سورة الأنفال:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ (1)) لنتأمل مطلع هذه السورة الكريمة حيث بدأ سبحانه وتعالى بقوله (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ) بالفعل المضارع ولم يقل “سألوك عن الأنفال” مع أن السؤال صدر عنهم في وقت مضى وانقضى نظراً إلى زمن نزول هذه الآية مما يدل على كثرة السائلين مع اختلاف أحوالهم. إضافة إلى ما يوحي به المضارع من التكرار والاستمرار. فهذا الموضوع عرضة للسؤال قبل نزول الآيات وبعدها وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كالذي حصل في ظلّ الفتوحات الإسلامية. وهذا الأسلوب مما درج عليه القرآن الكريم في استعراض كثير من المسائل التي سُئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يُسأل عنها فيما بعد كقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) وغيرها كثير. (قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ (1)) انظر كيف عطف ربنا لفظ (الرسول) على اسمه تبارك وتعالى. فاللام في (لله) تفيد التملّك وعطف (الرسول) يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف في الأنفال تصرّف المالك في ملكه بإذن الله توقيفاً أو تفويضاً. لأن ما كان ملكاً لله كان التصرف فيه للرسول ولأولي الأمة من بعده.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2)) لو أمعنا النظر في الآية لوجدنا أن رب العالمين قال فيها (إِذَا ذُكِرَ اللّهُ) ولم يقل إذا ذكر الخالق أو الرحمن أو غير ذلك لأن إسم الله تعالى جامعٌ لكل أسمائه وصفاته وما يتصل بشؤونه من أمرٍ أو نهي ولئلا يختصّ بذكر إسم أو صفة فيقتصر عليها.
(كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6)) لِمَ قال ربنا (يُسَاقُونَ) ولم يقل يقادون؟ ذلك لأن المُقاد يكون خلف القائد أما المُساق فيكون أمام السائق الذي يسوقه أمامه مما يدل على الإرغام والإكراه في السَوْق.
(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ (10)) لِمَ قال ربنا (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) ولم يقل “ولتطمئن قلوبكم به”؟ لأن هذا التقديم للجارّ والمجرور يفيد الاختصاص فيكون المعنى: “ولتطمئن به قلوبكم لا بغيره”. وفي هذا التخصيص تثبيت لقلوب المؤمنين بعد الذي أصابهم من الخوف والوجل من المشركين في بداية موقعة بدر.
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ (11)) إذا تأملنا قوله تعالى تساءلنا لِمَ لم يقل ربنا “إذ يغشيكم النوم” وإنما قال (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ) مع أن منهم من نام كما ورد في الأخبار؟ لم يذكر ربنا النوم لأنه لا يليق بالمؤمنين النوم في مواقف المواجهة لذلك أعقب بقوله (أَمَنَةً مِّنْهُ) ليدل على تشريف ذلك النعاس وأنه وارد من جانب إلهي. فهو لطف وسكينة ورحمة ربانية فعندما أصبهم الوسن ذهب عنهم أثر الخوف وزال الخوف وزال الوجل من نفوسهم وتلك نعمة ومِنّة منه سبحانه وتعالى.
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ (12)) لعل سائلاً أن يسأل لِمَ قال ربنا (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ) ولم يقل “إذ يوحي إربكم” مع أن الخطاب في الآيات السابقة كان بضمير الجمع؟ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمضمون الإيحاء وأحق بالخطاب من غيره لأنه أول من استغاث الله عز وجل طالباً النصر والمعونة إضافة إلى ما في ذلك من التنويه إلى قدره صلى الله عليه وسلم وأن أمر الملائكة بنصر المؤمنين لطفٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم ورفع شأنه.
(فثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)) إذا نظرنا إلى كلمات هذه الآية نجد أن الله عز وجل أمر ملائكته بتثبيت قلوب المؤمنين وضرب أعناق المشركين ولم يأمرهم بإلقاء الرعب بل أسند الفعل إلى نفسه بقوله (سَأُلْقِي). لأنهم ملائكة نصر وتأييد وليس من مهامهم إلقاء الرعب فجعله الله في قلوب الذين كفروا بوساطة أخرى هو أعلم بها.
(فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)) عندما تنظر إلى هذه الكلمات (الأعناق، بنان) نتساءل لِمَ خصّ ربنا الأعناق والبنان بالضرب دون سواهما من الأعضاء؟ ذلك لأن ضرب الأعناق فيه هلاك وموت للمشركين وضرب البنان فيه إبطال قدرتهم على القتال لأن تناول السلاح يكون به. وبذلك يكون القضاء عليهم بقتلهم أو بإبطال صلاحيتهم في القتال.
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ (17)) لِمَ لم يقل (ولكن قتلهم الله) وإنما قال (وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ) بتقديم لفظ الجلالة على الفعل (قَتَلَهُمْ)؟ ذلك لأن المخاطبين من المؤمنين كانوا قد اعتقدوا أنهم القاتلون. فنفى عنهم ذلك بقوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) فأصبح عندهم فضول لمعرفة من قتلهم فقدم رب العزة والجلال اسمه لأهمية تعجيل ذكره عندهم.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ (22)) إذا تأملت قول الله تعالى لوجدته يصف المشركين بأنهم شر الدواب وهذا كافٍ في بيان مهانتهم وعدم عقلانيتهم. فلِمَ أعقب ذلك بقوله (الصُّمُّ الْبُكْمُ)؟ ذلك أن الدواب ضعيفة الإدراك لكنها يمكن أن تعبر عن رغباتها بالحركات والأصوات فإذا كانت صماء بكماء إنضم ضعف الإدراك إلى عدم الفهم, فهم لا يسمعون أو لا ينتفعون بما سمعوا إضافة إلى عجزهم عن الرد وإظهار الحجج. وهذا أبلغ في وصف ضعف إدراكهم وعدم فهمهم من أن يكونوا دوابَّ فقط.
(تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ (26)) تأمل كيف قال (يَتَخَطَّفَكُمُ) ولم يقل “يأخذكم” لأن تخطّف يدل على أخذ دون مشقة وعناء فأنتم لضعفكم وقلّتكم كلقمةٍ سائغةٍ أو كفريسةٍ سهلة تتخطفها الطيور الجوارح.
(لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا (31)) الغالب في (لو) أن يأتي فِعلها وجوابها ماضيين وهنا جاء فعلها مضارعاً وجوابها ماضياً لبيان مدى وقاحتهم في ادّعائهم أنهم قادرون على قول مثل القرآن حاضراً ومستقبلاً.
(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (33)) تأمل كيف بيّن الله عز وجل استحقاق المشركين لعذابه وأعلم بكرامة النبي صلى الله عليه وسلّم عنده فجعل وجوده بين ظهرانينهم سبباً في تأخير العذاب عنهم ففي هذا إخبار عما قدّره الله سبحانه وتعالى ولكن أخره إكراماً لنبيّه عليه الصلاة والسلام.
(وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34)) لِمَ قال ربنا (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) ولم يقل ” ولكنهم لا يعلمون”؟ إن الله عز وجل يتحدث عن مشركي مكة فجعل عدم العلم يشمل أكثرهم لأن قلة منهم كانوا على علمٍ هداهم بعد ذلك إلى الحق فاستفاقوا من غفلتهم فأسلموا وحسن إسلامهم ونصر الله بهم دينه كالعباس وخالد بن الوليد.
(وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً (35)) تأمل كيف جاء الفعل (كان) مذكراً مع أن الصلاة مؤنثة. لكن إذا نظرنا إلى الصلاة وجدنا لها معنيين لغوي واصطلاحي فالصلاة لغةً الدعاء واصطلاحاً الأفعال والأقوال المعهودة التي يقوم بها المؤدي لذلك الركن العظيم فما يقول به المشركون من التصفيق والصفير لا يمت إلى الصلاة بمعناها الاصطلاحي بصلة فبقيت صلاتهم بمعناها اللغوي وهو الدعاء وبما أن الدعاء مذكر حُمِلت الصلاة على المعنى فذُكّر الفعل معها.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ (36)) لاحظ أن الله عز وجل قال (يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) ولم يقل أنفقوا وفي ذلك إشارة إلى أن ذلك دأبهم وأن الانفاق منهم مستمر من أجل الصد عن سبيل الله فيما مضى وفيما سيأتي. وقال (يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) ولم يقل بعض أموالهم وذلك للإشارة إلى مدى مبالغتهم في الإنفاق في وجوه الضلال والفساد وكثرة بذلهم للمال من أجل الصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى.
(وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً (42)) لنظر كيف أسند ربُّ العزّة الفعل إلى نفسه فقال (لِّيَقْضِيَ اللّهُ) وذلك ليدل على أن اجتماعهم من غير ميعاد بقضاء الله وقدره إكراماً للمسلمين وتحقيقاً لما أراده الله من نصرهم على المشركين مما جعل كلمة (أَمْراً) في حالة تنكير دلالة على عظمة ذلك الأمر وبياناً لأهميته.
(لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ (42)) تأمل كيف قابل سبحانه وتعالى بين الفعل (يهلك ويحيا) ولم يقل يموت ويحيا. مما يعني أنهما على المجاز فالهلاك ليس حقيقياً إنما هو دليل على العجز والهزيمة والاخفاق الذي لحق بالمشركين. والحياة ليست على حقيقتها أيضاً إنما دليل على العزة والنصر الذي لحق بالمسلمين.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ (44)) تأمل أن الله تعالى ذكر (فِي أَعْيُنِكُمْ – فِي أَعْيُنِهِمْ) مما دل على أن هذه الرؤية ضربٌ من التخيّل ولو اقتصر الله على إظهار قلة المشركين لكان كافياً في شد عزائم المسلمين وثقتهم بالنصر. فما الداعي من إظهار قلة المسلمين في نظر المشركين؟ إن تخيل قلة المشركين تقوية لقلوب المسلمين وزيادة في شجاعتهم. وتخيّل قلة المسلمين جعل المشركين مفتونين بكثرتهم فتثاقلوا وتهاونوا فكان ذلك في مصلحة المسلمين وسبباً آخر من أسباب انتصارهم.
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (46)) لاحظ تفنن القرآن الكريم حيث قال (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ولم يقل وتذهب قوتكم مع أن ذلك هو المراد. وذلك لأن إثارة الريح تحمل في طياتها معاني القوة. فالريح تثير سحاباً من شأنه زوال المطر كالذي حصل في غزوة بدر ويمكن أن تثور فتقتلع الخيام وتشتت الشمل كما حصل للمشركين في غزوة الأحزاب. مما يعني أن للريح أثر في النصر والغلبة مما يكون سبباً في القوة بأشكال متعددة.
(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ (47)) تأمل كيف قال ربنا تعالى (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ) ولم يقل مباشرة “ولا تخرجوا” وذلك لأن النهي عن خروجهم بطراً ورئاء متشبهين بالمشركين فيه تشنيع بالكفار وتحذير للمسلمين من هذه الصفة الذميمة. فالنهي عن مذموم مقروناً بحالة التشبه بالمشركين أبلغ في النهي وأظهر لقبح المنهي عنه. فقولك لمن يكذب “لا تكن كمن يكذب” أبلغ من قولك “لا تكذب”.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ (49)) تأمل كيف نقل الله تعالى قول المنافقين (غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ) وحاشا للإسلام أن يكون مغرراً لأن التغرير إيقاع في مضرة مع إيهام بمنفعة. فالوعد للمسلمين بالنصر وهم قلّة ضعفاء عدّه المشركون تغريراً بالمسلمين حسب إدراكهم وفهمهم
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ (54)) أضيفت كلمة (آيات) هنا إلى (رَبّ) ولم تضف إليه في سورة آل عمران عند قوله (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا (11)) وذلك لأن إضافة الآيات إلى الربوبية فيها بيان لفظاعة تكذيبهم ووقاحتهم في الاجتراء على الله عز وجل مع كونه ربّاً وهذا مما يزيد كذبهم قبحاً وكفراً.
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء (58)) تأمل كيف أمر الله تعالى بنبذ العهد ونقضه لمجرد الخوف من الخيانة وتوقعها دون تحقيقها وذلك لأن انتظار وقوعها فيه تعريض للأمة للأخطار وضياع لمصلحتها.
(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60)) انظر كيف أضيف العدو تارة إلى الله (عَدْوَّ اللّهِ) وتارة إلى ضمير المخاطبين (وَعَدُوَّكُمْ) ولو أنه أضيف إلى الله عز وجل فقط لكان كافياً لأنه من كان عدواً لله فهو عدو لعباده المؤمنين بالضرورة. لكن أضاف العدو إلى الله لبيان وجوب قتالهم وإرهابهم بما أنهم أعداء لله ولما في ذلك من مكاسب أخروية. ثم أضاف العدو إلى المسلمين تحريضاً لهم بما أنهم أعداء لهم ولما في ذلك من مكاسب دنيوية.
(وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (61)) لِمَ قال ربنا (وَإِن جَنَحُواْ) ولم يقل “وإن طلبوا”؟ لأن الطالب قد يكون فيه رغبة ظاهرة وكيد مضمر وأما الجنوح فهو الميل مع القصد إليه والرغبة فيه.
(هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) انظر كيف أضاف الله تعالى النصر إلى نفسه وذلك لأن فيه تنبيهاً إلى أنه نصر مميز خارق للعادة. فالنصر بإنزال الملائكة وهطول الأمطار وتخيل قلة المسلمين والمشركين في نظر بعضهم مما هو من الخوارق التي أيّد بها الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ونصره بها.
(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (65)) لاحظ كيف قال تعالى (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) ولم يقل “بأنهم لا يفقهون” فلو قال “بأنهم لا يفقهون” أشعَرَ بأن هزيمتهم ناجمة عن عدم فقههم في شأن الحرب لكن عندما قال (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) جعل عدم الفقه والفهم صفة ملازمة لهم في جميع الأمور.
(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ (67)) انظر كيف قال تعالى (عَرَضَ الدُّنْيَا) ولم يجعل للآخرة عَرَضاً فلم يقل “والله يريد عَرَض الآخرة” وذلك عتاباً للمسلمين في أنهم يحبون أتفه ما في الدنيا وهو عَرَضها أي متاعها الزائل مما يعني أنه ليس للآخرة عَرَض لذلك أحبها الله سبحانه وتعالى وأراد منا أن نحبها لأن متاعها خالدٌ لا يخالطه ضرٌ أو زوال.
(إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ (70)) قد يتوهم البعض أن إيتاء الخير لمجرد علم الله بوجود ذلك الخير في القلوب بل لا يتأتى ذلك إلا عنما يترجم الخير إلى إسلام وإيمان ولذلك عقب على ذلك بقوله (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ففي هذا إشارة إلى تبدل أحوالهم من الكفر إلى الإسلام لذلك استحقوا المغفرة.
(وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (74)) تأمل كيف أنه لم يحدد أكان الجهاد بالنفس أم بالمال كما ورد في كثير من الآيات وذلك لأن حذفه يجعله عاماً شاملاً لكل ما من شأنه أن يجاهد به وتشجيعاً لهم على المجاهدة فكل واحد يفهم من هذا النص أن ما يملكه يصح أن يقدمه في سبيل الله كائناً ما كان قليلاً أم كثيراً.
(أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (74)) لاحظ كيف قال (أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ولم يقل “أولئك المؤمنون” لأنه أراد قصر الإيمان الحقيقي عليهم وهم المهاجرون والأنصار دون غيرهم ممن آمن ولم يهاجر فأولئك قدموا الولاية مع إيمانهم.
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ (75)) انظر كيف حذف المضاف إليه فلم يقل “من بعد ذلك كله” وذلك ليشير إلى عمومه وشموله وأنه على الرغم من هذا سوف يفتح لهم الباب لتدارك تقصيرهم وتثاقلهم عن الهجرة ليصبحوا في مصاف المهاجرين الأوائل لذلك أعقبه بقوله (فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ).