الحلقة 205
ختام اللمسات البيانية في سورة يس – اللمسات البيانية في سورة هود
المقدم: في اللقاءات المنصرمة كنا نتحدث في سورة يس مستنبطين اللمسات البيانية الموجودة فيها وواقفين على بلاغيات هذه السورة كما تبين لنا من خلال الآيات الكريمات اليوم نكمل اللقاء ونأتي على نهاية السورة بإذن الله تبارك وتعالى، هل هناك ارتباط بين بداية هذه السورة وبين آخرها؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. ارتبط آخر السورة بأولها ارتباط جميل وإيما ارتباط. لاحظ هو قال في أواخر السورة (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74)) إلى أن يقول (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)) في أول السورة ذكر في المعاندين (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74)) – (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) و(وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10)) كأنما السياق واحد. ذكر الحياة بعد الموت في الموضعين: ماذا قال في أواخر السورة؟ (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) وفي أول السورة قال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى (12)). من يحيي العظام وهي رميم؟ إنا نحن نحيي الموتى.
المقدم: إرتباط عحيب، قوي بالفعل.
د. فاضل: ارتبط ذكر النسيان والغفلة في الأول والآخر. ماذا قال في الآخر؟ (وَنَسِيَ خَلْقَهُ (78)) وقال في أول السورة (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)). نسي نفسه وأيضاً غافل عن الإنذار، غافل عن خلقه وغافل عن الإنذار، جمع الغفلة عن النفس والغفلة عن الرسالة.
المقدم: هذا الترابط الذي نراه بالفعل يقدم صورة بيانية وبلاغية لكن هل هذا الترابط مقصود في حد ذاته إذا جاز لنا أن نسأل؟
د. فاضل: كل كلمة في القرآن هي مقصودة. نحن كثيراً ما نردد أن التعبير القرآني تعبير فني مقصود.
المقدم: يعني حتى ارتباط البدايات بالأواخر بالنهايات، التقسيم والوضع هكذا مقصود أيضاً؟
د. فاضل: حتى الرازي قال القرآن كله كالآية الواحدة من حيث الارتباط كأنه آية واحدة، الإرتباط موجود.
المقدم: ماذا في السورة أيضاً؟
د. فاضل: ابتدأ السورة بذكر الرسالة الخاتمة وخاتم الرسل (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) وختمها بختام الدنيا. بدأها بخاتم الرسل (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وختمها (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) ذكر الأمرين ذكر بدأت السورة بالإرسال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وانتهت بالرجوع إلى المُرسِل.
المقدم: لفتة طيبة، (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
د. فاضل: فبدأت بالإرسال والكتاب وانتهت بالرجوع إلى من أرسل. إذن هي مرتبطة ارتباطاً جميلاً جداً بين أوائل السورة وأواخرها.
اللمسات البيانية في سورة هود
المقدم: نشرع في سورة جديدة هي سورة هود بإذن الله تبارك وتعالى واقفين على اللمسات البيانية الموجودة في سورة هود. لكن بداية أفتح حديثي عن هذه السورة بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم “شيبتني هود وأخواتها”. ما معنى هذا الحديث؟ ولماذا شيبته هود؟ وما هي أخوات هود؟
د. فاضل: هم يقولون أشد آية وأشق آية نزلت في سورة هود (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود) قالوا هي أشد آية وأشق آية ما نزلت على الرسول r آية أشد من هذه الآية. وقيل لما نزلت هذه الآية قال الرسول r صلى الله عليه وسلم لأصحابه “شمِّروا، شمِّروا”. قيل لأنه ذكر في هذه السورة قسم قال ذكر أهوال يوم القيامة، قسم قال شيبتني هود وأخواتها وما فُعل بالأمم قبلها لأنه في السورة ذكر الأمم وأحداثها، قصة نوح وما حصل فيها والعقوبات التي صبّها ربنا سبحانه وتعالى على قوم عاد وثمود وغيرهم ما فعل فيها في الأمم ما قبله وما ذكر من أهوال الساعة فقال “شيبتني هود وأخواتها”. قسم قال “وأخواتها” وقسم لم يقل “وأخواتها”
المقدم: يعني ومثيلاتها في القرآن تهديد ووعيد وأهوال القيامة..
د. فاضل: نعم، ما فيها من تهديد ووعيد
المقدم: موقع سورة هود مع السورة التي قبلها والسورة التي بعدها كيف تراها؟ واللمسة البيانية الموجودة في هذا الموقع للسورة تحديداً؟
د. فاضل: سورة هود تبدأ بقوله تعالى (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) السورة التي قبلها سورة يونس بدأت (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)) ذكر الوصف بأنه حكيم وفي سورة هود ذكر من أحكمه فقال (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير)، هناك ذكر بأنه حكيم وهنا ذكر من أحكمه (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير) فالذي أحكمه هو الحكيم الخبير. في يونس قال (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) وهنا قال (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) فالذي أحكمه هو الحكيم الخبير، هذا بالنسبة للكتاب. بداية السورة التي بعدها سورة يوسف قال (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)) ماذا قال في هود؟ أحكمت وفصلت (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) أيّ كتاب تحكم آياته وتفصل فهو مبين.
المقدم: ما معنى مبين؟ من الإبانة؟
د. فاضل: ظاهر ومُظهِر. أيّ كتاب تُحكمه وتفصله صار ظاهراً ومُظهراً إذن مبين. فلما قال أحكمت ثم فصلت صار مبيناً. إذن ارتبطت بداية السورة بما قبلها في بداية سورة يونس وبما بعدها بداية سورة يوسف، بالبدايتين، هذا أمر. إذن هذا من حيث البدايات. ماذا قال في خاتمة السورة التي قبلها سورة يونس؟ قال (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) ما يوحى إليه هو طبعاً الكتاب الذي أُحكمت آياته الذي ذكره في سورة هود. (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) فإذن أحكم الكتاب هو خير الحاكمين. خير الحاكمين هو الذي أحكم الكتاب سبحانه وتعالى. ثم ناسب قول (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) قول (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) الحكمة والحكم.
المقدم: الحكيم من الحكمة أو من الحُكم؟
د. فاضل: كلاهما. الحكيم للحاكم وهو الذي يقضي بمعنى القضاء، ومن الحكمة أن يحسن القول والفعل.
المقدم: هل يستغني أحدهما عن الآخر؟
د. فاضل: قد يكون الحاكم غير حكيم.
المقدم: وقد يكون الحكيم غير حاكم.
د. فاضل: فإذن هنا ناسب قوله (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) قول (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) لأن الحكيم قد يكون بمعنى الحاكم والحاكم لا شك إذا كان ذا حكمة هو خير الحاكمين. إذن ناسب افتتاح السورة خاتمة السورة التي قبلها، إذن صار تناسب في البدايات وتناسب في الخاتمة. نلاحظ أمراً آخراً، قال في افتتاح سورة هود في الآية الثانية (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)) وقال في خاتمة سورة هود نفسها (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123))، (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) هذا خطاب للناس (فَاعْبُدْهُ) خطاب للرسول، إذن الخطاب للمبلَّغين والمبلِّغ يأمرهم بالعبادة كلاهما. لا يأمرهم بشيء هو لا يفعله كما يأمرهم بالعبادة هو نفسه مأمور بالعبادة. (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) – (فَاعْبُدْهُ) كما بلّغت أنت مأمور بالعبادة، كما أنت مأمور بالتبليغ أنت مأمور بالعبادة. إذن صار هناك تناسب بين خاتمة السورة وبدايتها.
الآية الأولى في السورة (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ (1)) خواتيم السورة قال (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)). (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ) يقص عليك من الكتاب الذي أُحكمت آياته. (ثُمَّ فُصِّلَتْ) – (وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) هذا تفصيل، حق وموعظة وذكرى، ذكر في البداية فصلت آياته ثم ذكر في الأخير آليات التفصيل الحق والموعظة والذكرى فإذن صار تناسب بين الأول والخاتمة في الأجواء العامة للسورة. ثم الذي يختار من القصص ما يثبت به الفؤاد هو حكيم خبير. والذي يأتي بالحق والموعظة والذكرى حكيم خبير. إذن الآيات اتصلت من كل ناحية.
المقدم: في الآية الأولى (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) ماذا في تأليف هذه الآية من النواحي البيانية والبلاغية؟
د. فاضل: الذي أحكمه هو الحكيم الخبير والذي فصّله هو الحكيم الخبير. طبعاً ليس هناك من يحكم أو يفصل أفضل من الحكيم الخبير. لكن أذكر أمراً هو ذكر (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) ذكر الإحكام والتفصيل في الكتاب لم يرد الإحكام والتفصيل في الكتاب في غير هذا الموضع، إما أن يذكر الإحكام أو التفصيل.
المقدم: لم يجتمعا إلا هنا؟ أحكمت ثم فصلت
د. فاضل: إما يقول (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) يونس) أو أنه فصّل في مكان آخر قال (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (3) قصلت) (وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً (114) الأنعام) لكن الإحكام والتفصيل لم يرد إلا في آية سورة هود (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ). لم يجمع هذين الوصفين الإحكام والتفصيل إلا في هذا الموضع.
المقدم: هل لهذا دلالة معينة؟
د. فاضل: الحكيم ذو الحكمة البالغة، إحسان القول والعمل وضعهما في الموضع الذي ينبغي أن يوضعا فيه، هذا الحكيم. الخبير الذي يعلم بواطن الأمور، ما أعظم هذا الكتاب الذي أحكمه وفصله الحكيم الخبير!. لاحظ ذكرنا قبل قليل أن الحكيم قد يكون له الحكمة إذن سيكون أحكم آياته الذي بيده الحكم والأمر وهذا يدل على رفعته مكانته لأن أهمية الكتاب تكمن أهميته في أمرين: الجهة التي أصدرته، كتاب الموظف الصغير ليس مثل كتاب المدير ولا مثل كتاب الوالي ولا كتاب السلطان إذن الكتاب أهميته تكون من أهمية المرسِل، هذا أمر. والأمر الآخر إضافة إلى الجهة هو محتواه. الكتاب تأتي أهميته من أمرين إما من المرسِل ممن صدر؟ ثم ماذا فيه؟ الجهة ذكرها (حكيم خبير) هذا يدل على العلو، الحكمة محتواه إذن هو دل على رفعته بكل مقتضيات العلو والرفعة حاكم وحكيم وخبير والحكمة محتواه والأمر طلب عبادة الله وتوحيده. هذا شأن الكتاب المذكور في اول السورة إنه كتاب محكم أحكمه حاكم حكيم خبير، هذا يدل على رفعة الكتاب. نلاحظ في السورة ذكر في مواطن تعظيم هذا الكتاب في السورة نفسها، لما ذكر في السورة هذا شأن الكتاب الذي (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) ولم يجتمع هذان الأمران في موطن آخر والذي فعل هذا هو الحاكم الحكيم الخبير. نلاحظ في السورة يذكر تحدي المعاندين والمعارضين (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (13)) هذا الكتاب الذي أحكمه الحاكم والخبير (قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)) يأتي بمنزلة هذا الكتاب (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)). ومرة أخرى يقول (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ (17))
المقدم: في مرية من ماذا؟
د. فاضل: من الكتاب (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ). يأتي في موطن آخر (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود). يأتي في موطن آخر، في البداية يعظم الكتاب في السورة وكلها تتناسب مع التعظيم في الأول، (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)) تعقيب على قصة نوح.
المقدم: الكتاب لسيدنا نوح أم هو القرآن؟
د. فاضل: القرآن. (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)
المقدم: وهذا لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
د. فاضل: طبعاً.
المقدم: هو يخبر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بسيدنا نوح والأنبياء من قبله
د. فاضل: بالقصة، وهو لم يكن يعلم عنها لا هو ولا قومه (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هذا أول إخبار وإعلام لك ولقومك.
المقدم: ولا في قصص بني إسرائيل ولا غيره.
د. فاضل: قومه لا يعرفون، من أخبره؟ لو كانوا يعلمون لقالوا نحن نعلم، لكن (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) بشره بالعاقبة. إذن نلاحظ حتى في الآخر يقول (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) كلها تدل على تعظيم الكتاب وهذه كلها متناسبة مع الاية الأولى (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)
المقدم: بيّن أوجه الإحكام والتفصيل
د. فاضل: وبيان علو ومنزلة هذا الكتاب في مدار السورة، كلما تأتي مناسبة يذكر هذا الأمر بشكل معين، ما أجلّ هذا الكتاب! ما أعظم هذا الكتاب الذي أُحكمت آياته ونُظمت نظماً محكماً ليس فيه نقص ولا نقض وما إلى ذلك. فصل ما يحتاج إليه العباد بحيث لم يترك شيئاً، تفصيل. ثم جاء بـ (ثم) (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ)
المقدم: ما دلالة بناء الفعل للمجهول؟
د. فاضل: الأولى وصف الكتاب والثانية لله للمفصِّل.
المقدم: (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)
د. فاضل: هذا تعظيم لشأن الكتاب
المقدم: و(ثُمَّ فُصِّلَتْ)؟
د. فاضل: كلها للكتاب ثم ذكر المرسِل من الذي فعل هذا؟ الأولى الثناء على الكتاب ثم ذكر الجهة التي فعلت ذلك.
المقدم: ونظر للكتاب من هذين الوجهتين.
د. فاضل: (ثم) هنا لترتيب الإخبار ليس لترتيب الوقوع في الزمن
المقدم: الإحكام كان أولاً ثم التفصيل؟
د. فاضل: لا، وإنما أخبره كما تقول فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل، تخبر إخباراً وليس ترتيباً زمانياً وإنما ترتيب إخباري كما ذكر أكثر من مرة في (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿١٢﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿١٤﴾ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿١٥﴾ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿١٦﴾ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴿١٧﴾ البلد) لو لم يكن مؤمناً لا قيمة لما أنفق، هذا ترتيب يسمونه ترتيب الإخبار لا ترتيب الوقوع. وقسم يقول تراخي بين المنزلتين، هنالك منزلة أعلى من منزلة فتأتي بـ (ثم) لبعد ما بين المنزلتين.
المقدم: (أُحكِمت) بمعنى ماذا؟
د. فاضل: نظمت نظماً رصيناً ليس فيه نقض وخلل ولا أي شيء.
المقدم: هذا معنى أُحكِمت.
المقدم: الكتاب هنا هو القرآن الكريم المصحف الذي بين أيدينا الآن؟
د. فاضل: طبعاً، هو الكتاب
المقدم: واللوح المحفوظ؟ هو كتاب أيضاً؟
د. فاضل: كتاب.
المقدم: لكن تأتي مطلقة (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) خاصة بالقرآن الكريم وليس باللوح المحفوظ
د. فاضل: لأنه ذكر بعدها (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (2)) هذا في الكتاب.
المقدم: هل هنالك فارق لغوي أو بياني بين الحكيم والخبير؟
د. فاضل: الحكيم هو الذي يضع الأمور، يقولون الحكمة هي توثيق العلم بالعمل. وضع الشيء في محله قولاً وعملاً هذا الحكيم والذي إذا فعل وضع الفعل في مكانه وإذا قال قاله في مكانه إحسان القول والعمل، هذا الحكيم. والخبير هو الذي يعلم بواطن الأمور.
المقدم: هنالك فرق كبير. (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)) ما المعنى اللغوي لقوله تبارك وتعالى (أَلاَّ تَعْبُدُواْ)؟ (ألا) هنا نافية؟
د. فاضل: (أَلاَّ تَعْبُدُواْ) محتمل أن تكون على التعليل، هنالك لام التعليل محذوفة (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) البروج) يعني إلا لأنهم يؤمنوا. هذا حذف قياسي، حذف اللام لام التعليل مع (أن) قياسي “جئت أن أستفيد”
المقدم: جئت لأستفيد
د. فاضل: إذن احتمال كبير وهو الذي يذهب إليه قسم غير قليل من المفسرين لأنه لئلا تعبدوا إلا الله، تعليل. إذن هذه ستكون للتعليل وعلى هذا ستكون (لا) نافية. وقسم يقول (أن) مفسِّرة و(لا) ناهية يعني أن لا تعبدوا.
المقدم: عجيب! (لا) تحتمل أن تكون نافية وناهية!
د. فاضل: تحتمل. لو جاء باللام لقطع.
المقدم: هي نافية وناهية، نهي بأن لا تعبد إلا الله سبحانه وتعالى ونفي ما دون ذلك
د. فاضل: لئلا تعبدوا إلا الله.
المقدم: دقة متناهية واختيار عجيب فعلاً!.
المقدم: (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)) هذا القول في كلمة (إنني) هناك نونان وفي غير ما آية في القرآن الكريم (إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) الذاريات) نون واحدة، ما الفرق بين إني وإنني؟
د. فاضل: إني وإنني من حيث الدلالة العامة واحدة، يبقى اختيار الكلمة. النون هي نون الوقاية. يمكن أن نقول إني. نون الوقاية أكثر ما تقع بين الفعل وياء المتكلم مثل أعطاني وأكرمني
المقدم: تقي الفعل من الكسر
د. فاضل: نعم، ولها أسباب أخرى.
المقدم: هي تأتي في الفعل والإسم الحرف؟
د. فاضل: لا، لا تأتي في الإسم
المقدم: لدنّي؟
د. فاضل: هذا خاصة بكلمات وليست عامة. تأتي مع (لدن) لكن تأتي أحياناً مع (إنّ) وقسم من الأحرف المشبهة بالفعل (إني وإنني، ليتي (قليلاً ما تستعمل) وليتني ولعلي ولعلني وكأني وكأنني). نحن نعتقد أن (إنني) آكد لأن فيها ثلاث نونات، نون (إنّ) عبارة عن اثنين ونون الوقاية.
المقدم: ما دلالة اختيار (إنني) هنا؟
د. فاضل: هو ذكر وصفين للكتاب الإحكام والتفصيل ففصل بذكر النونين، إحكام وتفصيل. ذكر وصفين في المبلِّغ إنذار وبشارة (نذير وبشير) أيضاً هنا أمرين وهذا أيضاً ناسب ذكر النونين. يدلك على ذلك أنه إذا أفرد الإنذار يقول إني ولا يقول إنني.
—–فاصل——
المقدم: نكمل (إنني) واختيارها في هذا الموقف بالذات.
د. فاضل: ذكر الإنذار والبشارة (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) فذكر نونين. الملاحظ أنه إذا أفرد الإنذار
المقدم: يعني جاء بالإنذار مفرداً دون البشارة؟
د. فاضل: نعم، لا يقول إنني حيثما وردت وإنما يقول (إني لكم نذير) في خمسة مواضع في القرآن الكريم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) هود) (إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) الذاريات) (إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51) الذاريات) (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) نوح) لما زاد البشارة زاد النون. ذكر الأحكام والتفصيل زاد النون. مناسبة فنية لذكر النون.
المقدم: القرآن لا يراعي إختيار المفردة فقط لكن يراعي جميع الأحداث والملابسات التي تتناولها الآية الكريمة.
د. فاضل: السياق عجيب.
المقدم: الملاحظ في هذه الآية أن الله تبارك وتعالى قدم الإنذار على البشارة (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) وفي غيرما مكان في سورة فصلت مثلاً يقول (بَشِيرًا وَنَذِيرًا (4)) يقدم البشارة على الإنذار، فلِمَ اختلف الترتيب وما اللمسة البيانية؟
د. فاضل: لو لاحظنا جو السورة في هود كلها إنذارات، قصة عاد ونوح
المقدم: السمت العام للسورة الإنذار لهذا قدّمه؟
د. فاضل: قدّم الإنذار، سياق السورة في الإنذار، جو السورة إنذار (أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) هود). لو قرأنا الآية في فصلت (حم ﴿١﴾ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٢﴾ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣﴾ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿٤﴾) قال (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الرحمن الرحيم يناسبه البشارة أم الإنذار؟
المقدم: البشارة.
د. فاضل: قدّم البشارة. الرحمن الرحيم قدّم البشارة. لما قدم البشارة في سورة فصلت ذكر بشارة الملائكة للمؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) بشارة. في سورة هود ليس فيها هذا الأمر فهي مناسبة للسياق العام والمقام العام والسياق الخاص واختيار كل تعبير تقديم وتأخير في مكانه.
المقدم: على هذه الوتيرة قال (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)) ذكر (منه) وفي مواطن أخرى لم يذكر (منه)
د. فاضل: قبل هذا، من الملاحظ في القرآن أنه لم يجمع بشير ونذير لرسول من الرسل إلا محمد صلى الله عليه وسلم. لم يقل مع رسول من الرسل نذير وبشير إلا مع محمد صلى الله عليه وسلم. كل الرسل لما يتكلمون عن أنفسهم يقولون نذير فقط سيدنا محمد يقول (إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف) (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) هود) لكن لم يجمع على لسان رسول من الرسل نذير وبشير وإنما يقولون نذير.
المقدم: ذكر (منه) في الآية (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) في موضع آخر يقول (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) هود)؟
د. فاضل: إذا تقدم ما يعود على الضمير يقول (منه)
المقدم: أي ضمير؟
د. فاضل: الهاء في (منه). إذا تقدم ما يعود عليه الهاء يذكر (منه) وإذا لم يتقدم لا يذكر. مثلاً (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) هود) لو قال (منه) على من يعود؟
المقدم: لا يعود على شيء.
د. فاضل: لا يصح أن يقول (منه)
المقدم: ما الذي تقدم في سورة هود؟
د. فاضل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) لكن قوله (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) الذاريات) ففروا إلى الله، (منه) أي من الله. (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51) الذاريات) (منه) أي الله. في سورة هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2))
المقدم: إذا ذُكر قبلها ما يعود على الضمير يذكر (منه) وإذا لم يكن له عائد لا يذكره.
د. فاضل: ويذكر (منه) لنعلم أن هذا الإنذار منه، من الله سبحانه وتعالى. (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) لو قال إني لكم نذير مبين كيف نعلم أنه من الله؟ يقول (منه) أن الله هو الذي أرسلني منذراً.
المقدم: (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ) هذا الترتيب أو منه لكم؟ يعني لكم حصراً ليس لأحد سواكم؟ هل يقصد بها الجماعة الذين كانوا يعيشون آنذاك؟
د. فاضل: المخاطَبين، لكن هنالك في الأمم الأخرى هو حصراً لأقوامهم
المقدم: أما مع الرسول r صلى الله عليه وسلم فالخطاب عام لمن كانوا في وقته ولنا، لا تقال (إني لكم) يعني لهم هم وليس لنا
د. فاضل: لا، (لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ (19) الأنعام) هو خاتم الأنبياء
المقدم: سبحان الله! هو رحمة مهداة بحق، بشّرتنا بكلمة أن الرسول r حينما تكلم عن نفسه يجمع البشارة والنذارة وهذه خاصة بالرسول r عليه الصلاة والسلام
د. فاضل: لم يذكر أحد من الأنبياء عن نفسه ذلك.
المقدم: هذا شيء مطمئِن. تشملنا شفاعته بإذن الله تعالى.
المقدم: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) نظرة عامة على الآية ولماذا قدم الاستغفار على التوبة؟
د. فاضل: يقولون الاستغفار من الذنوب التي فعلها العبد. والتوبة عامة من شروطها عدم العودة.
المقدم: هو الاستغفار من ذنب معين؟
د. فاضل: هكذا الأصل فيه
المقدم: غفر في اللغة بمعنى ماذا؟
د. فاضل: ستر. استغفر طلب المغفرة وطلب الستر. الاستغفار سيكون مما سلف.
المقدم: وتاب؟
د. فاضل: يعني رجع.
المقدم: إذن شتان بين التوبة والاستغفار
د. فاضل: كل واحدة لها دلالة.
المقدم: ما المتاع الحسن؟
د. فاضل: المتاع الحسن هو الأمن النفسي والاطمئنان واطمئنان القلب هذا المتاع الحسن. الرضى بالمقدور والقناعة ورجاؤه في الله. الرجاء في الله، إفاضة النعم على المجتمع المؤمن.
المقدم: إذا تابوا إلى الله سبحانه وتعالى ورجعوا وعادوا يمتعهم متاعاً حسناً
د. فاضل: التكافل فيما بين المجتمع المسلم هذا كله متاع حسن. معاونة أحدهم الآخر، حفظ الواحد للآخر، الأُسرة للأُسر الأخرى ومعاونتها والتعاون فيما بينهم والتواصي فيما بينهم والإلفة فيما بينهم، الرضى بالمقدور والرضى باليسير والقناعة بما عند الله والرجاء هذا كله من المتاع الحسن لأن الكافر في قلق نفسي وجزع عند المصيبة ويخاف من زوال النعم بينما المؤمن يقول هذا قدر الله ربما يقدر لي ما هو أحسن ويأتيني بما هو أحسن. حتى إذا أصابته مصيبة يرضى وقسم يقول هذه فيها أجور كبيرة وهي مكفرات للذنوب، هذا متاع حسن والكافر في عذاب نفسي وهذا أشد أنواع العذاب. إذن هذا من المتاع الحسن إضافة إلى أن ربنا سبحانه وتعالى قال (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح) هذا كثير، هذا المتاع الحسن. (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)
المقدم: (مُّسَمًّى) مبني للمجهول؟
د. فاضل: هو إسم مفعول.
المقدم: مسمى يعني الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلمه، مسمى له ليس مسمى لنا. الأجل المسمى يقصد به يوم القيامة؟
د. فاضل: لا شك. بالنسبة للفرد هو أجله وبالنسبة للدنيا هو يوم القيامة.
المقدم: والإثنان لا يعلمهما أحد لا وفاته ولا يوم القيامة.
المقدم: (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) على من يعود الضمير؟
د. فاضل: فيها احتمالين: احتمال يعود على صاحب الفضل الذي يفعل الخير. يؤتيه ربنا لا يبخس منه شيئاً يؤتيه حقه بل ويزيد عليه
المقدم: الفعل هنا يؤتي الله سبحانه وتعالى، و(كل) مفعول به من البشر
د. فاضل: نعم. و(فضله) هذه الهاء في فضله احتمال يعود على صاحب الفضل واحتمال آخر أن يعود على الله إن الله يؤتي صاحب الفضل فضل الله.
المقدم: ويؤتي كل ذي فضل فضل الله، يؤتيه لصاحب الفضل في الدنيا
د. فاضل: ولذلك هي تحتمل معنيين
المقدم: أيهما ترجح؟
د. فاضل: كلاهما. ذو الفضل ربنا يؤتيه فضله ويزيد عليه والله يؤتيه فضله.
المقدم: أليس هناك عائد واحد للضمير؟
د. فاضل: الآية تحتمل لأن فيها أمرين، الله سبحانه وتعالى يؤتيه إذن يحتمل وذي فضل يحتمل، إذن يحتمل أمرين والمعنيان صحيحان ومرادان.
المقدم: (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) في قوله تبارك وتعالى (وَإِن تَوَلَّوْاْ) وأحياناً يقول (وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ (16) الفتح) بزيادة التاء، تولى، تتولى فلماذا قال هنا (تَوَلَّوْاْ) بتاء واحدة؟
د. فاضل: النحاة يقولون هذا الحذف في اللغة جائز للتخفيف.
المقدم ما هو أصل الفعل؟
د. فاضل: تتولوا. الحذف في مثل هذا في اللغة موجود للتخفيف.
المقدم: هل له قياس أم على غير قياس؟
د. فاضل: وجود تائين في المضارع يجوز التخفيف مثل تنابزوا وتتنابزوان هذا موجود، تفرقوا وتتفرقوا. ها موجود في اللغة كمبدأ عام وإن كان في القرآن أمر آخر.
المقدم: لماذا هذا الاختيار هنا؟
د. فاضل: الحقيقة في التعبير القرآني في هذا الفعل عموماً في فعل (تولوا) حيث ذكر التائين قال (تتولوا) يذكرها في الموقف الأشد. وإذا كان أخف خفف بحذف أحد التائين. تتولوا في الموقف الأشد وتولوا في الموقف الأخف. الموقف أخف يحذف التاء. مثال: هنا قال (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود) وقال (وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) الفتح). هو قال (فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ) ما قال أعذبكم، المخوف ليس بالضرورة أن يقع، قد يُدرأ. بينما في الاية الأخرى قال (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) هذا قطع. أيّ الموقفين أشد؟
المقدم: الآية الثانية.
د. فاضل: هذا أمر. قال (فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) ما قال عذاباً كبيراً وإنما قال عذاب يوم كبير، وصف اليوم بالكبر وليس العذاب. هناك قال (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وصف العذاب، أيُّ الأشد؟
المقدم: عذاباً أليماً.
د. فاضل: إذن لاحظ (تولوا) و (تتولوا). هناك مثال آخر: قال (وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52) هود) بتائين وقال (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ (57) هود) بتاء واحدة. نضعها في سياقها: قال (وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) ماذا قالوا له؟ (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)) الآية الثانية ما قالوا شيئاً (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)). مثال آخر (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) آل عمران) ما ذكر عذابهم وعقابهم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) خطاب للمؤمنين ما ذكر عقوبة. (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور)، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد) عذاب شديد، يستبدل. في القرآن حيث ورد هذا الفعل هكذا، تتولوا أشد.
المقدم: له خصيصة لكن من حيث اللغة؟
د. فاضل: هي للتخفيف. وما فيه تاء في القرآن يحتاج إلى بحث متى يأتي بالتاء ومتى يحذف لكن نتكلم عن هذه هنا.
المقدم: إذن هذه ظاهرة في القرآن
د. فاضل: ظاهرة لها دلالة عجيبة
المقدم: (إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)) ما فائدة التقديم والتأخير هنا؟
د. فاضل: تخصيص لا يرجعون إلى غيره هذا من باب الحصر والاختصاص.
المقدم: هنا يقول (إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ) فقط ومرة يقول (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا (48) المائدة) بذكر جميعاً، ما الفرق؟ وما اللمسة البيانية؟
د. فاضل: نلاحظ ملاحظة حيث ذكر جميعاً في كل القرآن إذا قال (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا) يعني جهات متعددة مختلفة، لا بد لما يقول مرجعكم جميعاً يعني أكثر من جهة. وعندما يقول (مرجعكم) المخاطبون جهة واحدة. (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) أكثر من جهة، جهات متعددة، قال جميعاً. الآية ذكرت معتقدات اليهود والنصارى، سبع آيات مستمرة في هذه المسألة. (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٠٣﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿١٠٤﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٠٥﴾ المائدة) أكثر من جهة، ذكر هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء فقال (جميعاً).
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/11/2009م
رابط الحلقة 205 من قسم الفيديو قي موقع إسلاميات
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2034
رابط الحلقة من الأرشيف
http://www.archive.org/details/lamasat301109
جودة عالية
http://ia341308.us.archive.org/3/items/lamasat301109/lamasat301109.AVI
جودة متوسطة
http://ia341308.us.archive.org/3/items/lamasat301109/lamasat301109.rmvb
mp4 جودة
2009-12-01 07:26:45الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost