الحلقة 184
إجابة على أسئلة المشاهدين
المقدم: في سورة المائدة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)) وعكس هذا الترتيب في سورة الفتح (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (14)) فلماذا إختلف الترتيب؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. السؤال كان في آيتين إحداهما في المائدة والأخرى في سورة الفتح. آية المائدة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40))، في الفتح (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (14)) السؤال عن سِرّ التقديم والتأخير مختلف في الآيتين. في سياق آية المائدة التي قدّم فيها قال (يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء) سياقها في قُطّاع الطرق والمحاربين لله ورسوله والسُرّاق فكان تقديم التعذيب أولى، وردت بعد قوله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)) قدّم القتل على الإحياء فقدّم العذاب على المغفرة. بعد الآية قال (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) هذه عذاب. أيضاً قبل الآية قال (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)) أول مرة العذاب ثم التوبة والمغفرة. إذن السياق واضح في تقديم العذاب على المغفرة والسياق ليس كذلك في آية الفتح.
——–فاصل——–
د. فاضل: ذكرنا سبب تقديم التعذيب على المغفرة في آية المائدة. في الفتح ليس في هذا السياق. ثم ناسب ختام الآية (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (14)) (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ناسب تقديم المغفرة. إذن السياق هو الذي رجّح أو جعل تقديم العذاب في آية المائدة أنسب وتقديم المغفرة أنسب في آية الفتح.
سؤال: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) ما الفرق بين الإستماع والإنصات؟
د. فاضل: الإنصات هو السكوت مع ترك الكلام، الاستماع الإصغاء، وقيل معناه “اعملوا بما فيه لا تتجاوزوه”. الإصغاء تصغي إليه وتعمل بما فيه.
المقدم: أليس الإنصات أيضاً إصغاء؟
د. فاضل: الإنصات سكوت مع ترك الكلام، تسكت. الإصغاء تنتبه إليه، تتدبر ماذا يقول لك؟ تصغي ماذا يقول؟ ذاك سكوت. الإنصات سكوت مع ترك الكلام
المقدم: الاستماع إصغاء وتدبر.
د. فاضل: قالوا أيضاً هو المطلوب فيه العمل عدم التجاوز إستمع لهذا يعني إعمل فيه، كأنما يقول لك إسمع واعمل بما يقول لك، إستمع له.
المقدم: حتى في السياق القرآني (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) ق) كيف نعمل بما ينادي المنادي؟.
د. فاضل: الاستماع هو الإصغاء، تصغي.
سؤال: (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44) الأنفال) ما دلالة ترجع في الآية؟ مع من كانت الأمور حتى ترجع إلى الله؟
د. فاضل: معناه ينظر فيها ويقضي فيها كما نقول الأمور ترجع إلى قضائه وحكمه لا غيره، كما نقول الأمر راجع إلى المدير يعني هو الذي يقضي فيه ولا يعني أنه كان في مكان ورجع له. تطلب مسألة فتقول هذا الأمر راجع للمسؤول يعني هو الذي يقضي فيه هو الذي يحكم فيه. ترجع الأمور يعني هو يقضي فيها ليس أنها كانت في مكان ورجعت.
سؤال: ما الفرق بين يغفر ويعفو ويتوب ويصفح ويسامح؟
د. فاضل: العفو هو ترك العقوبة، تعفو عنه تترك العقوبة، المغفرة ستر الذنب تستره،
المقدم: العفو لا يحتمل ستر الذنب؟
د. فاضل: ليس بالضرورة. المغفرة ستر، من غفر الشي أي ستره. الصفح ترك اللوم، ترك التثريب وهو أبلغ من العفو قد يعفو الإنسان ولا يصفح وإنما يثرّبه يلومه ويعفو عنه، أما الصفح فلا ولذلك قال تعالى (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ (109) البقرة) (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر) قد يعفو الإنسان ولا يصفح، بل يعفو ويلومه ويعنفه ويعفو عنه لا يعاقبه. إذن فرق بين العفو والصفح، العفو ترك العقوبة الصفح ترك اللوم والتثريب. التوبة يقولون ترك الذنب، الاقلاع عن الذنب مع الندم والعزم على عدم العودة، والسماح هو المساهلة، المسامحة هي المساهلة في اللغة. هذه هي الفروق بين هذه المعاني التي هي متقاربة فيما يبدو.
سؤال: ما الفرق بين الذنب والمعصية والسيئة والإثم والفحشاء والفسوق والضلال والإسراف؟
د. فاضل: الذنب الكبائر كما يقول أكثرهم (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا (193) آل عمران) والسيئة الصغائر لذلك يستعمل المغفرة مع الذنب والتكفير مع السيئة. المغفرة يعني تستر الذنب والتكفير من كفر أي غطّى، لاحظ أيضاً المِِغفَر الذي يلبسه الإنسان في الحرب يستر، التكفير هو تكفير البدن، المغفرة هو ما يمنع الضر، يقي الإنسان تحديداً، هو يقي الإنسان معناه أن الأمر الكبير يحتاج إلى مغفرة والصغير لا يحتاج إلى مثل هذا. فإذن استعمل ربنا التكفير مع السيئة لأنها أقل والمغفرة مع الذنب لأن الذنب قد يأتي بإيذاء أكبر. يقولون الذنوب هي الكبائر والسيئات هي الصغائر. الإسراف السرف هو تجاوز الحد في كل فعل في الإنفاق أو غيره، تجاوز حد من الحدود إسمه إسراف (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ (31) الأعراف) في الأكل، في كل شيء. الضلال ما يقابل الهدى، العدول عن الطريق المستقيم. والعصيان الخروج عن الطاعة يأمرك فتعصي (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه) المعصية خروج عن الطاعة، غير معنى. الفحشاء هو ما عظم قبحه من الأفعال والأعمال. الفسوق من فسقت الرطبة ما خرج عن الطريق لكن الملاحظ أن القرآن الكريم من عادته أن يفرق في الاستعمال بين الفسق والفسوق، ليس في اللغة وإنما هذا التفريق من خصوصية الاستعمال في القرآن.
المقدم: في اللغة لا تفرق بينهما
د. فاضل: القرآن من عادته أن يفرق بين الخسر والخسران والخسار ويفرق بين المغفرة والغفران ويفرق بين الفسق والفسوق. الفسق ورد في سياق الأطعمة وخاصة في الذبائح لم ترد كلمة الفسق إلا في الذبائح (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ (3) المائدة)، سياق الأطعمة (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (145) الأنعام) (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (121) الأنعام) أما الفسوق فهو عامّ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة) (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (282) البقرة) (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) الحجرات) إذن الفسوق أعمّ كأنه لما كان البناء أطول (فسوق) من (فسق) جعله أوسع يعني ناسب بين بناء الكلمة والدلالة.
المقدم: لكن المعنى العام أو المعنى اللغوي العام هو الخروج عن الطريق، أصلها من فسقت الرُطَبة خرجت من قشرتها، (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) يعني خرج عن أمر ربه. الفسق هذه كلمة كبيرة إذن.
د. فاضل: أعم من الكفر يشمل الصغير والكبير، الكافر هو فاسق، المشرك فاسق، الذي يترك شيئاً من الدين هو فاسق، عمل شيئاً من المحرمات هو فاسق سواء كان قليلاً أو كبيراًً، إذن الفسق أوسع
المقدم: لكن ليس بالضرورة أن يكون خارج من المِلّة مثل الشيطان،
د. فاضل: لا،
المقدم: مثل إبليس خرج من المِلة وليس بالضرورة كل من فسق يخرج من المِلّة، يقولون بحسب الذنب الذي نصنعه، حسب العمل.
د. فاضل: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) لا يخرج من المِلّة.
سؤال: (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) الأنعام) ما الفرق بين يخرج ومُخرِج من حيث الدلالة واللمسة البيانية؟
د. فاضل: في أكثر من مناسبة ذكرنا الفرق بين الإسم والفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد. (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) أبرز صفات الحيّ هو الحركة والميّت هو الهمود والسكون على حالة واحدة.
المقدم: فاستخدم يُخرج مع الحيّ
د. فاضل: والميت مخرج لأن فيه همود حالة، فيه ثبات واستقرار. لما يستمر في ذكر الآية (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) الأنعام) (فالق) إسم مثل مُخرج و (جعل) فعل لم يجعلهما على نمط واحد.
المقدم: مع أنه قال (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا (1) فاطر)
د. فاضل: هي بحسب السياق الذي ترد فيه. لو لاحظنا (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) حتى تكتمل الصورة، (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) هل ذكر أحداً ينتفع بفلق الإصباح؟ لا لم يذكر وإنما فالق الإصباح سواء كان هناك منتفع أو لم يكن. (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) سكن لمن يسكن إذن هناك منتفع، سواء من البشر أو من الحيوان (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) لم يذكر منتفع. (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) حسباناً لمن يحسب إذا لم يكن هناك من يحسب فهي ليست حسباناً لأحد. أيّ الأثبت والأدوم والأشمل؟ فالق الإصباح لأنها مطلقة سواء كان هناك من ينتفع أو لم يكن، إذن هي أدوم وأثبت فجعلها بالإسم. لما حدد من ينتفع أو يستفيد كونه سكن أو حسبان إستخدم الصيغة الفعلية (جعل)
المقدم: سؤال جانبي من أين تأتي هذه الخطرات الجميلة؟ قلت في بداية كلامك هناك من ينتفع وليس هناك من ينتفع هل في الإسم أو الفعل ما يدل على من ينتفع أو لا ينتفع؟
د. فاضل: لا، نحن نقرر أيّ الأثبت، الملاحظ أي الأثبت والأدوم. عندما ننظر أيّ الأثبت والأدوم سننظر كيف يكون أثبت وأدوم؟
المقدم: بداية نظر حضرتك الصيغة الموجودة أن هذا إسم وهذا فعل.
د. فاضل: كيف نعرف أي الأثبت؟ لو هلك الخلق والناس سيبقى الإصباح لكن السكن لا يبقى لا يوجد أحد يسكن ولا أحد يحسب. إذن الإصباح أدوم. قبل الخلق الإصباح باقي لكن ليس هناك من يسكن فإذن الإصباح أثبت. نحن ننظر أصل الصيغة ثم ننظر متعلقاتها وما يدل عليها.
المقدم: بهذا المنطق نقرأ كلمات القرآن الكريم في سياقاتها حتى نستبين الفروقات الدلالية واللمسات البيانية الموجودة بين كل آية وأخرى. ليست النظرة على العموم والإطلاق هكذا أن الله سبحانه وتعالى فلق الإصباح وجعل الليل سكناً هكذا، هنالك دقة مقصودة في حدّ ذاتها في آي القرآن.
د. فاضل: نعم، حتى لو لاحظت هذه الاية (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) في آية آل عمران (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ (27)) جاءت (تخرج) بالفعل لأنها في سياق التغيير وليست في سياق الثبات أما هناك (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) بدأ بالإسم.
المقدم: لم يقل فلق الحب والنوى، إستعمال الإسم أدوم وأكثر استقراراً من الفعل والفعل فيه تجدد وحدوث
د. فاضل: فلما كانت آية آل عمران في سياق التغييرات جعلها كلها بالأفعال، السياق هو الذي يحكم.
سؤال: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) الأنعام) ما دلالة (عليهم) وليس إليهم أو لهم؟
د. فاضل: حشرنا عليهم يعني جمعنا عليهم، أقمنا عليهم الحجة. أرسلنا عليهم، بعثنا عليهم. أما (إلى) تفيد الانتهاء. فرق بين (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ (12) آل عمران) هذه يجمعهم، (لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158) آل عمران) ليس القصد أنه ينتهي هكذا وإنما يقيم عليهم الحجة فيصير المعنى جمع عليهم يعني أقمنا عليهم الحجة، كلها جمعناها مواجهة لهم لنقيم عليهم الحجة ليس القصد هو الانتهاء شيئاً فشيئاً. وحشرناهم هم جميعاً، (وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ) يعني تُجمعون.
المقدم: هذا هو المراد بالحشر جذرها الحشر الجمع، يوم الحشر يوم الجمع، (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ (17) النمل)
د. فاضل: يعني جُمِع
المقدم: الحشر لا يعني ضغط الأشياء لكن هو الجمع.
سؤال: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت) يُبدئ الله الخلق فعل مضارع ثم بدأ الخلق ثم الله ينشئ ما هي اللمسة البيانية؟ كيف نفهم اختلاف الصيغة وما الفرق؟
د. فاضل: يبدئ بالمضارع لإفادة التجدد الإبداء والإعادة، في كل سنة يعيد الثمار والنبات في كل سنة يحصل هذا الشيء، دائماً يحصل هذا الشيء. (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ) أنت تنظر في كل ما حولك من المخلوقات كلها فيها إبداء وإعادة. تلك (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) الخلق الأول، عموماً تفكر كيف بدأه الله تعالى؟ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) كيف صنعه من غير مثال سابق ولا مادة؟ ابتدأها أولاً. (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ) هذه في كل عام وفي كل لحظة، في كل يوم تنظر شيئاً يخرجه، يُبدئ الخلق هذه فيها استمرارية في الحياة أما (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) المعنى يختلف. لما تقول فلان أبدأ وأعاد إذا تصرف تصرفاً واسعاً
المقدم: (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أم القصد يبدئ الخلق يعني آدم خلقه ثم يميته ثم يعيده وينشئه؟
د. فاضل: لما قال (كَيْفَ يُبْدِئُ) مضارع فيه تجدد واستمرار
سؤال: ما الفرق بين استخدام آية وآيات (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) العنكبوت) (خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ (44) العنكبوت) ومرة إنها لآية؟
د. فاضل: إذا أخذنا هذه الآية ووضعناها في سياقها هنالك أمران أولاً الإنجاء من النار هذه آية، حطّم الآلهة وعجزت عن أن تفعل شيئاً، هم حرّقوه انتقاماً للآلهة، حطّم الآلهة وكسرها وجعل كبيرهم وقال فاسألوهم إن كانوا ينطقون، هذه آية لهم، لأن الآلهة لم تفعل شيئاً حتى كبيرهم، هذه آية أخرى غير تلك. أولاً ربنا سبحانه وتعالى جعل النار برداً وسلاماً (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) هذه آية عظيمة، ثم استبان عجز الآلهة التي يعبدونها ماذا فعلت؟ هذه آية أخرى لهم. ثم هم ماذا فعلوا لإبراهيم؟ هل قتلوه؟ لا، هو خرج من النار وما استطاعوا أن يقتلوه هذه آية أخرى. النار لم تحرقه وما قتلوه، هذا أمر. أيضاً لو نظرنا في السياق وليس في هذه الآية هي آيات وليست آية واحدة، لو نظرنا في عموم السياق هي وردت في سياق قصة إبراهيم لو قرأنا في سياقها من أولها سنلاحظ (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) هذه آيات، وبعدها قال (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) هذه آية، إلى ما ذكر من قصة إبراهيم لو وضعناها في سياقها هذه وردت في سياق قصة إبراهيم.
المقدم: في قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ليست نهاية قصة سيدنا إبراهيم فقط أم تشمل ما قبله من آي القرآن الكريم؟
د. فاضل: هي في سياق قصة إبراهيم. لكن هو ما قال في هذه فقط آيات وإنما ما ذكر سابقاً، هو لم يحدد هذه وإنما (إِِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ذكر أموراً كثيرة، عدة آيات ذكرها وليست آية واحدة. إضافة إلى أنه لو نظرنا في هذه الآية هي آيات: إطفاء النار هو آية وجعلها برداً وسلاماً هي آية، عجز الآلهة لهم هي آية، عدم إيذاء إبراهيم مع أنه خرج سالماً لم يقتلوه هذه آية فهي آيات وليست آية واحدة.
سؤال: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ (196) البقرة) ما اللمسة البيانية في عشرة كاملة؟ وما المعنى الذي أضافته للآية؟
د. فاضل: الواو قد تأتي بمعنى (أو) في اللغة. نقول: الكلمة إسم وفعل وحرف، لا يمكن أن تكون هي الكلمة هكذا اسم وفعل وحرف، يعني (أو) إذن هذه الواو بمعنى أو، الواو تأتي بمعنى التخيير مثل جالِس الحسن وابن سيرين، يعني هذا أو هذا. فإذن اللغة تحتمل أن تكون للتخيير فحتى يرفع هذا الوهم وهذا الاحتمال جاء بـ (كاملة)
المقدم: قد يتوهم أن (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) ثلاثة أو سبعة، فلما قال (كاملة) جمع
د. فاضل: واللغة تحتمل، فلما قال (كاملة) جمع، لو قال (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) تحتمل واللغة تحتمل. ثم إفادة على أنه لا ينقص شيء فهذا كمال لصاحبه، كمل بها الحج
المقدم: تحتمل أن يكون لفظ الكمال للحج؟
د. فاضل: كمال لصائمه، كمال لهذا الأمر، إكتمل هذا الأمر.
——فاصل——–
سؤال: في سورة النساء الآية 163 (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)) الله سبحانه وتعالى إنتقى 12 رسولاً أو نبياً وذكرهم في الآية وليس فيها إشكال (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ) هؤلاء الأنبياء متسلسلون وإنما تأتي الإشكالية من (وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا). فهمت أنه قّدم عيسى للإهتمام لأنه ذكر قبل هذه الآية بآيات قال (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)) قدّمه سبحانه وتعالى للإهتمام به وأيضاً (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) لكن لماذا قدّم أيوب ويونس على هارون؟ وهارون قدمه على سليمان؟ وأنا لم أجد لا في الصفحة التي قبلها ولا التي بعدها بعد دراسة مستفيضة للسياق أي شيء يقودني إلى أن أفهم لماذا هذا الترتيب. فهل يمكن توضيح اللمسة البيانية في ترتيب هؤلاء الأنبياء وانتقاؤهم؟
د. فاضل: الآية هي (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)) إبراهيم وإسماعيل إسحق ويعقوب والأسباط متعاقبون، هم ذرية. عيسى ذكره من أولي العزم ثم السياق في ذكر عيسى قبل الاية وبعدها (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ (157) النساء) وبعدها (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ (171) النساء) إذن السياق في ذكر عيسى فناسب ذكر عيسى بعد هؤلاء، إضافة إلى أنه من أولي العزم. الآن السؤال فيمن بعد عيسى، أيوب ويونس وهارون وسليمان، كيف صار الترتيب؟ أيوب ابتلاه الله (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء) يونس (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145) الصافات) هذا إبتلاء بالبدن وهذا ابتلاء بالبدن، ألقي أيوب في البر ويونس أُلقي في البحر ثم أُخرج إلى البر، إذن الابتلاء واضح، هذا مسه الضر في بدنه وهذا نبذناه بالعراء وهو سقيم، فيها تناسب. عيسى تعقبوه وأرادوا أن يصلبوه فرفعه الله إليه، إذن هذه كلها فتن ومحن ابتداء من عيسى الذي تعقبوه وأرادوا قتله وأيوب الذي ابتلاه الله ويونس الذي ابتلاه الله. نأتي إلى هارون، هارون إستضعفه قومه وكادوا يقتلونه (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء (150) الأعراف) إذن دخل أيضاً في الفتنة وفي الابتلاء. ما بعد هارون (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ (78) الأنبياء) سليمان خليفة داوود إبنه، وهارون استخلفه موسى (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) طه) هارون مثل لسان الميزان يدخل مع المفتتنين والمعذبين من ناحية الاستضعاف ويدخل مع المستخلفين من ناحية أخرى، فهو لسان الميزان بينهما يجري مع داوود وسليمان لأنه خليفة ووزير أخيه موسى الذي استخلفه بعد أن ذهب ويجري مع الفتنة أنه إستضعفه قومه وكادوا يقتلونه فكان مع المفتتنين، فإذن هو صار حلقة الوصل بين هؤلاء وهؤلاء فكان في موقعه تماماً.
المقدم: هل كان الإسلام بحاجة إلى أن يكون القرآن الكريم بهذه اللغة وهذا البيان وهذا البديع وتلك اللمسات البيانية الموجودة فيه أم كان يكفي مجرد مجموعة من الألفاظ تدل على مجموعة من التعاليم المطلوبة من الله رب العالمين للأرض وتنتهي القضية؟
د. فاضل: كل رسول جاء بآية تبيّن أنه رسول ويعجز الآخرون عن الإتيان بمثله. الرسول r سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن لقومه خاصة ولا لزمن معين وإنما هو لعموم الخلق ولجميع المكلفين إلى يوم القيامة فيحتاج إلى آية أو معجزة تدوم وتبقى. ناقة صالح في حينها وانتهت، كل الآيات هي في حينها، عصا موسى في حينها والأكمه والأبرص في حينها، هذه مستمرة ينبغي أن تكون هنالك آية دالة على صدق الرسول r يعجز الآخرون عنها يعجز المتمكنون منها العرب كانوا متمكنين في الفصاحة، متمكنين في البلاغة، يتنافرون فيما بينهم أنا شعري أفضل من شعرك فجاء بما يتفاضلون به وبما يعلمونه وهي آية مستمرة إلى قيام الساعة لا تنقضي عجائبه، لو كان مجرد رسم كلمات كان كل واحد قال كلمة.
المقدم: ليست مجموعة من التعاليم الدينية والشرعية؟
د. فاضل: مصوغة بأسلوب معجز تبقى آية مستمرة
المقدم: لم تكن هناك أي لغة تعبر عن مراد القرآن الكريم؟
د. فاضل: لا، لا يمكن. لو نظرنا في الصيغ في القرآن يختار غفار وغفور، أي لغة تستعمل هذه الصيغ؟
المقدم: هم ترجموا القرآن
د. فاضل: ترجموا المعنى ليس اللفظ والإعجاز ليس في ترجمة المعاني ولكن في اختيار المفردات
المقدم: في اللفظ، في نظم الكلمات
د. فاضل: في نظم الكلمات، في التقديم والتأخير، ليس في الإنجليزية ولا الفرنسية تقديم وتأخير، لا يصح ويتغير المعنى كله. هذا التوسع في التعبير لا يمكن أن يكون، يعني تقول محمدٌ حاضرٌ، إن محمدٌ حاضرٌ، إنّ محمداً لحاضرٌ، إنّ محمداً حاضرٌ، كلها في معنى ولكنها كلها مختلفة
المقدم: المشكلة أن محمد حاضر وتنتهي القضية
د. فاضل: لا ليست بمعنى واحد. لأن المواقف مختلفة
المقدم: المواقف مختلفة؟ إذن هي ليست من رفاهية اللغة؟
د. فاضل: لا، المواقف مختلفة فكل موقف يحتاج، فرق بين كتاباً أعطيت محمداً و محمداً أعطيت كتاباً، هناك فرق في الدلالة.
المقدم: المعنى أعطيت محمداً كتاباً
د. فاضل: أنت أعطيته كتاباً لكن لما تقوله والمخاطَب خالي الذهن من كل المعلومة، ليس لديه معلومات بالمرة عن الموضوع. عندما تقول أعطيت محمداً كتاباً المخاطَب ليس له أي معلومة في ذهنه أي شيء تخبره إخباراً جديداً لكن لما تقول محمداً أعطيت كتاباً المخاطب يعلم أن شخصاً ما أعطى محمد كتاباً لكن من هو؟ يختلف. أما كتاباً أعطى محمداً هو يعلم أنه أعطاه شيئاً لكن ما يتصور أنه كتاب
المقدم: كل هذا بالتقديم والتأخير؟
د. فاضل: طبعاً، هي ليست مجرد رصف كلمات بدون فائدة، هي مواقف تعبيرية في الحياة تعبر عنها لا يمكن أن تعبر بأي لغة
المقدم: طالما أن اللغات من البشر، هل اللغة العربية توقيفية من الله سبحانه وتعالى أو هي اصطلاحية من البشر كان يمكن أي لغة تحتل، هل العربية من عند الله عز وجل؟
د. فاضل: هذا الكلام الله أعلم به، لكن اللغة العربية هي أقدم لغة الآن موجودة يتكلم بها الناس
المقدم: يقولون العبرية أقدم منها؟
د. فاضل: لم تُستعمل، من قال هي أقدم؟
المقدم: البعض يقول الأحرف العربية مشتقة من الرسوم العبرية
د. فاضل: من يقول هذا؟
المقدم: بحوث في مجمع اللغة العربية
د. فاضل: ليس في ذلك دليل. إذا كان اسماعيل أبو العربية فهي أقدم من العبرية. إذا قلنا أن إسماعيل إسماعيل أقدم، جُرهم.
المقدم: إذا كانوا يرجعون الأمر لمسألة التوراة ولسيدنا موسى
د. فاضل: عندنا نصوص من حمورابي تماماً تشابه ألفاظه اللغة العربية، عندنا نصوص في المسلّة موجودة الآن.
المقدم: إذن هي لغة قديمة، أقدم لغة موجودة وستظل بإذن الله تعالى
د. فاضل: بإذن الله ما دام القرآن موجوداً فهي باقية.
المقدم: الخوف أن يظل القرآن دونما لغة! بعض الدول الإسلامية القرآن موجود لكن لا لغة مثل باكستان وأفغانستان وحتى في أميركا مثلاً القرآن موجود لكن لا لغة موجودة.
د. فاضل: الذي يريد أن يفهم الإسلام عليه أن يتعلم اللغة العربية
سؤال: أين نقف في الآية (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) آل عمران)؟
د. فاضل: فيها خلاف. الأشهر الوقف على (الله) (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) هذا لا يحتاج في اللغة إلى تأويلات كثيرة. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) ربنا سبحانه وتعالى ذكر المتشابه وذكر المحكم المحكم واضحة المعنى ظاهرة الدلالة وعليها أمر الدين قال (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (7) آل عمران) أم الكتاب يعني أصل الكتاب والعمدة فيها أما المتشابه فالمعنى غير ظاهر، خفي، ما يترك معنى لا عقلاً ولا نقلاً، مثل قيام الساعة الحروف المقطعة لماذا اختار رمضان دون شعبان؟ لماذا الصلوات خمس؟
المقدم: هذه من الأمور المتشابهات ليس فيها حكم قاطع بإظهار الدلالة
د. فاضل: الذي في قلبه زيغ يعدل عن الحق يبتغي الفتنة حتى يفتن المؤمنون عن دينهم ابتغاء الفتنة حسب التشهّي. قسم يقول يجوز الوقف على (الراسخين) وكلمة (يقولون) استئناف لكن الذي يترجح في تقديري والله أعلم أنه الأظهر الوقف عند (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ)
المقدم: لو أكملنا ماذا يكون (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لا يجوز؟
د. فاضل: لا ليست لا يجوز، أنا أقول الأرجح في تقديري. الآن كان يتكلم عن المتشابه قال (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) والراسخون في العلم؟ (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَاِ) المحكم والمتشابه، هذا الظاهر. الآخر (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)
المقدم: اللغة تحتمل؟
د. فاضل: يبدو أنها أضعف. يجب أن تستأنف (يقولون آمنا) الله أعلم، يبدو أن هناك من يذهب إلى هذا
المقدم: كيف نكمل الآية؟
د. فاضل: جملة استئنافية
المقدم: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أقف هنا، هل يجوز هذا؟
د. فاضل: قسم يجوّز هذا، لكن الوقف على (الله) أظهر
المقدم: أنا أرتاح للوقوف عند (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ثم (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَاِ)
د. فاضل: هذا الذي يبدو والله أعلم.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 30/7/2009م:
عباس من الكويت: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء) ما هي الروح؟
الرسول r صلى الله عليه وسلم قال “الصلاة عماد الدين” ومع هذا يقول تعالى (ويل للمصلين) وفي آية أخرى قال (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت) ما معنى الصلاة هنا؟ هل هي العدالة؟
طه من هولندا: في سورة الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (2)) بعض النحويين قالوا أن الجملة (بغير عمد) في محل رفع حال، حال السموات بمعنى أن السموات بغير عند. بعض المفسرين قالوا أنها بغير عمد وبعضهم قال أن فيها عمد لكن لا نراها فما هو الرأي البياني واللغوي في هذه الآية الكريمة؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/7/2009م
http://ia301509.us.archive.org/3/items/lamsat300709/fadel_512kb.mp4
رابط صوت
mp3http://ia301509.us.archive.org/3/items/lamsat300709/fadel.mp3
2009-07-31 07:14:36الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost