الحزن– الضَيْق – الحسرة – الأسف – الابتئاس – الهمّ – الغمّ – النّكد – الأسى
الحزن كلمة تنطوي تحتها عدة كلمات كلها تُشكّل منظومة الحُزن. وهذه الكلمات تُعبّر عن حالة ضد الفرح والسرور والارتياح وكل كلمة ترسم في هذا الباب زاوية دقيقة لا تُغني عنها كلمة أخرى.
الحزن: عندما يغلب على مشاعرك شيء تكرهه وتأسف على ما فات فأنت تحزن وسٌمّيَ حينئذ حزناً، وهو أعمّ وأشمل من أية كلمة (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه) (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) القصص) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل). وينقسم الحزن إلى عدة حالات:
الضَيْق: من الحون ما هو ضيق أي الشعور بعدم تحقيق الهدف. كأن تكون أمامك مهمة أو هدف لكن بعض الظروف والأوضاع أو الأشخاص يحولون بينك وبين تحقيق الهدف فيصيبك ضيق. (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل).
الحسرة: كانت أمامك فرصة عظيمة سهلة المنال ثم لم تأخذها لتقصير منك أو تخلفك عنها فتشعر بالحسرة. مثال إذا دُعيت لاستلام جائزة عظيمة وطُلِب منك الحضور في موعد محدد لاستلام الجائزة ثم تخلّفت عن الموعد لسبب ما تشعر بالحسرة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) آل عمران) (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) مريم) (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) يس) (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) الزمر) (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الحاقة).
الأسف: هو حزن يبعث على الغضب ويثير الحزن في نفسك الغضب وحب الانتقام فمتى كلن ذلك على من دونه انتشر فصار غضباً ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزناً. (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) الزخرف) (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) الكهف) (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) حزن يعقوب u على يوسف مشوب بالغضب على إخوة يوسف. والأسف هو كل حزن عميق على شيء مهم جداً يثير غضباً.
الابتئاس: هو كل ما كان ناتجاً عن البأساء من فقر أو مرض أو قهر عدو، هذا الحزن يؤدي إلى انهيارك لشدة الفقر أو شدة المرض أو قهر العدو. (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) يوسف) (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) هود) .
الهمّ: مأخوذ من اسم المصدر (المهمة). هو الحزن على عدم قدرتك على مهمة عظيمة ثقيلة عليك حُكم بلاد مثلاً أو أولاد كُثُر ولا يوجد ما تنفقه عليهم أو امتحان صعب والهمّ يُذيب قلب المهموم ويُضعفه ويُذهله لأنه يطول فالحزن قد يكون ساعة والأسف قد يكون يوماً والحسرة قد تكون أياماً أما الهمّ فيطول كهمّ الاولاد من صغرهم حتى يكبروا يتعلموا ويتزوجوا وينجبوا فهمّهم يكول. فالحزن إذا كان من أجل عدم قدرتك على مهمة عظيمة تُحبّها يُسمى همّاً. وجاء في الحديث الشريف “إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهمّ للعيال”. (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) آل عمران آية 154.
الغمّ: هو الحزن الذي تشعر به وأنت في محنة تظن أنها مُهلِكة أو كُربة لا بد أن تقضي عليك يسمّى غمّاً. مثال ما حصل مع يونس u حينما التقمه الحوت وهو يمشي على شاطئ البحر فظنّ أنه هالك لا محالة فهو في كربة عظيمة ما ظنّ أنه ناجٍ منها فنادى في بطن الحوت (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الانبياء) فنجّاه الله تعالى من الغمّ. وهكذا على كل من أصابه غمٌ ظنّ أنه لا يستطسع أن ينجو منه فعليه أن يلجأ إلى الله كما فعل ذو النون لأن الله تعالى قال في الآية (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). وقال تعالى (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه) (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج).
النّكد: الحزن الناتج عن خيبة الأمل والنكد هو الذي يكون جُهده لا يأتي إلا بمردود ضعيف جداً. كأن تكون في امتحان تتوقع أن تحصل على درجة ممتازة فتحصل على درجة منخفضة أو تاجر قدّر أن ربحه سيكون كبيراً من تجارته فلم يربح إلا القليل أوالمزارع الذي يتوقع أن يكون محصوله الزراعي عظيماً فيخرج النبات بائساً قليلاً لا يساوي الجهد الذي بذله. قال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) الأعراف) والبلد الخبيث هو البلد الذي فيه ظُلم وقلنا سابقاً أن النبات يتأثر بواقع الزُارع وبواقع الحُكم في البلد فالبلد العادل يبارك الله تعالى في زرعه ونباته كما حدث في دولة الإمارات التي أصبح لديها الآن أكثر من 50 مليون نخلة مع أنه ليس لديها أنهار بينما انخفض معدل النخيل في العراق من الظلم الذي ساد هذه البلاد.
وأضيف إلى هذه الكلمات كلمة الأسى والكرب والبثّ وهي كما أظن والله أعلم من ضمن المنظومة
الأسى: وهو الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغمّ يُقال اسيت عليه أسى وأسيت له (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) المائدة) (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد) (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) الأعراف).
الكَرْب: وهو الغمّ الشديد والكُربة كالغُمّة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبُها بالحفر فالغمّ يٌثير النفس إذارة ذلك أو من الكَرَب وهو عقد غليظ في رشا الدلو وقد يوصف الغمّ بأنه عقدة على القلب يُقال أكربت الدلو. (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) الأنبياء) و (وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) الصافات) (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) الصافات)
البثّ: بثّ النفس ما انطوى عليه من الغمّ والسِّر يُقال بثثته فانبثّ،. وأصل البثّ التفريق وإثارة الشيء كبثّ الريح للتراب، قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يوسف) أي غمِّي الذي يبثّه عن كتمان فهو مصدر في تقدير مفعول أو بمعنى غَمِّي الذي بثّ فكري نحو: تَوَزَّعني الفكر فيكون في معنى الفاعل.
أثر وفلسفة الحزن:
الحزن عموماً شعور فاضل قال الرسول r في الحديث: “إن هذا القرآن أُنزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تستطيعوا فتباكوا” وكان الرسول r لا يُرى إلا حزيناً لأن الحزن يعني أن ما حولك ليس كما ترضاه أو تتمناه والحزن قانون بشري وهو يفرض نفسه على الانسان وقد قال الرسول r في موت ولده ابراهيم “إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا” وهذا هو محل النهي عن الحزن (لا نقول إلا ما يُرضي ربنا) عندما يطلب ربنا تعالى من رسوله أو منا أن لا نحزن فهو لا ينهانا عن الحزن الطبيعي الذي هو قانون البشر وإنما ينهانا عن آثار الحزن السلبي (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) والنهي عن البكاء ولطم الخدود وشق الجيوب “إن الميت ليُعذّب ببكاء أهله”. وكل حزن يؤدي إلى أثر سلبي فهذا هو المنهي عنه لأنه خلاف الصبر والله تعالى بشّر الصابرين (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة). فالنهي إذن هو أن لا تصل بحزنك الذي هو عبادة عظيمة إلى معصية وقد جاء في الأثر :” الحزين في ظلّ الله يوم القيامة” فالحزن يمكن استغلاله كعبادة عظيمة وهو نوع من تصفية النفس وتجعل المحزون قريباً من الله تعالى.
وقد جعل الله تعالى الحزين مكرّماً ودلّنا الرسول r كيف ننجو من الحزن إذا كان شديداً فقد جاء في الحديث الشريف: “ما من عبد أُصيب بحزن وقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حُكمك عدلٌ فيّ قضاؤك أسألك بأسمائك الحسنى كلها وبكل اسم هو لك سميّت به نفسك أو علّمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب غمّي إلا أبدل الله حزنه فرحا وكشف الله كربه” وقال الرسول r عن هذا الحديث :” من سمعه فليتعلّمه” أي فليحفظه.
إن الله تعالى عندما جعل القوانين تجري على البشرية من فرح وشقاء ونصر وهزيمة وسعادة وحزن جعلها وفق منظومة دقيقة من حيث التطبيق العملي الذي يكون في محيط المشروع وفي محيط التحضّر الإنساني العظيم الذي كرّم الله تعالى به بني آدم وهذا الانسان المكرّم في سلوكياته أرسله الله تعالى بعد أن نفخ فيه تعالى من روحه ولا يليق بالانسان أن يتدنّى به إلى مرحلة الحيوانية.
والحزن فرصة للحزين أن لا يُبقي الله عزّ وجلّ عليه ذنباً كما في الحديث ” إن العبد لتسبق له المزلة عند الله فلا يبلغها بعمله فيسلّط الله تعالى عليه الهمّ والحزن فيبلغها بذلك” وليس عيثاً أن الحزين في ظلّ الله تعالى يوم القيامة. والحزن هو من المصائب التي قد تعمي العيون كما حصل مع يعقوب u (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) الذي كتم حزنه بدون شكوى فقال (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)) لكنه أوكل أمره إلى الله تعالى وهكذا يجب على المحزون أو يوكل أمره إلى ربه تعالى ويقترب بحزنه من الله تعالى فيتكفّل سبحانه بما أنت حزين من أجله وكل من أصابته مصيبة فقال (إنا لله وإنا إليه راجعون) فإن الله تعالى يجعله في مرحلة (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة) وكلما تذكّر مصيبته فاسترجع كما فعل في أول يوم يعطيه الله تعالى مثلما أعطاه في المرة الأولى من رفعة درجة ومفغرة ذنب .
وهناك الحُزن والحَزَن والبعض يقول الثانية هي من أدوات الحُزن لكن هذا الكلام ليس منضبطاً إنما الحُزن والحَزَن لغة واحدة فيما عدا أن الحَزَن هو حزن لا يذهب (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص) ففرعون بقي للنهاية وموسى له عدو وحَزَن.
الحسرة: هذه أعجوبة العجائب وهي أن تتاح لك فرصة هائلة ثم تفقدها بشكل نهائي لا رجاء بالعودة إليها لكنك ضيّعتها بشكل يدل على حُمق وسوء حظ. كل شيء في حياتك له قيمة عالية مادية أو معنوية تفقده بشكل نهائي بسبب تافه يورثك حسرة كما أصاب سيدنا يعقوب u فهو كان يعلم أن إخوة يوسف يغارون منه ويحقدون عليه ومع هذا سمح لهم بأن يأخذوه ووصى أولاده بأن ينتبهوا له وهو غير مطمئن (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)) فكيف فرّط بيوسف وحصل ما حصل فقال (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) والحسرة في الدنيا كثيرة مثل فوات منصب أو جائزة أو زواج من امرأة معينة كلها ضاعت بسبب تصرف سخيف لكن حسرات الدنيا فانية لكن المصيبة الكبرى هي الحسرة يوم القيامة وهي التي لا علاج لها وهي تقطع الأكباد ولذلك سمّى تعالى يوم القايمة بيوم التغابن لأن الإنسان يشعر يومها بأنه مغبون غبِن نفسه فسيصاب بالحسرة بحيث ضاعت عليه المكانة في جنة الخلد وفي الحديث الشريف:” لا يتحسّر أهل الجنة إلا على ساعة لم يذكروا فيها اسم الله عزّ وجلّ” يتحسرون لما يروه من نعيم من ذكر الله دائماً ويتمنون لو أنهم ذكروا ربهم أكثر في الدنيا لينعموا بهذا العطاء وتلك المكانة العالية في الجنة. والذكر من أعظم العبادات والأذكار المأثورة الواردة علينا أن نتمسك بها منها أذكار بعد الصلاة وعند سماع المؤذن وعند الدخول والخروج من البيت وعند الأكل واللبس ونزول المطر وغيرها من الأذكار المأثورة ومن سمع المؤذن فقال بعد قوله أشهد أن لا إله إلا الله : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت رضيت بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت”. وفي الحديث ” ذهب الذّاكرون بكل خير يضع الذكر عنهم أوزارهم” “أحبُّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ” والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ومن حسرة المسلم أيضاً يوم القيامة من لم يحفظ البقرة وقد كان قادراً عليها في الدنيا لشدة ما سيرى من عطاء الله تعالى لحافظ البقرة كما في الحديث “البقرة أخذها بركة وتركها حسرة” وحسرات أهل الجنة تنطلق من اهمالنا لكل ما يُحبّه الله تعالى كالذاكرين والمتطهرين والتضرع والتوابين والدعاء فهذه عبادات سهلة جداً وأن يكون الانسان على وضوء دائم طيلة يومه وأن يذكر الله تعالى بالأذكار المأثورة هذه العبادات السهلة إن قصّرنا فيها ستكون علينا حسرة يوم القيامة لأننا فرّطنا فيها.
أما الحسرة العظمى فهي حسرة دخول النار (وأنذرهم يوم الحسرة) يتحسّر الكافر على ما أشرك بالله من شركاء وأنكر الخالق وهو في قرارة نفسه كان على علم بأن لهذا الكون خالق واحد (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل) لغبائه وعدم مسؤوليته أشرك بالله وسيصاب يوم القيامة بالحسرة الكبرى العظيمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/8/2004م