الحلقة 145
سؤال: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) النحل) وفي المؤمنون (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)) فما الفرق في تغيير الضمير؟
نقرأ الآيتين حتى يتضح الأمر (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) النحل) والآية الأخرى (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)). نسقيكم مما في بطونه، نسقيكم مما في بطونها. نحن نعلم في اللغة أن التأنيث يدل على الكثرة أكثر من التذكير (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف) وذكرنا أمثلة في حينها مثل (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ (43) الأعراف) (قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ (183) آل عمران) قلنا أن التأنيث يدل على الكثرة. هو ذكر (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) النحل) لم يذكر شيئاً غير اللبن واللبن خاص ببعض الإناث وليس الذكور والإناث في وقت معين تحديداً، والآية الأخرى (نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)) ذكر أشياء غير اللبن منافع وأكل ولبن فهذا يشمل الإناث والذكور كلها، منافع كثيرة ليست خاصة بالإناث إذن صارت أكثر صار لبن وغير لبن إذن كثرت فاستعمل التأنيث للكثرة فقال (مِّمَّا فِي بُطُونِهَا) استعمل ضمير الإناث لأن العدد أكثر. يجوز أن يقال (في بطونه) للأنعام على زنة (أفعال) يجوز التذكير والتأنيث.
سؤال: (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) الحجر) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) الشعراء) ومرة ينحتون الجبال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا (74) الأعراف)؟ فمتى نستخدم (من) ومتى لا نستخدمها؟
نقرأ الآيتين إحداهما في الأعراف والأخرى في الشعراء، قال في الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) هؤلاء قوم صالح، في الشعراء قال (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)) نلاحظ في الأعراف مذكور فيها التوسع في العمران (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) بينما في الشعراء الكلام عن الزرع وليس عن البناء، الكلام يدل على الزراعة أكثر (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)) إذن في الأعراف السياق في العمران أكثر وفي الشعراء السياق في الزراعة فلما كان السياق في الأعراف في العمران ذكر (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) ذكر القصور وقال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) كأنها كل الجبال ينحتونها بيوتاً فتصير كثرة بينما لما كان السياق في الشعراء عن الزراعة قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)) صار أقل (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ) أقل من (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) لذلك قال في آل عمران (فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) إذن التوسع في العمران في الأعراف أكثر فلما كان التوسع في العمران أكثر جاء بما يدل على التوسع قال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) ولما لم يكن السياق في التوسع في العمران قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)).
سؤال: (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي (150) الأعراف) ما دلالة النون الثانية في يقتلونني؟
هذا التعبير هو في الأصل، الفعل مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والنون الثانية نون الوقاية، أصله يقتلون والنون للوقاية والياء ياء المتكلم، (يقتلوني) هذا التعبير ليس هو الأصل لكن هذا التعبير الطبيعي.
سؤال من المقدم: ماذا عن تشهدون في الآية (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل)؟
هذا منصوب لأن (حتى) ناصبة، أصلها حتى تشهدوني نون الفعل المضارع محذوفة وبقيت نون الوقاية، ولو حذفت (حتى) تقول تشهدونني، (حتى) منصوب بنفسه أو بأن مضمرة، حذفت النون للنصب والنون الموجودة هي نون الوقاية وليست نون الفعل لأن (حتى) ناصبة.
سؤال: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا (155) الأعراف) ما إعراب (سبعين رجلاً)؟
إعراب (سبعين رجلاً) يقدرها النحاة تقديرين مشهورين إما التعبير كله على نزع الخافض يعني إختار موسى من قومه فتصير (سبعين) مفعول به، هذا هو الأصل عندهم (اختار موسى من قومه سبعين رجلاً) فحذفنا (من) (منصوبة على نزع الخافض) صارت (اختار موسى قومه) هذا أمر أو بَدَل يعني اختار موسى سبعين رجلاً يعني سبعين رجلاً بدلاً من قوم (بدل من جزء) وأنا أظن هذا لأن الرأي الأول عند جمهور النحاة ليس قياساً لأن نزع الخافض له شروط معينة غير متوفرة هنا.
استطراد من المقدم: في الحلقة المنصرمة ونحن نتحدث عن جماليات اللغة العربية إذن تعلم اللغة العربية ليس سهلاً؟
الأساسيات من السهولة فعلها، وما نقوله للمتخصص أما الأساسيات أذكر أنه لما كنا في الصف السادس الابتدائي كل دورتي أذكر أن ما أخذناه لم نحتج إلى أي موجِّه لنا في التعبير العام إلى الكلية، لم نحتج إلى من يصحح لنا العبارة، كل الدورة لم يحتج أحدنا لمن يصحح له، المقرر نفسه كان يفي بالغرض العادي، من السادس ابتدائي إلى الكلية لم ندرس أحكام كثيرة درسنا الأساسيات أما في الكلية فدرسنا الأحكام هذا للمتخصص. إذن الأساسيات كالرفع والنصب تعلمها سهل هذا بالنسبة للمتكلم يحتاج إلى الأساسيات أولاً ثم إذا أراد الاختصاص يتعلم ويتعمق كأيّ علم.
استطراد من المقدم: لكن هي في النهاية علم يُحترم ويُرهب الجانب أيضاً في تحصيله وليس من السهولة بمكان هو علم له ضوابطه وأصوله، تعلم العربية علم مثل أي علم موجود.
سؤال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال) ما دلالة خاتمة الآية؟ وفي البقرة (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192))؟
السياقان مختلفان، نقرأ الآيتين حتى تتضح: في البقرة قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)) في الأنفال قال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)). الأولى في قريش واضحة لأنه قال (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، الأخرى عامة ليست خاصة بقريش الكلام عموم ولذلك قال (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) بينما في قريش قال (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) لم يقل (كله)، (كله) للتوكيد يفيد العموم والشمول إذن فيها آكد وإلا ما كان يأتي بالتوكيد، إذن جاء بما يدل على الشمول لما كان الكلام على الشمول والعموم عموم الكافرين، إذن هذه مسألة السياق. وقال في البقرة (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) بالماضي وفي الأنفال قال (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) هذه أقرب وقتالهم كان أسبق، ما قال في البقرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) لم يضع احتمال التولي لأنهم سيصبحوا مسلمين، لم يضع احتمال (وَإِنْ تَوَلَّوْا) في البقرة وإنما وضعها في الاحتمال الثاني (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، لم يقل (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) في البقرة، هذا أوضحه في الإحتمال الآخر، إذن سياق البقرة في قريش لم يضع احتمال إن يتولوا أو إن يعودوا، هذا الاحتمال وضعه في الأماكن الأخرى، ولذلك قال في البقرة (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) لأنهم سيدخلون في الإسلام، لكن في الآخرين قال (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)) هو تحسُّب لما سيفعلون في المستقبل لم يضع التحسب في قريش، فكل واحدة في سياقها، التحسب له احتمالات في هؤلاء غير الاحتمالات في غيرهم كل واحدة لها احتمالاتها فخالف الاحتمالات وزاد كل واحدة بحسب احتمالاتها كل واحدة في مكانها.
استطراد من المقدم: إذن لا كلمة زائدة في القرآن الكريم؟
لا طبعاً.
سؤال: (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (68) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73) التوبة) ما دلالة استخدام جمع الكفار بدل الكافرين؟
أولاً كافر جمع صفة، جمع الصفات جمع سالم يقولون يقربها من الفعلية (الحدث) وجمع التكسير يقربها إلى الإسمية. لو ضربنا مثلاً لو قلت دخلنا الدائرة فوجدنا الكُتّاب غير كاتبين، كُتّاب غير كاتبين، إذن كتاب يراد بها الأشخاص (إسمية) وكاتبين يراد بها الحدث، فالحدث عبّر عنه بجمع المذكر السالم. (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ (35) الأحزاب) لم يقل والحفظة، الذين يحفظون فروجهم. مثلاً تقول “دخلنا المحكمة وجدنا الحُكّام حاكمين ومنصرفين”، الحُكّام الأشخاص وحاكمين الحدث، هكذا قرر الأولون أن الجمع السالم يقربه من الفعلية الحدث ويبعده عن الإسم وجمع التكسير يقربه للإسم، كفار جمع تكسير وكافرين جمع مذكر سالم، فلما قال (جَاهِدِ الْكُفَّارَ) يعني هؤلاء أشخاص ولو قال كافرين سيقربه للفعلية الحدث، هذا أعم. إضافة إلى أنه عندنا قاعدة جمع المذكر السالم إذا كان هنالك معه جمع تكسير فهو يدل على القِلّة يعني كُفّار أكثر من كافرين، ثم كُفّار فيها عنصر المبالغة الذين يكفرون بكثرة، إذن أقرب للمبالغة. فإذن هنالك أمران بين جمع السالم وجمع التكسير، الجمع السالم يقربه من الحدث، يقربه من الفعلية وجمع التكسير يبعده عنه ولذلك الإعمال هو يُعمله بالجمع السالم عندما يأخذ مفعولاً به في الغالب يكون الجمع السالم (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) لم يقل الحفظة مع أنه وارد هو جمع لكن ليس فيه معنى الحدث وما يود التركيز عليه هنا الحدث في الكافرين الحدث وفي الكفار يركز على الأشخاص، الحكام غير حاكمين، سواق غير سائقين سواق هم الأشخاص وسائقين الحدث، إذن كفار أشخاص وكافرين الحدث.
سؤال: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران) (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) آل عمران) ما دلالة الاختلاف بين كلمتي ولد وغلام؟
هذا في آل عمران يتكلم عن سيدنا زكريا وعن السيدة مريم. قال في سيدنا زكريا (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران) الملائكة قالت (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) يحيى غلام فقال (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ). في مريم قال (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) ما قال بغلام قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) هنا قال (يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) ولم يقل بيحيى أو سمّى، الكلمة هي أعمّ والولد أعمّ من الغلام لأن الولد يشمل الذكر والأنثى، البنت يقال لها ولد، هم يعتقدون أن الملائكة بنات الله فيقولون (وَلَدَ اللَّهُ (152) الصافات) الولد للذكر والأنثى. (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) الولد أعمّ من الغلام لأنه قال (بِكَلِمَةٍ) لأن الكلمة عامة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) فلما كانت الكلمة عامة جاء بما هو أعمّ وهو (ولد) ولما خصّص الإسم وسمّاه خصص. الأولاد يقال للذكر والأنثى، الأبناء للذكور، البنات للإناث والأولاد عامة. قال (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ (141) الأعراف) لم يقل أولادهم. (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) ذكور وإناث وليس فقط الذكور، الأولاد عامة والأبناء ذكور والبنات إناث والغلام ذكر فهي في سياقها. لما سمّاه يحيى قال غلام ولما قال (بكلمة) عمّم وقال ولد وهي أعم.
استطراد من المقدم: ولو قالت غلام إذن يكون هناك خلل في السياق؟ إذن القرآن الكريم كل كلمة في مكانها لا يصح أن نبدل كلمة بكلمة؟
لو قالت غلام لا يكون هناك ملاءمة كهذه الملاءمة الآن. أكيد كل كلمة في مكانها قد يكون المعنى العام لكن من الناحية البلاغية لا والقرآن جاء بالناحية البلاغية جداً لا يمكن أن نضع كلمة مكان كلمة.
سؤال: في لفظة (كذابا) في سورة النبأ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) لماذا جاء بالمصدر كذابا ولم يأت تكذيب مع أنه ورد في سورة البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) فهل لهذا أثر في المعنى؟
الكِذّاب هو مصدر معناه التكذيب المفرط كما هو مقرر في علم اللغة. الكِذّاب مصدر معناه التكذيب والكذب، كِذّاب مصدر كذب ومصدر كذّب. مصدر كذّب القياسي تكذيب على تفعيل هذا القايس مثل علم تعليم سلم تسليم، كلم تكليم، هذا القياس لكن أيضاً شاع في فصحاء العرب موجود الكِذّاب وهو التكذيب المفرط وليس فقط التكذيب وإنما الزيادة في التكذيب والمبالغة في التكذيب. لما تقول فلان يكذِّب كِذّاباً أو يقضي قضّاءاً ويفسر فساراً يعني فيها إفراط. (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) كذاباً يعني تكذيباً مفرطاً. عرفنا الكِذّاب أنه تكذيب مفرط إذن لِمَ قال في البروج كذابا؟ إذا كان هو تكذيب مفرط لماذا جعل هنا كذاب وهناك تكذيب؟ نقرأ السياق حتى تتضح المسألة (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) في البروج قال (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) نلاحظ لماذا زاد في المبالغة؟ أولاً في البروج قال فرعون وثمود ولم يذكر شيئاً آخر، في النبأ ذكر الطاغين وأنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً جاء بمفعول مطلق مؤكد وجاء بـ (كِذَّابًا)، لما زاد على ما في البروج في التفصيل في الكفر زاد في الوصف، هذا أمر ولما بالغ في الوصف (كِذَّابًا) وأكد زاد في العذاب فقال (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) النبأ) لما زاد في الوصف زاد في العذاب. لا نفهم أن (كِذَّابًا) جاءت فقط ملائمة للفاصلة، صحيح هي جاءت متلائمة مع الفاصلة لكن من الناحية البيانية هذا أبلغ بكثير، ذكر هنا صفات لم يذكرها هناك. ليس هذا فقط وإنما قال في البروج (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)) (فِي تَكْذِيبٍ) يعني ساقطون في الكذب يعني في مثل اللجة يعني الكذب محيط بهم فقال (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) التكذيب محيط بهم والله محيط بالجميع. في آية في النبأ قال (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)) الكلام عن الجنة، يمكن أن يسأل أحدهم سؤالاً يقول الكذاب هو التكذيب المفرط فهل يمكن أن يسمعوا الكذب القليل؟ كِذّاب مصدر كَذَب ومصدر كذّب، كَذَب كِذّاباً وكذّب كذّاباً في اللغة لا يسمعون فيها لغوا ولا كذاباً لا كذباً ولا تكذيباً جمع المعنيين بمصدر واحد، وكأن الإتيان بالمصدر لنفي المعنيين، هم فعلاً لا يسمعون فيها كذباً ولا تكذيباً، لا قليل ولا كثير، فبدل أن يقول لا كذباً ولا تكذيباً جاء بمصدر يدل على المعنيين فجمعهما.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/8/2008م
2009-01-23 22:27:33الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost