لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 82

اسلاميات

الحلقة 82

(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34))

(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) يقولون إن هذه الآية ذكرت مفاتح الغيب فبدأت بعلم الساعة وهذا أمر اختص الله تعالى به بنفسه لم يطلع عليه أحد قال تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) في أكثر من موطن (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187) الأعراف) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) النازعات) فإذن الساعة ربنا اختص بها حتى تركيب الآية (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قدّم الخبر (عنده) على المبتدأ (علم الساعة) والجملة كلها خبر (إنّ) أصلها علم الساعة عنده، هذا التقديم يفيد الاختصاص أي عند الله فقط حصراً تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان النبتدأ معرفة يفيد الحصر في الغالب، قدم الخبر على المبتدأ أفادت الإختصاص أي لا يعلمه إلا هو، و(إنما) أداة حصر وأكد الجملة بـ (إنّ) وهو يفيد تأكيد القصر، إذن التقديم والتأكيد يفيد القصر والحصر بأن علم الساعة منتهاه إلى الله تعالى حصراً.

سؤال من المقدم: ما دلالة العطف في الآية؟

(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ثم قال بعدها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعني هو لم يذكر علة نزول الغيث ما قال ويعلم نزول الغيث لكن قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن تنزيل الغيث هو الذي يعني العباد وليس العلم به بمعنى تنزيل الغيث هو الذي فيه حياتهم ومعاشهم فإذن هو ذكر ما هو أمس بحياة الناس ونعمة الله عليهم الغيث تتم به مصالحهم وحياتهم فاختار ما هو أدل على النعم قال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ). علم الساعة بعد زوال هؤلاء وذهباهم بقرون، في حياتهم الحالية يعنيهم للتذكر وأخذ العبرة أما موعدها فلا يعنيهم، نزول الغيث يعنيهم هم لذلك ذكر ما هو أدل على النعمة فقال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) قال ينزل بالمضارع لأن هذا يتكرر ويتجدد وكذلك قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن هذا متجدد أيضاً الأرحام مستمرة في كل لحظة يحصل ما في الأرحام. ثم إن هذا العلم البعض يقولون أن الناس قد يعلمون علم الأجنة بالسونار وغيره، ليس المقصود فقط علم الجنس ذكر أو أنثى وإنما هذا شيء من العلم، يعلم ما في الأرحام يعلم الجنس وغير ذلك كونه تام أو ناقص، ذكي أو بليغ شقي أو سعيد ما استعدادته البدنية هذه لا يمكن أن يعلم بها أحد فليس المقصود الجنس وإنما الاستعداد الجنسي والنفسي ولون العين أخرس أو غير أخرس وحتى علم الأجنة يعلم فقط عندما يستكمل الجنين ولا يعلمون جنسه عندما يكون علقة ولا يمكن أن يعلموا ما في الأرحام من الآية الأولى وإنما يعلمونه بعد التشكل بينما ربنا تعالى يعلم ما في الأرحام من بدايته والأرحام لا تعني الإنسان فقط وإنما تشمل كل شيئء (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد) ليس فقط ما يتعلق بالإنسان، ربنا يتكلم عنا يعلم في السموات والأرض (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (4) التغابن). (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) في كل الكرة الأرضية وهو مستمر وليس الجنس فقط وإنما العلم بهذه السعة والشمول والدقة في كل الأحوال على مدى الزمن وفي كل لحظة يحصل فيها الله تعالى فقط يعلم بها.

سؤال من المقدم: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قصر وحصر أن علم الساعة لله تعالى دون غيره فهل باقي الآية تفيد القصر والحصر أيضاً؟

(وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لكن ليس فيها قصر على نفسه فإذن لا غرابة في أن يتحدث أحد يقول نعلم ذكراً أو أنثى لكنه علم ناقص وفي وقت محدد عند الاستكمال. نحن نفهم الآية عامة بهذه الدلالة أن ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل الأحوال وهذا لا يمكن أن يكون إلا لله تعالى. ذكر الرسول r ” أجله ورزقه، شقي أو سعيد” هذا لا يعلمه إلا الله تعالى.

(وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) تأتي إلى نفس الإشكال إذا كانت تفيد القصر لغة قسم قالوا تفيد وقسم قالوا لا.

سؤال من المقدم: ما دلالة الترتيب في الآية؟

(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) قسم كان يقول أنا موظف وراتبي محدود فيقول أنا أعلم ما أكسبه اليوم وغداً، أولاً الكسب لا يتعلق بأمور المعاش فقط، المعاش كسب لكن ربنا تعالى ذكر الكسب في الأعمال من الحسنات والسيئات قال (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ (81) البقرة) الكسب قد يكون للقلب (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (225) البقرة) والكسب لليد (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) فالكسب عام وحتى أصحاب الأجور الثابتة قد يأتيهم ما ليس في البال، بهذا المعنى المطلق لا يمكن أن يعلم أحد ماذا سيكسب غداً لأن الكسب متعلق بالأعمال من حسنات وسيئات وكسب القلب وما إلى ذلك والذي يأتيه من مال. الرزق واحد من معاني الكسب فالكسب عام فلماذا يحدد بشيء واحد؟ ومن يعلم ذلك؟ لا يستطيع أحد أن يعلم ماذا سيكسب غداً وماذا لو توفاه الله؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) هذا مكان الأجل.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذه الساعة فناسب ذكر ما تقدّم قبلها (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه الساعة فلما قال عنده علم الساعة ناسب ما قبلها هذا اليوم الذي طلب منا أن نخشاه. هذا أمر ثم ذكر بعد ذكر الساعة تنزيل الغيث (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) وهو أسبق المذكورات بعده وجوداً، بعده ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب  أسبقها نزول الغيث، المطر أسبق لأن الإنسان لا يعيش من دون زرع. المطر أسبق المذكورات بعده وجوداً فإذن بدأ بالأسبق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربنا تعالى كثيراً ما يستدل في القرآن بنزول الغيث على الساعة (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق) إذن صارت مرتبطة بما قبلها، إذن تنزيل الغيث ارتبط بما قبلها وهي الساعة وارتبط بما بعده وهو ما في الأرحام لأن ما في الأرحام يعيشون على الزروع إذن ينزل الغيث له ارتباط بما قبله وما بعده، ارتبط بعلم الساعة أنه تعالى يستدل به على علم الساعة ويستدل به على اليوم الآخر ومرتبط بما بعدها (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن ما في الأرحام كثيراً ما يعيشون على الزروع وما تنبت الأرض سواء كان إنسان أو حيوان ثم ذكر ماذا تكسب غداً هذا بعد الولادة وبعد ما في الأرحام ثم ذكر الموت في الآخر، فإذن رتبها ترتيب أسبقية الوجود والارتباط، فيها إثبات لعلم الله ونفي لما عداه، إثبات لعلم الله (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ونفي ما عداه (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). ثم ختمها ختمها بقوله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فأثبت له العلم والخبرة على صفة المبالغة وهذا من اجتماع العلم والخبرة، عليم بالأمور خبير ببواطنها. خبير تضيف إلى عليم.

سؤال من المقدم: هل الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى كل هذا التأكيد ونحن نقرّ له بالعلم؟

(أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) الصافات) وربنا قال تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) الصافات) يصفونه بأشياء لا ينبغي أن يوصف بها فمن أهمّ الأشياء ينبغي أن نعلم أن ربنا عليم وخبير وقدير وحليم والأسماء الحسنى.

سؤال من المقدم: هل هناك لمسات بيانية أخرى في الآية نختتم بها السورة؟

هذه الآية الأخيرة تكون لها ارتباطات بأوائل السورة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) مرتبطة بقوله تعالى في أوائل السورة (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) الآخرة هي الساعة (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6)) (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)) هذا في الآخرة. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) مرتبطة في أوائل السورة (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء (10))، (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) مرتبطة بأوائل السورة (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ (10))، (ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) مرتبطة بقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6)) الذي يشتري ماذا يريد؟ يريد أن يكسب، إذن لا يعلم ماذا يكسب غداً ثم (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هذا سيكسبه، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) مرتبط بقوله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) الذي يفعل هذا أليس هو العليم الخبير؟ بلى، إذن هي مرتبطة وهذا خط عام في القرآن ارتباط خواتيم السور بأوائلها. العرب كانت تعي هذا الأمر ربما لم ينظروا في أوائل السور وخواتيمها ولكنهم كانوا يعلمون أكثر مما نعلم في ترتيب الآيات في القرآن وإعجازه.

سؤال من المقدم: في بناء القصيدة هناك وحدة الموضوع أو وحدة بناء القصيدة فهل هذا موجود في القرآن؟

سؤال: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) ما الفرق بين يفصل ويقضي؟ وما دلالة ضمير الفصل (هو) في آية السجدة؟

(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) يقول المفسرون يفصل بين الأنبياء وأممهم لأن السياق هو بين المؤمنين والكافرين (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)). ربنا سبحانه وتعالى قال (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) صاروا أمتين جماعة بني إسرائيل نبيهم موسى آتيناه الكتاب وأنت أيضاً يا محمد آتيناك الكتاب فصاروا ملّـين مختلفتين فلا تكن في مرية من لقائه. نقرأ الآية الثانية لنرى الفرق بينهما ونشرح، آية الجاثية (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)) الاختلاف بين بني إسرئيل في ملة واحدة (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ)، في آية السجدة الاختلاف بين أمم مختلفة وعلى الأقل بين أمة الإسلام وبني إسرائيل أما آية الجاثية فالفصل بين ملة واحدة مختلفة فيما بينها، أيّ الذي يدعو إلى الاختلاف أكثر والتوكيد بين مِلّة واحدة أو ملل مختلفة؟ بين ملل مختلفة فلما كان بين ملل مختلفة قال (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) أكّد وما كان بين ملة واحدة قال (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) ولم يأت بـ (هو). هناك فرق دلالي بين يقضي ويفصل، يفصل يعني يجعلهما مختلفين بينهما حاجزاً افتراق بين الطائفتين فلما كان الخلاف في الملل المختلفة هؤلاء لا يلتقون يذهب بعضهم إلى النار وبعضهم إلى الجنة ولهذا قال يفصل أما الثانية فهي بين ملة واحدة فقال يقضي بينهم أي يحكم بينهم وليس بالضرورة فصل، الحكم لا يقتضي الفصل لكن الفصل يقتضي الحكم لأن فيه حكم وفصل ولهذا الاختلاف في الملل يحتاج حكم وفصل. وقال (هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) هذا ضمير الفصل وهو يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر مثال: محمد هو القائل، مبتدأ وخبر، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) يقع الضمير بين إسم إنّ وخبرها، (فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) الصافات) بين إسم كان وخبرها، ظننت محمد هو المسافر، ظننت خالداً هو المنطلق، بين مفعولين، الغرض البلاغي من مضير الفصل هو التوكيد والقصر في الغالب (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة) حصراً ليس هناك مفلح غيرهم حصر ومؤكد، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) هذا ضمير الفصل يفيد في الغالب التوكيد والقصر. حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر، (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، هذا القصص الحق يحتمل أن يكون القصص بدل فيها إلتباس فإذا أردنا أن نجعل القصص هو الخبر وليس الصفة نقول هذا هو القصص والحق تكون صفة وإذا أردنا أن نقرر أن حتماً القصص ليس خبراً نقول هذا القصص هو الحق يكون الحق هنا خبر للقصص، القصص بدل لهذا، هذا أصل التسمية حتى يفصل وأن ما بعجها خبر وليس صفة، هذا أصل التسمية ثم ذكر له فوائد في الغالب القصر الحقيقي أو الإدعائي (تدعي أن فلان شاعر مثلاً وهو ليس بشاعر) أو التوكيد. أما في قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هذا ضمير الشأن وليس ضمير الفصل. ضمير الفصل على الأرجح ليس له محل من الإعراب، نقول هو ضمير مبني ونعده حرفاً وهذا من أشهر الأقوال لأنه لو كان إسماً يذكر له محل من الإعراب، في أشهر الأقوال أنه حرف لا محل له من الإعراب.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 24/12/2007م:

  1. (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة)؟

  2. (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ (39) طه) فما الفرق بين الآيتين؟ وما الفرق بين ألقيه واقذفيه؟

  3. (إن هذا لهو القصص الحق) وقال أن ضمير الفصل بمعنى الحرف فكيف نفسر اتصال الحرف بالحرف (لهو)؟وهل هناك لمسة بيانية في الآية؟ في القرآن (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى (24) سبأ) (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) غافر) تدخل اللام على إلى ليس فيها إشكال.

  4. (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) يوسف)؟ ما الحكمة في النسيان بقاء يوسف في السجن سنوات؟ الشيطان أراد أن يوقع بيوسف ويجعله في السجن لكن الشيطان كان قصير النظر فكان بقاء يوسف أولى وأصلح ليوسف لأنه لو خرج يوسف في حينها ثم رأى الملك الرؤيا إلى من سيرجع؟ فربنا حفظه في السجن فأبقاه مدة أطول لمهمة أكبر حتى يصبح عزيز مصر فأبقاه حتى يسهل الرجوع إليه وإلا أين يبحث عنه في مصر؟ أين يكون؟ فربنا سبحانه وتعالى أبقاه في مكانه لمهمة أكبر وهو نفع العباد ويكون عزيز مصر فلذلك الشيطان ما وّفق وحصل ما فيه مصلحة يوسف.

  5. (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) مريم) ما دلالة اختيار لفظ الرحمن دون غيره من الصفات؟