تفسير القرآن للشعراوي

تسابيح

اسلاميات

تسابيح سورة الكهف
خواطر وتسابيح حول سورة الكهف , وقبل ان نبدأ الحديث عن بعض أسرار آيات هذه السورة نتوقف عند اسم السورة .. الكهف .. ماهو الكهف ؟ الكهف كما نعرفه هو فجوة داخلة في جوف الجبل لا يستطيع الخارج منها اي من تلك الفجوة معرفة ما بداخلها .. إذا لا بد ان تبحث وتكتشف حتى تصل إلى معرفة حقيقة ما في الكهف .. ومن هنا فإن اسم السورة لا يجب أن يمر علينا دون أن نفكر فيه .. ونعلم أن الله سبحانه وتعالى قد جاء فيها بكهوف معنوية .. يعني أشياء تنبئنا بما يستتر هنا من حقائق في الكون .. وفي أحداثه .. إن الله يريد أن يخبرنا من إسم السورة أن لا نأخذ الأشياء بظاهر الأمور ..فالذي يبدو لنا شرا قد يكون في قضاء الله فيه خيرا والعكس صحيح . والكهف الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في هذه السورة .. هو كهف حسي .. التجأ إليه فتية مؤمنون وكان سترا لحق . إيماني .. خائف على نفسه من طغيان باطل كافر .قال تعالى : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا) لم يذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية .. سوى أن ذا القرنين قد وصل إلى قوم لم يجعل الله بينهم وبين الشمس سترا وبعض الناس يمر على هذه الآية دون أن يتنبه إليها .. ولكن العقل يجب أن يقف هنا ليسأل .. ماهي الحكمة في هذه الآية .. فإذا فكرنا فيها .. نجد أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن هناك قوما لم يجعل لهم من دون الشمس سترا .. ما معنى هذا الكلام !! .. ماهو المقصود شمن أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لهم من دون الشمس سترا .. هل المفروض أن هذه الأرض قاحلة .. ليس فيها شجر يستر الناس عن الشمس .. أم المقصود أنه ليس لديهم مساكن يجلسون فيها لتسترهم من الشمس .. أم المفروض أنهم عرايا مثلا .. ليس عندهم ملابس تقيهم الشمس كل هذا يخطر على العقل البشرى .. ولكن الحقيقة أن كل هذه الأشياء لا تستر الشمس فالشمس موجودة خارج المنزل ولو جلست تحتها .. كما أنها موجودة حتى ولو ارتديت الملابس التي تقيك من الشمس .. إذن كل هذا قد يبعد الشمس عنك ولكنه لا يسترها .. أي لا يخفيها ولكن ما هو الذي يستر الشمس .. الذي يجعلها تختفي .. تغيب تذهب .. ماالذي يستر الشمس في أي وضع من الأوضاع بحيث لا تجدها .. إنه الظلام .. إنه الليل .. الليل هو الذي يستر الشمس فلا تجد أشعتها في أي مكان .. ولا تنظرها أينما كنت .. وكيفما كنت .. ولو صعدت لأعلى مكان .. ولو خرجت إلى الشارع .. فإنك لا ترى الشمس لأنها مستورة عنك بالظلام .. هنا يجب أن نتوقف قليلا .. الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى وضع لنا القوانين التي يجب أن يسير عليها الممكن في الأرض .. وقال لنا إننا يجب أن نضيف إلى الأسباب التي يعطيها الله سبحانه وتعالى أو يمكننا منها .. ثم بعد ذلك عندما بلغ ذو القرنين بين السدين وجد يأجوج ومأجوج أنهم قوم مفسدون في الأرض ولكنه في الآية الكريمة (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا) ثم يزد الله سبحانه وتعالى شيئا مما قام به ذو القرنين عندما بلغ هذه الأرض .. ولما كان القرآن الكريم كل حرف فيه بميزان دقيق .. فلا بد أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا شيئا في هذه الآية الكريمة وحدها .. إذن ماهي الحكمة المستورة في هذه الآية الكريمة ..؟ بعض الناس يمر على هذه الآية ولا يسأل نفسه هذا السؤال .. الله سبحانه وتعالى جعل لذي القرنين عملا حين بلغ مغرب الشمس .. وجعل له عملا حين بلغ السدين .. ولكن في هذه الآية الكريمة لم يجعل له عملا .. إذن لا شك أن المراد هنا هو ماذكره الله سبحانه وتعالى : ( لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا) ومن هنا فإن معنى الآية أن الاسكندر قد وصل إلى مناطق في الأرض لا تغيب عنها الشمس فترة طويلة .. أي أنه لا يتعاقب عليها الليل والنهار كباقي أجزاء الكرة الأرضية بل تظل الشمس مشرقة عليها لفترة طويلة لا يسترها ظلام .. وإذا بحثنا الآن نجد أن هناك مناطق في العالم تغيب عنها الشمس 6 شهور في العام .. فالشمس لا تغيب عن القطب الشمالي مدة 6 شهور .. وعن القطب الجنوبي مدة 6 شهور فكأن الله يريد أن يخبرنا أن هناك أماكن في الأرض لا تخضع لقواعد تعاقب الليل والنهار كالتي تخضع لها باقي أجزاء الأرض .. وإنما تشرق الشمس عليها دون أن يسترها الظلام لفترة طويلة ..

 الأذن والحياة والبعث

الكهف الحسي الذي ذكره الله أولا في السورة هو الفتية الذين آمنوا بربهم .. هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين .. خافوا على أنفسهم من طغيان باطل كافر فانتقلوا إلى كهف يختبئون فيه حتى لا يدفعهم هؤلاء الكفار إلى عدم الإيمان ويعودوا بهم إلى الكفر . والله سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا .. إنه مهما ظهر الباطل وطغى .. فإن الإيمان موجود في الدنيا .. قد يكون مستورا عنا .. ولكنه موجود لا ينتهي أبدا .

يقول تعالى : (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) هذه معجزة فالله تعالى يخبرنا أن الشيء الذي لا ينام في الحواس هو الأذن .. وأنت حين تغمض عينيك لا ترى .. ولكنك لا تستطيع أن تغمض أذنيك أبدا .. الأذن تظل مفتوحة تؤدي وظيفتها سواء أردت أو لم ترد .. إذا كنت لا تريد أن ترى شخصا .. فأنت تغمض عينيك فلا ترى أو تشيح عنه بوجهك .. ولكنك إذا لم ترد أن تسمع صوت نفس الشخص .. فأنت لا تستطيع أن تغمض أذنيك .. وإذا كان هناك إنسان نائم .. فقد تمر بيدك قرب عينيه فلا يستيقظ .. ولكنك متى أحدثت صوتا بجانب أذنه فإنه يستيقظ على الفور .. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أولا أن الأذن لا تنام أبدا .. ثانيا إنها أداة الاستدعاء .. وثالثا : إنك لو فصلت الأذن عن ضوضاء الدنيا .. فإن الإنسان يمكن أن ينام فترة طويلة .. ومن هنا سبحانه وتعالى حين أراد أن يجعل أهل الكهف ينامون سنين طويلة .. دون أن يحسوا بما حولهم .. أدخلهم في كهف لا ضوضاء فيه ولا صوت سبحانه فهو لم يأخذ أبصارهم .. ولم يجعل حركة قلوبهم تهبط قليلا .. كحركة قلب النائم .. ولكنه ضرب على آذانهم وكان هذا كافيا جدا .. ليفصل بينهم وبين الدنيا تماما طوال فترة نومهم .. والأذن هي أداة الاستدعاء في الآخرة يقول تعالى : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) لماذا قال الله سبحانه وتعالى هذا الكلام .. وما هو الداعي لأن توضع هذه الألفاظ في الآية .. مع أنها لو حذفت لا تغير من السياق كثيرا .. كما قلت وأقول دائما .. إن لكل كلمة في القرآن الكريم معنى معجزا .. بعضه وصل إليه العقل .. والبعض الآخر سيصل إليه العقل بعد سنوات طويلة .. إذا تأملنا في الآية ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) سبحانه يضع المولى قواعد الصحة للرقاد الطويل .. فنجد أننا الآن إذا أصيب أحدنا بمرض يتطلب رقادا طويلا .. فإن الأطباء يحذرون من أن المريض يجب أن يقلب يمينا ويسارا حتى لا يصاب جسمه بالقروح .. أو تحدث له انسدادات في الدورة الدموية في القدمين الجزء الأسفل من الجسم .. ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا إلى أن الرقاد الطويل يجب أن يتم معه تقليب للإنسان الراقد .. بحيث لا يرقد على جزء واحد من جسده فترة طويلة .. فيصاب بأضرار بالغة يعرفها الطب جيدا هذه الأيام .. كشف عنها الله سبحانه وتعالى من علمه للناس فعرفها لهم .

 خلق الإنسان من تراب

إن خلق السماوات والأرض والإنسان أمر غيبي نأخذه عمن خلق سبحانه .. إلا إن الحق حين يعرض قضية غيبية .. فإنه ينير طريق العقل دائما بقضية نحسها ونشهدها .. تقرب القضية الغيبة التي يتحدث عنها .. فالله خلقني من تراب .. من طين .. من حمأ مسنون .. من صلصال كالفخار .. ثم نفخ من روحه إذا أخذنا التراب .. ثم نضيف إليه الماء فيصبح طينا .. ثم يترك لتتفاعل عناصره فيصبح صلصالا .. هذه أطوار خلق الجسد البشري .. والبشر .. والخلق من الطين .. من الأرض . فإذا جئنا للواقع .. فلنسأل أنفسنا .. الإنسان مقومات حياته من أين .. من الأرض .. من الطين .. هذه القشرة الأرضية الخصبة هي التي تعطي كل مقومات الحياة التي أعيشها .. إذن فالذي ينمى المادة التي خلقت منها هو من نفس نوع هذه المادة .. وهي الطين .. ولقد حلل العلماء جسد الإنسان فوجدوه مكونا من 16 عنصرا .. أولها الأكسجين .. وآخرها المنجنيز .. والقشرة الأرضية الخصبة مكونة من نفس العناصر .. إذن فعناصر الطين الخصب هي نفس عناصر الجسم البشري الذي خلق منه .. هذا أول إعجاز .. وهذه تجربة معملية لم يكن هدفها إثبات صحة القرآن أو عدم صحته .. ولكنها كانت بحثا من أجل العلم الأرضي ولقد جعل الله سبحانه وتعالى من الموت دليلا على قضية الخلق .. فالموت نقض للحياة .. أي أن الحياة موجودة .. وأنا أنقضها بالموت .. ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه .. فإذا أردنا أن نبني عمارة نبدأ بالدور الأول .. وإذا أردنا أن نهدمها نبدأ بالدور الأخير .. إذا وصلت إلى مكان وأردت أن أعود .. أبدأ من آخر نقطة وصلت إليها إنها تمثل أول خطوة في العودة .. ونحن لم نعلم عن خلق الحياة شيئا .. لأننا لم نكن موجودين ساعة الخلق .. ولكننا نشهد الموت كل يوم .. والموت نقض للحياة .. إذن هو يحدث على عكسها .. أول شيء يحدث في الإنسان عند الموت .. إن الروح تخرج .. وهي آخر ما دخل فيه .. أول شيء خروج الروح .. إذن آخر شيء دخل في الجسم هو الروح .. ثم تبدأ مراحل عكس عملية الخلق .. يتصلب الجسد .. هذا هو الصلصال .. ثم يتعفن فيصبح رمة .. هذا هو الحمأ المسنون .. ثم يتبخر الماء من الجسد ويصبح الطين ترابا .. ويعود إلى الأرض .. إذن مراحل الإفناء التي أراها وأشهدها كل يوم هي عكس مراحل الخلق .. فهناك الصدق في مادة الخلق .. والصدق في كيفية الخلق .. كما هو واضح أمامي من قضية نقض الحياة .. وهو الموت .. شيء آخر يقول الله سبحانه وتعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) ومعنى النفخ أي النفس .. أي أن هناك نفسا خرج من النافخ إلى المنفوخ فيه .. فبدأت الحياة .. وبماذا تنتهي الحياة بخروج هذا النفس .. فأنت إذا شككت في أن أي إنسان قد فارق الحياة .. يكفي أن يقال لك انه لا يتنفس .. ليتأكد يقينا أنه مات .. إذن دخول الحياة إلى الجسد هو دخول هذا النفس مصداقا لقوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) وخروجها هو خروج هذا النفس …

 الرقم 19 … والحقيقة

الرقم 19 الذي يروج له البهائيون وغيرهم من أصحاب المذاهب الهدامة , يريدون أن يجعلوا منه شيئا مقدسا .. إن الله ذكر في القرآن الكريم أرقاما كثيرة ليس بينهما ترابط .. أي أنها لا تقبل القسمة على عدد واحد مثلا .. ولا هي مثلا كلها أحاد .. ولا كلها أزواج .. فقال سبحانه وتعالى : (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) وقال جل جلاله : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ) .. وقوله تبارك وتعالى : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) وقوله سبحانه : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) … وقوله تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) .. وقوله جل جلاله : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) وقوله عز من قائل : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) سورة الحج وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى قد استخدم في القرآن الكريم أرقاما كثيرة لا يربط بينها إلا مشيئة الله .. فحملة العرش هم ثمانية .. لأن الله أراد لهم أن يكونوا ثمانية .. وأبواب جهنم سبعة لأن الله أراد لها أن تكون سبعة .. وميقات موسى كان أربعين ليلة لأن الله أراد أن يكون ميقاته أربعين ليلة . وليس هناك معنى لإثارة الجدال في هذا كله … ذلك أن الجدال ممكن أن يثور حول أي رقم من الأرقام .. ولو أننا قلنا ما الحكمة في أن الله اختار أن يحمل عرشه ثمانية لثار السؤال ما هي الحكمة لو أن الله اختار عشرة أو اثني عشر ملاكا لحمل العرش .. إذن ل توجد العلة في الاختيار لتضع قيودا على مشيئة الله في اختياره .. وفي هذا حكمة إيمانية كبرى , لأن متى اختار الله .. فلا نقول لماذا ؟ .. ولا نحاول أن نفلسف الأمور .. ولكن نقول شاء الله وما شاء فعل … وهذا هو نفس المنطق الإيماني الذي كان يجب أن يقابل به العدد 19 … من أن مشيئة الله أرادت أن يكون الملائكة حول النار تسعة عشر … كما أرادت هذه المشيئة أن يكون حملة العرش ثمانية … وكل ما يقال خلاف ذلك … كلام من باب المجادلة دون الوصول إلى شيء .. والذي يدلنا على ذلك هو سياق القرآن نفسه … ولنرجع إلى الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ*وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ* كَلَّا وَالْقَمَرِ* وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ* إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ*نذيرا لِّلْبَشَرِ) سورة المدثر القران يتحدى إذا قرأنا هذه الآيات بإمعان فكأننا نرى ما يحدث اليوم مسطورا في القرآن الكريم بدقة ووضوح .. يقول الله : ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) .. أي أن الذين سيفتنون بهذا العدد ويحاولون تفسيره بأوجه شتى .. ويحاولون استخدام الكمبيوتر وغيره لفتنة الناس ينطبق عليهم قول الله : ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) .. ومن هنا يصف الله كم من يفتن بهذا العدد , أو يحاول أن يفتن به الناس من الذين كفروا … وتأكيدا لما يحدث اليوم .. يقول الله سبحانه وتعالى : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) .. وليحذر الذين يحاولون الآن أن يضعوا تفسيرا لهذا الرقم من عند أنفسهم أو باستخدام التمويه أو باستخدام الحيل بالعقول الإلكترونية … ليحذر هؤلاء جميعا من أنهم إذا حاولوا أن يفسروا لنا : ( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) …. هؤلاء ينطبق عليهم قول القرآن الكريم : ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ) … وهكذا نرى من إعجاز القرآن الكريم أنه أنبأنا بما سيحدث قبل وقوعه وقت طويل … وقال إنني ضربت مثلا بالملائكة حول النار … وقلت انهم تسعة عشر .. وهذا العدد جعلته فتنة للذين كفروا .. فسيأتي الكافرون فيفتنون به , ويحاولون أن يفتنوا الناس به … بل أكثر من هذا .. إن الذين في قلوبهم مرض والكافرين سيحاولون تحليل هذا الرقم …. ليتقولوا على الله سبحانه وتعالى … وليحاولوا أن يفسروا لكم : (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) .. وهذا ما يحدث الآن … ولو أن هؤلاء الكافرين والمضلين لم يأتوا ولم يستخدموا هذا الرقم بالذات ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) في الفتنة والإضلال … ولم يحاولوا بالكمبيوتر وغيره أن يقولوا لنا ( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) … لقلنا أن الله قد أخبرنا في القرآن عن كافرين ومضلين سيأتون ليضلونا ويحاولوا فتنتنا بالعدد تسعة عشر ولكنهم لم يأتوا … فكونهم أتوا … وكونهم استخدموا الكمبيوتر وغيره لينشروا عمليتهم هذه .. أكبر دليل يثبت الإيمان ويدلنا على أن الآية الكريمة التي وصفتهم بالذين في قلوبهم مرض والكافرين قد حددتهم بالذات … وهكذا يثبت الله الإيمان وينشر الدين بالكافرين ويجعل من هؤلاء الكافرين الذين جاءوا ليضلوا بآيات الله وبالقرآن الكريم يجعلهم مثبتين للإيمان ودليلا على صدق اليقين . وبذلك نعرف أن كل العبث الذي يقال عن الغيبيات الخمسة وعن رقم 19 … إنما هو نوع من الإضلال والضلال .. والعجب أن الذين يروجون أن الغيبيات الخمسة قد انكشفت هم أنفسهم الذين يروجون للرقم 19 … وما يدعون مما يحمل من معجزات

  خلق السماوات والأرض

خلق السماوات والأرض .. شيء هو من صنع الله سبحانه وتعالى حينما يتحدث عنه في القرآن الكريم فهو يتحدث عن شيء لا يعلمه إلا الله .. ماذا قال المستشرقون .. ؟ قالوا : إن القرآن الكريم قال في عدة سور .. أن الأرض والسماوات خلقتا في ستة أيام .. وفي سورة فصلت : أن أيام الخلق ثمانية .. وقالوا أنها هفوة بشرية .. ونسيان .. خرجوا من ذلك بأن قائل هذا الكلام هو محمد صلى الله عليه وسلم .. وهذا هو هدفهم .. تعالوا نناقش ماذا قال القرآن الكريم في سورة الأعراف : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وقال في سورة يونس : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي سورة الفرقان : (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) .. إذن أجمعت كل هذه الآيات على أن خلق السماوات والأرض وما بينهما تم في ستة أيام .. لا خلاف في ذلك ولا جدال .. فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى سورة فصلت .. حيث فصل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض يأتي في الآية التي تقول : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا) سورة فصلت إذا أحصينا عدد الأيام في السورة الكريمة .. نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول أنه خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها .. وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام .. ثم استوى إلى السماء .. ثم يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا) . إذا أحصينا أيام الخلق في سورة فصلت نجد أنها ثمانية يومان لخلق الأرض .. وأربعة أيام قدر فيها رزقها وبارك فيها .. أيام الخلق هذه ستة أيام .. يومان آخران للسماوات إذن فهي ثمانية أيام . يأتي هنا المستشرقون ليقولوا أن القرآن الكريم تناقض مع نفسه .. وأنه يقول في عدة آيات أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام .. ثم يأتي ليقول أن الخلق تم في ثمانية أيام .. ويضيفون أن هذه غفلة لأن قائله بشر .. ولو أننا دققنا في الآية الكريمة التي يجادلون فيها لوجدنا بدايتها تختلف عن الآيات السابقة فالله سبحانه وتعالى يقول : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ومن هنا بدأت الآية بمخاطبة الكافرين الذين يجعلون لله أندادا .. ويجادلون فيه أي أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخبرنا أن الذي يستخدم هذه الآية الكريمة في التشكيك في القرآن الكريم هم أولئك الكافرون الذين يريدون أن ينشروا ويذيعوا الكفر بين الناس .. ويريدون أن يجعلوا لله أندادا .. وهم في الحالتين غير مؤمنين يحاربون الله … ويحاربون دينه .. إن بداية هذه الآية معجزة .. لأن الذين يجادلون فيها .. هم أولئك الذين يحاربون هذا الدين .. ويكفرون بالله ويحاولون التشكيك .. فيكون الله سبحانه وتعالى قال في هذه الآية الكريمة ( وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا) وقال : ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) كأنما هو يخاطب هنا أولئك الذين سيأتون بعد قرون عديدة ليشككوا في القرآن الكريم مستخدمين هذه الآية بالذات في محاولة التشكيك … ونحن نقول لهم أن من يقول هذا الكلام .. إما أن يكون متعمدا أو غافلا من مدلولات النص , فالله سبحانه وتعالى يقول : (أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ثم يقول سبحانه وتعالى : ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) إذن الله سبحانه وتعالى يتحدث هنا عن اتمام خلق الأرض .. هو يعطينا تفصيل الخلق .. فيقول خلق الأرض في يومين .. ثم يتم بعد ذلك الحديث عن الخلق فيقول .. ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) مادام الحديث تتمة لنفس الشيء الذي بدأ الكلام عنه .. وهو الأرض .. أي أن الله سبحانه وتعالى لم ينتقل إلى الحديث عن السماوات .. وإنما هو يفصل كيفية خلق الأرض .. فهو يتم لنا زمن خلق الأرض .. فهو يقول : إنني خلقت الأرض في يومين .. ثم أتممت خلقها في أربعة أيام .. إذن فمدة الخلق , كلها بالنسبة للأرض هي أربعة أيام .. وليست ستة . الله سبحانه وتعالى يتحدث عن خلق الأرض .. فهو يقول سبحانه وتعالى .. انني خلقت الأرض في يومين .. ثم أتممت عملية الخلق بأن جعلت فيها رواسي من فوقها .. وباركت فيها أقواتها في أربعة أيام .. كأن الأيام الأربعة هي كل الفترة التي استغرقتها .. عملية خلق الأرض .. منها يومان لخلق الأرض … ويومان لاتمام الخلق بأن جعل لها الله سبحانه وتعالى رواسي من فوقها .. وبارك فيها أقواتها .. المدة كلها هي أربعة أيام .. وليست ستة أيام .. الله سبحانه وتعالى أراد أن يفسر لنا أنه خلق الأرض في يومين ثم أتم خلقها بكل ما فيها من أقوات ورواسي بما في ذلك خلق الأرض نفسها أربعة أيام .. فكأن اليومين الأولين جزء من الأيام الأربعة التي استغرقها خلق الأرض .. وهكذا نجد أن التناقض وهمي .. وأن المستشرقين أرادوا أن يستغلوا عملية تفصيل الخلق التي أوردها الله في سورة فصلت ليشككوا في القرآن .. وكان الله عليما قبل أن يبدلوا .. تبدأ الآية الكريمة بقوله : (أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا) بدأها بهذا الكلام ليقول لنا من هم الذين سيجادلون في هذه الآية وينشرونها بالطريقة التي تهواها أنفسهم للأضلال عن سبيل الله .

 الآفـــــــــاق

قال تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى سنريهم آياتنا في الأرض واستخدم بدلا منها لفظ الأفاق .. ونحن نعلم أن القرآن , هو كلام الله سبحانه وتعالى , غاية في الدقة وفي اختيار اللفظ الذي يطابق المعنى تماما . إن الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا إلى أنه سيكشف لنا في المستقبل آياته في الأفاق التي لا نعرفها حتى الآن .. أي أن الله سبحانه وتعالى سيكشف لنا أكثر من آية ليست في الأرض فقط .. بل في الأفاق المحيطة بالأرض .. ولعل وصول الإنسان للقمر .. ومحاولة وصولة للمريخ .. وكل ما يحدث من محاولة الكشف عن أسرار الكون في الآفاق المحيطة بالأرض .. يأتي مصداقا لهذه الآية الكريمة ..

ولكن بعض الناس يغتر بالعلم .. ناسيا أو متناسيا .. أن هذا العلم قد خرج إلى البشر بقدرة الله سبحانه وتعالى . ولكن بعض الناس يحاول أن يفلسف العبادات بقدر طاقة العقل .. فيأتي المستشرقون مثلا يحاولون التشكيك في القرآن الكريم فيقولون ان الله سبحانه وتعالى قال (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ومع ذلك يأمرنا أن نتجه إلى القبلة في صلاتنا وهي بيت الله الحرام وتكون الصلاة باطلة إذا لم نتجه إلى القبلة . إذا كان الله سبحانه وتعالى في كل مكان .. في المشرق والمغرب .. وأينما وليت وجهك فثم وجه الله .. ألا يتعارض ذلك مع وجود مكان محدد يجب أن نتوجه إليه في الصلاة إلى الله سبحانه وتعالى . فالقضية هنا قضية إيمانية كبرى .. أساسها الاعتراف بالألوهية .. وبأن الله سبحانه وتعالى علمه فوق كل علم .. وأنه مادمت قد آمنت بالله .. وأسلمت بهذه القوى الكبرى .. فإن الله سبحانه وتعالى بحق الألوهية يختار لك الطريق الأحسن والأصوب .. وأنت تتبع هذا الطريق لأنه جاء من الله سبحانه وتعالى .. هذه هي قضية الإيمان والتسليم .. وذلك كما قلنا , أن القدرة هنا ليست متساوية .. والعقل ليس متساويا .. وشتان بين قدرة الله سبحانه وتعالى وقدرة العقل البشري .. والإيمان بالله أساس التسليم بألوهيته .. ولهذا أتى الله سبحانه وتعالى بمسألة القبلة . مكان القبلة لا يكلف المؤمن شيئا .. أي لا يضيف عليه أعباء جديدة أو مشقة .. فالتوجه إلى المشرق أو التوجه إلى المغرب .. أو التوجه إلى اليمين أو اليسار .. كل هذا لا يكلف المؤمن مشقة في صلاته .. فهو لا يتحمل مشقة إذا توجه إلى المغرب بدلا من المشرق .. ونفس الجهد الذي سيبذله في التوجه إلى أي جهة .. جهد متساو

 من هم الكاذبون ؟

قال المستشرقون عن القرآن الكريم .. التناقض الذي يدعون إنه موجود به .. وهم في كل ما يثيرونه إظهار لإعجاز القرآن الكريم .. قول الله سبحانه وتعالى في سورة المنافقون : ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) سورة المنافقون

يقول المستشرقون إن المنافقين قد شهدوا أن محمد رسول الله .. وأن الله يعلم أن محمدا رسوله .. ويعلم أيضا أن المنافقين كاذبون .. كيف يكون المنافقون كاذبين وهم شهدوا بما شهد به الله .. كيف تكون الشهادتان متفقتين .. في أن محمدا رسول الله ومع ذلك يكون المنافقون كاذبين .. مع اتفاق ما شهدوا به .. مع علم الله .. مع أن الكذب هو عدم مطابقة الكلام للواقع .. فهل كلام المنافقين بأن محمدا رسول الله ليس مطابقا للواقع ؟ هذا تناقض .. هكذا يقول المستشرقون .. نأتي بعد ذلك إلى معنى الآية الكريمة .. هم أي المنافقين قالوا : ( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) إذن فهي قضية صادقة .. فكيف يقول الله سبحانه وتعالى إن المنافقين كاذبون ؟ هل التكذيب هنا يقع على انك : لرسول الله لا .. محمد رسول الله هذا صدق التكذيب هنا يقع على كلمة ( نَشْهَدُ) لأنهم قالوا .. نشهد إنك لرسول الله .. فالتكذيب وارد على كلمة نشهد لأن معنى الشهادة .. إننا نقول بألسنتنا ما في قلوبنا .. والله يعلم إن ما في قلوبهم يخالف ما يقولونه بألسنتهم .. إذن فقولهم (نَشْهَدُ إِنَّكَ) .. كلمة نشهد .. هم كاذبون فيها .. كاذبون في أمر الشهادة .. لأنهم لا يشهدون .. ولا يؤمنون .. إن محمدا لرسول الله .. إنما جاءوا لينافقوا بهذا الكلام .. لا عن صدق .. ولكن عن نفاق .. محمد رسول الله لا تكذيب فيها .. ولكن التكذيب منصب على كلمة ( نَشْهَدُ) .. في ذلك قال الله سبحانه وتعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) وهنا فرق بين الشاهد والمشهود به .. فرق بين تكذيب الشهادة .. وبين تكذيب المشهود به .. المشهود به إنك رسول الله صحيح مائة في المائة .. ولكن شهادة المنافقين هي المكذبة .. ومن هنا ترى دقة التعبير في القرآن الكريم .

اتى فلا تستعجلوه

يمضي المستشرقين في الحديث عن القرآن الكريم فيقولون انه في سورة النحل يقول القرآن : ( أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) . كيف يمكن أن يقول الله سبحانه وتعالى .. اتى ثم يقول لا تستعجلوه .. اتي فعل ماض .. لأنه حدث .. ولا تستعجلوه مستقبل .. كيف يمضي هذا مع ذلك .. نقول لهم أنت حين تتحدث عن الله سبحانه وتعالى .. فيجب أن تضع في عقلك وذهنك وتفكيرك إن الله ليس كمثله شيء .. أنت لك قوة .. ولله قوة .. ولكن قوتك كقوة الله سبحانه وتعالى ! أنت لك قدرة ولله قدرة ..

ولكن هل قدرتك كقدرة الله سبحانه وتعالى .. أنت تعيش في الزمن .. والله سبحانه وتعالى لا زمن عنده .. انه منزه عن الزمن .. اتى هذه في علم الله سبحانه وتعالى .. حدث .. ومتى .. قال الله سبحانه وتعالى اتى فقد حدث وتم .. وانتهى في علم الله سبحانه وتعالى .. في علم اليقين .. ولكن الأشياء تخرج من علم الله سبحانه وتعالى إلى علم البشر .. تخرج بكلمة كن .. الله سبحانه وتعالى حين يريد أن ينقل شيئا من علم الله سبحنه وتعالى إلى علم الإنسان .. فإن كلمة (كُن) .. تكون الأمر الذي يحمل التنفيذ .. الله سبحانه وتعالى عنده علم الساعة .. ومادام قد تقرر .. فليست هناك قوة في هذه الدنيا تستطيع أن تمنع حدوثه .. إنه لا محالة .. فلا تطلبوه بكلمة كن .. وأنتم في عجلة .. لماذا ؟ لأن المؤمن الحقيقي إذا كان يخشى شيئا فإنه يخشى يوم الساعة … ويوم الحساب .. وإذا كان يخشى شيئا .. يخشى عدل الله سبحانه وتعالى .. الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها : ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) الصغيرة قبل الكبيرة .. وإذا كان لا يترك شيئا صغيرا فماذا يفعل في الكبائر .. والإنسان المؤمن يخاف يوم الحساب ويخشاه مهما كان إيمانه .. إنه يرتعد من هول ذلك اليوم .. أما الإنسان الكافر المتحدي فإنه والذي عن جهل .. وعن عدم ادراك .. لا يعرف معنى الآخرة .. ولا معنى الحساب .. ومن هنا فهو يستعجل .. يريد أن يصل إلى الآخرة … ولوعلم ما فيها .. وما ينتظره فيها .. لما ذكرها على لسانه .. فحينما يقول الله : (أَتَى أَمْرُ اللّهِ) أي أن الساعة تقررت … وانتهى أمرها .. تم الأمر فلا تستعجلوه لا تتعجلوا يوم الحساب .. انكم تجهلون ما فيه من أهوال .. إذن فهي بالنسبة لله تم وانتهى … ولكنه بالنسبة لي أنا مستقبل .. فليس هناك أي تناقض بين استخدام الماضي والمستقبل .. لأن اتى أمر الله في علم الله سبحانه وتعالى .. ولكنه في علمي أنا .. وفي ادراكي أنا .. وحتى يصل إلى أنا لا يزال مستقبلا حينما يقول الله كلمة ( كُن) وينفخ في الصور .. وهل يملك إنسان أن يمنع الله سبحانه وتعالى من تنفيذ أمر قدرة .. لا قدرة فوق قدرة الله .. من الذي يمنع أمر الله يأتي مادام قد قال (أَتَى) أنت لا تملك مقومات الغد .. ولكن الذي يملك مقومات الغد هو الله سبحانه وتعالى اتى … إذن فقد تم فعلا .. ولكن محجوب عنى .. لذلك قال تعالى : (فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ)

يحملون أوزار غيرهم

يقول المستشرقون إن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الأنعام : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وفي سورة فاطر : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وفي سور النجم : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ثم يأتي الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت ويقول : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) . كيف يمكن أن يحدث ذلك ..؟

الله قضى بأنه لا تزر وازرة بأخرى ثم هنا يقول .. وليحملن أثقالا مع أثقالهم أي أوزارا مع أوزارهم أليس هذا تناقضا .. لقد نسي محمد .. هكذا هم يريدون أن يقولوا .. ولكنهم يجهلون إعجاز القرآن في التعبير .. نقول لهم انه : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) معناها أن كل إنسان يحمل ذنبه .. ولكن بعض الناس يوم القيامة يحملون ذنوبا مع ذنوبهم .. من هم ؟ .. المضلون الذين يأتون في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيل الله .. الوزر في الآية الأولى هو وزر الضلال .. فإذا كنت أنا ضالا .. وأنت ضال .. وفلان ضال .. كل منا يحمل وزره على نفسه .. فكل منا يحمل ضلاله ووزره .. فمن هنا فإنه لا يحمل ضال وزر ضال آخر .. ولكن هناك الضال .. وهناك المضل .. الضال هو من يضل الطريق .. يكفر بالله سبحانه وتعالى .. هذا هو الضال ..أما المضل فإنه لا يكتفي بأنه هو في الضلالة .. لكن يضل غيره .. أي يأتي إلى رجل مؤمن .. يحاول أن يجعله يكفر .. ربما ينجح في ذلك .. هؤلاء الناس المضلون لا يحملون أوزارهم فقط .. ولكن لهم نصيب من كل وزر يرتكبه الذي أضلوهم .. مصداقا للآية الكريمة في سورة النحل : ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) سورة النحل إذن من يضل الناس .. ويعمل على نشر الكفر والإلحاد .. والذين لا يكتفون أنهم هم في الضلالة .. وحدهم ولكنهم يريدون أن يضلوا غيرهم .. لهم نصيب من كل وزر يقوم به أولئك الذين أضلوهم .. فأنا مثلا حين آتي بإنسان لا يشرب الخمر .. وأظل أغريه حتى أجعله يشرب الخمر .. ولي وزر لأنني أضللته وساعدته على المعصية .. وظللت أزينها له حتى وقع فيها .. ومن هنا فإن الآية الأولى التي تقول : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .. يقصد بها الضالين .. أما الآية الثانية التي تقول : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) ويقصد بها المضلين الذين يضلون عن سبيل الله .. فهل نصيب من أوزارهم أولئك الذين أضلوهم .. والذين اتجهوا بهم إلى الكفر والإثم والعصيان .. فلا تناقض في القرآن الكريم أبدا وإنما بلاغة ودقة في التعبير .. تجعل اللفظ والمعنى منسجمين تماما

مثل التحدي

سبحانه وتعالى لم يضرب للكافرين الأمثال فقط على ما هم فيه من ضلالة ليقرب المعاني إلى عقول المؤمنين . . بل تحدى الله سبحانه وتعالى .. بدقة الخلق .. وتحدى بقدرة الخلق . . ففي سورة البقرة قال الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) عندما نزلت هذه الآية قال أهل الكفر والنفاق ..

ولكن الله سبحانه وتعالى .. ضرب الأمثال بهذه الكائنات .. ليصور العلاقة بين أضعف المخلوقات وبين مقدرة الخالق .. وبين ادعاء المشركين .. بأن الله له شريك في الكون . إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. يتساءل بعض الناس : كيف يقول الحق سبحانه وتعالى في معرض ضربه للأمثال تقريبا لأذهان عبادة إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا .. نقول أن الله سبحانه وتعالى حين يصف نفسه بصفة .. أو يسمى نفسه أسماء كالرحمن والرحيم .. والعزيز .. والقدير .. فهذه نسميها أسماء الله .. أو صفات الله .. ولكن حين يسند الله سبحانه وتعالى إلى ذاته فعلا .. فإننا لا نشتق من هذه الفعل أو تلك الأفعال أسماء لله أو صفات لله .. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر اله والله خير الماكرين . يتحدث الحق سبحانه وتعالى عن صراع بين الكفار وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فالكفار يريدون أن يمكروا بالرسول عليه الصلاة والسلام بتدبير أمورهم كلها سوء وأذى .. وهم يحسبون في ذلك .. أنهم في سريتهم وحذرهم .. وهم يدبرون خطط الشر والايذاء .. ويحسبون أن الله غير محيط بهم .. ولكن قدرة الله محيطة بهم .. ولذلك فهي تعد لهم من الأحداث ما لا يعرفونه .. وما يفسد خططهم تماما .. هنا لا نستطيع أن نقول أن خير الماكرين اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى .. لأن الفعل هو المكر منسوب إلى الله سبحانه وتعالى في قوله خير الماكرين ..وإنما يريد أن يقول لنا أنه قادر على حماية رسول الله من مكر أرادوا أو لم يريدوا .. ويسمى ذلك في اللغة مشاكلة . فإذا سأل سائل .. فكيف ينسب إلى الله القول أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا . فالاجابة هي أن الله يرد على الكفار الذين قالوا ألا يستحي رب محمد أن يضرب مثلا بكذا وكذا .. وفي تلك لفتة إلى أن علم الله أعلى من علمهم .. وأن ما يعتبرونه هم شيئا تافها .. لا يستحق من الله سبحانه وتعالى أن يضر مثلا به .. إنما في الحقيقة فيه قدرة وحكمة تجعل الله يضرب لنا هذا المثل فقول الله إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. فذلك ليس معناه أنه تغيير قسرى أو خوف من فعل شيء يعاب عليه .. والله جل وعلا منزه عن ذلك تمام التنزيه المطلق .. والله يغير ولا يتغير .. ويفعل ولا ينفعل .. ولكن هذا بيان لجهل الكافرين الذين تساءلوا عن استحياء الخالق في أن يضرب مثل هذا المثل .. ذلك أنهم تساءلوا عن شيء يدل على عدم العلم .. وعدم القدرة على الفهم .. فهم كما قلنا قد نظروا إلى المظاهر وهو الحجم .. ونظروا إلى الضعف الظاهري .. ولكنهم لم يفطنوا إلى قدرة الخالق في الدقة .. وفي الاعجاز . ولذلك فإنهم عندما قالوا وهم لا يعلمون ألا يستحي الله .. رد الله عليهم بأنه لو علمتم القدرة والحكمة وأوتيتم من العلم .. لعرفتم أن هذا المثل لابد أن يضربه الله سبحانه وتعالى .. وأن هذا المثل أن يشيع بين الناس .. وهو يأتي من ضرب النقود .. أي سكها حتى تصبح صالحة للتداول بين البشر .. إذن الله سبحانه وتعالى يريد لهذا المثل أن يتداول بين الناس .. ويريد أن يقول للكفار أنه لا يوجد في هذا المثل ما يجعل من يضربه يستحي منه .. بل توجد فيه من مظاهر القوة والقدرة ما لابد أن يبين للناس . ثم يقول الله سبحانه وتعالى بعوضة فما فوقها .. إذا أخذنا البعوضة على قلة حجمها بالنسبة للإنسان .. فإن في هذه عظمة للخالق .. حين قال سبحانه وتعالى فما فوقها .. أي ما أصغر منها .. نقول .. إذا تأملنا التقدم العلمي الذي عتم في العالم . نجد أن هذا التقدم والرقي يسير نحو الدقة وكلما ارتقى العلم وتقدمت البشرية .. مالت الأشياء إلى الدقة وصغر الحجم .. والله سبحانه وتعالى يريد ان يقول للكفار .. أنتم التفتم إلى صغر حجم بعوضة بالنسبة لحجم الانسان فاحتقرتموها .. ولكنكم لم تلتفتوا إلى دقة الخلق .. فإن هذه البعوضة بحجمها المتناهي في الصغر تحمل معها كل أجهزة الحياة .. من عيون ترى . وأجمحة تطير .. وأجهزة جنسية لحفظ النوع .. جهاز هضمي للطعام وإخراج الفضلات وكل مقومات الحياة .. لم تلتفتوا إلى دقة الصنع وعظمة الخالق الذي وضع كل سبل الحياة في هذه المساحة الصغيرة .. ولو أنكم التفتم إلى هذا لعرفتم الحكمة من المثل .. ولأدركتم أن هذه البعوضة الصغيرة التي تستهينون بها في مثل حي وضعه الله أمامكم على دقة الخالق وقدرة الخالق , وفي أن يجمع كل تلك الأجهزة اللازمة لحياة هذا الكائن الحي في هذا الحجم الصغير .. ولكنها سطحية التفكير وعدم القدرة على التمييز في عقول الكافرين

السؤال ليس للعلم

يقول الله في سورة الرحمن : ( فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) .. ويقول في سورة الصافات : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) في الآية الأولى نفي السؤال … وفي الآية الثانية هناك إثبات للسؤال كيف يكون ذلك .. هنا يأتي المستشرقون ليقولوا هذا تناقض في القرآن الكريم .. كيف يقول الله سبحانه وتعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) ثم يقول سبحانه وتعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) هذا تناقض … محمد نسي ..

نقول لهم إنكم تقولون ذلك لأنكم جهلتم ماذا كان السؤال .. والسؤال نوعان … نوع تسأله لتعلم .. ونوع تسأله ليكون المسؤول شاهدا على نفسه .. التلميذ حين يسأل أستاذه .. يسأله ليعلم .. ليعرف العلم .. ولكن حين يسأل الأستاذ تلميذه .. هل يسأله ليتعلم أو ليعلم .. لا .. فالأستاذ يعرف أضعاف أضعاف تلميذه .. ولكنه يسأله ليكون التلميذ شهيدا على نفسه لا يستطيع أن يجادل .. أو يقول : لقد ذاكرت وهو لم يقرأ حرفا .. الأسئلة في الامتحانات مثلا لا تقوم وزارة التعليم بوضعها .. لأنها تجهل ما يعرفه الطلبة … فتريد أن تستزيد منهم علما .. ولكن ليكون الطالب شاهدا على نفسه فلا يستطيع أن يجادل .. ورقة الإجابة موجودة وهي شاهد على درجة الطالب .. إن كان ممتازا أو ضعيفا .. أو لا يعرف شيئا على الإطلاق .. فالآية الكريمة : (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) تنفي السؤال للمعرفة … والله أعلم بذنوبهم .. الله سبحانه وتعالى يعلم .. وبالتالي فهو غير محتاج .. لأن يسأل للعلم .. وغير محتاج لأن يعرف منهم .. لأنه أعلم منهم .. ومن هنا لا سؤال .. لأن السائل أعلم من المسؤول .. فلا يكون السؤال للعلم .. ولذلك يقول الله : (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) أما في الآية الثانية : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) .. أي أنكم ستسألون لتقرروا الحقيقة والواقع في الحساب .. لا لتقولوا شيئا لا يعلمه الله .. لتكونوا شهداء على أنفسكم .. وهذا ما تفسره الآيات التي قبلها .. والتي بعدها .. فإذن أين هو التعارض .. وأي تناقض هذا الذي زعمه المستشرقون في القرآن .. فالله سبحانه وتعالى .. يتحدث عن الكافرين والمكذبين .. لذلك تقول السورة : ( وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ .. وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ .. هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ… احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ … مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ… وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) السؤال هنا ليس للعلم .. ولكن إنهم مسؤولون ليكونوا شهداء على أنفسهم .. هذا الذي كنتم به تكذبون .. هذا ما عبدتم من دون الله .. والآن جاء وقت الحساب .. لتكونوا شهداء على أنفسكم يوم القيامة .. أين ما كنتم تعبدون من دون الله .. يسألهم عما كانوا يعبدون من دون الله .. ثم يقول الله سبحانه وتعالى : ( مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ) لماذا لا ينصركم أحد .. لماذا لا تنصركم ألهتكم .. السؤال هنا ليس للعلم .. ولكن ليكونوا شهداء على أنفسهم .

لماذا …. الأم وحدها

قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) وفي سورة لقمان : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان

نجد أن الله سبحانه وتعالى أوصى بالوالدين .. ثم ذكر الأم وحدها دون الأب .. يأتي هنا بعض المستشرقين ويسألون : كيف أن الله سبحانه وتعالى لم يوص إلا بالأم .. ثم ذكر في أول الآية الأم والأب .. وفي آخر الآية الأم والأب .. دون أن يوصي بالأب .. ثم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يوصي من ؟ . هل هو يوصى الطفل وهو رضيع في حالة الحمل والولادة .. وهل يفقه المرحلة .. إذن من يخاطب القرآن .. ؟ إذا كان يخاطب الطفل وهو رضيع .. فهو يخاطب إنسان لا يعقل .. وإذا كان يخاطبه بعد أن كبر فهو يخاطب إنسانا عن فترة لا يتذكرها .. ولا يعرفها .. ؟!! نقول له انك لم تفهم هذه الآية .. فالله سبحانه وتعالى في توصيته بالأم قد اختصها لأنها تقوم بالجزء غير المنظور في حياة الابن أو غير المدرك عقلا .. بمعنى أن الطفل وهو صغير في الرضاعة .. وفي الحمل والولادة .. وحتى يبلغ ويعقل .. الأم هي التي تقوم كل شيء .. هي التي تسهر ترضعه .. وهي التي تحمل .. وهي التي تلد .. فإذا كبر الطفل وعقل من الذي يجده أمامه ؟ أباه … إذا أراد شيئا فإن أباه هو الذي يحققه له .. إذا أراد مالا .. كل هذا يقوم به الأب .. إذن فضل الأب ظاهر أمامه .. أما فضل الأم فهو مستتر .. ولذلك جاءت التوصية بالأم أكثر من الأب … لماذا ؟ لأن الطفل حينما يحقق له أبوه كل رغباته .. يحس بفضل أبيه عليه .. ولكنه نادرا ما يقدر التعب الذي تعبته أمه .. وهو يزيد أضعاف أضعاف ما يقدمه له أبوه .. ومن هنا جاءت التوصية بالأم .. حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمك .. أمك .. أمك .. ثلاث مرات … ثم قال أبوك .. ولكن ما هو الهدف من هذا التذكير إذا كان الإنسان لا يعقل هذه الفترة .. لا يتذكرها من حياته مطلقا .. الهدف هو أن يرى ذلك على غيره .. ينظر إلى الأمهات ليرى كيف يتعبن .. وكيف يعانين ويقاسين .. وكيف يسهرون على أطفالهن .. وماذا يتحملن من مشقة .. وعندما يراه على غيره يدرك أن هذا قد حدث له .. ويحس به .. ولذلك يرد الجميل .. الله سبحانه وتعالى يريد أن يذكرنا بتعب الأم ويخصها بالذكر أكثر .. لأن تعبها غير واضح في عقل الابن .. بينما الأب ما يفعله واضح وظاهر أمام الطفل .. هذا هو الهدف من الآية الكريمة ..

هل رأى محمد ؟

يقول الله تعالى في سورة الفيل مخاطبا محمدا صلى الله عليه وسلم .. ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) بعض المستشرقين يقول هذا قصور في التعبير … ( أَلَمْ تَرَ) هل رأى محمد عليه السلام عام الفيل .. لقد ولد في عام الفيل .. إنه لم ير .. لو قال الله سبحانه وتعالى ألم تعلم .. لقلنا علم عن غيره .. فالعلم قد تحصل عليه أنت .. وقد تحصل عليه عن طريق من علمه من غيرك من البشر .. ولكن الله سبحانه وتعالى حين يقول ألم تر .. يقول المستشرقون في هذا .. إن التعبير قد خان محمدا عليه السلام .. فهو لم ير .. وقوله ألم تر مجافاة لحقيقة واقعة ثابتة . ولكن الذي فات هؤلاء إن هذه قضية من قضايا الإيمان .. ما يقول الله سبحانه وتعالى للإنسان المؤمن .. هو رؤية صادقة .. والقرآن هو كلام متعبد بتلاوته لا يتغير ولا يتبدل … فعندما يقول الله ( ألم تر ) .. معناها أن الرؤية مستمرة لكل مؤمن بالله .. ذلك لأن الرؤية هنا رؤيا معجزة كبرى … والله يريدها أن تثبت في عقولنا .. كما تثبت الرؤية تماما .. لماذا ؟ لأن قضية الإيمان الكبرى هنا هي إن الله سبحانه وتعالى في معجزة قد خلق من الضعف قوة .. وهذه لا يستطيع أن يفعلها إلا الله . أنا أستطيع أن أعين شخصا ضعيفا .. على أن يحمل حملا ثقيلا .. بأن أحمل عنه هذا الحمل .. ولكني لا أستطيع ولا أقدر أن أجعل هذا الرجل الضعيف قويا .. بحيث يقوم هو بنفسه بحمل هذا الحمل الثقيل .. ولكن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يستطيع أن يخلق من هذا الضعف الذي لا حول له وقوة قويا يهزم أقوى أقوياء العالم .. وأقوى ملوك الدنيا .. وهو إنسان ضعيف لا حول له ولا قوة .. هذه هي إحدى معجزات الله … ومن هنا فإن الذي حدث في عام الفيل … أن طيرا أبابيل تمسك في مناقيرها حجارة صغيرة جاءت .. وهزمت جيشا من الأفيال ..أقوى جيش في العالم .. في ذلك الوقت … ولو انني عقلا ومنطقا قلت لإنسان أن طيرا … أو مجموعة من العصافير قد هزمت فيلا لسخر منى … ذلك أن الفيل يستطيع أن يهلك مئات الطيور دون أن يصاب بأذى … بل أن الطير يقف على ظهر الفيل … فلا يحس الفيل به .. فكيف يكون هذا الطير يأتي وكونه يفنى هذا الجيش العظيم .. فقد استخدم الله أضعف مخلوقاته .. ليهزم خلقا من أقوى مخلوقاته .. وهذه معجزة لا يمكن أن تتم إلا على يد الله سبحانه وتعالى . بل إن البعض العلماء قد أخذ يتشكك في هذه الناحية من كثرة ما تناولها المستشرقون .. فادعى أو قال بعضهم إن الذي فتك بجيش أبرهة هو الأمراض والجراثيم التي سلطها الله على هذا الجيش .. وأنا لا أتفق مع هذا المعنى .. فعام الفيل حدث عند مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم … ورسول الله بعث في الأربعين من عمره .. أي أنه في ذلك الوقت كان هناك من هم في سن الخامسة والخمسين .. والستين .. والخامسة والستين .. والسبعين .. ومن هم فوق ذلك .. ممن رأوا عام الفيل .. رأي العين .. ولو أنها لم تجعل هذا الجيش عصفا مأكولا .. وهو ما يحتاج إلى أسابيع بالنسبة لأي جسم حيواني .. أو بشرى .. لكان هؤلاء الناس قد ماتوا وقالوا إن ما يقوله محمد غير صحيح .. لقد شهدنا عام الفيل .. ولم نر طيرا تأتى … ولم نرها تفنى أعظم جيش بأحجار صغيرة تحملها في مناقيرها .. ولم نر هذا الجيش يتحول إلى عصف مأكول في لحظات .. فلأن أحدا لم يستطع أن يكذب هذه الواقعة … وقت نزولها ممن رأوها .. دليل على أنها حدثت كما رويت في القرآن الكريم .. وليست محتاجة إلى تفسير لأن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء … ومن هنا فإنه في القضايا الإيمانية يكون كلام الله سبحانه وتعالى هو الرؤية الدائمة التي تتمثل أمامنا .. والتي تتكرر باستمرار في الحياة .. فكم من قوي خذله الله وجعل نهايته على يد أضعف الضعفاء . كلام الله سبحانه وتعالى بالنسبة للؤمن .. هو يقيني بمثابة الرؤية الدائمة .. ولذلك قال لله سبحانه وتعالى (أَلَمْ تَرَ) حاضر متجدد مستمر يحدث وسيحدث على مر السنين إلى يوم الساعة .. إنه قضية الحق ينصر الله المظلوم علي الظالم .. مهما كانت قوة الظالم , ومهما كان ضعف المظلوم .. تلك قضية إيمانية كبرى يجب أن تراها في قلبك إذا كنت مؤمنا .. وتراها رؤية اليقين ( أَلَمْ تَرَ) .. هذا هو الإيمان .. وهذه هي الحكمة في استخدام كلمة ( أَلَمْ تَرَ) .. تجعل المؤمن يحس بقوة الله وقدرة الله في كل ما يحدث .. بالنسبة للحق والباطل .. وقضايا الحق .. وقضايا الباطل .. حتى قيام الساعة …