قصة آدم u في آيات سورة الأعراف:
الملامح الموجودة في آيات سورة الأعراف مقارنة بما ورد في سورة البقرة:
سؤال: ما الذي يلفت النظر إلى هذه الآيات في سورة الأعراف التي تناولت قصة خلق آدم؟
ننظر نظرة عامة إلى مطلع الآيات في سورة الأعراف مقارنة بما تناولناه في سورة البقرة لأن القرآن كلٌ لا يتجزّأ ووجود القصة في سبع سور ليس على سبيل الصدفة، إنما لذلك حكمة نرجو من الله تعالى أن نقف على مراد الله تعالى منها. سورة البقرة في الآية 30 استمعنا فجأة إلى قول الحق تبارك وتعالى (وإذ قلنا للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، نحن لا نحب منهج الأخذ بآية محددة ولكن نحب أن نمضي في القرآن فلما نصل إلى الآية 30 يكون ما قبلها الآيات 27 و28 لها دلالة عرضها الله تعالى. الله سبحانه وتعالى يتكلم في الآيتين السابقتين على آية الخلق (إني جاعل في الأرض خليفة) (كيف تكفرون بالله) ثم (هو الذي خلق لكم) إذن تكلم عن تهيأة الأرض قبل خلق آدم بإعداد الكون لاستقبال آدم. وقلنا (الكون) لأنه تعالى قال (ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن) لما ننظر إلى الأرض بدون سماء تكون النظرة مقطوعة بلا قيمة فهل تتخيل أرضاً بلا مطر؟! كيف تُنبِت؟ الآية جاءت مكتملة. (لكم) باعتبار الجنس البشري كله. (ثم استوى إلى السماء) أيضاً لأجلكم، (فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم) ثم قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) هنا في سورة البقرة تكلم عن إعداد الكون لخلق آدم ثم تكلم عن الخلق. لما نأتي لسورة الأعراف نجد تناسق القرآن من حيث (ولقد مكناكم في الأرض) مباشرة قبل الآية (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ثم تكلم عن آدم بصفته ممثل الجنس البشري وتكلم في هذه الآية عن الجنس البشري ككل وآدم مثال ونموذج. الآية قبلها فيها روعة الأداء (ولقد مكناكم) إذا كنت أنت المُمكَّن فمنْ الممكِّن؟ الله تبارك وتعالى. (مكناكم) كلمة عظيمة وهنا يتكلم أيضاً قبل الخلق، هذه مقابل (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) مكانها الآية الثانية (وجعلنا لكم فيها معايش).
سؤال: الخطاب هنا موجه للجنس البشري قبل أن يوجد وقد يقول قائل أنه كان من المنطقي أن تأتي خلقكم ثم صوركم ثم بعدها مكناكم فما دلالة تقديم مكناكم؟
لأن القرآن الآن سابق وقع الذي تقوله. كون القرآن في يدك فأنت موجود فيذكّرك بالقدرة وليس بترتيب الخلق. فمن قدرة الله تعالى أنه مكّنك قبل أن يخلق، مكنك قبل أن تأتي، كل شيء جاهز قبل أن تأتي. (مكناكم) تعطي هذا الملمح: التمكين قبل الخلق (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) كل واحد له معيشة، معيشة لكل فرد (معايش تناسب الجمع (لكم)). المعيشة جاءت من العيش، في نصر يقولون على الخبر عيش وفي شرق آسيا يقولون على الأرز عيش لأنهما قوام المعيشة عندهم. سيختلف الناس في مدار العيش لأن العيش عند كل فرد مختلف فالذي يعطي قوام معيشة عندك تسميه عيشاً.
سؤال: ما دلالة تنكير معايش؟
لو كانت معرّفة محددة لاستوى الكل لكن عندك الفقير والغني والغني قد يصبح فقيراً والعكس. فلا تكون معايش محددة أبداً فهناك أغنياء يصبحون فقراء وفقراء يصبحون أغنياء وهناك أناس في الوسط دائماً.
(قليلاً ما تشكرون): هذا مناط كل ما جاء سابقاً. (قليلاً ما تشكرون) هذه القضية. لم يقل (وقليل منكم الشكور) حتى تشتغل في كل جزء منها. (قليلاً ما تشكرون) هل أنا أشكر قليلاً أو هل هناك مجموعة قليلة تشكر؟ (قليلاً ما تشكرون) واقع الحال شكر قليل من البشر. كيف؟ الرسول r يعلمنا أن نبدأ شربة الماء ببسم الله وننتهي بالحمد لله (ثلاث مرات لأن الشرب يكون على ثلاث دفعات) هل العدد مناط القضية أو مناط القضية أن تشكر 3 مرات في شربة الماء الواحدة؟ أحياناً تكون شربة الماء الواحدة قليلة فكيف أشكر ثلاث مرات؟ هو يلفت النظر أن كل شيء مما يبدو لك أنه نعمة يحتاج الشكر على جزئياته. واحد يقول بسم الله أول الأكل ويقول الحمد لله عند نهايته وآخر يسمي الله عند الأكل من كل صنف ويقول الحمد لله في آخره وقليل من يقول بسم الله عند كل لقمة والحمد لله في نهايتها فهؤلاء القلة شاكرة في قلبها على كل نعمة لأنهم وقع في قلوبهم قوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فكأنهم جزّءوا النعمة حتى يبينوا قيمة المنعِم سبحانه وتعالى. أحد العلماء قال لو شربت الماء على ثلاث دفعات وسميّت الله وحمدته في كل مرة فإنك لن تعصي الله تعالى طالما شربة الماء في جوفك لأن جزيئات تكوينك التي تأتي مما سميت عليه وحمدت لا تدخل النار. (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) يوم القيامة تظهر هذه الزيادة، في الدنيا يبسمل ويحمد والزيادة تكون في الآخرة فالدنيا ممر للآخرة وهذا حمّاد يأخذ الزيادة في الآخرة. لو عاش أحدهم في نعيم الدنيا هل يأخذ أكثر من طاقته؟ لو دخلت قصراً فيه 19 غرفة فهل يمكن للإنسان أن ينام فيها كلها؟ كلا إنما سينام في غرفة واحدة وعلى سرير واحد محدد المساحة. فالإنسان الواعي الفاهم يريد النعيم الحقيقي لذا (ولقد مكناكم في الأرض) أُنظر إلى الممكنين في الأرض يعطوك إيحاء بالملك والقوة والجبروت والسلطان والواعي هو الذي يعزف عن كل هذا التمكين ويأخذ التمكين في الدين. الكافر عنده نعيم هو يسعى إليه ووصل إليه والنعيم يتحقق فيه أمران إما أن تتركه أنت بموتك أو يتركك وتفتقر. يقول الشاعر:
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها قد خرج منها بغير القطن والكفن
القيمة الحقيقية أن يأخذ التمكين ويستفيد منه. هناك بون شاسع بين إثنان ممكنان أحدهما استأثر به والآخر إتقى الله تعالى فيه. فالواعي يأخذ كلمة التمكين قبل الخلق ويفهمها. لما نذهب لسورة الرحمن (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان) المنطق أن الخلق قبل التعليم لكن الله تعالى يعلمنا أن القرآن مثال لكل منهج. جاء الإنسان على المنهج، حتى آدم u جاء على منهج (ولا تقربا هذه الشجرة) لا الناهية تبيّن منهجاً: كُل مما تشاء إلا هذه الشجرة. هل نطبق القرآن أو لا؟ كل الكتب السماوية مناهج. الذين حرفوا التوراة وألّفوا الإنجيل والذين لم يقرأوا القرآن ماذا فعلوا بالمناهج التي جاءتهم؟ هذا يبين أن التمكين في الأرض عندما يكون في أخصّ النِعم وهو الإسلام هو الذي أريده وأحارب لأجله.
سؤال: التمكين الذي ذكرته نصبو إليه لكن في الآية الكريمة يبدو التمكين في الأمور الحياتية المعيشية من حيث الرزق والمأكل والمشرب.
الرزق ليس مالاً فقط وإنما هو صحة وعلم وأخلاق وطباع وهذا كله رزق. الصحة رزق لكن نحن ننظر إلى الرزق على أنه مال فقط. لكن لو أعطيتك مليارات وسلبت منك صحتك فكيف تردّها؟ عليك أن تحمد الله تعالى دائماً والذي يبدو في ضيق عليه أن يحمد الله تعالى لأن كلمة الحمد لله تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده. ومهما كنت متضايقاً إستمر على الحمد لأن الغد قد يكون أصعب وقد يفك الكرب و قد لا يُفكّ. حتى لما ننظر في حال المسلمين الآن الذي لا يفرح علينا أن نحمد الله تعالى. (ولقد مكناكم) كلمة عالية وانظر إلى الذين كانوا ممكنين في الأرض واليوم يحاكمون! هذه أمثلة حتى نفيق ونفهم.
(وقليلاً ما تشكرون) أحياناً النعمة تُنسي الإنسان الشكر وأحياناً الغرور ينسي الإنسان الشكر علينا أن ننظر إلى قصة قارون في القرآن وسبق أن ذكرنا أن قصص القرآن ليس فقط مجرد حكايات وإنما هي للعبرة والموعظة. قارون مثال على كل غني جاحد هو بدأ أولاً بدليل قوله تعالى (فبغى عليهم) هو الذي بغى أولاً ومع أنه كان عنده كل شيء حتى أن مفاتيح خزائنه كانت تنوء بالعصبة فما بالك بالخزائن! وكان عليه أن يشكر الله تعالى على نعمه عليه إلا أنه إغترّ ونسب النعم إلى نفسه (إنما أوتيته على علم عندي) فكان الرد من الله تعالى مباشرة على غروره (فخسفنا به وبداره الأرض) فالله تعالى أتى به آية لنا للعبرة حتى نبتعد عن الغرور ليل نهار وعن غرور الحياة الدنيا، الغرور لعنة فعلى الإنسان أن يتبرأ منها. علينا أن نستفيد من قصص القرآن وإلا فما الفائدة منها إذن؟ الله تعالى مكّن قارون في الأرض لكنه لم يشكر فخسف به وبداره الأرض. من أخص دعاء عمر بن الخطاب: اللهم اجعلني مع القليل لأنه فهم قوله تعالى (وقليل من عبادي الشكور). لو أننا فهمنا توقيع بعض الآيات في القرآن الكريم لن ننام. لما وجّه الله تعالى خطابه إلى الرسول r المكلّف بالرسالة قال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ثم يقول له (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) الله تعالى يخبره أنه سيعمل على حسب طاقته ولكن قليل من الناس سيؤمنون. ثم تأتي سورة يوسف وفيها قوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يعني قلة قليلة (قليلاً ما تشكرون) لأن الجنة للشاكر الذي اعترف بنعمة الله تعالى عليه والنعمة بدأت بالتمكين وليس من الخلق ومن بديع التوقيع القرآن أن التمكين ورد قبل الخلق في آية سورة الأعراف. وضع الله تعالى لنا الأسباب في الأرض قبل أن يخلق آدم.
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) التصوير هو الذي يحدد الخلق. خلقناكم الأولى هو القرار بالخلق والقضاء بالخلق، وصدق تعالى في قوله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) والتصوير مباشرة. (ثم) في الآية من القضاء بالخلق الذي فجأة ظهور آدم وذريته ملأت الأرض. آدم أخذه كمثال. الخلق قضاء الله هنا بالخلق والتصوير هو وقوع الخلق (التصوير هو تطبيق القضاء) والقدر هو توقيع القضاء. الله تبارك وتعالى لا يحتاج فترة زمنية لتنفيذ شيء لأنه سبق أن قلنا في قوله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) قلنا أن (له) تعني أن الشيء موجود ويخاطبه. كُن هذه ليظهر لنا نحن والصورة تكون بالنسبة لنا نحن. أصل خلقة الأشياء موجودة في الأزل وليس لنا أن نسأل كم استغرق هذا. (ثم) كل تصوير تنفيذ لقضاء الله تعالى في الأزل. الفرق بين كُن فيكون كقضاء ووقوع القدر على البشر، هناك من تحمل ولا يتم الحمل أو يموت الحمل هذه إجراء العملية عند البشر. (ثم) هذه وقوع قضاء الله تبارك وتعالى على مراده سبحانه وتعالى.
سؤال: مسألة القلة، هل القلة تعود على القلة من البشر التي تشكر أو أن شكرهم هو القليل؟
تعني الإثنان معاً والتعبير بهذه الطريقة تعطي الملمحين. (ما) في (قليلاً ما تشكرون) بالحال شكرنا قليل بالنسبة لنعم الله تبارك وتعالى وعدد الشاكرين قليل بالنسبة للخلق.
سؤال: ما الفرق بين الشكر والحمد وما دلالة استخدام تشكرون في الآية.
الحمد هو إعلان الثناء لله تعالى سواء بالنعمة أو بالنقمة، في السراء والضراء. الحمد لله قلنا أنها كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده. لكن الشكر لا يكون إلا على النعمة. لما أصبِر على المصيبة يكون الحمد خلف الصبر أما الشكر فلا يكون إلا على النعمة. التمكين نعمة لذا استخدم تعالى الشكر (ولقد مكناكم في الأرض ) يعطي ظاهر النعم والمفروض أن تشكر على العطاء فقط والحمد يكون على المنع والعطاء. مقدمة الآية كلها عطاء (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) لأن هذا عطاء يستوجب شكر دائم كثير جاءت (تشكرون). إنما الحمد قد يكون المنع في حد ذاته عطاء.كما قال شقيق البلخي لتلميذه الذي قال: نحن قوم إذا أعطينا شكرنا وإن مُنِعنا صبرنا، فقال هكذا تصنع كلاب بلخ، قال فماذا تصنعون يا إمام؟ قال: نحن قوم إذا أُعطينا صبرنا وإن مُنِعنا شكرنا فما منعك إلا ليعطيك فإن المنع عين العطاء. هذا رجل فهِم أن أصل المنع من الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى دائم فعله عطاء وساعة يمنع فهو عطاء. الرجل الذي يسكت في المصيبة الكبيرة سكوته دلالة على إنه إما أن يكون فاهماً جداً إذا تكلم فهو حكيم أولا يفهم شيئاً أبداً. لما قال في الآيتين (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) القليل هم الذين فهموا القضية ولذلك قال الحكيم: من كفر بالله إن كان عاقلاً، إن كان واعياً، إن كان محقاً فليخرج من تحت سمائه ولينأى بعيداً عن أرضه، وكما في الحديث القدسي (فليخرج من تحت سمائي وليبحث عن رب سواي. فكُن واعياً لأنك لن تستطيع.
(ولقد مكناكم) لجنس البشر مؤمنهم وكافرهم وهذا يدل على مطلق العدالة الإلهية. التمكين قبل الكلام عن العقيدة وقبل الخلق. أسعد الناس في الدنيا الكافر لأنه بدون منهج ولا شيء واله تعالى يعطيه لأنه أخذ بالأسباب والله تعالى عادل يعطي من أخذ بالأسباب. وهذا جزاؤه كبير جداً إما في النعيم وإما في الجحيم لأنه لا أسباب هنا هو إيمان مطلق. لما تجد الناس ساجدين في المساجد كلهم مثل بعضهم لا تميّز بين غنيهم وفقيرهم ولذلك توحيد الملابس في الحج له مغزى كبير حتى لا يتميز أحد عن أحد. هكذا هو الدين أما في الدنيا فهناك تميز وتمايز.
سؤال: ما الحكمة من تصدير آيات خلق آدم في سورة البقرة والآعراف بمسألة خلق الأرض وجعلها مستعدة لاستقبال آدم؟
حتى لا يحتج أو يتصور الإنسان يوم القيامة أنه ولِد في مكان ليس مهيأً أو ليس عنده أسباب نعيم. أنت ممكَّن في الأرض على إختلاف الممكَّن. لما نجد دولة فيها مجاعة هل هذا سبب للخروج من دين الله؟ والعكس إذا رأيت دولة مليئة بالنعم فهل هذا سبب في دخولها دين الله؟ تجد من هؤلاء أناس مؤمنين وكفرة ومن هؤلاء مؤمنين وكفرة، لا النعيم صنع الإيمان ولا سوء الحال صنعت الكفر أنت ممكّن في الأرض لأنه أين أسبابك أنت للمعيشة؟ حتى على أضيق نطاق لا تعرف أن تعملها (دورة الماء، دورة الحياة، دورة الأكسجين) الله تعالى يتدخل فيها.
سؤال: (ولقد مكناكم) (ولقد خلقناكم) ما دلالة (لقد)؟
للتحقيق وتوقيع الأمر وقد استقر ذهناً في سورة البقرة، قرأت البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، قرأت الحواشي المكملة لتوقيع الصورة في الذهن ثم يؤكد لك حتى إذا كنت تزعزعت في الطريق أو نسيت أفِق لذا كررها سبع مرات في البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه، ص حتى لما رأيناها حسب ترتيب النزول وجدنا ص أولاً. على مدار سواء ترتيب النزول أو ترتيب الجمع هو يذكرك دائماً بموضوع سجود الملائكة ورفض إبليس السجود لآدم. وما زلنا إلى الآن بنفس القضية وما زال الناس يسألون بعد كل هذا التكرار هل إبليس من الملائكة او من الجن؟ فالتذكير إذن له حكمة، سبع مرات على مدار القرآن في سور متفرقة بملامح مختلفة. في آية قال تعالى (وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وجاء بملمح ردّ الملائكة في سورة البقرة ولم يرد هذا الملمح في سورة أخرى، بينما السجود ورد في أكثر من موضع ومرة ورد (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ومرة ( أبى أن يكون مع الساجدين) مع اختلاف اللفظ لكن المعنى واحد وهو أنه لم يسجد.
سؤال: قال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ما دلالة الإفراد في السجود (اسجدوا لآدم) بعد الجمع (خلقناكم، صورناكم)؟ هل لأن آدم كان موجوداً لوحده والأمر جاء بالسجود له؟
ما هو السجود؟ السجود ها هو للتحية؟ للتعظيم؟ للعبادة؟ بعض المفسرين يقولون أن سجود الملائكة عبادة كما تكلموا في موضوع أن الجنة في السماء وغيرها ولكن نقول لهم كيف يكون سجود الملائكة لآدم عبادة؟ هذا كلام غير منضبط ومضطرب. في حديث الرسول r: “لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها” نفهم من (لو) و(غير الله) من الحديث أن السجود لا يكون إلا لله تعالى. السجود في قصة يوسف u كان سجود تحية وكان هذا موجوداً في ذلك الزمان لكن السجود نٌسِخ ببعثة الرسول r. فالمعنى العام للسجود إذن هو الخضوع. السجود هذا أمر عظيم وتستكبره وأنت تقرأ لأن ممثل الجنس البشري يجب أن يكون فيه الصلاح المطلق ولا ينفع أن تسجد الملائكة لطالح وصالح مع بعض فيأخذ الله تعالى مثالاً صالحاً لذا آدم هو الأب الأكبر الأصيل كنا يقال في اللغة، الأب المستمد منه كل الآباء فيما بعد. يجب أن يكون السجود محترم حتى يتحقق فيه التعظيم. كل الملائكة في خدمة آدم فكيف تسجد الملائكة لطالح إذا جاء الأمر بالجمع (لكم)؟. موضوع السجود سجدوا له قبل أن يعصي وهو نقيّ ونأخذ من هذا المثال فطالما أنت نقيّ الملائكة تسجد لك ومسخرة لك لكن عندما تعصي تهبط منزلة. هذا المعنى الذي نريد أن نفهمه ويفهمه أبناؤنا أنه بصفائك ونقائك الكون كله مسخّر وإذا عصيت تخرج خارجاً.
سؤال: آدم قيل له (وقلنا اهبطوا) ثم (اهبطا) آدم لم يرض أن يخرج من الله تعالى إلا بعد أن يرضى الله تعالى عنه ويتوب عليه. وهكذا علينا أن نفهم أبناءنا أنه عليهم أن يرضوا آباءهم وأمهاتهم أو أي شخص آخر إذا عصوهم قبل أن يخرجوا.
سؤال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) استخدمت (ثم) مرتين ثم الفاء في (فاسجدوا) فما الدلالة؟
استخدمت الفاء مع تنفيذ الملائكة للأمر بالسجود، لأنهم لم يتراخوا وإنما نفذوا مباشرة ولا يفيد السؤال كم استغرقت المدة قبل سجود الملائكة أو غيرها لأنه لا فائدة منها ونقول للذي يشتغل بالإعجاز العددي نسأل الله تعالى أن ينصرف عن هذه الأمور ويشتغل بتفسير القرآن لأن هذا تضييع للوقت فالبعض يقول أنه يحمعون أرقام الآيات وقد وصلوا إلى أن آدم عاش في الجنة 118 سنة وهذا تضييع للةقت فلماذا يجمعون أرقام الآيات مثلاً ولا يضربونها أو يقسمونها؟ نقول لهؤلاء لو كان هذا علماً فهل قصّر رسول الله r في التبليغ؟ ولو أن الرسول r قصّر قيد أنملة ما كان نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) هذا الكلام في الإعجاز العددي كله اجتهادات وتضييع وقت وروسل الله r قال: “تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها” والبعض من هؤلاء يقولون أن آدم نسي لأن بقي في الجنة 118 سنة وهذا كلام فارغ. العلّة جاءت في القرآن (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما).
سؤال: هل يجوز أن نبحث في المدة التي قضاها آدم في الجنة؟
نسأل هل يهمنا معرفة هذا الأمر؟ فلو جلس آدم في الجنة 117 سنة وستة أشهر أو سنة واحدة أو مئة سنة لا يهمنا، نحن ننتبه فقط إلى حرف (ثم) والفاء لنعلم الناس سرعة استجابة الملائكة للأمر بالسجود. نستفيد أنه علينا أن نسرع في الإستجابة ونأخذ خاصية من خصائص الملائكة (سارعوا إلى مغفرة من ربكم). إما أن تكون مع الملائكة وإما أن تكون مع إبليس لعنة الله عليه. نحن لا يهمنا كم عاش آدم u في الجنة لأنه لا يؤثر علينا ولا يقدم ولا يؤخر إنما العمل هو الذي يهم فقط أن العمل هو المناط.
سؤال: هلى هناك دلالة معينة في أرقام السور التي تحدثت عن بداية آدم في سورة البقرة (الآية 30) وفي الأعراف (الآية 11)؟
إياكم أن تقولوا هذا هذا الترقيم للآيات هو للحصر والدراسة فقط ولو كان لها حكمة لكان رقم آيات الخلق 1. من استجاب لله تعالى راضياً بقضائه وقدره . أحدهم قال أنه وصل لمعرفة من هو فرعون موسى لكن ماذا يفيدنا معرفة هذا؟ المهم في قصة فرعون أنه رمز لكل حاكم ظالم ويهمني من القصة موضوع تعالي فرعون فقط أياً كان اسمه. نحن نأخذ ما جاء في الكتاب والسُنّة. الحكمة من الفاء في (فسجدوا) هو سرعة استجابة الملائكة لأمر الله تعالى لهم بالسجود. الملائكة لم تفكر وإنما الله تبارك وتعالى أمر فسجدت الملائكة. أما إبليس توقف وفكر ولم يسجد وهذا نستفيد منه أنه إذا سمعنا المؤذن يقول الله أكبر لا نفكر وإنما نقوم إلى الصلاة فوراً لأن الشيطان سيوسوس لك حتى تؤخر الصلاة. عندما تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح قم للصلاة فوراً. وكما نقول دائماً لمن يؤخرون صلاة العشاء بحجة أن وقتها مفتوح نكرر هل المؤذن لصلاة العشاء يقول شيئاً آخر غير حي على الصلاة؟ أو يقول حي على الصلاة لكن خذ وقتك؟! الصلاة وقتها مباشرة بعد الأذان وسنتطرق في الحلقة القادمة لهذا الأمر ونشرح قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) الصيام كُتِب على المسلمين ومه هذا جاء النداء في الآية بـ (يا أيها الذين آمنوا) فما الحكمة من هذا النداء؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/6/2006م