لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 199

اسلاميات

الحلقة 199

إجابة على أسئلة المشاهدين

سؤال: مسألة البقرة وذبح البقرة كما جاء في قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة البقرة هل وصف البقرة كان جملة واحدة أم على فترات مختلفة؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. في الأثر أنهم لو ذبحوا أي بقرة كانت تجزئهم من دون وصف لكنهم شددوا فشدد الله عليهم. إذن هي في الأصل يأمرهم أن يذبحوا أي بقرة (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً (67) البقرة) لكنهم شددوا (فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68)) يبدو أنهم تمادوا وتطاولوا إلى أن قال (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71)). إذن المسألة أن الأوصاف كانت تنزل بناء على أسئلتهم، يشددون فيشدد الله عليهم.

المقدم: إذن نزلت في فترات.

سؤال: فى سورة يونس الآية 42-43 (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43)) إستعمل لا يبصرون مع العمي وهذا منطقي فما دلالة استعمال لا يعقلون مع الصم بدل لا يسمعون؟ وما اللمسة البيانية فيها؟

د. فاضل: (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ) يعني لو انضم إلى الصمم عدم العقل، إضافة إلى الصمم إنضم عدم العقل لأن الأصم العاقل ربما تفرّس أما إذا اجتمع فقدان السمع والعقل هذا مطبوع على قلبه. إذن هو الآن ذكر الصمم وإضافة إليه عدم العقل فكيف يهديه؟! أما الآية الأخرى (أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ) لو انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة

المقدم: يبصرون بصيرة أم يبصرون من البصر؟

د. فاضل: بصيرة لأنه هو أعمى. ولو انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة، لأن الأعمى قد يحدث لكن إذا كان أعمى البصيرة! أولئك انضم إلى الصمم عدم العقل وهؤلاء انضم إلى العمى عدم البصيرة فكيف تهديهم؟!

المقدم: القرآن يستخدم دائماً مثل هذه الألفاظ مثل قوله (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (18) البقرة) الصمم والعمى وما هو البكم؟

د. فاضل: عدم الاستطاعة على النطق

المقدم: الأبكم لا يستطيع أن ينطق. والصمم لا يستطيع أن يسمع

د. فاضل: والأعمى لا يستطيع أن يُبصر فكيف إذا اجتمعت؟!

المقدم: مختوم على قلبه! سلِّم يا رب

سؤال: قال تعال فى سورة يوسف (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) في وصف كيد النساء وفى آية أخرى (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) القلم) عن كيد الله، استعمل عظيم مع كيد النساء ومتين مع كيده سبحانه فأيهما أقوى العظيم أم المتين؟

د. فاضل: القائل مختلف وليس قائلاً واحداً. (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) هذا قول الشاهد على الأكثر أو قول العزيز وليس قول الله تعالى

المقدم: ليس قول الله؟

د. فاضل: لا، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) قيل قول الشاهد وقيل قول العزيز، أحدهما قال، يقول ما يشاء. لكن الأخرى (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) القلم) هذا قول الله عز وجل بينما ذاك قول بشر يستعظم ما يشاء.

المقدم: أو كوجهة نظره هو ليس حكماً من قبل الله سبحانه وتعالى أن كيد المرأة عظيم

د. فاضل: لا، هذه ليست قول الله فيهن وليست حكماً من الله

المقدم: لكن (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)

د. فاضل: ربنا كيده متين. متين بمعنى الشدة والقوة.

المقدم: أيهما أقوى في وصف الكيد متين أم عظيم؟

د. فاضل: كل واحدة في مكانها. القائل مختلف وقد يستعظم الصغير ما يستعظم وهو ليس عظيماً.

المقدم: التعبير عن وجهة نظر القائل

د. فاضل: هذا أمر آخر. كل واحدة في سياقها تأتي. المتانة هي القوة والشدة والعظمة عظمة كُبر غير مسألة فكل واحدة في سياقها.

سؤال: ما الفرق بين مفهوم كلمة فاحشة والفاحشة في المفهوم القرآني مع الأخذ بالاعتبار آيات سورة النور التي تتحدث عن عقوبة الزنا؟

د. فاضل: أصل الفاحشة عموماً ما اشتد قُبحه وما عظم من الأفعال والأقوال

المقدم: الفاحشة عموماً معرّفة أو منكّرة.

د. فاضل: أصل الفاحشة ما عظُم من الأفعال والأقوال

المقدم: مصدرها فُحْش؟

د. فاضل: نعم. إذا كانت معرّفة (التعريف بأل) إما يكون للجنس أو للعهد لكن كثيراً ما استعملت في الزنا وقد تستعمل في غيره. في الزنا (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ (15) النساء) هذه في الزنى. وقد تستعمل في غيره كما في قوم لوط (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) الأعراف)

المقدم: أليست فعل اللواط وإتيان الذكران؟

د. فاضل: طبعاً لكن هذا غير حكم، اختلفت الدلالة. إذن هي ما عظُم في الزنا وفي غيره. (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا (28) الأعراف) يقال هذه عبادة الأصنام. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا (19) النور) هو الافتراء والكلام، (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ (30) الأحزاب) قالوا هذه معصية الرسول r

المقدم: ليست فاحشة كما سبق، هناك من يفهم على أنها هكذا

د. فاضل: لا، العصيان للرسول هذا كبير. تأتي بمعنى القذف والفِرية وعبادة الأصنام وعموم ما عظم فعله من الأفعال والأقوال يسمى الفاحشة منها الزنا ومنها القذف ومنها الإفك ومنها عبادة الأصنام.

المقدم: ما الدلالة بين التعريف والتنكير؟

د. فاضل: كأيّ تعريف وتنكير عادي قد تكون تطلق على عهد أمر عادي أو ذهني ما يأتي في السياق ما المقصود بها فهي تتضح بالسياق. فقد تأتي بمعنى السياق أو غيرها. لكنها ما عظم من الأفعال والسياق يوضح الأمر ويشير إلى عظيم الفعل.

سؤال: القرآن له استخدامات خاصة لألفاظ معينة خصوصية الاستعمال في القرآن الكريم من هذه الخصوصية استخدم كلمة ريح عندما يكون الكلام عن السوء والعقاب أما الرياح تكون مع المبشرات فكيف نفهم هذا في سياقات قوله تعالى في الآية (22) من سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ) ؟

د. فاضل: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ) الفلك تسير بريح واحدة لا برياح وإلا تضطرب، إذن هذا الأمر الأول، إذا كانت رياح فهي ليست مبشرات بالنسبة للفلك.

المقدم: لأن كثرة الرياح في البحر خطر

د. فاضل: طبعاً، هذا أمر. الأمر الآخر أن هذه الريح الطيبة أعقبها سوء قال (جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ) لم تبقَ على حالها من الطيب (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)

المقدم: لم تكتمل.

د. فاضل: لا، لم تكتمل فهي أيضاً جرت على الحكم العام، لم تكتمل.

المقدم: هذه من خصوصيات الاستعمال أما اللغة في حد ذاتها لا تفرق بين ريح ورياح بين المفرد والجمع.

سؤال: في سورة مريم قال تعالى (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)) ولكن لم تنساق مريم لأمر الله (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ (29)). كيف نفهم هذا؟

د. فاضل: هي لو تكلمت لم تكن صائمة، كيف تقول إني نذرت للرحمن صوماً وهي تتكلم؟! هذا أمر. والأمر الآخر أن الإشارة عند العرب قول، القول عندهم جميع الأفعال، كلمة قول عند العرب تكون بمعنى الاعتقاد “هو يقول بقول أبي حنيفة” يعني باعتقاده. وتكون بمعنى الحركة تقول العرب “قال برأسه هكذا فنطحني: يعني تحرك. “فقال عليّ الماء” يعني صبّ عليّ الماء. يقولون (قال) عامة حتى قالوا هي تستعمل في جميع الأفعال.

المقدم: ليس القول الكلام الذي يخرج من اللسان؟

د. فاضل: هذا واحد من معانيها مشهور لكن العرب تستعمله في معاني أخرى. فقوله تعالى (فَقُولِي) يعني بما يفهمون لأنه لو تكلمت ما كانت صائمة، الإشارة قول عند العرب.

المقدم: لو تشير هكذا كأنها قالت؟

د. فاضل: نعم. يقولون قال بيده الماء يعني صبّ الماء، قال هكذا برأسه

المقدم: ولهذا لا تعارض، (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) وإذا قالت تُفطر

د. فاضل: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال

المقدم: الإشارة برأسها تنتهي. استطراد جانبي هل الصوم بمعنى عدم الكلام؟ عن عقيدة؟

د. فاضل: شريعة من قبلنا.

سؤال: في سورة هود في قصة سيدنا نوح عليه السلام قال تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)) جاء بعد سياق طويل من الآيات قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)) ثم جاء بعد ذلك استغفار سيدنا نوح u، فلماذا لم ينساق النبى لأمر الله سبحانه وتعالى؟ فهل هذا تعدي على قول ربنا سبحانه وتعالى

د. فاضل: ربنا وعد نوح أن ينجيه وأهله ونوح لذلك نوح قال (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) أنت وعدتني أن تنجيني وأهلي وهذا من أهلي إذن لم يتعدى وإنما هو فهم المسألة  فهِم أنه لما وعده(قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ (40) هود) فلما قال هذا قال (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) ما قال له لماذا فعلت وإنما (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) أنت وعدتني هكذا فظن أنه من الناجين بموجب هذا الوعد ظن أنه من الناجين

المقدم: برغم أنه لم يؤمن؟

د. فاضل: هو وعده، لما كان الوعد قال (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) معناها أن نوح فهم أن ابنه سينجو هذا فهمه هو لم يتعدى وإنما هكذا فهم لكن ربنا أصدر حكماً شرعياً آخر (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46)) هذا حكم آخر أضافه إليه ما كان يعلمه نوح.

المقدم: إذن الذي من أهله هو من يتّبعه

د. فاضل: ولذلك قال (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (46)) ليس له علم بهذا، إذن هو لم يتعدى وإنما هو فهم هكذا، هذا مبلغ علمه في هذه المسألة، لم يتعدى، هو لم يخالف قول الله وإنما هذا فهمه.

سؤال: القرآن الكريم مرة يستخدم أتى ومرة يستخدم جاء فما الفرق بين أتى وجاء خصوصاً في الايات المتقاربة مثل قوله تعالى (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) الصافات) (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ (78) غافر)؟ نفس المعنى تقريباً لكن اختلاف الفعل أتى وجاء فلماذا؟

د. فاضل: ذهب بعض أهل اللغة أن الإتيان هو المجيء بسهولة والمجيء عام ويستعمل لما هو أصعب وأشق. فيه صعوبة ومشقة. لكن هذه الأمثلة (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) الصافات) (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) نضع كل واحدة في مشهدها وفي سياقها

المقدم: هو في الحالين جاء الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: لكن نذكرها في سياقها. قال في الصافات الي ورد فيها (جاء) (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴿٨٣﴾ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٤﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴿٨٥﴾) إلى أن قال (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾) ثم ذكر (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)) وأمره بذبحه وهمّ بذلك إلى أن قال تعالى (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106))، هذه (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). بينما الأخرى في الشعراء (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴿٨٧﴾ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٩٠﴾) ليس فيها ما ذكره في الصافات ذاك مجيء فيه مشقة. وما ذكره بعدها من ذبح ولده، هذا بلاء مبين، ذاك مجيء اختلف. لذلك الأمر الشاق الصعب الذي انتهى (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) قال (جاء). الأمر الثاني قال (أتى) أيّ المجيئين أشق؟ قال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) حتى نلاحظ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (73) الزمر) قال (جاؤوها) التي هي الجنة، وتلك (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٩٠﴾ الشعراء) هم نفسهم. لكن لو لاحظت في الزمر ذكر النفخة والصعقة والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بينهم ولم يذكر هذا في الصافات.

المقدم: هذا أيضاً فيه صعوبة فيضفي على السياق صعوبة وقوة وشدة؟

د. فاضل: هذا أمر. والأمر الآخر قال ربنا (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) تلك (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، أوولئك يذهبون للجنة والثانية الجنة تأتيهم، أيُّها الاسهل؟ أن يؤتى بالجنة

المقدم: لما هي تأتي.

د. فاضل: قال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) والأخرى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)

المقدم: سيق فيها صعوبة

د. فاضل: طبعاً، سيق أما هذه قُرّبت لهم فاستعمل فيما هو أشق (جاؤوها). حتى الآية التي ذكرتها (أَتَى أَمْرُ اللّهِ (1) النحل) والأخرى (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ (78) غافر) لو أكملنا الآية الأولى (أتى أمر الله  تستعجلوه) هو لم يأتي إنما قرُب. الآية الأخرى (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)

المقدم: فيها خسران

د. فاضل: هذا واقع وذاك لم يقع بعد. ذاك مجيء وخسران، أيّ المجيئين أشد؟ فاستعمل أتى لما هو أخف وأيسر وجاء لما هو أشق.

المقدم: المعول على السياق هو مسرح الحالة.

د. فاضل: طبعاً

سؤال: في القصة الواحدة الله سبحانه وتعالى يستخدم ألفاظاً مختلفة للتعبير عن حالة واحدة. ففي قصة سيدنا موسى حينما أنهى المدة عند العبد الصالح وآنس ناراً مرة يقول سآتيكم ومرة يقول لعلي آتيكم ومرة يقول بشهاب قبس ومرة يقول بجذوة من النار، فما الحقيقة ولماذا هذا الاختلاف واللمسة البيانية الموجودة في كل منها؟

د. فاضل: هذا الاختلاف هو بين القصتين في النمل والقصص. في النمل قال (سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)) وهناك أمور أخرى وفي القصص (لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)) سورة القصص مبنية على الخوف ابتداءً يعني مطبوعة بطابع الخوف من أولها، قبل أن يأتي موسى أمه كانت خائفة، مقترن بالولادة (إِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي (7) القصص) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ (10)) الخوف قبل أن يأتي وبعد الولادة (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (18)) (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (21))، قال (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)). العبد الصالح قال (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) أمّنه، حتى ربنا لما كلفه قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)) إذن الخوف هو الطابع الموجود في سورة القصص. أما النمل فليس فيها هذا أصلاً وإنما تبدأ مباشرة (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ). لما الموطنين اختلفا ستأتي الآية مناسب لسياقها واختيار اللفظة مناسب لسياقها. حتى في القصص لما قال (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ (32)) وفي النمل قال (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ (12)) كلها مناسب لسياقها. أولاً في القصص لما قال (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ (32)) طبعاً السلوك هو سلوك الأمكنة والسبل

المقدم: أُسلك يعني أدخِل

د. فاضل: من معانيها. (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل) للنحل، سلك الطريق، من معاني السلك والسلوك الإدخال.

المقدم: حتى مع سيدنا نوح قال (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ (27) المؤمنون)

د. فاضل: (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) نوح) إذن السلوك كثيراً ما يكون في سلوك الأمكنة والسبل والطرق. لاحظ حتى في القصص سلوك الصندوق إلى قصر فرعون، سلوك أخته (قصّيه)، سلوك موسى في طريقه إلى مدين، سلوكه إلى العبد الصالح، سلوكه إلى مصر جاء بأهله، كل هذا غير موجود أصلاً في النمل. إذن كلمة أُسلُك أنسب في سياق القصة. الأمر الآخر الإدخال قد يكون فيه صعوبة والسلوك أيسر (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل) (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ (21) الزمر) أدخِل قد يكون فيه مشقة ولذلك إستعمل السلوك في مقام السلوك لما كان خائفاً، أدخِل أشق. إضافة إلى أنه فعل دخل ومشتقاته في سورة النمل تردد خمس مرات في عموم السورة ولم يرد أساساً في سورة القصص. السلوك أصلاً لم يرد في النمل. هذا من ناحية، إذن أدخِل فيها صعوبة أصعب فجعلها في مقام الأمن.

المقدم: ربما ما تفضلتم به ملاحظات صحيحة في كلا السورتين لكن يبقى السؤال لماذا استخدام صيغة دون صيغة مع أن المعنى واحد تقريباً؟ المعنى أن سيدنا موسى يدخل يده في جيبه تخرج بيضاء من غير سوء.

د. فاضل: أيضاً اسلك يدك في جيبك معناها أدخِل يدك في جيبك.

المقدم: والفرق بين سآتيكم ولعلي آتيكم؟

د. فاضل: (لعلي آتيكم) ترجّي، (سآتيكم) قطع وجزم. موسى في النمل آمِن وليس فيه خوف لم يذكر له الخوف أصلاً فقط عندما ألقى العصى قال (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)). القصص السورة كلها مبنية على الخوف ولذلك الترجّي في مقام الخوف (لعلي) والقطع في مقام الثقة (سآتيكم)

المقدم: هو ماذا قال؟ لعلي أو سآتيكم

د. فاضل: الإثنين. الآن أنت ستسافر تقول لأهلك أنا سآتي المساء، لعلي أستطيع أو تقو أنا إن شاء الله لعلي أستطيع أن آتيكم لا، لا، سأتيكم.

المقدم: يجوز، تقول الأمرين لعلي وسآتيكم.

د. فاضل: هو ذكر الأمرين ذكر (لعلي) في مقام الخوف وذكر (سآتيكم) في مقام الثقة.

المقدم: يعني لا تناقض ولا تعارض بين اختلاف الملامح الموجودة في قصص القرآن باختلاف السور؟

د. فاضل: هذا في حياتنا المستعملة ما نقوله نحن لأهلنا وما نقوله للآخرين، تقول أنا سآتيكم يوم الإثنين إذا قدرت، لا، لا، آتيكم. يمكن أن أسافر بعد يومين، لا، لا، سأسافر. هذا يحدث، إذن أنت قلت الإثنين. يبقى الاختيار، كيف تختار كل واحدة في موضع؟ هذا إختيار فني بحسب الحالة، في موقف الخوف قال (لعلي) وفي موقف الثقة قال (سآتيكم) ليس بينهما تعارض ولا تناقض وإنما هذا أمر طبيعي نستعمله في حياتنا.

المقدم: ماذا عن شهاب قبس وجذوة؟

د. فاضل: الشهاب هو شعلة النار الساطعة، قبس يعني مقبوسة من النار. الجذوة هي الجمرة يعني حطب فيه نار بلا دخان. ماذا سيحضر لهم؟ قال سآتيكم بجمرة، لا، لا، سآتيكم بشعلة من النار أفضل. أنا سأذهب إلى النار لعلي أحضر لكم جمرة، لا، لا، سآتيكم بشهاب.

المقدم: يرتقي في تغيير ما يريده من هنالك

د. فاضل: هو يقول الاثنين، على أمل يقول سآتيكم بجمرة ثم يقول لا سآتيكم بشهاب. شهاب قبس يعني مقبوس من النار، الجذوة هي جمرة، أيُّ الأقوى؟

المقدم: الشهاب

د. فاضل: الشهاب شعلة ساطعة فيها استنارة وفيها دفء أقوى. في مقام الأمن والقوة قال (سآتيكم) وبشهاب قبس وفي مقام الخوف قال جذوة. قال الاثنين لكن كل واحدة وضعها في مقام اختيار فني في غاية الدقة.

المقدم: وكأني بالله سبحانه وتعالى في قصص القرآن يعبر عن الحالة الشعورية النفسيى لما يتكلم عنه بالضبط

د. فاضل: ويضعها في مكانها. عندما نتكلم عن شخص فيه جوانب متعددة كل مرة نذكر جانباً من الجوانب.

المقدم: لا تعارض إذن كما قلت نتحدث عن شخص نقول هو شاعر، هو كاتب، فإذا ما جمعنا هذه الملامح يخرج الإطار العام للمتحدّث عنه.

د. فاضل: حتى لاحِظ في النمل قال (فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ (12)) تسع آيات، وفي القصص قال (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (32)) برهانان

المقدم: مرة يقول القوم ومرة الملأ ومرة برهانان ومرة تسع آيات

د. فاضل: كله صحيح. القوم أوسع من الملأ لأن الملأ هم خاصة الملك، البطانة. والقوم أعم وأشمل، تشمل كل الرعية، لما اتسع قال قوم وتسع آيات ولما قال ملأ قال برهانان الحية واليد وعند القوم تسع آيات. ووضعها في موضع الثقة وسّع المهمة (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وفي مقام الخوف ضيّق المهمة، ليس هنا تناقض فالاثنين حصلا، للملأ أولاً ثم للقوم لم يحصل أيّ تناقض ولا اختلاف.

—–فاصل—–

سؤال: تعبيرات القرآن في غاية العجب وغاية الدقة. من قراءات حضرتك ألم يرد لك شعر أو كتاب أو بلاغة أو أدب بقمّة بلاغة القرآن؟

د. فاضل: لا، لا.

المقدم: مع أنهم أصحاب لغة ويستطيعون نظم الكلمات وفي الشعر عندهم بلاغة في الشعر

د. فاضل: صحيح، لكن ليس من يملك كلمات أو يعرفها يستطيع أن يصنع شعراً. اذكر أحد أساتذتنا صار فيما بعد رئيس مجمع علمي رحمه الله تعالى كان في المجامع العلمية هو شاعر ويتحدث كلاماً كان إذا تحدث أعضاء المجامع الأخرى يستعيدون الكلمات التي كان يقولها والعبارات. العبارة نحن نستمتع بالشعر ونقول له أعِد، هو إذا تحدث هكذا بالكلام يقولون أعد هذه العبارة، عذب الكلام بحيث تريده أن يستعيد العبارة مرة ومرة أخرى، كلنا نعرف الكلمات التي يقولها وليس فيها شيئاً جديداً ونفهمها وليس فيها مستغرب

المقدم: لكن كيف ينظمها.

سؤال: (يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا (75) النساء) أين هذه القرية؟.

د. فاضل: هذه هي مكة. هنا في مكة هذه الاية الوحيدة التي لم ينسب الظلم إليها وإنما نسب الظلم إلى أهلها تعظيماً توقيراً لها فقط. ربنا قال (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ (102) هود) (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً (11) الأنبياء) (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ (45) الحج) (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ (48) الحج) ينسب الظلم للقرية إلا مكة نسب الظلم لأهلها وليس لها إكراماً لها وتشريفاً لها. لذا قال (الظَّالِمِ أَهْلُهَا) لم يقل الظالمة. في كل القرآن (ظالمة) إلا مكة (أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)

المقدم: اللهم اجهل نهايتنا فيها بهذا المقام وهذا التشريف!

سؤال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة) بدأ تعالى من ثلاثة وترك البداية من اثنين وذكر الأعداد الفردية وترك الأعداد الزوجية فهل من لمسة بيانية في هذا؟

د. فاضل: أولاً المسألة ليست أعداد فردية وأعداد زوجية. أصل المسألة قيل أن قوماً من المنافقين تخلفوا على هذا العدد نوعين: ثلاثة وخمسة، هذا هو العدد تحديداً

المقدم: إذن العدد مقصود في حد ذاته

د. فاضل: طبعاً في قوم من المنافقين، هم ثلاثة في مكان وخمسة بدأوا يتناجون فيما بينهم مغايظة للمؤمنين. ربنا حكى الواقعة كما هي اشار إليها تعريف بالواقع (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) يعني انتبهوا ربنا ليس غافلاً عنكم أيها الثلاثة وأنتم أيها الخمسة ربنا ليس غافلاً عنكم، فهو أولاً تعريض لهم. هذه مسألة والمسألة الأخرى التناجي لا يكون أقل من اثنين إذن لا يمكن أن يقول ولا أدنى من ذلك لو قال اثنين، فلما قال الثلاثة دخل الاثنان فيها ولما قال أربعة دخل الثلاثة إذن دخل الاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة أيضاً (وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ). إذن هذا استوفى لو بدأ بالاثنين ما يقول أدنى من ذلك، لو بدأ بأربعة الاثنين لا يدخلون لأن الذي أدنى لا يدخل فيه اثنين، فلا يكون اثنين. إذن هذه دخل فيها الجميع، كل التناجي دخل لو بدأ بالأربعة لا يدخل فيها الإثنين. أصل المسألة على الحقيقة أولاً ثلاثة وخمسة ثم إن التعبير هكذا.

المقدم: العرب كانت تعرف الأرقام؟

د. فاضل: نعم تعرفها لكن كتابة الأرقام ورسم الأرقام تأخر للقرن الرابع

المقدم: لم تكن تكتبها، وهل الرسم هو كما نرسمها الآن؟

د. فاضل: هي دخلت لنا عن الهندية، دخلت عدة صور وعدة مجامع أدخلها الخوارزمي، عدة مجامع، عدة صور لكن العرب إختار هذه وحسّنها، اللاتينية لم تدخل، إرجع إلى جميع المخطوطات لا تجد صورة للأحرف اللاتينية

المقدم: الإفرنجية التي هي 1،2،3 إنما الموجود (واحد، اثنثن ثلاثة كما نكتبها نحن) البعض يقولون أن الإفرنجية هي هكذا 1،2 هذه أرقام عربية

د. فاضل: تسمى أرقام عربية لأنها نُقلت عن العرب. هذه الصور كلها نقلِت إلى العرب لكن هذه الصورة نقلت من الأندلس إلى أوروبا فسميت عربية لأنها نُقِلت عن العرب وليس لأن العرب استعملوها إنما لأنها نُقِلت عنهم وهذه كُتب عنها كثيراً.

سؤال: في القرآن سورة الأنعام (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12)) وفي آية أخرى (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (54) الأنعام) حذف الفعل وذكر الفاعل وما اللمسة البيانية الموجودة في كلا الآيتين؟

د. فاضل: لو نقرأ الايتين يتضح الجواب عن السؤال. (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (12)) ذكره قبله (قل لله). الآية الأخرى (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54)) لو لم يذكر الفاعل من الذي يكتب؟ لا بد أن يذكره هنا لأنه لم يمر له ذكر بينما في الأولى ذكر الفاعل (قل لله) فلا بد من ذكر الفاعل في الثانية فقال (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)

المقدم: كتب بمعنى قضى؟ أم بمعنى الكتابة؟ كيف كتب على نفسه الرحمة؟

د. فاضل: قضى على نفسه الرحمة.

المقدم: سبحانه الرحيم إذن لن نعذّب بإذن الله تبارك وتعالى

سؤال: من التعابير الشائعة أن نقول فلان في ذمة الله هل هذا التعبير اللغوي صحيح؟

د. فاضل: الذمة هي العهد والكفالة والأمان.

المقدم: يعني يجوز أن نقول في ذمة الله؟ أم نقول إنتقل إلى رحمة الله؟

د. فاضل: لا إشكال فيها، إلى رحمة الله، في ذمة الله في عهده وكفالته وأمانه، لا حرج.

سؤال: عندما يتكلم سبحانه وتعالى عن عملية إحياء الأرض يقول مرة من بعد موتها ومرة بعد موتها (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) الروم) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا (63) العنكبوت) فما الفرق؟

د. فاضل: (من) ابتداء الغاية. (من بعد موتها) يعني ربنا لا يحتاج إلى فاصل أو مدة ليحييها وإنما يحييها مباشرة بعد موتها بلا فاصل لا يحتاج إلى فاصل ولا إلى مدة. (بعد موتها) ليس بالضرروة. يبقى السياق.

المقدم: فيها تراخي مثلاً؟

د. فاضل: (بعد موتها) عامة قد تكون هذه وقد تكون تلك، مطلقة. إذن (من) فيها بيان على عظمة الله وقدرته، لا يحتاج إلى فاصل، هذا يدل على العظمة والقدرة. لو نضعها في سياقها (من بعد موتها) وضعها في سياق المشركين لبيان مقدار قدرة الله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت) نفى عنهم العقل، أنتم تعرفون أنه يحيي الأرض من بعد موتها بلا فاصل فلماذا لا تعبدونه؟ ذكرها في مقام الشرك. الآية الأخرى (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) الروم) (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) النحل). إذن تلك في مقام التبكيت والتنكيل بعقول الذين أشركوا، أما هذه فقال (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت).

سؤال: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) الروم) ما دلالة عطف النهار على الليل؟ ولماذا لم يقل وابتغاؤكم بالنهار من فضله؟

د. فاضل: الابتغاء قد يكون بالليل وقد يكون بالنهار، ليس كل الناس تنام في الليل، قسم شغلهم بالليل، هناك عمل في الليل، هناك حرّاس في الليل. الإطلاق هو الصواب وليس التخصيص.

المقدم: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) هناك أناس تنام بالنهار

د. فاضل: طبعاً إذا كان حارساً بالليل ينام بالنهار، إذن هو ليس مجدداً ولا مقيداً.

المقدم: هل الآية تعني النوم بالليل أم بالنهار أم بهما معاً؟

د. فاضل: الناس هكذا منهم من ينام بالليل ومنهم من ينام بالنهار ومنهم من يبتغي فضله بالليل ومنهم من يبتغي فضله بالنهار، لا تحتاج إلى تحديد أصلاً الإطلاق هو الصحيح. لماذا يحدد فضله بالنهار والليل؟!

المقدم: يقولون (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ) الفهم أن آية الله سبحانه وتعالى أن ننام بالليل لا ننام بالنهار؟ أم أن الآية هو النوم في حد ذاته؟ ليس النوم بالليل

د. فاضل: النوم والابتغاء من الفضل وليس من باب التقييد

المقدم: ليس من باب التقييد أن يكون النوم بالليل. البعض يقيسون على قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) النبأ)

د. فاضل: لباس يعني ستر

المقدم: ليس نوماً؟

د. فاضل: ليس بالضرورة

المقدم: يقولون النوم بالليل مفيد جداً.

د. فاضل: هذا أمر آخر. لكن واقع الحياة هناك من يعملون بالليل فليس هناك داعي للتحديد أصلاً.

سؤال: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) ما الفرق بين يريد وأراد؟ ما دلالة تغير صيغة الفعل بين الماضي والمضارع؟ وما اللمسة البيانية فيها؟

د. فاضل: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) العاجلة هي الدنيا، من كان يريد تعني الاستمرار، من كان همّه وديدنه الدنيا فقط ولا يريد الآخرة. الاستمرار في الدنيا على إرادة الدنيا همّه ذلك، ديدنه ذلك ومستمر على ذلك، هذه (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) القدر الذي نشاؤه لا يشاؤه هو

المقدم: القدر الذي يشاؤه الله سبحانه وتعالى لا على إرادة العبد (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ)

د. فاضل: ليس بالضرورة أن ينفذ الله له إرادته، الأمر لله

المقدم: القدر الذي يساؤه الله ويريده الله

د. فاضل: القدر الذي يشاؤه ولمن يريد

المقدم: ليس كل من يريد العاجلة يؤتاها.

د. فاضل: القدر الذي نشاؤه ولمن نريد ليس لكل من طلب. بينما الآخرة لا، (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) ذاك ما نشاء لمن نريد. إذن الدنيا لا يؤتيها لكل من يشاء

المقدم: كل من يريد تأتيه الدنيا

د. فاضل: ليس بالضرورة (مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ)

المقدم: يقال أن غير المسلمين إختاروا الدنيا فربنا أعطاها لهم

د. فاضل: (مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) القدر الذي يريده

المقدم: لم يعطهم ربنا الدنيا لأنهم أرادوها وإنما لأنه شاء يعطيها لهم

د. فاضل: القدر الذي يريده

المقدم: سبحانه. ليس القدر الذي يريده الطالب.

د. فاضل: أليس هناك فقراء عندهم؟ إذن (مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) بينما الآخرة (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ) ليست ما نشاء لمن نريد

المقدم: لكن شرطها (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لها شروط

د. فاضل: لا بد منها

المقدم: هنالك شروط، لكن في العاجلة ما قال شروطاً.

د. فاضل: فقط، الآخرة تحتاج إلى إيمان وسعي لكن الملاحظ أنه ما قال من كان يريد الآخرة وإنما (أراد) وهذا من رحمته سبحانه ذاك غارق في الدنيا وهذا يسعى على قدر ما يسعى وربنا يجزيه ما قال من كان يريد الآخرة وإنما قال (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ) مجرد إرادته والسعي هذه رحمة عظيمة. ما قال من كان يريد الآخرة، من أراد الآخرة وسعى لها وأراد وهو مؤمن.

المقدم: اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم.

بُثّت الحلقة بتاريخ 29/10/2009م


الحلقة 199 من اللمسات البيانية

رابط الحلقة كاملة من قسم الفيديو في موقع إسلاميات

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2015

روابط الحلقة من قسم الفيديو في موقع إسلاميات

2009-10-30 09:09:07الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost