الدورة البرامجية الجديدة في قناة الشارقة ابتداء من (19/2/2010م)
مواعيد بث وإعادة البرنامج:
مساء الجمعة والسبت الساعة 7 مساء بتوقيت مكة المكرمة والإعادة السبت 9.05 صباحاً والأحد 11.05 ظهراً بتوقيت مكة المكرمة علماً أن حلقة يوم الجمعة مسجلة وحلقة يوم السبت مباشرة على الهواء.
الحلقة 224
اللمسات البيانية في سورة هود 10
المقدم: اللمسة البيانية واللمسة البلاغية هي ما تزيد الكلام سحراً وإلا كما تعلمنا منكم يكون الكلام رصفاً هكذا أو كما تحتمل اللغة الكلام رصفاً هكذا بدون بيان ينقصه الشيء الكثير لكن اللمسة البيانية إذا قارنا بسورة هود ووصلنا عند قصة سيدنا نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. كما هو ملاحظ قصة نوح موزعة على ما يقرب من عشر سور في القرآن الكريم واستعرضنا بعضاً منها وتوقفنا عند سورة القمر ونود أن نعرض للمسات البيانية واللمحات العامة الموجودة في سورة القمر ثم نأتي إلى سورة نوح نفسها ولماذا توزعت القصة؟ وهل هناك تكرار أم ليس هناك تكرار؟ لكن نبدأ بسورة القمر كما تضمنت بداخلها قصة سيدنا نوح.
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. سبق أن ذكرنا أن قصة نوح وردت في عشر سور من القرآن الكريم ثم بينا فيما سبق أنها ليست مكررة وإنما يذكر في كل مكان جانب كأنه يكمل الجانب الآخر أو يذكر جانباً لم يذكر في المواطن الأخرى. حتى في الدعاء حتى في كيفية النجاة، نحن نعرض أموراً في الذكر فقط. في سورة القمر إستهل القصة كما يستهل القصص في بقية الأقوام (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ (9)) كذلك قال في الأقوام الأخرى (كَذَّبَتْ عَادٌ (18)، (كَذَّبَتْ ثَمُودُ (23)، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ (33)) إذن هي على نمط واحد من حيث استهلالها.
المقدم: من حيث النمط العام للإستهلال والبداية
د. فاضل: ثم نلاحظ أنه في سورة القمر لم يذكر أنه دعا قومه إلى عبادة الله وإنما ذكر تكذيب قومه، زجر قومه له
المقدم: زجر قوم نوح لسيدنا نوح
د. فاضل: في المواطن الأخرى ذكر العبادة (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (26) هود) (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (23) المؤمنون) هنا ذكر أمراً آخر وهو تكذيب قوم نوح. ثم دعا أنه مغلوب (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10)) المغلوب يطلب النصر
المقدم: هنا يعترف بأنه مغلوب لكن من الملاحظ في التجوال السابق ما اعترف أنه مغلوب
د. فاضل: الآن بعد أن طالت المسالة وبعد أن استمرت قروناً
المقدم: هو لبث فيهم 950 عاماً يدعوهم
د. فاضل: طبعاً. إذن الآن هذه في الأواخر
المقدم: هذه في أواخر الدعوة معهم
د. فاضل: بعد أن نفض يده من استجابتهم دعا ربه أني مغلوب والمغلوب يطلب الانتصار
المقدم: وكأن الملاحظ من هذه الدعوة أنه لم يؤمن به إلا قليل،
د. فاضل: كما قال (وما آمن معه إلا قليل)، فقال (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)
المقدم: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13))
د. فاضل: قد تقول في الشعراء تجري على نمط واحد أيضاً، قال (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٠٦﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٠٧﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٠٨﴾) وكل الرسل يقولون هكذا. لا، في سورة القمر غير سورة الشعراء، في سورة الشعراء كان يأمرهم (أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٠٦﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٠٧﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٠٨﴾) كان يدعوهم أما هنا في سورة القمر لا وإنما فقط ذكر وجهاً آخر وهو زجرهم له وتكذيبه (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) القمر).
المقدم: على هامش السيرة (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)) من الذي ازدجر؟ هل هو سيدنا نوح؟
د. فاضل: نعم، زجروه
المقدم: هم اتهموه بالجنون وزجروه
د. فاضل: وكان التعقيب على القصص كلها كان تعقيباً واحداً (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) تعقيب على موقف البشرية من الرسل على مر التاريخ. في سورة القمر قال (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴿٩﴾ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴿١٠﴾) المغلوب يطلب النصر، (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿١١﴾) بعد الدعاء الإستجابة السريعة دعا ربه – ففتحنا أبواب السماء، حتى قال (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿١٣﴾) وهذه لأول مرة تذكر كيفية صنع السفينة، (ألواح ودسر) لم تذكر في كل المواطن وإنما ذكر الفلك، الآن يصف أمراً آخر
المقدم: ما هي الألواح والدسر؟
د. فاضل: المسامير
المقدم: يعني وصف صناعة السفينة
د. فاضل: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴿١٤﴾ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴿١٥﴾ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿١٦﴾)
المقدم: ما معنى (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)؟
د. فاضل: نوح كُفِر، يعني كفر به قومه
المقدم: يعني هذا انتقام من الله لسيدنا نوح لأن قومه كفروا به
د. فاضل: ثم الآن تأتي إلى سورة نوح آخر موطن تذكر فيها قصة نوح وآخر موطن يذكر فيها إسم نوح. القصة اختتمت ذكرها من الأعراف في عشر سور ثم جاء إلى سورة نوح وهذا آخر موطن ذكرت فيه القصة
المقدم: ألا يوجد أي تكرار في هذه الملامح وفي هذه السور المختلفة؟
د. فاضل: نحن ذكرناها موطناً موطناً وفي كل موطن يذكر جانباً ولولا أن يطول المجال لكنا ذكرنا كيف تختلف في كيفية النجاة وكيفية الدعاة وفي أمور كثيرة تختلف لكن الآن استعراض عام للقصص
المقدم: وسورة نوح؟
د. فاضل: سورة نوح آخر موضع وهي أشبه بتقرير نهائي قدّمه نوح إلى ربه في مسار الدعوة، تقرير.
المقدم: ماذا تضمن هذا التقرير؟
د. فاضل: الآن انتهت المدة والآن قدّم تقريره إلى ربه، ذكر فيه موقف قومه كيف موقفهم منه، في السورة لم يخاطب قومه بشيء ولم يخاطبوه بشيء وإنما ذكر تقريراً قدّمه. قال تعالى في أول السورة (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) نوح) هذا بدء الرسالة، إذن أرسله لهذا الأمر، إذن أمره ربه بإنذار قومه (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) نوح) نوح قال مستجيباً لأمر ربه (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) تنفيذ لأمر ربه (أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ) – (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) إستجاب. ثم ذكر إلى ماذا دعاهم (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) نوح). ثم ذكر ماذا كان منه ومنهم (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)) يصف الحالة
المقدم: وكأنه يكتب التقرير فعلاً.
د. فاضل: ماذا كان موقفهم؟ (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)) ثم ذيل التقرير بمقترح الخاتمة وهو أن يهلكهم كلهم، هذا مقترحه، خاتمة التقرير، النتيجة، توصية (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)) ثم علل المقترح لماذا؟ (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)) إذن المقترح والتعليل. ثم ختم التقرير بطلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات لعله أن يكون قد قصّر في عمله، هذا تقرير عجيب ثم جمع خلاصة رحلته الطويلة، خلاصة هذه الرحلة جمعها في هذا التقرير. في الأعراف والمؤمنون قال (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) الأمر بالعبادة، في هود (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25)) نذير، في الشعراء (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108))
المقدم: لكن جانب البشارة هنا لم يأت كثيراً لكن مع سيدنا محمد (بشيرا ونذيرا)
د. فاضل: هذا أمر آخر. إذن في الأعراف والمؤمنون (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ)، في هود (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)، في الشعراء (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) وفي التقرير النهائي (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) نوح) جمع ما جاء في الأعراف والمؤمنون وهود والشعراء
المقدم: وكأنه يختصر الرسالة التي جاء من أجلها كلها بجميع أركانها
د. فاضل: بهذا المقترح. في الأعراف والمؤمنون (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ) وفي سورة نوح (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)، في هود (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) وفي سورة نوح أيضاً (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)، في الشعراء (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) وفي نوح (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) فجمع ما تفرق وما قيل في كل القصص جمعها في هذا التقرير النهائي. ليس فقط هذا بل جمع بين القول الصريح و(أن) المفسِّرة (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)) يعني جيمع بين القول الصريح و(أن)
المقدم: (أن اعبدوا) أن والفعل مصدر مأوّل
د. فاضل: أو مفسِّرة وهذا أيضاً ما تفرق في الأعراف والمؤمنون وهود والشعراء. في الأعراف والمؤمنون (فَقَالَ يَا قَوْمِ) قول، في الشعراء (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)) قول، في هود (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) (أن) المفسرة، في التقرير النهائي جمع القول الصريح والمأوّل (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) نوح) كما جمع كل ما ذكر في السور الآن جمع كل الصورة التعبيرية ولم يجمع بينهما في موطن آخر وإنما فقط في التقرير النهائي.
المقدم: في سورة نوح فقط، وكأنها تنذر بشيء
د. فاضل: تقرير نهائي. ثم ذكر موقف قومه منه أنهم عصوه (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)) ثم ذكر أنهم مكروا مكرا كبارا (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)) ثم ذكر عاقبتهم في الدنيا والآخرة، تقرير جامع (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا (25)) هذا في الدنيا (فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) هذا في الآخرة، إذن التقرير جامع والعقوبة كانت جامعة في الدنيا والآخرة (فَأُدْخِلُوا نَارًا).
المقدم: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) في الدنيا (فَأُدْخِلُوا نَارًا) في الآخرة
د. فاضل: هذا التقرير الجامع
المقدم: إذن لم يكتف بذكر حالهم في الدنيا فقط وإنما امتد للآخرة
د. فاضل: هذا تقرير جامع. وافق ربنا على هذا الطلب
المقدم: هذا شيء مخيف، هذا التقرير شيء مخيف، أن يحاط بهم العذاب في الدنيا ويبشرون بهذا العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة!
د. فاضل: (فَأُدْخِلُوا نَارًا)
المقدم: (ادخلوا) بصيغة الماضي ولم يقل يدخلون
د. فاضل: ربنا وافق على طلب نوح، نوح اقترح مقترحاً وربنا وافق على المقترح وبيّن سبب الإجابة،
المقدم: هو قال (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26))
د. فاضل: وربنا وافق. وبيّن سبب الإجابة، لماذا أجابه؟ ربنا لماذا قَبِل بالمقترح؟ قال (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا (25)) وافق على الطلب بسبب الخطيئات،لاحظ التقرير العجيب: صورة الحدث كله، الصورة النهائية لكل تاريخ الدعوة وذيّل بمقترح (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) وعلل سبب المقترح (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)) ثم قال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (28)) لعلي أكون قد قصّرت.
المقدم: هو ما نسي نفسه وأهله ومن آمن معه، دعا على الكفار ودعا للمؤمنين
د. فاضل: لعلي قد قصرت في هذا العمل، هذا ما عملته، عذا التقرير. ربنا وافق وبيّن سبب (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) ثم ختم التقرير بطلب المغفرة والدعاء لأوسع مجموعة لم يذكر مثلها في القرآن الكريم (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (28)) أوسع دعاء لم يرد مثله في القرآن
المقدم: هذا على العموم والإطلاق؟
د. فاضل: على العموم والإطلاق أوسع دعاء في أوسع دعاء جامع، في أوسع تقرير. سورة نوح عجيبة!..
المقدم: هذه القصة فعلاً عجيبة، كل القرآن حلو لكن هذه القصة لها أثر خاص بالفعل. هذا التقرير النهائي يوحي أن الموقف بالنسبة لهم قد انتهى، اقتربت نهايتهم تماماً
د. فاضل: أصلاً لم يرد لهم ذكر فيما بعد هذه السورة. لم يرد لهم ذكر في القرآن بعد هذه السورة.
المقدم: لِمَ هذا التقرير الذي رفعه سيدنا نوح بعد هذا التجوال والتطواف في عشر سور تقريباً ولم يصنعه كثير من الأنبياء؟ وهذا الاقتراح الذي اقترحه (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)؟ لماذا قال سيدنا نوح هذا؟
د. فاضل: لأن قول نوح للبشرية وأما قول الباقين فلأقوامهم
المقدم: سيدنا نوح كان للبشرية ولم يكن لقومه؟
د. فاضل: ولذلك قال (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77) الصافات)
المقدم: إذن ليس كل الذين آمنوا به؟
د. فاضل: أولئك عاشوا أعمارهم وماتوا لم يبق لهم عقد، البشرية الآن كلها أولاد نوح أبو البشرية الثاني
المقدم: حتى من كان معه قضوا من أعمارهم ما قضوا وانتهوا ولم يبق إلا سيدنا نوح وذريته فقط؟ يعني نحن ابناء سيدنا نوح فقط؟ كل من على الأرض الآن؟
د. فاضل: كلهم من أبناء نوح. إذن المسألة تختلف. لا يمكن أن تكون مجموعة صغيرة مثل الذي يقدم هذا التقرير، هذا تقرير للبشرية.
المقدم: ومن لحق به الطوفان وقتها غرق وانتهى وينتظره يوم القيامة عذاب النار. لكن ابنه الذي مات (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) هود) انتهى أيضاً (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46) هود) وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرسي قواعد في الأرض من أهلك هو من يتبع دعوتك وليس الجنس والأقرب. لكن في قوله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (25) هود)
د. فاضل: الآن انتهينا منها ونأتي إلى ما ذكر في سورة هود. استعرضنا سريعاً ما ورد والآن نأتي إلى سورة هود.
المقدم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) نسأل عن الواو هنا ما هي هذه الواو مع أنه ليس قبلها قصة؟
د. فاضل: هذه ابتدائية. ابتدأ بها (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا). ذكرنا الغريب أنه عندما ذكرت أول مرة قال (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (59) الأعراف) وكل الباقي بعدها عندما يذكر أرسلنا جاءت كلها بالواو (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا) كلها بالواو إلا إذا كل القصص الموجودة ليس فيها واو كما في الشعراء والقمر والباقي كلها بالواو وإن لم تكن هناك معطوفة على كلام.
المقدم: إسمها ابتدائية. (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) هود) لماذا جاءت إني بالكسر؟
د. فاضل: على إضمار القول بمعنى فقال إني لكم نذير مبين، على إضمار القول، على تقدير فقال إني لكم نذير مبين
المقدم: من الكلام الذي قاله (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (26) هود)
د. فاضل: هذا ليس مما قاله، هذه مصدرية.
المقدم: نقف على (أن) ما هذه (أن)؟
د. فاضل: هذه أمر آخر، ليست مما قاله. (أن) هنا تحتمل أن تكون مصدرية أو أن تكون مفسِّرة، تفسيرية. (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) يحتمل مصدر أن يكون معلقاً بأرسلنا
المقدم: (ألا) هي عبارة عن (أن) مع (لا)
د. فاضل: يعني أرسلناه بـ(ألا تعبدوا إلا الله)
المقدم: وكأن (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) هذه الرسالة التي أرسل بها
د. فاضل: ليس مما قاله، بما أرسله ربنا؟
المقدم: (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) هذا قوله، لكن (ألا تعبدوا)؟
د. فاضل: أرسلناه بهذا، أرسلناه بـ(ألا تعبدوا إلا الله). يمكن أن تتعلق بأرسلناه ويمكن أن تتعلق بنذير (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) أنذركم بألا تعبدوا إلا الله نذير بهذا، احتمال أن تكون متعلقة بنذير مثل (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (26)). فيها احتمالان إما متعلقة بالإرسال يعني أرسلناه بذلك وإما متعلقة بنذير يعني أنذركم بهذا. ويحتمل أن تكون تفسيرية إما مفسِّرة لإرسال أرسلناه والرسالة هي (ألا تعبدوا إلا الله) والإنذار هو (ألا تعبدوا إلا الله)
المقدم: يجوز أن تكون رسالة وإنذار في آن واحد. أيهما ترجح؟
د. فاضل: الإثنان مقصودان الرسالة والإنذار. إذن سبحانه أرسل نوحاً بعبادة الله وعدم عبادة غيره وهو بلّغهم بذلك، أرسلهم بالعبادة، ربنا أرسل نوح بالعبادة أنه يعبد وأن ينذر قومه ونوح بلغهم بذلك، الآية دلت على ما قال نوح وما أُرسل به. ماذا قال؟ (إني لكم نذير مبين) وماذا أُرسل به؟
المقدم: (ألا تعبدوا إلا الله).
د. فاضل: ربنا قال في الأعراف (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (59))
المقدم: هذا قوله
د. فاضل: أيضاً في المؤمنون قال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)). لاحظ التعبير (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ)
المقدم: هذا قول نوح عليه السلام
د. فاضل: وفي المؤمنون الآية 32 (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) هذا ليس قولاً، أرسله بهذا. إذن هناك أمرين: الرسالة والتبليغ أرسل الرسول r بهذا وبلغهم بها، إذن هناك أمران.
المقدم: ليس مجرد قول فقط، هو رسالة وتبليغ.
——–فاصل——–
المقدم: كنا نتكلم عن الرسالة والقول الذي قاله سيدنا نوح، إذن هو قال وهي رسالة (ألا تعبدوا إلا الله)
د. فاضل: يمكن أن يثار سؤال ما الدليل على أنه قال هذا؟ من يقول هذا هو قوله؟ من يقول هذا على إضمار القول؟ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) هود)؟ ما الدليل؟ هو كسر الهمزة.
المقدم: ولو قال (أني)؟
د. فاضل: هناك فرق. إذا قال (إني) هذا قول وإذا قال (أني) قطعاً ليس قولاً وإنما أرسلناه بهذا
المقدم: من المواضع الذي يجب فيها كسر همزة إن بعد القول
د. فاضل: إذا قال (إن) قول وإذا قال (أن) ليس قول. هذه الآية فيها قراءتان متواتران، الأولى (إني) والقراءة المتواترة (أني)
المقدم: ربنا أرسله بـ (أني) أو (إني)؟
د. فاضل: المعنى مختلف، “أرسلنا أني” يعني أرسلناه بهذا تبلغهم بهذا، هذا الذي أرسله به ربه، (إني) هو بلّغهم قال (إني)
المقدم: هذا كلام سيدنا نوح
د. فاضل: هذا قول نوح. أما “أرسلناه أني” هذا ما أُمر به
المقدم: أي النص أصح؟ أيهما نرجح؟
د. فاضل: لا ترجح وإنما القراءتان تدلان على أنه أُرسل بذلك وقال لهم هذا الأمر
المقدم: أرسل بالرسالة وبلغهم بها
د. فاضل: ولذلكجاءت قراءتان متواتراتان حتى يدلنا على أنه أُرسِل بذلك وهو بلَّغ ما أرسل به. إذن (إني) معناه أنه قال لهم، (أني) معناها أُرسِل بذلك. فإذن القراءتان متواترتان تدل على أنه أُرسل بذلك وبلّغهم ما أرسل به
المقدم: وقفنا أمام هذه الآية كثيراً لكن في آية مثل الأعراف قال (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)) القرآن حدد بأن سيدنا نوح قال هذا، هل هذا يختلف عن ذاك؟ ولماذا اختلف التعبير؟
د. فاضل: تلك بداية التبليغ أنه بلّغهم، الآن هو ذكر الأمرين ذكر بمَ أُرسِل وكيف بلّغ، ذكر الجانبين جانب ما أرسل به صار تفصيل. ويمكن أن تسأل لم حذف القول كما قال في الأعراف؟
المقدم: بالضبط ويرتفع الإشكال!
د. فاضل: ليس فيها إشكال
المقدم: ما موقع (إن) من الإعراب؟
د. فاضل: أولاً نحل ما سميته إشكالاً وهو ليس بإشكال. هو لمَ لم يذكر القول؟ لو ذكر القول لوجب كسر همزة (إنّ) لا بد من ذلك قولاً واحداً
المقدم: هي مكسورة في المصحف
د. فاضل: قلنا فيها قراءتان متواترتان. إذن لو ذكر القول لوجب الكسر عندما حذف القول الآن جاز الوجهان الفتح والكسر، الكسر على إرادة القول والفتح على إرادة أنه أرسله بذلك.
المقدم: هل هذا توسع أم ماذا؟
د. فاضل: طبعاً توسع، الآن في القراءتين دلنا على ما أرسل به وما بلّغ. لو قال تكون فقط للتبليغ
المقدم: ينصرف الذهن إلى شيء واحد
د. فاضل: فإذن هنا ذكر الأمرين. أما الإعراب إذا كانت (إني) قول تصير مقول القول مفعول به
المقدم: وإذا لم يكن مقول القول؟
د. فاضل: نقدره حرف جر (أرسلنا بألا) تكون على نزع الخافض، إذا كانت مصدرية يكون على نزع الخافض
المقدم: الإعراب أيضاً يختلف. كما تعلمونا دائماً أن الإعراب فرع المعنى يستحيل أن أعرب بدون أن أفهم المعنى والمراد في هذه الآية الكريمة. إذا جاءت الآية هكذا كيف أعربها؟ هل أقول هكذا كما قلت؟ إذا كانت مقدرة على مقول القول
د. فاضل: إذا كانت (إني) بالكسر فهي قطعاً مقول القول وإذا كانت مفتوحة فهي مصدرية أو مفسرة
المقدم: إعراب (ألا تعبدوا إلا الله) هل إعراب (أن) هنا كما تفضلت؟
د. فاضل: نفس الشيء
المقدم: هكذا فهمنا أنه صرح بالقول ولم يصرح به في هود. هل يقول قائل لماذا يصرح هنا ولم يصرح هناك؟ أيهما صواب؟ وأيهما الذي حدث فعلاً؟ صرّح أو لم يصرّح؟
د. فاضل: كلاهما صواب. هو ذهب من نفسه؟
المقدم: لا، أُمِر
د. فاضل: أمر بشيء معين؟
المقدم: نعم
د. فاضل: إذن يأتي بـ (أنّ)
المقدم: يعني إذا ذكر القول يقول إن هذا الكلام الذي أُرسل به وإذا لم يذكر القول يعني أرسل بهذه الرسالة
د. فاضل: أرسلناه بهذه الرسالة بهذا الأمر وهو نفّذ أو لم ينفذ؟
المقدم: نفّذ
د. فاضل: كسر الهمزة.
المقدم: ختمت الآية الكريمة بقوله تبارك وتعالى (إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) هود) الملاحظ أن العذاب يكون أليماً وليس اليوم يكون أليماً، فلِمَ وصف اليوم بأنه أليم والمفروض خارج القرآن كما نفهم أن العذاب أليم وليس اليوم؟
د. فاضل: هذا تعبير مجازي، اليوم لا يكون أليماً وإنما ما يقع فيه من العذاب، نهارك صائم أو ليلك قائم عند العرب هذا موجود ويسمى هذا مجاز عقلي
المقدم: ما معنى مجاز عقلي؟
د. فاضل: عقلاً تفهم أنه لا يمكن، نهارك صائم، كيف يمكن أن يكون نهارك صائم؟! ليلك قائم تعني أن تقوم فيه، (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (33) سبأ) يمكر في الليل والنهار، هذا مجاز عقلي. يبقى لماذا؟ هذا يدلنا على اتساع الألم وشدته بحيث الوقوع في ذلك اليوم على سبيل الاستغراق، استغراق اليوم، شمول. لو كانت كما قلت “أخاف عليكم عذاباً أليماً” يحتمل أن يكون في وقت من أوقات اليوم
المقدم: وبقية اليوم ليس فيه عذاب
د. فاضل: محتمل لكن إذا قال يوم سيشمل مدار اليوم. إذن عذاب يوم أليم صار اليوم كله عذاب، صار أشمل بخلاف ما لو قال عذاباً أليماً
المقدم: إذن مسألة العذاب والعقاب في القرآن لا بد لها من دراسة. اليوم يفرق لهذه الدرجة في الدلالة؟! عذاب يوم أليم غير عذاب أليم؟! كله فيه عذاب وألم
د. فاضل: ليس فقط في الوقت بل فيمن يقع عليه العذاب. لو لم يذكر اليوم، إذا ذكر اليوم سيكون خاصاً بالمجموع على طوال اليوم، لكن لو لم يذكر اليوم قد يكون مقيداً على فترة معينة أو مقيداً بأشخاص (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف) هذا محدد بشخص وهو يوسف. لكن هذا يوم أليم وشامل للمجموع،
المقدم: إذن ليس محدداً بمجموعة أشخاص معينين؟
د. فاضل: أولاً متسع ليس فيه وقت محدد
المقدم: يعني ليس في هذا اليوم الأليم قوم نوح فقط ربما يكون معهم أقوام آخرين
د. فاضل: هكذا عامة
المقدم: كل من تنطبق عليه شروط العذاب يكون في هذا اليوم
د. فاضل: في هذا اليوم
المقدم: ولو قال عذاب أليم ينصرف الذهن إلى مجموعة معينة
د. فاضل: وقد يكون في وقت
المقدم: يعني وقت معين وأناس معينين
د. فاضل: محتمل. اليوم أعم. ولذلك في القرآن لم يصف اليوم بأنه أليم أو عظيم أو محيط إلا في سياق العذاب (عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) هود) لم يرد في الدخول في الجنة يوم محيط.
المقدم: مع أنه هناك نعيم للكل
د. فاضل: لا، ليس للكل. يوم عظيم أو يوم كبير أو يوم محيط لم ترد في القرآت إلا في العذاب ولم ترد في الدخول إلى الجنة، لماذا؟ لأن هذا اليوم عظيم يشمل جميع الخلق ويوم القيامة يشمل الجميع (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) الإنسان) الذي قال هذا مؤمنون، هذا عام لجميع الخلق، الجنة ليست لعموم الخلق هذا أشمل، يوم القيامة شامل محيط للجميع عام للجميع لكن الجنة ليست للجميع وإنما مخصصة ولذلك لا تجد في القرآن يوم عظيم أو يوم محيط في الجنة أبداً وإنما فقط في سياق العذاب
المقدم: أما الجنة فهي مخصصى لمن فاز فيها، اللهم اجعلنا منهم. وتقولون العربية سهلة؟!
د. فاضل: العربية سهلة القواعد العامة للنطق سهلة
المقدم: لكن ما تفضلت به من ملاحظات تحتاج إلى علم وفير
د. فاضل: هذا أمر آخر ليس للكلام، ليس لصحة الكلام وإنما لفهم النصوص الأدبية العالية، هذا أمر آخر
المقدم: تحليل النصوص وتحليل المضمون
د. فاضل: هذا أمر آخر.
المقدم: هنا رد الملأ من قوم نوح (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) هود) الردود من هذا الملأ كيف تقيّمها في ميزان البلاغة والبيان؟
د. فاضل: هؤلاء الملأ ذكروا أموراً تدعوهم إلى الشك.
المقدم: من هم الملأ؟
د. فاضل: أشراف القوم.
المقدم: يعني البطانة؟
د. فاضل: البطانة، هم أشراف القوم. هؤلاء الملأ ذكرواً أموراً تدعوهم إلى الشك
المقدم: ما هي؟
د. فاضل: أولاً قالوا (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) فلما أُثرت بهذا الفضل؟
المقدم: هذه مشكلة المشاكل كل الأقوام تكذب بهذا!
د. فاضل: صح، قسم يرون أنه لو أراد الله أن ينزل رسولاً لأنزل ملائكة (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً (24) المؤمنون) إذن الشبهة الأولى
المقدم: إذن عدم إيمانهم به لشبهة في نفوسهم أنه بشر
د. فاضل: ذكروا شبهات، أمور أولها أنه بشر. ثم من الذين اتبعوك؟ أراذل القوم
المقدم: من هم أراذل القوم؟
د. فاضل: ضعفاء، ليس لهم قيمة في المجتمع، ليسوا أشراف القوم، كيف يرى هؤلاء الأراذل ما لا يراه الأشراف؟!
المقدم: الأشراف ترى كل شيء وتفهم كل شيء؟!
د. فاضل: أصحاب منطق وحجة،
المقدم: هل هذا قياس فاسد؟
د. فاضل: طبعاً. حتى لو كان هؤلاء لا ينبغي أن يجالسوهم
المقدم: هم من الأساس يأخذون موقفاً منهم
د. فاضل: نعم. هؤلاء الذين هم أراذل القوم اتبعوك بادي الرأي يعني من دون تفكير، من دون روية، هم أراذل ومن دون تفكير ما فكروا في الأمر، هم أراذل ومن دون تفكير
المقدم: وكأنهم يسلبونهم الحكمة والمنطق والخطاب
د. فاضل: ربنا يقول (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ (4) المنافقون) أصحاب منطق
المقدم: وهم خشب مسندة مناظر أجسام ولسان
د. فاضل: لكن لا منطق ولا شيء
المقدم: إذن لا ننخدع فيما يقال دائماً ولو من كبار الناس. إذن الأمر يحتاج إلى منطق. لكن معيار الإيمان هل يشتمل كبار الناس أم صغار الناس أم أراذل الناس أم بادي الرأي
د. فاضل: الإيمان عام للكل هم لا يريدون أن يفهموا هذه المسألة
المقدم: كان قبل نوح أنبياء وكان قبله رسل؟ وأناس صالحين؟
د. فاضل: كان قبله أناس صالحين لكن هو أول رسول يبلِّغ. ما ذكر لنا القرآن قبله رسل، هو أول رسول يبلِّغ
المقدم: لكن كان هناك ناس صالحين على ديانة من قبله قالوا (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) نوح) إذن كان عندهم ما يجعلهم يفهمون الأمور على حقيقتها بروية فلم اتبعوا الشيطان هكذا وأعرضوا وصدوا؟
د. فاضل: عموم الأديان عندما تبدأ تبدأ صافية ثم يدخلها دخن.
المقدم: إذن أنهم بشر والذين اتبعوه أراذل واتبعوه من دون تفكير لكن حكمهم (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)
د. فاضل: ليس هناك حصافة عقل ولا منطق ولا حالة اجتماعية ولا كلام
المقدم: (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)
د. فاضل: كيف؟! لا في جدل ولا في منطق ولا في حصافة ولا في نظر في مصالح المجتمع
المقدم: وهذا هو منطق الإيمان بالرسل عندهم هم؟! الفائدة المستخلصة أن هذا منطق فاسد والإيمان بالرسالة لا يقتضي كل هذا أصلاً
د. فاضل: ليس له علاقة بهذا أصلاً.
المقدم: لكن ربما يسألون لماذا اختير سيدنا نوح؟
د. فاضل: هم قالوا هذا بشر! (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا)
المقدم: وكأن في مخيلتهم أنه يجب أن يكون ملكاً. في قوله (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) الكلام في بداية الآية لسيدنا نوح (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) والآن قالوا (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)
د. فاضل: الجميع، أنت ومن معك هؤلاء دخلوا هكذا من دون إيمان (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)، الأتباع أيضاً كاذبون في ظنهم أيضاً
المقدم: سيدنا نوح وأتباعه كاذبون
د. فاضل: لم يؤمنوا حقاً به إنما لغرض من الأغراض، أول الأمر آمنوا ولم يشاؤوا أن يرجعوا عن ذلك
المقدم: الملاحظ هنا في قوله تبارك وتعالى قال (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) وفي الأعراف قال (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) وفي الشعراء (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)) ما الفرق؟ ولماذا اختلف التركيب داخل الآيات مع أن المعنى واحد؟ هم ماذا قالوا على حقيقة الواقع؟
د. فاضل: القائل مختلف. الذين قالوا (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) هذا قول قوم عاد إلى هود والثانية في الشعراء (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)) قول قوم شعيب لشعيب و(بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين) لنوح، القائل مختلف
المقدم: القائل مختلف لكن هذه مؤكدة وهذه ليست مؤكدة فهل التأكيد له دخل بالمعنى؟
د. فاضل: واحدة مؤكدة بـ (إنّ) واللام (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) والأخرى بـ(إن) المخففة (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) أقل توكيداً والثالثة من دون توكيد (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) لو نضع كل واحدة في سياقها نلاحظ أن مقام التكذيب في الأعراف أشد من الموطنين الآخرين والدليل لأنهم قالوا لنبيهم (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) ليس في المواطن الأخرى هكذا، لم يرد في المواطن الأخرى هذا، هذا إتهام حقير ثم كان بينه وبين قومه مشادة عنيفة (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71) الأعراف) لم تحصل مثل هذه المشادة في المواطن الأخرى. (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71)) (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ)
المقدم: لهجة الحوار مرتفعة وملتهبة
د. فاضل: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71) الأعراف) المواجهة شديدة لذلك كان التكذيب شديداً (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
المقدم: و (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) الشعراء)؟
د. فاضل: هذه أخفّ. في الشعراء قالوا (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185))
المقدم: ما معنى المسحرين؟
د. فاضل: مسحور. هناك قالوا (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ)، ثم لم يواجههم شعيب بل قال (قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188))
المقدم: ردة الفعل مختلفة أيضاً.
د. فاضل: في كلامهم أو فيما رد عليهم الرسول r
المقدم: وفي هود (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27))؟
د. فاضل: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) ليس فيه سفاهة ولا مسحرين حتى الرد عليهم لم يكن شديداً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود) فإذن لا تستوجب مثل ذلك. خط بياني في التعبير في التوكيد بحسب المقام والسياق الذي ترد فيه لا يمكن بيانياً أن تضع واحدة مكان الأخرى
المقدم: القائل مختلف ومسرح الأحداث مختلف وأسلوب الحوار مختلف وهكذا ينبغي أن يكون دارس القرآن يعني يضع كل كلمة في سياقها مع الآيات التي تجاورها مع مسرح الأحداث التي تحدث فيه لكي يستنبط نتيجة ما يجب أن يقارن هكذا، يقول قال هنا كذا.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/2/2010م
من قسم الفيديو
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2097
الحلقة224
الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat224
رابط جودة عالية
http://ia360928.us.archive.org/1/items/lamasat224/lamasat224.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360928.us.archive.org/1/items/lamasat224/lamasat224.rmvb
mp4 رابط
http://ia360928.us.archive.org/1/items/lamasat224/lamasat224_512kb.mp4
رابط صوت
http://ia360928.us.archive.org/1/items/lamasat224/lamasat224.mp3
2010-02-21 11:36:24الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost