لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 132

اسلاميات

الحلقة 132

سؤال: ما معنى القلوب فى قوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج)؟

هذا السؤال يثار منذ زمن باعتبار أن التفكير يكون فى العقل ولذلك هم قالوا المقصود بالقلوب هي العقول، ولكن هنا قال ربنا (الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) كثيراً ما يقولون القلب مقصود به العقل.

سؤال من المقدم: هل المقصود بالقلب العضلة التي فى الصدر أم في الدماغ؟

أحيانا ربنا يذكر العقل فى القرآن (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا). فقسم قال لأن القلب يضخ الدم للدماغ فلو توقف القلب لفسد الدماغ فيرجعها للقلب لأنه يقول أنه سبب نشاط الدماغ من القلب لو لم يذهب الدم للدماغ لفسد. والحقيقة هنالك أمر آخر الظاهر والله أعلم أن هناك فرق بين العقل والقلب: القلب كما يبدو يدفع إلى العمل بموجب ما تعقله، تعقل شيئاً والقلب يدفعه للعمل لأن الناس يختلفون بحسب الاستجابة إلى ما يعلمون ذلك راجع للقلب فأحياناً واحد يعلم الشيء ويعقله ويفهمه لكن لا يعمل به، العمل به راجع للقلب فالقلب يحرك ويدفع للعمل والعقل بارد يعلم الحجج، قد يكون هناك شخصان مؤمنان بفكرة واحدة ويأتي أحدهما بحجج أقوى من الآخر لكن الآخر ملتزم أكثر من صاحب الحجج. إذاً ما قيمة هذا العقل الذي هو مناط التفكير والقلب مناط العمل يدفعه إلى العمل يكون يقظاً متحركاً، ما قيمة المعرفة من دون أن تعمل بها؟ لا شيء. من العامّة نجد من عنده من الحجج أقل مما عند العالِم لكن هنالك من العامة من هم أكثر يقظة والتزاماً وتحركاً من العالِم فقلوبهم حيّة، إذن ما قيمة المعرفة؟ لا شيء..

بليّة العالم اليوم أن هناك ناس عندهم عقول ولكن ليس عندهم قلوب. الناس عندهم عقول لكن ليس عندهم قلوب. إذن هذا هو المهم “ولكن تعمى القلوب” ليس مسألة الحجج؟ فإذن المقصود بالقلوب هو أمر معنوي وليس العضلة التى فى الصدر حتى المخ موجود فى الرأس ولكن العقل أبعد من ذلك لا يقف عند مجرد عضلة. ذكر القرآن مثل أناس يعلمون صدق الرسول r صلى الله عليه وسلم ولا يكذبونه ولكن يجحدون، فما قيمة هذا العقل! ما قيمة هذه القناعة؟ ليس لها قيمة. إذن مناط التفكير هو العقل والقلب مناط الحثّ على العمل وهو يقظ متحرك هو الذي يدفع يفرق بين واحد وواحد وليست المشكلة في وجود العقل وإنما في وجود القلب الذي يدفع إلى العمل ويحرك له.

سؤال: قال تعالى في سورة البقرة (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) البقرة)، ما اللمسة البيانية في الآية وما دلالة اختلاف صيغة الفعل بين الماضي والمضارع؟

الكلام هنا عن بني اسرائيل والتكذيب والقتل كلاهما فى الماضي (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) البقرة). وهذا أشرنا إليه أكثر من مرة ما يسميه النحاة حكاية الحال بمعنى أنه يعبّر عن الحدث الماضى بفعل مضارع استحضاراً لصورة الحدث يعني يجعل الصورة كأنها أمامك، عندما يعبر عنه بالمضارع، المضارع هو حالة والحدث الماضي عندما يعبر عنه بالفعل المضارع ينقله أمامك كأنك تراه أو تشاهده أو كما يقولون ينقل المخاطب إلى الماضي فيجعله كأنه مشاهد لهذا الحدث. في كلتا الحالتين سيكون هذا الحدث كأنه معاصِر للمخاطب.

مثال: قوله تعالى (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) البقرة) (تقتلون) فعل مضارع و (من قبل)، ولو قال فلم قتلتم ليس لها نفس الدلالة (تقتلون) كأنما تشاهدهم وهم يقتلونهم استحضار للصورة. هناك فرق بين أن ترى أو أن تسمع فمن رأى ليس كمن سمع، هذا يجعل الصورة أمامك.

مثال آخر: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر) (أرسل ماضي، فتثير مضارع، فسقناه ماضي) أيها الأسبق إثارة السحاب أم سوقه إلى بلد؟ إثارة السحاب أسبق من السوق. أتى هنا بالفعل الماضي مع (فسقناه) والمضارع مع إثارة الرياح حيث أراد أن يبين لنا مشهد الإثارة فجاء بالفعل المضارع للدلالة على الحركة.

أمثلة أخرى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ (102) البقرة) قال ما تتلوا وليس ما تلت. (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ (18) الكهف) ما قال قلبناهم، أهل الكهف كانوا فى الماضي.

سؤال من المقدم: إتبعوا ماضي وتتلوا مضارع، هل نفهم من الآية أنها ما زالت تتلو حتى الآن؟

قال تعالى (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) أي في الماضي ولا أدري إن كان إلى الآن لكنه خصصها وهكذا العرب يستعملون صيغة المضارع فى كلامهم وفي أشعارهم مثل قول الشاعر:

فإنى قد لقيتُ القرن أسعى  بسهم كالصحيفة صحصحان (صحصحان يعني مفازة)

فآخذه فأضربه فيهوي      صريعاً لليدين وللجران

(لقيت) (يتكلم عن شجاعته بالفعل الماضي) (فآخذه فأضربه) مضارع. أليس الأولى أن يقول فأخذته فضربته فهوى؟! لكن هذا هو المشهد المهم هو ما حصل القتل هذا هو المشهد المؤثر وليس مجرد أن تلقاه. وكأن الله تبارك وتعالى في هذه الآية (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ) يريد أن يركز على القتل والتكذيب عبّر عنه بالإخبار لكن ليس في أهمية القتل.

وحتى في السيرة عندما قتل الصحابى أبا رافع اليهودى تكلم كيف قتله فقال:

فناديت أبا رافع فقال نعم    فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهِش

هو يريد أن يسلط الضوء على عملية الضرب.

حتى هذا الأمر الغريب قد يأتى المضارع مع أداة الشرط مع أن أداة الشرط تصرف الماضي للمستقبل مثل (إن زرتنى أكرمتك) لكن أحياناً العربي يأتي بالمضارع بعدأداة الشرط ويريد بها الماضي. مثال أحدهم يرثي آخر فقال:

إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن                    عاراً عليك ورب قتلٍ عارُ

هم قتلوه فى الماضي وجاء الفعل بعد أداة الشرط بصيغة المضارع.

هو يرثي أبناءه الذين هلكوا وماتوا فقال:

فإن يهلك بنيّ فليس شىءٌ على شيء من الدنيا يدوم

وقد هلكوا، حتى يقول:

كأن الليل محبوسٌ دجاه     فأوّله وآخره مقيم

لمهلكِ فتيةٍ تركوا أباهم     وأصغر ما به منهم عظيم

فإن يهلك بنيّ فليس شىءٌ على شيء من الدنيا يدوم

وقد هلكوا، الشاهد  (يهلك) مضارع بعد أداة الشرط ويراد به الماضي.

استطراد من المقدم: إذن ليست القضية بالنسبة لكم كعلماء في اللغة النظر إلى مدلول الكلمة لكن داخل السياق هو الذي يحدد.

نعم المضارع قد يأتي بمعنى الماضي والماضي يأتي بمعنى المستقبل وهذا اسمه حكاية الحال.

سؤال: (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) وفي سورة لقمان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا (33)) فما دلالة هذه الصيغة؟

الولد يقع على الولد وولد الولد أي الأحفاد أما المولود لا يقع إلا على من ولِد منك. فقول عندي ولد غير قول عندي مولود والولد تستعمله العرب لمن ولِد منك ولمن بعده. الولد يعني ابني أو ابن ابني أما المولود فهو ابني. في الآية الولد لو شفع للأب الأدنى أي لأبيه الذي ولِد منه لن تقبل شفاعته فكيف بالآخرين؟!، (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذه خاصة، الأب الأقرب. (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه عامة سواء كان ابنه أو حفيده ويقولون أحياناً الحفيد أعز من الولد. لكن المولود خاصة فجاءت (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) يعني لا يشفع لأبيه الأقرب فكيف بغيره؟! فإن كان لا يشفع للأقرب فلن يشفع لغيره.

استطراد من المقدم: أليست اللغة العربية تبدو عصيّة على الفهم من خلال ما تفضلتم به الآن؟ نزل بها القرآن الكريم ومعظمنا لا يجيدها فضلاً عن الأجانب الذين لا يتعلمون الفصحى فكيف يفهمون كتاب الله عز وجل؟

هناك الفهم العام المارد به العمل المكلف به هذا ليس فيه إشكال لكن النحو والاشتقاق مثلاً ففيه لكل واحد طريقة فطالب النحو غير طالب الصرف غير طالب الاشتقاق غير طالب البلاغة وهكذا كل واحد له طريقه في هذه المسألة وليس كل الناس مكلفون بهذا الأمر إنما هم مكلفون بسلامة الاعتقاد وحسن العمل. ومن أراد أن يتذوق كلام الله فعليه أن يتعلم اللغة العربية فهي متسعة ولكن ليست صعبة فنحن مهما تعلّمنا نجهل أكثر بكثير مما نعلم، هذا هو الواقع وكلنا تلاميذ وكل واحد في مرحلة.

سؤال من المقدم: ما الفرق بين آيات بينات وآيات مبيّنات؟

آيات بيّنات أي واضحات، أمر بيّن يعني واضح، أما مبين أي موضح أنت تبين لغيرك (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ (18) النور) يعني يوضح لك، بيّن يعني هو واضح ظاهر الدلالة أما مبيّن موضح للدلالة أنت تبين (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (26) النساء) لكن الأمر واضح.

استطراد من المقدم: النور مبيّن موضح والكشاف بيّن واضح.

سؤال: كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ (39) النحل) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل) (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران) (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) (إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) النحل) (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) ما كُنه الاختلاف؟

كنه الاختلاف هنا هو الاختلاف في أمر العقيدة بين الملل المختلفة أو بين أهل الملّة الواحدة.

مثال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) المسألة هنا فى العقيدة والاختلاف في العقيدة بين ملل مختلفة.

مثال: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) هنا ملة واحدة، الاختلاف فى العقيدة بين أهل ملة واحدة.

مثال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل).

مثال: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر) اعتقاد، خلاف في أمر المعبود.

مثال: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) إذن عموم الاختلاف المذكور هو في الاعتقاد بين أهل الملل المختلفة أو أهل الملة الواحدة.

سؤال من المقدم: الاختلاف بمعنى التضاد في الآراء والمخالفة فهل يمكن أن نفهم معنى الاختلاف بمعنى التعقل بأن تأتي إلي وآتي إليك؟ يمكن وهذا مردود للسياق.

سؤال: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) الأحزاب) ما اللمسة البيانية في هذه الآية مع أن الرسول r من ضمن من قال تعالى فيهم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) الأحزاب)؟ وما المقصود بالخشية؟

تخشى الناس أي تستحي من إعتراضهم وليس الخوف فقد كان في المجتمع الجاهلي أمر كبير أن يتزوج الرجل ممن كانت زوجة إبنه بالتبني. زيد كان ابن الرسول r بالتبني ثم أنزل تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ (40) الأحزاب) وقال (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ (5) الأحزاب) فكيف يتزوج المرء زوجة ابنه؟! هذا عندهم في المجتمع الجاهلي كبيرة، إمرأة المتبنى لا يمكن أن تتزوجها. إلغاء التبني وإلغاء ما يتبعه يجب أن يصير حكماً شرعياً.

الأمر من زواج النبي r بزينب بعدما يطلقها زيد دلالة على القضاء التام على التبين وعلى ما يتبعه من أمور وهذا أمر هو يقوم به فلذلك قال (وَتَخْشَى النَّاسَ) يستحي لأنه كيف يفعل هذا الفعل والناس أطبقوا على أن هذا أمر مستنكر في عقولهم (والله أحق أن تخشاه) هذا أمر وحكم شرعي ينبغي أن يقوم به هو.

سؤال من المقدم: أحدهم يفهم الآية (وَتَخْشَى النَّاسَ) أن الرسول r كان يحب زينب في قرارة نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ؟

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) يعني ربنا أعلمه أن زيد سيطلقها، (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الرسول r يقول لزيد لا تطلقها، (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وقال (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ربنا سبحانه وتعالى أوحى إلى الرسول r أن زيد سيطلق زوجته زينب بنت جحش. كيف يقول له (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) إذا كان يريدها؟ كان يقول له طلقها! إنما هذا تشريع . كلمة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) يعني بما أوحى الله تعالى إلى الرسول r بأن زيداً سيطلقها وأنت ستتزوجها هذا أمر كان الرسول r يستحي منه (وَتَخْشَى النَّاسَ) لأن هذا أمر فيه طاعة. هذه الآية خاصة بإلغاء التبني والدلالة على ذلك أن الرسول r يتزوج زوجة ابنه بالتبني وهذا الأمر كان كبيراً عند العرب في الجاهلية.

سؤال: ما دلالة استخدام المذكر أولاً ثم المؤنث في قوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) الأحزاب)؟

ذكرنا أن (ما) و (من) لفظهما مذكر ومعناهما يختلف قد يدل على واحد أو أكثر، مذكر أو مؤنث، (من وما) تسمى من الأسماء المشترِكة تشترك في العدد والجنس سواء كانتا اسم استفهام أو إسم موصول، إذاً من حيث اللغة يجوز.

العرب فى الغالب عندما تأتي (من) يبدأون بذكر ما يدل على لفظها ثم يبينون المعنى، لفظها مفرد مذكر يأتي أول مرة بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى.

مثال: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (من يقول) جاءت للمفرد المذكر و(ماهم بمؤمنين) (هم) جمع ليبين المعنى، بدأ بالمفرد المذكر على اللفظ ثم بين معناه.

أمثلة أخرى:

(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة).

(وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (99) التوبة).

(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) التوبة).

هذا أمر جارٍ وهو الأفصح في اللغة والأكثر والأشيع أن تبدأ بالمفرد المذكر ثم تبين المعنى. إذا طبقنا هذا على آية سورة الأحزاب (من يأت) و(من يقنت) مفرد مذكر ثم بين المعنى بـ(وتعمل).

سؤال من المقدم: هل هذا مثل قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف)؟

لا هذا أمر مختلف، هذا غير (من) و(ما). يذكرون أيضاً قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) يقولون ومنهم الفرّاء وغيره أن الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟ قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة .فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم.

سؤال من المقدم: أليس التأنيث هنا لأن الجمع ليس له مفرد من جنسه؟ لا، هذا ليس له دخل.

مثال آخر: (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183)آل عمران) جاءكم رسل، وفى آية أخرى (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف).

الأولى هي في بني اسرائيل الذين قالوا (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ (183) آل عمران) كم واحد جاءهم بقربان تأكله النار؟ قليل. أما الثانية ففى الآخرة يوم القيامة عند الحساب عندما يخاطب الله تعالى الناس، الآخرة يوم القيامة كل الرسل للدلالة على كثرة الرسل الذين بعثوا إليهم.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 3/7/2008م:

1.      هل هناك مجال أن نحصل على هذه الحلقات مسجلة؟ وأين المصدر؟

2.      مداخلة حول آية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (37) الأحزاب) وكأن الله عز وجل يبيّن فيها زيادة تبرئة للنبي من الشبهات أن الله يريد إنهاء التبني وتبعيات وأن هذا الأمر شاق جداً حتى عليك أنت يا رسول الله فإذا أنت تخشى الناس أن تواجه بهذا الأمر فكيف بالآخرين؟!. الله تعالى يبين للناس جميعاً أن هذا الأمر ثقيل حتى على رسول الله فلو لم يفعله ما كان لأحد أن يفعله وهذا فيه زيادة تبرئة وزيادة تأكيد على أن الرسول rr إنما فعله لأنه ملزم أن يفعله.

3.      فى سورة يونس الآية 42-43 استعمل لا يبصرون مع العمي وهذا منطقي فما دلالة استعمال لا يعقلون مع الصم بدل لا يسمعون؟ وما اللمسة البيانية فيها؟

4.      نجد فى القرآن الكريم (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) غافر) (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53) الشورى) و (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5) الحديد) و(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ (123) هود) ما الفرق بين تصير وترجع؟ وما وجه الاختلاف بين الأمور والأمر كله؟ وما المقصود بالأمر؟ وأين ذهبت هذه الأمور حتى ترجع؟

5.      قال تعال فى سورة يوسف (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) في وصف كيد النساء وفى آية أخرى (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) القلم) عن كيد الله، استعمل عظيم مع كيد النساء ومتين مع كيده سبحانه فأيهما أقوى العظيم أم المتين؟

6.      ما الفرق بين مفهوم كلمة فاحشة والفاحشة في المفهوم القرآني مع الأخذ بالاعتبار آيات سورة النور التي تتحدث عن عقوبة الزنا؟

7.      فى الآية (22) من سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ) ذكر الدكتور أن الريح تكون جمعاً إذا كانت طيبة وتكون مفردة إذا كانت عكس ذلك فما دلالة صيغة المفرد هنا مع وصفها بالطيبة؟

8.      فى موضعين من القرآن الكريم في سورة مريم وسورة هود قال تعالى (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)) ولكن لم تنساق مريم لأمر الله (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ (29)). وفي سورة هود في قصة سيدنا نوح عليه السلام قال تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)) جاء بعد سياق طويل من الآيات قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)) ثم جاء بعد ذلك استغفار سيدنا نوح u، فلماذا لم ينساق النبى لأمر الله سبحانه وتعالى وكذلك أمنا مريم؟؟؟

9.      في قوله تعالى (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88) القصص) أين المستثنى والمستثنى منه؟ وما إعراب كلمة (وجهه)؟ وكذلك لفظ الجلالة فى قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) الأنبياء) لماذا جاءت (الله) على الرفع؟ وأين المستثنى والمستثنى منه في الآية؟

في الآية الأولى (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) الوجه هو شىء ربنا سبحانه وتعالى سمى نفسه شيئاً فقال (ليس كمثله شيء). فإذن المستثنى ظاهر (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) يعني الوجه مستثنى من الشيء، المستثنى هنا ظاهر (شىء) والمستثنى منه (وجهه) يعرب مستثنى منه منصوب بالفتحة.

(إلا الله) هذه ليس فيها استثناء (إلا) بمعنى غير، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ) يعني غير الله لكن اختلفوا وقالوا الإعراب يتخطى (إلا) وقالوا (إلا) هي إسم بمعنى غير وليست حرفاً وقالوا الإعراب يتخطاها إلى ما بعدها كما يتخطى أل الموصولة إلى ما بعدها، عندنا الإسم موصول

وصفةٌ صريحةٌ صفةُ أل     وكونها بمعرَبِ الأفعال قَلْ

الكاتب والذاهب هذا عند أكثر النحاة إسم موصول لكن الإعراب يتخطاها إلى ما بعدها (رأيت الكاتب، رأيت المقيم). فهذه يتخطاها (إلا) إلى ما بعدها وهي بمعنى غير.

بُثّت الحلقة بتاريخ 3/7/2008م وطبعتها الأخت يسرا من مصر جزاها الله تعالى خيرا وتم تنقيحهاً

2009-01-24 08:39:19الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost