الحلقة 36
بسم الله الرحمن الرحيم وحيّا الله المشاهدين بعد أن فرقتنا الأحداث تقريباً ثلاثة أسابيع ولا نزال كلما توهمنا أننا سنفرغ من البقرة وآل عمران والنساء وندخل في المائدة ما أن نعيد القراءة أو الورد اليومي للقراءة حيث نختم كل شهر مرة نكتشف أننا تجاوزنا بعض الأشياء المهمة.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22) البقرة) – (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) – (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ (110) التوبة)
لفت نظري في سورة البقرة كلمة بناء (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22)) كلمة بناء تأتي في مكان آخر بتعبير بنيان (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ (110) التوبة) لماذا مرة بناء ومرة بنيان؟ وفي هذا كلام عظيم يدل على أن هذا القرآن معجز بلفظه وبمعناه. كلمة بناء تطلق على ساعة عملية كم تتغرق عملية بناء الدار أو بناء الدار أو بناء العمارة أو بناء المسجد ما دمت أثناء إنشاء المبنى فهذا بناء هذا واحد ثم كلمة بناء تخصص أو تطلق على المبني الذي ليس له شهرة وليس له ميزة وقابل للتغيير والتحوير ككل بيوتنا التي عشنا فيها في صغرنا، كلنا عشنا في بيوت بيتنا كبيت الآخرين، الشارع كله، الزقاق كله، المحلّة كلها نفس البيت غرفتين وحمام ومجلس هذا بناء. إذا كان المبنى ثابتاً وتاريخياً وطويل أمد بالمئات أو بالقرون وغير قابل للتحوير يسمى بنيان. الإعجاز عجيب كل كلمة تعطي صورة دقيقة للمُسمّى بشكل لا يقبل الاختلاف. لاحظ رب العالمين لما قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22) البقرة) ما قال بنياناً لأن بنيان السماء يتغير وهذا ثابت علمياً كما جاء في القرآن (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات) أي أن بناء السماء ليس ثابتاً وعلماء الفلك يقولون الآن شيئاً عجباً في هذا الذي يتغير في السماء، كل جزئية فيها تتغير تتطور تتبدل من مكان إلى مكان فهي ليست ثابتة ثبوتاً مثل الأهرامات. البنيان هو البناء الثابت الذي لا يتغير ويدوم قروناً مثل الأهرامات في مصر، كحدائق بابل في العراق، كالمئذنة التي بناها في المعتصم في سامراء عندما كانت سامراء عاصمة العالم لا تزال على حالها اليوم كما بناها البناء وعمرها ألف سنة تقريباً. برج إيفل، برج بيزا في إيطاليا، بناء الباستيل بناء تاريخي، بناء غوانتنامو سيبقى تاريخياً إلى يوم القيامة. حينئذ كل بناء له مدلول وله شهرة وبناؤه ثابت والكل معني أن يبقى على نسخته الأصلية هذا بنيان (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ (110) التوبة) (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) إلى الآن محرقة سيدنا إبراهيم موجودة في العراق كمحرقة اليهود في ألمانيا موجودة. حينئذ كل بناء له شهرة له مناسبة تاريخي طويل الأمد يُحرص على أن لا يُغير ولا يُبدل ويبقى على حاله الأثرية والآثار ممنوع تغييرها أو تحريفها لكن قد تصان لتعود على وفق ما كانت في اليوم الأول، كل هذا يسمى بنيان. الآن لو تتبعنا كلمة بنيان في القرآن الكريم سنجد ما يلي (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4) الصف) يعني لا يفترق هل تفترق الأهرام؟ هل تختلف مئذنة سامراء؟ متماسكة قوية وحدة واحدة وحدة أثرية هائلة، هكذا يحب الله الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم قطعة مبنية بناء واحد لا يمكن أن يفترقوا التكافل بين الأجنحة وبين عناصر المقاتلين والجيش من ضباط وآلية ومدافع برية وجوية متماسكة تماسكاً هائلاً كأنهم بنيان مرصوص لأن البناء لا يكون إلا مرصوصاً، البناء قد يكون مهلهلاً متغيراً متحوراً متطوراً تهدم وتأتي بغيره أما البنيان يبقى على حاله. أهل الكهف قال تعالى (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ (21) الكهف) إلى الآن أهل الكهف في الأردن موجودين الأردن على حالهم وبناؤهم على حاله الذي كان عليه. (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة) هذا المسجد الذي بني (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة) وهو موجود مكانه إلى الآن كونه أثرياً ومقابله مسجد قباء الذي لا يزال موجوداً أيضاًً. إذن كل بناء إذا كان له قيمة مادية معنوية إذا كانت له قدسية يسمى بنيان. كلمة بُنية لم ترد في القرآن وإنما وردت في الحديث “اللهم رب هذه البُنية” التي هي الكعبة. حينئذ بنيان وبنية تعني أن هذا البناء له أهمية تاريخية قومية أثرية يحرص الكل على بقائه على حاله (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) الشعراء) والآن حيثما ذهبت في العالم والبلد الذي ليس فيه مثل هذه الآثار ليس بلداً ولهذا أصبحت آثار العرب والمسلمين نهباً للأمم الأخرى لكيلا يبقى لنا سجل ولا أدلة على حضارتنا، يقولون أين حضارتكم تعالوا انظروا حضارتنا الرومانية واليونانية والبنايات والبنيات والبنيان يملأ أراضينا فأين أنتم؟ حينئذ سور الصين العظيم بنيان، سور بغداد بنيان إلى أن هُدم في زمن سيدنا عمر ثم بقي قسم منه ثم هدم. إذن كلمة بنيان في الخير والشر، كل بناء له قيمة يعني بنيان لأنها مقدسة يقال بُنية لو لم تكن مقدسة وباقية إلى اليوم يقال بنيان فالبناء متغير فرب العالمين لما أطلقها على السماء هذا إعجاز والعلم يقول أن السماء متغيرة يعني لها مواسم وبعض علماء المسلمين المختصين في مثل هذه الأمور ذكر هذا (وإنا لموسعون) إذن هي ليست ثابتة كالحجر كالصخر. إذن هذا الفرق بين البناء الذي هو بيوتنا كلنا وأنتم تعرفون أن البناء هذا فرحة العمر، كل عائلة يبني لها ربها بيتاً أول مرة تشعر بفرحة ما بعدها فرحة. كلكم قد حدث لكم هذا كنت تسكن بالإيجار، كنت في خيمة، انتقلت إلى بلد آخر وبقيت بالإيجار تؤجر بيتاً سنة سنتين عشرة ثم يسر الله لك الأمر فبنيت بناء أي بنيت بيتاً، هذا البيت مجدك وعزك ولهذا افتخر به العرب:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
وكل الشعراء يتغنون بالبيت حتى الأغاني وكلكم تذكرون من وعى أباه وهو يبني البيت لأول مرة حتى الأسطة الذي بنى البيت يصبح قريباً وحبيباً والأطفال يسموه عمي وصاحب البيت يبقى صديقه وأنا أذكر أول بيت بُني لنا سنة 1941 كنا في الابتدائية وكان الأسطة خليل رحمة الله عليه وبقي إلى أن مات ونحن كبار وهو عندما نراه نحترمه بخشوع ومحبة وندعوه دائماً لأنه يذكرنا بمجدنا عندما بنى لنا البيت. ولهذا رب العالمين جعل هذا البيت له حصانة هائلة ” من نقض على مسلم بيته نقضنا عليه بطنه” أنت تقتحم بيتاً بدون استئذان؟! أو واحد عليه مخالفة أو أحد اشتكى عليه وصدر قرار من المحكمة بإلقاء القبض عليه فاعتصم في بيته لا يقبل أن يسلم نفسه ليس من حق الشرطة أن يقتحموا عليه بيته ولو اقتحموا عليه بيته لسقطت عنه الدعوى وإنما لهم أن يخحاصروا البيت إلى أن يخرج فيأخذوه أما أن ينقبوا البيت ويقتحموه فهذا في الإسلام ممنوع (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا (80) النحل) السكن أمن وراحة، الأمن وحده قد يكون آمناً وغير مريح وقد يكون مريحاً وغير آمن فإذا كان آمنا ومريحاً فهو سكن إذن هذا البيت حدث في العمر ولهذا حتى في الشرع الإسلامي عند بعض الفقهاء كما يقول أحد المفتين المعاصرين إذا واحد ليس عنده بيت ويريد أن يشتري بيتاً لا يمكنه إلا عن طريق قرض ربوي يجوز له ذلك لبيت واحد يسكنه وهذا من باب الضرورة. إذن هذا هو البيت وهذا هو البناء. فالبناء يتعلق بالبيوت التي تتغير أنت تزيد غرفة تحذف غرفة تعمل طابقاً آخر هذا بناء.
د. نجيب: ولذلك سيدي فإن علماء المسلمين قد أولوا البنيان أهمية كبيرة من الناحية العلمية والفقهية فهذا ابن الرامي هو أول من ألف في التاريخ قانون البنيان في كتاب إسمه أحكام البنيان في القرن السابع الهجري ووضع قواعد قانونية شاملة كاملة ومعظم هذه القوانين التي نلمسها اليوم جُلُّها الحديثة منها متوافقة لا ندعي أنهم قد استمدوا منها ولكنهم على الأقل هم سبقوا رجال القانون في وضع المبادئ الخاصة بالبنيان ولعلك تذكر كلمة عمر بن عبد العزيز أن من أسباب السعادة سعة البناء.
د. الكبيسي: أربع من السعادة منها البيت الواسع والزوجة المطيعة والجار المحب والمركب الهانئ.
د. نجيب: والحمد لله الكل يشهد أن ما أسسه المرحوم الشيخ زايد يرحمه الله أن من أهم الأسس التي يستحقها المواطن البيت قبل كل شيء صغيراً كان أم كبيراً غنياً كان أم فقيراً فقد ودع هذه الدنيا ولا يكاد يكون هناك مواطن إلا وقد حظي بهذا الحق والحمد لله.
د. الكبيسي: هذا صحيح وهذا مشهود له بذلك. أيضاً حكام الإمارات الآن بدأوا بل انتهوا من توفير بيت لكل واحد من الجيل الجديد. حينئذ البلدان تُعرف بالبنيان فرب العالمين ذكر عاداً (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الفجر) يعني ذكر أن هؤلاء تركوا هذا المشهد العظيم من أنها بيوت عظيمة ومطلاة بالذهب. فرق بين المشيّدة والمبنية، المشيدة المطلية بأصباغ وألوان وذهب وفضة (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) الحج) مشيد يعني مطلي بأنواع الزخارف الجميلة والثمينة.حينئذ رب العالمين سبحانه وتعالى تحدث عن البيوت بشكل مشرق كما تحدث عن البنيان بشكل مريب من حيث أن البنيان ربما يصاحبه طغيان ولهذا إذا بنت الدولة بنياناً سواء صرحاً كصرح النمرود أو كإرم عاد لظلم الناس وقهرهم وهناك فعلاً دول بطشت بمن حولها قرناً أو قرنين في النهاية رب العالمين لا بد أن يهلكهم كما أهلك عاداً الأولى. فعاد الأولى بقدر ما بطشت في الناس (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (15) فصلت) هذه الإرم كنت مقبرتهم لم يسكنوا فيها ما إن بنوها كانت مقبرتهم، نبيهم كان هود عليه السلام ووصف لهم الجنة فملِكُهُم قال أنا سأبني جنة فبناها فعلاً كوصف هود للجنة فما أن انتهت واكتملت ودخلوا لكي يسكنوها صاح بهم ملك فماتوا جميعهم وقال تعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) النجم) إذن هناك عاد ثانية تظلم الناس في زمانها كما ظلمتهم عاد الأولى في زمانهم ورب العالمين قال إن هؤلاء الذين يتطاولون في بنيان عظيم شاهقات ناطحات سحاب إذا أحسنوا وعدلوا فإن الله لا يهلكهم بل إن الله يعمرها لهم ويزيدهم عمراناً فإذا ظلموا الآخرين وطغوا عليهم فإن الله يهلكهم بصيحة أو بريح أو بعاصفة كما فعل مع عاد الأولى.
د. نجيب: ووجه الشبه بينهما أن ذلك العاد الأولى هو الذي تفرد قوة في الدنيا لم يكن لها ثاني.
د. الكبيسي: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) وإذا بهذه القوة تنقلب عليهم وهذا من قواعد هذا الكون رب العالمين سبحانه وتعالى إذا كانت هناك قوتان متكافئتان نسبياً رب العالمين لا يتدخل يتركهم لظروفهم أما إذا استبدت قوة واحدة طاغية عاتية قوية لا يستطيع أحد أن يجابهها فإن عدلت زاد الله في ملكها وسعتها وقوّاها (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) الأنعام) بظلم أي بشرك حتى لو كان أهلها مؤمنين لكنهم ظلموا الناس فإنهم يزولون وقد زال كثير من الناس من هذه البيوت التي أصبحت هكذا (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى) ولا بد من عاد ثانية وها نحن نرى عاد الثانية تغرق كما غرقت عاد الأولى.
د. نجيب: في أحد التفاسير الجميلة التي قرأتها في قوله تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ (1) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (2) الروم).
د. الكبيسي: هذا سيأتي الآن بعد قليل عندما نتكلم عن يستنبئونك ويستفتونك ويسألونك.
د. الكبيسي: حينئذ هكذا هو موضوع البناء على هذا الجمال. فرق بين البناء والبنيان وكما قلنا أن العرب كانت تتفاخر بهذا كما يقول الحطيئة:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البُنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
والبناء يأتي بالشرف كما يقول
والناس مبتنيان محمود البناية أو ذميم
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكه فسما إليه
كل العرب يفتخر بالبناء سواء كان بناء عام للدولة أو بنيان لمعالمه ويُعرف به فأنت تعرف إيطاليا ببرج بيزا وتعرف فرنسا ببرج إيفل وتعرف العراق بملوية سامراء أو حدائق بابل المعلقة التي هي من عجائب الدنيا السبعة وتعرف دبي بالبرج الذي هو أعلى برج في العالم وسمعنا أن هناك نية لبناء برج ضعف هذا البرج يعني سيكون البلد الأول الذي فيه هذا البناء العظيم مع عدل وخدمة لكل الناس لا تعتدي على أحد وتساعد كل المنكوبين في العالم وتحوي الإمارات على أكثر من عشرة ملايين عائلة تعيش عليها بحلم وصبر وأناة.
البُنية كما قلنا إذا كان البناء مقدساً كما جاء في الدعاء “اللهم رب هذه البُنية” يعني الكعبة.
عندنا كلمة بناء الكلمة هو آخرها المحكم الذي لا يتغير. نحن عندنا عمارة والعمارة هو البناء الذي يدر ربحاً مادياً أو معنوياً أو اقتصادياً
د. نجيب: ولذلك بعض أصحاب المعاجم رتبوا كتبهم القاموسية على اعتبار بنية الكلمة أي آخرها لا أولها.
د. الكبيسي: نعم لأنها ثابتة يقال بناء الكلمة. يقال بنى الرجل بزوجته يعني دخل بها ليلة العرس بنى بناء ثابتاً يأتيه ولد أو بنت يستمر إلى يوم القيامة هذا فلان ابن فلان ابن فلان وهو النسب الأصيل. حينئذ كلمة البناء معروفة. يقول أصحاب التاريخ أعظم البناء بناء الإنسان. أعظم وأكرم بناء على وجه الأرض بناء الإنسان. البناء الكريم كثير بناء مدارس جامعات ناطحات سحاب مستشفيات مساجد مصر تعرف الآن بالأزهر والعراق تعرف بمجسد الإمام أبو حنيفة والكاظم وفي تونس جامع الزيتونة والحرمين الشريفين معروفين لكن أعظم من هذا كله بناء الرجال. أحدهم يقول مادحاً أحد الملوك:
يبني الرجال وبعدها يبني القرى شتان بين قرى وبين رجالِ
فما بالك كما يحصل هنا في الإمارات يومياً يقرأ خبر اجتماع للقيادات الشابة وتدريب القيادات الشابة دورات وفعلاً خلقوا قيادات شابة لبناء الرجال وفي كل مكان وفي كل اختصاص هناك أناس وصلوا إلى مرحلة قيادية وهم شباب هذا بناء الإنسان ويصاحبه بناء الذي نراه في كل شبر ما بقى واحد ما بنى له بيتاً في الإمارت. تعجبني بعض الأبيات
ألف ذي عرش على العرش استوى ليس يدري أن جمع الدار دور
وحده أدركها لما غدا يزرع الناس بغابات القصور
هذا بناء فما بالك لو اجتمع بناء القصور وبناء البيوت وبناء الأبراج وبناء البنيان الذي سيبقى تاريخياً أجيال طويلة مع بناء الإنسان أيضاً وهذا هو المهم لماذا؟ لأن بعض الدول أفلحت فلاحاً عظيماً أيّما فلاح في بناء البنيان والبناء ولكنها لم تفلح في بناء الرجال وأنا يعجبني جداً ما قاله الرئيس أوباما الجديد في أميركا “قد أصبح الشعب الأمريكي شعباً جاهلاً فلا بد أن نلتفت الآن إلى التعليم” وفعلاً هذا الأمريكي الذي بلده يحكم العالم أجهل الناس بأي معلومة يعني أبسط الناس ثقافة في أي مكان في العالم أكثر تقافة من أكبر مثقفيهم لأنهم هم اشتهروا بالمال مال وشركات وعز وحكم وغيره فهذا الجيل خلاف الجيل الذي قبله لا يفهم شيئاً إذن بدأ هذا الرئيس بداية جديدة وجيدة حيث قال سوف نعنى بالتعليم عناية جديدة لكي نبني شعباً متعلماً. إذن بناء الأبراج بناء البيوت بناء البنيان يقتضي أن يكون معه بناء الإنسان، لا ينبغي أن يكون بناؤك هذا العظيم تحته أغبياء جهلة لا بد أن يكون تحته شعب مثقف متعلم وعارف.
د. نجيب: لذلك المفكرون الغربيون هذه الأيام يكتبون في المجلات الجرائد ينادون بعد هذا الانهيار الاقتصادي بضرورة تقوية الجانب الإنساني والنفسي لما أصاب كثيراً من الشعوب من المشاكل النفسية والاجتماعية وظهور كثير من الجرائم بعد هذا الانهيار الاقتصادي فانتبهوا إلى ضرورة الحاجة إلى الجانب النفسي والإيماني والمعنوي.
د. الكبيسي: كلنا نشهد الآن هنا جهد في بناء القيادات لا يمكن أن نلم به. لو قلت لك كم دورة في بناء القيادات في دبي وحدها ناهيك عن أبو ظبي والشارقة وغيرها؟! السؤال أيضاً كلنا نشاهد البنيان، هذا تعمير هذه القابضة أنا وقع بيدي كتاب لصحفي عراقي إسمه مُشرِق كتب بشكل منظم منهجي علمي عن البنيان الذي يجري في دبي نحن لا نعرف عُشر الذي يجري في دبي. فحينئذ هذه الغابة من البنيان والبناء يصاحبها بنيان وبناء للرجال.
ولهذا رب العالمين يتكلم عن يعمر ويعمّر وعمارة (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ (19) التوبة) العمارة هو أن يكون هذا االبناء أو البنيان يدر إما مالاً أو علماً أو قيماً أو ما شاكل ذلك هذا يسمى عمارة.
إتصال من الأخت أم كريم من بريطانيا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. البناء الله سبحانه وتعالى بنى السماء بلا عمد وامرأة فرعون طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يبني لها بيتاً في الجنة والرجل يبني بزوجته والصلاة (أقم الصلاة) فيبدو أن الصلاة هي نوع من البناء لأنها تقام ومن يصلي ويقوم ويقف عالياً هو لا شك نوع من البناء وهنا أسأل الشيخ الفضيل ما رأيناه في العراق من تهديم للبيوت وما نراه الآن في فلسطين من تهديم للبيوت وتشريد الناس ماذا نقول؟ المجرم بلفور عندما وعد اليهود بأرض فلسطين قال لهم (home) يعني بيت لم يقل بلداً وإنما قال لهم بيتاً وعدهم ببيت في فلسطين من هنا أسأل فضيلة الشيخ أن يعطي كلمة لهؤلاء المشردين في غزة خاصة وأننا إذا أعدنا إقامة البناء فسوف يدمره العدو من جديد لأن حتى الأرض أصبحت ملوثة بالتربة النووية التي تركها ذلك العدوان.
الإجابة: هذا من سنن الله في خلقه وأنت لفت نظرنا جزاك الله خيراً إلى قضية مهمة. تحدثنا عن العمران والبنيان والبناء والتشييد والعمارة بما ترون وأن هذا من نِعم الله على عباده، الاعتداء على هذه النعمة وتهديم المدن على أهلها هذا سبب أكيد في زوال القوة المهاجمة بالمائة مائة. أنت تعرفين المغول هدموا بغداد لالكامل وبعدها زالوا وانتثروا بل أصبحوا مسلمين بعدما استيقظت ضمائرهم بعد الذي فعلوه وأنت تعرفين التاريخ كيف أن دجلة فاضت بالحبر لأنهم أحرقوا كل الكتب والدنيا فانتهى المغول الوثنيين وعادوا مسلمين. كابول التي هدمها الإتحاد السوفياتي زال الاتحاد السوفياتي بالكامل، بور سعيد التي دمرها البريطانيون انتهى حكم بريطانيا العنيف وأصبحت بريطانيا دولة ثالثة رابعة، والفلوجة التي هدمت عن بكرة أبيها أيضاً تعرفين ماذا حلّ بأمريكا الآن! وغزة سوف تنهي إسرائيل حتماً والله يا ابنتي أنا أقسم على الله عز وجلّ أنه ما تمر سنوات إلا وسوف ترين إسرائيل أضعف من بيت العنكبوت لما فعلت بغزة لأنه من قواعد هذا الكون أن الله سبحانه وتعالى إذا وجد قوة عاتية ظالمة كاسرة أمام قوة ضعيفة بسيطة ومحقتها فإن الله يمحق تلك القوة القاهرة كما محق الإتحاد السوفياتي ومحق المغول ومحق بريطانيا نسبياً وهو الآن كما تعرفين ماذا يحدث في أميركا ومن يدري ماذا سيحدث بعد عشر عشرين سنة وما فعلته إسرائيل في غزة لن يذهب أبداً وسف ترين. حينئذ هذه الدماء التي سالت والتي لا تزال تحت الأنقاض في كل هذه المدن، في كل هذه المدن بقي ناس تحت الأنقاض هذا ثمن ذلك النصر العظيم النهائي الذي هو نصر من الله بغير أسباب، ما عليك، لقد أديتم دوركم قُتِلتم ودفنتم تحت الأنقاض فانتظروا كيف يفعل الله وكيف يمكر بهؤلاء الناس كما قال تعالى (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الأنعام) وهذه سنة الله في خلقه سواء فعلها مسلمون أو غير مسلمون نصارى أو يهود الكل سوف يقع تحت هذا القيد من قيود الله عز وجل فانتظري وسوف ترين.
إتصال من الشيخ صالح من السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جانب من البناء وهو يعتبر في هذا الوقت من البناء المستغرب وهو بناء هذه الدولة التي أنتم فيها بناء هؤلاء الرجال الذين أنتم أحدهم، إذا ذهبت إلى الشعر تجد أن هناك بنيان وعلم وأدب واقتصاد حقاً أشهد أمام الله أن هذه الدولة بُنيت بناء كاملاً بناها الشيخ زايد رحمة الله عليه وهذه النهضة تعتبر سابقة ومستغربة وأتمنى وضعها في كتاب حتى تستفيد منها الأمم الأخرى. الشيء الآخر افتقدناكم في أيام العدوان الغاشم من العدو الصهيوني ولكن يا شيخ الأمة تشرذمت والأمة افترقت والأمة تهدم البنيان النفسي للرجال فيها فأتمنى منكم يا شيخ ولو على حلقتين أو ثلاث كيف أهلك الله الأمم السابقة وكيف دارت رحى الأمور على الظالمين وأخيراً وليس آخراً ألا لعنة الله على الظالمين.
الإجابة: بارك الله فيك شيخ صالح، نحن في برنامجنا السابق قبل الكلمة وأخواتها الذي كان قبل هذا البرنامج تحدثنا عن قصص القرآن عن هذه الآية التي لا يختلف تطبيقها في كل حال (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس) (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل) تنقلب عليهم تحدثنا عن هذا في وقته وهذا قدر الله في كل الأمم ما من أمة قوية جداً تستولي وتظلم قوة ضعيفة جداً إلا تنقلب تلك القوة على أصحابها فتنتهي وهذا الذي حدث في الاتحاد السوفياتي وفي المغول وفي التتار وفي كثير من الدول التس سادت حينئذ هذا قدر الله عز وجل وتحدثنا عن هذا أيضاً في عدة قنوات في هذه الأيام نظراً لأننا كنا هنا في حالة تجديد وحالة بناء بارك الله فيك.
إذن ننتهي من هذا بأن نقول أن البناء ساعة أدائه أو عندما يكتمل يصبح بناية والعمارة عندما تكون هذه البناية تدر علماً مثل جامعة الأزهر في مصر والمستنصرية في العراق وجامع الزيتونة في تونس أو بناية بنوك أو بناية شركات أو مالاً أو ديناً مثل الكعبة وغيرها هذا يصير عمارة ثم إذا كان تاريخياً يصير بنياناً ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد ونصل إلى حد أن نقول بأن هذا البناء من نِعَم الله على عباده ولا ينبغي أن يكون للطغيان لأن الله تعالى يقول (فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26) النحل) لأن هذا البنيان كان اعتدائياً بنوا بنياناً لكنه كان اعتداء على الآخرين فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم.
إتصال من الأخ نايف من السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أطال الله في عمرك يا شيخ وأطال بعمر من أمثالك ما الفرق بين البناء والعمارة؟
الإجابة: البناء هو المبني (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات) والمسجد بناء ولكن إذا كان هذا البناء يدر – لاحظ الآية (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر (18) التوبة) عندنا بناء وعندنا يعمر “من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة” هذا بناء لكن هذا البناء هناك من يعمره بالذكر والعلم والدراسة جامع الزيتونة وجامع الأزهر هذا علم وحينئذ العمارة إذن المبني الذي فيه ربح والربح قد يكون علماً أو مالاً أو تاريخاً أو أي شيء هذا من باب العمارة هنا من باب الآية (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ) ليس يبنيها لأن يبنيها فهمناها من آية أخرى إنما يعمرها أنت تعرف أن كل هذه العلوم الاسلامية نبتت في الجوامع هذا الدين كما تعلم لا يصلحه إلا المسجد وحينئذ رب العالمين نهى عن الذين يشوشون فيها كما هي الآن مساجد طائفية ناس تكفر ناس والكل هالك وبالتالي هذا الذي يجري في العالم الإسلامي الآن إن بعض المساجد فيها علم وجمعيات خيرية وفيها خير كثير وهناك مساجد ضرار (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة) إلى أن قال (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ (108) التوبة) هكذا هو الأمر.
يسألونك – يستفتونك – يستنبؤنك
ننتقل إلى موضوع آخر يقول الله سبحانه وتعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ (189) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ (217) البقرة) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ (222) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (219) البقرة) نفس المشاكل الفقهية في آيات أخرى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ (176) النساء) (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل) (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) يوسف) لم يقل يسأل وإنما قال يستفتي. عندنا يسألونك يعني واحد واقف يا فلان ما حكم الحيض؟ يقول لك أنت لا يجب أن تأتي حرمتك وهي حائض هذه يسألونك. سؤال آخر عندي واحدة يتيمة وعندها فلوس وأريد أن أتزوجها قال (يستفتونك) لماذا لم يقل هنا يسألونك؟ ثم عندنا ويستنبونك (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) يونس) يا محمد أنت تقول أننا سنموت وهناك حساب وآخرة هل أنت متأكد؟ (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ). لماذا مرة ويسألونك ومرة يستفتونك ومرة يستنبؤنك؟ هذا القرآن معجز ومعجب إذا عرفت أسراره فإنك تعشقه لكن المشكلة والآفة في هذا أنك عندما تتعلم هذا العلم فلن تختم بل تبقى في الصفحة الواحدة أسبوع ما هذه الكلمة. ما هذا الحرف؟ لماذا هنا لام وهناك بون لام هذا أعجوبة ومتعة العقل. لماذا إذن يسألونك ولماذا يستفتونك ولماذا يستنبؤنك؟
إتصال من الأخت أم شريف من السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا والله صعبان علي الأموال التي تذهب في الأسواق لو تتصور كم هي الأسواق يمين وشمال ومباني مصروف عليها أموال كثيرة وأولادنا نرسلهم إلى الخارج يدرسوا فيتغربوا ويأخذوا عادات غريبة عنا ولا يعود هناك حنان بين الأم والأولاد أو بين الأولاد و الآباء لبعد الأولاد عدة سنوات فحرام الأموال التي تُصرف على الأسواق ثم نأخذ من بضاعة الغرب ونبيعها لأولادنا ثم أولادنا يتعلمون ثم يبيعون هذه الأشياء ليس عندهم عقل لكن هنا ندرسهم العلم الصحيح فأرجو أن تنبه الأغنياء كم نعاني نحن الأمهات من غياب الأولاد وجحودهم وكم نعاني من هذا.
الإجابة: يا أم شريف لو شاء الله لبعث نبياً واحداً إنما أرسل أنبياء ولكن لا لا بد من أنبياء وكل واحد له شريعة مختلفة عن الأخرى. والله تعالى بنى جمال هذا الكون على الاختلاف ولو شاء الله لخلق الناس كلهم سحنة واحدة الصيني أو الباكستاني أو الأفريقي لا يمكن وإنما يجب الاختلاف وبالتالي خلق الله أناساً للحروب والله هناك ناس رجال له ضربة أشد من الصخر مثل خالد بن الوليد ونابليون هذا لا ينفع فيه لا الشعر ولا الأدب رجال يريدون مدفعاً وسيفاً خُلِق مقاتلاً، وهناك حسّان خلق شاعراً لا يقدر أن يمسك سيفاً وكان يبقى مع النساء ومرة جاء يهودي بسيفه على خيمة النساء فقالت عائشة يا حسان جاء يهودي قال يا أمي أنا ما خُلقت لهذا وقتلته عائشة لأنه خُلِق شاعراً وآخر رسام وآخر حاكم صلب وساهر على ملكه وبالنالي رب العالمين ما خلق العقول على وتيرة واحدة وإنما كل واحد ميسر لما خُلق له فبناء هذا السوق ضرورة كبناء المسجد فالسوق له رواد والمسجد له رواد ولو شاء رب العالمين ما خلق الخمرة لكن لا خلق الخمرة واخلق معها لبن ناس تشرب لبن وناس تشرب خمرة (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) حينئذ هذا الكون مدرسة واسعة كل يجد فيها مرامه، تصوري لو أن بلداً بلا سوق أو سوق بلا سوق رئيسي مركزي أو سوق بلا بضائع لا أحد يجبرك أن ترسلي ابنك إلى الأسواق الضخمر أرسليه إلى العطّار الذي بجانب بيتك، هناك مقولة تقول :” إن الله يعمِّر هذه الدنيا بقلة عقول أهلها” لو كل الناس يفكرون مثلك ومثلي وهذا الزاهد الذي يجلس في المسجد ما كانت الدنيا عمرت والله يريد لهذه الدنيا أن تعمر (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61) هود) رب العالمين هو الذي خلق هذا لا بد أن تعمروها لذلك كل الأجيال تعمر وتعمّر الدنيا وأنت لديك الخيار. إذا كانت الدنيا كلها مساجد فأين الامتحان؟!
د. نجيب: السائلة تقول أنه صحيح أننا نبني الأسواق لكن لا تكون على حساب الجامعات والمؤسسات العلمية.
د. الكبيسي: لا هو قطعاً لا بل على العكس ونحن نعرف أنه ما من بلد إلا وفيه جامعات مثلاً مصر فيها جامعات قبل الأسواق ودمشق فيها جامعات قبل الأسواق والعراق فيها جامعات قبل الأسواق وكل العالم فيه جامعات قبل الأسواق ومن جديد بدأنا نرى المول والسنتر والأسواق، في المملكة العربية السعودية وأنا زرت جدة مؤخراً فيها مول لكن بعد أن بنوا مدارس وجامعات، هذا مطلوب وهذا مطلوب والحياة لا تحلو بنمط واحد بل إن صاحب النمط الواحد يجب أن يغير بين فترة وفترة لأن كل ابن آدم خطاء ولا يوجد إنسان لا يعجبه أن يُخطئ يوماً “إن الله يحب كل مفتّن تواب” إياكِ أن تزعمي أنه بإمكانك أن تعيشي من ساعة ما ولدت إلى أن تموتي ولا يمكن أن تخطئي، يا ابنتي أبناء أنبياء أحدهما قتل الآخر وأبناء أنبياء إخوة يوسف رموا بأخيهم في الجب وإبراهيم عليه السلام ترك ابنه وزوجه في بواد غير ذي زرع، هذه الحياة ونحن بشر قابلون للصح والخطأ المطلوب أن لا تصر فقط (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال “ما أصرّ من استغفر”.
نعود إلى الفرق بين يسألونك ويستفتونك ويستنبؤنك ولو أن الموضوع شيق وما بقي وقت لكن نبدأ ونكمل في الحلقة القادمة. يسألونك، أنا ما أعرف حكم المحيض أنا سابقاً في الجاهلية حرمتي عندها محيض تغتسل وأنا أباشرها هل هذا حلال أو حرام يا رسول الله؟ قال لا هذا حرام، إذن يريدون علماً الذي يسألك عن شيء لا يعرفه وليس له فيه حكم هذه يسألونك فأجبه (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) النازعات) يسألونك متى الساعة؟ لا يعرفون. إذا أنا أسألك عن شيء لا أعرفه وليس لدي أي خلفية عنه وأنت تعرفه فجاوبني (إسألوا أهل الذكر) أي أهل العلم هذا سؤال. لاحظ كل (يسألونك) عن شيء لا أعرف عنه أي حكم. أما يستفتونك هناك حكمين ناس تقول هذا وناس تقول هذا هناك فريقين أو طائفتين أو حزبين منشقين كل واحد له رأي هذا استفتاء (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ (176) النساء) (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (127) النساء) ناس تقول يمين وناس تقول شمال في الجاهلية ناس قالوا هذه اليتيمة التي في حرجك يحرم عليك مالها وأن تتزوجها وناس قالوا لا يباح مالها ولا يباح زواجها وكان هناك عدة آراء وكل يتبع رأي لذا قال (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) هذا يستفتونك. يستنبؤنك النبأ خير عظيم مهم لا يعرفه غيرك وفي غاية الخطورة، قضية في غاية الخطورة (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) يونس) حينئذ رب العالمين عز وجل يقول لهم إذا أنت سألوك عن أمر لا يمكن أن يعرفه غيرك لأن هذا من الإنفراد والبعد. هذا الفرق بين يستنبؤنك في شيء خطير لا يعرفه غيرك ويسألونك عن حكم علمي معرفي ويستفتونك في أمر وقع بينهم ولهذا علينا أن نفلسف ما معنى الفتوى في هذا الدين هذا الذي اختلف فيها المسلمون اختلافاً كثيراً وسنكمل هذا الموضوع في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
د. نجيب: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف) لا تستفت. شكراً لكم فضيلة الشيخ وجزاكم الله خيراً وإلى اللقاء في الأسبوع القادم إن شاء الله لاستكمال هذا الموضوع المهم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/1/2009م