حطّ– غفر – عفا – تاب – بدّل – تجاوز – وضع – صفح –
هذه هي منظومة مفغرة الذنوب وهي أمل كل المؤمنين الموحّدين لله تعالى لأن طموح كل مؤمن أن يلقى الله تعالى وليس عليه ذنب. ولدقّة القرآن الكريم فقد رتب هذه الكلمات حسب أعمال العبد. فالعبادة ليست متساوية فالصلاة مثلاً في رمضان تختلف عنها في غيره والصلاة في أرض الرباط تختلف عنها في غير أرض والخطيئة في مكة مثلاً تختلف عنها في غير مكة. فالذنوب تتفاوت كما تتفاوت العبادات وموقف المؤمن من ربّه هو الذي يحدد موقف الله تعالى منه. والذي كان يفعله العبد بعد وقوعه في ذنب أو خطيئة مهم وحجم توبته إلى الله تعالى مهم أيضاً وإقلاعه عن الذنب وإصراره على عدم العودة إليه كلها مهمّة وتُحدد موقف الله تعالى من العباد يوم القيامة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد) (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية) فعلى وِفق موقعك من الذنب يتحدد موقف الله تعالى منك لهذا فكل كلمة في هذه المنظومة لها دلالة مختلفة عن أختها.
تحدثنا سابقاً عن التوبة من حيث كونها فِعلٌ من العبد في منظومة تاب لكن توبة العبد تتبعها توبة من الله عز وجل وهي متوقفة على توبة العبد كما في قوله تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) فكلمة تاب في هذه المنظومة تدخل في معناها أنها توبة من الله تعالى على عباده.
التوبة: شرع الله تعالى التوبة أولاً ثم تاب العبد ثم تاب الله تعالى عليه. إن الله تعالى توّاب من حيث شرّع التوبة لنا (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) ثم بعد ذلك يتوب العبد فيتوب الله تعالى عليه. فالله تعالى توّاب والعبد توّاب وتوبة تترتب على توبة وهذه التوبة تستدرج باقي مراحل وكلمات هذه المنظومة.
قال تعالى (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) هذا الذي يصبح بطلاً في التوبة هؤلاء يدخلهم الله تعالى في الصالحين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) العنكبوت) والصالحين هم الفئة الرابعة بعد النبيين والصدّيقين والشهداء (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) وهم ليسوا المؤمنون الذين عملوا الصالحات بل هم الذين صاروا أبطالاً في الصلاح.
متاباً: العبد يستمر في التوبة يتوب عن ذنب ما اليوم وكلا ابتُلي بذنب يتوب عنه فإذا بلغ العبد من توبته أنه لا يذنب أصبح تواباً وصار من زُمرة معروفة عند الله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) والزمرة العظيمة هي زمرة التوابين التي يحبها الله تعالى.
المغفرة: المغفرة والعفو متتاليان فقد يكون العفو قبل المغفرة وقد تكون المغفرة قبل العفو. والمغفرة هي التجاوز عن الذنب في الظاهر وقد يبقى في الباطن وسيحاسب عليه يوم القيامة. فقد يغفر الله تعالى للعبد ذنوبه في الظاهر ويحكم عليه أنه من أهل الجنة ثم تأتي مرحلة يُسأل العبد فيها عن الرحِم والأمانة فإن كان قد أكل أمانة أحد أو قطع رحِمه يؤتى بالأغلال ويساق إلى النار. وهذا أمر مهم علينا أن ننتبه إلى موقفنا من الأمانة والرحِم. مثل هذا العبد يكون ذنبه مغفور في الظاهر لكن ما زال لديه ذنوب في الباطن فيُعاقب عليها. (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة)، (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر)
العفو: هو التجاوز عن الذنب ظاهراً وباطناً وهو مرتبط بشروط معينة وهي أن يكون موقفك سليماً من الأمانة والرحِم فالله تعالى يغفر للشهيد كل شيء إلا الأمانة والرحِم. والستر معلّق بشرط. والرسول r كان يُكثر من الدعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني” خاصة في ليلة القدر. (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة) (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور)
الصفح: بعد أن تاب العبد ثم غُفِر له ثم عُفي عنه تأتي المرحلة الأجمل وهو أن يُصفح عنه فلا يُعيّر بذنوبه ولا يُثرّب والتثريب هو أن تعيّر العبد بذنبه بعد أن عفوت عنه ولذا جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف u مخاطباً إخوته (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) يوسف) انتهى الموقف. والله تعالى يوصينا بالصفح (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة) (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور) فالصفح من مجملات العفو من حيث أنك لا تذكر ذنب المذنب بعد ذلك ولا تُذكّره فيه ولا تعاتبه ولا تُعيّره كلما رأيته مهما كان الذنب عظيماً. والصفح يأتي بعد العفو (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) ومن الإحسان أن تصفح عمن عفوت عنه (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر) والصفح الجميل هو الصفح بلا عتاب. ولنا في سيرة الرسول r القدوة الحسنة فهو r على رغم شدة أذى قريش له خلال الدعوة من أبي سفيان وهند وغيرهم لم يعاتبهم بما فعلوا به أو بالمسلمين.
التكفير: تكفير الذنب عبادة تُغطّي على ذنب. كأن تكون أسأت إلى أحد إساءة ثم تُغرقه بفضلك حتى تكفّر عن ذنبك (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) آل عمران) “أتبِع الحسنة السيئة تمحُها” (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود). تكفير الذنب هو كل من فعل ذنباً فكفّره بعبادة أو استغفار ومنها الكفّارة التي تُلغي الذنب ككفارة اليمين (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) المائدة) وكفارة الحلق في الحج وسائر الكفارات في القرآن الكريم.
الحطّ والوضع: حطّ: هو عدم حساب الذنب ذنباً فالحرام لم يعد موجوداً وأصل الحطّ ما قاله بنو اسرائيل (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) البقرة) أي حُطّ عنا ذنوبنا وعند المسلمين (وضع). مثلاً صوم رمضان ركن لكنه عند السفر لا يعود ركناً إلى أن يعود المسافر والصلاة الرباعية في السفر حطّها الله تعالى إلى ركعتين وهكذا الكثير من الأعمال ومنها أحدهم شارف على الهلاك وليس أمامه إلا الخمر وهو يكاد يموت حطّ الله تعالى عنه تحريم الخمر فيشرب ما يمكّنه من الإبقاء على حياته. وقوله تعالى (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الشرح) بمعنى كأنه غير موجود.
إذن كلمة حطّ تقابلها كلمة وضع في القرآن وكلاهما بمعنى عدم اعتبار الذنب ذنباً. والحطّ والوضع كل منهما إلغاء كون المحرّم محرّماً للزمن والمكان والشخص المعيّن وهذه مِنّة من مِنَن الله تعالى العظيمة علينا. “إذا أحبّ الله عبداً لا تضرّه الذنوب”
حطّ ويحطّ مصطلح فقهي إسلامي ورد في الحديث الشريف فقد ورد في الحديبية أن الرسول r قال :” من يصعد الثنيّة فإنه يُحطّ عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل” وكان أول من صعدها الخزرج. وفي حديث آخر ” من تطهّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة” (أخرجه مسلم 666) و ” من قال سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطّت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر” والحديث: ” ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطّ الله به سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها” (أخرجه البخاري 5648، ومسلم 2571).
حطّ ووضع: إلغاء حُرمة المحرّمات من حيث أثرها فلا يحاسب على شيء وهذه من مِنن الله تعالى.
التجاوز والتبديل: الله تعالى غفور رحيم لكونه غفور رحيم كونه رحيم بعد المغفرة لا يكتفي بالتجاوز عن الذنب وإنما يبدّله حسنة وهذه أثر من آثار المغفرة من حيث أن كرم اله تعالى لا تدركه عقولنا. (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) الاحقاف) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان).
الله تعالى غفور بطبعه ومن قوانين اله تعالى أن يغفر الذنوب فهو سبحانه غفّار لعدة خطايا وعدة مراحل كلما أذنب العبد استغفر ربّه والله تعالى لا يملّ حتى يملّ العبد. في الحديث القدسي : “أذنب عبد ذنباً فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً فعلِم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنباً فعلِم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ به، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنباً فعلِم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك” وفي الحديث الشريف ” ما أصرّ من استغفر ولو عاد سبعين مرة”.
هذه المنظومة من أجمل المنظومات عند العبد المؤمن لذي لا أمل له إلا بعفو الله تعالى عن ذنوبه وتجاوزه وصفحه.
أسباب المغفرة:
كل حركة في يوم المسلم وليله من ساعة استيقاظه إلى ساعة نومه يمكن أن يجعلها سبباً من أسباب المغفرة حتى ضحكه وحزنه ومرضه وطعامه وشرابه. وعند تقصّي الكتاب والسنّة وواقع الحال نكتشف أن أعظم أنواع المغفرة وأسرعها إلى مرضاة الله تعالى وأسبقها إلى ميزان الحسنات هو موقف العبد المؤمن من الآخر سواء كان هذا الآخر انساناً أو حيواناً أو جماداً أو نباتاً. فكل موقف إيجابي يقدّمه المؤمن للآخر فأنه ينجو به. ومعظم رضى الله تعالى في الإحسان (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) وفي الأحاديث النبوية أمثلة كثيرة منها حديث البغي ّ التي سقت كلباً يلهث. وإذا غرس العبد شجرة له أجر كل من انتفع بها من طير أو حيوان أو إنسان وكذلك الذي في أرضه نبع ماء مثلاً فكل من شرب منها للعبد فيه صدقة وتكون في ميزان حسناته يوم القيامة. وإذا بنى العبد بناء فله بكل من يستظل به حسنة وإذا نحّى العبد شوكة من الطريق ليسهّله للآخرين ويمنع عنهم الأذى تكون له صدقة وفي الحديث : ” رأيت رجلاً يتقلّب في ربض الجنة بشوكة نحّاها عن طريق المسلمين”. وكل عمل فيه مغفرة الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها وكذلك ليلة النصف من شعبان ومن بلغ التسعين سنة وهو مؤمن يُسمّى عتيق الرحمن في الأرض، كل حمدٍ على شربة أو طعام، من قعد في مصلاّه لا يقول إلا خيراً ثم صلّى ركعتين وهو ينتظر الصلاة التالية، دعاء السوق “لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يُحيي ويميت وهو حيّ لا يموت وهو على كل شيء قدير” ، من أحرم من بيت المقدس، رجل سهل إذا باع سهل إذا اشترى، كل من جلس مجلساً وتحدّث ثم دعا بدعاء كفارة المجلس يغفر الله تعالى ما كان من لغط في مجلسه، السلام على من عرفت ومن لم تعرف ” لاتقوم الساعة حتى لا يكون السلام إلا على المعرفة” لا يُبقي على المؤمن ذنب، وهذه عبادات أراد الله تعالى أن يحقق إرادته (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (27) النساء)
أهم وأعظم هذه العبادات وأهم من العفو والصفح هو موقفك من الآخر. الناس كلهم يصلّون ويصومون أما موقفك من الآخر فهي حقوق الناس عليك: إذا زار العبد رجلاً مريضاً دون مجاملة أو حاجة له عنده إنما زاره لوجه الله تعالى لا يبقى عليه ذنب، رجل أدخل السرور على آخر كأن يكون عنده دين فيوفّيه عنه أو يواسيه في حزنه ويعوده في مرضه ويطعمه إذا جاع لا يُبقي الله تعالى عليه ذنب وفي الأثر أن الله تعالى يخلق من هذا السرور ملكاً جميلاً يرافق العبد حتى يدخل الجنة، وفي الحديث القدسي “وجبت محبتي للمتزاورين فيّ”.
علينا أن نأخذ بالعبادات التي لا يُبقي الله تعالى بها ذنباً على عباده. ومن هذه العبادات أن تحمي أخاك في ظهر الغيب وتدافع عنه في غيبته يحمي الله تعالى ظهرك يوم القيامة، وكذلك من شهد له سبعة من جيرانه بالخير، والرحِم الكاشِح أي الذي ظلمك كثيراً ومع هذا فأنت تصله وتكرمه لا يُبقي الله تعالى عليك ذنباً، الستر على عورة المسلم فلا تفضحه وإنما تنصحه باللين إلا إن كان يترتب على معصيته حق من حقوق الناس كأن يسرق مالاً عاماً تعيد المال ولا تفضحه وإنما تنصحه وفي الحديث “لو كنت سترته بثوبك لكان أفضل”، إصلاح ذات البين والرسول r يوصي بإصلاح ذات البين.
النجاة يوم القيامة هي في الخدمة التي تقدمها للآخر مسلماً كان أو غير مسلم ومنها إطعام الطعام في حرب أو غيره (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الانسان)، إغاثة اللهفان فقيراً كان أو مريضاً أو محتاجاً، الشفقة على المذنبين ” لا تؤمنوا حتى تراحموا” و “لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم” ومحاولة نصحهم باللين وليس بالتعنيف والتعيير، ونحن مأمورون بالتآلف مع الناس حتى غير المسلمين لأنه لا أمل لنا بالنجاة مع البغضاء قال الرسول r :” دبّ فيكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء”، حُسن الظنّ بالأمّة، التاجر الصدوق لا يكذب والتاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، النُصح، الموظف الأمين الذي يساعد المراجعين، شُرطي يسهر على راحة الناس وأمنهم ويدفع عنهم الأذى ويحرسهم ويمنع الجريمة، المشي خلف الجنازة حتى تُدفن (له قنطاران والقنطار كجبل أُحُد)، الحُبّ في الله كما في الحديث القدسي وجبت محبتي للمتحابّين فيّ والله تعالى إذا أحبّ عبداً لا يعذّبه، القاضي العادل الذي لا يرتشي ولا يُحابي ولا يطلم، العفو عمن أساء إليك أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك، توقير الكبير والرحمة بالصغير “ليس منا من لم يوقّر كبيرنا”، التواضع مهما كانت رتبتك ومكانتك من العبادات العظيمة، تقبيل الطفل كما كان الرسول r يقبّل الحسن والحسين وكان يقول من لا يرحم لا يُرحم وفي الحديث عن الرجل الذي رأى الرسول r يقبّل الحسن والحسن فأخبره أن له عشرة من الأولاد لم يقبل فيهم أحداً فأجابه الرسول r أوأملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟”، كفالة اليتيم والسعي على الأرملة والمسكين، الضيافة ففي الحديث أن الله تعالى يؤجر باللقمة، كل من ساهم وشارك في إعداد الطعام للضيف يغفر الله تعالى له،مجالسة الصالحين من طلاب علم وفقهاء وأصحاب فكر هذه المجالسة تجعل العبد منهم وهي مجالس يحبها الله تعالى ورسوله r، حضور حلقات الذكر، الدعاء لأخيك بظهر الغيب فكل من تدعو له في ظهر الغيب تقول الملائكة ولك مثل ذلك، أن تموت في أرض غريبة ليست أرضك، أن تكون أميناً على أموال الدولة وعلى مال المسلمين، عدم التخلّف عن خدمة الشعب.
الكسب الرابح يوم القيامة والنجاة هي بموقفك من الآخر سواء كان إنساناً أو حيواناً أو شجراً أو جماداً تصرّفك معه أو فيه يغفر الذنوب جميعاً مغفرة جليلة القدر وخير الناس من نفع الناس.
والله تعالى يحب المحسنين والإحسان الذي جاء ذكره في القرآن هو موقفك من الآخرين والإحسان هو أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك. وفي الحديث “إن الرجل لينال بحُسن الخُلُق مرتبة الصائم الذي لا يُفطِر والقائم الذي لا يفتُر” فالتقوى الاجتماعية هي التي تنفعنا يوم القيامة نفعاً عظيماً. قال تعالى (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة) بمعنى اعفو واصفح وهي المغفرة العظيمة المطلقة ولاليس اعفو وحاسِب فإذا لم يعد في قلبك حقد على الذي آذاك ولا تذكّره يوماً بإساءته لك فاعلم أنك نجوت نجاة عظيمة.
والله تعالى عفو غفار رحيم عفو كريم ومن دواعي كرمه وعطائه أن يغفر لعباده ” لَله أفرح بتوبة عبده من صاحب الراحلة”. وإن تتبعنا أسماء الله الحسنى من الناحية العقلية لعرفنا أن الله تعالى لا يمكن إلا أن يغفر للمذنبين ولم لم نُذنب لذهب بنا الله وجاء بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله تعالى لهم. والرسول r كان في ليلة القرآن يدعو اله تعالى “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا” ولو لم يُخطئ لآدم u لجاء الله تعالى بآخر يُخطئ فيتوب عليه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/9/2004م