الحلقة 16 – تأملات في سورة النساء- الآيات (95 – 96)
رابط الحلقة
http://www.youtube.com/tafsirdotnet?user=tafsirdotnet&hl=en-GB#p/u/46/rusnSmIhaeU
(لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96))
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ما زال الحديث معنا في هذه السورة سورة النساء وقد وصلنا عند قول الله (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ). وهذه الآية لها ارتباط وثيق بما قبلها وما بعده من الآيات الواردة في الجهاد في هذه السورة. نبدأ الحديث في هذه الآية ولعل الدكتور مساعد يبدأ فيها.
د. مساعد الطيار: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. كما ذكرتم أن هذه الآية لها ارتباط بما قبلها، الحديث كان قبلها عن حدث يحدث للمجاهدين فيما لو كانوا ضربوا في الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)) فذكر الله سبحانه وتعالى ما قد يحصل من بعض المسلمين في حال السفر والخروج أنه يجد أحداً يظن أنه من المحاربين فأتبع الله سبحانه وتعالى ذلك بالكلام عن الجهاد وابتدأ بتقسيم المسلمين في الجهاد قال (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) ولو تأملنا الآية تعطينا أقسام للمسلمين مع الجهاد، القسم الأعلى الذي يجاهد بماله ونفسه والقسم الثاني الذي يجاهد بنفسه دون أن يكون لديه مال كالذي حصل في غزوة تبوك (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة) والقسم الثالث هو من يجاهد بماله دون نفسه لكن لا يكون من أولي الضرر، يجاهد بماله دون نفسه. ثم يأتي أصحاب الأعذار وأولي الضرر
د. الخضيري: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى (91) التوبة)
د. مساعد الطيار: قال عنهم هنا (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) فكأنا عرضنا تقسيماً لأحوال المسلمين مع الجهاد ولا شك أن أعلاهم الذي يخرج بماله ونفسه وقد جاءت الأحاديث الدالة على شرف من خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع بشيء. وهذه الآية تعتبر من الآيات التي لها أحوال يمكن أن نقول عنها أحوال منفردة، فيها انفراد في الحال، الآية نزلت أول ما نزلت (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) فعبد الله بن أم مكتوم كان خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فلما تلا الآية قال ادعوا لي زيداً وائتوا باللوح والدواة كما في صحيح البخاري
د. الشهري: النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال ائتوا باللوح والدواة وليس زيداً
د. الطيار: نعم النبي قال ادعوا لي زيداً وائتوا باللوح والدواة وكان خلفه عبد الله بن مكتوم فاعتذر لنفسه أنه أعمى قال زيد فلم يلبث حتى ثَقُل وكادت فخذه أن ترُضّ فخذي -نزلت فخذ النبي صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد لأنه كان قريباً منه ليكتب- فلما سُرّيَ عنه قال اكتب (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) فهكذا نزلت معنى ذلك أن هذه الآية ولهذا بعض السلف يسمي هذا نسخاً ما بين أن نزلت الآية بصورتها الأولى ونزلت بصورتها الثانية فترة يسيرة جداً جداً حتى لو لم يذكر هذا الخبر ويصحّ ما كان أحد يعلم به.
د. الخضيري: الملاحظ في هذه الآية أو في هذا النزول كيف أن نزول (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أو (غيرَ أولي الضرر) قرآءتان، أنها نزلت استجابة لحاجة كانت موجودة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تلاحظ أن الله سبحانه وتعالى الذي يعلم كل شيء ويعلم أن هذه الكلمة ستنزل وتكون ضمن الآية أن هذا يبين رحمة الله تعالى بعباده هذا واحد، وثانياً حتى يلتفت الإنتباه إليها لأنها لو نزلت أول ما نزلت بهذا الشكل ما عرف الناس فضلاً من الله عز وجل عليهم مثلما يعرفون عندما تكون حاجة فتُحقق في نفس المجلس وأن الله يسمع حاجات المؤمنين عندما
د. الشهري: وهذا متحقق في غيرها في قوله سبحانه وتعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الأنفال) فهذه تخفيف لكنه تخفيف في آية مستقلة عن الآية التي وقع فيها التكليف أما في هذا الموضع فهو تخفيف في نفس الآية التي وقع فيها التكليف باستدراك نزلت أول ما نزلت على هذه الهيئة (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) ثم جاءت النسخ إن صح التعبير (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) فغير أولي الضرر هنا هي أشبه ما تكون بالتخفيف، هي تخفيف في نفس الآية قبل كتابتها، فنستطيع أن نقول أن الفرق بينها في الزمن هذه كانت أسرع، لكن حتى لو كتبت الآية ثم نزل التخفيف وكتبت مرة أخرى
د. الطيار: ليس فيه إشكال لكن هي حال خاصة ومثل ما ذكر الدكتور محمد قضية رعاية الله سبحانه وتعالى وعنايته بعباده حتى بهذه التفاصيل الدقيقة جداً والأخذ بعذر العبد فهو الخالق وهو صاحب الحكمة وكان من حكمته سبحانه وتعالى التخفيف على أولي الضرر لكن هذه المسألة مع السف تجدها أيضاًً مما يغيب عن القارئ للقرآن “محبة الله سبحانه وتعالى لعباده وضور هذه المحبة” أين تظهر صور محبة الله سبحانه وتعالى للمؤمنين مع أنه يدعوهم إلى الجهاد يدعوهم لتقل النفس يدعوهم لأن يبذلوا، يأمرهم بقيام الليل، يأمرهم بالصلاة، يأمرهم بالنفقة، يأمرهم بالصيام، أوامر والأوامر تكليف، فأين مواطن المحبة إذن؟ هنا تظهر مواطن المحبة، مواطن المحبة بالتخفيف من جهة ومواطن المحبة بعواقب هذا التكليف من جهة أخرى. ولهذا الآن من نفسه يعرف أنه لو قيل له يفي المكان الفلاني كذا وكذا ومن وصل إلى يربح كذا ويكون له هكذا أنظر ماذا يفعل في إطاره البشري! لما تقرأ عن هجرة الشاميين إلى أميركا بدايات الهجرة من عام 1800 ميلادي أكبر أسبابها بل هو السبب الوحيد قضية الثراء فبداية الأمر ذهب أناس ثم رجعوا وبنوا دوراً وعمّروا فبدأ الناس يقتدون بهم وهذه هي بداية الهجرة وكم يضربون من الأميال لأجل هذا السفر وهم أيضاً يخاطرون بأنفسهم لا يدرون أيرجعون أم لا يرجعون، لا يدرون هل يكسبون أم لا يكسبون، انظر في شيء مظنون به محتمل وأمامك شيء موثوق به وفيه تكليف. فإذن قضية التكليف ليست هي المشكلة ولكن في ما وراء التكليف والله سبحانه وتعالى من محبته لعباده أنه ما أمرهم بأمر إلا وأخبرهم ما سيكون لهم من نعم الجزاء وأيضاً أنه خفف عنهم في بعض مواطن العبادات، هذا كله من صور رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده
د. الشهري: وأيضاً فيها إظهار لفضيلة عبد الله بن أم مكتوم
د. الخضيري: كنت سأقول هذه يا أبا عبد الله
د. الشهري: أكملها
د. الخضيري: لا تفضل
د. الشهري: عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه ارتبط بهذه الآية وأمثالها من الآيات التي فيها تخفيف فكلما ذُكِر التخفيف قالوا عبد الله بن أم مكتوم هو السبب فله من الأجر
د. الخضيري: بقدر ما حصل من التخفيف على أمثاله
د. الشهري: كأنه هو لسان حال ذوي الاحتياجات الخاصة كما يقولون في زكان نزول الوحي لأنه كان مكفوف البصر فكان هو الذي يؤضّن وفي هذا فضيلة له
د. الخضيري: وكان والياً على المدينة
د. الطيار: كان ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: كان له دور في نزول الوحي في الاستدراك قال: ونحن يا رسول الله؟، قال (غير أولي الضرر) فكأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أجابه وليس الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك فضل له.
د. الخضيري: ولذلك سبحان الله من حكمة الله أنه يوجد شخص يكون استثناء بين أشخاص فيقال ليته لم يوجد ثم لو تأملت لوجدت وجوده خيراً له ولمن يأتي بعده مثلما حصل لابن أم مكتوم، كان الله سبحانه وتعالى عليماً أن يقول (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) وتنتهي القصة بدون ما يتدخل ابن أم مكتوم لكن أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون له بهذا فضيلة وأن تكون هذه الفضيلة إلى يوم الدين مثل ما ذكرت يا أبا عبد الله كل من استمتع بهذا العفو الإلهي أو بهذا الفضل الربّاني صار لابن أم مكتوم يدٌ عليه، هذا خير
د. الطيار: من الفوائد المرتبطة بهذه الحال -وبودّي أن نطرحها لأهميتها- عندنا فيها جوانب من أهمها عناية النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة ما أُنزل عليه، يعني أول ما نزلت عليه (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) قال أين زيد؟ وائتوني بالدواة واللوح وأمره أن يكتب حتى نزل بعد ذلك بعد ما ذكر ابن أم مكتوم حاله فكتبها. فإذن هذه عناية واضحة جداً من النبي صلى الله عليه وسلم، هذه العناية لا نجدها في أيّ كتاب آخر من الكتب السماوية الأخرى المنزَلة ولا يمكن أن نجد في أيّ من الكتب السماوية الموجودة بين يدينا اليوم من يقول إن هذه الآية كُتِبَت بين يدي النبي الذي نزلت عليه أبداً. فهذه لا شك أن هذه ميزة في القرآن واضحة. قضية أخرى مرتبطة أيضاً بهذا الأمر أن قضية كتابة المصحف وما يتعلق بها لم تكن كما يدّعي بعض المستشرقين أو غيرهم أنها من صناعة الصحابة وأقصد يذلك أنهم هم اخترعوها دون أن يكون هناك عناية من النبي صلى الله عليه وسلم، فهم كانوا قادرين على أن يكتبوا هذا دون ذكر الحدث. بعض الناس يقولون كيف؟ خاصة بعض الناس الذي عنده أسئلة كثيرة أصحاب أرأيت أرأيت الذين كان يُخبر عنهم عمر وابن مسعود، أصحاب كيف؟ كيف؟ الله سبحانه وتعالى قادر أن يقول هذه الآية من الأول لماذا قال كذا؟ هذه ترجع إلى الحكمة، لكن انظر حتى هذه التفاصيل الدقيقة في تدوين الآية يذكرها الصحابة كما وقعت لا يزيدون ولا ينقصون مثل ما وقع ذكروا. وهذه لا شك بدل من أن يتخذها البعض مطعناً هي في الحقيقة توثيق ودلالة على تمام التوثيق أنه حتى في مثل هذا الأمر ذكروا كل ما وقع بالتفصيل.
د. الشهري: أنا لا أذكر في كتب علوم القرآن أنهم يذكرون هذه الآية مثالاً على نوع من أنواع النسخ، لكنهم لا يذكرون النسخ قبل التمكن من كتابة الآية، هل مرّت عليكم؟
د. الطيار: لا، لكنها
د. الشهري: نادرة
د. الطيار: هي نادرة لكن الإشادة بها أو التنبّه لها مهم جداً في توثيق القرآن.
د. الخضيري: في قوله (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) الحقيقة الحديث عن أن الدين لا يسوي بين الناس لأن هذا من تمام العدل أن يعطي كل ذي حقّ حقّه فالله عز وجل لم يسوّي بين المؤمنين الذين جاهدوا والذين قعدوا ولذلك الشيخ بن عثيمين رحمه الله في تفسيره سورة النساء قال هذا فيه الردّ على من يقول أن الإسلام دين المساواة وأن الإسلام ليس دين المساواة بإطلاق، صحيح دين مساواة فيما تصحّ فيه المساواة وأما ما سوى ذلك فلا يجوز أن يقال دين المساواة.
د. الطيار: إنما هو دين العدل
د. الخضيري: العجيب في عبارته -وأنا تنبهت لهذا بعد- أنه يقول وأخشى أن يتخذ هذا ذريعة للقول بالتساوي بين الذكر والأنثى. والآن في هذا العصر وخصوصاً في العشر سنوات الأخيرة بدأت نبرة الحديث عن المساواة بين الذكر والأنثى في كل شيء حتى ظهرت هذه الفرقة المسمّاة (الجندر) التي تدّعي أنه أصلاً لا يوجد فرق بين الذكر والأنثى وأن دعوى أن هناك فروق بين الذكر والأنثى دعوى باطلة وأنهم متساوون في الحقوق وفي الواجبات وفي المسؤوليات وفي كل شيء ولذلك يجب أن يقوم الرجل بدوره في البيت كما تقوم المرأة بدورها في البيت ويجب أن تقوم المرأة بدورها في العمل وفي السوق وفي الشارع كما يقوم الرجل بدوره لأنه لا فرق، وفي هذا من الظلم على المرأة الشيء البيّن، المرأة التي هم أصلاً يريدونها، فيه ظلم عليها، تكلّفها بكل الأعمال التي يقوم بها الرجل! هذا لا يكون! وما كان أصلاً. والعجيب أنهم ينافحون ويريدون أن يجرّوا الأمم كلها إلى الإقرار بهذا المبدأ الظالم الذي فيه عدوان على الشرع والعقل وعلى الفطرة ولا تستقيم به الحياة والله عز وجل قد قال (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى (36) آل عمران). ثم هل نحن بحاجة أن نستدلّ؟! نبحث عن أدلة أن هناك فرق بين الذكر والأنثى؟! بينما هذا الأمر في الأمم كلها وفي التاريخ ما أحد يستدل عليه، معروفة المرأة وميولها وطبيعتها والأشياء التي تحبها والأشياء التي تقدر عليها، وكذلك الرجل ولو أنك جعلت الرجل يحضن الأطفال ويرضعهم ويقوم بتربيتهم وشوؤنهم لملّ من ذلك وضجر وقد يأتي بالعجائب كما أن المرأة لو استلمت الأعمال التي يقوم بها الرجل في ميدانه وتُناسبه كذلك لحصل منها كذلك مثل ما يحصل.
د. الطيار: هذا نوع من السفسطة والسفسطة لا تستلزم أن تناقشها كيف تستطيع أن تناقش مسفسطاً؟! أنا معك أنهم يستخدمون قوة السياسية وقوة القانون لإثباته لكن مشكلة إذا جاءك واحد وقال أنت لست محمد الخضيري هذه مثلها! أمر مستقر بالفعل في جميع الفِطر، بل من الطفولة إلى أن يشيب الإنسان وهو يعلم أن هناك فرق بين المرأة وبين الرجل
د. الخضيري: (وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (101) يونس) والعجيب أن هذا يأتي بصورة الانتصار للمرأة وهو والله عند أدنى تأمل يظهر لكل من يفكر أن هذا ظلم بيّن للمرأة، كيف تدع المرأة تقاتل وتجاهد؟! أو تبني البنايات الطويلة؟! أو تعمل الأعمال الثقيلة التي لا يقدر عليها ولا يقوى عليخا إلا ذوي الأبدان القوية التي تناسبهم.
د. الشهري: بل لاحظ حتى أنه في هذه الآية أن الله تعالى فرّق بين الرجال في ذواتهم فحتى الرجال ليسوا كلهم يستطيعون العمل، هذا قاعد وهذا أعرج وهذا أصمّ وهذا كفيف ولذلك أعفاهم الله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (61) النور) مع رغبتهم أنهم كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكون ويتشوّفون إلى المشاركة بأي شكل من الأشكال
د. الطيار: طبعاً الآية هذه في الجهاد الذي يكون فرض كفاية أما إذا كان الجهاد فرض عين فليس من هذا الباب (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من قعد في الجهاد الذي يكون فرض عين فإنه يأثم كما حصل في غزوة تبوك فقد أمر النبي ضلعم بالنفير العام للجميع ولم يرخِّص لأحد إلا قليل لأسباب معروفة.
في قوله (لاَّ يَسْتَوِي) مثل (ليسوا سواء) يعني استخدام القرآن لبعض العبارات هنا قوله (لا يستوي) نفي الفعل المضارع وهناك قال (ليسوا سواء) على المصدرية أو الاسم، أيهما أبلغ؟ في العادة يقولون أن الجملة الاسمية
د. الشهري: أدلّ على الاستمرار والفعلية على الحدوث
د. الطيار: فهذه من المباحث البلاغية التي يمكن أن تُبحث الفرق بين (ليسوا سواء) و(لا يستوي) من جهة الدلالة البلاغية، بينهما معنىً جامع وهو نفس الاستواء لكن ما الذي تتميز به جملة (ليسوا سواء) عن جملة (لا يستوي)؟
د. الشهري: طبعاً هذا يكون بطريقنا كنا قبل فترة نتحدث حول قضية العلماء الآن عندما يقولون إن الجملة الفعلية التعبير بالفعل المضارع يدل على الحدوث والتجدد والتعبير بالجملة الاسمية يدل على الثبوت والاستمرار، فقد يقول قائل وكيف استنبط العلماء هذه الدلالة من كلام العرب؟ الجواب ببساطة أنهم استقرأوا كلام العرب قبل نزول القرآن الكريم فوجدوا أن هذا الأسلوب يدل على هذا المعنى وهذا الأسلوب يدل على هذا المعنى فلما تأكدوا واختبروا هذا الكلام وجدوه في القرآن الكريم كما هو في كلام العرب أنهم يستخدمون الفعل إذا أرادوا أن يتحدثوا عن شيء يحدث ويتجدد ويستخدمون الجملة الاسمية إذا أرادوا أن يتحدثوا عن شيء ثابت مستقر فهذه الإستدلالات البلاغية عندما نقول (لا يستوي القاعدون) أو يقول (لَيْسُواْ سَوَاء) أو (وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا (10) الحديد) تتأمل في المواضع التي عُبِّر فيها بالفعل المضارع تجد أن فيها هذا المعنى معنى التجدد والحدوث. فمثلاً هنا عندما يذكر الأعذار في الخروج للجهاد في سبيل الله فهي مسألة تتجدد كلما تجددت الحاجة للخروج وتجددت الحاجة للإنفاق وهكذا أما عندما ينفي بالجملة الاسمية فهو ينفي أشياء ثابتة في الأخلاق (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) آل عمران) هذه أشياء ثابتة في أخلاق هؤلاء لا تتجدد وإنما هي أشياء ثابتة ومستمرة قبل هذا الحدث وبعده.
د. الخضيري: في قوله (لا يستوي) أشرت يا أبا عبد الملك أن هذا في جهاد هو من باب فروض الكفاية، في الحقيقة هذه الآية من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس بفرض في كل حال ويمكن أن نقسمه إلى قسمين جهاد هو فرض كفائي وهو جهاد الطلب، الجهاد الذي يقوم فيه المسلمون بطلب عدوهم في أماكنهم لأجل نشر الدين وتبليغ رسالة رب العالمين وهذا قام به المسلمون في العصور الأولى وأدّوه كما أمرهم الله سبحانه وتعالى وكانوا يتنافسون في هذا الأمر. ومنه ما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث فمن الصحابة من يلتحق بها ومنهم من يبقى في المدينة ومنهم من يجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يطلب العلم فالله عز وجل يقول (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ) لاحظ العبارة (وكلّاً) (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى) مما يدل على أن الاثنين لم يكن فيهما أحدٌ آثم
د. الطيار: رفع الله عنهم الإثم
د. الخضيري: كلهم قد وعدهم الله الحسنى لكن أولئك لا يستوون مع هؤلاء القاعدين. هذا من أدلّ الأدلّة على أن جهاد الطلب فرضٌ كفائيّ ومعنى كلمة كفائي يعني إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين
د. الشهري: وهذا أصوب من قولنا إذا قام به البعض
د. الخضيري: إذا قام به البعض يعني واحد يعني سقط الإثم عن بقية المسلمين؟ لا
د. الشهري: وهذا سبب تسميته فرض كفاية
د. الطيار: ولعل هذا الذي ذكرته قبل قليل في قضية عدم المساواة وأن كلاً له أجر أنه لما جاء عند القاعدين من المؤمنين قال (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
د. الخضيري: فسمّاهم مؤمنين
د. الطيار: ولما جاء عند المجاهدين لم ينبّه على هذا الوصف لأنه اكتُفي بالوصف الأول في إيمانهم لكن أولئك كانوا محتاجون للوصف بالإيمان لئلا يُتوهَّم أنهم خرجوا وهذا واحد فقال بعدها (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى) أيضاً تأكيد على هذا المعنى.
د. الخضيري: الثاني جهاد الدفع. جهاد الدفع و قسيم جهاد الطلب وهو أن يأتي الكفار إلى بلاد المسلمين فيغزونهم فيها فهذا الجهاد واجبٌ عينيّ على أولئك الذين دخل عليهم الكفار في بلادهم من المسلمين يجب عيناً على كل واحد من أولئك أن يقوم بالجهاد ولذلك قال العلماء يجب على المرأة والطفل ولا يستأذن رجل أبويه لوجوبه عينياً لأنه لا مجال هنا إما أن تقاتل وإما أن تذهب وتذهب بيضة الإسلام ويكون فيه الهلاك للمسلمين ولذلك صار فرضاً عينياً لكن بعض المعاصرين عمّم ذلك وقال فرضٌ عيني على كل المسلمين في الأرض وهذا في الحقيقة غريب جداً لأنه المفترض أن يقال هو فرض عين على من وجب عليه أو على من ابتلوا فإذا لم تقم بهم الحاجة والكفاية وجب على من يليهم من المسلمين ثم تتسع الدائرة حتى تصل إلى آخر مسلم في آخر سطح من الأرض وإلا ما يعقل أن يقال لكل مسلم في الأرض دع ما في يدك وقم قاتل عن أولئك الذين هم في الصين أو في الهند أو في السند
د. الطيار: وهذا حال المسلمين في كل العصور يعني تأثيم الناس بعض الناس كأنه يميل إلى تأثيم الناس في مثل هذه الأمور هذا صعب لأن حال المسلمين في أكثر الأوقات هو هذا
د. الخضيري: في بيت المقدس عندما غزاه الصليبيون وأخذوه وسلبوه من المسلمين ما قيل للمسلمين في كل الأصقاع أنكم آثمون حتى يقال الإثم يقع على من فرّط وعلى من يقدر ممن يحيط بهذا المكان ويستطيع أن يقوم والواقع يقول إن الحاجة تندفع بالموجودين في نفس المكان الذي حصل فيه البلاء غالباً يحتاجون إلى من يقودهم يحتاجون إلى من يمولهم يحتاجون إلى من يدفعهم إلى هذا الأمر أما أن تقول لا، كل مسلم يأتي لأجل أن يقاتِل فأنا أخشى أن تحصل مشكلة أخرى وهي أن بلاد المسلمين تُنهب في هذه اللحظة إذا قلت كل امرأة كل رجل كل ولد كل صغير كل كبير أن يدع ما في يده ويذهب إلى تلك البقعة التي أُخِذَت من بلاد المسلمين فيحررها وهذا لا يستقيم
د. الطيار: فيه اختلاط في المفاهيم
د. الخضيري: هذا فرض عيني. هناك فرضية عينية في الجهاد في مسائل منها الاستنفار يعني إذا استنفر الإمام الناس مثلما حصل في تبوك أو استنفر الإمام شخصاً بعينه يا فلان أُخرج مع المجاهدين إما لعلمه أو لدرايته ودربته أو لقيادته أو لغير ذلك فهنا يجب عليه وجوباً عينياً أن يخرج قال صلى الله عليه وسلم “لا هجرة بعد الفتح وإنما جهاد ونيّة وإذا استُنفِرتم فانفِروا”، هذه واحدة. والثانية إذا حضر في القتال صار في الصفّ فلست مخيراً ولو كان جهاد طلب لا يجوز له أن يفرّ لأنه هنا فيه خذلان للمسلمين قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ (45) الأنفال) وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ (16) الأنفال) فإذا حضر الصفّان لم يحلّ لأحدٍ أن يفرّ ولو كان أصل الجهاد واجباً عليه. فهذه من الأحوال التي يكون الجهاد فيها فرضاً عينياً
د. الشهري: في هذه الآية لفتة بلاغية ولها دلالة في تقديم الجهاد بالمال على جهاد النفس في قوله سبحانه وتعالى (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) وقال قبلها (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) فقدم الجهاد بالمال على الجهاد في النفس وقدّمه في مواطن كثيرة
د. الخضيري: تقريباً في ستة مواطن
د. الشهري: ولم يقدّم النفس على المال إلا في موطن واحد (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111) التوبة) وفي هذا إشارة إلى تعلق النفس البشرية بالمال وأن مقاومة هذه الفطرة وهذه المحبة للمال في نفس الإنسان درجة عالية من الجهاد وفيه حث للمسلمين على إنفاق المال والجهاد فيه وأيضاً فيه إشارة إلى أن الحاجة إلى الجهاد بالمال أكثر من الحاجة إلى الجهاد بالنفس وتجدون هذا قديماً وحديثاً الذي يجاهد بماله قليل والذي يجد بنفسه تجد فيه سعة أكثر ممن يجاهد بماله. ولذلك في الغزوات عندما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم للدعم في بعض الغزوات مثل جيش العسرة مثلاً الجيش موجود كأفراد، الصحابة موجودين ولكن التمويل من الذي يموّل
د. الخضيري: لذلك عثمان في ذاك الوقت
د. الشهري: قال “من يجهّز جيشاً فقد غزى” فجهّزه. فالشاهد أن تقديم الجهاد بالمال له هذه الدلالة ودلالات أخرى ربما لم نتنبه إليها فيه إشارة إلى أهمية الجهاد بالمال في سبيل الله وأنه في مقاومة شهوة حب المال والتملّك أجر عظيم
د. الخضيري: وأن الجهاد بالمال يسع كثيرين من الأمة فكأن الله عز وجل يقول يا عبادي أنا افترضت عليكم الجهاد ولن تستطيعوا أن تجاهدوا بأنفسكم فدونَكُم جهاد المال وإني قد قدّمته في هذه المواطن كلها لأفسح لكم المجال حتى تكونوا مجاهدين وأنتم إنما قدّمتم مالاً، المرأة المسكينة التي ترغب أن تكون من المجاهدين في سبيل الله لا يمكن أن تكون أو يصعب فيقال لها قدّمي فتقدِّم من ذهبها من مالها مما آتاها الله سبحانه وتعالى فتنال بذلك أجر المجاهدين. وهذا يذكرني بقول النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يفسح لنا المجال حتى نشارك لما قال من تعدون الشهداء فيكم؟ قالوا من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، قال فإذن شهداء أمتي قليل” كأن النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في أن يتصف بهذا الوصف عدد كبير من الأمة فقال: “المبطون شهيد والغريق شهيد والمرأة تموت جمعاء يجرها ولدها إلى الجنة شهيدة وصاحب الهدم شهيد” لماذا عدد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء؟ لكي يكون هذا الوصف منطبق على عدد كبير من الأمّة لكن شهيد المعركة لا يستوي مع الشهيد المبطون أو الطعون
د. الطيار: وأيضاً (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) البقرة) قيل إنها نزلت في النفقة في الجهاد فجعل ترك النفقة هلكة هذا أيضاً مما يدل على أهمية النفقة في الجهاد
د. الخضيري: ومما يؤكد هذا أنك الآن تسأل المسلمين المضطرين في أنحاء العالم ممن ابتُلوا بأعداء يقاتلونهم عندما تقول لهم: هل تحتاجون لقوات بشرية؟ يقولون لا، ما عندنا مشكلة في القوات البشرية، عندنا أعداد كبيرة جداً تدافع عن بلاد المسلمين وتقوم بالواجب نحن نريد دعماً مادياً بل بالعكس في بعض الأحيان مجيء غيرنا إلينا عبء علينا لأنه يكون هدفاً للعدو ويتكلفون في حفظه ويخافون عليه ويكون فرصة لابتزازهم بصورة من صور الابتزاز المعروفة، فيقولون لا نريدهم لو جلسوا هم يبعثون لنا المال لنقاتل عدونا لكان خيراً لنا.
د. الطيار: في لطائف النظم قال (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) فابتدأ بهم ثم قال (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) لما جاء عدم المساواة قدّم القاعدين ولما جاء الفضل قدّم المجاهدين فقال (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) فلما جاءت قضية المساواة لكي لا يحس القاعد بشيء من الذّم قدّمه كما قلنا سابقاً أن العرب ما لهم به عناية فكأنه لما قدّم القاعد أعطاه شيئاً من الاعتذار، إعتذر له، لكن لما جاء الفضل قدّم الفاضل على المفضول لأن هنا تفضيل للمجاهدين
د. الخضيري: وقال في الفضل (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) ونكّرها ليبيّن أنها درجة عالية. “إن في الجنة مائة درجة جعلها الله للمجاهد في سبيل الله”. مائة درجة لكن جعلها الله نكرة أو إسم جنس يراد به مُطلق الدرجات ولذلك قال بعدها (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً (96)) ليست المسألة درجة هذا فوق وهذا تحت وكلاهما متاسوي أو قريب من التساوي، لا، انتبهوا وإن كانوا جميعاً في الجنة فذاك مثل الكوكب الدريّ الغابر في الأفق وهذا في منزلة دونه بكثير نسأل الله أن يُلحقنا بركاب المجاهدين.
د. الشهري: هنا فصّل في هذه الدرجة تفصيلاً عندما نكّرها عنما قال (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) فتنكيرها هنا دل على تعظيمها وحتى يبين هذه الدرجة قال (وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)
د. الخضيري: أُنظروا إلى قوله (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى) هذا نسميه إحتراساً لئلا يُظنّ بأن القاعدين قد هلكوا قال (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى). هذا المعنى موجود في عدد من الآيات مثلاً (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى (10) الحديد) يستدرك لئلا يُظنّ بالذين لم يبادروا أو بالذين لم يجاهدوا أنهم قد هلكوا. ومثلها (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ (79) الأنبياء) لئلا يُظنّ أن داوود كان لا يفهم أو أنه لم يكن في المكانة من العلم والفهم (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (79) الأنبياء) ومثلها قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير) قد يُفهم من الكلام الأول أن المؤمن الضعيف ليس فيه خير فهذا استدراك في غاية اللطف ولذلك يقال أنه إذا مدح الإنسان أحداً فظُنّ أنه يذمّ غيره فينبغي له أن يحترس، مثلاً يقول فلان ما شاء الله خير هؤلاء وأفضلهم وأنه برّز وفعل وفيكم كلكم خير حتى لا يُظن أنه يذمّ الآخرين، يحترس
د. الطيار: في التفضيل الأول قال (دَرَجَةً) وفي التفضيل الثاني قال (دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) لأنه قال (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) بيّن هذا الأجر العظيم قال (دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) ما الفرق بين درجة ودرجات؟ بعض الذين تعرّضوا لهذه القضية قالوا درجة لما نُكّرت دلت على التنويع والتعظيم والجنس وأنها مثل درجات من حيث مؤدّى المعنى وآخرون قالوا لا، إن المراد بالدرجة الأولى درجة معنوية وهي خاصة بالدنيا والدرجات أخروية درجات الجنة.
د. الخضري: لاحظ أيضاً التنكير جاء في قوله (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) وهذا يؤكد أن ال
رجة الأولى قد تكون درجة معنوية والثانية ما ينالون من الأجر ولذلك فصّل فيما بعد قال (دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هذا تفصيل للأجر المذكور في قوله (أَجْرًا عَظِيمًا). وبدأ في قوله (وَمَغْفِرَةً) قدّمها على الرحمة من باب التخلية قبل التحلية وأن الإنسان لا يستحق الرحمة حتى يُغفر له ولذلك يأتي في أسماء الله التي تختم بها الآيات “غفور رحيم” مثل هذه الآية (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)
د. الطيار: وهذا يكون من باب اللفّ والنشر المرتّب (مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) و (غَفُورًا رَّحِيمًا) إبتدأ بالمغفرة في الأول ثم ابتدأ بالثاني والرحمة ورحيماً ثانياً
د. الخضيري: والمغفرة مأخوذة
د. الشهري: من الغَفْر وهو التغطية والستر
د. الخضيري: ومنه المِغْفَر الذي يغطي رأس المقاتل ويستره من وقع السهام ولذلك يقول العلماء إن المغفرة تقتضي معنيين: معنى التجاوز ومعنى الستر أيضاً إذا لم يستر عليك ما غفر لك. فإذا قال غفر الله له معناه ستر عليه ذنبه فلم يفضخه به وتجاوز عنه فلم يحاسبه عليه نسأل الله أن يغفر لنا جميعاً ويرحمنا
د. الطيار: إذا جاء مع المغفرة العفو فدلّ على أن المغفرة صارت بمعنى الستر، العفو بمعنى التجاوز، عفت الريح الآثار إذا طمستها، فمعنى ذلك إذا جاء العفو مع المغفرة دل العفو على الطمس وعلى إزالة هذا والمغفرة على الستر مثل قولهم إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا لأنه يأتي أحياناً العفو مع المغفرة فيقع إشكال عند بعض الطلاب وأنت تشرح لهم أن الستر بمعنى الإزالة فإذا جاء العفو كيف يكون. ولذلك قال (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ (109) البقرة) العفو والصفح ما الفرق بينهما؟ قالوا نفس المعنى ولكن الصفح فيه معنى الإعراض كأنه لا يذكره أبداً
د. الخضيري: (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ) كأنها مرتبتان المرتبة الأولى العفو إزالة الشيء ثم الصفح التي هي الإعراض تماماً مثل ما فعل يوسف مع إخوانه. لعلنا نختم أيضاً بهذه الفائدة وهي: ألا تلاحظون أن أسلوب الإطناب في الآية علماً أنه كان يمكن أن تقوم على على الاختصار” فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا” ستحذف عدد كبير من الكلام، لفظ الجلالة، فما هو السر في أن يذكر هذا ويردد ويعاد؟
د. الشهري: من فوائد الإطناب تعظيم المطنب فيه مثلاً لفظ الجلالة هنا عندما تكرر في قوله سبحانه وتعالى (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) عندما تقول (فضّل الله) هذا تعظيم لهذا التفضيل لأن الذي قام به هو الله سبحانه وتعالى فإظهار لفظ الجلالة في مثل هذه المواطن يدلّ على عظمة هذا التفضيل وعظمة هذا الفضل، التفضيل لأنه من الله والفضل لأنه ثمرة هذا التفضيل. وأيضاً في قوله سبحانه وتعالى (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى) عندما تظهر لفظ الجلالة فإنه يكون له من المهابة والتعظيم لله سبحانه وتعالى ولذلك أظهره وإلّا كان بالإمكان أن يكون مضمراً يقول وفضّل المجاهدي، وكلًاً وعد الحسنى ولكن قال (وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ) (وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى) هذه من المعاني.
د. الخضيري: نقف عند هذا الحد ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤتينا من هذا الفضل ما هو به حقيق سبحانه وتعالى نسأل الله أن يبارك لنا جميعاً بالقرآن العظيم، نلقاكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.