مقدم الحلقة: الدكتور حسام النعيمي |
تاريخ الحلقة: 31 /10/2008 ـ 2من ذي القعدة 1439 هـ |
سحر البيان
موضوع الحلقة : الحمد لله
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلق الله أجمعين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها المستمعون الكرام: كنا في الحلقة الماضية قد تكلمنا كلاما موجزا بشأن رسم المصحف، وقلنا أن هذا الرسم يمثل ما كان عليه الخط العربي أيام صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إحدى مراحل تطوره. وهذا الذي نأخذ به بناءً على ما ورد فيما اكتشفه العلماء من آثار و مضمورة تحت الأرض. أو مما وجد مكتوبا على الصخر أو على أبواب بعض المعابد، بحيث نرى مراحل لتطور الخط العربي. في ذلك الوقت لم يكن الخط قد استقر استقرار الخط، واستقرار قواعد الإملاء. كان متأخرا، ولكن فتوى الإمام مالك ـ رحمة الله عليه ـ كانت سببا في الثبات على ذلك الرسم الذي رسمه الصحابة الكرام، فصار إذا أردت أن تكتب نسخة من المصحف أن تنظر إلى نسخة مكتوبة على نسخة مكتوبة، وهكذا على الأصل… على أصل ما كتبه الصحابة الكرام. وقلنا إنه حدثت إضافات خارج جسم الحرف القرآني من أجل ضبط النطق، لأن القرآن هو محفوظ في الصدور قبل أن يحفظ السطور. فحتى يضبط النقط لأنه كان أول إشكال حدث هو ما لعلنا تحدثنا به فيما مضى ليس في الحلقة الماضية، إنما في حلقات ماضية لما زياد بن أبيه أراد من أبي الأسود الدؤلي أن يضع شيئا في المصحف. الإمام يضبط للناس ألسنتها، فرفض أبو الأسود قال: كيف أعمل شيئا ما عمله أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فوضع قارئا يقرأ على مدرجته، على طريقه { وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }( التوبة3) يعني الاستئناف قال اقرأها ورسولُه. فلما قرأ ورسولِه يعني اضطرب أبو الأسود لأن المعنى صار أن الله يبرأ من المشركين، وأنه سبحانه يبرأ من رسوله. فهو رجع قال ائتيني بكاتب. فحاول أن يضع الحركات. يعني الحرف ما كان منقوطا ولا محركا، أو مشكلا. وكان حركات عبارة عن نقاط مطموسة. يعني دائرة كبيرة ليست نقطة. وإنما دائرة مطموسة مغلقة، فإذا وضعها أمام الحرف معناها أن هذه ضمة، إذا وضعها فوق الحرف معناها هذه فتحة، إذا تحت الحرف معناها هذه كسرة. ووصل إلينا مصاحف بنقط أبي الأسود موجودة في المتاحف مصاحف عليها يعني ليس فيها نقطة تحت الباء، ونقطة فوق النون. ما موجود، لكن موجود هذا النقط نقط أبي الأسود الدؤلي. ممكن أن يطلع عليه الإنسان، ومعلوم تاريخها من تاريخ الورق المكتوب عليه من الجلد من العظام أحيانا، ومكن أن تجد نسخة في موسكو نسخة في لندن، نسخة في طشقند، نسخة في اسطنبول. وممكن أن تجد نسخا في بغداد أو في غيرها من هذه النسخ المصاحف ممكن أن تجد. ثم بمرور الوقت صار إضافة هذه النقاط كلها خارج الجسم ـ جسم الحرف ـ. قلنا هكذا وبدأنا بعد ذلك قلنا كلمة بسم الله الرحمن الرحيم لم تكتب همزة الوصل هذه بشرطين. يعني من خلال الاطلاع على استعمال كلمة اسم في القرآن الكريم. قلنا تحذف هذه. إذا وجد شرطان إذا كانت كلمة اسم متصلة بها الباء الجارة، يعني بسم وأضيفت لفظة اسم إلى لفظ الله. لفظة الله حصرا إذا وجدت هذه الظاهرة يحذفون الألف ـ يعني الهمزة ـ وإذا لم توجد يثبتونها وبدأنا بذكر النماذج لعلنا لم نذكر نموذجا منها. الآن نأتي إليها عندنا في الفاتحة واضحة على رأسا بسم الله الرحمن الرحيم. نجد أن كلمة بسم ارتبطت بالباء، وأضيفت اللفظة إلى لفظ الله. بسم الله هنا تحذف همزة الوصل في الرسم، في سورة النمل الآية 30 إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. كلمة بسم مرتبطة بالباء أضيفت إلى لفظ الجلالة. إذا: تحذف الهمزة في سورة هود الآية 41 وقال { وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}( هود 41) بسم الله مجريها ومرساها. بسم الله أيضا الباء متصلة بلفظة اسم، ومضافة إلى اسم الجلالة الله محذوفة الألف. وبالمناسبة كلمة مجريها تلاحظوا موضوع عليها يعني مثل رقم ثمانية وسبعة الواحد فوق الآخر إشارة إلى أن هنا إمالة، والإمالة هو يقولون صوت بين الألف والياء. لكن أحسن من هذا التوضيح أنه مستعمل عندنا في لهجتنا العامية. يعني في الموصل يستعملون الإمالة يعني ما يقول لك فلان اسمه سالم ما يقولون سالم. يقولون سالم. هذه الآييه هي الإمالة. في عموم العراق وفي أكثر البلاد العربية يستعملون الإمالة كما يقول العلماء الصوت من المزدوج. يعني أن تكون الياء قبلها فتحة في الفصيح. أي ياء قبلها فتحة في الفصيح طبعا وليس مضطرا يعني هذه القوانين لا تكون مضطردة يا قبلها فتحة في الفصيح. في العامية صار صوت إمالة مثل كلمة بيت بيت الياء ساكنه قبلها فتحة، بيت نحن ما نقول بيت نقول بييت فالصوت الذي بين الباء والتاء في كلمة بييت هو صوت الإمالة نفعل هذا ما نفعل هذا. قلنا يا رييت هي ريت هي ليت أصلها ليت صارت اللام راء وصارت يا رييت. فمثل ما تقول يا رييت تقول كلمة مجرييها هكذا تلفظها تصور نفسك تقول يا رييت لأن هذا نقوله في عاميتنا. فبسم الله مجرييها إمالة هل حفص أمال في كل الإمكان لا ورش يميل كثيرا لأن كلا أخذ من القبائل. وهو مسجل قد نأتي في مثل هذا الكلام فيما يتعلق بالقراءات. إذا وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها، بسم الله لأن كلمة اسم اتصلت بالباء وأضيفت إلى لفظ الجلالة. فإذا: قلنا شرطان متصلة بالباء اسم ومضافة إلى لفظة الله. نلاحظ في سورة الواقعة في الآية 96 من سورة الواقعة { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} فسبح باسم ربك العظيم… كلمة اسم ارتبطت بالباء، لكن أضيفت إلى كلمة رب، وليس إلى كلمة الله. تنظر في خط المصحف ستجد أن الألف مثبتة. يعني فسبح باء ألف التي هي همزة الوصل، ثم تأتي السين والميم مع أنها كلمة باسم… باسم ربك في الواقعة. أيضا الآية 74 وكذلك في الآية 96 فسبح باسم ربك العظيم مكررة. فسبح باسم ربك العظيم. الألف مثبته في الآيات الثلاث. في سورة العلق { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } الآية الأولى أيضا كلمة اسم مرتبطة بالباء لكن أضيفت إلى كلمة رب. الألف ثابتة في المائدة { وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ } اذكروا اسم الله أضيفت إلى لفظ الجلالة، لكن ما اتصلت بالباء، قبلها الواو { وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ} ( المائدة 4) الألف ثابتة في الأنعام في عدة مواطن في الأنعام، وفي الحج في عدة مواطن. { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } أضيفت إلى كلمة هذه فقدت الشرط. يعني لا أضيفت إلى اسم الله، ولا بها الباء. لكن مضافة إلى كلمة رب { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } مكتوبة الألف في ( الحجرات 11) { بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الاسم معرفة لا قبلها باء ولا مضافة إلى اسم الجلالة، ولا مضافة إلى شيء. إذا الخلاصة نقول تحذف الألف بوجود هذين الشرطين… أن يكون لفظ اسم متصل بالباء ومضافا إلى لفظ الجلالة الله. إذا اختل أحد الشرطين أو كلاهما فعند ذلك تثبت الألف التي هي الهمزة وعلى هذا رسم المصحف نأتي الآن إلى كلمة الحمد لله. البداية الحمد لله رب العالمين. أولا كلمة الحمد لله لنعلم حتى بقية الآيات الواردة في الفاتحة هذه الحمد لله صيغتها صيغة خبر. الحمد لله يعني أنت كأنك تخبر كما تقول ولله المثل الأعلى الكتاب لزيد… الكتاب مبتدأ، ولزيد جار ومجرور متعلق بخبر محذوف جملة من مبتدأ وخبر جملة خبرية. الكتاب لزيد لكن العلماء يقولون هذه جملة خبرية يراد بها الإنشاء. الجملة الإنشائية هي جملة لا تحتمل الصدق. يعني لا تحتمل أن تقول له صدقت الجملة الخبرية ممكن أن تقول له يقول لك جملة فتقول له صدق، أو تقول له كذبت. فلما يقول إنسان: الله واحد هذه جملة خبرية، فتقول له صدق. لأن الجملة تحتمل التصديق وتحتمل التكذيب. هي هنا مصدقة. فإذا: جملة خبرية لكن لما تقول الكتاب لزيد ما تحتمل. أيضا ممكن هنا الكتاب لزيد جملة خبرية تحتمل أن يقال لك صدقت. الكتاب لزيد أو يقال لك كذبت، الكتاب ليس لزيد. لكن لما تقول للشخص اكتب درسك تأمره اكتب هذه ما تحتمل أن تقول له صدقت أو كذبت. اكتب يعني تنفذ الكتابة فهذا يسمى إنشاءً. هذه إنشاء، ومن الأمر ما يكون من الأدنى إلى الأعلى. هذا لما يكون من الأعلى يعني الأب لما يقول لولده افعل هذا، هذا أمر ما يحتمل أن يقول له هذا والله صحيح. أو تقول لا ليس هذا صحيح. لا هذا أمر. فجملة الأمر جملة إنشائية لما يكون من الأدنى إلى الأعلى لا يسمونه أمرا، وإنما يسمونه سؤالا أو دعاء. لما تقول اللهم اغفر لي… اغفر فعل أمر. العبد لا يأمر ربه، وإنما يدعوه فجملة الدعاء حتى الدعاء هي جملة إنشائية، لأنك تسأل تطلب فهذا إنشاء. السؤال هل جاء زيد، هذه جملة إنشائية. فقالوا: كلمة الحمد لله جملة خبرية في ظاهرها، لكنها في حقيقتها إنشاء. كيف إنشاء قالوا هي دعاء أنك تمجد الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتعلن الحمد له ـ تبارك وتعالى ـ. إذا: أنت لا تخبر أحدا بأن الحمد خاص بالله ـ تبارك وتعالى ـ أنت لا تريد هذا لما تقول الحمد لله رب العالمين لا تريد أن تخبر أحدا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو يستحق الحمد. وأنا أحمده. لا وإنما أنت تمجد الله ـ تبارك وتعالى ـ فتحمده. إذا: هي فيها معنى الثناء، ومعنى التمجيد، ومعنى الذكر العظيم لله ـ تبارك وتعالى ـ. فإذا: الجملة ظاهرها خبر، وحقيقتها إنشاء. يعني هذه عبارة القدماء حقيقة فأحببت أن أوضحها. ما المقصود بالخبر، وما المقصود بالإنشاء. الحمد لله إذا تمجيد لله ـ سبحانه وتعالى ـ. لما نأتي إلى يعني التفاسير أو إلى المعاجم وننظر في كلمة الحمد نجد أنه يقولون لنا الحمد معناه المدح أو الشكر أو الثناء. هذا معنى الحمد. يا ترى لو نظرنا في هذه الألفاظ هل حقا هي ألفاظ متماثلة؟ وإذا كانت متقاربة هل يمكن أن نضع أي واحد في غير القرآن الكريم مكان الحمد لله. يعني هل يوفي أن يقول الإنسان بدل الحمد لله يعني لو كان الآية ما نزلت هكذا ممكن كان تكون المدح لله، أو الثناء على الله، أو الشكر لله. لا حظ العلماء تكلموا في هذا. يعني سورة الفاتحة الإمام الرازي قال فيها من الأسرار ـ يعني الأسرار البيانية والاجتماعية واللغوية إلى آخره ـ ما يربوا على عشرة آلاف مسألة. يقول الإمام الرازي وحاول يعني الذي يرد حقيقة أن يطلع يرجع إلى مفاتيح الغيب للإمام الرازي أو التفسير الكبير سيجد أنه كتب صفحات طويلة في سورة الفاتحة. نحن الذي يعنينا من ذلك حقيقة هو الجانب اللغوي. لكن يعني هذه العناية وهذا الاهتمام في محاولة الاستنباط والاستخراج وبيان أن كل لفظة في كتاب الله ـ عز وجل ـ. إنما هي في موضوعها لا يصلح في مكانها لفظة أخرى لها المعنى نفسه. يعني لها ذلك المعنى نفسه لا يصلح. فهنا الحمد لله أولا حتى نستطيع أن نفرق نقول كلمة الحمد وكلمة المدح بشكل خاص من جذر واحد، وفيه اختلاف في التركيب والترتيب. يعني مدح هي ميم ودل وحاء مدح. ولاحظ طريقة الترتيب يعني بدأ بالميم ثم الدال ثم الحاء… يعني داخل حمد بدأ بالحاء وانتقل إلى المم ورجع إلى الدال والحروف هي هي. قالوا: يعني كلاهما حمد ومدح فيها معنى قول يعني حسن في مقابل أنك تقول قولا حسنا في ذات معينة، فيكون حمد أو يكون مدحا. فإذا ما الفرق هناك؟ إذا: جامع بين اللفظتين، وهناك جامع واسع حقيقة بين هاتين اللفظتين، لأن الألفاظ التي يعني تشترك في الحروف يكون هناك جامع لها. وعندنا في هذا الباب حقيقة أكثر من عني به إلى حد يعني الإفراط حقيقة في حتى سمي نظريا لهذا العالم هو أبو الفتح عثمان بن جني. عثمان بن جني المتوفى سنة392 للهجرة عني به حتى نسب إليه نظرية تسمى نظرية الاشتقاق الأكبر. قال الثلاثي إذا قلب على أصوله كل أصل يكون له معنى، لكن يكون هناك معنى جامع يجمع هذه الجذور، أو هذه الأصول. كل مجموعة فحاء ميم دال. فميم دال حاء من جذر واحد فيه هذا القليب. فهناك مساحة مشتركة بين اللفظين، لكن قالوا مما يفرق بينهما التفريق أول تفريق بينهما أنه الحمد إنما يقال لمن هو مستحق ذلك بذاته، وإن لم يبدر منه شيء. يعني هو بذاته مستحق لأن يقال فيه الكلام الذي فيه حسن له. يعني مستحق الحمد بذاته. يقال فيه الحمد أما المدح فممكن أن يكون لمن هو مستحق ولمن هو غير مستحق. يعني المدح الشاعر يأتي مثلا إلى ممدوح إلى أمير من الأمراء، فيقول فيه كلاما قد يكون ذلك الإنسان يستحق هذا الشيء، وقد لا يكون مستحقا له يعني قد يكون الكلام فيه صدق. وقد يكون كاذبا في قوله أنت كذا، أنت كذا. وأحيانا الشاعر يبالغ في كلامه حتى يكون مبالغته ممجوجة على أنه من كبار الشعراء لا يقبل هذا لما مدح الخليفة قال: وأخفت أهل الشرك حتى أنه لتخافك النطف التي لم تخلق. أيش هذا الكلام! يعني هو يريد أن يقول أخفت أهل الشرك بكبيرهم وصغيرهم، لكن النطف التي لم تخلق تخاف منك. يعني هذا الكلام لا يقبله عاقل فهو لا يستحق هذا الكلام. يعني هذا الأمر لكنه مدح هو مدحه مدح ومدح فيه مبالغة. فإذا: لو قيل في غير القرآن المدح لله يحتمل الأمرين. يعني كلمة المدح لأنها يحتمل أن تستحق أو لغير مستحق فلا يناسب أن يقال المدح لله، لأن هذه الكلمة تحتمل هذين الأمرين. تحتمل أن توجه لمستحق، وتحتمل أن توجه لغير المستحق. لذلك فلا يليق أن تقال لله ـ سبحانه وتعالى ـ ولعله لاحتمالها ذلك ولما فيها من معنى الكذب. أحيانا نجد أنه لما نفتش عن كلمة مدح في المعجم المفهرس في ألفاظ القرآن الكريم. لا نجدها معناه أن القرآن الكريم لم يستعمل أي اشتقاق من لفظ مدح، ما استعمل لم يستعمله القرآن الكريم. ما عندنا ميم دال حاء في القرآن الكريم، ولا أي اشتقاق من اشتقاقاتها. لعله نقول لعله لا نتأله على الله ـ عز وجل ـ لما في كلمة مدح من هذا الأمر أنها تحتمل أن يكون فيها أن تقال لمن هو مستحق، وأن تقال لمن هو ليس مستحقا، بينما الحمد لا يقال إلا لمن هو مستحق للحمد. ولذلك كلمة الحمد لله أرجح من هذا الجانب من كلمة المدح لله. لو قيلت هذا شيء. الأمر الآخر يقول فيه نوع من الإجلال والتعظيم والمحبة، وهذا نضعه في ذكرنا لأنه سنوازن بهذا أيضا في الألفاظ الأخرى فيها معنى الإجلال والتعظيم والمحبة. فلما تقول الحمد لله يعني في معنى أولا أنه مستحق للحمد. والأمر الآخر يكون هناك في قلبك معنى الإجلال والتعظيم والمحبة لله ـ سبحانه وتعالى ـ. هذا الأمر لا يوجد في كلمة المدح، غير موجود لأنه ربما يأتي الإنسان فيمدح إنسانا آخر وهو يحتقره، لكن يطمع في شيء كما كان للمتنبي وكافور. يعني المتنبي مدح كافور بمدائح وهو يمقته ويحتقره حتى قال فيه أبى المسك أبى المسك لأنه كان أسود فيقول له: أنت رائحتك عطره أبى المسك هل في الكأس فضل لشارب؟ عندك فضل فإني أغني كل حين، وتطرب لكن لما لم يحقق له رغبته انكشف على حقيقته. وبالنظر إليه قال عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر في تجديد. وهجا كافورا حتى قال وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الفعلة السود. الفعلة وضعها في قوسين، وضع مكانها كلمة الهجاء أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل، فكيف هذا الكذا الأسود. فإذا: لما كان يمدحه كان كاذبا فيه لم يكن صادقا، لا في تعظيم له، ولا في احترام، ولا في محبة. إذا: المدح يحتمل ذلك، أما الحمد فلا يحتمل ذلك. الحمد لابد أن يكون فيه إجلال وتعظيم ومحبة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يليق به ذلك. أنك حينما تحمد الله ـ عز وجل ـ يكون في قلبك هذا الإحساس من التعظيم والإجلال والمحبة، لكن هذا لا يوجد في كلمة المدح. فإذا: لا يناسب أن يقال المدح لله، لأن نفقد هذه الحالة نفقد هذه يعني الحالة لنقل النفسية في نفس الإنسان. أنت لابد وأنت تقول الحمد لله أنك نقول هذا الأمر كان يتحسسه العربي. العربي يفرق بين الحمد والمدح هذا الكلام كلام العلماء. هو مما استنبطه العلماء من كلام العرب، ومن استعمالاتهم. يعني ليبينوا لنا كيف أن العربي لما تقلى كلمة الحمد لله كيف كان إحساسه. أنه لا يلائم هنا في هذا الموضع. الحمد لله لا يلائمه، لأن الحمد في هذين الأمرين الذي ذكرناهما، وهناك أمور أخرى أيضا للتفريق بين هذه الألفاظ، نأتي إليها ـ إن شاء الله تعالى ـ في الحلقة القادمة. أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.