الحلقة 137
سؤال: قرأت للدكتور فاضل السامرائي قصة موسى في سورتي النمل والقصص أن السياق يختلف بين السورتين سورة النمل في مقام التكريم وسورة القصص في مقام الخوف فهل يمكن أو يوضح لنا الفرق في قصة موسى في سورتي طه والشعراء فكيف تختلف القصة في هاتين السورتين؟
قصة سيدنا موسى u من حيث أوجه التشابه والاختلاف كما وردت في سورتي النمل والقصص:
قصة موسى u وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم وقد أثير سؤال قديماً وقد جدد هذا السؤال أنه هنالك تشابه واختلاف بين القصتين في سورتي النمل والقصص فأحبوا أن نبين اللمسات البيانية في هاتين القصتين.
ما ورد في سورة النمل قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)) هذا كل ما ورد في النمل، القصة بكاملها.
في سورة القصص قال تعالى بما يقابل هذا المشهد (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33))
من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير:
النمل |
القصص |
إني آنست نارا |
آنس من جانب الطور نارا |
ـــــــ |
امكثوا |
سآتيكم منها بخبر |
|
أو آتيكم بشهاب قبس |
أو جذوة من النار |
فلما جاءها |
فلما أتاها |
نودي أن بورك من في النار |
نودي من شاطئ الواد الأيمن |
وسبحان الله رب العالمين |
ـ |
يا موسى |
أن يا موسى |
إنه أنا الله العزيز الحكيم |
إني أنا الله رب العالمين |
وألق عصاك |
وأن ألق عصاك |
يا موسى لا تخف |
يا موسى أقبل ولا تخف |
إني لا يخاف لدي المرسلون |
إنك من الآمنين |
إلا من ظلم |
ـــــ |
وأدخل يدك في جيبك |
اسلك يدك |
في تسعِ آيات |
فذانك برهانان |
ـ |
واضمم إليك جناحك ممن الرّهْب |
إلى فرعون وقومه |
إلى فرعون وملئه |
إن الذي أوردته من سورة النمل، هو كل ما ورد عن قصة موسى في السورة. وأما ما ذكرته من سورة القصص فهو جزء يسير من القصة، فقد وردت القصة مفصلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين.
فالقصة في سورة القصص إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. ونلاحظ أن كل تعبير يتناسب مع هذا الأمر الأول وهذه سمة عموماً الإيجاز والتفصيل.
هذا أمر، والأمر الآخر أن المقام في سورة النمل، مقامُ تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص نذكر الموطنين لأنها ستفسر الخلافات، ذلك أنه في سورة القصص كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف أما في النمل فليس مطبوعاً بطابع الخوف. في القصص من أولها جو القصة مطبوع الذي يسيطر على موسى عليه السلام وأم موسى بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى عليه السلام، فقد خافت أمه فرعونَ عليه فقد قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي (7) القصص)، ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا (10) القصص) ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (18)) فنصحه أحدُ الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (21))، وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)) . فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها وقصّ عليه القصص فطمأنه قائلاً (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25))
وهذا الطابع ـ أعني طابع الخوف ـ يبقى ملازماً للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33))، وطلب أخاه ظهيراً له يعينه ويصدقه لأنه يخاف أن يكذبوه (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34))
إذن الأمر في القصص أمرين التفصيل والخوف وفي النمل الإيجاز والتكريم. أصلاً في قصة النمل لم يذكر الخوف إلا في مقام إلقاء العصا ألقى العصا وخاف منها ثم ولى مدبراً (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)). بينما القصص من قبل أن يأتي موسى إلى تبليغه بالرسالة وهو خائف. إذن هناك أمرين في سورة القصص التفصيل والخوف.
فاقتضى أن يكون التعبير مناسبا للمقام الذي ورد فيه. وإليك إيضاح ذلك:
قال تعالى في سورة النمل: (إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) وقال في سورة القصص: (آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً)
ذكر المكان (مِنْ جَانِبِ الطُّورِ) وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص.
قال في سورة النمل: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) وقال في سورة القصص: (قَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) بزيادة “امْكُثُوا”. وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفا، أعني مناسبة لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف القصة في النمل المبنية على الإيجاز.
قال في النمل: (سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ). وقال في القصص (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) لم يقطع. فبنى الكلام في النمل على القطع والوثوق في النفس (سَآتيكُم) وفي القصص على الترجي (لعَلّي آتيكُمْ). وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر.
سؤال من المقدم: هذه إشكالية المشكلات ماذا قال موسى u هل قال (سأتيكم) أو (لعلي آتيكم)؟
قال كليهما ونحن في حياتنا اليومية تقول أنا ذاهب في أمر لعلي أستطيع أن آتيكم قبل المغرب، لا، لا، سأتيكم قبل المغرب، إذن أنت قلت الاثنين أنت قطعت وترجيت في وقت واحد، هذا يحصل. موسى u قال الاثنين لكن ربنا تعالى ذكر كل موطن في مقامه.
المقدم: إذن يجوز لمن يحكي عني أن يقول هو قال كذا وقال كذا ولا يكذبه أحد لأنه قال الاثنين.
سؤال من المقدم: قال إني آنست وهناك قال امكثوا؟
ليس فيها إشكال أحياناً تختصر الأشياء تقولها على السريع وأحياناً تفصّل. لم يذكر المكان في القصص، هذا ليس مخالفاً. نحن في حياتنا اليومية أقول ذهبت أنا إلى مكان، سافرت إلى مصر أو إلى الأردن ولقيت جماعة وأتكلم عن مشهد أحياناً أفصل كل جزئياته وقد يكون كثير من الأمور التي شاهدتها في سفري لم أذكرها لأنه ليس لها علاقة وقد أذكرها في وقت آخر، فالله سبحانه وتعالى يذكر حيث يقتضي المقام الذكر وهذا شأننا في الحياة الحادثة الواحدة تذكرها في أكثر من صورة لكنك أنت لم تكذب ولم تغير لكن كل مرة تذكر أموراً ذهبنا وتكلمنا عن كذا وكذا وعن الأبناء والأولاد وماذا حصل وأحياناً لا تذكر هذا الشيء، فما الإشكال في هذا؟
سؤال من المقدم: بعض المغرضين يوجه نقداً للقرآن الكريم ويقول هذا تناقض واضح لماذا قال آنست من جانب الطور وفي مكان قال امكثوا، سأتيكم، لعلي آتيكم فماذا قال تحديداً؟
قال كليهما.
إذن أيها المناسب للخوف لعلّي أو سآتيكم؟ (لعلي) أنسب فجاء بها في مقام الخوف وفي مقام الثقة والقطع قال (سآتيكم) وقد قال كليهما.
ومن ناحية أخرى، فإن كل تعبير مناسبٌ لجو السورة ليس فقط القصة ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص، والقطع من سمات سورة النمل عموماً كسمة عامة. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى: (عَسى أن ينْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا) وهو ترَجٍّ. وقال (عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَني سَوَاءَ السّبيلِ) وهو ترجٍّ أيضا. وقال (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) وقال (لَعَلّكُم تَصْطَلونَ)، وقال (لَعَلّي أَطّلِعُ إلى إِلَهِ موسَى)، وقال (لَعَلّهُمْ يَتَذكّرونَ) ثلاث مرات قالها في الآيات 43، 46، 51، وقال (فَعَسَى أَنْ يَكونَ مِنَ المُفْلِحينَ)، وقال (ولَعَلّكُم تَشكُرونَ) هذا كله ترجّ. وذلك في عشرة مواطن في سورة القصص في حين لم يرد الترجي في سورة النمل، إلا في موطنين وهما قوله (لَعَلّكُمْ تَصْطَلونَ)، وقوله (لَعَلّكُمْ تُرْحَمونَ).
ومن ناحية أخرى إضافة إلى هذا الترجي مناسب لجو سورة القصص والقطع مناسب لجو سورة النمل المبنية أصلاً على القطع من ذلك قوله تعالى على لسان الهدهد (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ (22) النمل)، وقوله على لسان العفريت لسيدنا سليمان (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) النمل) وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40) النمل) من ناحية السمة إضافة إلى ما ذكرنا فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في النمل.
سؤال من المقدم: هذا من حيث البيان ما ذكرناه تحت ماذا يُدرس؟
مناسبة السورة لبعضها، مناسبة الآيات، سمة تعبيرية، سمة سياقية.
المقدم: إذن كل آية في القرآن تتناسب مع السمة العامة للسورة.
المقدم: وأنت تتحدث سرحت بذهني كم من الوقت يسغرقكم لتحضير هذه المادة د. فاضل؟
أحياناً وقت طويل جداً أيام وأسابيع للنظر في مسألة أحياناً هكذا لأنه ليس كل ما يدور في الذهن ينقدح في رأسك فوراً وإنما يحتاج لتقليب ونظر.
سؤال من المقدم: عندما سألتك لم قال هنا سأتيكم ولعلي آتيكم فقلت السمة التعبيرية العامة في السورة فلا بد أن هذه الأسئلة انقدحت في ذهنك كثيراً وأنت تبحث هذه وتعيد قراءة السورة مرات ومرات؟
نعم.
نلاحظ أنه كرّر فعل الإتيان في النمل، فقال (سَآتيكُمْ مِنها بِخَبَر أوْ آتيكُمْ بِشِهابٍ)، ولم يكرره في القصص، بل قال (لَعَلّي آتيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ) لم يقل أو آتيكم بجذوة، فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه وثقته بنفسه، والتوكيد دلالة على الثقة بالنفس وعلى القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن فعل (الإتيان) تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة (انظر الآيات: 7 مرتين، 18، 21، 28، 37، 38، 39، 40، 54، 55، 87) وتكرر في القصص ست مرات (انظر الآيات 29، 30، 46، 49، 71، 72) فناسب السمة التعبيرية في السورة إضافة إلى موقف الثقة بالنفس وموقف القوة والتوكيد فناسب السمة التعبيرية أيضاً.
وقال في سورة النمل (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وقال في القصص (نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) الشهاب هو شعلة من النار ساطعة فيها لهب والقبس يعني تؤخذ، قبس أي أخذ إذن الشهاب هو شعلة من النار ساطعة ومأخوذة. النعبير بشهاب قبس فيها أمرين.
وأما (الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار والجمرة هي عود فيه نار بلا لهب. أيُّ الأفضل المجيء بالشهاب أو المجيء بالجمرة؟ المجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاتضاءة والدفء، الجذوة ليس فيها هذا الشيء وربما يكون فيها دفء فقط. أيُّ يدل على الثبات واليقين والقوة؟ الشهاب القبس، إذن مناسبة لسورة النمل إذن شهاب مقبوس ليس مختلساً وليس محمولاً وإنما هو يذهب فيقبس يأتي بالشهاب بعود ويذهب إلى النار ويقبس منها ويأتي أما الجذوة يمكن أن يختلسها ويعود، ما وضح طريقة أخذ الجذوة وهذا يتناسب مع السمة التعبيرية لسورة القصص أيضاً مع الثبات والقوة بينما في النمل جو الخوف قال (جذوة). هو موسى u قال الاثنين والقولان ليسا مختلفين، هو يقول لهم آتيكم بشهاب، بقبس، بجذوة إذن هو قطعاً قال الاثنين.
قال في سورة النمل (فَلَمّا جاءَهَا نُودِيَ) وقال في سورة القصص (فَلَمّا أَتاها نُودِيَ) فما الفرق بينهما؟
(فلما جاءها) إذن موطن الخوف وضع كل واحد في مكانه، (فلما جاءها) (فلما آتاها) وذكرنا في أكثر من مناسبة أن الإتيان فيه سهولة وحتى قسم من أهل اللغة يقولون الإتيان المجيء بسهولة. الإتيان والمجيء بمعنى لكن بفوارق دلالية وقسم من أهل المعجمات يفسروا الواحد بالآخر جاء بمعنى آتى وأتى بمعنى جاء لكن يذكرون بعض التصريفات والراغب الأصفهاني يقول الإتيان المجيء بسهولة. والمجيء عام لكن حتى لو نظرنا في المعجمات تذكر أموراً تدل على أن الإيتاء فيه سهولة فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) “طريق مسلوك يسلكه كل أحد” معناه مذلل، وذلك لسهولته ويسره. ويقولون “أتّوا جداولها سهلوا طرق المياه إليها” يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه. فيها سهولة حتى من لم يصرِّح بذلك لكن عندما ينظر في ما يأتي فيها من مفردات يتضح منها السهولة.
والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى).
سؤال من المقدم: من حيث اللغة عموماً هل تفرق بينهما؟ وهل هذه خصوصية في القرآن مثلاً؟
يمكن في جاء وأتى لكن في بعض التصريفات والتقليبات فيها لما يقول الميتاء والأتي وأتّى، اللغة تعي هذا حق الوعي. ربنا قال مثلاً (فَإذا جَاءَ أَمْرُنا وَفارَ التّنّورُ (27) المؤمنون)، وذلك لأن هذا المجيء فيه عقوبة ومشقة وشدة وقال (وجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَقّ (19) ق) وقال (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرَا (71) الكهف) وقال (لقَدْ جِئْتَ شِيْئا نُكْرا (74) الكهف) وقال (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) مريم) وقال (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم). وقال (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) الاسراء) وقال (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) عبس). وقال (فإذا جاءَت الطّامّةُ الكُبْرَى (34) النازعات). وهذا كله مما فيه صعوبة ومشقة.
وقد تقول: وقد قال أيضاً (هَلْ أَتاكَ حَديثُ الغَاشِيَة) والجواب: أن الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية في حين أن الذي جاء هناك هو الطامة والصاخة ونحوهما مما ذكر. لم يقل أتتكم الغاشية وإنما حديث الغاشية، حديث يعني الكلام، هناك جاءت الصاخة أو الطامة وليس الحديث عنها. لم تأت الغاشية وإنما هناك جاءت، هذا الكلام في الدينا (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)) لأن الحديث عنها أما (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) عبس) ليس الحديث عنها. (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) يعني قرب موعده فلا تستعجلوه، إذن لم يقع بعد. يقول تعالى (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ (78) غافر)، أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآية حتى تتضح المسألة ونحو قوله (جَاءَهُمْ نَصْرُنَا (110) يوسف)، (لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ (53) العنكبوت). قال تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل). وقال (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) غافر). فقد قال في النحل: “أَتَى أَمْرُ اللهِ”، وقال في غافر: “جاءَ أَمْرُ اللهِ”. أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآيتين حتى تتضح المسألة (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) غافر)، في النحل لم يأت بعد (فلا تسعجلوه) أما في غافر (قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) هذا قضاء وخسران، أكمل الآيات حتى يتضح الفرق بينهما ويصير الفرق بائناً.
وقوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام) وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) أتاهم نصرنا في الأنعام وجاءهم نصرنا في يوسف، نضعها في مكانها (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) و (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام) نلاحظ استيأس الرسل فصبروا على ما كذبوا، أيها الأكثر استيأس الرسل أو صبروا على ما كذبوا؟ استيأس الرسل وصلوا لمرحلة الاستيئاس. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) وقال في الأنعام (حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا). أي الموقفين أشد؟ موقف الإستيئاس.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 21/7/2008م
-
في كتب اللغة قرأت أنه من قال (قال الله) فقد كفر، هل هذه المقولة صحيحة أم لا؟ لو قرأ القرآن وقال هذا قول الله لكان صحيحاً لكن لو قال قولاً ونسبه إلى الله فالله أعلم وسننظر فيها لاحقاً.
-
من الذي نادى مريم عليها السلام من تحتها (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) مريم) هل هو الوحي أو وليدها؟ وإذا كان الوليد عيسى هو الذي ناداها فيقولون هو الذي دلها أن تأكل من الرطب وقد أثبت العلم أن الرطب هو الذي سهل عملية الوضع فإذا كان هو الذي ناداها من تحتها فما علاقة الرطب بالوضع؟ وإذا كان الوحي فلماذا ناداها من تحتها؟
-
في سياق ما تحدث عنه الدكتور فاضل قال تعالى (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا (8) النمل) من هم الذين في النار؟ وهل المخاطب داخل النار؟
-
في سورة يوسف (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)) ولما دخل في السجن قال صاحب السجن (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ (36)) وملك مصر قال (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ (43)) فما دلالة تغير الفعل رأى في الحالات الثلاث مع أنها كلها أحلام؟
-
في سورة يوسف (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)) ما دلالة تحول الخطاب من يوسف إلى امرأة العزيز؟ وما دلالة الواو في (وَاسْتَغْفِرِي) وماذا تسمى هذه الواو؟
-
في سورة الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (22) الكهف) نلاحظ أن قبل الثمانية جاءت واو ولم تأت في الأعداد التي قبلها فهل هذه واو الثمانية وقد ورجت في مواطن أخرى في القرآن الكريم؟ وهل يمكن توضيح هذه؟ باختصار هذا سؤال لغوي واو الثمانية يقول النحاة هذا قول ضعيف ليس هناك واو ثمانية ولكن كما يقول الزمخشري يدل على أن القائلين بهذا القول هو القول الثابت هو القول الصحيح بينما الأولى حكى قولين وقال رجماً بالغيب (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) ثم قال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) لم يقل رجماً بالغيب وإنما قالوها عن بصيرة وعن علم وعن يقين فجاء بالواو وهذه واو الحال والزمخشري يقول هذه واو الصفة. عند الزمخشري رد عليه النحاة أن جملة الصفة لا تبدأ بالواو قالوا هذه واو الحال لكنهم متفقين على أن الذين جاؤوا بالواو هم الذين قالوا عن بصيرة وعن علم فجاء بالواو حتى يقطع. إذن لا يوجد واو الثمانية عند عموم النحاة.
-
مداخلة من الأخت أم محمد رد على من يقول أن في القرآن اختلاف أو تناقض لأن القصة وردت أكثر من مرة في القرآن وأرى أن تعدد الأساليب في القصة القرآنية الواحدة زيادة في التحدي لأن الله تعالى قال (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ (38) يونس) فمثلاً قصة موسى في وقتها لم يستطع أحد من أهل الكتاب أن يأتي بمثلها وبعد أن يأتي بالقصة يأتي بها مرة أخرى بأسلوب آخر وهذا رأيت أنه زيادة تحدي أن الله تعالى وحده يمكنه أن يأتي بمثله ويأتي بالقصة نفسها مرة أو مرات فرب العالمين هو القادر ونقول لمن يقول بالتناقض أن هذا التكار يكون حكمة من عند الله (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) وآياته أدلته وهذه زيادة في التحدي.
-
في سورة الرحمن تكررت الآية (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) والمعروف أن القرآن نزل بلغة قريش فما معنى التكرار في الكلام؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/7/2008م
2009-01-23 22:36:30الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost