الحلقة 112
سؤال: متى يكون استعمال (أو) و (لا) (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى (37) سبأ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ (24) التوبة) (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ (31) النور)؟
الواو من حيث الحكم يسمونها مطلق الجمع أما (أو) فلها معاني الإباحة والتخيير
خيّر أبِح قسّم بأو وأبْهِمِ واشكُك وإضرابٌ بها أيضاً نُمِى
فيها معاني كثيرة فـ(لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ)، (أو) قد يكون فيها إباحة أو تخيير أو قد تكون تقسيم. إباحة هم يقولون جالسوا العلماء أو الزهاد تبيح له أن يجالس هذا الصنف من الناس، جالس الفقهاء أو العلماء، صاحب فلان أو فلان أو فلان تبيح له في صحبة هؤلاء. (أو) قد تكون للتخيير، التخيير لا يقتضي الجمع إما هذا وإما هذا أما الإباحة “تزوج هنداً أو أختها” هذا تخيير لا يجوز الجمع بين الأختين. الواو لمطلق الجمع فلما قال (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) يعني كلها لا تلهيكم. السؤال لماذا جاء بـ (لا)؟ لو لم يذكر (لا) لو قال (لا تلهكم أموالكم وأولادكم) احتمال أنه إذا جمع بينهما أما إذا أفرد، (ولا أولادكم) فيها احتمالان: احتمال الإفراد والجمع، أنه بنهاك عن الجمع بينهما لو أفردت فلا بأس، لو التهيت بأحد منهما فلا بأس هذا احتمال، واحتمال أنه كل واحد على حدة اجتمعا أو انفردا. النُحاة يضربون مثلاً يقولون “ما حضر محمد وخالد” أو ” ما حضر محمد ولا خالد”، “ما حضر محمد وخالد محتمل أنه حضر واحد منهما، ويحتمل أنه لم يحضر محمد ولم يحضر خالد، هذا احتمال واحتمال أن واحد منهما حضر، هذه يسمونها تعبيرات احتمالية تحتمل أكثر من دلالة. لا توجد قرينة سياقية ولا لفظية تعين مفهوماً محدداً هنا. لو قلنا ” ما حضر محمد ولا خالد” يعني لم يحضرا لا على سبيل الإجتماع ولا على سبيل الإفراد. “ما حضر محمد وخالد” احتمال أنه حضر واحد منهم ما حضر الاثنان، ما حضر محمد وخالد حضر محمد فقط واحتمال أنه ما حضر ولا واحد منهما، إذن هي تنفي حضور الإثنين أو ربما تثبت حضور أحدهما نسميه تعبير احتمالي. أما في قولنا “ما محمد ولا خالد” أي لم يحضر أي واحد منهما لا على سبيل الاجتماع ولا على سبيل الإفراد. إذن (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) إذن نهى عن الإلتهاء على سبيل الاجتماع أو التفرّق لا الأموال ولا الأولاد ولو حذف (لا) تصير تعبيراً احتمالياً يعني لو واحد منهم يلهيكم لا بأس.
أما في الآية (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ (31) النور)هذه إباحة وليست تخييراً.
سؤال: (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) و (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة) و (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر)، (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) فما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. ذكرنا في أكثر من مناسبة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) هذه في ليلة و (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) هذا في كل لحظة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه في ليلة فحذف التاء للدلالة على أن الحدث أقل. وذكرنا توفاهم وتتوفاهم قال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (97) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) أولئك كانوا مستضعفين وظالمي أنفسهم صاروا أقل قال توفاهم والآخرون فقط ظالمي أنفسهم لم يكونوا مستضعفين فلما كثر هؤلاء قال تتوفاهم ولما قل هؤلاء قال توفاهم، هذه قاعدة مثل تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام.
نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول r يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر. نضرب مثالاً آخر للإيجاز والتفصيل قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي السجدة قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فقط وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي السجدة قال (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ) في السجدة تفصيل أكثر.
سؤال من المقدم: هل حرف التاء يعطينا فكرة عن هذا الوقت المستنفذ لاتمام العمل الذي تذكره الآية الكريمة؟
لو كان المتكلم هكذا يقول كما يشاء لكن لو كان المتكلم يحسب لكل كلمة ولكل حرف حساباً لا بد أن يفعل ذلك لسبب.
سؤال من المقدم: هل العرب كانت تفهم تذكرون وتتذكرون؟
هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتديء كالبحتري؟ هم درجات.
استطراد من المقدم: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين تذكرون وتتذكرون، توفاهم وتتوفاهم؟
يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).
سؤال: ما الفرق بين آتاني منه رحمة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63) هود) وأتاني رحمة من عنده (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ (28) هود)؟
هنالك شقان للسؤال شق اختيار منه رحمة ورحمة من عنده والشق الثاني التقديم والتأخير. نأخذها مسألة مسألة. في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (8) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود). حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا. قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال من المقدم: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه. لما ربنا يتكلم عن بني إسرائيل مرة قال (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) البقرة) ومرة (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) الأعراف) هي قصة واحدة والنبي واحد والقوم واحد واثنتي عشرة عيناً واحدة ولكن السياق ليس واحداً. الإنفجار بالماء الكثير والانبجاس قليل.
سؤال من المقدم: هل خروج الماء كان كثيراً أو قليلاً؟
خروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم. ليس هذا تعارض كما يظن البعض لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه لما كان فيهم صلاح قال انفجرت ولما كثرت معاصيهم قال انبجست. حتى نلاحظ مرة قال (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ (60) البقرة) موسى هو الذي استسقى ومرة قال (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ (160) الأعراف) طلبوا منه السقيا، أيها الإجابة أكثر أن يستقي النبي أو القوم يستسقون؟ لما يستسقي النبي إذن لما قال استسقى موسى قال انفجرت ولما قال استسقاه قومه قال انبجست. هي كلها صحيحة وهي خروج اثنتا عشرة عيناً. قال (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ (60) البقرة) لم يقلها لما قال انبجست وإنما قال فقط كلوا (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (160) الأعراف). اشربوا يحتاج إلى ماء إذن الماء الكثير يأتي مع الأكل والشرب فمع الأكل والشرب قال انفجرت لأنه يحتاج إلى ماء ولما لم يذكر الشرب قال انبجست.
سؤال من المقدم: هذ قضية يستعصي على الكثير فهمها فما الموقف الذي حصل بالضبط؟
انفجر بالماء الكثير. من ناحية اللغة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) موسى ضرب الحجر لكنه لم يقل فضرب إذن الكلام محذوف وهو مفهوم ولكن لم يذكره. كذلك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) لم يقل معها ضرب إذن معناه هنالك تُختزل جُمَل بحسب الحالة مثل (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) الفرقان) وكذلك في النمل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)) إذن هناك اختزال، هناك قال انفجرت ثم عصوا ربهم فانبجست وهذا الأمر في القرآن كثير.
سؤال من المقدم: قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟
قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة.؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.
سؤال: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) فما الفرق بينهما؟
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف) لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
سؤال: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ (80) يوسف) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93) يوسف) ما الفرق بين ارجعوا واذهبوا؟ وما دلالة استخدام صيغة الجمع مرة (يا أبانا) والمفرد مرة (أباكم)؟
لو قال ارجعوا بقميصي كان معناه أن القميص كان معه، مثل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) النمل)، إرجع به يعني احتمال أن القميص كان معه، هم يرجعون لكن القميص لم يكن معهم قال اذهبوا بقميصي. (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا (81) يوسف) قال ارجعوا إلى أبيكم من حيث المعنى هو رجوع لكن قال اذهبوا بقميصي حتى لا يوهم أن القميص كان معهم قال (اذهبوا به) الذهاب به ليس معناه كان معهم أما ارجعوا به معناه كان معهم. (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) قميصي وأبي تعاطف بينهما حتى يعود بصيراً ولو لم تكن هذه العلاقة كيف يرجع بصيراً؟ علاقة التعاطف. لما قال ارجعوا قال أبيكم ولما قال بقميصي قال أبي، نفس الضمير، قميصي – أبي، ارجعوا – أبيكم، تناسب دقيق.
سؤال من المقدم: هل هنالك قديماً مؤلفات بيانية بلاغية في هذا الموضوع؟
أولاً كتب التفسير التي تعني بهذه الأمور موجودة مثل الكشاف وقبله كتب كثيرة، كتب التفسير المتأخرة مثل الرازي والبحر المحيط والألوسي في كتب التفسير وكتب المتشابه مثل درة التنزيل وملاك التأويل والبرهان في متشابه القرآن للكرماني كشف المعاني وكتب الإعجاز مثل معترك الأقران للسيوطي يبحث في الأمثلة وكتب علوم القرآن مثل البرهان في علم القرآن للزركشي والاتقان للسيوطي نفسها فيها اختيارات من هذا الأمر كثير وكثير من كتب البلاغة تأخذ أمثلة كشواهد، كتب متفرقة متعددة وهذا العلم واسع.
استطراد من المقدم: هذا العلم واسع وليس في مقدور كل إنسان أن يبحر في هذا العلم؟
هي الآلة إذا سلك الآلة يصل إلى ما هو أفضل لأن القرآن لا تنقضي عجائبه والاستنباط قائم وقال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) فالذي يتخذ الوسيلة ربنا يفتح عليه ولا شك أن الإنسان إذا ازداد تدبراً وتأملاً في القرآن يفتح ربنا سبحانه وتعالى عليه أضعاف ما صرفه ويفتح عليه فتوحات.
سؤال من المقدم: في زمن الرسول r لم يكونوا بحاجة لهذا العلم ولكننا نحتاج إليه.
سؤال: في سورة طه (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)) ووردت (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن) بدأ بالكافر (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20) الحشر) بدأ بأصحاب النار. وذكرنا أمثلة كثيرة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40) الحج) (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) التين). إذن الأمر الذي ينبغي أن يُعرف في التقديم والتأخير أنه ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل وإنما ما يتقضيه السياق، يتقدم الأهم والأهم هو ما يتعلق بالسياق. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء. على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف.
سؤال من المقدم: هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟
نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.
سؤال: ما معنى كلمة الولي الواردة في سورة المائدة وما هو المراد منها (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55))؟
تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، الوليّ التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني الله ولينا ونحن أولياء الله (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) البقرة) يتولى أمرهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) فالولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضاد. يقال مولى رسول الله والله مولانا، كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/4/2008م
2009-03-16 16:03:48الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost