لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 187

اسلاميات


الحلقة 187

اللمسات البيانية في سورة يس

المقدم: نكمل رحلتنا في سورة يس وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)) تعرضنا لبعض اللمسات البيانية الموجودة فيها لكن توقفنا عند نقطة وهي في تقديم (من الأجداث) على الفعل (ينسلون) فلماذا هذا التقديم؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. أولاً نلاحظ قال (مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ) هذا تعبير طبيعي لأن (من) ابتداء الغاية و(إلى) انتهاء الغاية فذكر البدء إلى الانتهاء، هذا شيء طبيعي (مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ). التقديم هو أمرين هنالك حقيقة: أمر الاهتمام وأمر القصر. أولاً كون واحد هو ميّت وأصابه البلى والذرات متفرقة وإذا يخرج من الأجداث رأساً فهذا أمر يدعو للإهتمام هذا إذن التقديم للإهتمام (مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ). (إلى ربهم) هذا قصر لأنهم لا يتجهون إلى جهة أخرى، إذن فيها اهتمام وفيها قصر (مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) لا يذهبون إلى مكان آخر.

المقدم: لو قلنا خارج القرآن من الأجداث ينسلون إلى ربهم؟

د. فاضل: ليس فيها قصر.

المقدم: ليس فيها قصر إلى الله سبحانه وتعالى. ما معنى (ينسلون)؟

د. فاضل: يسرعون.

المقدم: إختيار لفظ (ربهم) في هذه الآية تحديداً مع أن الموقف قد يكون موقف عقاب وحساب وموازين وأعمال فلماذا الإسناد إلى ربهم تحديداً؟

د. فاضل: الخارجون من الأجداث قسمان قسم أطاع ربه وقسم عصى ربه. الذي أطاع ربه أطاع ربه وسيده إذن هو ذاهب إلى ربه الذي أطاعه وهو سيده وهو الأرحم به وتكرم عليه بالنعم وأنعم عليه في الدنيا، هو الذي ربّاه فهو الأرحم به، هذا (إلى ربهم) هو الذي يرحمه كما أنعم عليه في الدنيا يتفضل عليه في الآخرة ويدخله في رحمته. قسم عصى ربه الذي غذاه بالنعم وأنعم عليه فهو كالآبق فيرجع إلى سيده وهذه شرّ عودة. ربنا أحسن إليه فقابله بالإساءة كالعبد الآبق، شر الإساءة أن تسيء إلى من أحسن إليك. هنا يرجع إلى من أحسن إليه وغذاه بالنعم، كل النعم وعصاه فيُرجع إليه. فإذن هي مناسبة في الحالتين (إلى ربهم).

المقدم: مع أن الله والرب واحد والموقف كان موقف حساب وعقاب وربما يكون المتبادر إلى الذهن أن يقول (الله) لأنه يفصل بينهم.

د. فاضل: الربّ غير الله سبحانه وتعالى من حيث الدلالة. الرب هو المربي والمنعِم والقيم والسيد، الله لفظ الجلالة وهو إسمه العلم فهذه فيها دلالة، أسماؤه الحسنى كل واحدة لها دلالة. عصى ربه الذي تفضل عليه بالنعم وأنعم إليه فأساء.

المقدم: إذن اختيار (ربهم) هنا هو الاختيار الأمثل. ما علاقة الآية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)) بالآية التي قبلها (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)) من حيث الترابط؟

د. فاضل: (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)) هل هذا لما قال هذا التعبير هل يدل على الموت بالضرورة؟ أيّ واحد لا يستطيع توصية أو لا يرجع إلى أهله هل هو بالضرورة ميت؟ لا، ليس بالضرورة، كثير من الناس المساجين في السجن لا يستطيع توصية ولا يرجع إلى أهله. إذن ليس فيها دليل على أن الصيحة أماتتهم. عندما قال (مِّنَ الْأَجْدَاثِ) يعني أماتتهم يعني الآن وضّح ما كان غير ظاهر. قال (مِّنَ الْأَجْدَاثِ) إذن معناها أنهم ماتوا. الأولى ليس فيها دليل على موتهم. (إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) عندما قال (وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) لم يذكر الجهة التي يرجعون إليها والآن ذكرها فقال (إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ). إذن في الآية الثانية أوضح ما لم يكن ظاهراً في الآية التي قبلها. من الأجداث يعني ماتوا بينما ليس في الاية الأولى دليل على أنهم ماتوا. (إلى ربهم) ذكر جهة الرجوع. إذن (مِّنَ الْأَجْدَاثِ) يقابل (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) من الأجداث يعني ميتين. وعندما قال (إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) يقابل (وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) إضافة إلى أن التقديم فيه الحصر والقصر الذي ذكرناه.

المقدم: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) ما معنى (يَا وَيْلَنَا)؟ ما معنى الويل؟

د. فاضل: الويل هو الحزن والهلاك والعذاب، هذا في اللغة.

المقدم: لكن القرآن الكريم إستخدم ايضاً يا ويلتنا كما جاء في سورة الكهف (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49)) فلماذا هنا استخدم (يَا وَيْلَنَا)؟ وبالمناسبة هل هذه مثل ما قال أحد ابني آدم (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي (31) المائدة)؟

د. فاضل: أولاً معنى يا ويلنا ينادون الهلاك كما نقول يا مصيبتي، يا خراب بيتي، يعني أُحضر ايها الويل فهذا وقتك. هذا نداء فيه معنى التعجب لعظم المصيبة التي فيها (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) الفرقان) يعني يصيحون واثبوراه يعني هلاك (لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) الفرقان). إذن (يا ويلنا) فيها أولاً تعجب من هذا الويل الهلاك الذي أصابهم والمصيبة ثم دعاء للويل لكي يحضر هذا وقته.

المقدم: أم هي إشارة للويل الذي ينتظرهم في هذا الموقف وما قدّمت أيديهم من قبل؟

د. فاضل: أكيد، فدعوه ليحضر.

المقدم: ويا ويلتنا؟

د. فاضل: الويلة هي الفضيحة.

المقدم: إذن هناك ويل وويلة، الويل الهلاك؟

د. فاضل: الويل الهلاك والويلة هي الفضيحة. في اللغة الويلة غير الويل (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) يا ويلتنا يعني يا فضيحتنا، لأن هنالك بعض الأعمال التي يفعلها صاحبها لم يكن يريد أن يطلع عليها أحد، الإنسان يعمل أفعالاً في السر لا يريد أن يطلع عليه أحد، هذا الكتاب فضحها كلها الآن، كان الذي مستور فإذا تنفضح الأعمال إذن هذه فيها فضيحة.

المقدم: وهل الحساب سيكون عاماً على رؤوس الخلائق والأشهاد؟!

د. فاضل: إلا من أراد ربنا أن يستر عليه فيناديه بينه وبينه.

المقدم: يا رب استرنا يوم العرض بإذن الله تعالى.

د. فاضل: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا (72) هود)

المقدم: يعني يا فضيحتي؟

د. فاضل: طبعاً، عجوز صكت وجهها وقالت عجوز عقيم. هي تخجل هي عجوز تحمل وزوجها شيخ وعقيم كيف تحمل؟ أصابها الخجل.

——فاصل——–

المقدم: إذن الويل هو الهلاك والويلة هي الفضيحة ولهذا قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي (31) المائدة)

د. فاضل: لأنه موطن فاضح أن يكون أعجز من الغراب ليس عنده حيلة، الغراب له حيلة وهو عجز كيف يفعل فدعا بالويلة قال (يَا وَيْلَتَا).

المقدم: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) لماذا المرقد وليس الأجداث مع أنه قال قبلها (فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51))؟

د. فاضل: كلمة المرقد تحتمل المكان والمصدر، يعني يحتمل مكان المرقد يعني مكان الرقاد ويحتمل المصدر يعني الرقاد. بهذا المعنى يكون الموت كالرقاد، ضجعة الموت أشبه شيء بالرقاد. الموت بالنسبة لحياة الآخرة هي كما يستيقظ النائم رقاد فاستعمل المرقد ليشمل المعنيين المكان والمصدر. لو قال الأجداث لا يحتمل هذا وإنما يحتمل فقط المكان. فإذن هنا جمع معنيين.

المقدم: إذن (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) يحتمل المكان والمصدر والأجداث يحتمل المكان فقط.

د. فاضل: نعم فالمرقد أوسع في الدلالة.

المقدم: في الآية الكريمة (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) كلام مَنْ هذا؟

د. فاضل: من المحتمل أن يكون كلام الملائكة جواب عن سؤالهم (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) من المحتمل أن الملائكة أجابت ومحتمل أن يكون هذا كلام المؤمنين.

المقدم: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) هذا كلام الذين كتب عليهم الموت؟

د. فاضل: نعم، وبالذات الذين كانوا بمنأى عن الدين وعن الإسلام وعن رضى الله سبحانه وتعالى فدعوا الويل.

المقدم: إذن نقف في القرآءة قبل أو بعد كلمة (هذا)؟

د. فاضل: هذا هو الأشهر (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) فيكون الجواب (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)

المقدم: المتبادر للذهن أن الإجابة على السؤال (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) أن تكون الإجابة الله. كيف هذه الصيغة التركيبية ثم كيف نفهم ماهية (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ)؟ وما دلالة (ما) في (مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ)؟

د. فاضل: عندما قالوا (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) الحقيقة هذا ليس سؤال استفسار وإنما هذا سؤال تحسر وابتئاس مما وقعوا فيه،

المقدم: يعني ليس الغرض منه سماع الإجابة أو السؤال عن الفاعل

د. فاضل: لا، هم يعلمون هذا الأمر وهو وضع احتمال أن هذا كلامهم، علموا هذ من التحذير في السابق من الرسل والمؤمنين.

المقدم: هذا رأي آخر أن هذا كلامهم؟

د. فاضل: نعم، يسألون ويجيبون. ومحتمل كلام المؤمنين، هذا رأي. هذا سؤال مبتئس ومتحسر وليس سؤال مستفهم. تقول كيف وصلت إلى هذا؟ تقول له هذا بسوء أعمالك، هو يسأل عن الكيفية وأنت أجبته عن السبب فهو إذن ليس سؤال عن الفاعل وإنما هم متحسرون ومتأسفون من هذا الأمر فقال (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). حتى السؤال (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) (ما) تحتمل أن تكون إسماً موصولاً يعني هذا الذي وعده الرحمن، وتحتمل أن تكون مصدرية يعني هذا وعدُ الرحمن.

المقدم: إلى أيّها تميل؟ وما الفرق في الدلالة بين المصدرية وإسم الموصول؟

د. فاضل: طبعاً، (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) كأنما هذا الذي وعده الرحمن، أما ذاك مصدر هذا وعدُ الرحمن ، حدث. الآية (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)) هذه بمقابل تلك. يعني هناك قال (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) يقابله (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) هنالك ارتباط. (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يقابلها (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)، (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)) – (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52))، (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) بمقابل (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) و (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) بمقابل (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). والسخرية والاستهزاء (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) هم ساخرون ليس السؤال سؤال مستفهم يقابله الندم (يا ويلتنا) فهي إذن تقابلها، إذن هي لها علاقة بما قبلها. يبقى السؤال ماذا أفضِّل؟ هنالك أمر هو (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ما دلالة كلمة الوعد هنا؟ الوعد مصدر لكن لا يراد به المصدر وإنما المقصود متى يقع الموعود؟. الوعد حصل لكن سؤالهم عن وقوع الموعود لأن المصدر قد يكون بمعنى الذات، الزرع مصدر “زرعت زرعاً” لكن الزرع قد يكون مصدراً بمعنى المزروع مثل نبت الزرع، احصد الزرع، أحياناً المصدر يكون بمعنى الذات مثل الأكل، أكلت أكلاً هذا مصدر لكن الأكل يُطلق على الطعام. فالوعد (مَتَى هَذَا الْوَعْد) هذا ليس سؤالاً عن المصدر وإنما عن الموعود متى يقع. إذن كلمة الوعد في الأصل مصدر دلالتها ذات. نأتي إلى قوله تعالى (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) قلنا أن (ما) تحتمل المصدرية والموصولة. إذا كانت ذات فهي تقابل الموصولة (هذا الذي) وإذا كان مصدراً تقابل المصدرية. إذن (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) إجابة على (مَتَى هَذَا الْوَعْد) بشقيه المصدر والذات. لو قال (هذا الذي وعد الرحمن) ستصبح مسألة واحدة، هذا الذي سيكون فقط ذات، ولو قال (هذا وعد الرحمن) سيكون فقط مصدر بينما لما قال (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) فهنا جمع المصدر والذات. (ما) تحتمل أن تكون إسم موصول أو مصدرية، الوعد بمعنى إسم الموصول بمعنى الذات تقابلها (ما) التي هي إسم موصول وبمعنى المصدر تقابلها (ما) المصدرية. فإذن هنا جمع المعنيين في الجواب.

المقدم: اختيار لفظ الرحمن في سياق هذه الآية وإسناد الوعد إلى إسم الله تبارك وتعالى الرحمن مع أنه في سياقات أخرى أسند الوعد لله سبحانه وتعالى؟ فما دلالة إسناد الوعد إلى الرحمن في هذه الآية؟

د. فاضل: إختيار لفظ الرحمن له أكثر من سبب. قلنا احتمال أن يكون هذا قول المؤمنين أو قول الملائكة أو الكفار. إذا كان هذا قول المؤمنين فهم آثروا إسم الرحمن لأن هذا وقت رحمته التامة بهم يدخلهم ربهم في رحمته (فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران). وإذا كان قول الكافرين فإنهم يطمعون في رحمته، آثروا هذا الإسم طمعاً في رحمته. إذن هو أحد أمرين إذا كان قول المؤمنين فهم قالوا هكذا لأن هذا وقت رحمته التامة رحمهم في الدنيا فجعلهم مؤمنين مطيعين وسيرحمهم في الآخرة، رحمته مطلوبة. وهنالك ملاحظة الملاحظ في القرآن الكريم أن إسم الرحمن كثيراً ما يذكر في مشاهد الآخرة (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) طه) (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) مريم) (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) مريم) (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (26) الفرقان). إضافة إلى أنه في السورة هذا أمر عام (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ (52) يس) كثيراً ما يتردد إسم الرحمن في الآخرة. إضافة إلى أنه من ناحية السمة التعبيرية للسورة تردد إسم الرحمن في السورة وجو الرحمة شائع فيها قال (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ (11)) (وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ (15)) (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ (23)) (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ (52)) (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58)) (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)) (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)) فإذن من ناحية السمت العام لما يذكرهم ربنا سبحانه وتعالى في الآخرة الرحمن دخل فيها وما في السورة نفسها أيضاً دخل فيها لأنه تردد فيها الرحمن والرحمة، هذا بالنسبة للاختيار.

المقدم: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى (10) الحديد) لماذا إسناد الوعد للرحمن في آية سورة يس؟

د. فاضل: في مواطن أخرى أسند الوعد إلى الله. أود أن أذكر ظاهرة في البداية، كل سورة أُسند فيها الفعل الماضي (وعد) إلى لفظ الجلالة الله (وعد الله) لم يرد فيها إسم الرحمن وإن كانت طويلة كسورة النساء والمائدة والتوبة وغيرها، إذا قال (وعد الله) ليس في السورة إسم الرحمن. وكل سورة أُسند فيها وعد إلى الرحمن تكرر فيها إسم الرحمن كما في سورة مريم وسورة يس.

المقدم: عندما يقول (وعد الله) لا نجد إسم الرحمن؟

د. فاضل: في السورة كلها. وإذا قال (وعد الرحمن) يتردد إسم الرحمن في السورة. في سورة مريم ورد إسم الرحمن 11 مرة وفي سورة يس 4 مرات بينما في سورة النساء ليس فيها إسم الرحمن وكذلك المائدة والتوبة ليس فيها إسم الرحمن. يبقى السؤال الذي طرحته ما الفرق أو متى يقول وعد الله ووعد الرحمن؟ أو متى يستعمل وعد الله ومتى يستعمل وعد الرحمن؟. إذا أُسند الوعد إلى الله أو أُسند إلى الرحمن؟ إسناد الوعد إلى الله هذا مخصص بالمؤمنين أو بالكافرين إما يقول (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ (72) التوبة) (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (29) الفتح) (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ (68) التوبة) مخصص، هذا إذا أسند الوعد إلى الله يكون الوعد مخصصاً بالمؤمنين والكافرين وإذا أسنده إلى الرحمن وعد عام يشمل عموم العباد تحقيقاً للرحمة الواسعة مع أنه قد يقصد بهم المؤمنين يجعلها عامة مثال (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ (61) مريم) عموم وشمول ليس فيها تجديد فئة معينة مع العلم أن المقصود بها من آمن وتاب وعمل صالحاً لكن ما قالها. (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) لم يخصص جعلها عامة حتى لو كان المقصود غير ذلك أما كلمة (الله) مخصصة. عندما يقول (وعد الله) يخصص. (وعد الله) وردت في 12 موضع في القرآن الكريم كلها مخصصة أما (وعد الرحمن) فهي عامة تحقيقاً لإسمه الرحمن الواسع التي وسعت رحمته كل شيء.

المقدم: (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) ما دلالة كلمة جميعٌ؟ لم يستخدم مجموع أو مجموعين مع أنها وردت في القرآن الكريم (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة) (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ (103) هود) فلماذا هنا جاءت جميع وليس مجموع؟

د. فاضل: كلمة جميع تأتي بمعنيين إما أن تكون بمعنى مفعول يعني مجمعون أو تكون بمعنى مجتمعين (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) القمر) يعني مجتمعون، (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء) لكن لما قال (محضرون) يعني مجموعون.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 10/8/2009م:

أبو لوط من السعودية: في قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا (15) النمل) وفي قوله تعالى (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ص)، في قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) الليل) وقوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) المدثر) هناك إشارة إلى أن سيدنا سليمان عليه السلام حين غابت الشمس بالحجاب رأى أنه أخطأ والله تعالى وصفه بأنه أواب فهناك رابط أريد من الدكتور أن يشرحه لنا. الفكرة التي أريد أو أوصلها أن الشمس هي جهنم.

(إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) المرسلات) (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا (21) الزمر) ما دلالة اللون الأصفر؟ هل هذا يحتاج توضيح؟ في التفسير يقولون الجمال السود كان يقال لها عند العرب صُفر، هل يجوز أن ننعت اللون الأصفر بالأسود؟.

د. فاضل: هذه مشاهد من جهنم، جهنم سوداء مظلمة لكن فيها مشاهد كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى ترمي بشرر.

سعيد من فرنسا: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (21) المجادلة) من المتكلِّم هنا؟

د. فاضل: الله سبحانه وتعالى. هذا إلتفات هكذا كتب ربنا هذا نسميه التفات ما قال كتبت لأغلبن لأن المتكلم هنا لم يُعلم من هو لكن (كتب الله) عندما ربنا سبحانه وتعالى لما اتضح الكاتب عندما قال (لأغلبن) يعود على من كتب هذا إلتفات لكن لو قال كتبت، من الكاتب؟ لما تقول كتبت أنت لا تعرف المتكلم لكن لما قال (كتب الله) عرفنا المتكلم. إذن لما اتضحت المسألة قال (لأغلبن).

عمر من قطر: أواخر سورة الطور (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴿٣٠﴾ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴿٣١﴾ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴿٣٢﴾ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٣﴾ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴿٣٤﴾ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴿٣٦﴾ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ﴿٣٧﴾ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٣٨﴾ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴿٣٩﴾ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴿٤٠﴾ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴿٤١﴾ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ﴿٤٢﴾ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٤٣﴾) تواتر ذكر (أم) ما هو هذا الحرف (أم)؟ هل هو للاستفهام أم للسخرية والاستهزاء يسخر منهم؟

وفي نفس الآيات لو غيّرنا حرف (أم) بالهمزة كما في الآيات (أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) الواقعة)، (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) (أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) (أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72)) هل يستقيم المعنى؟

وليد من أبو ظبي: بعض الكلمات تكتب في القرآن الكريم على غير ما هو معهود عندنا في قواعد الإملاء وقواعد اللغة مثلاً في سورة يس قال (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) يس) ولم يقل رميمة، و (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) الرحمن) لم يقل سنفرغ لكما، وقال (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (50) المؤمنون) لم يقل آيتين، وقال (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) طه) لم يقل أُخر أو أُخريات؟ فكيف نفسر هذا التباين؟

د. فاضل: هذا لا يرجع إلى الخط وإنما إلى المعنى. خط المصحف لا يقاس عليه أساساً. عندنا قاعدة خط المصحف وخط العَروض لا يقاس عليهما. هذه ليست متعلقة بخط المصحف أو رسم المصحف وإنما متعلقة بالمعنى. رميم على وزن فعيل، وفعيل لها أحكام إذا كان دالة على المفعول أو على غير المفعول. إذا كانت دالة على المفعول أصلاً يستوي فيها المذكر أو المؤنث.

أنس من ألمانيا: سورة الزمر وسورة الجمعة وسورة الحديد أحياناً تبدأ السور (سبح لله) (ويسبح لله) ما الفرق بين إستخدام صيغة الماضي وصيغة المضارع لفعل التسبيح؟

د. فاضل: إجابة سريعة: كل سورة تبدأ بـ(سبح لله) بالفعل الماضي فيها ذكر للقتال وكل سورة تبدأ بـ (يسبح) ليس فيها ذكر للقتال، هذه قاعدة. يسبح فعل مضارع زمنه الحال والاستقبال كأنما يراد من المكلَّفين التسبيح وأن بيتعدوا عن القتال وموجبات القتال، الماضي ذهب صار فيه قتال، العهد الذي الآن يحصل أن يكون فيه سلام وليس فيه قتال (يسبح لله)، هذه إجابة سريعة وسبق أن تكلمنا عن الفرق بين سبح ويسبح وسبحان.

الدكتور صالح من سوريا: الأخ أبو لوط تداخل على قضية حتى توارت بالحجاب وهذه القضية على سيدنا سليمان، بعض المفسرين أن تورات بالحجاب هي الشمس والشمس ليست مذكورة في السياق مطلقاً، هذا أمر. ثانياً لماذا يقول سيدنا سليمان ردوها عليّ ويبدأ بتكسير قوائمها وقتلها وذبحها؟ التفسير الأجمل أن حتى توارت بالحجات هي للخيل، الخيل توارت بالحجاب ومن حبه للخيل لأنها رباط لله وفي سبيل الله قال ردوها عليها وبدأ بمسح أعناقها مسح حنان كما يسمح سائس الخيل خيله دليل على محبته لهذه الخيل التي يغزو عليها في سبيل الله. ولربما لم تكن صلاة العصر مفروضة على سيدنا سليمان كما تعلمنا أنه كانت هناك صلاة بالغداة وصلاة بالعشي فلا أدري كيف أدخلوا قضية ردوها عليّ وبدأ بذبح الخيول؟! ما أدري ما رأي الدكتور فاضل في هذه المسألة؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 10/8/2009م



روابط الحلقة من قسم الفيديو

2009-08-11 07:20:58الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost