الحلقة 127
(الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) يونس) – (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) يوسف)
الدكتور نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال تقبل الله صيامنا وقيامنا وكل عام وأنتم بخير. كنا قد توقفنا في مستهل سورة يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وتجاوز شيخنا الآية الأولى إلى الآية الثانية لمناسبتها لمقام النبوة المحمدية عليه الصلاة والسلام وقد آن لنا أن نعود إلى الآية الأولى وهي قوله تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) يونس) ليبين شيخنا الجليل العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في مستهل هذه الحلقة الفرق بين فاتحة هذه السورة وفاتحة سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام التي تتكرر هذه الآية ذاتها لولا أن الله تعالى وصف الكتاب بأنه مبين فيا ترى ما الفرق بين الوصفين القرآنيين؟
الدكتور الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وجزى الله الأخ الدكتور نجيب على أنه بيّن لكم ما بيّنه من حيث أننا كنا قد استبقنا في سورة يونس الآية الأولى بالثانية كما تفضل كانت هي مناسبة للمولد النبوي الشريف. والآن نعود إلى الأولى وكما ذكر الدكتور نجيب هناك فرق بين هذا الافتتاح وافتتاح سورة يوسف نفس الآية (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) يوسف) في الأولى الحكيم وهناك المبين؟ والقرآن كما تعلمون تأويله يقتضي أن تنظر إليه بظروف عصرك ومفاهيم عصرك على أن يكون تأويلك تفسيراً لزمانك ليكون تراثاً للزمان القادم يأخذون منه ما بقي صالحاً وعليهم أن ينشئوا لأنفسهم تأويلاً وتفسيراً يتناسب مع معارفهم وحضارتهم القادمة. فعلاً لماذا رب العالمين عز وجل افتتح سورة يونس (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)؟ بينما في يوسف بعدها بسورة قال (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ)؟ وليس في القرآن كما تعودتم في هذا البرنامج ليس فيه شيء زيادة حتى الحرف حتى الحركة حتى الصيغة. باختصار شديد حتى لا نطيل التفاصيل أن الحكيم كما تعرفون الحكمة هو الاستقامة في العقل ونحن قلنا مرة أو مرتين أن الملكات في الإنسان والطاقة في الإنسان أربعة: طاقة العقل وطاقة العلم وطاقة الشهوة وطاقة الغضب، هذه التي تحرك الإنسان. فهذه الطاقات إن قلّت عن الحد المطلوب فهو تخلف وإن زادت عن الحد المطلوب فهو اعتداء فإذا استوت فهي الاستقامة فالاستقامة إذاً فضيلة بين رذيلتين يعني مثلاً طاقة العلم أو ملكة العلم إن قلّت فهو الجهل (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف) جاهل غير متعلم وإن زادت فهو المكر (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) كإبليس فإن استوت فهي الرشد (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) الأنبياء) الرُشْد هو قمة العقل الناضج الذي لا يؤتى من نقص (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود). فالرشد إذاً هو استقامة العقل لأنه فضيلة بين رذيلتين إذا قلّت فهو الجهل وإذا زادت فهو المكر وإذا استوت فهي استقامة العقل فهو الرشد إذاً فالرشيد والرشد هو استقامة العقل هذا واحد. الثاني وهي موضوعنا مَلَكَة العلم إذاً كنت عالماً فأنت أحد أمرين إما أن يكون علمك أقل مما ينبغي، أنا آسف أنا أخطأت ملكة العقل إن قلّت فهي الحمق وإن زالت فهي المكر وإن استوت فهي الرُشد. للعلم هكذا نقول إن قلت درجة العلم أو ملكة العلم فأنت جاهل وإن زادت فهي المروق كما قال الدكتور نجيب إبليس تعلم أشياء أكثر مما ينبغي وتجاوز بها حدها وبالتالي صار مارقاً والآن في هذا الزمان هناك أناس في كل الاختصاصات من تجاوز الحد المنطقي المعقول المفيد إلى أن آذى الناس، يعني هذا الذي اخترع القنبلة الذرية لماذا اخترعها؟ هل داوى بها الناس هل أرسل بها الزراعة؟ هل.شفى بها الناس؟ لا، بل أهلك بها الناس بثواني أهلك مدينة بها خمسة عشر مليون بثواني!! هل هناك أشد مروقاً من هذا نعوذ بالله؟! يعني كل الفرق الضالة التي مزقت المسلمين مزقاً مزقها واحد عنده ملكة عقلية تجاوزت العقل الرحماني إلى عقل شيطاني (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) طه) وفعلاً استطاع أن يقنع أبونا آدم وصدّقه وعمل العملة فهو مروق والعياذ بالله. وعندنا مَلَكَة الغضب إذا قلت عن الحد المطلوب فهو الجبن وإذا زادت فهي البغي وإذا استوت فهي العدل. وعندنا مَلَكَة الشهوة إذا قلت فهي الخمل صار خاملاً ما عنده أي شهوة لا شهوة علم ولا شهوة ملك ولا شهوة غنى ولا شهوة جنس، ما أنت؟ أنت إنسان متخلف، وإذا زادت فهو الشبق يريد الملك لكنه قتل ملايين يريد الغنى فأخذ كل فلوسه بالحرام يريد الجنس فإذا كله بالزنا والاغتصاب وإذا استوت فهي العفّة ولماذا سموه عفّان؟ بالجاهلية مجموعة من البشر اسمهم عفان وعفيف لأنه كان يبتعد عن النساء بالحرام وعن الخمر فيسمى عفّان ومنهم أبو عثمان فعفان ليس اسم أبوه ولكن سمي عفّان لأنه حرم على نفسه الزنا والخمر وليس له دين. هكذا هو الأمر ونرجع إلى موضوعنا وهو ملكة العلم إما جهل وإما مروق وإن استوت فهي الحكمة فالحكمة هي أن تفعل الشيء بحيث ليس فيه نقص من جانب وأحسن كل شيء خلقه فهو حكيم. حينئذٍ رب العالمين في الأفعال الكبيرة المعجزة التي لا يفعلها غيره لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فهو حكيم. سورة يونس تتحدث عن هذه الأشياء عن الحكم وعن السموات والأرض وعن الآخرة وعن قواعد البشرية وعن كل ما لا يفعله إلا الله، فقوله (ألر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يا محمد يا مسلمون تلك الآيات التي ستقرأونها في هذه السورة في هذا الكتاب هي من حيث هذه السورة كتاب حكيم.
د. نجيب: تقصد الحروف المقطعة في أول السورة (ألر) لها علاقة بجو السورة كلها؟
د. الكبيسي: الحكيم يطغى على جو السورة كلها. وهذه الحروف المقطعة يختلف فيها المسلمون كثيراً من الناس من قال ليس لها معنى لكن تحدثنا أنا وإياك في هذا الموضوع، والتأويل ليس حجة التفسير حجة التفسير للآيات المحكمة أقيموا الصلاة (صلّوا كما رأيتموني أصلي) ما فيها اجتهاد، بثوابت إلى يوم القيامة حلال محمد وحرامه إلى يوم القيامة أما التأويل للآيات تخضع للزمن وحينئذٍ كل ما سنقرأه في هذه الآية من هذا القبيل. في حين أن الكتاب المبين لا هو قصة فقط يبين لك خفاياها ويعرضها عليك على طريقة الصواب، قصة يوسف يعرفها الناس في التوراة والإنجيل وما قبل ذلك والذين عاشروهم وحصل فيها خرافات وأكاذيب وزيادات فقال سوف أقصها عليكم ببيان ليس فيه زيادة ولا نقص ما في إعجاز وطلاقة القدرة، فقط رب العالمين يعرضها علينا بالصواب ولهذا قال إلا بالحق. نرجع إلى موضوعنا عرفنا أن الاستقامة فضيلة بين رذيلتين وعرفنا أن الحكمة إذاً أن تكون استقامة الفعل بحيث لا يأتيه النقص من مكان. بسم الله الرحمن الرحيم (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك) أنت شوف نفسك (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذارايات) (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين) لو أراد الإنسان الآن بخيالاته وبما وصل إليه من علم أن يخلق الإنسان خِلقة جديدة هل يمكن أن يصل إلى هذا الإبداع الذي أبدعه الله؟! مستحيل ولا قريب منه. إلى الآن الذي خلقه هذا الإنسان عجائب إلى الآن ولكنه لا يستطيع أن يخلق خلية ورب العالمين تحداه أن يخلق الخلية التي لا ترى بالعين المجردة فكيف تخلق إنساناً كاملاً؟! إذن هذا الحكمة في أن الله خلق وأحسن كل شيء خلقه من أجل هذا نستعرض سورة يونس فعلاً كلها معجزات كلها طلاقة قدرة لا يفعلها إلا الله سبحانه وتعالى ولهذا قال هذه الآيات (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) هذا كتاب حكيم وفي مكان آخر مبين وفي غيره عظيم وهكذا كل واحدة تعنى بتلك السورة وكما قال الدكتور نجيب آيات السورة كلها تنطوي وتدل على هذا الوصف الإلهي لهذه السورة بالذات. هذا عن يونس كلها من شغل وكلها من فعل الله وسأستعرض بعضها معكم ومنها ما يشير إلى ما نمر به اليوم كل جيل لا بد أن يجد له في هذه الآيات مكاناً, أنت تستطيع أن تعرف حكم ما يحدث وما سوف يحدث بعد ذلك أو قبل من تأملات ولهذا قال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد) تدبره أبقى مع آياته وفكر فيها إلى أن تصل إلى الحقيقة وإذا هذا هو حل لهذا الذي تراه أمامك اليوم. نخلص من هذا ونستعرض بعض آيات سورة يونس لكي نعرف أين الحكمة وهذا للبشر (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) البقرة) لماذا؟ فقد استوى عقله وأصبحت كل أفعاله فضيلة بين رذيلتين تخلّص من الإفراط ولا التفريط لا أن جاهل ولا أنت مارق نعوذ بالله كما قال الشيخ نجيب كإبليس لا فعلمك معتدل ونافع. طيب نقرأ ونستعرض بعض آيات يونس ثم نذهب إلى سورة سيدنا يوسف وكيف أنه تلك آيات الكتاب المبين وسوف ترى عجباً هو كتاب مبين حكى لك قصة يوسف ما فيها إعجاز ولكن حكاها بالشكل الصواب كما حصلت بدون خرافات بني إسرائيل وكل لقطة يقو لك الحكمة من ورائها ما هي فائدة هذا؟ أعطاك قوانين تعيش عليها فقط في العلاقة بين الرجل والمرأة والأسرة، سورة يوسف مدرسة كاملة لعلاقة الأنثى بالذكر وعلاقة الأبوين بالأولاد كل القضية فلسفة وكيف تعيش وكيف كذا ولا تزعل ولا تغضب فكل هذا من صنع الله عز وجل كما سنذكره هذا. يعني مثلاً في سورة يونس الآية ثلاثة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) يونس) فعلاً هذه قدرة طلاقة قدرة هذا فعلاً من فعل حكيم هذا الخلق العجيب تأمل فيه أنت الآن هل يمكن أن تعترض عليه؟ مستحيل إذاً هذه هي الحكمة حكمة الله عز وجل. آية أربعة (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس) هل هناك اختلاف في هذا الشيء؟ هل يمكن أن يختلف يوماً؟ هل ستمر عليك ساعة تقول هذا ما حصل؟ إطلاقاً (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) النساء) هكذا، الآية خمسة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) يونس)
——فاصل——-
د. نجيب: إذن المواضيع الرئيسية في هذه السورة هي ذاتها متعلقة بحكمة الله تعالى التي افتتح بها الايات الأولى من السورة.
د. الكبيسي: وكل ما يصيب البشرية في كل حياة الأنبياء من تحريف وتبديل وكله أساسها إما خلل في عقل واحد أو خلل في علمه الابتداع والفرق الضالة والمنحرفة والذي ذاقت بالناس ويلاً واحد قادها إما زيادة أو نقص. نستمر في استعراض هذه الآيات (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) يونس) تأمل في كل آيات الكون وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. هذه الآية 13 تجري من آدم إلى أن تقوم الساعة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) يونس) إلى أربعة عشرة وراءها (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس) هذه هي التي تحكم البشرية بقانون لا يتغير كما أن الليل وراء نهار ونهار وراء ليل هذا الذي يجري على مستوى الحكومات
د. نجيب: (وجعلنا الليل خلفة) وهنا (خلائف)
د. الكبيسي: أحسنت. الآن نحن في هذا الزمان من بلغ منكم السبعين أو الثمانين أو حتى الستين شهد عهودأً في العالم إمبراطوريات التي كان يظن أنها لن تزول وهذا في كل التاريخ فرس وروم ويونان ومش عارف ايش وفراعنة وعثمانيون وعرب وحضارات وإمبراطوريات عاشت مائتين سنة ثلاثمائة سنة وقسم منها آلاف السنين وقلت أن هذا لا يزول ولكن القانون يقول كل حضارة أو كل قوة ورب العالمين يعبر عنها بكلمة قرية القرية في القرآن هي الدولة صغيرة أو كبيرة هي دولة ذات نفوذ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل) وهذا يحدث في كل مائة عام تقريباً يعني قبل الإسلام تعرفون الإمبراطوريات يعني أنت في عام واحد إمبراطوريتان تملكان الأرض تتقاسمان الأرض بالسوية من العراق إلى مشرق الشمس ملك كسرى ومن العراق إلى مغرب الشمس ملك قيصر ولا ثالث لهما وزالت في سنة واحدة في عام واحد سقطت الإمبراطوريتان لماذا؟ (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) والذين جاء من خلفهم هذا قانون تأتي القوة الثانية التي أزالت هذا الفساد ثم تترهل بعد عشر عشرين خمسين مائة مائتين سنة تبدأ فيها نفس الحالة فيها فساد فيها طغيان وفيها بغي ولهذا البغي في الكتاب العزيز علامة على زوال الملك (والبغي مرتع مبتغيه وخيم) ما من دولة تبدأ بقتل شعبها إلا وزالت زوالاً لن تعود بعده أبداً هناك إمبراطوريات زالت وبعد فترة رجعت لأنه ما كان قتلهم بشعاً لكن تآكلوا. أما فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف) (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات) (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) القصص) وكان يعبد فعلاً ولكن كان يقتل أبناءهم وغرق في موجة (وما يعلم جنود ربك إلا هو) وزال والفرس والروم يا الله لو تعرف كيف كانت تلك الإمبراطوريات كان يعتقد أنها لن تزول! نحن عاصرنا الإتحاد السوفييتي الذي كان يملك نصف الأرض وكان النصف الآخر تملكه أمريكا وما من أحد من جيلنا كان يفكر أن الإتحاد السوفييتي يزول مستحيل وكان الشيوعيين يسمونه الإتحاد السوفييتي الجبار وكان جباراً فعلاً زال في واحد وتسعين وإلى الآن لا نعرف كيف زال هكذا ذاب كالملح هذا الذي يملك من الأسلحة ما يدمر الأرض خمسين مرة بل أغرق الله أعظم سفنه التي هي سفن نووية تستطيع أن تنسف الكرة الأرضية كلها غرقت وعليها 150 ضابط هو عالم نووي وإلى هذه الساعة لا أحد يعرف كيف غرقت؟! هذا قدر الله، هذا (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) حكمة الله تقتضي أن مملكة أو عظمة تقتل لا بد أن تزول وقد قتلوا كثيرين وخاصة من المسلمين في الجمهوريات الإسلامية. ثم انفردت أمريكا بالعالم وذهبوا إلى أفغانستان والعراق وهم اعترفوا بأنفسهم كما يقول أوباما دائماً لكي نتفادى خطأ العراق كان خطأ جسيماً انظروا ماذا سيحدث، هذه من قوانين الله بلا حرب وليس لأحد دخل في زوال الإتحاد السوفييتي ولا أمريكا بل الله وحده الله وحده هو الذي يجعل الأسباب غير واضحة وغير معلومة
د. نجيب: وهذا استثناء فأميركا هي الدولة الوحيدة في العالم كما كانت عاد الدولة الوحيدة في زمانها
د. الكبيسي: قضية عاد تكرر اليوم لكن على شكل أوسع، والله قال (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) النجم) وقد تساءلت مرة أنا وإياك عن من تكون عاد الثانية؟ ربما أمريكا لأن ما في أقوى من أمريكا وهي الآن ملكت العالم وما كان يخطر ببالي أن أمريكا تهلك إلا بعد 400 سنة 500 سنة والآن اقرأ الصحف اليومية الغربية وأنا أقرأها يقولون أن أمريكا ستنتهي وهذا لا يصدق وحتى ولو انتهت لا أصدق ومع ذلك هذا الواقع هذا واقع
د. نجيب: ولذلك لما قال تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) الروم) يعني لم يبقى توحد الروم في الأرض بعد غلبتها المرة الثانية بفارق إلا سنوات وتفضلت أن هذا خلاف القانون الإلهي خلاف قانون التدافع (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة)
د. الكبيسي: إذاً لما قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) وهذه السورة تقول هذا الكلام، ثم قال (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) كل الذين طبعاً الآن الكلام ليس سياسة وإنما في الفضائيات ما جرى في تونس ومصر وما يجري في ليبيا وسوريا تنطبق عليها هذه الآية بالضبط (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) بعد غنى جاءت حكومات أفقرت شعبها بعد غنى قتلته وأخافته بعد أمن السجون فيها مقبرة شاملة الكل يعرف هذه الفضائيات جعلت العالم قرية وهذا من إعجاز القرآن لما سمى العالم كله قرية وفعلاً العالم كله بهذه الفضائيات قرية ما يحدث في أي مكان في العالم تراه وكأنه هنا بجانبك. ما يجري في هذه الدول التي زالت والتي بقيت وستزول فعلاً ما في نقاش كل الدول عربية إسلامية غربية شرقية تقتل شعبها تضطهد الآخرين تجيع شعبها سجونها مخيفة قاتلة التعذيب فيها يميت بالآلاف كما نسمع كل يوم يأتون بالسجناء ويرشونهم والخ هذا عمل كان قبل التاريخ كان في سبل العيون وتقطيع الآذان أما الآن في القرن الواحد والعشرون وأمام الفضائيات! هذا جديد. ولهذا هذه الآيات في (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) إذا تتبعتها في كتاب الله عز وجل وفي سورة لقمان أيضاً (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)) فآيات الحكمة في سورة لقمان أيضاً فيها عن سنن الله في كونه ولقمان حكيم ولهذا إذا أردت أن تعرف ما سوف يكون وكائن إلى يوم القيامة عليك أن تتدبر هذا القرآن والتدبر نشاط عقلي لا يفعله إلا أصحاب العقول الرشيدة. العقل الرشيد المكتمل وحينئذٍ ماذا تقول بعد كل هذا وهذا الذي نقوله جزء ولو نشرح لكم قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) الرعد) ألم يروا، وفي آية أخرى (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) الأنبياء) تنطبق على هذا الذي يجري وجرى ألف مرة بالتاريخ. بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم تسقط دولة ودولة وراء الأخرى إلى أن صارت دولة إسلامية عظيمة واستمرت الدولة العظيمة إلى أن شذت وبدأت تتساقط وجاءت دولة أخرى وهكذا إلى يوم القيامة. فالقرآن يقول على الذين كانوا حاضرين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم (أَفَلَا يَرَوْنَ) هذا يشوفونه بأعينهم أما (أَوَلَمْ يَرَوْا) أما سمعتم أخبار الذين جروا من قبلكم وما حصل لهم؟ فرب العالمين يقول (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) الفيل) للذي ما شاف لكن حضر وعاصر الذين شافوا وحينئذٍ هذا القانون قد يكون جرى في عصرك كما يجري الآن وقد يكون قبل مائة سنة أو قبل ألف سنة كلنا الذين في سن الخمسينات والستينات والسبعينات رأينا سقوط دول وإمبراطوريات وحضارات انتهت كأن لم تكن، خاصة إذا كانت قاتلة وعليك أن تفتهم وأن تتعظ ولهذا الله قال (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (111) يوسف) ما من حاكم يقتل شعبه أو يجيعه عمداً أو يخيفه عمداً إلا ويزول زوالاً كزوال فرعون وفرعون هذا نسخة تطبق في كل جيل خمسين فرعون في خمسين عاصمة. إذاً (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) تنطبق على هذا الذي نقول فعليك أن تتأمل فيها لتعرف ماذا يجري في الكون.
ننتقل إلى الكتاب المبين، ما هي أهداف سورة يوسف عليه السلام؟ يقول تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) كل الحكاية أن قصة سيدنا يوسف تحدد نوع العلاقات السلبية والإيجابية بين الذكورة والأنوثة والذكورة والأنوثة عندما تنتج ذرية متنوعة أيضاً تؤرخ وتثبت الأحكام القانونية التي لا تختلف من جيل إلى جيل. على قدر ما بقى من الوقت نتكلم عنها بشيء موجز، أولاً تحدثت هذه السورة عن الغيرة والتنافس والتباغض بين أفراد الأسرة الواحدة وهذا قانون، الغيرة والعداء والتنافس بين الأخوة لأب والأخوة لأم وهذا خلاف المعقول، المفروض أن الأخوة لأب هم الأساس يتحابون والأخوة لأم أبوهم غريب ولكن رب العالمين أراد شيئاً آخر، أراد أن الأخوة لأم متماسكون متحابون متناصرون بينما الأخوة لأب متنافرون متناحرون متباغضون وهذا الذي جرى (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) يوسف) من أجل هذا رب العالمين يبين لنا أن هذا الذي يجري سيجري دائماً إلى يوم القيامة فعليك أن تتقيه. والسبب في ذلك أن الأم إذا تزوجت بآخر فإن زواجها بالآخر لا ينقص حبها لولدها من الأول وهذا يعني أن أولاد الأم يرثون من أمهم حب الأخ لأم ونحن نعرف في كل العالم وفي أسر نعرفها أن هناك أخوان لأم متحابان وأبوهما مختلف والمفروض أن لا يكون كذا لأن هذا فلان ابن فلان وهذا فلان ابن فلان ثاني وأمهم واحدة فالأم تجمعهم على عكس الأب إذا تزوج الأب امرأة أخرى نسي أولاده في الغالب نسي أولاده من المرأة الأولى فيرث أولاده التباغض فيما بينهم هذه إحدى العبر التي جاءت بها قصة سيدنا يوسف عليه السلام. ومنها أيضاً حسن معاملة اللقيط (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ (21) يوسف) وهذه أخلاقية عالية إذا التقطت طفلاً كما قال سيدنا علي وقد جاءه أحد المسلمين وقد حمل طفلاً لقيطاً قال أريد أن أربيه فقال (لو كان لي مثل هذا لكان خيراً لي من كذا وكذا وكذا) وعدد جملة من أفعال الخير (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (21) يوسف) لقيط لا ينبغي أن تعامله كلقيط ما دمت قد التقطته وآويته فعليك أن تكرم مثواه، هذه واحدة من العبر. العبرة الثانية قوة الإغراء حكاية يعني العفة من الصعوبة بمكان لأن هذا رب العالمين يجازي عليها جزاء عظيماً ولهذا يمتدح الله عز وجل العفيف لأنها مشقة هائلة سيدنا يوسف رب العالمين حماه قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف) وما كان لواحد غير يوسف أن يعصم لو كان غيره. امرأة ذات حسن وجمال ومكانة ومقام ومنصب تراوده مرة ومرتين وثلاث ويقول لا أخاف الله رب العالمين هذا من فعل الله عز وجل. ولهذا جعل الله تعالى من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال شخصية من الشخصيات المرموقة والجميلة فيقول لا هذا إلا أن يكون رب العالمين اصطفاه اصطفاءً خاصاً لذاته (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) القصص).
د. نجيب: والمشكلة لهذه القضية بالذات هي الخلوة واليوم فتحت أبواب الخلوة
د. الكبيسي: ولهذا نهينا عن الخلوة وعن النظر وعن كل هذا لأنه خطير لا يقاوم إياك أن تعتمد على أنك تقي ووالله في التاريخ هناك صالحون ما ثبتوا وهناك غير صالحين ثبتوا.
أحمد من إيطاليا: أشكرك على هذا البرنامج القيم وسؤالي هل كلمة حكيم توافق ما بين الحُكم والحكمة؟ على اعتبار قول عربي حيث قال عزّ فحكم فقطع، يجمع بين الحكم والحكمة؟
الإجابة: قطعاً فيها ملابسة وما يجمع بينهم قاسم مشترك ولهذا لا بد للحاكم أن يكون حكيماً وإذا كان الحاكم حكيماً صار عادلاً وإن كان أحمقاً صار ظالماً كما يحدث الآن. عندنا حكام في العالم العربي من أحمق خلق الله أشقوا شعوبهم بالقتل والذبح وهناك أنا أسعدوا شعوبهم حتى تقول الشعوب والله ليس بين مدينتا هذه وبين الجنة يعني ليس بعد هذا الحكم هنا إلا الجنة. هذا هو من الحكيم ما يقال فلان حكيم العرب فلان حكيم الأمة لماذا؟ حقق العدل والإنصاف والرخاء وأسعد شعبه ومجموعة واوات والعكس صحيح هناك البغاة والبغي مرتع مبتغيه وخيم والباغي لا يُغفر له ولا يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم وتعرف ماذا يجري لسنا بحاجة للشرح افتح الأخبار وانظر ماذا يجري هذا فرق هائل بين هذا وهذا.
كما قال الدكتور نجيب لما تصير في خلوة المرأة تفقد عقلها يعني كما في قصة يوسف قدت قميصه من دبر مزقت أثوابه جن جنونها ولذلك كما قال الدكتور نجيب رب العالمين قطع علينا هذا الطريق قال خلوة ما في نظر ما في الأولى لك والثانية عليك لا تخضعن بالقول ولهذا سيدنا موسى لما وجد امرأتين قال ما خطبكما وهو بعيد عنهم فسقى لهما وما حكى ولا كلمة (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ (24) القصص) ما في كيف حالك أنت بخير لا بل أنت تمشي ولهذا عليك أن لا تكلم امرأة أجنبية إلا للضرورة وأن لا يكون ذلك في خلوة وينبغي على المرأة أن لا تتساهل وأن لا تبتسم بوجه رجل لا تعرفه وتتحاشى أن تقدم له هدية بأي طريق وبأي مناسبة منذ أن تقدم المرأة هدية صغيرة لأي سبب عيد ميلاد الخ انتهينا.
——–فاصل——–
د. نجيب: نعود إلى القضايا الأسرية في هذه السورة الكريمة
د. الكبيسي: ونتكلم عن مسؤولية الآباء في العدل بين أبنائهم وفي التسوية في المعاملة قضية خطيرة يوم القيامة ولذلك عندما تجد هنالك تفاوتاً في حسن المعاملة (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) عليك أن تساوي بين أولادك من أي امرأة كانت وأما هم فهم مسؤولون عن أعمالهم إذا أساء بعضهم لبعضهم، فأخوة يوسف كما تعرفون يعني بقوا عشرون سنة يعني رموه في البئر حتى يموت وبعد عشرين سنة ما رق قلبهم قالوا (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) يوسف) ما هذا الحقد!! حقد أخ على أخوكم رميتموه في البئر وبعد عشرين سنة لا يزالون حاقدون وما نسوه؟! إذاً معنى ذلك الخلاف بين الأخوة وهناك طبعاً استثناءات ففي كل قاعدة استثناء نحن نعرف في حياتنا أن هناك أخوة لأب بينهم من المحبة ما بينهم لكن القاعدة عامة ولكل قاعدة شواذها. مما بينه الله سبحانه وتعالى في هذه السورة قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أن المرأة العاشقة إذا عشقت جنت ولهذا قال (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف) ثم الخطورة وين؟ أخطر ما يحدث في العلاقة بينهما أن المرأة إذا أبدت عشقها للرجل ورمت نفسها عليه وحاولت فأبى عنها إباء عظيماً فأنها سوف تمسح به الأرض بالأكاذيب سوف تشنع عليه حتى تقنع الناس جميعاً والناس جميعاً في هذا الموضوع يتلذذون بسماع ذلك ولو كذباً. ولهذا قالت لما ألفيا سيدها وهي طبعاً كرامتها انهانت وهي زوجة رئيس وزراء ومن عائلة ملكية وهذا لقيط عندها ثم رفضها! قالت (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) خلاص ألقت التهمة كلها عليه.
إتصال من الأخ إبراهيم: سورة سيدنا يوسف للأسف بعض البشر يقرأون السورة ولا يعرفون معناها، لكني أريد منكم أن توجهوا رسالة لوزارة الأوقاف أو أهل الدعوة أن تكون هناك مذكرات علمية في السورة تنشر وتوزع لأننا نحن الآن واقعون في فتنة عظيمة. والمطلوب توجيه الزوجين قبل الزواج وتعريفهم بمفهوم الحياة الزوجية السعيدة لأن كثيرين لا يرون من الزواج سوى ضرب الطبول ولبس الفساتين وأكل الولائم والزواج ليس هذا إنما هو ستر. ويجب أن يكون عقد الزواج واضحاً فإذا كان المهر عشرين يسجل عشرين لا يسجل عشرين ويؤخذ من الرجل ثمانين أو تسعين هذا ينزع البركة من هذا الزواج!
د. الكبيسي: أسئلة الأخ ابراهيم في غاية الوجاهة. لكي أجاوب الأخ إبراهيم-وسؤاله كان عن وجوب تأهيل الشباب والشابات قبل الزواج لسوء فهمهم لفكرة الزواج- الفيلم المصري تأسيسه كان تأسيساً إسرائيلياً وهذا أثبته العلماء المصريون والمؤرخون المصريون. اثنين انصب هذا الفيلم بقدر ما أغدقت عليه إسرائيل من الأموال على إفساد الأسرة ولهذا لاحظوا كما لاحظ الأخ إبراهيم أن هذا الفيلم مزق علاقة الرجل بالمرأة مزقاً كل عاداتنا وتقاليدنا وكل أحكام الدين ذهب بها وفعلاً طغت تقاليد وتقاليع هذا الفيلم المصري على الزواج في مصر وفي كل الدول العربية الذي حدث الآن كما قال الأخ إبراهيم أن كل الناس في هذا الجيل الذي تربى على هذه الأفلام بحيث لم يعد عنده مشكلة أن يكون عنده علاقة قبل الزواج أن يقبلها أن يكون لها صديق سابق أن يقضوا سوا قبل الزواج يعني أصبحت مألوفة إلى اللبس وإلى العري كل حركة مدروسة دراسة هائلة على مدى سبعين عاماً من عام 36 إلى الآن وهذا الفيلم ينخر في جسد الأمة وهذا ما قاله الممثل القدير عبد الوارث عسر عندما تكلم عن الأصابع التي خلف هذا الفيلم وأيضاً تكلم المخرج المغربي المشهور عن دور اليهود في الفيلم المصري وكيف أنهم غيروا ثقافة العرب. حينئذٍ كما قال الأخ إبراهيم فعلاً مطلوب الآن جهد مضاد لإعادة الأمة إلى تاريخها وقيمها وتقاليدها وأعرافها وأعراف المسلمين في العلاقة بين الزوجين أشد صرامة من الشريعة الإسلامية. فرب العالمين متسامح ورحيم بالزوجين لكن صرامة التقاليد العربية والإسلامية قوية جداً أقوى منها ولذلك الناس يتساهلون في الشرع ويتساهلون في التقاليد لأن التقاليد عيب التقاليد إذا خرقتها تصير عيباً والعيب يورث والحرام ما يورث تقول الله غفور رحيم. إذاً كما تفضل الأخ إبراهيم بحاجة إلى إعادة من جديد هكذا.
هكذا هو الأمر إذاً أردت أن تسلم فعليك أن تجتنب كل هذه المواقف كما ذكر القرآن الكريم في هذه السورة قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) بيّن الله لنا كيف نتعامل مع الأنثى ولهذا سيدنا يوسف لولا أن الله سبحانه وتعالى اصطفاه وسخر له شاهداً من أهلها لذبح (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هو توقع أنهم سيذبحونه لولا أن أحد كبار من الدولة من العائلة المالكة قال لا (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) يوسف) ونجى, إذاً عليك أن تعلم بأن أي علاقة مع امرأة بالشكل الذي لا يتفق مع هذا الدين أو مع القيم الأساسية التي عرضتها هذه السورة وبينها الله سبحانه وتعالى بهذا الكتاب المبين فإنك حينئذٍ لا بد أن تعيد النظر فيما أنت عليه.
الدكتور نجيب: والمشكلة سيدي في قضية العشق إذا كان يعشقها أو تعشقه وهي غير متزوجة يتزوجها لكن المشكلة إذا كانت المرأة متزوجة!
الدكتور الكبيسي: هذه مصيبة أكبر ولذلك المشكلة تقع في لا يليق بالرجل أن يدافع عن نفسه أمام المرأة يعني واحد اتهم وهذا يحصل كل يوم امرأة عشقته أو راودته وغضب وتأبى هنا جرحها في كرامتها فهي هنا ستشنع عليه تشنيع عليه هو ممكن يقول لا والله القصة كذا وكذا ولكن هذا يتنافى مع الرجولة لا ينبغي للرجل أن يفضح امرأة، هذه مصيبة ثم أن أخلاق العرب وأخلاق المسلمين عموماً من هذه الشريعة يأبى انك تفضح امرأة
د. نجيب: (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه) هما الاثنان عصيا لكن الله تعالى خلاها على آدم.
د. الكبيسي: إذاً خلصنا الآن باختصار شديد ما الفرق بين (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أن تنطبق على هذا الذي في آياته.
نعود إلى ما ذكرناه (كهيعص (1) مريم) (الر) قيل فيها الكثير اقترحنا أن الله سبحانه وتعالى كأنه يقول أنتم العرب ما من أمة استعملت حرفها بالبراعة التي استعمل العرب بها حرفهم، لغتهم، هذا معروف إن في العرب من الشعراء بقدر ما في العالم كله وأن اللغة العربية عند المنصفين من أمم الغرب تفوق اللغات جميعاً ما من لغة عندها وتذكرون برنامجنا الكلمة وأخواتها كيف كل كلمة تعطي زاوية معينة بالمعنى حتى تستطيع ولهذا القرآن الكريم بهذه اللغة استعمل المترادف فلما جاءها وأتاها ووصل في اللغة الأجنبية لكها بمعنى واحد لكن في العربية كل كلمة لها معنى آخر ولهذا رب العالمين عز وجل بهذا القرآن الكريم فصل هذه المعاني تفصيلاً وبعدين قال (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) أي اللفظ المقول في غاية الدقة والدلالة (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) النساء) بعد هذه الدقة في الدلالة يصبح الموضوع التابع للحديث وهو صاحب الموضوع يصبح في غاية الكمال وهذا هو المطلوب من القرآن الكريم الذي في كل جيل يكتشف فيه الناس شيئاً جديداً ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (لا تنقضي عجائبه)
د. نجيب: ما سر التعبير هنا بالكتاب؟ في بعض الأحيان تأتي القرآن (ص والقرآن) (ق والقرآن) أسماء أخرى لكتاب الله تعالى في فواتح السور لكن في بعض الأحيان يرد
د. الكبيسي: إذا قال الكتاب يعني اشتمل على ما في التوراة والإنجيل كل ما قال الكتاب يعني جمع (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصف)
الدكتور نجيب:هذا يتطلب أو نواصل الحديث عن بقية الآيات القرآنية التي تشابه هذه السورة هنا وصف الله تعالى الكتاب بالمبين وفي السورة الأخرى بالحكيم وفي سور قرآنية أخرى تأتي فواتح السور بوصف كتاب الله تعالى بصفات أخرى هل معنى هذا أن هذه الصفات بنفس الطريقة؟
الدكتور الكبيسي: كل كلمة في هذا الباب تختلف عن الأخرى فإنما تنشئ موضوعاً جديداً القرآن الصيغة المقروءة الذكر وكل كلمة تعطي معنى ولهذا قال (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر) من أجل ذلك كل فواتح السور لو جمعتها تستخدم أربع خمس مجلدات لما فيها من عمق ولما فيها من اختلاف حاد ولا يمكن أن يكون إلا وراءه علم غزير لأن العبث على الله محال.
د. نجيب: وهذه السورة التي تفضلت بها سورة يوسف عليه السلام بينت جوانب كثيرة من العلاقات الاجتماعية والأسرية بسلبها وإيجابها في كل المراحل سواء مرحلة الطفولة أو الشباب أو العلاقات الزوجية وعلاقة الخدم وعلاقة الوالد بأبنائه وخاصة داء الحسد الذي يتسرب بين الاخوة في حال الاختلاف. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل إلى شيخنا الجليل الدكتور الأستاذ العلامة أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه داعياً الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الدورة الجديدة بعد رمضان فاتحة خير لحلقات متتابعة شاكراً جميع الإخوة الذين شاركوا معنا على الهواء، علماً أن الإعادة الساعة الثامنة صباحاً من كل سبت، إلى اللقاء في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 2/9/2011م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.
=========================
الحلقة 127 (2-9-2011)
من قسم الفيديو في موقع إسلاميات
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2604
على
تحميل الحلقة صوتيا mp3( بحجم 5.5 ميجا تقريباً)
على