حبس – سجن – امساك – توقيف – اثبات – حجر – رباط
هذه المنظومة كلها في عمليات الحبس ومراحله ولكل كلمة معنى خاصاً بها تتميّز عن غيرها من كلمات المنظومة. والحبس ليس نوعاً واحداً ولا له مرحلة واحدة بل لكل مرحلة إسم. ونستعرض فيما يلي هذه الكلمات ومعنى كل منها على حدة:
الإمساك: وهو المنع عن التخلية والإرسال وهو أول مرحلة من مراحل الحبس لأن أول ما يفعله رجال الشرطة في حق متهم هو أن يمسكوا به والإمساك يكون بلا جراح أي لا يحصل مواجهة بين المتهم والشرطة. (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة فاطر آية. 2، (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة آية 225، (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) سورة النساء آية 15.
الإثبات: إذا تمّت عملية الإمساك لكن مع جراح ومواجهة أو إذا حاول الممسوك الهروب فأُطلق عليه النار فأُرهق عن الفرار يسمى إثباتاً (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) سورة الأنفال آية 30.
التوقيف: سواء كانت العملية إمساكاً أو أثباتاً بعد الإصابة بجرح يعيقه من الفرار يوضع الممسوك في التوقيف (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) سورة الصافات آية 24، (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنعام آية 27.
الحبس: بعد التوقيف تأمر الشرطة بحبس الممسوك على ذمة التحقيق وفي هذه المرحلة يكون الحبس مؤقتاً لأن الممسوك يروح ويجيء إلى التحقيق وجلسات الإستماع وغيره وهذه المرحلة تكون قبل صدور الحكم على الممسوك. لذا هذه الفترة تكون مؤقتة وقصيرة وليس فيها عنت. (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ) سورة المائدة آية 106، (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) سورة هود آية 8.
السجن: بعد أن يُحكم على الممسوك بالعقوبة المناسبة ويُحكم بسجنه لمدة محددة قد تطول أو تقصر حسب القضية. وتسمى هذه المرحلة السَجن بفتح السين والمكان الذي يُنفّذ فيه الحكم السِجن بكسر السين.( وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة يوسف آية 25، وردت في الآية كلمة السجن أي بمعنى المكان الذي يسجن فيه وهو بكل غلظته أهون عليه من الوقوع في الفاحشة ولم يقل السَجن بمعنى العقوبة والسجن يؤلّف بين المساجين فكان يوسف u ينصح أصحاب السجن ويؤل لهم أحلامهم ويتحدث معهم. هذه القصة وقعت قبل 2000 عام قبل الميلاد ونحن الآن 2000 عام بعد وفي خلال هذه السنوات العديدة 4000 سنة كان الناس وما يزالون يزجّون في السجن بدون حبس سابق أو محاكمة حتى يموت أو يُطلق سراحه بعد سنين عديدة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) سورة يوسف آية 32، (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) آية 42.
وأهون على الإنسان أن يُحبس 50 عاماً من أن يُسجن بلا محاكمة ولمدة غير محددة ولهذا في الشرع يجب أن يعرف السجين الحكم عليه ومدة الحكم.
وكلمة السجّين من مشتقلت كلمة السجن (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) سورة المطففين آية 7 ، والفرق بينها وبين السجن أن السجن ليس فيه تعذيب أما السجّين فكله تعذيب ويُلقى السجين في غياهب السجن مثل الأشغال الشاقة في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة.
الحِجر: يختلف عن الحبس بالمعنى فالحبس يعني منع المتّهم من رؤية الناس أما في حالة الحِجر فهو منع الناس من رؤية المتهم تماماً كما يحصل في حالة الحجر الصحي للمصاب بداء معدي حتى لا يعدي غيره من الناس فيُوضع في الحَجر أو في حالة من مُنع من التصرف بماله وأحواله (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا) سورة الفرقان آية 22 .ويسمّى ما يحاط بالحجارة حِجراً وبه سُمّي حِجر الكعبة وديار ثمود (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) سورة الحجر آية 80. ويقال حجر الممنوع منه بتحريمه (وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) سورة الأنعام آية 138، ويقال للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعوه إليه نفسه (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ) سورة الفجر آية 5.
الرباط: وهو محبس الخيل. عندما تُوقف الخيل في سبيل الله توضع في مكان يسمى الرباط (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) سورة الأنفال آية 60. وقد استعير هذا اللفظ لمحبس الجيش ففي العصور السابقة لم يكن هناك جيش نظامي فلما صار هناك جيش نظامي أصبح هناك ثكنات يًحبس فيها الجيش فإذا كانت هذه الثكنات على حدود العدو تسمى رباط ومنها ما أطلقه الرسول r على أرض فلسطين (هم في رباط إلى يوم الدين).
والحبس هو أخطر على السلطة القضائية أو التنفيذية حبس إنسان ولو يوماً واحداً بدون وجه حق أو تأخير إطلاق سراحه إهمالاً أو ظلماً بعد انتهاء مدة عقوبته. (حديث المرأة الصالحة التي أدخلت النار في هرّة حبستها) وفي رواية أخرى (في هرّة سجنتها). وهناك نوعان من الحبس: الحبس تاشريف والحبس الخسيس.
أما أشرف أنواع الحبس فهي الأوقاف وهو ما يُسمى في الشريعة الإسلامية(الحُبُس) وهي ما يوقف الناس من أملاكهم وأموالهم وخيولهم للخير في سبيل الله أو في طلب العلم أو المساجد أو غيره. والأوقاف هي من أشرف أنواع الحُبُس فإذا حبس أحدهم خيلاً في سبيل الله فإن كل حركات الخيل وطعامه وشرابه فيه أجر لمن أوقفه في سبيل الله. ومال الحُبُس أو الأوقاف من الأموال الثلاثة المحميّة في الإسلام: مال بيت المال ومال اليتيم ومال الحُبُوس). زمن الحُبُس الكريمة أيضاً (المشاة) في الجيش فهم موجودون أو محبوسون في مكانهم وليسوا كالخيّالة الذين هم أكثر تأثيراً في الحرب.
أما أخسّ أنواع الحبس وأخطرها نوعان: الدّين لأن نفس المؤمن معلّقة بدينه لا ترتفع إلا إذا وفّي وصاحبه يُحبس عند باب الجنة حتى يُقضى دينه. لذا فقد كان جزاء من يبرئ الدين عظيماً في الإسلام لأنه يُنقذ صاحبه من عذاب البرزخ. وثاني أخطر أنواع الأحباس: الغنى، لأن الغني (والغني هو من يملك قوت يومين) يّحبس إذا كان حوله من كان محتاجاً أو مديناً أو جائعاً أو فقيراً فلم يعطهم أو يدفع عنهم.فيجب على الغني أن يُخصص جزءاً من ماله الذي يزيد على حاجاته لقضاء حاجيات المحتاجين من حوله وعليه أن يتحرى ليعلم المحتاجين من حوله من أهل وأقارب وجيران وغيرهم.
ومن الأحباس الجميلة في الدنيا الحبس الإختياري كأن تحبس المرأة نفسها عن الزواج بعد وفاة زوجها لتربية أولادها مثلاً. وقد قيل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
بثت الحلقة بتاريخ 14/12/2003 م