لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 74

اسلاميات

الحلقة 74

تابع سورة لقمان

(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26))

فكرة عامة عن الآية: الآية الكريمة (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)) نلاحظ ابتداءً أنه قدّم الجار والمجرور قال (لله ما في السموات والأرض) الذي هو الخبر على المبتدأ (لله) خبر و(ما في السموات) مبتدأ أصلها ما في السموات والأرض لله، فقدّم الجار والمجرور للحصر هذا من باب تقديم العامل على المعمول في الغالب يفيد الحصر أو القصر يعني لله ما في السموات والأرض حصراً لله ليس لأحد غيره. نلاحظ هنا أنه ذكر أن له ما في السموات والأرض وقبل هذه الآية قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) ذكر هنالك خلق السموات وهنا قال لله ما في السموات وهذا يدل على أن له السموات والأرض وما فيهما هنا ذكر ما فيهما لم يذكر السموات والأرض وإنما ذكر ما فيهما وهناك خلقهما إذن هو الصانع لهما فدل على أن له السموات والأرض وما فيهما باعتبار خالقاً وصانعاً ومالكاً لما فيهما لأن الشخص قد يكون يملك الظرف لكن لا يملك ما فيه، (لله) اللام تفيد الملكية. قد يملك الإنسان الظرف ولا يملك ما فيه فقد يملك أحدهم بيتاً وآخر يملك الأثاث فالأثاث للساكن والبيت لصاحب البيت. إذن لا نفهم من خلق السموات والأرض أنه يملك ما فيهما فالخلق شيء والملك شيء. هو خلق السموات والأرض إذن هما ملكه وذكر أن ما فيهما أيضاً ملكه إذن صار السموات والأرض وما فيهما ملكه حتى لا يظن ظان أنه مجرد خالق للسموات والأرض أما المالك فشخص آخر كمن عنده مخزن يؤجره لشخص يضع فيه بضاعة البضاعة لشخص والمالك شخص آخر، السموات الظرف والمظروف كله لله سبحانه وتعالى. إذن دل بهذه الآية ما قبلها أن الله تعالى مالك السموات والأرض ومالك ما فيهما. وقال سابقاً (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) تسخير، نستفيد من قوله (سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وقوله (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) على أنه المتصرف فيهما وليس فقط أنه المالك. هناك خلق وهنالك مِلك وهنالك تصرف. الخلق لا يغني عن الملك والتصرف. إذن هو المالك للسموات والأرض وما فيهما والمتصرف فيهما. أنت تملك داراً بنيتها وأثثتها فصارت الدار وما فيها لك والحاكم يريد أن يقيم شارعاً فرأى أن يهدم البيت فالحاكم هو المتصرف وليس أنت لأنه يحدد المصلحة العليا. إذن هنا المالك للسموات والأرض وما فيهما والمتصرف فيهما هو الله سبحانه وتعالى.

(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)

سؤال من المقدم: قال تعالى هنا (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وقال في الحج (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) فما الفرق بين الآيتين؟

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) معناه أنه حميد، الذي له الحمد هو الحميد فهو الغني الحميد أي الغني المحمود في غناه وعلى وجه الإطلاق. ذكرنا سابقاً في قوله (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) وتعرضنا لهذه الآية سابقاً، هنالك في الآية (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لم يقل إن الله هو الغني الحميد من دون تعريف ومن دون ضمير فصل وهنا قال (إن الله هو الغني الحميد) بالتعريف (الغني الحميد) وضمير الفصل (هو). في آية الحج التي ذكرناها (وإن الله لهو الغني الحميد) زيادة على هذه الآية باللام (لهو). إذن صار عندنا ثلاث آيات: إن الله غني حميد، إن الله هو الغني الحميد، إن الله لهو الغني الحميد . في الآية الأولى الغني في عُرف الناس هو الذي يملك. في الآية الأولى عندما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)  لم يذكر له ملك وإنما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) وضربنا مثلاً قول أحدهم أعطني حتى أكتب عنك وأذكرك في الصحف أو أثني عليك في قصيدة فيقول أنا غني عن مدحك، إذن إن يشكر أو يكفر فإن الله غني عن ذلك وذكرنا سليمان عندما أرسل إلى الخليل ابن أحمد بغال محمّلة وجاء إلى الخليل بن أحمد وهو في البصرة يأكل الخبز اليابس وقال له يقول الأمير تحوّل إلينا نكرمك وأتى له ببغال محمّلة قال الخليل:

(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أيها الأغنى أن تقول فلان غني أو فلان هو الغني؟ فلان هو الغني. لما ذكر له ما في السموات والأرض ليس مثل تلك التي لم يذكر له ملك، هنا قال (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فلما زاد الملك زاد في الغنى تخصيصاً ومعرّفاً وحصراً لم يبق شيء لغيره الآخرون ما يسمون أغنياء هم يملكون أشياء مالكها الله تعالى إذن (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لا غني غير الله سبحانه وتعالى. نأتي إلى آية الحج (وإن الله لهو الغني الحميد) قال في الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) الحج) أولاً كرر (ما) والتكرار يفيد التوكيد والسعة ولم يكتف بهذا وإنما قال وإنما جاء بالواو (وإن الله لهو الغني الحميد). آية لقمان التي نحن بصددها جعل ما في السموات والأرض دليلاً على غناه، استدل على غناه بأن له ما في السموات والأرض وفي آية الحج جعلها من غناه وليست الدليل على غناه، جعلها من جملة ما يملك وليست السموات والأرض دليل على غناه وإنما هو غني بأشياء أخرى. تقول فلان يملك مائة دار وألف بستان إنه غني وفلان يملك مائة دار وألف بستان وإنه غني يعني لو زالت هذه هو يبقى غنياً وهذه من جملة ما يملك، إذن الدور والبساتين هي من جملة ما يملك لو ذهبت هو يبقى غنياً وليست هي كل غناه أما تلك لما قلنا إنه غني جعلته بما ذكرت له مما يملك. في سورة لقمان جعل غنى الله مرتبطاً بملك السموات والأرض وفي آية الحج جعلها من جملة ما يملك، هذه الواو استئناف وليست عاطفة، (وإنه غني) يعني حتى لو ذهبت لا يؤثر على غناه. أيها الأولى بالتوكيد؟ الآية في سورة الحج لذا لا يمكن أن نضع تعبيراً مكان تعبير بلاغياً بيانياً لأن الموازين في التعبير دقيقة جداً (إن الله غني حميد) (إن الله هو الغني الحميد) (وإن الله لهو الغني الحميد) المشركون لم يكونوا يتكلمون بهذه البلاغة وهي متفاوتة عندهم لكنهم كانوا يفهمون هذا الكلام ويستشعرون الفروق الموجودة واللمسات أكثر مما يستشعر كل كلمة عاشقة مكانها، في أماكن متباعدة كأنها لمحة واحدة بينما كل كلمة نزلت في آية نزلت في زمن متباعد بينما هي كلها وضعت في وقت واحد، لا يمكن أن نتصدى لآية مبتورة عن السياق لا بد أن نضعها في السياق.

سؤال من المقدم: مرة يقول (لله ملك السموات والأرض) ومرة يقول (لله ما في السموات والأرض) فما الفرق؟

(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) يعني الحكم وليس مملوكة له. والمِلك من التملّك فصاحب المُلك مَلِك وصاحب المِلك مالك في الفاتحة نقول ملك يوم الدين ومالك يوم الدين لأنه تعالى الملك والمالك. لما يقول (ملك السموات والأرض) يعني هو الحاكم ولما يقول (له ما في السموات والأرض) هذا التملك مملوكة له. فإذن في مجموعة هذه الآيات أنه هو المالك وهو الملك، كل آية لا تدل على الأخرى (له ما في السموات) من التملك فهو ملكهما ومالكهما كما قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) المُلك هو مِلكه (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) بيده التصرف فهي ملكه. في الفاتحة هنالك قراءتان متواتران ملك يوم الدين ومالك يوم الدين، الآية نزلت مرتين مرة ملك يوم الدين ومرة مالك يوم الدين وهي قراءات نزل بها جبريل وأقرها رسول الله r بأمر من ربه. هناك عشر قراءات متواترة عن الرسول r أقرها الرسول r بأمر من ربه.

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27))

فكرة عامة عن الآية: لما ذكر قبل هذه الآية أن له ما في السموات والأرض لربما يظن ظان أن هذا جميع ملكه، لكن جاءت بعدها (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) كلماته ما يريد أن يعمل ويخلق وكل شيء إذن لا حدود لملكه وخزائنه لعله يفهم أن ما سبق هو كل ما يملك فذكر لنا أن هذا ليس شيئاً إذا ربنا شاء أن يفعل فهذا شيء من كلماته سبحانه وتعالى. الآية (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) معناها لو تتبعنا شجر الأرض شجرة شجرة ولذلك حتى الزمخشري قال لماذا لم يقل من شجر؟ لو تتبعناها شجرة شجرة وجعلنا من أغصانها كل واحدة أقلام والشجرة فيها عدد لا يحصى من الأقلام وكل ما في الأرض لا نترك شجرة نصنع منها أقلاماً، جميع أشجار الأرض تتبع وإحصاء وإنما شدرة شجرة بحيث لا تترك شجرة في الأرض ويضنع منها أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر بمداد (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) يكتب به كلمات، الأشياء التي عنده تعالى في خزائنه، الأقلام تفنى والبحر ينفد ويجف ولا تنفذ كلمات الرحمن. اختار كلمات مع أنها جمع قلة واستخدم القرآن كلِم بالجمع (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (46) النساء) أن كلماته لا تفي بها البحار فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة لا تفي بها هذه البحار والأقلام فكيف بالكلِم؟! حتى نعلم أن ما ذكر قبلها من الآية هي شيء من كلماته سبحانه، ما في السموات والأرض مجرد شيء.

سؤال من المقدم: (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وفي نفس السورة قال (العزيز الحكيم) بتعريف العزيز الحكيم فما الفرق بين الآيتين؟

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والآية السابقة قال تعالى (وهو العزيز الحكيم) من دون تأكيد. هذه الآية في الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) في الآخرة معلوم واضح أنه لا يبقى عزيز إلا هو ولا حاكم إلا هو حصراً أما في الدنيا نرى أشخاصاً أعزة وحكام وملوك يتداولون هذا في الدنيا أما في الآخرة فهو العزيز الأوحد وهو الحكيم الأوحد وهذا معلوم للجميع هذا يوم لا ينطقون يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون، هناك يظهر للجميع وهو معلوم أنه العزيز الأوحد لا عزيز سواه ولا حكيم سواه لذلك عرّف (هو العزيز الحكيم) حصراً لا عزيز سواه حصراً فالتعريف هنا يفيد الحصر. لما نقول هو عزيز يحتمل أن يكون هنالك عزيز آخر أما لما نقول هو العزيز أي لا عزيز غيره وفي الآخرة قال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ولم يؤكد لأن التوكيد يكون عند المخاطب عنده شك أو ظنّ فيحتاج للتوكيد لكن هذا أمر ظاهر للجميع في الآخرة الأمر ظاهر لا يحتاج فقال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حصراً بينما في الدنيا هناك من يخالف هناك من يشك هناك من يظن هناك من يقول لا هناك من ينكر قال (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وهنالك أعزة وهناك حكماء وهناك حكام وهنالك ملوك أما في الآخرة فالجميع يرون أنه ليس هنالك عزيز أصلاً لا أحد يتمكن أن يتكلم أو ينطق إلا إذا أراد الله فهو الحاكم والحكيم حصراً لا أحد يحكم سواه، في الآخرة قال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حصراً وقصراً بما لا شك فيه. إذن ربنا تعالى يؤكد ما له إذا اقتضى المقام التأكيد ولا يؤكد إذا لم يقتض لتأكيد وهذا من البلاغة. لغوياً يجوز لكن بلاغياً فيها كلام. يجب أن نضع الآية في مسرحها هذه الآية في الدنيا أو في الآخرة ولا نقول أن عزيز في اللغة تعني كذا وحكيم تعني كذا لأن هذا أمر معجمي نأخذ المعاني من المعجم لنفهمها أما أمر بياني فيوضع في النص أنت تأخذ المعاني من المعجم لتفهمها أما في التركيب فشيء آخر. على سبيل المثال فسق خرج عن الطاعة، عندنا في القرآن المصدر فِسْق وفسوق في اللغة تعني الخروج عن الطاعة لكن القرآن يستعمل الفسق في سياق الأطعمة مطلقاً (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (121) الأنعام) أما الفسوق فعام (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) الفسوق عامة والفسق فقط في الأطعمة وهذا من خصوصية الاستعمال في القرآن. أيها الأكثر في الحروف الفسق أو الفسوق؟ الفسوق فجعلها عامة في كل عموم الفسق، هناك مواءمة بين أحرف الكلمات والدلالة.

(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28))

سؤال من المقدم: ما هو ارتباط هذه الآية بما قبلها وما بعدها؟

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) خلق الناس من كلمات الله وبعثهم من كلمات الله وخلقهم كنفس واحدة من كلمات الله وبعثهم كنفس واحدة من كلمات الله إذن هي مرتبطة بكلمات الله. ختم الآية السابقة (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) إذن أولاً هي مرتبطة بما قبلها لأن الخلق والبعث من كلمات الله وخلقهم وبعثهم كنفس واحدة من كلمات الله. الخالق عزيز حكيم الخالق له العزة لأن المخلوقات كلها من صنعه وهي طائعة له فهو عزيز والخالق حكيم في خلقه وصنعه وهو خلقهم لحكمة أرادها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) إذن خلقهم بحكمة وخلقهم لحكمة يعني هو حكيم في الصنع وحكيم في الغرض إذن هو عزيز حكيم والذي يبعث الخلق عزيز حكيم عزيز لأنه يجازي ويعاقب ويعذب ولا رادّ له وهذا منتهى العزة وحكيم بمعنى الحكم والحكمة والبعث ومحاسبة الخلائق منتهى الحكمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) يتعالى عن هذا الباطل. إذن الباعث عزيز لأنه يحاسب ويجازي ولا راد لحكمه وحكيم من الحكمة يجازي المحسن ويعاقب المسيء وهذه حكمة وحكيم بمعنى الحكم لأنه تعالى قال (أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر) إذن نلاحظ الارتباط بين مقدم الآية من كلمات الله الخلق والبعث ومرتبطة بختام الآية عزيز حكيم فارتبطت بما قبلها أجل ارتباط حكيم من الحكمة والحكم وارتبطت بما بعدها لأن بعدها (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29) لقمان) وهذا الأجل المسمى هو الذي يبعث الله فيه الخلائق الذي ذكره (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) وهم يجرون كجري الشمس والقمر إلى منتهاه.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 19/11/2007م:

(وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) التوبة) ما إعراب كلمة رسوله؟ إما أن تكون مقدرة مبتدأ أي ورسوله كذلك بريء أو النحاة يقدروها على محل إسم إنّ لأن إسم إنّ مبتدأ قبل دخولها (الله بريء من المشركين) فلو حذفنا إنّ يكون مرفوعاً في الأصل يكون معطوفاً على المحل أو هو مبتدأ يعني ورسوله كذلك وخبره محذوف (ورسوله بريء). يبقى هناك سؤال لماذا قال هذا؟ إنّ تفيد التوكيد يعني لما نقول إن الله بريء آكد من رسوله بريء، هل براءة الرسول r كبراءة الله مستقلة أم تابعة لبراءة الله؟ تابعة لبراءة الله فهي أقل منها توكيداً وليستا بمنزلة واحدة. هذه الآية كانت سبباً في تشكيل القرآن الكريم لأن الأعرابي قرأها (إن الله بريء من المشركين ورسولِهِ) وهذا خطأ سمعها أبو الأسود فقام بتشكيل القرآن.

(تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) القمر) لماذا جاءت بالتأنيث في سورة الحاقة (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) وفي القمر (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) وهي وصف للنخل في الحالتين لكن إحدى الآيتين بالتأنيث والأخرى بالتذكير. رجعت لكتب النفسير التي تقول أنها متناسبة لخواتيم الآيات لكن في نفسي أنها ليست للفاصلة وحدها وقطعاً هناك أمر غير الفاصلة ووصلت إلى إجابة وكتبتها في كتاب بلاغة الكلمة في القرآن. ثم اهتديت إليها عَرَضاً في صنعاء. عندنا قاعدة أن التأنيث قد يفيد المبالغة والتكثير يعني رجل راوية، داعية هذه فيها مبالغة مثل علام علامة، حطم حطمة، همز همزة هذه مبالغة وهذه قاعدة لغوية وتعني التكثير (قالت الأعراب آمنا) بالتأنيث وقال (قال نسوة في المدينة) الأعراب أكثر. قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20)) وقال في يوم واحد بينما في سورة الحاقة قال (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)) أيها الأكثر سبع أيام بلياليها أم يوم؟ سبع أيام فجاء بالتأنيث للدلالة على المبالغة والتكثير ثم قال في الحاقة قال (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)) وفي القمر قال (رِيحًا صَرْصَرًا) لم يقل عاتية فزاد العتو وزاد الأيام في الحاقة فيكون الدمار أكبر فقال خاوية لأن الخاوية أكثر من منقعر لأن كل منقعر هو خاوي والخاوي عام يشمل المنقعر وغير المنقعر فجاء بكلمة خاوية التي هي أعم من منقعر وجاء بالتأنيث للمبالغة والتكثير وصفة الرياح أقل ريح صرصر لذا قال بعدها (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ). أما الآية الأخرى فاستغرقت سنوات طويلة وتحتاج لسنوات طويلة.