الصمت – السكوت – الإنصات – الخَرَس- البكم
منظومة اليوم هو ترك الكلام أو عدم الكلام وترك الكلام أو عدم الكلام في كتاب الله عز وجل يعبر عنه بهذه الكلمات:الصمت، السكوت، الإنصات، الخرس وهذه كلمة لم ترد في كتاب الله والبَكَم فإذا كنت صامتاً أو ساكتاً أو منصتاً أو أبكم فإنك لا تتكلم. والفرق بين هذه الكلمات بالمعنى دقيق جداً:
الصمت: هو عدم الكلام مع وجود الباعث عليه كأن يسألك شخص سؤال ولكنك لم تتكلم وبقيت صامتاً يقال هذا صمت. فهذا صمت أنك لا تتكلم مع وجود الباعث عليه، نفسك تشتهي أن تتكلم، المقابل يريدك أن تتكلم، المقام والحال الذي أنت فيه يقتضي منك أن تتكلم ولكنك علمت بأن كلامك مضر وأن كلامك في مثل هذا الموقف لا خير فيه فامتنعت عن الكلام وتركت الكلام فيسمى هذا صمتاً (سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ﴿193﴾ الأعراف) ربما تجد قوماً لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعبدون حجراً أو صنماً أو ما شاكل ذلك فالمقام يقتضي أن تحدّثهم، أن تكلّمهم، فرب العالمين عز وجل يقول على بعض عباد الله ممن تمكن الشرك في قلوبهم (سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) فلم يقل ساكتون. فصامتون أي أنكم لم تتكلموا مع وجود الباعث على الكلام وهو دعوة هؤلاء إلى الله عز وجل فهذا صمت. وكلنا قد نتعرض لهذا الموقف نكون في مجلس أو في نقاش أو في جدال أو يعتدي عليك أحد أو يسبك أحد أو يستفزك أحد وقد تردُّ عليه وتدخل معه في مخاصمة أو هجر أو ما شاكل ذلك، الحكماء من الناس من يبقى صامتاً، لا يتحدث، لا يتكلم، لا يرد عليه يسمى هذا صمتاً.
والفرق بينه وبين السكوت أن السكوت من إنسان كان يتكلم ثم قطع الكلام يسمى هذا سكوتاً. قطع الكلام لأي غرض فقد يكون تعب وقد يكون أنهى موضوعه المهم أنه كان يتكلم فسكت. فالفرق بين الصمت والسكوت أن الصمت ترك الكلام ابتداءً لا يوجد كلام أصلاً، والسكوت حصل كلام رددت على من استفزّك ولكنك في منتصف الحديث رأيت أن تترك الكلام فسكت يقال هذا سكت (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ (154) الأعراف) من باب المجاز وكأن الغضب شجار وهكذا فعلاً سيدنا موسى أخذ بوجه أخيه ولحيته وغضب عليه (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي (150) الأعراف) (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) إذن كان هناك غضب والغضب كلام والغضب حديث فالآية تدل على أنه كان هناك غضب فانتهى فصار سكوتاً. هذا هو السكوت.
الإنصات: كنت تتكلم ولكن حدث أن هناك متكلم غيرك من الأهمية بمكان فأنت قطعت كلامك لكي تسمع هذا الحديث الآخر. فكل قطع كلام من أجل أن تسمع، قطع كلام لحسن استماع، فهناك شيء مهم يذاع بيان أو متحدث عظيم أو آية قرآنية أو ما شاكل ذلك حينئذٍ يسمى هذا إنصاتاً (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا (29) الأحقاف) أي اتركوا الكلام لأنهم يريدون أن يسمعوا هذا القرآن (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿204﴾ الأعراف) الاستماع وظيفة الأذن وأنصتوا أي لا تستمع وأنت تتكلم استمع وأنت قد قطعت الكلام. فالإنصات ترك الكلام ولكن لا يسمى ترك الكلام إنصاتاً إلا إذا كان هناك شيء تريد أن تسمعه فتقطع كلامك لكي تتفرغ لسماع هذا الكلام الخطير.
كلمة الخَرَس لم تأتِ في كتاب الله ولكنها من المنظومة. والخرس إنسان كان يتكلم فأصيب بعاهة وذهب نطقه.
الأبكم وهو الذي ولد وهو لا يتكلم (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿18﴾ البقرة).
هذه هي منظومة ترك الكلام، الاختياري منها صمت وسكوت وإنصات. وها أنتم عرفتم أن لكل كلمة زاوية دقيقة ترسمها لا تحملها الكلمة الأخرى وبذلك نثبت قطعياً وقطعاً أنه ليس في القرآن الكريم كله مترادف واحد.
هكذا نعرف أن ترك الكلام في غالب الأحيان من أعظم القُرُبات وإن الصمت عبادة جليلة، وأنه ما من آفة تورد صاحبها الهلاك وتورد صاحبها النار كوظائف اللسان هذا. فلو تأملنا في أنفسنا نكتشف أن 90% من ذنوبك يوم القيامة هي ذنوب لسانية ولهذا جاءت النصوص أن من وقاه الله شر لسانه دخل الجنة. وأستعرض بعض الأحاديث العجيبة الواردة في فضيلة الصمت، والصمت لا يفعله إلا الرجال الرجال الذين تملكوا لسانهم ولم يتملكهم لسانهم. فاللسان هذا جبار وأنت تشتهي الكلام دائماً ذاك من ذاك من الرجال الأشداء الجبال التي تمشي على الأرض من يملك لسانه في الرضا وفي الغضب. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال:”من سلم المسلمون من لسانه” فلم يقل المجاهد ولا المصلي ولا العالم فهذه أمور يفعلها الجميع وهي سهلة أما الصعوبة أن تملك لسانك وأن تكف لسانك عن الناس مهما أساءوا لك ومهما أساءوا إليك. عن عبدالله ابن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ فقال:”الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: أن يسلم الناس من لسانك”.
في كل حقبة زمنية هناك فتن يفتن الله تعالى بها الناس ليمتحنهم ومن الفتن التي ابتلي بها الناس في هذا العصر هذا الموبايل أولاً وسهولة إطلاق اللسان ثانياً في المجالس وفي غير المجالس وبالتالي في هذا العصر اللسان مطلقٌ على حريته، ونحن في صغرنا أدركنا جيلاً كلما كنا في مجلس ثم حاول أحد الناس أن يتكلم على غيره من الغائبين ينبري له أكثر من واحد ويقول له اتق الله الرجل غائب لا ينبغي أن تفعل هذا. كانت هذه ظاهرة وهذه اختفت الآن، أولاً عن طريق الموبايل كل شخص يأخذ حريته في الكلام والشيء الثاني الريب كثرت والمؤمن لا ينبغي أن يقف مواقف الريب وكلنا نقف مواقف الريب الآن ونحن في عصر القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من نار وطوبى للغرباء. فحينئذ علينا أن نبدأ بأنفسنا وننصح من نعرف ونسال الله العافية.
عن عقبة ابن عامر قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: (امسك عليك لسانك)، وما سئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً عن النجاة عن العمل عن الأفضلية إلا قال (امسك عليك لسانك). عن أبي جحيفة قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال:أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: فسكتوا فلم يجبه أحد، قال: (هو حفظ اللسان). عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دفع غضبه دفع الله عنه عذابه ومن حفظ لسانه ستر الله عورته) إذن أنت في لسانك لا تذكر إلا عورة امرئٍ فمن حفظ هذا عن ذلك حفظ الله عورته ومن كشف ستر مسلم كشف الله ستره ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته. هذه أمور قوانين من قوانين الله عز وجل. وحديث آخر يقول: (طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله) كما أنه ينبغي أن تنفق ما عندك من مال على وجوه الخير عليك أن تكون بخيلاً بكلامك، كُن كريماً بمالك وكما تكون بخيلاً بكلامك فلا تتكلم إلا بالضرورة. عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من ، قال: لقد سألت عن عظيم وأنه ليسير لمن يسّره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ثم قال: وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كُفّ عليك هذا وأشار إلى لسانه، قلت: يا نبي الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟!). تأمل هذا النص إلا حصائد ألسنتهم وهذا حصر وفعلاً عندما تستقرىء جرائم اللسان كما سنستعرض بعضها نكتشف أن نصفها نفعله ولا نبالي. عشرات الجرائم التي ترتكب من طريق اللسان وكل واحدة منها لو مت على واحدة منها لدخلت النار من أجل ذلك علينا من الآن فصاعداً أن نستعرض هذه الجرائم فهنالك أربعون أو خمسون جريمة يرتكبها اللسان إذا مت عليها فقد هلكت. إذا كنت على واحدة فكيف إذا كنت على اثنتان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة؟! إذن أين النجاة؟ أنت يوم القيامة ربما لا تجد من حسناتك حسنة واحدة فتسأل أين أعمالي الصالحة الفلانية الفلانية؟ يقول لك أكلتها الغيبة، أكلتها النميمة، أكلها الرياء، وهكذا حينئذ أنت بهذا اللسان تنجو وبهذا اللسان تهلك. والتوبة تجب ما قبلها حتى وإن قتلت مئة رجل كما في الحديث ومهما كان جرمك عظيم فإن التوبة تجب ما قبلها التوبة تجب ما قبلها مهما كان الجرم عظيماً (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴿82﴾ طه) فقد يكفيك أن تقول تبت لله من قلبك فلا يبق عليك ذنب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له إلا إذا كانت هناك حقوق مالية أو كذا عليك أن تردها إلى أصحابها أما أي جرم مهما عظم وقلت استغفر الله لا يبقى عليك شيء. ولهذا الاستغفار أعجوبة العجائب فالاستغفار يغفر الذنوب ويدخل الجنة ومن سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار ويأتي بالنصر والرخاء والخصب فالاستغفار هذا من أعظم رحمة الله عز وجل بعباده فلا يجب أن يقنط أحد. فالتوبة تجب ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
معظم العلماء يقولون أن حصائد الألسن حقوق للعباد وغير العباد. حقوق العباد يقول العلماء أنه ذنب لا يغتفر وأنه سيعرض أمام الله تعالى يوم القيامة ويؤخذ الحق منك ومعظم العلماء جزاهم الله خيراً من باب الاحتياط والاحوط والأفضل والتحريض والله خنقوا الناس خنقاً وهذا بحسن نية طبعاً والله قال (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا (25) البقرة). فهل تعرف رباً ينزل يوم القيامة لكي يفصل بين عباده؟ رب العالمين سبحانه وتعالى ينزل للخصوم كما في الحديث ثم يأتي المتخاصمان وقد أخذت مالك أو انتهكت عرضك أو اغتبتك المهم حقوقك علي كثيرة، ورب العالمين سبحانه وتعالى يفصل بيننا وإذا أنا لم يبقى عندي حسنات وكل سيئاتك صارت علي لأني أنا ظلمتك كثيراً هذا عدل الله عز وجل، ثم رب العالمين، رب العزة الذي ينزل لكي يفصل بين عباده يقول لهذا المظلوم صاحب الحق يقول: انظر فوق فينظر فيرى ملكاً عجيباً فيقول: يا رب هذا لأي نبي؟ قال: لا هذا لك قال: لي أنا قال:نعم لك إن عفوت عن أخيك هذا قال: عفوت عفوت فبالله عليك ما.تعدم من.رب ينزل في مثل هذا؟ وأنا مع الشيوخ أن رب العالمين يغفر حقوقه فأنت لم تصلي يوم من الأيام لم تؤدي حق من حقوق الله يغفرها رب العالمين إذا شاء إذا أحسنت التوبة، لكن حقوق العباد لا يغفرها الله عز وجل حتى يغفرها صاحبها وهذا من عدل الله عز وجل ولكن رب العالمين في النهاية إذا كنت من أهل التوبة، من أهل الرجوع، ورب العالمين يعلم منك خيراً لم تكن عتلاً ولا قاتلاً ولا مجرماً هناك مجرمون لا يغفر لهم من حيث بغض الله لهم إن الله يبغض ويحب من شدة شرهم على الناس رب العالمين لا يشفعهم ولا يشفع فيهم لشدة جرمهم لكن هذا نادر في هذه الأمة المباركة. وحينئذٍ رب العالمين ينزل لكي يُصلح بين خصومه هكذا هو الأمر.
عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: (أوصيك بتقوى الله فإنها زين لأمرك كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض وعليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك). كما في الحديث الآخر (إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت فإنه يلقن الحكمة) وفعلاً كم رأينا في حياتنا شخصاً كثير الصمت لا يتكلم إلا نادراً يرد عليك بابتسام،ة ينظر إليك بعينين ولكن لا ينطق كثيراً هذا الرجل حينئذ فعلاً تراه من أهل الحكمة والصبر ومحمود في السموات والأرض. عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله أوصني قال: (اخزل لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان) وإياك أن تظن أن هذا أمر سهل اختبر نفسك يوم من الأيام وقل هذا اليوم سوف يكون اختبار للساني من الصباح إلى المساء سوف ترى من البداية أنه من الصعب أن تخزل لسانك أي عندما تشتهي الكلام تسكت لكن ما أن تفلح يوماً أو يومين أو ثلاثة إلا يصبح سمتاً فيك وإذا صار ذلك سمتك فقد نجوت. أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال: (اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى وإن شئت أنبأتك بما هو أملك من هذا كله قال: هذا وأشار إلى لسانه). وعن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء رضي الله عنه فقال: (يا أبا الدرداء ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: عليك بحسن الخُلُق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما). عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها.تكفّر.اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وأن اعوججت اعوججنا) وفعلاً إذا استقام لسانك واستطعت أن تنجو من جرائمه فقد استقامت كل حياتك وكل أعضائك وهذه قضية معروفة. عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطأ ابن آدم في لسانه)، فعلاً أكثر أخطاء ابن آدم وذنوبه من لسانه ونحن يبدو لا ننتبه فكل منا فيه آفات لسانية قاتلة الواحد منها قاتل وقد يكون فيك أكثر من واحد، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صمت نجا).
جرائم اللسان:
لدينا مجموعة كبيرة من جرائم هذا اللسان وسأستعرض بعضها فكلما ذكرت لك ذنب من ذنوب اللسان تأمل بموضوعية وصدق هل فيك مثل هذا؟ ثم أحصي كم واحد وكم ذنب فيك أنت تقوم به كثيراً وتقترفه كثيراً من غير أن تنتبه قد تكون استمرأته أو لم تعد تبال فالذنوب إذا كثرت تصبح عادية وتستمرئها فربما أول مرة ترتكب الذنب تشعر بهزة لكن بعد عدة مرات أصبح الأمر عادياً:
ومن أول هذه الجرائم وأخطرها كلمة الكفر (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ (74) التوبة) هذه شائعة جداً ففي كثير من دول العالم الإسلامي وللأسف الشديد إذا تخاصم اثنان أحدهما سب الله عز وجل أو سبّ النبي أو سبّ القرآن أو سبّ الدين كلٌ منا يسب أحداً: آل البيت عليهم السلام سُبّوا على المنابر حوالي قرن ونصف، الصحابة رضوان الله عليهم يُسبون من قرون إلى الآن فسباب المقدسات الإسلامية التي يكون سبابها الكفر من حيث أنها مقدسة لذاتها أو أن الله عز وجل شهد لها بخير فتلعنها فتكذب الله عز وجل أصبح تقريباً شائعاً. إسأل نفسك هل سببت الله تعالى أو الرسول أو آل البيت أو الصحابة ومن يفعل هذا فقد أوقع نفسه في مصيبة لأن سب هؤلاء كفر وبعضها فسق حينئذٍ أنت في ورطة. وفي بعض الدول العربية الأطفال هنالك طوال الوقت يلعنون هذه الرموز العظيمة.
الجريمة الثانية أو الذنب الثاني من ذنوب اللسان السخرية: أحياناً نكتة أو مسرحية يكون فيها استهزاء على رب العالمين سبحانه وتعالى، على النبي، على أحد الصالحين لإضحاك الناس كما حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان من الشباب سمعوا المؤذن يؤذن فقاموا بتقليده من باب السخرية فنزل قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (66) التوبة) آية رهيبة. وكثيراً ما نسمع من رجل لا يفهم نكتة على مقدس من المقدسات والناس تضحك ولا تدري أنها ارتكبت جرماً عظيماً.
أيضاً من الذنوب كتمان العلم: فإذا كان لك علمٌ فكتمته ولم تكلم الناس به فهي مصيبة المصائب (من تعلم علماً فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة).
وأيضاً من الذنوب الرياء في العلم: إذا كنت تتكلم- وهذا شائع جداً وهو من آفات العلم والعلماء- ليقال عالم وفاهم وما شاء الله وتستمطر مدح الناس وغير ذلك فهذه مصيبة المصائب.
خامساً أن تقول ما لا تفعل: فتدعوا الناس إلى الله عز وجل وهذا من الشيوع بمكان لذلك كما قلت كثيراً ليأتين على العلماء يوم يتمنى أحدهم لو كان طبالاً في ملهى. آفة لا ينجو منها إلا الصادقون، الصالحون، الصديقون، ولهذا من الذي يفعل كل ما يقول؟ (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿3﴾ الصف) كلنا نفعل ذلك وكلنا نقول ذلك.
سادساً الدعوة بالقرآن والعلم: فإذا قلت في يوم من الأيام من أعلم مني؟ من أفهم مني؟ أنا أعلم الناس فقد هلكت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي زماناً على الناس يقرؤون القرآن يقولون من أعلم منا من أفقه منا؟ أفي ذلكم الخير؟ فقال:أولئك هم وقود النار) مأساة وهذا يحدث أحياناً فأنت تتناقش مع شخص فيقول لك من أنت أنا أعلم منك أنا أفهم منك وحينئذٍ هذه من جرائم اللسان.
سابعاً المراء والمخاصمة والجدال: النبي صلى الله عليه وسلم سمع صحابيين يتجادلان في آية فخرج عليهم كما يفقأ في وجه حب الرمان فقال: مه يا أمة محمد أبهذا أمرتم؟ أم بهذا بعثت؟ إن المماري قد بانت خسارته، إن المماري لا يشفع له أنا ضمين في بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو مصيب والآخر وهو مخطئ) حينئذٍ هذا من آفات اللسان وهذا يحدث كثيراً في كل يوم بين طلاب العلم وبين العلماء من يتمارى ويتجادل ويتخاصم إما في آية أو في قضية وما أكثر الخصومات اليوم بين من يسمون أنفسهم الإسلاميين أو أهل الدين أو العلماء أو الدعاة، خصومات إلى حد البغضاء والحقد إلى حد القتل، إلى حد إراقة الدماء، هذا هلاك ما بعده نجاة نعوذ بالله.
ومن المصائب الكبيرة اليمين الغموس وهو أن تحلف يميناً تقتطع بها حق مسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان) (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿77﴾ آل عمران) وفي الحديث (لا يقتطع أحدٌ مالٌ بيمين إلا لقي الله وهو أجذم) وهذا قد يحدث على قلة إن شاء الله.
من الذنوب أيضاً أن تسأل المرأة طلاقها من زوجها من غير ما بأس فهذه الجنة عليها حرام.
ومن الجرائم إفشاء السر بين الزوجين: زوج حكى لزوجته سراً فحكته لشخص ما أو هي حكت له سراً فحكاه لشخص آخر وفضحها أو أحدهما يتحدث بما يجري بينهما في الفراش وهذا في الحقيقة بعض النساء يفعلن هذا مع صويحباتهن فتضحكن وتتحدثن كيف يفعل معها زوجها في الفراش وهذا من الجرائم التي تحاسب عليها يوم القيامة.
ومن الذنوب ذكر عورة المسلم: كأن تكون قد اطلعت على عورة لأمر ما اكتشفت أن فلاناً يفعل كذا وإذا بك تشنع عليه هذه جريمة ما بعدها جريمة فيوم القيامة سوف تفضح على رؤوس الخلائق (من كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- وقد صعد المنبر لخطورة الأمر- : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ولا تعيّروهم ولا تطلبوا عثراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه وهو في جوف رحله). كذلك إذا استمعت لحديث قوم وهم لك كارهون، يعني اثنان يتناجون في أمر فأنت تترك أذنك حتى تسمع هذا الحديث من غير أذنهم فهذه مصيبة المصائب.
الشحناء إذا كان بينك وبين شخص ما خصومة حتى أصبحتما لا يحدث أحدكما الآخر وهذا شائع جداً لقضية بسيطة، لخلاف، لكلمة تحدث هذه الخصومة ولا ترفع صلاتك فوق رأسك شبراً ولا يغفر لك لا في رمضان ولا في عرفة ولا في النصف من شعبان ولا ليلة القدر لكونك أنت شاحنت أخاك بخصومة ثم تهاجرتما.
إذا قال رجل لأخيه يا كافر، يا مشرك، يا مبتدع، يا فاسق، ولم يكن كافراً فأنت الذي أصبحت كافراً تكتشف يوم القيامة أنك تحشر مع الكافرين لأنك كفّرت مؤمناً وما أكثر هذا اليوم أي بلاء هذا الذي نسمعه!؟ بلاء ما بعده بلاء ولهذا القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من نار. نحن في بلاء وكل هذه الآفات جداً شائعة.
السباب كم يسب أحدنا الآخر؟ المستبان ما قالا فعل البادي منهما حتى يتعدى المظلوم، (سباب المسلم فسوق) تبعث فاسقاً (ما من مسلمين إلا وبينهما ستر من الله عز وجل فإذا قال أحدهما لصاحبه كلمة هُجرٍ فرّق ستر الله) فأنا عندي ذنوب وأنت عندك ذنوب ورب العالمين جعل بيننا ستر لا تعرف ذنوبي ولا أعرف ذنوبك وهذا من رحمة الله عز وجل ثم تساببنا، كل منا أو أحدنا فضح الآخر بذنوبه، هتكت ستر الله عز وجل فسوف يهتك الله سترك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن امرئ عيرك بشيء فيك فلا تعيره بشيء فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك ولا تسبنّ شيئاً) فإذا عيرك واحد بما عرف منك من ذنب فلا تعيره بما تعرف عنه من ذنب دعه يبء بإثمك وإثمه أجره لك وذنبك عليه.
اللعن: “إن من اكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه”، أي إذا شخص ما لعن أبوك أو لعن أمك فقد هلكت ارتكبت من أكبر الكبائر لأنك سببته فذلك أدى أن يسب الرجل والديك، حينئذٍ كم منا من يفعل ذلك في اليوم والليلة؟، أنت الآن تسمع هذه الذنوب هل أحصيت كم واحدة منها فيك؟ علينا من الآن أن ننتبه فالعمر يمضي والملائكة يسجّلون (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) إذا كنت قد نسيت فإن الله لا ينساها فبادر بالاستغفار والتوبة وهي سهلة لمن يسرها الله عليه فمن الآن قل يا رب تبت إليك وابدأ راقب لسانك من اليوم وإلا فأنت هالك لا تقبل منك صلاة ولا صوم ولا حج ولا زكاة فبمجرد أنك تتخاصم مع شخص وتتهاجران انتهيت، ما لكم عمل، البغضاء هي الحالقة وكل جرائم اللسان تؤدي إلى البغضاء في النهاية.
ومن الجرائم والذنوب أيضاً اليمين الكاذب وحتى ولو كان مزاحاً ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أم قالت لطفلها لكي يأتي تعال وأعطيك فسألها النبي ماذا تعطينه؟ قالت أعطيه تمرة فقال (أما لو كنت لا تعطيه فقد كتبت عليك كذبة) حتى بالمزاح حتى على الطفل فكم نكذب في اليوم؟ ويبقى الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
النميمة (لا يدخل الجنة نمام) النمّام من يستمع كلام المتخاصمين فاثنان لديهم مشكلة فأحدهما تكلم عن الآخر في غيبته فشخص ما سمع فذهب للآخر وقال له فلان يتكلم عليك حينئذٍ يكون نقل كلام هذا إلى هذا فأشعل بينهما العداوة هذا هو النمام (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴿10﴾ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴿11﴾ القلم) حينئذٍ هذا الذي يُفسد بين الناس كالذي يصلح بين الناس لاحظ كم أن حسنة وأجر الذي يصلح بين اثنين متخاصمين عظيم؟ أفضل من الصوم والصلاة والجهاد والحج أنك تصلح بين اثنين متخاصمين. تأمل العكس أنك تفسد بين اثنين متصالحين تنقل كلام هذا لهذا وكلام هذا لهذا وكل إنسان يحدث نفسه أو صديقه أو زوجته عن فلان الذي قال لي كذا وكذا فتأتي أنت وتنقل هذا الكلام الذي سمعته أو تسمعت إليه أو تجسست أو بلغك بأسلوب من الأساليب إلى الآخر وجعلتهم متخاصمين متعادين والنميمة لا تمحى من العقل. أنت صديقي وقد أنال منك مع من أُحب بشكل سري وشخصي فيسمع هذا الكلام شخص ما فيخبرك به فأنت لن تنساه بعد اليوم مهما اعتذرت لك تبقى خالدة في ذهنك وبالتالي كأن هذا النمام دق بيني وبينك إسفيناً لن تمحى كلماته من عقلك وهذا النمام لا يدخل الجنة إلا آخر من يدخلها.
وهناك من يصلي ويصوم ويؤدي الصلوات في وقتها ويؤدي النوافل ويحافظ على قراءة القرآن ولكنه يتكلم في أعراض الناس فهو يعتبر هالكاً ويوم القيامة لن يجد من هذه الأعمال شيئاً فعندما يسأل أين أعمالي؟ يقال له أكلتها الغيبة. فهذا اللسان مصيبة مثل السرطان يأكل الأعمال. أعظم الذنوب الربا وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الربا اثنان وسبعون باباً أيسرها كمن يأتي أمه) فأقل ربا حتى لو درهم ربا مثل شخص يزني بأمه- والعياذ بالله- (وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) أعظم أنواع الربا الذي يتكلم عن أخيه في غيابه فتصور إذا كان أقل الربا كمن يأتي أمه فما بالك بأعظم الربا؟! وأعظم من أعظم الربا أن الرجل يتكلم في عر ض أخيه باطلاً في غيابه أو في حضرته.
ومن الذنوب أيضاً الهمز واللمز الذي يعير أخيه بما فيه سواء باللسان أو بالحركات (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴿1﴾ الهمزة) وهذه كلها ذنوب لسانية.
وأيضاً الكذب، نقض العهد، حلف اليمين الكاذبة، ذو الوجهين كما قال صلى الله عليه وسلم (تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) فهو منافق مع هذا وهذا. جاء أناس إلى الكوفة على عبد الله بن عمر قالوا: نحن إذا دخلنا على السلطان نقول له ما يشتهي لكن إذا خرجنا قلنا شيئاً غير هذا فقال عبدالله بن عمر: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نفاق السلطان.
ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار. الحلف، القاضي، شهادة الزور .
هذه بعض جرائم اللسان ولا يخلو أحد منا من واحدة أو اثنتان على الأقل من هذه الآفات إلا الصفوة (إلا عبادك منهم المخلصون) حينئذٍ ماذا نفعل؟ والعمر قصير والأيام تمر والملائكة يكتبون والكتاب يحصي كل شيء فقد تأتي يوم القيامة وأنت فرح بما عملت في الدنيا من صيام وصلاة وحج وتربية عيال وصدقات فخيرك كثير ولكنك لا تجد شيئاً منها لأن لسانك أكلها كلها. فالغيبة والنميمة وهتك العرض وهنك العورات وكلمة الكفر والرياء هذه كلها جرائم خطيرة ومصائب. فلو أن كل شخص منا اختلى بنفسه بدون أن يجاملها وعدّد ما فيه من هذه الجرائم لوجد خمسة أو سبعة ثمانية عشرة فأنت هالك لا محالة فما الحل؟ يكفيك أن تأخذ دقيقة من وقتك وتقول يا رب تبت إليك وأنت غفار لمن تاب وابدأ من الآن بمراقبة لسانك كما تراقب العدو كما تراقب سرطاناً في جسمك، إبدأ هكذا وإلا هلكت وحينئذٍ إستبدل هذا بذكر الله عوّده فإذا عودته على ذكر الله عز وجل يستقيم ويتدرب وخاصة الاستغفار (من سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليُكثر من الاستغفار) وبالتالي بالاستغفار، بالتسبيح (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) في البداية أتعبه أسبوع، أسبوعان، أتعب لسانك تماماً طول النهار حتى تشعر بالتعب ثم خفف قليلاً إلى أن يستقيم هذا اللسان فإذا استقام لسانك استقام كل عملك ولهذا خير الناس من كف لسانه، خير الناس من ملك لسانه. أيّ الأعمال أفضل؟ قال (الصمت) فعليكم بالصمت إلا عن ذكر الله عز وجل.
قضية اللسان ناهيك عن ما جاء بها من كتاب وسنة كثيرُ من الحكماء والصالحين وأصحاب الفكر العالي وأصحاب العقل النيّر اكتشفوا أن صلاحهم وهلاكهم يبدأ من اللسان. مثلاً من حكماء العرب قس بن ساعده وأكثم بن صيفي التقيا فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال الآخر: هي كثير وهي أكثر من أن تُحصر ولكني وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها. قال: وما هي هذه الخصلة التي إن فعلها الإنسان سترت كل عيوبه؟ قال: حفظ اللسان. هذا رجل في الجاهلية!.
في بعض الأحيان كثير من الناس من يظن أن الالتزام بالصمت تجاه من أساء إليك نوع من الهزيمة ولكن لا بأس لأن كل الحسنات والصالحات بها إذلال للنفس كالتواضع والاعتراف بالذنب وغير ذلك فلا يهم كلام الناس لأنك عندما تذل لنفسك في سبيل الله يرفعك الله عز وجل.
قال سيدنا علي رضي الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام. كلما عقلك أكتمل كلما نقص كلامك، وكلما نقص عقلك زاد كلامك. قال وهب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت والعاشر في عزلة الناس. وفعلاً إذا تعودت الصمت يكبر، عقلك تكبر نفسك، تصبح صاحب حكمة. قال رجل لواحد من بني تميم- وبني تميم قبيلة عظيمة وسيدهم الأحنف بن قيس وكان هذا رجل عظيماً سيداً من السادة الكبار- بم سادكم الأحنف وما كان بأكبركم سناً ولا أكثركم مالاً؟ فقال الرجل: سادنا بقوة سلطانه على لسانه. وفعلاً كان الأحنف بن قيس من حكماء الأمة حتى أن الخلفاء الراشدين كلهم ما كانوا يستغنون عن نصائحه وإرشاداته لشدة حكمته وابتدأت حكمته في أنه لا يقول إلا صدقاً ويضبط لسانه تماماً فلا ينطق إلا بخير. قال لقمان لأبنه: “يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك”. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما عبد الله بأيسر منهما الصمت وحسن الخلق) حسن الخلق بحيث إذا شتمك أحد لا تشتمه، إذا اعتدى عليك أحد سامحه، إذا دعاك أجِب، كن ليناً لا تكن جباراً، لا تكن مخيفاً، فليأمل الناس منك خيراً (المؤمن كالجمل الأنف إذا أستقيد إستقاد) وبهذا تكون من أصحاب الخلق الحسن (وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) (وإن الرجل ليكسب بحسن خلقه مع الناس ما لا يكسبه الصائم الذي لا يفطر والمجاهد الذي لا يفتر) حينئذٍ كل هذه الأخلاقيات العظيمة مما تقربك عند الله كما لا يقربك الصوم والصلاة ثم الصمت. فهذا الصمت إذا عودت نفسك عليه شعرت بلذة، براحة نفسية، يبعد عنك القلق،
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عوراتُ وللناس ألسن
ومن حفظ لسانه وحفظ يده عن الناس وأرزقه الله الصمت فقد نجا والله سبحانه وتعالى هو الذي يوفق لذلك. حينئذٍ نقول هذه بلية ابتلي بها الناس جميعاً وخاصة في هذا الزمان والحل من هذه الساعة سهل ويسير لمن يسره الله عليه قل يا رب العالمين: تبت إليك من ذنوب لساني و أعاهدك ألا أعصيك بهذا اللسان. ومن هذه الساعة إسهر على لسانك، كلما هممت أن تتكلم تفكر قليلاً في الذي سوف تقوله واستمر هكذا ليوم أو يومين أسبوع أو أسبوعين سوف ترى نفسك قد ملكت لسانك وأصبحت من أهل الحكمة ورضي الله عنك وتاب عليك وغفر كل ذنوبك وبذلك تنجو. إذا نجوت من ذنوب اللسان فلا عليك من أي ذنوب أخرى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/8/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية وتم تنقيحها