دحض – هزم – دحر –دخر – دفع – أجلى –طرد – شرّد – قهر- أثخن
هذه منظومة الهزائم في القرآن الكريم وهي من الدقة على ما هو مألوف في القرآن من حيث ان كل كلمة ترسم مرحلة من مراحل الهزيمة لا تنفع معها كلمة أخرى. والهزائم نعرفها تماماً من كثرة من انهزم قادتنا حتى صارت الهزيمة لصيقة بهم ولا شأن للجسوش العربية بهذاه الهزائم وإنما تنحصر الهزائم بالقادة.
دحض: أول الهزائم في المعارك هي هزيمة أحد الجانبين في المفاوضات وهذا ما يحصل الآن. الجهد الذي يسبق المعركة في اطلاق النار من مفاوضات يسمى اذا انهزم أحد الجانبين دحضاً. قال تعالى (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) الشورى) هذه ليست هزيمة عسكرية وإنما هزيمة سياسية كأن تخسر المفاوضات وتفشل في اقناع العدو. (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) الكهف)
هزم: إذا قامت الحرب الحقيقية وتقابل الجيشان واستطاع احدهما أن يجعل الآخر يخسر المعركة وهو في مكانه فقد هزمه. الهزم هو تحطيم العدو في مكان المعركة. مثل هزيمة منتخب لكرة القدم تسمى هزيمة لأن الفريقين ما زالوا في الميدان لكنهم منهزمون. أول مراحل منظومة الهزيمة تخسر المعركة وأنت في ميدانها الجغرافي (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) هم لا يزالون في المعركة لكنهم خسروا الحرب. (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) القمر)
دحر: بعد الهزيمة وانتهى العدو (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) الاعراف) (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) الاسراء) (دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) الصافات) الدحر بعد خسران المعركة تدفعه بقوة وعنف لخارج ميدان المعركة والدحر لا يكون الا عندما تطارد العدو وقد أخرجته من ميدان المعركة.
دخر: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) النمل) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر) الدحر قد يكون باذلال أو بغير اذلال. إذا أذللت العدو وأنت تطارده يسمى دخراً. إذن دحض بالمفاوضات، هزم بالمعركة، دحر خارج أرض المعركة ودخر باذلال.
دفع: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) أن لا تسمح للعدو بالتقدم وأن تجبر العدو بأن يبقى مكانه ولم تسمح له بالتقدم (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) ال عمران) مرحلة الصمود في المعركة بحيث لا يستطيع التقدم. (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) يتقدم على المجرم حتى يسحقه. (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج) (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)
أجلى: (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) الحشر) عندما يخسر احد الفريقين المتحاربين المعركة وينهزم تحصل مفاوضات آنية سريعة إما يتوغل في بلادهم أو يحلوهم من ديارهم كما فعل الرسول r مع اليهود عندما أجلاهم من المدينة. فالجلاء هو اتفاق أن يترك الطرف المنهزم في المعركة دياره ويكون باحترام.
طرد: إذا تم الجلاء بمهانة يسمى طرداً (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) الانعام)
شرّد: هذا الطرد إذا تم بتعذيب وتنكيل ليخاف الأخرون فيهربوا يسمى تشريداً (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الانفال) هؤلاء هربوا من تلقاء انفسهم خوفاً مما سمعوا أنه حلّ بعيرهم. فالطرد مباشر والشرود عن خوف ورعب مما حصل أو مما سمعت أنه حصل.
قهر: بعد هزم العدو ودحرته ودخرته استوليت على ارادته استيلاء كاملاً وهو ما نسميه اليوم بالاستعمار يسمى قهراً لا تزيد أن تكون عبداً من عبيده يأمرك فتطيع (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) الانعام) (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) الضحى) (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الاعراف) فرعون استولى على بني اسرائيل.
أثخن: بالجِراح (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) محمد)
ما من كلمة من هذه الكلمات إلا جربناها نحن العرب في هذا العصر وكلنا نعلم أنه لا شأن للجيوش في هذه الهزائم فقد ابلى الجيش العربي في حرب 67 بلاء عظيماً وقد أوشكت أن تتحرر فلسطين. والقرآن الكريم يحدثنا عن اسباب الهزيمة:
أن تكون الحرب غير مشروعة وغير شرعية ومبنية على اكاذيب (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة) حرب استعلائية وحرب بغي مهما بلغت القوة الغاشمة والبغاة الذين يعتدون على غيرهم فهم مهزومون يوماً لا محالة والتاريخ يحدثنا عن قوى عظمى هربت امام قوة صغيرة.
عدم وجود الطاعة الحقيقية للقيادة فالجيش منهزم مهما بلغت قوته ومن مُقاتل الجيوش العظيمة تمرّد الجيش. وهذه من اسباب الهزيمة في أُحُد (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) ال عمران) إذا دبّ النزاع بين أفراد القوة فاعلم أن الهزمة آتية لا محالة. الله تعالى أمرنا بأن نطيع (واولي الأمر منكم) ولو كان هناك اعتراض فليكن بعد المعركة لكن في المعركة يجب طاعة القيادة حتى لو كان الأمر الصادر خطأ.
الاشاعات (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) الاحزاب)
الاغترار بالقوة التي ليس وراءها أي قيم أو شرعية (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) التوبة) ما من جيش عرمرم للمسلمين كذلك الجيش حتى قال أحدهم لن نُغلب اليوم من قِلّة ونسي أن الاسلام جاء يحارب بقيم ومبادئ والهزيمة كانت نتيجة الاغترار بقوتهم بقي مع النبي r ثلاثة من أهل بيته وكسبوا المعركة وأوثقوا الأسرى. الحرب المقدسة الكريمة الأخلاقية تعتمد على قوة الشرعية والحق الذي يقاتولن من أجله لا على القوة العسكرية (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء)
الفُرقة: والأمة في عضرنا الحاضر متفرقين ولا يمكن أن ينتصروا في اي حرب (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الانفال). كل قرارات الجامعة العربية فاشلة ولم ينفذ منها قرار واحد لأنهم متفرقون.
من اللامعقول أن كل قوة عظيمة غازية إذا كنت تديرها حكومة تظلم شعبها أو أن شعبها يظلم بعضهم بعضاً ويكيد بعضهم لبعض لا ينتصروا إلا بعد أن يزيلوا هذا وكل دول العالم فيها هذا وأمة فيها ظلم لشعوبها تبيده وتظلم وتعذبه لا ينبغي أن تفكر بالنصر حتى على القطط والكلاب.
تواطؤ رئيس الدولة مع العدو كما حصل من حكام العرب في 48 (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة) الله تعالى غالب على أمره وبدأت الأمور تنكشف وكل ما يجري في العالم العربي الاسلامي من ظلم وقهر هو بداية لنصر ما من حيث ان الاكاذيب والقادة بدأوا ينكشفون أمام الرأي العام وبدأت الأمة تعيد ترتيب امورها وكل صاحب حق مهما كان ضعيفاً لا بد أن ينتصر.
واذا راجعنا تاريخ المسلمين لوجدنا انهم لم ينهزموا من عدو الخارج أبداً وإنما هزيمتهم كانت من الداخل. وطبيعة هذه الأمة المسلمة أن تنتصر برجال كل واحد منهم أمة في حد ذاته وهذه الأمة يقودها واحد تنبهر به أمته ويدفعهم دفعاً الى الأمام وقوانين النصر والهزيمة هي كقوانين الانجاب سواء كانت الأمة مسلمة أو كافرة وإذا حققت الأمة العدل فيما بين شعبها ينصرها الله تعالى في الدنيا وحسابهم على الله تعالى في الآخرة.
بثت الحلقة بتاريخ 30/9/2005 م