الحلقة 149
سؤال: ما الفرق بين الآيتين (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس)؟
السائل يسأل عن آيتين الأنعام (37) ويونس (20). آية الأنعام (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) وفي يونس (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس) قال في الأنعام (لولا نُزِّل) وفي يونس (لولا أنزل). عندنا فعّل وأفعل ونحن نعرف أن فعّل التنزيل هو أشد وآكد (فعّل) مثل وصّى وأوصى فيها مبالغة وشدة وتكثير وعلّم وأعلم وكرّم وأكرم، كرّم أكثر. فإذن معنى ذلك أن الكلام في يونس التنزيل على ما هو أشد هكذا طبيعة اللغة. معنى ذلك أن السياق في الأنعام في التنزيل هو أشد وآكد مما هو في يونس. ننظر في السياق لنرى هل هو فعلاً آكد أم لا؟ قال في الأنعام (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء. قال في يونس (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)) لا نفق في الأرض ولا سلم في السماء. إئت بقرآن غير هذا (ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)) أيّ الآيات الملجئة أشد ما ذكر في الأنعام أو ما ذكر في يونس؟ ما ذكر في الأنعام يؤكد أكثر (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) هذا شديد. واضح أن مسألة التنزيل وما يطلبونه من الآيات الملجئة في الأنعام أشد فاقتضى أن لا يستوي الأمران.
سؤال من المقدم: أحياناً يستخدم القرآن نَزَل؟ ألا تدل على طبقات عالية أعلى من طبقات فيكون نزل من درجة إلى درجة ونزّل وأنزل؟
نزل هو نزل بنفسه. أنزله هناك منزِل يعني تعدية إما بالهمزة أو بالتضعيف. لا يقتضي تغيّر مكاني هو كله نزول من مكان عالي ولا يختلف الارتفاع باختلاف الفعل، نزل من مكان عالي وأنزل يعني هناك من أنزله من مكان عالي وكذلك نزّل ولكن هناك الفرق بين الصيغتين مثل موّت وأمات، (فعّل) فيها شدة أو تكثير أو مبالغة يقولون موتت الإبل لا يقولون موّت الجمل بمعنى كثر فيها الموت، يقولون ماتت للقليل والكثير مات قد يقال للواحد مات الجمل مات البعير، موّتت للتكثير يعني كثُر فيها الموت.
سؤال من المقدم: يقولون هذا فعل مجازي لأنه لم يمت من تلقاء نفسه ولكن الله أماته؟
هذا شيء آخر لأن الفاعل في اللغة ليس هو الذي يفعل الفعل وإنما الذي أُسند إليه الفعل هو الفاعل. القول أن الفاعل هو الذي فعل الفعل هذا ليس في النحو أصلاً ولا يمكن أن تجد هذا في كتاب نحو. الفاعل ما أسند إليه فعل أصليّ الصيغة أو ما ناب عنه يعني الوصف وغير ذلك. نحن نعلِّم في المدارس الابتدائية الأولية للصغار أن الفاعل هو الذي فعل الفعل لكن في النحو لا يمكن أن تجد في النحو أن الفاعل هو الذي فعل الفعل لا يمكن، هذا ما درسناه في الابتدائية وبقي في أذهاننا أنا في النحو فالفاعل هو الذي أسند إليه فعل أصليّ الصيغة يعني ليس مبنياً للمجهول أو ما قام مقامه من وصف أو غيره مقدّماً عليه.
سؤال: ما الفرق بين الآيتين (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (77) المائدة)؟
آية النساء قوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) في المائدة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(77) المائدة) لماذا قال هنا (إلا الحق) وفي الثانية (غير الحق)؟ آية النساء في القول (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171)) في المائدة ليس في القول هو قال (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) ما قال لا تقولوا، أصلاً لا يصح في المعنى أن يقول لا تغلوا في دينكم إلا الحق، لا تغلوا في دينكم إلا الحق معناه أن من الغلو يكون حقاً والغلو لا يكون حقاً، لا تغلوا في دينكم إلا الحق معناه أن قسم من الغلو فيه حق معناه استثنى، إذن معنى أن من الغلو ما هو حق والغلو قطعاً ليس حقاً والغلو معناه مجاوزة الحد. (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) هذه صفة مؤكدة مفعول مطلق (غلواً غير الحق)، أو قد يكون حال من ضمير الفاعل لكن مغالين لكن ذاك استثناء لأنه قول منه حق ومنه باطل لكن الغلو لا يكون فيه حق، هو مجاوزة الحد فكيف يكون حقاً؟! (لا) هنا ليست أداة استثناء ولا يمكن وضع آية مكان آخرى.
سؤال من المقدم: إذا فهمناها ولا تقولوا على الله؟
هذا أمر آخر، يجوز أن يقال خارج القرآن لا تقولوا على الله غير الحق لكن لا يمكن أن يقال لا تغلوا في دينكم إلا الحق.
سؤال: ما الفرق بين الآيتين (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الأعراف) (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) يونس)؟
نقرأ الآيتين الأولى (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الأعراف) والثانية (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) يونس). ما هو الاختلاف؟ لاحظ في آية الأعراف قدّم (بِآَيَاتِنَا) قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) قدّم (بِآَيَاتِنَا) على قوله (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)، في يونس قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا) قدّم (إلى فرعون وملئه) على (بِآَيَاتِنَا) هذا هو الإشكال. هذا الإشكال في التقديم والتأخير هنا تقديم الآيات على فرعون ملئه وهناك تأخير الآيات على فرعون وملئه. طبعاً التقديم والتأخير معلوم أنه بحسب الأهمية في السياق وليس الأهمية للذات وإنما في السياق. نحن نعرف قد يقدم المفضول على الفاضل كما ذكرنا سابقاً يقدم ما هو الأفضل أو ما هو المفضول. ابتداء لو طالب في البلاغة يقول أيّ الأهم من دون السياق حسب القاعدة التي يعرفها أنه يقدم الأهم نسأله أيّ الأهم في الأعراف؟ سيقول (بآياتنا) وأيّ الأهم في يونس؟ يقول (إلى فرعون وملئه)، إذن هذا حكم. هل هذا ينطبق على السياق؟ الحكم العام واضح تقديم ما هو أهم، هنا قدّم الآيات وهنا أخّرها. نلاحظ في آية الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وملئه يعني ماذا فعل قال (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)) ثم ذكر إلقاء العصى أمام السحرة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117))، في يونس لم يذكر أنه ألقى العصى قال (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)) ولم يذكر تفصيلاً لما حدث. حتى أمام السحرة هناك ذكر (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)) أما في يونس فلم يقل وإنما قال (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)) إذن لم يذكر آيات ولم يفصلها أما في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وأمام السحرة فأيّ الأهم؟ عندما يذكر الآيات قدّمها في الأعراف بينما في يونس أخّرها لأنه لم يذكرها حتى تلاءم السياق العام هذا قانون البلاغة فناسبت ما واحدة، لا يقال الكلام تغير أو الأسلوب اختلف، هذا كلام عام لكن ضعها في سياقها يتضح الأمر. في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون والسحرة بينما في يونس لم يذكر الآيات.
استطراد من المقدم: عندما نزل القرآن عندما تحداهم الله تعالى هل كان المقصود أن يُعمِلوا عقلهم في فهم النص القرآني ويأتوا بمثله؟ وهل مطلوب منا أن نُعمِل عقولنا ونفهم الآيات والتراكيب أو أن نفهم نظم القرآن؟
كل واحد بحسب طاقته وبحسب ما يريد أن يفهم هو، نحن لسنا مكلفين إلا بالأوامر والنواهي ولسنا مكلفين بما وراء ذلك. (أفلا يتدبرون القرآن) كل واحد بما أوتي فالعامي يكتفي بالتدبر العام ولكن إذا واحد رصد نفسه لهذا الأمر فعليه أن يُحكِم الآية إذا كان الغرض من ذلك أن يفهم الأمر من هذا الجانب فعليه أن يُحكم الآية. ثم أعتقد أن هذا من باب فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين حتى تقوم الحجة على الآخرين وفي اعتقادي وأنا لست فقيهاً أنه لا بد أن يكون هنالك جماعة يتفقهون في هذا الأمر حتى إذا أثيرت شبهة أو أثير كلاماً يردوا إذن هذا فرض كفاية وهكذا يبدو لي والله أعلم.
سؤال من المقدم: ما ثبت أنا أياً من رؤوس وصناديد الكفر اعترض على آية من آيات القرآن؟
بالعكس كانوا يؤخذون به ويأتون في الليل ليستمعوا له.
سؤال: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21) الكهف) على ماذا تدل جملة (غلبوا على أمرهم)؟ من هم الذين غلبوا على أمرهم؟ هل تدل على الهداية أو على الضلالة؟
هم أصحاب الشأن الولاة أو الحكام إذا أرادوا أمراً فعلوه. الضمير في (أمرهم) للرعية. هذا قصد تعظيمهم.
سؤال: ما الفرق بين ثلة وقليل؟
الثلة الجماعة الكثيرة والقليل قليل، لذلك ذكرها في السابقين في سورة الواقعة. أصحاب اليمين ثلة وثلة (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)) لكن في السابقين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14)). ثم قسم يقولون في أمة كلّ نبي في صدرها ثُلة وما بعدهم يكونون قلة وبالنسبة للأمة الإسلامية على هذا القياس ويبدو لي والله أعلم أن الثلة هم جماعة “خير القرون قرني” والقلة بعد هذا العصر. الثلة في خير القرون وما بعدهم قليل اللهم اجعلنا من هذا القليل.
سؤال: مطلع سورة التحريم ورد فيها فعل نبأ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)) ثلاث مرات وردت نبّأ ومرة وردت أنبأ فما اللمسة البيانية في هذا؟
السؤال في آية التحريم (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)). نبّأ يقتضي التنبيء أكثر من أنبأ مثل علّم وأعلم، أعلم مرة واحدة لكن علّم يقتضي وقتاً علّمته النحو. إذن التنبيء وقته أو ما يُذكر فيه أكثر من أنبأ مثل علّم وأعلم. إذن نبّأ أكثر، هو قال (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) قالت (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) يعني بهذا الجزء؟ ليس كله، لو قالت من نبّأك؟ يعني كله، هو قال (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) يعني كله نبّأه به ربه. قال (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ) أعرض يعني لم يذكره ما أراد أن يحاسبها حساباً عسيراً فذكر قسماً منه وأعرض عن الباقي ذكر جزءاً من الحديث إذن هو أنبأها جزءاً الإنباء أقل من التنبيء هي قالت (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) وهو قال (نَبَّأَنِيَ) نبّأني كله لم ينبئها بكل ما حدث مع علمه به وإنما أنبأها بجزء فقالت (مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا) لأنه جزء والإنباء أقل من التنبيء مثل علّم وأعلم.
سؤال: ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس)؟ ولماذا اختلف الترتيب مع آية سورة المعارج (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14))؟
السؤال قديم جداً. في عبس قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس)، وفي المعارج (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)) عكس الترتيب. أولاً في عبس قال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) إذن هو مشهد الفرار وليس مشهد العذاب مشهد الفرار يخلو بنفسه والفرار عادة يكون من الأباعد ثم ينتهي بالأقربين. المذكورون هم الأخ والأم والأب والصاحبة أي الزوجة والأبناء، الأبعد هو الأخ قد نكون في مدينة واحدة ولا يرى أحدنا أخاه لسنة بينما يأوي الإنسان كل يوم إلى بيته وزوجه وأولاده. الأب أقدر على الدفع من الأم، الأم تبكي وتصرخ بينما الأب يعين ويدفع وينفع هذا مشهد فرار فلكون الأم لا تستطيع أن تفعل له شيء فهي أبعد من الأب في هذا المشهد هو يحتاج إلى الإعانة فالأب قريب للنجدة، الأعرابي إذا ما بُشّر بمولودة قال والله ما هي بنعِم الولد نصرُها بكاء وبِرُّها سرقة، تريد أن تنصره تبكي وبرها صدقة تأخذ من مال زوجها وتعطي. الأب أقدر على المنع والدفع في الفرار. ثم الصاحبة والأبناء، الأبناء أقرب من الزوجة لأن الزوجة يمكن أن يطلقها لكن الأبناء أقدر على الزوجة من النفع والإعانة قد يستعين بأبنائه ولا يستعين بالزوجة. فلما كانت الآية تصور مشهد الفرار والفرار يكون من الأبعد إلى الأقرب فأبعدهم الأخ وأقربهم الأبناء فرتبها هكذا. في آية المعارج مشهد آخر، هذا مشهد عذاب، مجرم أدركه الجزع والأمر ليس فيه مساومة فأراد أن يفتدي بأثمن ما لديه. أولاً ربنا قال مجرم والمجرم يود النجاة بكل سبيل ويضحي ببنيه لأنه يصنع أيّ شيء. ذكر القرابات (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)) فبدأ بأقرب القرابة ثم ربنا قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)) فبدأ بالأقرب. لكن الملاحظ أنه ذكر الأخ والأبناء والصاحبة ولم يذكر الأب والأم في الفداء لعظيم منزلتهما عند الله لا يجرؤ أن يفتدي بهما لأنه عندما يفتدي الشخص يفتدي بمن يحبه الشخص المقابل صاحب الشأن. لو أراد شخصاً أن يفدي نفسه عند حاكم يفتدي بما يريده الحاكم لا بما يرضيه هو فلو افتدى بهما يقال له: هذا ما وصيتك به؟! تفتدي بهما وأنا أوصيتك بالإحسان إليهما وأنت تضعهما في النار؟!، لا يجرؤ مع أنه مجرم أن يفتدي بأبيه وأمه لعظيم منزلتهما عند الله لا يستطيع أن يقول أنا أفتدي بأمي وأبي، يقال له تعصي أمري الآن؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/9/2008م
2009-01-23 22:21:03الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost