سحر القرآن

سحر القرآن 17

اسلاميات

الحلقة 17:

 بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سحر القرآن فيه المعاني الجليلة والقصص العجيبة كيف تأثر الناس الذين يفهمون هذه المعاني وكنت قد حدثتكم عن بعض الناس الذين تأثروا بالقرآن وأيضا بكفر من كفر وكنت أفكر كيف كفر هؤلاء؟! وكيف لا يسجد الواحد منهم عندما يسمع الآيات ولا يخضع عندما يسمع الإعجاز في القرآن الكريم؟! وأحببت أن أشارككم في قصة تأثر سادة قريش بالقرآن ولماذا كفروا. يشرح لنا لماذا كفر من كفر من سادة قريش مع اعترافهم بإعجاز القرآن هذه القصة. الوليد بن المغيرة والأحنف بن قيس وعمرو بن هشام (أبو جهل) وكلهم من سادة قريش، اجتمعوا يسمعون القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يقرأ القرآن بصوت عالي في بيته ليلاً وكان كل واحد من هؤلاء الثلاث مختبأ خلف زاوية من زوايا البيت ولم يعرف واحدهم بالآخر ظلوا يسمعون القرآن إلى الفجر فانصرفوا والتقوا مع بعضهم في الطريق فعرف كل واحد أن الآخرين كانوا يسمعون وقالوا لو رآكم سفهاؤكم تفعلون ذلك فعلوه وإذا سمعوا إلى قرآن محمد استمالهم وآمنوا به. يعني يكفي أن يسمع الناس القرآن فيؤمنوا لأن القرآن يُحس بشكل غير طبيعي وهم كأهل بلاغة يستمتعوا بقراءة القرآن فمن يحب الشعر يحب أن يسمع الشاعر فما بالك بالقرآن؟ القرآن يشدهم ويمتعهم كذلك سادة قريش. فالآن تعاهد الثلاثة على أن لا يعودوا لسماع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن وكل واحد ظن أن الآخر لن يعود ولكنهم عادوا في الليلة الثانية لسماع القرآن وعادوا والتقوا واشتد نكيرهم على بعضهم البعض وتعاهدوا أن لا يعودوا وقال الوليد بن المغيرة للأحنف بن قيس : ما تقول فيما سمعت من محمد؟ (هذا الحوار وصل لنا من أبناءهم فيما بعد) فقال له الأحنف بن قيس: قال بنو عبد المطلب فينا الحجابة (خدمة الكعبة) قلنا نعم وفينا السدانة قلنا نعم فقالوا فينا السقاية (وهذه كلها من أنواع التشريف في مكة) والآن يقولون فينا نبي ينزل عليه الوحي فمتى يكون فينا نبي والله لا آمنت به أبداً.

 

إن اعترافهم بأن لو سمعت قريش القرآن لآمنوا ولكن العصبية القبلية شدتهم إلى الكفر. وقد ذكر الله تعالى في القرآن ما قاله سادة قريش في الآية الكريمة: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)

 

كان هذا قرارهم أن لا تستمع قريش للقرآن وإذا كان الرسول يقرأ القرآن وهم لا يستطيعون إيذاءه، فالغوا فيه فصفقوا وصفروا حتى لا يسمعوا منه شيئاً فيؤمنوا لذلك يقول الله تعالى (والغوا فيه) هذا اللغو ليس فقط على أهل مكة ولكن أيضاً الزوار الذين يأتون مكة وهنا نذكر قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي سيد بني دوس جاء إلى مكة ومُنع من سماع القرآن ومع ذلك أسلم، كيف أسلم؟ بسبب القرآن.

 

قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لها علاقة وثيقة فيما نتحدث عنه من أثر القرآن بالنفوس فللقرآن سحر بيان عظيم. الطفيل هو سيد دوس وهي قبيلة قوية وعظيمة وهو يختلف عن باقي السادة فلم يصل إلى رئاسة القبيلة من الوراثة فقط بل كان شاعراً يتقن اللغة العربية وشديد الذكاء وذو مكانة عالية كما كان ذو إحساس مرهف لذلك كان اهتمام قريش فيه اهتماماً خاصاً. هذه الشخصية الفذة الوافدة إلى مكة فقالوا إذا سمع الطفيل القرآن سيتأثر به ويفكر به ويسلم وهذه مصيبة لأن بإسلامه ستسلم قبيلة دوس فسنتكلم مع الطفيل لصده عن سماع القرآن فأول ما وصل إلى مكة جلسوا معه فعظموه وقالوا له إن هناك شخص يُدعى محمداً قد أعضل فينا وشتت جماعتنا وفرق بيننا فعنده كلام يفرق به بين الرجل وزوجته وبين الرجل وأبيه وبين الرجل وابنه وقالوا له وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنّه ولا تسمعنّ منه شيئاً إن هذا ساحر فإياك أن تسمع شيئاً من القرآن فألقوا الرعب والخوف في قلبه، لكن هؤلاء المحاربين للقرآن في كل العصور والأزمان ينسون أن بحربهم الضروس على القرآن يوعون القلوب والعقول فالعاقل يبدأ يتساءل لماذا الحرب بين أعداء القرآن ومتبعيه؟ البشر اليوم يختلفون، حيال هذا الاختلاف والتعالي فهي مسألة تثير من له عقل وذهن. وظلت قريش تُرهب الطفيل حتى أخافته فسلك مسلكاً آخراً فأخذ لنفسه الحيطة والحذر من النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا يمكن أن أمر على محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن فيصل إلى أذني وأتأثر بكلامه فلا بد من إقامة موانع من أن يصل إلي سحر محمد (هو يتحدث عن نفسه) فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً حتى وضعت في أذني كُرسفاً (قطن) ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في الكعبة والطفيل يطوف وبدأ يحدث نفسه: أنت عجيب يا طفيل أنت رجل شاعر وذكي فكيف تسمع لهؤلاء؟ وقد كان يأتيه بعض الصوت، فنزع من أذنه الكرسف وأخذ يسمع وأعجب بما سمع فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجلس وقال يا محمد أسمعني ما عندك فجلس النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه القرآن فتأثر بالقرآن وأسلم بعد أن قال في القرآن: ” فلا والله ما سعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً قط أعدل منه” وأسلم طفيل وإسلامه كان الغاية من تأثير القرآن وفشلت قريش من منعه ورجع إلى قومه فأسلموا. إذن هذا الرجل أسلم بسبب إعجاز الٌقرآن وسحر بيانه.

 إسلام أهل المدينة: نأتي إلى إسلام أهل المدينة. فُتحت الأمصار بالسيوف وفُتحت المدينة بالقرآن وكان لتأثير القرآن السبب الرئيسي في إسلام أهل المدينة. في بيعة العقبة الأولى دار هذا الحوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم والوفد الذي جاء من المدينة فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : “من أنتم؟” قالوا “نفر من الخزرج” قال “من موالي اليهود؟” قالوا “نعم ” قال “ألا تجلسوا أكلمكم؟” قالوا “نعم” فتلا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن وعرض عليهم الإسلام فآمنوا وأسلموا وهؤلاء هم من جاء في الوفد الثاني في بيعة العقبة الثانية. حين ذهب الوفد الثاني إلى المدينة في بيعة العقبة الثانية بعث معهم الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليفقههم في الدين فكان يسمى رضي الله عنه مُقرئ المدينة والسفير الأول في الإسلام وكان السبب في إسلام سعد بن معاذ. استضاف مصعب بن عمير في بيته أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي وخرج معه يوماً إلى حي بني عبد الأشهل يدعوهم إلى الإسلام وكان كبير الحي هو سعد بن معاذ رضي الله عنه وأسيد بن خضير رضي الله عنه فضاقا بهما وأنكرا عليهما الحديث في الدين في حيّهما وقال سعد بن معاذ لأسيد: إذهب وانههما عن أن يأتيا إلى هنا ويتكلما عن الدين ولم يرد سعد بن معاذ أن يذهب هو لصلة القرابة التي بينه وبين أسعد بن زرارة فقد كانوا أولاد خالة. ذهب الأسيد ليحدثهم ويخرجهم من الحي فقال له أسعد: اسمع فقط اسمع ما يقول فإن رضيت أمراً فخذه وإن كرهته فلن نطأ أرضك مرة أخرى. فأصغى أسيد إلى مصعب بن عمير وهو يتلو عليه القرآن فإذا به يعلن إسلامه وعاد إلى قومه فعرفوا إنه جاء بغير الوجه الذي ذهب به فذهب إلى سعد بن معاذ وقال له اتبعتهم؟ كيف فعلت هذا؟ قال اسمع فقط إلى ما يقول فقد يعجبك فذهب سعد بن معاذ إلى أسعد بن زرارة وقال له “يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني أتغشانا في دارنا بما نكره؟ فأشار سعد إلى مصعب فقال له أسعد اسمع فقط فسمع سعد إلى مصعب وهو يتلو القرآن فنفذت فوراً لقلب سعد فأسلم. هؤلاء هم سادة المدينة أسلموا بالقرآن فقط. سعد بن معاذ ذهب إلى بني عبد الأشهل قال: كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيّدنا وأفضلنا رأياً فعرض عليهم الإسلام فلم يمسي إلا وكل بني الأشهل قد أسلموا. هذا سحر القرآن الذي سحر أهل المدينة ليس سحر الشعوذة وإنما سحر البيان. بالقرآن دخلت المدينة الإسلام فعزّت بالإسلام وعز الإسلام بها. هذه بعض قصص تأثير القرآن في النفوس وإلى المزيد من سحر البيان في الحلقات القادمة أن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.