرى تكتنف الدليل وتسمى شبهة دليل وهي ليست بدليل وقال أحدهم الإسلام جاء بتحريم التعدد فقلت أين ذلك؟ قال (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3)) فقلت أكمل الآية (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فقال وفي السورة نفسها قال تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ (129)) إذن النتيجة لن تستطيعوا أن تعدلوا إذن هي واحدة. فقلت يا أخي بارك الله فيك هل فهم أحد قبلك هذا الفهم من سلف الأمة الذين عرف عنهم أنهم يعددون؟ هذا فيه اتهام لجيل الصحابة أنهم ما فهموا هذا الدين! فسألته هل تعرف معنى العدل المذكور في الآية الأولى ومعنى العدل المذكور في الاية الثانية؟ قال: لا، قلت لا، قد ترد الكلمة في كتاب الله عز وجل في أكثر من موطن وكل موطن لها معنى، مثل كلمة الكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) مقصود به القرآن، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ (49) الكهف) مقصود به كتاب الأعمال وقد يقصد به التوراة والإنجيل. فقلت العدل المذكور في قول الله تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ (129) النساء) الله عز وجل يقرّ التعدد لأنه يقول (فلا تميلوا) يعني الشيء الذي لا تطيقونه في العدل هو الشيء الخارج عن إرادتكم وهو الميل القلبي، هناك مجال للعدل في الحياة الزوجية وهو القسم في الأشياء الظاهرة المبيت والنفقة وما إلى ذلك أما الأشياء التي لا تطيقونها فإن الله سبحانه وتعالى قد رفع عنكم وعفا عنكم فيها حتى ميل القلب بين الأولاد، قول اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أمر بالعدل ومع ذلك أظن كل أب يعلم من نفسه أن هناك من أبنائه من هو أقرب من غيره ومع هذا لا يحاسب عليه الإنسان لأنه خارج عن التكليف وخارج عن الطوق والقدرة أما العدل المادي فمطلوب أن تنفق عليهم سواء. ولذلك يقول الشافعي: ناظرت أربعين عالماً فخصمتهم وناظرني جاهل واحد فخصمني.
قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3)) النكاح هنا يراد به الزواج وقد يرد النكاح بمعنى الوطء، وقف العلماء عند (ما) مع أن الذين يتحدث عنهم من العقلاء (مَنْ للعاقل وما لغير العاقل في الأكثر) فمجيء (ما طاب) يحتاج لنظر فقالوا (ما طاب) بمعنى الطيب وهي في موطنها للصفة وليست للذات لكن بعض العلماء فهم أنها جاءت للذات فقال لِمَ عُبِّر عن (ما) هنا بدل (من)؟ فنقول أن (ما) هنا جاءت في مكانها لأن التعبير هنا بمعنى الطيب أي انكحوا الطيب والطيب حال وصفة وليست ذات فجاءت (ما) في مكانها. وفي هذه الآية مشروعية البحث عن الطيب من النساء بمعنى أن يجتهد الإنسان لنفسه في ذلك فلا يلام الإنسان في بحثه عن المرأة ذات الدين والجمال والمنصب ونحو ذلك لأن هذا كله من الطيب المطلوب بحسب أذواق الناس ولذلك هي تركت مطلقة مفتوحة فما يطيب لك قد لا يطيب لآخر. وأنت عليك أن تجتهد في هذا الأمر ولا تلام وعليك أن تسال وتتحقق هذه المرأة كيف صفتها كيف إخوانها كيف أخواتها كيف طولها كيف شعرها لأنك تبحث عن الطيب والله أمرك أن تبحث عن الطيب وإن كان البعض قد بالغ في هذه المسألة بحيث أنه لا يجد ذلك البشر لأنه يبحث عن صفات كاملة. ومن باب الفائدة رأيت أن أكثر المتشددين هم الذين يبتلون فعليك أن تجتهد وتتوكل على الله.
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) قد يُفهم من هذه الآية فأن يها إتاحة الفرصة للرجل أن يختار ما يشاء وليس هناك خيار للمرأة في هذا السياق في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لا تنكح البكر حتى تُستأمر فهناك المرأة تملك أن تقبل أو لا تقبل لكن ليس من عادة المرأة أن تخرج وتبحث عن الرجل ليخطبها وهذا من تكريم المرأة أنها دائماً مطلوبة وليست طالبة. هنا ذكر الله أن الرجل يبحث عما يطيب له والمرأة من حقها أن تقبل أو لا تقبل وهذا لا شك أنه تكريم.
والسؤال الذي يقع لماذا أبيح للرجال التعدد ولم يبح للنساء؟ أو لماذا لم يكن الزواج بواحدة فقط؟ لا شك أن دراسة مثل هذه الموضوعات مع الجانب الشرعي تحتاج إلى من عنده عقل ولديه قدرة على الاحتجاج. وقد دعت بعض النساء أن تتزوج المرأة بأكثر من رجل وهذا من الغفلة في جميع الشرائع هذا لا يوجد، هذه غفلة عن أمر أصله في العقل وهذا قد حصل من أحد أساليب البغايا الذي كان في الجاهلية أن المرأة تعرض نفسها على أكثر من رجل فإذا جاء الولد تختار هي الرجل الذي تنسب إليه الولد، تجمعهم ثم تقول لهم يا فلان أنت أبوه، هذا ليس نكاحاً وإنما من السفاح وهو ليس من صور النكاح الشائعة المعروفة. نحن نحتاج إلى العقل وبعض الحجج العقلية لتزيل هذه المشكلة عند الذي عنده شبهة في هذا الأمر. وهناك دراسات في هذا الجانب منها قدرة الرجل على التعامل مع أكثر من امرأة وعدم قدرة المرأة على التعامل مع أكثر من رجل. ومن الناحية الطبية أفاد بها الدكتور عبد المحسن المطيري أنه خلال العلاقة بين الرجل والمرأة ودخول جسم غريب إلى جسم المرأة فالمرأة تكون مع الأيام مطهِّر خاص لما يأتيها من الرجل بحيث تعقم المكان تماماً وهذا يأتي مع الأيام ويتأقلم هذا المطهِّر مع الرجل وحده ولذلك يقول البغايا من أشنع من يرى منهن أنهن ذوات روائح منتنة جداً. ويذكر الدكتور عبد المحسن أن رجلاً أراد أن يدخل على بغيّ في فندق -نسأل الله السلامة – فلما دخل الغرفة فإذا برائحة مثل رائحة البالوعة فقال أخذت الفوطة من أول الغرفة ووضعها على أنفه. وهذا أمر معروف عند البغايا لأن هذا الرجل يأتي ويأتي غيره وغيره وكل واحد يأتيها فتجتمع أوساخ وقاذورات هؤلاء الرجل فيها فيصبح الجسم يضطرب ولا يعرف ماذا يعقِّم لأن المعقّم لرجل واحد يحتاج لفترة حتى يتأقلم مع هذا الجسم. وهذا يبين لنا الحكمة العظيمة في هذا التشريع الرباني المتسق مع العقل والفطرة واتفقت عليه الأديان كلها والله تعالى سبحانه هو الذي خلق وهو أدرى بهذه الأمور ولذلك من بداية السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1)) فالخالق هو الذي يرتب هذه الأمور ولهذا النقاش مع أمثال هؤلاء يجب أن يكون مبنياً على إيمان هؤلاء بالله وبما أنزله أو عدمه فإذا كانوا يؤمنون فإذن كأنهم يعترضون على الله وهذا لا مجال فيه للمخاصمة.
والمرأة بطبيعتها تنزعج من مسألة التعدد وإن كانت تؤمن به شرعاً ولهذا قد تسمع منها كلاماً ظاهره قد يكون مخالفاً للشرع وهي لا تقصد هذا وإنما هذا طبعها، فلا يوجد إلا النوادر من النساء اللواتي يرضين بالتعدد. قضية التعدد تثار الآن بشكل كبير ويطعن فيها ويطعن في الشرع الإسلامي وأن هذا انتهاك للمرأة وكرامتها بينما مسألة التعدد هو السبيل الوحيد الذي يحل مسألة العنوسة وحتى طمع الرجل في أكثر من امرأة ففي المجتمعات الغربية حيث التعدد غير جائز فبديل الرجل الذي يطمع في أكثر من امرأة هو معاشرة النساء وقد يكون للبعض مئات اللواتي عاشرهن وانتهت العلاقة بهن وهذه تحصل مع رجال مثقفون وأحدهم طبيب سجل عدد العلاقات التي أقامها مع نساء فبلغت 150 امرأة. فالتعدد من احترام المرأة وتقدير المرأة.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) وقال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) يعبر عن الخوف والمفسرون يقولون أنه يعني به العلم فلماذا يعبر القرآن في مثل هذه المواضع عن العلم بلفظ الخوف؟ ورد تعليل جميل لأهل اللغة يقول أن الخوف هو الذي يبعثك على العلم وأن الجهل هو من أكبر أسباب الخوف وأن العلم من أكبر أسباب الطمأنينة فالذي يقودك إلى التعلم شيء من الخوف والبحث عن المعرفة أو الخوف من الوقوع في مخالفة فيكون الخوف دافعاً للتعلم. وقد ذكر العلم في القرآن الكريم في سورة الممتحنة (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (10)) فعبّر عن فكرة واحدة وهي غلبة الظن لأنه (وإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ) هذا ظنّ لأنه لن تتيقن أنك لن تقسط كما أنك لن تتيقن أنك لن تعدل، فهنا مجال للخوف يعني أنت تخاف فعلاً ويغلب على ظنك أنك لن تعدل ولن تقسط فلك الحق أن تخاف لأنك إن لم تعدل فأنت جدير بالخوف من العقوبة، وهذا من دقائق اللغة فالذي يأتي لظاهر اللفظ وليس عنده تعمق في اللغة سيقع في إشكالات مثل قوله تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) النبأ) مع أنه جاء متوقعاً حصول الخير والكفار لا يؤمنون بالبعث أصلاً فالحال مع هؤلاء كيف يقال (لَا يَرْجُونَ)؟ مثل هذه التعبيرات وقف عندها علماء اللغة وبينوا دقة التعبير بهذا اللفظ في هذا الموطن في هذا السياق وأن المراد بـ(لا يرجون) لا يخافون لأنه عكس الرجاء وجاء بعكس الرجاء لأنه أريد عكس الرجاء وجاء به لفظ الرجاء. نحن ندعو من يقرأ في التفسير أن يعنى بهذه الأمور عناية تامة جداً وأن يلتفت لمثل هذه الدقائق هذا لكي يفهم بلاغة القرآن العالية. المفسرون ذكروا أن (خفتم) في الآية بمعنى علمتم ولكن لماذا جاء التعبير بالخوف عن العلم هذا لا شك لأنه هذا السر البديع في البلاغة وأنه فعلاً من يغلب على ظنه أنه لن يعدل بين زوجاته فإنه جدير أن يخاف وأن يتوقف.
كيف يعرف الإنسان الأشياء التي ينبغي أن يتحسسها من نفسه حتى يعلم أنه لا يستطيع العدل؟
أولاً: الموارد المالية لما يعلم أن موارده شحيحة فإذا جاء بامرأة أخرى فسيكون هناك مشكلة في الصرف على اثنتين إما أن يعطي هذه ويعطي هذه وإما يزيد لهذه قليلاً وينقص لهذه قليلاً فيبقى في حرج شديد
والثانية: الجانب العاطفي النفسي لأنه قد يكون من النوع الذي إذا أحبّ أسرف في الحب وإذا أبغض أسرف في البغض هذا لا يصلح للنساء ولا يصلح أن يدير بيتاً فقد بيقى الأسبوع والأسبوعين هاجراً لزوجته لأنها قالت له كلمة.
الثالث: البدني أن تكون قدرته على إشباع كل زوجاته جنسياً وهذه قضية مهمة وبعض الناس يستهينون بها فقد يتزوج مثلاً فتاة شابة صغيرة وعنده زوجته الأولى يبقى في حرج شديد فقد يجد شهوته عند الصغيرة وينسى الكبيرة فيخلّ في هذا الأمر وينسى أن هذا حق لله عز وجل أوجبه أن يؤديه لهذه الكبيرة ما دامت زوجته لها حقوق فيجب أن يعطيها حقها.
بعض الناس من خلال هذه الآية يتخذ التطبيقات الخاطئة ذريعة لمنع الحكم أو الاعتراض عليه ونقول أنه يجب أن نفصل بين الحكم والتطبيقات، الذي حكم هو الله سبحانه وتعالى لا إشكال فيه البتة ولكن يشتبه في التطبيقات. ونجد في كثير من القضايا أن التطبيقات غير الصحيحة لقضايا الإسلام تنجر على الإسلام وهذا خطأ. لما نأتي إلى قانون وضعي مثل قضية الإشارة التي وضعت لتنظيم الناس والإشارة قد تكون مشكلة أحياناً فلا يمكن أن يقال ألغوا جميع الإشارات إذا كان التطبيق لبعضها خاطئاً!
والعجيب أن قضية تعدد الزواج في الإسلام قد تكون القضية الأولى التي يعترض بها الغربيون والنصارى وأعداء الإسلام على الإسلام ففي أي مجمع تذهب إليه في أي جامعة أوروبية تلقي درساً أو محاضرة أو يتاح لك فرصة للكلام تجدهم يطرحون سؤالاً واحداً: لماذا يبيح الإسلام التعدد؟ وهذا إهانة للمرأة، فنقول لهم ليس الإسلام وحده جاء بالتعدد وإنما كل الشرائع السابقة فيها تعدد وفي الإنجيل والتوراة وحتى في الجاهلية وحتى الآن في افريقيا عندهم تعدد، سليمان عليه السلام وداوود كان لهم عدة زوجات والإسلام ما جاء إلا بقصرهم على أربعة، ولذلك لما أسلم غيلان كان عنده عشراً فقال له صلى الله عليه وسلم أمسك أربعاً وسرّح سائرهن. الإسلام جاء وهذه قضية معروفة ومتعارف عليها فهذا شيء مستغرب كيف يغفل عن هذه الحقائق الموجودة عند السابقين وحتى عند الوثنيين الآن ولم نسمع أحداً اعترض على الوثنيين لكن هناك مسألة أن هذه علامة أن الإعلام شوه هذه المسألة بشكل عجيب وأكثروا الأفلام والمسلسلات أن الذي يعدد رجل فاشل ظالم منحرف وأن الأصل الزواج بواحدة لدرجة أن المرأة ترضى أن يكون لزوجها عشيقات ولا يكون له زوجة! وهذا التعدد كان موجوداً في آبائنا وأجدادنا وكانوا يجمعون بين ثلاث أربع نساء في بيت واحد ويحل مشاكل كثيرة.
أراد أحدهم أن يبين أن الإعلام هو السبب محاربة التعدد وهو بريطاني أنشأ مسرحية اختلق مشكلة حلها لا يكون إلا بالتعدد لكن كلما جاؤوا يتحدث بالمشكلة يصلون إلى التعدد فيتوقفون ويرجعون، مثلاً رجل عنده امرأة وهذه المرأة أصيبت بشلل كامل وهو في صحة شبابه، ما الحل؟ تجده يأتي بخادمة ثم يأتي بحل ثاني وثالث وفي كل هذه المشاهد يكون الحل المناسب هو التعدد ويظهر في النهاية أنهم أعرضوا عن حل التعدد لمعنى حضاري، لأنه موجود في الإسلام نحن نحاربه فقط لا غير وإلا في الحقيقة هو حل لحالات عديدة. وذكر أحد المحللين الاقتصاديين الألمان أن الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية الموجودة الآن هو الاقتصاد الإسلامي فلما قيل له لماذا لا توصي باعتماده قال لا أستطيع! (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم (109) البقرة) بيّن سبحانه وتعالى أنه مهما كنا منفتحين معهم فلهم طريقهم التي يسيرون فيها ولن يتفقوا معنا. ويؤكد هذه الحقيقة ويرد على الغرب رداً بليغاً أن أكثر من يسلم من الغربيين هم النساء من حين ما تعلم عن العدل والرحمة المفروضة على الزوج تجاه الزوجات من العدل بينهن والإنفاق عليهن وحفظهن أول ما تسلم تقول أريد زوجاً فيقال لها ليس هناك إلا رجل متزوج تقول لا مانع أن أكون الثانية أنا فقط أريد رجلاً يحميني، وقد بلغت الخامسة الثلاثين من عمري وأخذوا زهرة شبابي والآن لا يرغب أحد بالزواج بي وقد أبقى هكذا إلى أن أبلغ الثمانين، بينما في الإسلام هذا لا يوجد ويمكنها أن تتزوج.
في عام 1416 هـ في المجر كان عدد المسلمين الأصليين 500 شخص و90% من هؤلاء نساء لأنه لا يعرف فضل الإسلام وخصوصاً في الحياة الزوجية مثل النساء لأنها ذاقت ويلات الحياة الغربية فلما تسمع أن الرجل مسؤول عنها وينفق عليها وهو القائم على شؤونها تسلم.
محاور الحلقة:
أهمية معرفة سبب النزول في فهم الآيات
رأي الإسلام في تعدد الزوجات
مشروعية البحث عن الطيب من النساء وهو أمر نسبي
طعن أعداء الدين على الإسلام لأنه شرّع التعدد
المراد بالخوف في قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ)
الخوف هو الباعث على العلم والتعلم والعلم من أكبر أسباب الطمأنينة
كيف يعلم الإنسان من نفسه أنه لن يصيب العدل
الرد على من زعم أن التعدد ظلم وتعدي على كرامة المرأة
بُثّت الحلقة بتاريخ 2 شعبان 1431 هـ الموافق 14/7/2010م
تأملات في سورة النساء الآية (3)
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3))
قوله سبحانه وتعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) دخلنا في موضوع آخر متعلق باليتامى في البداية كان الحديث عن المال والآن مرتبط بالزواج، والبعض يستغرب من نظم الآية ففيه غرابة لأنه مرتبط بسبب النزول من جهة وأيضاً مرتبط بحقوق اليتامى من جهة أخرى.
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) قال بعض المفسرين ومنهم أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري : إن الخوف هنا بمعنى العلم يعني وإن علمتم ألا تقسطوا في اليتامى، فقال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) والمراد بالقسط هنا العدل بمعنى وإن خفتم أو تبين لكم أنكم لن تعدلوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم، فالنظم هنا فيه غرابة لا يبيّنه إلا سبب النزول.
سبب النزول:
هذه الآية تُشكل على كثير من الناس بل إنه قد جاءني مرة في المسجد رجلان اختلفا اختلافاً شديداً حول معنى هذه الآية وما سر البداية بها بهذه الصورة فلما كشفت لهما عن سر النزول زال عنهما كل العجب والاندهاش السابق وهذا يبين أنه ينبغي أن لا نستقل بفهم القرآن لمجرد ألفاظه بل نحتاج إلى الروايات وكلام والسلف وما قاله السابقون فيما يحيط بهذه الآية سواء ما يتصل بأسباب النزول أو بالناسخ والمنسوخ أو بقصة الآية وما يتصل بها.
والإمام البخاري روى عن السيدة عائشة رضي الله عنها ” أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها ، وكان لها عذق ، وكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها في نفسه شيء ، فنزلت فيه : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى }. أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله . الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4573، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ” يمسك هذه اليتيمة لأجل هذا العذق لا يطمع فيها هي وإنما يطمع بما عندها.
وروى البخاري أيضاً ” أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } . فقالت : يا ابن أختي ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال عروة : قال عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله : { ويستفتونك في النساء } . قالت عائشة : وقول الله تعالى في آية أخرى : { وترغبون أن تنكحوهن } . رغبة أحدكم عن يتيمته ، حين تكون قليلة المال والجمال ، قالت : فنهوا – أن ينكحوا – عمن رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال . الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4574، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ”
الرجل قد لا تقوى نفسه على أن يعطي اليتيمة ما يعطيه لغيرها إذا نكحها فيقال له إتق الله صحيح أنت الولي وأنت المسؤول وليس هناك أحد يحاسبك قللت الصداق أو أكثرته وهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها فالله عز وجل يقول لك إتق الله ما دمت لا تستطيع أن تحمل نفسك على العدل في حقها وإعطائها صداقاً تعطيه لغيرها من النساء فحريٌّ بك أن تتركها ويأتيها رجل أنت تحاسبه على أي نقص في صداقها وأنت تنكح ما طاب لك من النساء وخيّره الله ولم يقل له تنكح مرة واحدة أخرى بل مثنى وثلاث ورباع فلماذا تضيّق على نفسك وتأتي إلى المكان الضيّق الذي قد يصيبك منه إثم كبير.
وعائشة رضي الله عنها بيّنت معنى القسط أنه العدل وأنه القسط أي الحقّ المستوجب لها وهو واحد لأنه من العدل إعطاؤها الحق المستوجب لها من الصداق أنها تُعامل بمثل ما تعامل به مثيلاتها. فإذا تبيّن هذا الآن تبين قضية النظم بعضه ببعض انتقلنا من حال اليتامى وأموالهم إلى حال اليتامى وأزواجهم.
ولا بد من الإشارة إلى لغة السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تفسّر فلغتها في غاية الروعة ولذلك ننصح بقراءة كلامها في كتب السيرة وكتب السنة وعائشة رضي الله عنها من أفصح الصحابة وكانت حافظة للشعر وحافظة للأدب.
والأمر الثاني أن الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) إذا جمعناها مع الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) النساء) نجمع هذه الآية مع هذه الآية يتضح المعنى. مستشرق ألماني إسمه بارت كان يتحدث عن هذه الآية من باب التفسير الموضوعي يقول هذه الآية لا يمكن أن تُفهم بمفردها -ومنهج التفسير الصحيح أن سبب النزول مؤثر في فهم الآية ولذلك الذين يهونون من شأن سبب نزول الآية ويقولون أنه ليس مهماً ويمكن أن تفهم القرآن الكريم بدون معرفة سبب النزول هذا غير صحيح وهناك آيات كثيرة لا يمكن أن تفهمها فهماً صحيحاً إلا إذا عرفت سبب النزول مثل هذه الآية- لكن على افتراض أنه هوّن من شأن سبب النزول لجأ إلى الحل الآخر وقال: ولا يمكن أن تفهم هذه الآية إلا إذا ضممنا لها الآية التي في السورة نفسها وهي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) لا شك أنها توضح المعنى وعائشة رضي الله عنها استشهدت بها. وتفسير القرآن بالقرآن يحل مشكلة عند بعض الذين لا يعتبرون أسباب النزول ولا يرونه كافياً. فالعناية بسبب النزول لا بد منه.
سؤال: هل إرشاد الولي هنا أو إتاحة الفرصة له أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع مقتصر على هذه الظروف أو هي متاحة لكل أحد؟
هي بلا شك متاحة لكل أحد ولكن الله عز وجل يقول له لا تضيق على نفسك فقد أبحت لك كما أبحت لسائر الناس أن يعددوا فيتزوجوا الواحدة والاثنتان والثلاث والأربع وأن يجمعوا بين الأربع فلماذا أنت يضيق نظرك على أن تصل إلى موطن فيه إثم عليك عندما تتوقع أن لا تعدل مع هذه اليتيمة.
هناك كاتبة -والنساء بصفة عامة يعارضن التعدد طبعاً لا شرعاً ولو يم يرد به الشرع لكان لهم شأن آخر -الكاتبة تقول التعدد غير مباح على الإطلاق، فلما سئلت عن دليلها قالت دليلها أن إباحة التعدد في سورة النساء مخصوص بحالات وهي حالات الأولياء الأوصياء على اليتيمات اللاتي ليس له رغبة أن ينكحها أو أنه سيظلمها فقال له الله لا تظلم هذه اليتيمة فتعال نعطيك فرصة أن تتزوج أربعة، تقول فقط في هذه الحالة أما غير هذه الحالة فلا يجوز له أن يعدِّد. وهذا ردٌ مضحك ونحن نقول لو كان مجال الاستدلال عندنا هو مجرد هذه الآية يمكن أن يقال هذا ولكن نحن عندنا دين وعندنا أصول وقواعد فهل نهدم تلك الأصول لأجل فهم خاطئ للآية؟! هل فهم الصحابة هذا الفهم؟ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدّد لم يكن عنده يتيمات. للأسف هذا نوع من التعبير عن ألوان الهوى، وصاحب الهوى يبحث عما يدعم به هواه بأي صورة. عندنا مئات وعشرات من القواعد والأصول التي نستند عليها لإباحة وحلّية التعدد فهل نأتي لهذا الفهم من هذه الكاتبة هداها الله لنردّ بها شرع الله عز وجل؟! لنفترض جدلاً لو وافقنا هذه الكاتبة في فهمها لهذه الآية فما هو حالها مع القرآن في غيره؟ بمعنى أنه إن كانت تلزم غيرها به فيجب أن تلزم نفسها بغيره من الأوامر وسنجد عندها من الخطأ والخلل والمخالفات لدين الله الشيء الكثير معناه أن دين الله لا يعنيها بشيء وإنما أرادت فقط أن تستند إلى ما يستند إليه فقط. أحياناً بعض الشبهات يكون معها ما يشبه الدليل فيظن القارئ له أو غير العارف بأصول التفسير ورأي العلماء فيه يظن أن رأيها جميل وأن هذه الآيات نزلت في اليتيمات وفي أوليائهم ثم إن الله ترك لهم الفرصة فكلامها جميل وناسب أن يقول ذلك. وهناك فهم آخر لهذه الآية يقول أحد الكتاب أنه يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من أربعة بدليل هذه الآية (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء) لأنه جمع بين اثنتين وثلاثة وأربعة فصارت تسعة وقال الآية دلالة واضحة أن المسألة مفتوحة بدليل (ما طاب لكم) ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وهو تزوج تسع فلماذا غاب عن العلماء هذا الفهم الدقيق الذي وفقني الله إلى الانتباه إليه ويرى أنه لم يُسبق إليه! وهذا المذهب ذهب إليه بعض الروافض وهو مخالف لإجماع المسلمين ومخالف للغة نفسها والزجّاج بيّن أن البعض فهموا هذا المعنى وأن هذا مخالف للغة فلا تعني مثنى وثلاث ورباع أن تجمعها على بعضها وإنما تأخذ هذا أو هذا أو هذا. مثل ما في سورة فاطر (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (1) فاطر) فصاحب الثلاث ليس هو صاحب الرباع وصاحب الرباع ليس هو صاحب الثلاث ولذلك نقول لا بد من فهم لغة العرب والتفقه بلغة العرب والحرص عليها حتى نفهم القرآن بشكل صحيح وهذا القول ليس من باب الترف ولا من باب التقعّر وإنما لأنك إن لم نفعل ذلك سندخل في متاهات كبيرة ونفهم فهماً خاطئاً لا يريده الله ولا رسوله.
والإنسان أحياناً يحاول أن يقتنص وينسى أن هناك أشياء أخرى تكتنف الدليل وتسمى شبهة دليل وهي ليست بدليل وقال أحدهم الإسلام جاء بتحريم التعدد فقلت أين ذلك؟ قال (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3)) فقلت أكمل الآية (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فقال وفي السورة نفسها قال تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ (129)) إذن النتيجة لن تستطيعوا أن تعدلوا إذن هي واحدة. فقلت يا أخي بارك الله فيك هل فهم أحد قبلك هذا الفهم من سلف الأمة الذين عرف عنهم أنهم يعددون؟ هذا فيه اتهام لجيل الصحابة أنهم ما فهموا هذا الدين! فسألته هل تعرف معنى العدل المذكور في الآية الأولى ومعنى العدل المذكور في الاية الثانية؟ قال: لا، قلت لا، قد ترد الكلمة في كتاب الله عز وجل في أكثر من موطن وكل موطن لها معنى، مثل كلمة الكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) مقصود به القرآن، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ (49) الكهف) مقصود به كتاب الأعمال وقد يقصد به التوراة والإنجيل. فقلت العدل المذكور في قول الله تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ (129) النساء) الله عز وجل يقرّ التعدد لأنه يقول (فلا تميلوا) يعني الشيء الذي لا تطيقونه في العدل هو الشيء الخارج عن إرادتكم وهو الميل القلبي، هناك مجال للعدل في الحياة الزوجية وهو القسم في الأشياء الظاهرة المبيت والنفقة وما إلى ذلك أما الأشياء التي لا تطيقونها فإن الله سبحانه وتعالى قد رفع عنكم وعفا عنكم فيها حتى ميل القلب بين الأولاد، قول اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أمر بالعدل ومع ذلك أظن كل أب يعلم من نفسه أن هناك من أبنائه من هو أقرب من غيره ومع هذا لا يحاسب عليه الإنسان لأنه خارج عن التكليف وخارج عن الطوق والقدرة أما العدل المادي فمطلوب أن تنفق عليهم سواء. ولذلك يقول الشافعي: ناظرت أربعين عالماً فخصمتهم وناظرني جاهل واحد فخصمني.
قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3)) النكاح هنا يراد به الزواج وقد يرد النكاح بمعنى الوطء، وقف العلماء عند (ما) مع أن الذين يتحدث عنهم من العقلاء (مَنْ للعاقل وما لغير العاقل في الأكثر) فمجيء (ما طاب) يحتاج لنظر فقالوا (ما طاب) بمعنى الطيب وهي في موطنها للصفة وليست للذات لكن بعض العلماء فهم أنها جاءت للذات فقال لِمَ عُبِّر عن (ما) هنا بدل (من)؟ فنقول أن (ما) هنا جاءت في مكانها لأن التعبير هنا بمعنى الطيب أي انكحوا الطيب والطيب حال وصفة وليست ذات فجاءت (ما) في مكانها. وفي هذه الآية مشروعية البحث عن الطيب من النساء بمعنى أن يجتهد الإنسان لنفسه في ذلك فلا يلام الإنسان في بحثه عن المرأة ذات الدين والجمال والمنصب ونحو ذلك لأن هذا كله من الطيب المطلوب بحسب أذواق الناس ولذلك هي تركت مطلقة مفتوحة فما يطيب لك قد لا يطيب لآخر. وأنت عليك أن تجتهد في هذا الأمر ولا تلام وعليك أن تسال وتتحقق هذه المرأة كيف صفتها كيف إخوانها كيف أخواتها كيف طولها كيف شعرها لأنك تبحث عن الطيب والله أمرك أن تبحث عن الطيب وإن كان البعض قد بالغ في هذه المسألة بحيث أنه لا يجد ذلك البشر لأنه يبحث عن صفات كاملة. ومن باب الفائدة رأيت أن أكثر المتشددين هم الذين يبتلون فعليك أن تجتهد وتتوكل على الله.
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) قد يُفهم من هذه الآية فأن يها إتاحة الفرصة للرجل أن يختار ما يشاء وليس هناك خيار للمرأة في هذا السياق في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لا تنكح البكر حتى تُستأمر فهناك المرأة تملك أن تقبل أو لا تقبل لكن ليس من عادة المرأة أن تخرج وتبحث عن الرجل ليخطبها وهذا من تكريم المرأة أنها دائماً مطلوبة وليست طالبة. هنا ذكر الله أن الرجل يبحث عما يطيب له والمرأة من حقها أن تقبل أو لا تقبل وهذا لا شك أنه تكريم.
والسؤال الذي يقع لماذا أبيح للرجال التعدد ولم يبح للنساء؟ أو لماذا لم يكن الزواج بواحدة فقط؟ لا شك أن دراسة مثل هذه الموضوعات مع الجانب الشرعي تحتاج إلى من عنده عقل ولديه قدرة على الاحتجاج. وقد دعت بعض النساء أن تتزوج المرأة بأكثر من رجل وهذا من الغفلة في جميع الشرائع هذا لا يوجد، هذه غفلة عن أمر أصله في العقل وهذا قد حصل من أحد أساليب البغايا الذي كان في الجاهلية أن المرأة تعرض نفسها على أكثر من رجل فإذا جاء الولد تختار هي الرجل الذي تنسب إليه الولد، تجمعهم ثم تقول لهم يا فلان أنت أبوه، هذا ليس نكاحاً وإنما من السفاح وهو ليس من صور النكاح الشائعة المعروفة. نحن نحتاج إلى العقل وبعض الحجج العقلية لتزيل هذه المشكلة عند الذي عنده شبهة في هذا الأمر. وهناك دراسات في هذا الجانب منها قدرة الرجل على التعامل مع أكثر من امرأة وعدم قدرة المرأة على التعامل مع أكثر من رجل. ومن الناحية الطبية أفاد بها الدكتور عبد المحسن المطيري أنه خلال العلاقة بين الرجل والمرأة ودخول جسم غريب إلى جسم المرأة فالمرأة تكون مع الأيام مطهِّر خاص لما يأتيها من الرجل بحيث تعقم المكان تماماً وهذا يأتي مع الأيام ويتأقلم هذا المطهِّر مع الرجل وحده ولذلك يقول البغايا من أشنع من يرى منهن أنهن ذوات روائح منتنة جداً. ويذكر الدكتور عبد المحسن أن رجلاً أراد أن يدخل على بغيّ في فندق -نسأل الله السلامة – فلما دخل الغرفة فإذا برائحة مثل رائحة البالوعة فقال أخذت الفوطة من أول الغرفة ووضعها على أنفه. وهذا أمر معروف عند البغايا لأن هذا الرجل يأتي ويأتي غيره وغيره وكل واحد يأتيها فتجتمع أوساخ وقاذورات هؤلاء الرجل فيها فيصبح الجسم يضطرب ولا يعرف ماذا يعقِّم لأن المعقّم لرجل واحد يحتاج لفترة حتى يتأقلم مع هذا الجسم. وهذا يبين لنا الحكمة العظيمة في هذا التشريع الرباني المتسق مع العقل والفطرة واتفقت عليه الأديان كلها والله تعالى سبحانه هو الذي خلق وهو أدرى بهذه الأمور ولذلك من بداية السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1)) فالخالق هو الذي يرتب هذه الأمور ولهذا النقاش مع أمثال هؤلاء يجب أن يكون مبنياً على إيمان هؤلاء بالله وبما أنزله أو عدمه فإذا كانوا يؤمنون فإذن كأنهم يعترضون على الله وهذا لا مجال فيه للمخاصمة.
والمرأة بطبيعتها تنزعج من مسألة التعدد وإن كانت تؤمن به شرعاً ولهذا قد تسمع منها كلاماً ظاهره قد يكون مخالفاً للشرع وهي لا تقصد هذا وإنما هذا طبعها، فلا يوجد إلا النوادر من النساء اللواتي يرضين بالتعدد. قضية التعدد تثار الآن بشكل كبير ويطعن فيها ويطعن في الشرع الإسلامي وأن هذا انتهاك للمرأة وكرامتها بينما مسألة التعدد هو السبيل الوحيد الذي يحل مسألة العنوسة وحتى طمع الرجل في أكثر من امرأة ففي المجتمعات الغربية حيث التعدد غير جائز فبديل الرجل الذي يطمع في أكثر من امرأة هو معاشرة النساء وقد يكون للبعض مئات اللواتي عاشرهن وانتهت العلاقة بهن وهذه تحصل مع رجال مثقفون وأحدهم طبيب سجل عدد العلاقات التي أقامها مع نساء فبلغت 150 امرأة. فالتعدد من احترام المرأة وتقدير المرأة.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) وقال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) يعبر عن الخوف والمفسرون يقولون أنه يعني به العلم فلماذا يعبر القرآن في مثل هذه المواضع عن العلم بلفظ الخوف؟ ورد تعليل جميل لأهل اللغة يقول أن الخوف هو الذي يبعثك على العلم وأن الجهل هو من أكبر أسباب الخوف وأن العلم من أكبر أسباب الطمأنينة فالذي يقودك إلى التعلم شيء من الخوف والبحث عن المعرفة أو الخوف من الوقوع في مخالفة فيكون الخوف دافعاً للتعلم. وقد ذكر العلم في القرآن الكريم في سورة الممتحنة (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (10)) فعبّر عن فكرة واحدة وهي غلبة الظن لأنه (وإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ) هذا ظنّ لأنه لن تتيقن أنك لن تقسط كما أنك لن تتيقن أنك لن تعدل، فهنا مجال للخوف يعني أنت تخاف فعلاً ويغلب على ظنك أنك لن تعدل ولن تقسط فلك الحق أن تخاف لأنك إن لم تعدل فأنت جدير بالخوف من العقوبة، وهذا من دقائق اللغة فالذي يأتي لظاهر اللفظ وليس عنده تعمق في اللغة سيقع في إشكالات مثل قوله تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) النبأ) مع أنه جاء متوقعاً حصول الخير والكفار لا يؤمنون بالبعث أصلاً فالحال مع هؤلاء كيف يقال (لَا يَرْجُونَ)؟ مثل هذه التعبيرات وقف عندها علماء اللغة وبينوا دقة التعبير بهذا اللفظ في هذا الموطن في هذا السياق وأن المراد بـ(لا يرجون) لا يخافون لأنه عكس الرجاء وجاء بعكس الرجاء لأنه أريد عكس الرجاء وجاء به لفظ الرجاء. نحن ندعو من يقرأ في التفسير أن يعنى بهذه الأمور عناية تامة جداً وأن يلتفت لمثل هذه الدقائق هذا لكي يفهم بلاغة القرآن العالية. المفسرون ذكروا أن (خفتم) في الآية بمعنى علمتم ولكن لماذا جاء التعبير بالخوف عن العلم هذا لا شك لأنه هذا السر البديع في البلاغة وأنه فعلاً من يغلب على ظنه أنه لن يعدل بين زوجاته فإنه جدير أن يخاف وأن يتوقف.
كيف يعرف الإنسان الأشياء التي ينبغي أن يتحسسها من نفسه حتى يعلم أنه لا يستطيع العدل؟
أولاً: الموارد المالية لما يعلم أن موارده شحيحة فإذا جاء بامرأة أخرى فسيكون هناك مشكلة في الصرف على اثنتين إما أن يعطي هذه ويعطي هذه وإما يزيد لهذه قليلاً وينقص لهذه قليلاً فيبقى في حرج شديد
والثانية: الجانب العاطفي النفسي لأنه قد يكون من النوع الذي إذا أحبّ أسرف في الحب وإذا أبغض أسرف في البغض هذا لا يصلح للنساء ولا يصلح أن يدير بيتاً فقد بيقى الأسبوع والأسبوعين هاجراً لزوجته لأنها قالت له كلمة.
الثالث: البدني أن تكون قدرته على إشباع كل زوجاته جنسياً وهذه قضية مهمة وبعض الناس يستهينون بها فقد يتزوج مثلاً فتاة شابة صغيرة وعنده زوجته الأولى يبقى في حرج شديد فقد يجد شهوته عند الصغيرة وينسى الكبيرة فيخلّ في هذا الأمر وينسى أن هذا حق لله عز وجل أوجبه أن يؤديه لهذه الكبيرة ما دامت زوجته لها حقوق فيجب أن يعطيها حقها.
بعض الناس من خلال هذه الآية يتخذ التطبيقات الخاطئة ذريعة لمنع الحكم أو الاعتراض عليه ونقول أنه يجب أن نفصل بين الحكم والتطبيقات، الذي حكم هو الله سبحانه وتعالى لا إشكال فيه البتة ولكن يشتبه في التطبيقات. ونجد في كثير من القضايا أن التطبيقات غير الصحيحة لقضايا الإسلام تنجر على الإسلام وهذا خطأ. لما نأتي إلى قانون وضعي مثل قضية الإشارة التي وضعت لتنظيم الناس والإشارة قد تكون مشكلة أحياناً فلا يمكن أن يقال ألغوا جميع الإشارات إذا كان التطبيق لبعضها خاطئاً!
والعجيب أن قضية تعدد الزواج في الإسلام قد تكون القضية الأولى التي يعترض بها الغربيون والنصارى وأعداء الإسلام على الإسلام ففي أي مجمع تذهب إليه في أي جامعة أوروبية تلقي درساً أو محاضرة أو يتاح لك فرصة للكلام تجدهم يطرحون سؤالاً واحداً: لماذا يبيح الإسلام التعدد؟ وهذا إهانة للمرأة، فنقول لهم ليس الإسلام وحده جاء بالتعدد وإنما كل الشرائع السابقة فيها تعدد وفي الإنجيل والتوراة وحتى في الجاهلية وحتى الآن في افريقيا عندهم تعدد، سليمان عليه السلام وداوود كان لهم عدة زوجات والإسلام ما جاء إلا بقصرهم على أربعة، ولذلك لما أسلم غيلان كان عنده عشراً فقال له صلى الله عليه وسلم أمسك أربعاً وسرّح سائرهن. الإسلام جاء وهذه قضية معروفة ومتعارف عليها فهذا شيء مستغرب كيف يغفل عن هذه الحقائق الموجودة عند السابقين وحتى عند الوثنيين الآن ولم نسمع أحداً اعترض على الوثنيين لكن هناك مسألة أن هذه علامة أن الإعلام شوه هذه المسألة بشكل عجيب وأكثروا الأفلام والمسلسلات أن الذي يعدد رجل فاشل ظالم منحرف وأن الأصل الزواج بواحدة لدرجة أن المرأة ترضى أن يكون لزوجها عشيقات ولا يكون له زوجة! وهذا التعدد كان موجوداً في آبائنا وأجدادنا وكانوا يجمعون بين ثلاث أربع نساء في بيت واحد ويحل مشاكل كثيرة.
أراد أحدهم أن يبين أن الإعلام هو السبب محاربة التعدد وهو بريطاني أنشأ مسرحية اختلق مشكلة حلها لا يكون إلا بالتعدد لكن كلما جاؤوا يتحدث بالمشكلة يصلون إلى التعدد فيتوقفون ويرجعون، مثلاً رجل عنده امرأة وهذه المرأة أصيبت بشلل كامل وهو في صحة شبابه، ما الحل؟ تجده يأتي بخادمة ثم يأتي بحل ثاني وثالث وفي كل هذه المشاهد يكون الحل المناسب هو التعدد ويظهر في النهاية أنهم أعرضوا عن حل التعدد لمعنى حضاري، لأنه موجود في الإسلام نحن نحاربه فقط لا غير وإلا في الحقيقة هو حل لحالات عديدة. وذكر أحد المحللين الاقتصاديين الألمان أن الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية الموجودة الآن هو الاقتصاد الإسلامي فلما قيل له لماذا لا توصي باعتماده قال لا أستطيع! (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم (109) البقرة) بيّن سبحانه وتعالى أنه مهما كنا منفتحين معهم فلهم طريقهم التي يسيرون فيها ولن يتفقوا معنا. ويؤكد هذه الحقيقة ويرد على الغرب رداً بليغاً أن أكثر من يسلم من الغربيين هم النساء من حين ما تعلم عن العدل والرحمة المفروضة على الزوج تجاه الزوجات من العدل بينهن والإنفاق عليهن وحفظهن أول ما تسلم تقول أريد زوجاً فيقال لها ليس هناك إلا رجل متزوج تقول لا مانع أن أكون الثانية أنا فقط أريد رجلاً يحميني، وقد بلغت الخامسة الثلاثين من عمري وأخذوا زهرة شبابي والآن لا يرغب أحد بالزواج بي وقد أبقى هكذا إلى أن أبلغ الثمانين، بينما في الإسلام هذا لا يوجد ويمكنها أن تتزوج.
في عام 1416 هـ في المجر كان عدد المسلمين الأصليين 500 شخص و90% من هؤلاء نساء لأنه لا يعرف فضل الإسلام وخصوصاً في الحياة الزوجية مثل النساء لأنها ذاقت ويلات الحياة الغربية فلما تسمع أن الرجل مسؤول عنها وينفق عليها وهو القائم على شؤونها تسلم.
محاور الحلقة:
أهمية معرفة سبب النزول في فهم الآيات
رأي الإسلام في تعدد الزوجات
مشروعية البحث عن الطيب من النساء وهو أمر نسبي
طعن أعداء الدين على الإسلام لأنه شرّع التعدد
المراد بالخوف في قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ)
الخوف هو الباعث على العلم والتعلم والعلم من أكبر أسباب الطمأنينة
كيف يعلم الإنسان من نفسه أنه لن يصيب العدل
الرد على من زعم أن التعدد ظلم وتعدي على كرامة المرأة
بُثّت الحلقة بتاريخ 2 شعبان 1431 هـ الموافق 14/7/2010م
من قسم الفيديو
الحلقة الرابعة
==============
رابط جودة عالية
http://ia360707.us.archive.org/9/ite…aynat_14_7.avi
==============
رابط جودة متوسطة
http://ia360707.us.archive.org/9/ite…14_7_512kb.mp4
==============
رابط صوت
http://ia360707.us.archive.org/9/ite…aynat_14_7.mp3
وستتوالي الحلقات ان شاء الله