لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 139

اسلاميات

الحلقة 139

سؤال: سورة البقرة ورد فيها مثالين للمنافقين فهل يمكن توضيحهما؟

سبق أن ذكرنا المثال الأول (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) البقرة)

والمثال الآخر قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) البقرة) هذا هو المثال الآخر. الصيّب هو المطر، المطر الشديد الإنصباب (من صاب يصوب) مطر شديد الإنصباب وليس مجرد مطر. إذن هذا هو الصيّب. هو ذكر قال (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) الظاهر أنها ظلمات كثيرة لأنه جمع ظلمات جمع ظلمة السُحمة (سُحمة يقال في ظلام أسحم شديد الظلمة) وتطبيقه للسماء وظلمة الليل. هو نفسه مظلم كونه طبّق السماء فليس فيها مكان للضياء ظلمة الثانية والظلمة الثالثة ظلمة الليل، ظلمة الليل لأنه قال (كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) لو كان نهاراً لكانوا مشوا. وفيه رعد وبرق إذن هذه هي الظلمات وفي القرآن لم ترد كلمة الظلمات مفردة أبداً بخلاف النور ورد مفرداً. إذن الصيّب مطر شديد الإنصباب ينحدر، فيه هذه الظلمات فقال (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) ليس فقط ظلمات.

سؤال من المقدم: هل هذا الترتيب (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) مقصود في حد ذاته؟

هذا الترتيب مقصود بذاته ولذلك نلاحظ حتى في آخرها قال (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) فالسمع مقابل الرعد والأبصار مقابل البرق نفس الترتيب وذلك لأن الخوف من الرعد أشد من البرق لأن أقواماً أهلكوا بالصيحة (الصيحة الصوت الشديد) (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ (73) الحجر).

سؤال من المقدم: هل يمكن أن يكون تقديم السمع لأن سرعة الصوت أكبر من سرعة الضوء؟

لا، الضوء أسبق من الصوت، هناك مقام عقوبة ومقام خوف، في مقام الخوف الرعد أشد. القرآن يراعي دلالة الكلمات في السياق ولا يرص الكلمات بعضها بجانب بعض. إذن هو ظلمات ورعد وبرق. إذن مطر شديد الإنصباب وظلمات وليس ظلمة ورعد وبرق. قال (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) الأصابع والمقصود هو الأنامل لأن الإصبع لا يمكن أن يدخل في الأذن وهذا مجاز مرسل حيث أطلق الكُلّ وأراد الجزء وهذا لشدة الخوف، كأنما يجعلون أصابعهم لو استطاعوا أن يُدخلوها كلها في آذانهم لفعلوا من شدة الخوف وما هم فيه. الصواعق هي رعد شديد مع نار محرقة وقد يصحبها جرم حديد ليس مجرد رعد وليست صاعقة وإنما صواعق (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ). إذن هو رعد شديد مع نار محرقة قد يكون معها حجر أو جرم. ولاحظ من فرط الدهشة أنهم يسدون الآذان من الصواعق وسد الآذان ينفع من الصواعق ينفع من الرعد لكن لا ينفع مع الصاعقة لكن لفرط دهشتهم لا يعلمون ماذا يفعلون إذن هم يتخبطون، وصواعق جمع صاعقة لاحظ المبالغات الموجودة في الآية صواعق وظلمات وصيّب وليس مجرد مطر. (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) (كلما) تفيد التكرار إذن لم تكن مرة واحدة. (كلما) في اللغة عموماً تفيد التكرار وجيء بها لأنهم حريصون على المشي لكي يصلون (كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) كلما أضاء لهم البرق مشوا فيه وإذا أظلم ولم يقل إن أظلم للتحقق ولو قال إن أظلم يكون أقل، (إذا) للمتحقق الوقوع وللكثير الوقوع أما (إن) فهي قد تكون للافتراضات وقد لا يقع أصلاً. ثم قال (مَّشَوْاْ) ولم يقل سعوا لأن السعي هو المشي السريع أما المشي ففيه بطء إشارة إلى ضعف قواهم لا يستطيعون مع الخوف والدهشة لا يعلمون كيف يفعلون. (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) لذهب بسمعهم مع قصف الرعد يعني جعلهم صماً، وأبصارهم مع البرق، لماذا لم يفعل إذن؟ كان يمكن أن يذهب بسمعهم مع قصف الرعد وأن يذهب بأبصارهم مع ومض البرق، لا، هو أراد أن يستمر الخوف لأنه لو ذهب السمع لم يسمعوا ولو ذهب البصر لم يبصروا فأصبحوا بمعزل، هو أراد أن يبقوا هكذا حتى يستمر الخوف. وقدم السمع لأن الخوف معه أشد. هذا عذاب مضاعف وفيه مبالغات (الصيب مبالغة لأنه مطر شديد وظلمات وليس ظلمة ورعد وبرق وأصابعهم وليس أناملهم وصواعق وليست صاعقة ثم ذكر يخطف أبصارهم ثم قال (كلما) الدالة على التكرار وقال مشوا ولم يقل سعوا وقال إذا أظلم ولم يقل إن أظلم وقال لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لم يرد أن يذهب بها حتى يبقى الخوف وهذه كلها مبالغات.

سؤال من المقدم: ألا يمكن أن يقال (ولو أظلم عليهم قالوا)؟ وما الفرق بين لو وإذا؟

لا، أصلاً (لو) قد تكون حرف امتناع لامتناع لو زارني لأكرمته، لو أظلم عليهم قاموا.

استطراد من المقدم: إذن لا نقف عند الأدوات هكذا يقول إذا، يقول لو، إذا فيها تحقق الوقوع و (لو) قد يكون امتناع لامتناع وقد لا يحدث الفعل أصلاً.

(وإذا أظلم عليهم قاموا) يعني وقفوا لم يتحركوا وهذا عذاب أيضاً.

سؤال: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100) يوسف) ما دلالة أبويه وليس والديه؟

أولاً الأم لم تذكر في قصة يوسف أصلاً. هذا أمر وفي القرآن عادة خط لا يتخلّف إذا ذكر الوصية بهما أو البر بهما أو الدعاء لهما يقول الوالدين ولا يقول الأبوين هذا خط لم يتخلف في القرآن (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) لم يتخلف في القرآن ولا مرة واحدة. أما الأبوين فقد تأتي في الميراث (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (11) النساء). لا شك أن الأبوين هو تغليب هو الأب والأم (مثنى الأب والأم) لكن تغليب الأب والوالدين هو الوالد والوالدة وأيضاً تغليب لفظ الوالد مع أنه لم يلد والولادة للأم، الولادة للأم بالفعل وللأب للنسب. إذن لما يقول الوالدين تذكير بالولادة (يعني الأم) يعني فيها إلماح إلى إحسان الصحبة إلى الأم أكثر وهذا يتطابق مع حديث النبي r لأن الولادة منها. إذن كل القرآن فيه إلماح إلى أن الأم أولى بحسن الصحبة والإحسان إليها أكثر من الأب الإهتمام بالأم أكثر. وفي هذه الآية قال (رفع أبويه) إلماح إلى الإحسان إلى الأم أكثر. نكمل الآية (وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) المفروض أن يعظِّم الإبن أبويه لا العكس والآن الأبوين هما اللذان عظّما وخرا سجدا إذن لم يذكر الأم لأنه ليس المفروض هي أن تعظم فذكر الأبوين، فيها أيضاً إحسان إلى الأم أكثر، هذا أمر والأمر الآخر وإلماح آخر أن العرش إنما هو للرجال وليس للنساء فمن أي ناحية نأخذها تناسب.

سؤال من المقدم: هل نفهم فيها أن الوالد والأب في اللغة الإثنان بمعنىً أم أن الوالد هو الذي ولد له الإبن والأب ربما يكون هو الذي رباه ولم يكن مولوداً له بالتبني أو الإنفاق عليه؟ 

تجوزاً. ولهذا قال (ورفع أبويه) إجلالاً لمقام الأم واحترامها ولأن العرش للرجال.

سؤال: ما الفرق بين بما يصنعون وبما كانوا يصنعون في الآيات (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) و(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟

كان السؤال عن الآية 30 في سورة النور والآية 112 في سورة النحل وأظن بمجرد قراءة كل من الآيتين يتضح الجواب. في آية النور (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) هذه حالة مستمرة دائمة إلى قيام الساعة هذا حكم عام ليس أمراً ماضياً. آية النحل في قرية ماضية (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل) هذه قرية ماضية أخبر عنها بما كانت تصنع فقال (بما كانوا يصنعون) انتهت ويتكلم عن أمر ماضي أما آية النور فحال مستمر الآن وفي المستقبل وهو حكم عام (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) هذا حكم عام الآن وبعد الآن، إذن قال (بما يصنعون).

سؤال من المقدم: بما يصنعون يفيد الإستمرارية وبما كانوا يصنعون في زمن مضى وانتهى. هل (كان) تقلص زمن الفعل الماضي وتخلّصه إلى الماضوية البحتة يعني كان يصنع، كان يكتب؟

إذا (كان يفعل) هذا يسمى الماضي المستمر أو الاعتياد. أما (كان) وحدها فلها أزمنة متعددة أما (كان يفعل) هذه الماضي المستمر. (كان) النحاة ذكروا لها أزمان لأن هنالك كان الاستمرارية بمعنى لا يزال، كان وما يزال كما في الآية (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) وما زال، بتعبير آخر هذا ، أريد به دلالة المصدر كينوته، (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) هذا كونه تعالى غفور رحيم وقد تكون (كان) للمستقبل (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) النبأ) باعتبار ما سيكون (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) النبأ) (كان) بالذات لها أزمنة خاصة يذكرها النحاة وتأتي بمعني صار وهي أيضاً تخضع للسياق ولا ينبغي أن نقول أن كان تدل على الماضي. نقول ليس فعل ماضي ناقص لكن ليس قد تكون للمستقبل كما في قوله (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ (8) هود) لست مسافراً غداً، نحن نقول فعل ماضي ناقص لكنهم  قالوا الأكثر هي في الحال ولكنها تكون للماضي وللحال تقول (لست أخبرتك) ماضي والسياق يوضح المعنى.

سؤال: قضية الحذف والاثبات في القرآن (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) النمل) بإثبات الياء وفي سورة الروم بدون ياء (وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (53))؟

أولاً الأمر هو خط المصحف ورسمه ورسم المصحف لا يقاس عليه، هذه قاعدة. (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) العلق) (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه) لكن مع ذلك ممكن أن نجد لها تعليلاً بيانياً. آية النمل مرسومة بالياء (بهادي) ولآية الروم (بهاد) مرسومة بدون ياء. آية النمل سبقتها آية الهداية وهو قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77)) وابتدأت السورة بالهدى (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) واختتمت بالهداية (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ (92)) أما آية الروم فليست كذلك، قبلها (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)) وآخرها (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)) الهدى وردت في النمل عموماً أكثر مما وردت في الروم وردت في النمل 5 مرات وفي الروم كلها وردت مرتين فلما كثر فيها الهدى زيد في الخط لزيادتها في اللفظ، لما زادت في اللفظ زيد في الخط مناسبة للمقام.

سؤال: ما معنى وسطاً في الآية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (143) البقرة)؟

الوسط معناها هو الخيار العدول كأنها بين الإفراط والتفريط، معتدل. نصف أحداً بالخيار، هو من أوسطنا نسباً يعني من خيرنا وليست وسطية مكانية.

سؤال: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) لقمان) ما هو المراد من لهو الحديث في هذه الآية؟

اللهو هو كل باطل ألهى عن الخير، عموم اللهو. لهو الحديث يعني السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها والتحدث بالخرافات وقول الخنا (الفحش) وقسم أدخل الغناء الماجن فيه، كل باطل يلهي عن الخير هو اللهو. ولهو الحديث ما فيه من الكلام. اللهو هو كل باطل يلهي عن الخير. قيل أنها نزلت في النضر بن الحارث كان تاجراً يخرج إلى فارس فيشتري من قصص الأعاجم ويأتي ويحدِّث بها قريش ويقول محمد يحدثكم بأخبار عاد وثمود وأنا أحدثكم بأخبار رستم والأكاسرة فيقص عليهم قصصاً من تجارته فيستمعون له. (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وعبّر بـ يشتري لأنه يشتري الكتب الخاصة بالقصص والخرافات وهو يشتري ليضل عن سبيل الله بغير علم، هو يعلم ماذا يشتري لكن المفروض التاجر عندما يشتري يشتري شيئاً نافعاً. قال (بغير علم) يضل بغير علم ويشتري بغير علم، بغير علم للإضلال وللشراء فهو وإن كان يعلم ماذا يشتري لكن المفروض أن التاجر يشتري ما فيه ربح له أما أن يشتري الضلال بالهدى. يشتري لهو الحديث بغير علم ليضل عن سبيل الله بغير علم لأنه بغير علم بالتجارة ما يتفعه بغير بصيرة بالتجارة المفروض أن يشتري الهدى إذن هو تاجر فاشل لأنه لا يعلم وإن كان يعلم ماذا يشتري لكن لا يعلم إن كانت التجارة رابحة أو غير رابحة ترديه في نار جهنم. هذا هو المعيار الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يرسيه وهكذا تكون التجارة وهذا يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله فهو إذن يشتري بغير علم بالتجارة الرابحة التي تنفعه، إذن المعيار عند ربنا من خلال منطوق الآية ليس عَرَض الدنيا المالي وإنما بما يصنعه الرجل لما بعد مماته.

سؤال من المقدم: نتصور أن الإضلال يكون بغير علم وهو لا يعلم فنلتمس له حسن النية.

لا، هما أمران هو تاجر فاشل لا يعلم ويضل بغير علم. وكون الإضلال بغير علم لا يعفي (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا  (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف)، هم يحسبون لا ينفعهم هذا.

سؤال من المقدم: إذن المفروض أن من لا يعلم يسكت ولا يقال أنا أجتهد فإن أخطأت فلي أجر وإن أصبت لي أجران؟.

الإجتهاد هو بذل الجهد للوصول إلى الحق وليس أن يتكلم كما يشاء. اجتهد بالغ في بذل الجهد (افتعل) تدل على التكلف والمشقة لا أن يتحدث هكذا، يبذل الجهد للوصول إلى الحق فيراجع الأصول ويراجع ما قاله قبله من العلماء ويتحرى الحق ثم بعد لك يجتهد. إذن للمجتهد ضوابط.

سؤال: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) الشورى) لماذا قدّم الإناث على الذكور في الهبة وفي مسألة التزويج قدّم الذكران على الإناث؟

أولاً ربنا سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا ما يحبه الإنسان ويرضاه، هذه قاعدة، ما يشاء هو لا ما يشاؤه الإنسان أو ما يرغب به الإنسان، ما يشاء هو لا ما يحبه الإنسان ويهواه. المشيئة هنا لله وليس للعبد، إذا واحد شاء ذكوراً فهل يعطيه الله كما يشاء العبد؟ الله يعطي كما يشاء هو وربنا يفعل ما يشاء هو لا ما يحبه الإنسان ويهواه، هذه قاعدة، هذه من فعله هو ومشيئته هو سبحانه وتعالى وليس للإنسان أمر في هذه، هذه من الأمور التي يفعل الله تعالى فيها ما يشاء هو، هذا أمر. الأمر الآخر المقرر عندنا في علم البلاغة أن التقديم والتأخير لا يجري على الأفضلية دوماً هذه ليست قاعدة التقديم والتأخير ليس للأفضل دائماً قد يكون يقدم ما هو غير الأفضل عندما قال (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن) قدم الكافر (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40) الحج) (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ (32) فاطر) قدم الظالم على السابق بالخيرات، إذن المقام هو المعيار في التقديم والتأخير قد يكون هنالك خطوط وقد يكون القصد من القلة إلى الكثرة أو من الكثرة إلى القلة إذن لنعلم أن هذا التقديم والتأخير لا يجري بحسب الأفضلية، هذا أمر. نلاحظ أنه استعمل للجنسين (يهب) والهبة إنما تكون في الخير فكلاهما بمنزلة واحدة وهو هبة من الله سبحانه وتعالى، الإناث والذكور كلاهما هبة من الله سبحانه وتعالى. قدّم الإناث أولاً وقدم الذكور في الآية بعدها لئلا يظن أن بعضهم أفضل من بعض إذا كان بمقياس التقديم والتأخير تساويا من هذا الميزان. نكّر الإناث وعرف الذكور لأن العرب يصونون الإناث عن الذِكر هذه قاعدة عامة. أنت تعرف الشخص من أبوه ومن أخوه لكن لا تعرف أمه أو أخواته. وحتى في حياتنا الآن من حيث الذكر الذكور أكثر شيوعاً من الإناث، عندما تدخل إلى الصف وتذكر الطالب إسمه وإسم أبوه فلان وفلان أحمد محمد كذا لكن لا تذكر إسم أمه أو أخته، لو قلت لأي شخص كيف حالك؟ كيف محمود؟ لكن لا تقول له كيف خالدة؟ لا نقول ولا تحتمل المسألة. أصلاً الذكور يجري ذكرهم في كل مكان فعرّفهم ونكّر الإناث ليصونهم عن الذِكر.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 31/7/2008م

  1. في آخر سورة هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)) هل يعني ذلك أن هناك أناس يشاء ربك أن يخرجوا من الجنة؟ إلا ما شاء ربك في النار والجنة قالوا المشيئة هي ما كان في الموقف قبل الدخول، لأن هذه في الموقف خمسين ألف سنة الناس يقفون لا هم في النار ولا هم في الجنة وفيهم المتقون من أصحاب الجنة وفيهم من أصحاب النار هذه المشيئة المستثناة لم تدخل لأن المتقين لم يدخلوا في الجنة في يوم الحساب يوم القيامة شاء ربنا أن لا يدخل أهل الجنة في الجنة ولا أهل النار في النار حتى ينتهي الحساب يوم القيامة وهذه في القرآن أن هذا اليوم أنه خمسين ألف سنة (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) المعارج) قالوا هذه من المشيئة التي هي قبل القضاء ودخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار هذه مستثناة. وفي الدنيا أيضاً هم أعمارهم في الدنيا كانت مستثناة فقالوا هي هذا الاستثناء والله أعلم.

  2. القرآن كله معجز لكن باعتقادي أن الجزء السابع والعشرين فيه الإعجاز اللغوي.

  3. في لفظة (كذابا) في سورة النبأ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) لماذا جاء بالمصدر كذابا ولم يأت تكذيب مع أنه ورد في سورة البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) فهل لهذا أثر في المعنى؟

  4. ما طبيعة كلمة وسطاً في (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (143) البقرة) من حيث أنها صفة ولم تتبع الموصوف من حيث التذكير والتأنيث؟

  5. كلمة هيميان هل وردت في اللغة بزيادة الياء بعد الهاء؟ “نكت الهميان في لغة العميان” هذا كتاب مشهور.

  6. طلب من الدكتور التحدث عن سيرته العلمية ومسيرته وأساتذته.

  7. يقول تعالى في سورة البقرة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)) وفي سورة الأعراف (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)) فما الفرق بين الانفجار والانبجاس؟ وما الحكمة في ورود كل منهما بمعنى؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 31/7/2008م

2009-01-23 22:34:00الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost