مقاصد السور
د. محمد عبد العزيز الخضيري
سورة الحجرات، ق، الذاريات
تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان لموقع إسلاميات حصريًا
معنا في هذا المجلس سورة الحجرات، وهذه السورة الكريمة تتحدث عن أداب المجتمع المسلم، وعن ما يربط المجتمع بعضه ببعض، وعن أهم الأسباب التي يحصل بها التفرق والاختلاف، وقد جاءت بأداب منوعة منها:
أداب متعلقة بحق الله وأداب متعلقة بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأداب متعلقة بحقوق المؤمنين، أما ما كان في حق الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿١﴾) فنهاهم عن التقدم وأمرهم بالتقوى، ما هو التقدم بين يدي الله ؟ هو أن تقترح أشياء، لماذا لم يحرّم الله هذا؟ لماذا لم يأمر الله بهذا؟ لو أن الله فرض علينا كذا؟ لو أن الله شرع كذا، هذا هو التقدم بين يدي الله، كأنك تقترح على الله وكأن الله لا يعلم وليس عنده الحكمة البالغة.
أما الآداب المتعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم فنلاحظ أنها أداب في غاية الرفعة والذوق وذلك لأن هذه السورة متأخرة جدا في النزول، نزلت في عام الوفود الذي هو العام التاسع للهجرة النبوية فجاءت هذه السورة لترفع من أخلاق المؤمنين وتهذبهم تهذيبًا رائعًا فقال الله عز وجل للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) لا يجوز لأحد أن يرتفع صوته على صوت رسول الله لأن هذا لا يليق مع الكبار (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضك لبعض أن تحبط أعمالكم ) هذا سبب من أسباب حبوط العمل.
ثم ذكر الله الذين يغضون أصواتهم قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)
ثم ذكر الأدب الثاني وهو مناداة النبي صلى الله عليه وسلم في غرفته أو حجرته مع أهله (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) فلا يليق بك أن تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناديه كأنك تنادي أحدا من أولادك، هذا ما يليق مع الكبار ولا يليق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعظم إنسان وأشرف مخلوق ينبغي لك أن تحترمه وتتأدب معه، وإذا كان هذا في حقه فهو أيضًا في حق من حملوا رسالته وهم العلماء، لا ينبغي لنا أيضًا أن نخاطبهم كما نخاطب سائر الناس ولا ينبغي لنا أن نناديهم من وراء بيوتهم لأنهم إذا دخلوا بيوتهم فهم لا يدخلونها إلا من أجل أن يقضوا حوائجهم ويرتاحوا فيها وقد وهبوا الأمة سائر أوقاتهم.
ثم انتقل بعد ذلك إلى الآداب مع المؤمنين فبدأ بالأدب الأول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) فينبغي على المسلم أن يحذر من قبول أخبار الفساق، سواء كان هذا الفاسق شخصًا أو كانت جهة، شركة إعلامية أو قناة فضائية أو غيرها، إذا جاءك الفاسق بنبأ أي خبر مهم، فلا يجوز لك أن تقبل هذا الخبر حتى تتبين، لأن هذا مما يوقع في العداوة ويقع في البلاء ويكون سببًا للتقاطع وللحروب والمشاكل.
ثم ذكر الله عز وجل الأدب الثاني وهو (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) ماذا عليكم؟ (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) يجب علينا عند حصول خصومة بين المؤمنين ولو كانت بين رجلين أن نصلح بينهما ولذلك قال بعدها (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) لا بد من العدل دون حيف مع أحد الطرفين (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٩﴾ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿١٠﴾)
الأدب الثالث (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) النهي عن السخرية لأن السخرية توغل الصدور وتسبب الأمل النفسي الشديد، وأنت عندما تسخر هل عندك بطاقة من الله أنك أنت في الفردوس الأعلى وهذا في الدرك الأسفل؟! إذا فلماذا تسخر؟! قد تسخر من شخص أو تحتقره تمامًا لأي سبب من الأسباب لكن هذا الرجل قد عبر ووضِع له مقعد في الجنة وأنت إلى الآن ما عملت عملًا تصل به إلى الجنة، فبأيّ حق تسخر؟! ولذلك قال (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) قد تسخر من إنسان يعمل عملا في نظر الناس أنه وضيع أو غير ذلك، ما تدري أن هذا الرجل الذي تسخر منه قد وصل إلى مرتبة عالية عند الله عز وجل أنت لا تعلمها ولم تطلع عليها، ذم ذكر الرجال وذكر النساء بوجه مخصوص لكثرة ما يجري بينهن من السخرية.
ثم ذكر الأدب الرابع وهو قوله (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يعِب بعضكم بعضًا، تعيب أخاك في خلقته أو في مشيته أو في صوته أو أي أمر من أموره.
ثم الأدب الخامس (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ) أي لا تعطي أخاك لقبا لا يحبه، يا الدبّ، بأيّ حق؟؟ هذا اللقب لا يحبه، لا يجوز لك أن تفعل ذلك معه، بل يجب عليك إما أن تلقبه إما لقبًا حسنًا أو لا تلقبه بشيء وتناديه باسمه، وأحب شيء إلى الله أن تناديه بأحب الأسماء إليه، يا أبا فلان أو الشيء الذي هو يرغب أن يسمّى به أو يكنى به، قال الله عز وجل (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) مما يدل على أن هذه كلها من باب المعاصي وأنه تلزم فيها التوبة (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، كم هذه؟؟ إن جاءكم فاسق، أصلحوا،لا يسخر، لا تلمزوا، لا تنابزوا هذه خمسة
الأدب السادس (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) لا تظن بأخيك ظنًّا سيئا من غير دليل ولا بينة، فنهانا الله عن الظنون بإخواننا.
الأدب السابع (وَلَا تَجَسَّسُوا) والغالب أن الذي يظن ظنا سيئا يحمله الظن السيئ إلى التجسس فنهانا الله عن التجسس.
ثم نهانا الله عن الغيبة لأن العادة أن الذي يتجسس يطّلع على شيء من عورة أخيه فيذكر ذلك لغيره فيغتابه ولذلك جاءت هذه الثلاثة مرتب بعضها على بعض قال الله عز وجل (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
ثم قال الله مبينا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) قسمكم الله شعوب وقبائل ليس من أجل أن تتفاخروا أو يشعر أحد أن عنصره أو جنسه أو عرقه أو بلده خير من البلد الآخر، لا، لا، كل هذه القسمة في الأرض أو الأعراق أو الألوان هي من أجل التعارف، حتى يقال هذا مصري وهذا عراقي وهذا أمريكي وهذا أوروبي، فقط من أجل المعرفة فلا تستعملوها لغير هذا السبب، لا تستعملها من أجل الفخر ولا العلو في الأرض.
ثم قال الله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) لاحظوا من أول السورة إلى الآن كل الآداب متصلة بماذا؟؟؟ باللسان! (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي -إن الذين ينادونك – إن جاءكم فاسق بنبأ- لا يسخر قوم من قوم – لا تلمزوا أنفسكم – لا تنابزوا بالألقاب) غالبها متصل باللسان ولذلك هنا جاء بعيب آخر من عيوب اللسان وهو الدعاوى، أن يدّعي الإنسان شيئا ليس من حقه (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
ننتقل بعد ذلك الى سورة ق
وهذه السورة هي أول المفصّل فالقرآن يقسم إلى أربع مقاطع أو أربع أنواع: السبع الطوال وهي من سورة البقرة إلى التوية، والمئون وهي التي تبلغ آياتها مئة فأكثر، والمثاني وهي ما دون المئين، المفصّل وتبدأ من سورة ق الى الناس، وهو ثلاثة أقسام: طوال المفصل من ق الى نهاية سورة المرسلات، وأوساط المفصل من سورة عمّ إلى نهاية سورة الليل، وقصار المفصل من سورة الضحى إلى سورة الناس. لماذا نتعلم هذه؟ نتعلمها لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر في طوال المفصل، وفي الظهر والعصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل، لذلك لا بد أن نتعلمها .
سورة ق تتحدث عن قضايا العقيدة وبالأخص قضية البعث بعد الموت والجزاء والحساب وان كانت تحدثت عن التوحيد وتحدثت عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، وافتتحت بالقرآن واختتمت به، قال الله فيها (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) وختمت بقوله (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) وهذا من باب التناسب بين فاتحة السورة وخاتمتها. هذه السورة فيها التذكير بأن الله قادر على البعث من بعد الموت وفيها التخويف من مصائر الأمم الماضية وفيها التذكير بالموت وأنه آت لا محالة (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿٢١﴾ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿٢٢﴾ ) ومن عجائب هذه السورة وتمام مناسبتها لسورة الحجرات أن الله قال فيها (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾) لماذا ؟؟ لأن سورة الحجرات كلها في الألفاظ، من أول شيء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) إلى آخر شيء (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ولذلك هنا قال (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) حتى لو كان حرف واحد (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فإن قلت هل كل ما أتكلم به يُكتب؟؟؟ نعم يكتب! حتى حرّ وبرد واه وأف وأح كلها تكتب، لكنك لا تُجازى إلا على ما فيه خير أو شر، فإذا جئت يوم القيامة ووضع الكتاب بين يديك مدّ البصر وبدأت تتصفحه (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسبيا) تهوّلت انه ما من لفظ خرج من فمك إلا وقد قُيد، ولذلك المجرمون ماذا يقولون؟ ( يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ) لكن لا تجازى إلا على ما يكون به الجزاء من خير أو شر، وأما كلمة أح وأخ وبرد فإنك لا تجازى ولكن تراها، تُحسب! ولذلك تتندم على أنك ما وضعت بدلها: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى آخر سورة وهي سورة الذاريات:
هذه السورة أيضا موضوعها هو موضوع السور المكية من مناقشة المشركين في أمر البعث وأنه حق قادم لا محالة وهي تتجه بنا إلى أن نتجه إلى الله من خلال عبوديته فتأمرنا بذلك ولذلك ذكر الله فيها أربعة أقسام قال (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) وهي الرياح (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿٢﴾) وهي السحب (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) وهي السفن (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) وهي الملائكة (إنما توعدون لصادق وان الدين ) أي الجزاء والحساب (لواقع). (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ) أي ذات الجمال والقوة (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) أيها المشركون في أمر البعث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أرشدهم إلى ما ينبغي لهم أن يفعلوه فقال الله عز وجل (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ) من الجزاء الحسن (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) ماذا كانوا محسنين؟ بأي شيء؟ ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) قليل من الليل الذي يهجعونه (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الاستغفار بالأسحار (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) سؤال: وردت هذه الآية في سورة المعارج لكن قال في تلك سورة المعارج (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وهنا (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ما الفرق بينهما؟ هذه صدقة وتلك زكاة لأن تلك جاءت في مورد الواجبات أما هذه في مورد النوافل (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ)-ما قال معلوم- لو كانت حق معلوم لكانت الزكاة، لا، (حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لأن هذه كلها نوافل. (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴿٢٠﴾ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٢١﴾ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾) العجيب أن هذه السورة تؤكد على أمر الرزق، ولاحظوا أن الرياح والسفن والسُحُب مما يكون بها الرزق، وهنا قال (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴿٢٣﴾).
ثم جاء بقصة إبراهيم مع ضيفه، وهي قصة عجيبة تحتاج إلى وقفات طويلة لكن هذا ليس محلها ويمر بنا إن شاء الله قوله (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴿٣٤﴾ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٣٥﴾ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٦﴾) لماذا قال في الأولى (للمؤمنين) وقال في الثانية (المسلمين)؟ بعض الناس يقول لأن كل واحدة تنوب عن الأخرى، لا، من هم الذين أخرجوا من قوم لوط؟ ما أُخرج إلا المؤمن -لوط وبناته- (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قرية لوط أو قرى قوم لوط وهي المؤتفكات، ما فيها غير بيت واحد! ليس مؤمن وإنما مسلم ـ لماذا؟؟ لأن معهم امرأة لوط وهي ليست من المؤمنين، هي مسلمة في الظاهر كافرة في الباطن، ولذلك يقول (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لما وصف البيت وصفه بأنه مسلما لما جاء إلى الإخراج والتمييز ذكر أن الذين أخرجوا هم المؤمنون وهذه التي كانت في الظاهر مسلمة وفي الباطن كافرة بقيت مع قومه فهلكت مع الغابرين.
ومن أعظم آيات السورة قول الله عز وجل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الفرار يكون من الله إلى الله وما في أحد يُفرّ منه إليه إلا هو ما لك مآل ولا مصير إلا إليه سبحانه، ففروا يا عباد الله إلى الله (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ). ثم بينت حكمة الخلق في قوله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ما خلقنا للهو ولا للسياحة واللعب ولا للضرب في الأرض ولا لطلب الأرزاق، هذه أشياء نتبلّغ بها لكن الحقيقة أنا خلقنا لأجل هذا الذي اجتمعنا عليه، من كرم ربنا أنه أباح لنا أشياء لكن لا يجوز أن نتخذ هذه الأشياء أساسًا ونقلب المعادلة كما قال في سورة القصص (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ) يعني كل ما أتاك الله ابتغ فيه الدار الآخرة، ثم ذكّر العبد قال: انتبه لا أقصد كله تجعله للآخرة وإنما ضع شيئا للدنيا (ولا تنس نصيبك من الدنيا) أن تراعيه نحن الآن ابتغينا في كل ما أوتينا من الدنيا ونقول لبعضنا تذكر الآخرة ولو بشيء يسير، تصدق ولو بريال المفترض العكس يعني تصدق بكل مالك إلا بما تتبلّغ به في الدنيا قال الله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) موضوع الرزق، في ضيافة إبراهيم، (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد.
https://www.youtube.com/watch?v=bdMcIZ1esGU
https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/1now09rbpkga